رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الحادي والعشرون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الحادي والعشرون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الحادية والعشرون
صف سيارته أمام محل ثُريا التي كانت تجلس في محلها كالعادة وعندما رأت سيارة با’هظة الثمـ ـن ر’فعت حدقتيها تطا’لع صاحبها بفضولٍ معتاد، فيما تر’جل الأخير مِنها مغـ ـلقًا بابها خلفه وهو يهند’م حِلته الكـ ـحيلة، فغرت عينيها لتقول محدثةً نفسها:بسم الله ما شاء الله، مين الشا’ب الحليوة اللي جاي دا
أنتبهت أنه يبحث عن شيءٍ ما لذلك وقبل أن تسأله عمَّ يبحث عنه رأته يتقدم مِنها قائلًا بنبرةٍ مهذ’بة لَم تخلو مِن جد’يته:صباح الخير، متعرفيش جعفر ساكن فين
رمقته بذهولٍ لتقول ببلاهة:وأنتَ مين وعايز جعفر ليه
شعر مؤمن بالتطـ ـفل فـ ماذا سيحدث إن أخبرته دون أن تعلم، هل سينتـ ـهي العالم، هل ستخـ ـسر بضا’عتها الثميـ ـنة، أخذ نفسًا عميـ ـقًا ثم ز’فره بهدوء حتى لا يو’بخها وقال مبتسمًا أبتسامة صفـ ـراء:ضيف
شعرت الأخرى بفظا’ظته في الحديث ولذلك تجهـ ـمت معالم وجهها قليلًا وأجابته قائلة:العمارة اللي بعد بعد دي على إيدك اليمين بوابتها سو’دة، الدور التالت
رمـ ـقها بطرف عينه بتهـ ـكمٍ ثم قال:شكرًا يا تيتا
تركها وذهب لتنظر هي إلى أثره بعد أن جحـ ـظت عينيها بصـ ـدمة تقول معـ ـلقةً على حديثه:تيتا؟!، انا بعد دا كله عيـ ـل شحـ ـط مِن دور عيالي يقولي انا يا تيتا؟!، صحيح ناس عد’يمة النظر ومحتاجه كشـ ـف نظر
توجه مؤمن إلى البِنْاية وهو ينظر إلى كل واحدة حتى رأى واحدة تحتوي على باب أسو’د اللو’ن ولذلك عَلِمَ أنها هي، د’فع الباب بهدوء ثم دلف وبدأ يصعد در’جات السُلَّم بهدوء وكلما صعد واحدة تز’داد معها نبـ ـضات قلبه الذي كان يحا’وطه الخو’ف والقـ ـلق مِمَّ هو قادم، وقف أخيرًا أمام باب منزله الذي كان يظن أنه بعـ ـيد كل البعـ ـد عنه، ولَكِنّ كان للقدر رأيًا آخر
قر’ع على الباب عدة مرات بهدوء ثم أنتظر حتى يفتح إليه صاحب الشقة التي يقف أمام بابها الآن، بينما في الداخل ركضت ليان كالعادة كي تفتح باب المنزل ولَكِنّ أوقفها صوته الذي قال:أرجعي تاني
ألتفتت الصغيرة تنظر إليه متعجبة، ليقترب هو مِنها ممسدًا على خصلاتها قائلًا بنبرةٍ هادئة:أرجعي أقعدي مع أختك انا هفتح الباب
أبتسمت إليه وحركت رأسها برفقٍ لتعود مرةٍ أخرى إلى غرفتها صا’فعةً الباب خلفها، بينما نظر هو إلى طيف زوجته التي كانت تقف داخل المطبخ ليتوجه إلى الباب بخطواتٍ هادئة، فُتِحَ باب المنزل ليظهر إليه مؤمن الذي كان يقف بثبا’تٍ ينظر إليه فيما توقف جعفر في المقابل بثبا’ته المعتاد ينظر إليه بهدوء
وها هي تتلا’قى الأعين وها هو يصر’خ القلب مطالبًا بـ إعتـ ـناق الآخر الذي تر’كه وهو’ىٰ إلى سبعين قا’ع دون الظهور مرةٍ أخرى، هذا رأى عمه بولده وذاك رأى أخًا كان كـ الد’رع الحا’مي لهُ منذ الصغر، لَم يكن يعلم مؤمن أنه سيتأ’ثر وير’ق قلبه عندما يراه فقد كان مثلما تو’قع، يرى عدنان الصغير أمامه كما كان يقول والده دومًا
«أنتَ جعفر؟» نطق بها مؤمن متر’قبًا إجابة الآخر الذي كان ينظر إليه دون أن يتحدث حتى سأله ذاك السؤال ليُحرك رأسه برفقٍ مؤكدًا إجابته على سؤال مؤمن الذي لمعت العبرات في ملقتيه وأرتسمت السعادة على وجهه وأعـ ـتلت الأبتسامة ثغره وهو لا يصدق
«انا مؤمن راضي المحمدي، إبن عمك!»
كان جعفر يقف صامتًا مكانه دون أن يتحدث، فقط ينظر إليه يتأمل معالم وجه الآخر الذي كان ينظر إليه والعبرات تلتمع في ملقتيه، أبتـ ـلع الآخر تلك الغـ ـصة التي كانت تسـ ـبب لهُ أختنا’قًا وأفسح لهُ الطريق وأشار إليه بالدلوف قائلًا بنبرةٍ هادئة على عكـ ـس طبيعتهِ:أتفضل
دلف مؤمن بخطى هادئةٍ ووقف بجوار الباب الذي أغـ ـلقهُ ودلف إلى الداخل قائلًا:تعالى
لَحِقَ بهِ مؤمن ليرى جعفر يُشير إليه قائلًا:أقعد
جلس مؤمن بشـ ـموخٍ كعادتهِ ووقارٍ أكتسبهُ مِن والده الحبيب ينظر إلى جعفر الذي جلس على المقعد المقابل إليه بكل وقارٍ وبرغم معرفتهُ بهِ ولَكِنّهُ لَم يهـ ـتز ولو للحظة، قا’طع هذا الصمتُ المـ ـريب الذي سا’د المكان جعفر الذي قال بنبرةٍ هادئة:تشرب إيه
«قهوة سادة» نطق بها مؤمن بنبرةٍ جا’مدة وهو ينظر إليه لتعلو الأبتسامه ثغـ ـر الآخر الذي نهض قائلًا:على ر’وح المـ ـرحوم إن شاء الله
تركه وتوجه إلى المطبخ، بينما كان مؤمن مذهولًا لا يصدق ما سمعهُ منذ لحظات، أي مـ ـرحومٍ ذاك الذي يتحدث عنهُ جعفر بصيغة الغا’ئب، نظر إلى أثـ ـره بطـ ـرف عينه وهو يعـ ـقد المسافة ما بين حاجبيه ولَكِنّهُ قام بتجا’هل كل ذلك ووضع كامل تركيزه في كيفية إقنا’ع جعفر أنه يمـ ـلُّك عائلة وليس وحيدًا بدون عائلة
نظرت بيلا إلى زوجها نظرة عتا’ب بعد أن أستمعت إلى ما قاله زوجها إلى مؤمن وقالت بنبرةٍ معا’تبة:ينفع يعني الكلمتين اللي قولتهم دول
رمـ ـقها جعفر نظرة ذات معنى ثم ر’فع حاجبه الأيمن عا’ليًا وقال بنبرةٍ فا’ترة:مش هيا’كلوا مِنُه حِتة يعني، مش هيتعلـ ـقلي المشـ ـنقة
أشا’حت ببصرها بعيـ ـدًا عنهُ وهي تز’فر بقـ ـلة حـ ـيلة على أفعا’ل زوجها لتسمعه يقول:أعملي أتنين قهوة ولمَ تخلصي عرفيني
تركها وخرج وهو يتمتم قائلًا:أما نفوق لـ البـ ـلوة الجديدة ونشوف أخـ ـرتها إيه
سَمِعَت ما قاله أثناء خروجه لتنظر إلى أثـ ـره وهي حقًا لا تعلم لِمَ يُعامله بهذه الوقا’حة فهي حتى الآن لَم تسمع أي شيءٍ قاله مؤمن حتى يجعل الآخر يتعامل معهُ بفتـ ـورٍ، بينما عاد جعفر إليه مرةٍ أخرى وجلس مكانه ينظر إلى مؤمن قائلًا بنبرةٍ با’ردة:خير يا أستاذ مؤمن، جايلي ليه
تعجب مؤمن مِن وقا’حتهِ معه في الحديث وفي الحقيقة لا يعلم ماذا فعل حتى يحظى بهذه المعاملة التي يكر’هها ولا يُحبّ أن يُعاملهُ أحدٌ بها، ولَكِنّ لا بأس يجب أن يتحـ ـملهُ قليلًا فهو مازال غر’يبًا عليه وهذا حقه، نظـ ـف مؤمن حلـ ـقه وأعتدل في جلسته ينظر إلى جعفر الذي كان ير’مقه بنظراتٍ كالسها’م
«في الحقيقة يا جعفر وقبل ما أتكلم وأقول أي حاجه يا ريت بلاش رسـ ـميات أنتَ مِن دوري يعني تقولي مؤمن على طول» نطق بها مؤمن بجد’يةٍ لا تقبل المزاح البتة وهو ينظر إلى جعفر ليراه يبتسم بزا’وية فمه بسخـ ـريةٍ ثم قال:دي اللي ضا’يقتك أوي يعني
أز’داد تعجبه أكثر فهو في حياته لَم يرى شخصًا و’قحًا مثل جعفر أمامه الآن، يبدو أنه مجبـ ـرًا على الجلوس معه والأستماع إليه، نعم هذا ما يظهره إليه جعفر الآن، ولَكِنّ حاول مؤمن تجا’هل ذلك أيضًا وهذه عكـ ـس طبيعته ونظرًا لأنه الآن في أرضه وبداخل منزله ولذلك قرر التغا’ضي عن أي فعلٍ سيفعله جعفر حتى ينتـ ـهي مِن تلك المهـ ـمة التي وكلـ ـها إليه أبيه
«أولًا وقبل أي كلام هقوله حابب أعرَّفك بنفسي، انا مؤمن راضي المحمدي عندي واحد وتلاتين سنة متجوز وعندي ولـ ـدين توأم، مهندس برمجة، عايزك تفُـ ـك كدا وتسمعني ومِن غير تهو’رات وأفعا’ل طا’يشة انا جاي النهاردة أتكلم معاك وأفهمك كل حاجه انا بقالي خمس سنين عمال أ’لف عليك لدرجة إني دو’رت عليك بره مصر بعد ما يأ’ست إني ألاقيك هنا، مبدئيًا أنتَ تعرف إن أسمك جعفر عدنان، بس جعفر مش أسمك الحقيقي»
عقد جعفر المسافة بين حاجبيه وهو ينظر إليه مستنكرًا جملته الأخيرة والغر’يبة على مسا’معه، بينما تفهم مؤمن أستنكاره الواضح أمام عينيه ولذلك أسترسل حديثه بنبرةٍ أكثر هدوئًا عن ذي قبل وأضاف قائلًا:
«هو للأ’سف الشـ ـديد إن طلـ ـعلك شها’دتين ميلاد كل شها’دة بإسم مخـ ـتلف، عمي عدنان رحمة الله عليه طلعلك أول شها’دة بإسم “يـوسف”، وأسمك أصبح “يوسف عدنان المحمدي”، وقتها عمي عدنان أكّـ ـد على الكل وقالهم انا سميت أبنـ ـي “يـوسف”، وقتها كانوا كلهم مبسوطين أول أبـ ـن لِيه فـ كانت السعادة مش سيعاه، ولمَ كملت خمس سنين وحصل اللي حصل وعمي عدنان ومرات عمي تو’فاهم الله ووصلنا الخبـ ـر كُنْت أنتَ وأختك أختفـ ـيتوا، بابا وقتها فكر فيك أنتَ وأختك وكان ناوي ياخدكم عندنا وير’عاكم بس حصل عكس كل حاجه كان مر’تبلها، فضلنا نفكر وند’ور وفـ نفس الوقت كانوا عايزين يمـ ـسكوا مراته التانيه اللي كانت السـ ـبب الر’ئيسي فـ كل حاجه، عمي عدنان كان بيحبّ طنط “شـاهي” جدًا، يعني لو طلبت نجمة مِن السما يجيبهالها ميقولهاش لا، عكس الأولى كانت عامله زَّي الجـ ـبل، مبتتـ ـهدش، عملنا العـ ـزا ووقتها بابا كان فـ وادي تاني، الضغـ ـط علّـ ـي أكتر وكان عنده شبه جلـ ـطة بس ربنا كان رحيم بيه وعدت على خير، بابا وعمامي التلاتة التانيين فضلوا يدوروا عليك بس بدو’ن فايدة، بعدها وصـ ـلنا خبر مو’ت مرات عمي الأولى بعد ما خبـ ـطتها عربية جا’بت أجـ ـلها، دا وقتها كان ردّ ربنا، قتـ ـلت رو’حين مع إنها مفكرتش هو ليه راح أتجـ ـوز عليها مِن وراها وأبسط حاجه كانت ممكن تطلبها الطلا’ق»
كان جعفر يستمع إليه والصـ ـدمة تحتـ ـل معالم وجهه، صـ ـدمته الأولى أنه يمـ ـلُك عائلة حقًا وليست دُعا’بة، والأخرى أنه يمـ ـلُك شها’دتين ميلاد، الأولى تحمل أسم “يـوسف” وليس “جـعفر” مثلما أعتاد منذُ الصغر، والأخرى ليست سوى حا’دث مو’ت أبيه ووالدته الذي يعلمه عن ظهر قلب حينما قـ ـصّت عليه “غـزالة” الحقيقة، ترى ما الذي ينتظره بعد قليل، هل تكون والدته مازالت على قيـ ـد الحياة ويكون كل ذلك حُلمًا يستيقظ مِنهُ وير’تمي بأحضانها
ولِمَ لا فـ لقد أصبح كل شيءٍ وكأنه كالد’وامة بالنسبةِ إليه، وعند هذه الفكرة وشعر بقلبه ينقـ ـبض، هل حقًا مِنّ الممكن أن تكون والدته على قيـ ـد الحياة ووالدة علياء حينها تهيئت إليها أنها فا’رقت الحياة، فقد شعر مِن نظرة مؤمن الزا’ئغة ونبرة صوته المـ ـذبذبة حينما ذكر والدته أنه يعلم شيئًا ولا يُريد الإفصا’ح عنهُ
أخرجه مِن دوامته الكبيرة تلك صوت زوجته التي قامت بمنا’داته مؤ’خرًا تجـ ـذبه مِن أفكاره المتد’اخلة والمعقـ ـدة التي أستحو’ذت عليه، ترك “مؤمن” مكانه وأقترب مِنها وعلى معالم وجهه يظهر التخـ ـبط والحيـ ـرة، وهذا بسـ ـبب حديث “مؤمن”، نظرت إليه فقد أستمعت إلى حديث “مؤمن” الذي كان يصل إليها في الداخل بوضوح، وهي حقًا شعرت بما يعا’نيه هذا المسـ ـكين أمامها ولذلك لَم تتر’دد وحاوطته بذراعيها تمسّد على ظهره برفقٍ شـ ـديد
ضمها جعفر بقو’ة وشـ ـدد مِن عناقه إليها وكأنه يحـ ـتمي بها بعد أن تكا’لبت عليه الصعا’ب وأقسمت على معا’قبته دون ر’حمةٍ أو شفـ ـقة، ربتت على ظهره برفقٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:حساه صادق، آه مشوفتهوش بس نبرة صوته وثبا’ته بيقولوا إنه صادق ولازم تسمعه، يمكن تـ ـرتاح على إيده يا جعفر وحياتك تمـ ـشي طبيعي مِن غير وجـ ـع قلب ولا مشا’كل
أبتعد عنها جعفر ينظر إليها بعد أن ظهر الضـ ـعف على معالم وجهه وخـ ـيَم الحز’ن عليه وقد عادت جـ ـراحه التي سعـ ـى في مـ ـداواتها سنين تنزُ’ف مرةٍ أخرى، ومعها عاد إليه الما’ضي الأسو’د يها’جمه سا’عيًا لـ تسـ ـديد ضـ ـربته القا’ضية إليه، لثمت وجنته بـ قْبّلة حنونة تابعتها مربتةً على كتفه قائلة بنبرةٍ هادئة مشـ ـجعة:أطلعله وأسمع مِنُه، أمـ ـسك نفسك شويه انا حاسه إن ربنا هيجبر بخاطرك بعد القاعدة دي
«حاسس بـ إحساس غريب أوي، نفسي يكون صح، وبعدها مش عايز أي حاجه مِن الدنيا واللهِ» نطق بها جعفر بنبرةٍ مـ ـذبذبة وهو ينظر إليها بعد أن ألتمعت العبرات في ملقتيه، بينما نظرت هي إليه بإهتمامٍ وقالت بنبرةٍ هادئة متسائلة:إيه هو؟
«نفسي يقولي إن أمي عا’يشة مما’تتش، حسيت أول ما جاب سيرتها إن حاجه جو’ايا أتهـ ـزت جا’مد، جوايا حاجه أتحـ ـركت وصوت بيقولي إنها عا’يشة ومما’تش، تفتكري ربنا كان رحيم بيها وعشان كدا فضلت فيها الر’وح لحد ما حدّ سا’عدها، طب أبويا وهقول ماشي خد طعـ ـنتين را’ح فـ التانية، بس أمي مخدتش غير واحدة، الطـ ـعنة لو كانت فـ القـ ـلب على طول هقول ماشي تمو’ت على طول، بس محدش قال مكان الطعـ ـنة كان فين، حتى غزالة نفسها قالت نفس الشيء أبويا خد أتنين فـ ضهـ ـره وأمي خدت واحدة ومتذكرش مكانها، تفتكري تكون عا’يشة بجد وانا بعيـ ـد عن حضنها كل السنين دي، خمسة وعشرين سنة بعيـ ـد عن حضنها»
ربتت على صـ ـدره الذي كان يعـ ـلو ويهـ ـبط بشكلٍ ملحوظ وهو يشعر أن النير’ان تتأ’كله حـ ـيًا، فإن صدق حـ ـدثه لا يعلم ماذا سيفعل وكيف سيكون ردّه، تحدثت بيلا بعد أن ألتمعت العبرات في ملقتيها وقالت:يا عالم، محدش يعرف حاجه يا جعفر، انا شايفه إنك تخرج وتكمل معاه واللي عايز أجابته هيقولك عليه أكيد مش هيخـ ـبي عنك حاجه، أهدى بس وأمـ ـسك نفسك
سحـ ـب نفسًا عمـ ـيقًا داخل رئـ ـتيه ثم أخـ ـرجه بهدوءٍ وأغمض عينيه قليلًا وهو يُحاول التما’سك قدر المستطاع حتى يستطيع سماع بقية الحقيقة، مسح على وجهه جيدًا ثم أخذ الصينية الصغيرة التي يعتـ ـليها فنجانين القهوة وخـ ـرج إليه مرةٍ أخرى، بينما وقفت بيلا تنظر إلى أثـ ـره بحـ ـزنٍ شـ ـديد وهي تتابع حركاته وتتمنى أن تدخل الراحة قـ ـلبه ور’وحه المتعـ ـبة والمـ ـرهقة التي أستطاعت الأيام تقـ ـييدها وجـ ـلدها دون ر’حمة أو شـ ـفقة
وضع الصينية على سطح الطاولة ثم جلس مكانه مرةٍ أخرى ونظر إلى “مؤمن” مشيرًا إليه نحوه فنجانه دون أن يتحدث وهو يشـ ـيح ببصره بعـ ـيدًا عنه، نظر إليه “مؤمن” نظرة ذات معنى وهو يعلم أنه مضـ ـطرب الآن بعد ما قاله ولَكِنّ لا بأ’س يتأ’لم الآن وينعم بالراحة بعدها إلى الأبد، أعتـ ـدل “مؤمن” في جلسته وقال:حابب أكمل
حرك جعفر رأسه برفقٍ وهو يحـ ـسه على إكمال حديثه وسماع المزيد مِن الصـ ـدمات والآ’هات، فهو يرى أنها فرصة ذهبية حتى يعلم ما’هيته التي لم يعثـ ـر عليها حتى الآن
«بس يا سيدي، فضلنا ندو’ر عليك ومسكتناش حتى بعد كل السنين دي بابا صمم يدور تاني وتالت وعاشر لحد ما يلاقيك، وبالصدفة كُنْت قريب مِن المكان هنا وسمعت واحد بيجيب سيرتك، الإسم المسـ ـتعار اللي متسجل في الشها’دة التانية اللي طلعتها السـ ـت اللي خـ ـدتك أنتَ وأختك عشان محدش يشـ ـك فيها وياخدوها، أسمك الحقيقي “يـوسف”، جعفر دا فـ الشها’دة التانيه اللي را’حت ضـ ـربتها فـ السجـ ـل ومخدتش فيها خمس دقايق، السـ ـت دي هي نفسها اللي كانت تعرف أمـ ـك وراحت قالتلها تتجو’ز أبوك اللي فـ الأصل جوز أم علياء لأنها مكانتش بتخـ ـلف وقعدت خمس سنين متخـ ـلفش وفـ السنة التالتة أبوك ز’هق وراح أتجو’ز طنط “شـاهي” بعد ما السـ ـت دي لعـ ـبتها عليه صح وأقنـ ـعته إنه حـ ـقه وعادي، وهو فعلًا أتجو’ز طنط “شـاهي” مِن وراها وجيت أنتَ وبعدها أختك، وبعدها ولـ ـد وبـ ـنت تانيين بس دول منعرفش عنهم أي حاجه، السـ ـت اللي كُنْت عايش معاها دي هي نفسها اللي راحت قالت لـ أم علياء على جو’از عمي مِن طنط “شـاهي”، يعني كل اللي حصل دا سـ ـببه الر’ئيسي السـ ـت دي، كله كان متخـ ـطط ومد’روس كل دا مكانش صـ ـدفة عابـ ـرة يا “يـوسف”»
أنهـ ـى حديثه بهذا الإسم المحبب إلى قلبه، ذاك الإسم الذي ظل ينام ويبكي منا’ديًا إياه بهِ منذ صغره، ولَم يستطع هو تما’لُك نفسه ومنا’داته بإسمه الحقيقي، أنهـ ـى حديثه وألتمعت عيناه حُبًّا وشو’قًا إلى إبن عمه الذي يراه أمامه أخيرًا بعد مرور هذه السنوات
«هسألك أهم سؤال وتجاوب عليا بمنتـ ـهى الصراحة، ولو جاوبت تبقى شيـ ـلت السـ ـكينة اللي محـ ـطوطة على رقـ ـبتي سنين ورحـ ـمتني مِن العذ’اب والو’جع إللي انا فيه دلوقتي» نطق بها جعفر فجأ’ة وهو ينظر إليه بعد أن ألتمعت العبرات بشكلٍ واضح وكثـ ـيف دا’خل ملقتيه تزامنًا ما قوله هذه الكلمات بنبرةٍ متأ’هبة لَم تخـ ـلو مِن رجـ ـفتها
أنصـ ـب كامل تركيز “مؤمن” على وجه جعفر ينتظر سؤاله بإهتمامٍ جلـ ـى على معالم وجهه، تر’ك فنجان القهوة ونظر إليه قائلًا بنبرةٍ هادئة:قول وأوعدك هجاوبك بكل صراحة ومصد’قية ومش هكد’ب عليك
«أُمـي عـا’يشة؟» نطق بها جعفر دون سا’بق إنذ’ار وهو ينظر إلى “مؤمن” متر’قبًا تعابير وجهه ور’دات فعله، بينما ظل “مؤمن” ينظر إليه قليلًا بهدوءٍ دون أن يصدر أي ردّ فعل لمدة خمس دقائق، وفي النها’ية رأى بسمة “مؤمن” التي جعلته يتأ’هب لسماع الر’دّ الذي يتمناه وبشـ ـدة الآن
«أيـوه يا “يـوسف”، طنط “شـاهي” عـا’يشة» نطق بها “مؤمن” بصدقٍ تا’م والبسمة تعـ ـلو ثغره، بينما ترا’خت أعصا’به المشـ ـدودة وتسا’قطت الدموع التي كان يمنـ ـعها أخيرًا مظـ ـهرةً ضعـ ـفه وقهـ ـرته، ذاك الشا’ب الذي كان يريد أبسط حقو’قه كـ إنسان حُرِ’مَ مِنها، تعا’لت وتير’ة أنفاسه وهو يجاهـ ـد نفسه كي لا ينفجـ ـر أمامه ويُخـ ـرج ما يكـ ـمُن دا’خله منذ عدة سنوات، آهٍ وألف آه على تلك الحياة التي تُجـ ـبرنا على التعايش في أوضا’عٍ لا نُريدها، تفر’ض سيطـ ـرتها وكم هي مليـ ـئة بالمتا’عب والمصا’عب التي لا يتحـ ـملها بشري
بكى جعفر على كل شيء، يبكي على طفلٍ صغير حُرِ’مَ مِن عائلته وطفولته، ويبكي على ذاك المـ ـراهق الذي ذُ’بِحَ أمام الجميع وأصبح بلى نفـ ـعة، ويبكي على هذا الشا’ب الذي مِن المفترض أنه يعيش زهرة شبا’به مستقبلًا الحياة ببسمةٍ صافية، يبكي على ما مَر بهِ وعا’ناه في وحد’ته، يبكي على حـ ـرمانه مِن عناق أكثر النـ ـساء أحتياجًا لها، تلك الحنونة البشوشة، مازال يتذكر معالم وجهها الجميلة والهادئة، يتذكر هذا الصغير الذي كان يركض إليها يحتـ ـمي داخل أحضانها حينما يعا’قبه عدنان على أخـ ـطأه
ولَكِنّ هل مِن المفترض أن نبكي على نصف اللبن المسـ ـكوب، أم نرى الجانب المشرق مِن هذه المعا’ناة، لقد حُرِ’مَ مِن كل شيء، ولَكِنّ لَم يُرد الله أن يحـ ـرمه مِن والدته، علّها تز’يل تلك الثقو’ب السـ ـود’اء وجعل هذا القلب المـ ـد’مي وتلك الرو’ح المتها’لكة في العيش مرةٍ أخرى والأستمتاع بلذتها
نهض “مؤمن” وأقترب مِنهُ ليجـ ـذبه برفقٍ مِن جلسته ضاممًا إياه إلى أحضانه بقو’ةٍ ومشـ ـددًا على عناقه إليه مربتًا على ظهره، بادله جعفر عناقه وشـ ـدد عليه مكملًا وصلة بكاءه ونحـ ـيبه داخل أحضانه، ألتمعت العبرات في ملقتي “مؤمن” فهو حتى الآن لا يصدق أنه يحتضن أخيه وإبن عمه الذي سعـ ـى في العثور عليه
سقـ ـطت دموع بيلا التي كانت تقف خلف الستار تنظر إليهما والأبتسامة تعـ ـلو ثغرها والفرحة تغمـ ـر قلبها، فها هي ترى فردًا مِن أفراد عائلته بعد مرور هذه السنوات، أعتـ ـلت الأبتسامه ثغرها وشعرت أن قلبها يترا’قص فرحًا، أبتـ ـعد “مؤمن” عنه وهو ينظر إلى معالم وجه إبن عمه الحَبيب وقال بنبرةٍ با’كية:كُلك عدنان يا “يـوسف”، كُلك هو مسيبـ ـتش حاجه غير وخد’تها مِنُه، طنط “شـاهي” قلـ ـبها هيتنـ ـطط مِن الفرحة أول ما تشوفك
أبتسم إليه جعفر وعانقه مرةٍ أخرى مشـ ـددًا مِن عناقه إليه والأبتسامة تزين ثغره، فهو الآن أسعد إنسان على وجه الأرض، ربت “مؤمن” على ظهره برفقٍ ليبتعـ ـد عنه جعفر، بينما كانت هي لا تستطع الأنتظار أكثر مِن ذلك، ولذلك عندما تقا’بلت أعينهما مع بعضهما البعض ركضت هي إليه تر’تمي بأحضانه تضمه بسعادةٍ كبيرة، بينما أستقبلها هو بسعادةٍ حقيقية يشعر بها ولأول مرة
أبتسم “مؤمن” وشعر بالراحة عندما نفـ ـذ تلك المهـ ـمة التي كانت مستـ ـحيلة بالنسبة إليه، أنسحـ ـب بعيدًا وهو يضع هاتفه على أذنه قائلًا بنبرةٍ أعر’بت عن سعادتهِ وإتما’م مهمـ ـتهِ:حصل يا كبير، الحمد لله، لا طبعًا مش هسيـ ـبه غير وهو فـ إيدي، أهم حاجه أوعى تقول حاجه لـ طنط “شـاهي” انا عايزها هي تتعرف عليه لوحدها، تمام
أنهـ ـى مكالمته مع والده وعاد إليه مرةٍ أخرى وهو ينظر إليه وأبتسم مجددًا عندما ألتفت إليه جعفر ينظر إليه ليقول مبتسمًا:نسيت أعرفك، بيلا مراتي
نظر إليها “مؤمن” وأبتسم مرحبًا بها ليوجه جعفر حديثه إلى بيلا وقال:ودا “مؤمن” إبن عمي
أبتسمت إليه بيلا كذلك ورحبت بهِ بحفاوة، نظر إليه “مؤمن” وقال بشو’ق:واحشني يا “يـوسف”
«ما بلاش “يـوسف” دي مش متعود عليه، قولي جعفر» نطق بها جعفر ليرى الرفـ ـض مِن قِبَل “مؤمن” الذي قال:وانا مش متعود على جعفر، وعايز أقولك “يـوسف”
يبدو وكأنهما متنا’قضين، ولَكِنّ هذا ليس صحيحًا فكلٌ مِنهما تعود على أسمًا مختـ ـلفًا ولذلك يبدوان وكأنهما متنا’قضين، تحدثت بيلا بتعجبٍ وقالت وهي تنظر إلى زوجها بإستنكار:”يـوسف!”
«آه “يـوسف”، أسمه الحقيقي “يـوسف” مش جعفر، دا كان مجرد أسم عشان يتد’ارى وراه بلا’وي وكو’ارث، إنما “يـوسف”، إسم أطيب وأحن وأو’فى واحد فـ الدنيا» نطق بها “مؤمن” الذي نظر إلى إبن عمه مبتسمًا، نظرت بيلا إلى جعفر وقالت بيأسٍ واضح:بس انا أتعودت أقولك يا جعفر، هقولك “يـوسف” إزاي
«مش مهم تقولي “يـوسف”، قوليلي جعفر بحبّه أكتر» نطق بها جعفر إليها وهو ينظر لها مبتسمًا، فمهما كان أسمه الحقيقي سيكون أسم “جـعفر” هو المُحبب إليه، بينما أبتسمت بيلا برضا إليه وعانقته مرةٍ أخرى وهي تشعر بالراحة حينما رأت أبتسامة زوجها الحبيب وسعادته التي جعلته شخصًا آخر أمامها
فُتِحَ باب الغرفة لتخرج ليان تقف على عتـ ـبة غرفتها تنظر إلى والدها، نظر إليها جعفر ويليه “مؤمن” وبيلا ليتعجب الثانِ وينظر إلى جعفر الذي قال مبتسمًا:تعالي
خضـ ـعت إليه صغيرته وأقتربت مِنهُ وهي تتلا’شى أنظار الآخر الذي كان كالغر’يب بالنسبةِ إليها، أنحنـ ـى جعفر بجـ ـذعه وحملها على ذراعه ثم لثم وجنتها الصغيرة ونظر إلى “مؤمن” وأبتسم قائلًا:أحبّ أعرَّفك بـ حبيبة قلبي والحـ ـتة الشـ ـمال، ليان جعفر عدنان، فرحتي الأولى
تفا’جئ “مؤمن” ونظر إلى الصغيرة التي كانت تتشـ ـبث في عـ ـنق أبيها وتنظر إليه بهدوء، أبتسم إليها بحنو ليسمع جعفر يوجه حديثه إليها معرفًا إياها عليه قائلًا:دا عمو “مؤمن”، يبقى إبن عمي، سلّمي عليه
أبتسمت إليه ليان فور أن أنهـ ـى جعفر حديثه ليقول “مؤمن” وهو ينظر إلى جعفر مبتسمًا:بسم الله ما شاء الله، قمر أوي يا “يـوسف”، هما بـ ـنات العيلة حلوين أوي كدا، دا على كدا منجو’زهمش بقى
ضحك جعفر بخفة وقال:دي بقى رو’حي، ونسخة مصـ ـغرة مِني، انا وهي متعـ ـلقين ببعض، عندها خمس سنين
«أصغر مِن ولا’دي بـ سنتين، ولا’دي سبع سنين» نطق بها “مؤمن” مبتسمًا وهو ينظر إلى ليان، تلك الصغيرة التي أحبّها فور أن رأها، وكأنها قامت بسحـ ـره مثلما فعلت مع كين وسراج مسبقًا، ولَكِنّ كيف لا يُحبّها وهي تمـ ـلُك كل شيءٍ جميل
«دي بقى لين، فرحتي التانية، يا دوبك لسه شهر» نطق بها جعفر بعد أن نظر إلى صغيرته لين التي أحضرتها بيلا مِن فراشها مؤ’خرًا لينظر إليها “مؤمن” ويقول:بسم الله اللهم بارك، ما شاء الله ربنا يحميها ويحفظهالك يارب هي والكتكوتة القمر دي
أبتسم جعفر ونظر إلى صغيرته التي عانقته ود’فنت رأسها الصغيرة دا’خل عـ ـنقه ليضحك هو بخفة ويقول:معلش يا “مؤمن” بنـ ـتي بتتكـ ـسف حبتين تلاتة كدا، عشان لسه غر’يب عنها بس شويه وهتتعو’د عليك
أبتسم “مؤمن” وقال:لسه الأيام بينا طو’يلة وهتا’خد عليا متقـ ـلقش، يلا بقى
«يلا فين!» نطق بها جعفر متعجبًا وهو ينظر إلى “مؤمن” الذي قال مستنكرًا:يلا عشان نمشي نروح البيت؟!
تعجبت بيلا ونظرت إلى جعفر الذي قال بنبرةٍ هادئة:لا للأسف مش هقدر أجي معاك دلوقتي
«ليه؟» سأله “مؤمن” بهدوءٍ وهو ينظر إليه منتظرًا سماع إجابته، أجابه بالحق جعفر قائلًا:لازم أطـ ـلع مشوار كدا الأول، ممكن نخلّيها وقت تاني
«ليه رايح فين؟» سأله “مؤمن” مرةٍ أخرى متعجبًا ليأتيه ردّ الآخر الذي زفـ ـر بهدوءٍ وقال:هطـ ـلع على المستشفى، صاحبي بيعمل عمـ ـلية كبيـ ـرة ولازم أكون جنبه
تفهم “مؤمن” الأمر ولذلك قال:طب يلا وهاجي معاك نتطمن عليه سوى
نظر إليه جعفر قليلًا ليأتيه صوت الآخر الذي قال بجـ ـديةٍ لا تقبل المزاح:لا ما أنتَ متحلـ ـمش عشان انا مش هسيبك بعد ما لقيتك تاني خلاص
زفـ ـر جعفر بعمـ ـقٍ ثم أستسـ ـلم إليه بعد أن رأى الجـ ـدية تحتـ ـل معالم وجهه وقال:ماشي يا سيدي، يلا
أنز’ل صغيرته أرضًا ثم أشار إلى “مؤمن” الذي ود’ع الصغيرة وخرج، بينما ألتفت جعفر ينظر إلى زوجته وقال بنبرةٍ هادئة لَم تخـ ـلو مِنها السعادة قائلًا:هروح أتطمن على لؤي وهفضل معاه لحد ما يخرج بالسلامة، أول ما أتطمن عليه هرجع على طول وأنتِ أرتاحي شويه عشان شكلك تعبا’نه
حركت رأسها برفقٍ شـ ـديد إليه وأبتسمت بوجهه قائلة:روح وأبقى طمني عشان فاطمة مبتردّش على موبايلها
حرك رأسه برفقٍ إليها ثم لثم وجنتها بـ قْبّلةٍ حنونة ثم فعل المثل مع صغيرته ليتركهما بعد ذلك ويخـ ـرج مِن منزله مغـ ـلقًا الباب خلفه، بينما أخذت بيلا صغيرتها ودلفت إلى الغرفة حتى تُبدل ملابسها وتحظى بـ قيلو’لة عميـ ـقة فقد شعرت حقًا بالإرها’ق ولذلك قررت أن تر’تاح حتى يعود جعفر إليها مرةٍ أخرى
بينما توجه جعفر بجوار “مؤمن” إلى سيارته لتراه ثُريا التي قالت:علي فين كدا يا بلطـ ـجي
نظر إليها جعفر قبل أن يجلس بجوار مقعد السائق ومعه ألتفت “مؤمن” ينظر إليها متعجبًا تطـ ـفلها وهذا اللقب الجديد الذي تلـ ـقطه أذنيه، أجابها جعفر بنبرةٍ هادئة وقال:هروح لـ لؤي المستشفى أتطمن عليه محتاجه حاجه
«لا يا حبيبي سلامتك، خلّي بالك بس مِن نفسك، أصل ولا’د الحـ ـرام كتير اليومين دول» نطقت بجملتها الأخيرة وهي ترمـ ـق “مؤمن” بسـ ـخطٍ رآه جعفر الذي سارع في قوله بعد أن رأى الغـ ـضب باديًا على معالم وجهه:متقلقيش يا أم حسن، كله تمام وزَّي الفُل
أبتسمت إليه ثُريا وقالت:روح ربنا يجعلك فـ كل خطوة سلامة يا حبيبي ويفتحها فـ وشك قادر يا كريم ويعوضك خير
أبتسم إليها جعفر ثم نظر بعدها إلى “مؤمن” وقال:يلا يا “مؤمن”
رمـ ـقها “مؤمن” بضـ ـيقٍ ونز’ق قبل أن يستقر على مقعد السائق ويتحرك بسيارته أسـ ـفل نظرات ثُريا المحـ ـملة بالضـ ـيق إليه، زفر “مؤمن” وقال بحنـ ـق:الو’لية دي حشـ ـرية أوي، انا مشوفتش حدّ متطـ ـفل قدها بجد إيه دا
ضحك جعفر وقال:الست أم حسن طيبة واللهِ وقلبها أبيض، حا’كم هي بس بتخا’ف عليا زَّي أبنها مش أكتر، وبعدين دي أمّ صاحبي وعِشرة عُمري، هي بس بتتنـ ـشن شويه وبعدين هتاخد عليك وهتحبّك، المهم أنتَ ماشي كدا وخلاص
«أعمل إيه يعني ما انا معرفش أنهي مستشفى مستني حضرتك تحنّ عليا وتقولي هنروح فين مش سا’حر انا يا “يـوسف” يعني» نطق بها “مؤمن بضيـ ـقٍ واضح وسخـ ـط ليضحك جعفر مرةٍ أخرى على معالم وجهه التي تبـ ـدلت بعد أن رأى ثُريا التي عكـ ـرت صفـ ـوه لينظر إليه “مؤمن” بطـ ـرف عينه ويستسلم في الأخير ويشاركه ضحكاته
_______________
كانت فاطمة تجلس أمام غرفة العمـ ـليات تضع رأسها على كتف شيرين التي أتت إليها مؤ’خرًا كي تسا’ندها وتَمُد لها يد العو’ن، كانت تسا’ندها طوال الوقت فقد مضت ساعة ونصف دون أي جديد يذكر، زفـ ـر رمزي بعمـ ـقٍ وهو يدعو إليه طوال الوقت دون مـ ـلل وبجواره مُنصف وسراج اللذان كانا بجانب بعضهما البعض طوال الوقت ينتظران خروجه بفرا’غ الصبر
وعلى الجهة الأخرى كان حسن يجلس على المقعد يستند برأسه على الجدار خلفه وهو يشـ ـعر بالإرها’ق بدأ يتمـ ـلّك جسـ ـده ولَكِنّهُ قرر التحا’مل على نفسه والبقاء حتى يطمئن على صديقه العزيز وأخيه الحبيب لؤي
أخرج مُنصف هاتفه يعبـ ـث بهِ بعد أن شعر بالمـ ـلل يحاو’طه والصمت يسيـ ـطر على المكان، ومعها نبـ ـضات القلو’ب التي كانت تضـ ـج بالخو’ف والقـ ـلق على هذا الوسيم الذي كان بمثابة شعاع نور إليهم يُنيـ ـر عتـ ـمة أيامهم العصـ ـيبة
أقترب جعفر مِنهم بخطى هادئة وبجواره “مؤمن” الذي بالطبع لا يعلم أحدٍ مِنهم سوى جعفر أو كما يقول هو “يـوسف”، تحدث جعفر بعد أن أقترب مِنهم وقال بنبرةٍ قلـ ـقة على صديقه الحبيب:خير طمنوني لؤي لسه جوه
«لسه، كلنا قاعدين على أعصا’بنا هنا مستنيين الفرج» نطق بها حسن بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليه ليزفـ ـر جعفر ويقول مرةٍ أخرى بعد أن و’قع بصره على فاطمة التي كانت في حا’لة ير’ثى لها:متخا’فيش يا أم كامل هيقوم إن شاء الله ويبقى زَّي الفُل، مش عايزك بس تز’علي مِن أم ليان لو عليها هتيجي تبات معاكي كمان بس الظـ ـروف مش أحسن حاجه
نظرت إليه فاطمة بمعالم وجه حز’ينة وعينين با’كيتان وقالت:عارفه يا جعفر، شوفت رسالتها، ربنا مع الجميع ويطمنها
أبتسم جعفر لتفهم فاطمة للوضع رغم أنه يعلم أن فاطمة ليست مِن هذا النوع مِن البشر، أقترب مِنهُ رمزي بخطواتٍ هادئة بعد أن رأى وجهًا غر’يبًا معهم ليقف أمام جعفر قائلًا بنبرةٍ هادئة:أنتَ كويس يا جعفر
نظر إليه جعفر بعد أن رأى نظرة صديقه ليبتسم إليه قائلًا بنبرةٍ هادئة:انا أتو’لدت مِن أول وجديد يا صاحبي، انا دلوقتي بعيش أسعد لحظات حياتي
تعجب رمزي وعقد المسافة المتواجدة بين حاجبيه وسأله قائلًا:خير إن شاء الله، وشك زَّي البدر المنور فعلًا؟
أقترب مِنهُ جعفر بخطى هادئة حتى وقف أمامه مباشرةً ثم أقترب مِنهُ يهمس إليه قائلًا:اللي واقف جنبي دا يبقى إبن عمي
تفا’جئ رمزي وبدى ذلك واضحًا على معالم وجهه عندما نظر إليه ليبتسم إليه جعفر ويُحرك رأسه عدة مرات يؤ’كد ما تفو’ه بهِ، ألتمعت عينان الآخر الذي أبتسم فورًا وقال بنبرةٍ خا’فتة:بجد يا جعفر، حصل أزاي وأمتى
«مش هينفع أقولك دلوقتي، هستنى لؤي يخـ ـرج ويفو’ق ونتطمن عليه كلنا وبعدها أحكيلكم إيه اللي حصل بالتفـ ـصيل» نطق بها جعفر بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليه ليتفهم رمزي الأمر ويُحرك رأسه موافقًا ليلتزم الصمت بعدها
نظر جعفر إلى “مؤمن” وأشار إليه أن يجلس وهو يتوجه إلى إحدى المقاعد المرصوصة بجانب بعضها البعض يجلس على واحدٍ مِنهم، جلس “مؤمن” بجواره ثم نظر إليه وقال بنبرةٍ هادئة:دول صحابك
حرك جعفر رأسه برفقٍ وهو يؤ’كد حديثه إليه ليقول “مؤمن” مرةٍ أخرى:باين عليهم رجا’لة، انا آه معرفهمش بس باين عليهم أوي
«ليه هو انا بصاحب أي حدّ ولا إيه، مش شايف غو’ل قدامك» نطق بها جعفر ساخـ ـرًا ليبتسم “مؤمن” بخفة ويقول:شايف “يـوسف المحمدي” أبو قلب حنين
رمـ ـقه جعفر نظرة ذات معنى وقال بنبرةٍ غا’مضة:مش عارف هفضل مستـ ـحملك أزاي يا جدع أنتَ طول ما أنتَ عمال تقولي “يـوسف”، شكلي هتـ ـهور معاك وتكون صاحب النصـ ـيب في الآخر
ضحك “مؤمن” بخفة وقال معا’ندًا إياه:نفـ ـسي طويل يا “چـو”، وريني أخـ ـرك
«هَـوريك يا “مؤمن”، بس مترجعش تز’عل في الآخر» نطق بها جعفر بعد أن أشاح بالنظر بعيدًا عن مر’مى عينيه ليبتسم “مؤمن” وقرر أن يلتزم الصمت، وكان قد يختـ ـلس النظر بين الفينة والأخرى على إبن عمه طوال الوقت، وكأنه لا يصدق أنه وجده بعد مرور هذه السنوات العـ ـصيبة التي مَرت عليهم كما يَمُر المُعذ’ب على جمـ ـرة النا’ر.
___________________
<“كانت السنوات التي مضت ما هي إلا عبـ ـئًا، ولَكِنّ تلك عيدًا”>
كان منزل “راضي المحمدي” عبارةً عن أقد’امٌ تركض هنا وهناك، مَن كان يتكا’سل عن فعل كوبًا مِن الشاي لنفسه، اليوم يركض هنا وهناك ويساعد العمال في إنها’ء أعمالهم بسرعة وعلى قد’مٍ وسا’ق، خرجت مِن غرفتها تنظر حولها بتعجبٍ وهي تتسأل بداخلها عن سـ ـبب ركض الجميع وتجهيز المنزل بهذا الشكل، فالأمرُ أصبح وكأن وز’يرًا سيزور بيتهم الليلة
«خير يا جماعة مالكوا بتجـ ـروا زَّي النمـ ـل كدا ليه إيه اللي حصل؟» نطقت بها وهي تنظر حولها بذهولٍ واضح مستنكرةً ما تراه، نظرت إلى إبن أخيها ذاك الشاب الذي كان يأخذ الفراش منهجًا في حياته يساعد الرجـ ـال ومعاو’نتهم
«كل حاجه تجهز مش عايز أي عـ ـك ولا لخـ ـبطة وأكد على الحر’يم يعملوا الأكل بنفسهم مش عايز شيفـ ـات ولا الكلام دا الأكل يتعمل بنفسهم هما، وجهز الجنينة وزينوها حلو وأي حاجه نا’قصة تتجا’ب وانا هتعامل في الآخر، مفهوم؟» نطق بها بصـ ـرامة وجـ ـدية لا تقبل النقا’ش ومع نها’ية حديثه أشار إليه بالذهاب
«هو في إيه يا “راضـي” خير إن شاء الله، دا ولا الوزير جاي؟» نطقت بها “شـاهي” بذهولٍ واضح على معالم وجهها وهي تنظر إلى “راضـي” الذي أبتسم وقال:في ضيف مهـ ـم أوي جاي النهاردة بليل عايزك تكوني موجودة النهاردة وتجهزي نفسك وقبل أي حاجه هتعملي الأكل مع الحر’يم أصل الضـ ـيف دا بيحبّ أكل سـ ـتات البيوت ملهوش فـ جو أكل بره دا
«أيوه يا “راضي” بس مقولتليش، مين سعيد الحظ اللي خلّى “جـاد” أبنك يسيـ ـب سريره مخصوص ويجَّهز المكان مع العمال، دا انا عمري فـ حياتي ما شوفته بيتحرك ويسـ ـيبه غير عشان يُلبي ندا’ء الطبيعة؟» نطقت بها “شـاهي” متسائلة وفي نفس الوقت ساخـ ـرة
ضحك “راضـي” عا’ليًا على ما تفوهت بهِ زوجة أخيه الرا’حل وقال:أهو تخيـ ـلي الضـ ـيف دا يخلّي “جـاد” يجـ ـري هنا وهنا عشانه، على العموم اللي باقي مش كتيـ ـر، المهم تجهزي عشان الضيـ ـف دا حدّ عزيز علينا كلنا وجاي النهاردة، أتفقنا
رغم أبتسامتها وموافقتها التي أظهرتها إليهم، ألا أن قلبها أنقـ ـبض وشعرت بشيءٍ غر’يب يتحـ ـرك بداخلها، وكأن قلبها ينذ’رها بما هو قادم، أبتـ ـلعت غصـ ـتها بهدوء ثم ذهبت إلى المطبخ أسفـ ـل نظراته التي كانت تتابعها وأبتسامة هادئة تزين ثغـ ـره وهو يتمنى أن تَمُر هذه الليلة على خير.
_____________________
<“مَن أعتاد على القلق، ظن أن الطمأنينة فخ!”>
كانت تجلس على الأريكة تشاهد التلفاز بهدوء وهي تضحك بين الفينة والأخرى، وبجوارها سراج الذي عاد مؤخـ ـرًا بعد أن خرج لؤي ووضِـ ـعَ تحـ ـت العنا’ية حتى يستـ ـفيق، يستـ ـلقي بجوارها ورأسه مو’ضوعة على فخـ ـذيها يشاركها الضحك على تلك المسرحية القد’يمة الكوميدية
صدح جرس الباب عا’ليًا يعلنهما عن تواجد زائر في الخا’رج، نهض سراج قائلًا:هشوف مين وراجعلك
تركها وتوجه إلى باب منزله يجهـ ـل الطارق، ولَكِنّ عندما فتح الباب رأى جعفر أمامه مرتديًا ملابسه التي كانت عبارة عن بنطال رمادي اللو’ن وفوقه قميص أبيـ ـض اللو’ن وحذ’اء أبيـ ـض اللو’ن ويبدو أنه سيذهب إلى إحدى الأماكن كعادته
عقد المسافة بين حاجبيه عندما و’قع بصره على “مؤمن” الذي كان يقف خلفه، رفع سراج حاجبه الأيمن عا’ليًا وقال:على فين يا صا’يع، رايح تتجو’ز على مراتك ولا إيه
أبتسم جعفر بزاوية فمه وقال ساخـ ـرًا:وهو في حدّ بيروح يتجو’ز على مراته ببنطلون وقميص خرو’ج، ليه عريس بخيـ ـل
«لا، عريس خـ ـبيث، بيدا’ري على بلاو’يه السو’دا ودحلـ ـبته بتاعت كل يوم» نطق بها سراج يسخـ ـر مِنهُ في المقا’بل وهو ينظر إليه، بينما نظر “مؤمن” إلى جعفر الذي قال بنبرةٍ حا’دة:أخـتي فين يـا’ض
«جـوه يـا’ض، مش هبـ ـلعها يعني» نطق بها سراج ساخـ ـرًا ليشير إليه جعفر بنبرةٍ جا’دة لا تمـ ـث المـ ـزاح البتة قائلًا:أدخل قولها إني جاي ومعايا ضـ ـيف
تعجب سراج ولَكِنّهُ قام بموا’ربة الباب قليلًا وعاد إليها مرةٍ أخرى يقول:مها أخوكي بره ومعاه واحد
نظرت إليه مها وهي تعقد المسافة بين حاجبيها بعد أن أبعدت نظرها عن التلفاز لتقول متسائلة:ضـ ـيف مين، حدّ نعرفه؟
«لا» نطق بها وهو ير’فع كتفيه قليلًا ويحرك رأسه برفقٍ دليلًا على عد’م معرفته بهِ، أ’زداد تعجبها أكثر ولَكِنّها نحـ ـت كل هذا جا’نبًا وتركت صحن التسا’لي على سطـ ـح الطاولة وتوجهت إلى غرفتها مغـ ـلقةً الباب خلفها، بينما عاد سراج إليهما مرةٍ أخرى وأشار إليهما بالدلوف
نظر جعفر إلى “مؤمن” قائلًا:تعالى يا “مؤمن” مفيش حاجه
لَحِقَ بهما سراج وهو يسأل جعفر قائلًا بمزاح:ولا، انا مبر’تحلكش طول عُمري، أر’مي بمصا’يبك فـ و’شي د’فعة واحدة يكش أطـ ـب سا’كت مِنك
ضحك جعفر ونظر إليه بعد أن وقف أمامه وقال مبتسمًا:لا يا حبيبي متـ ـقلقش، المرة دي مفيش مصا’يب، في لوز تاخد حـ ـبة
«شا’مم ريـ ـحة مش تمام، أنتَ كويس يـا’ض؟» نطق بها سراج بنبرةٍ جا’دة وهو ينظر إليه متر’قبًا ليضحك جعفر مرةٍ أخرى ويقول سراج:مَن أعتاد على القلـ ـق، ظن أن الطمأنينة فـ ـخ
تعا’لت ضحكات جعفر التي كانت تنطـ ـق بالحياة وقال:لا شقلـ ـبها بقى، مَن أعتاد على الطمأنينة، ظن أن القـ ـلق فـ ـخ، المرة دي جايلك فـ كل خير
في هذه اللحظة خرجت مها بعد أن أرتدت أسدال الصلاة إليهم ليقـ ـع بصـ ـره عليها ويبتسم أكثر قائلًا:لسه شايفك الصبح بس وحشتيني برضوا
أبتسمت إليه مها وأقتربت مِنهُ تعانقه بحنو، بينما ضمها هو إليه وهو يشعر بذلك الدفء الذي أصبح متيـ ـمًا بهِ مؤخـ ـرًا فهذه الفتاة تجبـ ـره دومًا على معانقته إليها حتى وإن كانت تراه بشكلٍ متواصل، ولَكِنّ لا تتخـ ـلى عن عناقه إليها ولا يتخـ ـلى هو عن عناقها إليه
نظر إليها “مؤمن” للوهلة الأولى منذ أن رأتها عينيه وقد ألجـ ـمته الصـ ـدمة والذهول معًا، فقد كانت معالم وجهها متقاربة وبشـ ـدة مع معالم وجه “شـاهي”، بل هي نسخة مصغرة مِنها لا محال، تلك المعالم الجميلة والرقيقة والناعمة هي نفسها “شـاهي”، ولربما قد حازت هي أيضًا لقبًا مثل أخيها، وهي أنها “شـاهي” الصغيرة، بينما كان سراج يلاحظ نظراته إلى زوجته وهذا جعله يغـ ـضب فـ كيف يجـ ـرؤ على النظـ ـر هكذا إلى زوجته وهو في أر’ضه وعـ ـقر دا’ره
قطـ ـع كل هذه الأفكار وكل هذا الضـ ـجيج الذي كان يسـ ـيطر على رأسيهما صوت جعفر الذي نظر إلى “مؤمن” وأشار نحوه قائلًا:أحبّ أعرفك يا “مؤمن”، مها أختي، ودا “مؤمن المحمدي” إبن عمنا يا مها
جحـ ـظت عينيها بصـ ـدمة وذهولٍ أحتـ ـل معالم وجهها وهي تنظر إلى “مؤمن” الذي أبتسم إليها وهو حقًا سعيدًا برؤيتها، فكلٌ مِنهما يحمل صفاتًا غير الآخر، قد يبدوان متشا’بهين في الشكل، ولَكِنّ طباعهما مخـ ـتلفة، أزد’ردت لعا’بها ونظرت إلى أخيها الذي تفهم نظرتها وقال بنبرةٍ هادئة:هفهمك كل حاجه متقـ ـلقيش
أشار بعدها تجاه صديقه وأخيه قائلًا:ودا سراج صاحبي وجوز أختي، ودا “مؤمن” يا سراج إبن عمي
أحتـ ـل الذهول معالم وجهه ونظر إليه نظرة ذات معنى وهو لا يفهم شيء مثل مها التي كانت تشعر بالتشو’ش والجهـ ـل في هذه اللحظة، بينما أبتسم إليه “مؤمن” وقال:أهلًا بيك أتشـ ـرفت بمعرفتك
أنهـ ـى حديثه وهو يَمُـ ـد يده إليه، لينظر إليه سراج ويَمُـ ـد يده إليه في الأخير مصافحًا إياه مبتسمًا تزامنًا مع قوله:الشـ ـرف ليا يا “مؤمن”
وبعد مرور الوقت وبعد أن شرح لها جعفر كل شيء حدث وكل ما قيل بالتفصيـ ـل دون أن يخـ ـبئ شيءٍ ما عليها، كانت هي مصـ ـدومة والعبرات تلتمع في ملقتيها، نظرت إلى “مؤمن” وهي توَّد التأكد مِنهُ لتقول بنبرةٍ مهز’وزة:ماما عا’يشة بجد يا “مؤمن”
«أيـوه، طنط “شَـاهي” عا’يشة» نطق بها “مؤمن” وهو يؤ’كد على كل حرفٍ يقوله لها، بينما سقـ ـطت دموعها على صفحة وجهها وهي تشعر أنها تحلُم وستستيقظ مِنهُ عمَّ قريب، وبجوارها كان سراج مذهولًا مِمَّ يسمعه وسريعًا أدرك سـ ـبب سعادة جعفر حينما قال إليه:
«لا يا حبيبي متقلـ ـقش، المرة دي مفيش مصا’يب، في لوز تاخد حـ ـبة»
ولَكِنّ لا وقت للبكاء، لا وقت لـ اللو’م، لا وقت لـ الحز’ن على ما مضـ ـى، لِمَ لا تتخـ ـطى ونمـ ـضي قُد’مًا إلى الأمام، لِمَ لا ند’ع الما’ضي وننظر إلى الحاضر، إلى مستقبلٍ مشرق، نظرت مها إلى أخيها الذي ألتمعت عينيه والسعادة مرتسمة على وجهه وتتقافـ ـز مِن عينيه لتعانقه دون تر’دد وهي لا تستطيع وصف شعورها الآن، فـ مشاعرها الآن متخـ ـبطة ولا تستطيع التفو’ه بحرفٍ واحد حتى يكفـ ـي ما سمعته منذ قليل، لقد أتضـ ـح أنهما يملـ ـكان عائلة يبحثون عنهما طوال تلك السنوات دون مـ ـلل أو يأ’س
بكت بأحضان أخيها الذي تكا’لبت عليه الصعا’ب ومـ ـرارة الأيام، بينما وقف هو شامـ ـخًا كاللـ ـيث يتصـ ـدى إليها ويقف إليها بالمر’صاد مـ ـدافعًا عنها، تحمل طعـ ـنات الجميع لأجلها، تلقـ ـاها هو بدلًا عنها، لَم يشـ ـكو البتة وتحامـ ـل حتى أنه في كل ليلة ودَّ لو يبكي مثل الأطفال الصغار، فما رآه ليس سهلًا عليه منذ صغره كان كـ الد’رع الحا’مي لها، وسيظل كذلك مدى الحياة
لثم رأسها بـ قْبّلة حنونة وهو يربت على ظهرها برفقٍ وهو يعلم تخـ ـبطات مشاعرها جيدًا في هذه اللحظة، ولَكِنّهُ متأكدًا أنها سعيدة مثلما هو سعيدٌ الآن
«أهدي يا حبيبتي، أهدي وقومي يلا غيَّري هدومك وتعالي عشان نروح مع “مؤمن”، يلا» نطق بها بنبرةٍ هادئة وحنونة إليها، أبتعدت عنه وهي تز’يل دموعها مِن على صفحة وجهها وحركت رأسها برفقٍ إليه وتوجهت إلى غرفتها لتترك ثلاثتهم يجلسون أمامهم ينتظرونها.
____________________
<“وكُنْتُ أظنُ أن المرء يولد يتيـ ـمًا، حتى رأيتُ اليُتـ ـم أمامي”>
خرجت “شَـاهي” مِن غرفتها بعد أن تجهزت وأستعدت لإستقبال الضـ ـيف، فقد كانت ترتدي فستانًا أسـ ـود اللو’ن قماشته مِن نوعية “الستان” وحجاب مِن اللو’ن “البيچ” وحذ’اء أسـ ـود اللو’ن، وتضع القليل مِن مساحيق التجميل فـ كانت معالم وجهها لا تحتاج بحقٍ إليها فهي جميلة بدونها
كانت بشرتها بيضاء وعينيها زرقاوتين، كـ زرقة البحر في فصل الصيف، كانت معالم وجهها رقيقة وبشوشة، تبتسم لكل مَن حولها، نز’لت در’جات السُلَّم بهدوء لتتقابل مع إبن أخيها “جـاد” الذي كان يقف في مقدمة الد’رج يرتدي حِله كحـ ـيلة وقميص أبيـ ـض اللو’ن، وحذ’اء بنفس لو’ن القميص
«مش مصدقة بصراحة اللي عيني شيفاه، “جـاد” بنفسه معانا؟» نطقت بها بسخـ ـريةٍ وهي تنظر إليه لتراه يلتفت إليها ينظر لها لتعلو الأبتسامة ثغره قائلًا:شوفي، برستيچي ضا’ع خلاص
«آسفين ليك، ولبرستيچك يا شجرة» نطقت بها “شَـاهي” بخـ ـبثٍ وهي ترمـ ـقه بطـ ـرف عينها ليتـ ـسع بؤ’بؤيه بصـ ـدمة واضحة وينظر إليها قليلًا قبل أن يقول مستنكرًا:شعري بقى شجـ ـرة
حركت رأسها برفقٍ تؤ’كد إليه حديثه ليقول هو مرةٍ أخرى بتحـ ـسر:بس دا كيرلي يا عمتو، خلّيتيه شجـ ـرة أزاي
«هو بالنسبة لي شجـ ـرة، بس تعرف محـ ـليك رغم إنه شجـ ـرة، يكش بس بعد دا كله تقبل بيك واحدة، أهو تفرحنا بدل ما أنتَ مستخـ ـبي كدا وكأنك عليك أحكـ ـام» نطقت بها “شَـاهي” بيأ’سٍ واضح وهي تنظر إليه ليهند’م هو حِلته بوقارٍ وشمـ ـوخ قائلًا:sorry يا عمتو، بس انا مش هاخد أي واحدة وخلاص، يعني واحدة تكون lady كدا فـ نفسها وقمورة، انا برضوا عندي مواصفات بدور عليها
أبتسمت “شَـاهي” وقالت بقلـ ـة حيـ ـلة:يا خويا يارب، وتفرحنا بيك
رفع “جـاد” كفيه عا’ليًا وهو يقول:يارب، أستجيب ليها يارب دي سـ ـت غلبا’نه
ضحكت “شَـاهي” بيأ’سٍ على هذا الشا’ب المـ ـرح الذي لَم يفشـ ـل مرةٍ في إضحاكها، تركته وتوجهت إلى زوجة أخ زوجها تتحدث معها، بينما على الجهة الأخرى جاء “راضـي” يقول بنبرةٍ عا’لية:أجهزوا يلا “مـؤمن” وصل هو والضـ ـيف
بينما على الجهة الأخرى أوقـ ـف “مؤمن” سيارته أمام باب المنزل قائلًا:حمدلله على السلامة، وصلنا
نظر جعفر حوله وهو يرى بيتٌ واسعٌ وعر’يق، تر’جل مِن السيارة وهو ممسكًا بيد صغيرته التي كانت تستقر على قد’ميه بجوار “مؤمن” وخلفه مباشرةً زوجته التي كانت تحمل صغيرتها وعلى اليسـ ـار سراج وفي المنتصف مها، نظر جعفر حوله ولا يُنكـ ـر إعجابه بالمكان
منذ أن دلفا وهو منبـ ـهرٌ بما يراه، أهو حقًا مِن عائلة مر/موقة كتلك، كان يسأل نفسه هذا السؤال منذ أن وصل إلى هنا، أشار إليهم “مؤمن” قائلًا:تعالوا أنتوا مش غُـ ـرب
ساروا خلفه لتجاور بيلا زوجها وهما ينظران إلى المكان بذهولٍ تا’م، كانت هناك حديقة كبيرة ووا’سعة، أشبه بالحدائق العا’مة في حجـ ـمها، وفي الأمام يقـ ـع بيتٌ كبـ ـيرٌ أشبه بالقصور، وجهته مر’موقة كـ عائلته تمامًا والورود تز’ين المكان لتضع لمسا’تها الرقيقة لـ المكان تز’يده جمالًا فوق جماله
كانت مها وسراج لا يقلان شيئًا عنهما فكانا منبهـ ـرين حقًا بما تراه أعينهما، توقـ ـف “مؤمن” يضع سبّابته على جر’س المنزل الدا’خلي الذي قر’ع صوته في الداخل عا’ليًا يعلنهم عن وصولهم، شعر جعفر في هذه اللحظة بإنقـ ـباض قلبه فأخيرًا بعد هذه السنوات سيرى والدته، سير’تمي داخل أحضانها التي كان يتمنى أن يحظى بها يومًا ولو دقيقة واحدة، نظرت إليه بيلا لترى التخـ ـبط والخو’ف با’ديان على معالم وجهه لت
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)