رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الفصل التاسع 9 بقلم أميرة مدحت
رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الفصل التاسع 9 بقلم أميرة مدحت
رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) البارت التاسع
رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الجزء التاسع
رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الحلقة التاسعة
أتسعت عيناه بصدمة واضحة، زادت ضربات قلبه، ران الصمت على المكان بضع لحظات، قبل أن يشد قامته أكثر محاولاً أستعادة سيطرته على أعصابه قبل أن يغمغم وهو يُلقي جسده على أقرب مقعد إليهِ :
_إزاي ده حصل؟؟..
أجابتـــــه بصوتٍ مُتحشرج :
_الدكتور بيقول أزمة قلبية مفاجئة.
للمرة الثانية على التوالي تُصيبــــــه الصاعقة، أصابته الصدمة والذهول معًا، هتف بهمسٍ خافت حــاد :
_خلي الدكتور ميمشيش، أنا جاي حالاً.
أغلق الهاتف ثم وضعه بداخل جيب سترته، أطرق “عزّ الدين” واجمًا ووضع رأسه بين كفيهِ، ظل على تلك الوضعية قبل أن يشعر بكف يد يوضع على ذراعه، رفع رأسه لـ يجد “ياسمين” تحدجه بنظراتٍ قلقة، أرتسمت على تعبيراتها علامات الإستفهام مُتسائلة بهدوئها المُعتاد :
_مالك يا عزّ؟؟.. في حاجة حصلت؟؟!!..
تطَّلع أمامه في الفراغ لـ ثوانٍ قبل أن يُجيبهـــا من زاوية فمــه قائلاً بحُزن :
_والدي تعيشي إنتي.
لم تحدْ بنظراتها عن وجهه مرددة بعدم تصديق :
_إيــــــــــــــه!!!.. إزاي؟؟!!..
لم يُجيبهـــا بل ظل جامدًا في مكانه، أمسكت بـ يديهِ وهي تقول بتأثر كبير وقد لمعت عيناها بالدموع :
_طب قوم معايا، يالا لازم نروح البيت.
كور يده بقوة مُتمالكًا أعصابه ثم نهض من مكانه متوجهًا برفقتها نحو الخارج، خرج من المشفى بأكملها، ثم أستقل سيارته وجلست بجواره لينطلق مُسرعًا نحو قصره.
**************
هبط “طائف” من على الفراش ثم خرج من الغُرفة راكضًا نحو العناية المركزة، وقف أمام الزجاج ناظرًا إليها بعيني لامعة من التأثر، أقترب منه مُمرض في العقد الرابع من عُمره، وقف بجواره ثم قال وهو يمد يده بـ كأسًا من العصير :
_أتفضل يا أُستاذ، إنت جالك هبوط ولازم تشرب حاجة.
أخذها منه دون أن ينطق بكلمة واحدة، تابع الأخير بإبتسامة مُتفائلة :
_أنا حاسس بيك، بس ماتقلقش هي حالتها الصحية بتتحسن عن الأول بـ كتيـــــر.
سألـــــــه بنبرة تلهف :
_بجد؟؟!!..
أجابــــــــــه بـ بسمة صغيرة :
_أيوة ماتقلقش بس إنت واضح إنك بتحبها أوي، على العموم ربنا يقومها بالسلامة، عن إذنك.
تركــــــه بـ مُفرده لـ ينصرف متوجهًا لـ مكانٍ ما لـ يُتابع عمله، بينما ظل “طائف” واقفاً يُحدق أمامه بذهول، أمن المعقول أنه يُحبهــــــا؟؟!!..
نعم ولمَ لا؟؟!!.. فهو مُنذ أن رأها وهو يشعر بتزايد نبضات قلبه، هو لا يؤمن بوجود الحُبَّ من أول نظرة، ولكن تلك التجربة أثبتت العكس تماماً، فلقد عشقها عشق لا مثيل له.
**************
_إيــــــــــــــــــه!!!!!..
هدر بيها “رأفت الحديدي” وهو يهب واقفاً من مكانه ثائرًا، قبض على هاتفه بقسوة أكثر وهو يُتابع بغضبٍ جامح وأعصاب ثائرة :
_يعني إيه عايشة؟؟!!.. إزاي ده حصل؟؟.. هي مش عايشة لوحدها ومقطوعة من الشجرة، مين إبن الـ….. إللي أنقذها في وقت متأخر زي ده؟؟..
أجابـــــه المُتصل بجدية :
_ما هي دي الكارثة التانية با باشا، أنا أكتشفت إللي ورا إنقاذها يبقى إبن حضرتك.
تمتم بهمسٍ صـادم :
_إيــــــــــه!!.. إنت واعي إللي إنت بتقوله؟؟..
غمغم الرجل بهدوء :
_زي ما بقول يا بيه، ومن شوية تعب جامد، جاله هبوط في الدورة الدموية، بس فـــاق وبقى كويس، ومن عشر دقايق مشي بس معرفش راح فين!!..
صرخ الأخير بغضبٍ :
_طب أقفل، وتابع إللي بيحصل أول بأول، جتك داهية زي الأخبار إللي بتجبهالي!!..
أغلق دون أن يسمع رده ثم ألقى الهاتف على سطح المكتب، نظر حوله نظراتٍ شرسة، لم يستطع الصمود طويلاً حيثُ صرخ بقوة وهو يضرب الحائط بـ كلتا ذراعيهِ :
_ماشي يا طائف يا***، والله لأوريك!!..
ظل يسب ويلعن، أخذ يتواعد له بأشد عقاب، بعد دقائق كثيرة، أستمع إلى صوت إغلاق باب القصر، فتحرك للخارج والشر يتطاير من عينيهِ الظالمين، وجد إبنه على وشك الصعود على الدرج، هدر بإسمه بنبرة جهورية، فـ أستدار ناحيته لـ يرمقه “رأفت” بنظراتٍ لا تحمل الرحمة، نظر له بعيني دقيقة فأنتبه للدماء التي على قميصه، تقدم منه ثم رفع يده للأعلى لـ يصفعه بقسوة على صدغه، لم يهتز كيانه بل كان جامدًا، صاح فيه بعصبية :
_إنت تعمل فيا أنا كده!!.. تعمل فـ رأفت الحديدي كده؟!!!..
صمت للحظة قبل أن يُضيف بذات العصبية ولكن أشرس عن ذي قبل وقد ظهرت عروق نحره :
_إنت أكيد مش إبني، أكيد مش من صُلبي، إنت تغير هدومك ومشوفش وشك تاني، لا إنت إبني ولا أعرفك يا كلـب لحد ما تبقى زيي!!!..
ثم دفعه بكلتا يديهِ وهو يصرخ في صرامة وأكثر قسوة، وقد أكتسى صوته بنبرة مُخيفة :
_غـــور!!.. غور من قُدامي يا حيوان يا كـلب!!..
رمق والده بنظراتٍ جامدة، نظرات لا وجود لها أي معنى، فقد كان كل ما في قلبه غامضًا خافيًا مُضطربًا، لم ينبس ببنت شفة، بل أستدار ثم تحرك للصعود على الدرج متوجهًا نحو غُرفته لـ يُغادر من القصر وربما للأبد!!!..
**************
أمر الخادمات وحتى زوجته بعدم دخول الغُرفة التي يقبع فيها والده، أخذ ينظر لـ والده نظراتٍ جامدة خلفها الكثير من الحُزن، بينما يقف الطبيب الذي يُدعى “صلاح” خلفه مُنتظرًا أن يحدثه بشأن والده الراحل، أغمض “عزّ الدين” عينيهِ للحظاتٍ معدودة وهو يسحب نفسًا عميقاً ليحرره بعد ثوانٍ، فتح عينيهِ ثم ألتفت لـ الطبيب ليسأله باللهجة حــادة :
_إنت كنت عارف أن عنده القلب؟؟!!..
حرك رأسه إيجابياً بخفة وهو يرُدَّ :
_أيوة يا عزّ باشا كُنت عارف، أكتشفنا أنه عنده القلب من سنة ونُص.
تقدم منه كالثور الهائج ليمسكه من تلابيبه، أشتعلت عيناه الرمادية بغضبٍ جامح كالأسود التي ستنقض على فريستها، صــاح فيه بغضبٍ :
_وإزاي متقوليش؟؟!!!.. إزاي متقوليش يا مُتخلف إنت؟!!..
أجابــــــــــه بهلع حينما أدرك أن وجه رب عمله تحول للذئب :
_والد حضرتك وصاني وشدد عليا إني مقولكش إنت بذات.
سأله بغلظة وعصبية :
_في حد كان عارف بمرضه غيرك؟؟!!..
رد بصوتٍ خائف :
_الوحيدة إللي كانت تعرف بمرضه كانت ياسمين هانم.
حدق “عزّ الدين” به بذهول مع إتساع عينيهِ الطفيف الذي أثبت أنه واقع تحت تأثير صدمة لثالث مرة على التوالي، تشنجت عضلات وجهه بقسوة حتى نفرت عروق جبينه بدرجة عنيفة، أظلمت عيناه فجأة لظلامٍ دامس يخلو منها الحياة ثم قال له بنبرة تُشبه فحيح لأفاعي :
_غـــور ،غور بدل ما أقتلك وأشرب من دمك، غــــــور!!!!!..
دفعــه بعُنف فـ كاد أن يسقط ولكن تمالك نفسه على آخر لحظة، هرب من أمامه وهو يشعر بالفزع، خرج “عزّ الدين” من الغُرفة بعد أن قبَّل جبين والده قُبلةً أخيرة متوجهًا نحو حُجرة مكتبه، لمحته “ياسمين” فهرولت ناحيته وهي تشعر بالقلق عليهِ، أطاح “عزّ الدين” ما على المكتب ثم ضرب على سطحه بقوة عدة مرات وهو يزمجر بغضب، أستمع إلى صوت شهقات أطلقتها “ياسمين” فنظر خلفه بإتجاه الباب نظراتٍ مُظلمة، أنتفضت من مكانها على نظراته القاسية والمُظلمة، كانت تستمع إلى صوت تنفسه المُتسارع الغاضب، أقترب منها ببُطء وهو يسألها بنبرة لا تُبشر بالخير على الإطلاق :
_إنتي كُنتي عارفة بتعب أبويا؟؟!!..
أتسعت عيناها بإرتعاد واضح، تراجعت للخلف وهي تُجيبه بصوتٍ مُرتجف :
_آآ.. آ.. أيوة، بس…
زمجر بعصبية :
_بس إيه؟؟!!.. إنطقي!!..
شهقت بذعر من عصبيته فهتفت برعُب :
_هو طلب مني مقولش لحد، طلب إني مجبش سيرة لأي حد و…
قاطعها بأعصاب ثائرة :
_أنا مش أي حد!!.. أنا إبنه، وإبنه الوحيد كمان؟؟!!.. كنتي لازم تقوليلي، إنتي خبيتي عليا أهم سر!!!..
كادت أن تتحدث ولكن قاطعها بصوته المُخيف :
_أمشي، أمشي يا ياسمين، بدل ما أطلع عصبيتي عليكي، وعصبيتي مفيش حد أدها، فـ أمشــــي!!..
أغمضت عيناها لتهبط دمعتين من عينيها ثم تحركت نحو الخارج بخُطوات سريعة، أما “عز الدين” فظل يراقبها حتى أختفت وقد أنعقد حاجباه في صرامة قاسية، برقت عيناه في غضب ثم أستدار نحو مكتبه ليضرب بقبضته على سطح المكتب قائلاً في سُخرية :
_حتى إنتي يا ياسمين صدمتيني!!.. طيب مبقاش عز الدين السيوفي إما خليتك تحسي بنفس النار إللي جوايا.
مهما بلغ عشقه لها، ستظل القسوة بداخل قلبه، تلك القسوة التي أعترته مُنذ سنواتٍ طويلة، بالرغم من أنه يعشقها حتى النخاع، عشق لا يوجد مثله في ذاك الزمن، إلا أن قسوتـه أطبعت على قلبه!!!..
**************
قرر أن يقوم بمكالمة هاتفية لـ رفيق عمره، مُنذ الصباح الباكر وهو يشعر بإنقباضة حادة في قلبه من ناحية صديقه الوحيد، أمسك هاتفه ثم قام بالإتصال ولكن وجد الهاتف مُغلق أو غير مُتاح، فقرر بدون تفكير أن يتصل بصديقة طفولته وزوجة رفيقه “ياسمين” لـ يجد ذات الأمر، زاد قلقه وتوتره بشكل كبير وملحوظ، حيثُ سألته “مُنى” وهي تمسك بهاتفها :
_مالك يا إيهاب؟؟!!.. من الصُبح وإنت سرحان؟؟!!.. مالك؟!!..
هتف بقلق بالغ :
_قلبي مقبوض على عز أوي، حاسس في حاجة حصلت، قلت أكلمه دلوقتي بس مفيش رد، وياسمين نفس الكلام، الأتنين موبيلتهم مقفولين!!..
كانت تتصفح على موقع التواصل الاجتماعي” فيسبوك”، شهقت بصدمة عارمة وهي تقول بخوفٍ :
_ألحق يا إيهاب!!.. جريدة الـ… والـ… منزلين خبر وفاة بدران السيوفي!!..
_إيــــــــــه!!..
جذب منها الهاتف لـ يرى تلك الأخبار العاجلة، هب واقفاً من مكانه وهو يقول بصيغة آمره :
_إحنا لازم نرجع حالاً، مش هستنى دقيقة واحدة هنــا!!..
**************
في المساء، أنتهت مراسم الدفن ليعود “عز الدين” إلى قصره، وعقله في عالم آخر، دخل غُرفته ثم قام بتبديل ملابسه وبعدها تحرك نحو الشرفة لكي تُداعب نسمات الهواء العليل روحه المشوهة!!..
أقتربت منهُ بحذرٍ وبخُطوات هادئة مُرتبكة وهي تشعُر بتلك الغصة المريرة التي تقف في مُنتصف حلقها، وتأبى النزول، أرتجفت قدماها تلقائياً حينما أوشكت على الوصول إليه، مدت يدها المرتعشة نحوهُ لتضعها على ذراعهُ المفتول بالعضلات، وتمتمت بنبرة تلعثم :
_عـ ..عزّ أناا!!..
لم تجد أيّ كلمة تقولها، هي تعلم أنّها أخطأت، وهُو لا يغفر أيّ خطأ، والخطأ الذي أخطئتهُ بالنسبة إليه خطأٍ كبيرٍ، أعتدل في وقفتهُ الثابتة بعد أن أرخى وأبعد مرفقيهِ، والتفت برأسهُ نحوها ناظراً إليها بعينين ظالمتين كالظلام الدامس، أبعدت يدها لتبعد تلك الخصلة المُتمردة من على جبينها ووضعتها خلف أُذنها بتوتر، رمقها بقسوة قبل أن يقول :
_عايزة إيه ؟!..
جف حلقها من فرط القلق والخوف من ردّة فعلهُ، فتابع هو وقد تقوس فمهُ بإبتسامة ساخرة :
_آخر حاجة أتوقعها منك، إزاي تعملي كده ؟؟!..
ثُم هتف بقسوة صارخاً فيها بغضبٍ غيرُ مصدقّ :
_ إزاي ؟!!..
أنهمرت دموعها الحـــارة وهتفت برجاء :
_ والله ما كان قصدي، بس أنا وعدتهُ و…
جذبها من معصمها لتصطدم بصدرهُ الذي كالصلب وهو يقول بحدة :
_أنا أوّل شخصٌ المفروض كان يعرف، بس إنتي كدبتي عليا.
تابع وهو يضغط على كُل كلمة بنفس النبرة :
_وأنا مش بسامح إللي بيكدب عليا يا ياسمين، وإنتي للأسف كدبتي وخدعتيني .
لم تُبالي بذلك الألم الذي بدأت تشعُر به في معصمها، كفكفت دموعها بكفي يدها الأُُخرى وهي تردف برجاء :
_أنا آسفة يا عزّ، أنا…
قاطعها بصرامة وهو يترك معصمها :
_خلاص خلص الكلام.
لم تختفي نظرات الرجاء والتوسل من عينيها الخضرواتين، ولكُنّ لم يبالي بنظراتها وبادلها هو بنظرات قاسية للغاية، ثُمّ قال بصوتٍ مليئ بالهدوء رغم تهجم ملامحهُ :
_من النهاردة إنتي هتنامي في الأوضة لوحدك ومفيش خروج طبعاً من البيت إلا بأذني .
سألتهُ بحزنٍ :
_طب وإنت هتنام فين ؟؟!!..
ردّ عليها ببرودٍ قاسٍ :
_في المكتب، لأني مش طايق أنام جمبك ولا حتى أشوفك.
طعنها بتلك الكلمات القاسية، ثُمّ تركها مُسرعاً وخرج من الشُرفة بخُطوات راكضة وكأنّــهُ يهرب من عدو، حتى خرج من الغُرفة بأكملها، جلست “ياسمين” على المقعد بصدمة واضحة وهي تنظر في أعقابه مدهوشة على ما حدث، وجهت بصرها على ذلك البدر، ليخيل لها أن نورهُ الساطع أنّها في حلمٍ ثقيلٍ، ولن تستيقظ منهُ إلا بعد معناه.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2))