روايات

رواية نقطة ومن أول السطر الفصل الرابع 4 بقلم إسراء عاشور

رواية نقطة ومن أول السطر الفصل الرابع 4 بقلم إسراء عاشور

رواية نقطة ومن أول السطر البارت الرابع

رواية نقطة ومن أول السطر الجزء الرابع

نقطة ومن أول السطر
نقطة ومن أول السطر

رواية نقطة ومن أول السطر الحلقة الرابعة

لقد تأكدت ظنونها و الآن عليها ان تجعله يعترف بانه الفاعل و ان لم تكن معها كل الادلة إلا ان ظنونا صحيحة إنه هو ، فر لسنوات دون سبب دون وداع و دون تفسير ، و اليوم ستجعله يخط كلمات ورقة اعترافه بيده ، لقد جعلت احد زملائها يخبره انها مفقودة منذ امس و ان هذا المكان هو آخر مكان شوهدت فيه ، خلف إحدى التلال الشاهقة المجاورة للفندق ببضع كيلو مترات ، مكان ملائم حيث ضوء القمر مسلط على عيناه تفضحان اشتياقه لها و تلال تحوى الكثير من الاسرار ولا زالت منتظرة المزيد
هرول نحوها و بعينان تتفحصان كل انش بها هتف بقلق و بلغة عربية حاول ان تكون مختلفة :
– انتي كويسه !
لم ترد فقط.تنظر لعيناه الفاضحة ، انه هو ، هي تعرف تلك العينان و تلك النظرات التي تحفظها عن ظهر قلب ، دقائق مرت كالدهر عليه يحاول ان يخفي توتره ، و لكن قد فات الوقت هي عرفته ، و هذا هدوء ما قبل العاصفة .
انتهت لحظات الصمت اخيراً ، رفعت كفها عاليا و ما لبثت ان صفعته بكل قوتها ، بكل دمعة بكتها عليه ، بحق كل مرة فكرت بها ” لماذا ” ، و بمنتهى الهدوء قالت :
– ليه !! ، انا عملتلك ايه !!.
اطلقت عيناه شرارات الغضب و بدأ وجهة يحمر من الغضب و لكن ما لبث ان هدأ و قال بلهجة مصرية :
– عرفتي ازاي ! .
حركت شفتيها في سخرية فجة و قالت و هي ترفع حاجباها :
– حاجة بسيطة خالص ، انا عن نفسي مش عارفة انت ازاي نسيتها .
ضيق عيناه بعدم فهم و حرك رأسه يميناً في تعجب فتابعت :
– الخياطة الي في ضهرك و القطع الي في صباع رجلك من حادثتك زمان ، رغم انها كانت اول ما عرفنا بعض بس انا عارفة الي حصلك بعدها .
صمتت ثوانِ و نظرت له بسخرية تنتظر رده ، صمته استفز كل خلية بها فصرخت به :
– قولتلك لييييه ، انا مستنية رد ، ليه هربت
ليرد بسرعة و غضب :
– انا ما هربتش ، انا كنت خايف عليكي منهم ، كنت بصلح كل حاجه و كنت راجع اقولك ، خفت عليكي يعملو فيكي حاجة ، اللعب كان ع المكشوف من ساعة ما المافيا قتلت بابا ، و ضيقو عليا كل وسايل الشغل ، كنتي عايزة اعمل ايه ، اقولك و اعيش بذنبك باقي عمري لو عملو فيكي حاجه انا مش هعيش في الدنيا دي من غيرك ، الي هون عليا طول الوقت ده ، اني على طول عارف اخبارك و تحركاتك ، و مطمن عليكي يا ديما .
نظرت له بملامح جامدة كالصنم ، يبدو انها لم تقتنع بكلامه ،او انها حجة واهية بالنسبة لها ، بعد لحظات طويلة قالت بهدوء و جمود :
– انت جبان يا شريف ، انت ما حاولتش تواجه حتى ، لا تواجه بابا و لا تواجهني تعرفني انك هتمشي ، و لو حتى عشان تحميني ، يمكن ده سبب مقنع بس ليا لا ، عارف انا مستنية اللحظة دي من قد ايه ، من يوم ما اكتشفت غيابك من اسكندرية و مصر كلها ، و توقعت ان اللحظة دي هتبقس كلها دموع و ندم على الاقل منك ، و انك هتنزل على ركبك عشان تراضيني حتى .
ناداها باسمها محاولاً مقاطعتها و لكنها لم تعطه الفرصة و تابعت :
– انا سمعت بما فيه الكفاية من بابا لما مشيت ، كان معاه حق لما قالي انه شايف في عنيك الغدر و انك هتمشي ، بابا كان صح في كل كلمة قالها عنك ، على العموم انا مش هكرر غلطتي مرتين .
بدلت ملامحها فحأة باخرى شريرة و قالت بمنتهى الشراسة :
– انا مش عايزة اشوف وشك تاني ، و بمجرد ما نرجع اسكندرية تمشي مكان ما كنت و ما ترجعش تاني ، و لو لمحتك في اي حتة صدقني هتبقي انت الي جنيت على نفسك .
حاولت السير بعيداً عنه ، ما لبث ان تحرك نحوها منادياً باسمها و حاول ان يضع يده انها على كتفها ، و لكنها فاجأته حين اخرجت صاعقاً كهربياً و وجهته نحو يده الموضوعة على كتفها ، نظر لها بصدمة مما حدث ، لقد توقع ان تحزن و تثور و تغضب و هو سيفعل اي شيء ليراضيها و لكن يبدو ان حساباته كانت خاطئة ، اخفض عيناه ينظر لاثرها بندم ، ندم جاء متأخراً …. جداً بالنسبة لها .
لقد نفذ ما طلبته بالحرف حتى انه لم يكمل رحلته و عاد في اليوم التالي و رحل دون وداع و دون اي محاولة اخرى منه للحديث منها ، يعلم انها كانت صادقة في كل كلمة قالتها ، و بعد ان صعقته بالصاعق عرف انها صدقاً لا تهدد فقط .
نظرت لغروب الشمس البديع امامها و اغمضت عيناها تلك المرة تستمتع بتلك اللحظات ، و همست بخفوت :
– نقطة و من اول السطر .
___________
لا يصدق حقاً انها طلبت منه المجيء ، رغم ان مكالمتها كانت قصيرة و مختصرة لابعد الحدود و نبرة صوتها باردة ، إلا انه سيتصرف في هذا النحو ، لقد احضر باقة ورد كبيرة و شوكولا من انواعها المفضلة و العاباً للصغيرات و توجه نحو البناية القاطنة بها ، ابتسامة عاملا الامن طمأنت قلبه قليلاً و رسمت على محياه بسمة مطمأنة ، و لكن لم تظل طويلاً حين فتح والدها باب المنزل و حاول ان يكون هادئاً رغم ملامحه الغاضبة منه ، وضع الاشياء جانباً و توجه نحو صالة الجلوس حيث تجلس الصغيرتان و والدتهما ، تحرك بخطوات حذرة اكثر منها بطيئة ، انكمشت الفتاتان اكثر داخل ثوب والدتهما التي ربتت على رأسيهما و قالت بهدوء :
– مش هتسلمو ع بابي يا بنات و لا ايه ؟ .
نظرتا لها بخوف و عاودتا النظر له فجثى على ركبتيه و فتح ذراعاها و هتف :
– وحشتوني يا حبايبي .
تجمدت ارجل الفتيات مكانهم و نظرات الخوف منه ضربته في مقتل ، هو يكره تلك النظرات ، نظرتا الفتاتان مرة اخرى لوالدتهما و نظرتا له و قالت احداهما :
– بابي انت متعصب تاني ! .
اغمض عيناه بالم من السؤال ، لم يظن ان هذا الشجار ظل مخفورا في ذاكرتهما حتى الان ، فتح عيناه و قال مطمئناً إياهن :
– لا طبعا يا حبايبي ، انا هادي اهوه و مفيش حاجه معصباني ، ده انا حتى جايبلكم اللعب الي كنتو طالبينها مني و انا كنت مسافر .
نظرتا اه لثوانِ اخرى يتأكدان من هدوئه ، ثم تحركا بخطوات سريعة نحوه ملقيتان بنفسهما داخل احضانه ، دفن نفسه في احضانهما و هو يعبر لهما عن اسفه عما حدث منه و انه لم يكن يقصد ان يروا ذلك الشجار و انه سيضبط اعصابه في وجودهما و ان ما حدث لن يتكرر ابداً
قطع تلك اللحظات كلمات والدها الهادئة و الصارمة في نفس الوقت قائلاً :
– تعالو يا بنات نسيب بابي و مامي يتكلمو شوية سوا لوحدهم .
انصرف الثلاثة إلى الداخل و جلس هو مقابلها و هو يحاول فهم ما يدور بخاطرها ، طالت الدقائق و النظرات تتحدث و الالسنة صامتة ، حاول ان يلطف الجو البارد بينهم و هتف بحنين :
– وحشتيني .
نظرت له له بنظرة لم يفهمها ، هو يعرف انها تفتقده ايضاً و لكن لماذ الصمت فعاود الحديث :
– هتفضلي ساكتة كتير ، مش هنرجع البيت يلا !
نظرت له ببرود جاهدت ان تظهره رغم حنينها و ردت بثبات :
– لا مش هنمشي ، انا و بناتي مش هنمشي .
توحشت ملامحه قليلاً و رد بغضب :
– يعني ايه ؟ ، امال جايباني هنا ليه ! ، انا جاي اصالحك و اعتذرلك و اشوف انتي عايزة ايه و اعمهولك و اصالحك و نروح بيتنا.
– لا هو بيتك انت بس ، من ساعة ما واحدة حقيرة ملهاش تمن تنام على سريري و تدخلها شقتي و انا مش موجودة و كمان تمد ايدك عليا فده ما بقاش بيتي .
ردت بهدوء و ثبات و نظرات تحمل غضب الذكريات
اغمض عيناه محاولاً الهدوء ، هو بالفعل اخطأ و يجب ان يتحمل كل ما يصدر منها ، فتح عيناه مرة اخرى و نظر لها و هتف بهدوء :
– انا عارف اني غلطان ، قوليلي ايه الي يرضيكي و انا هعمله ، انا قطعت كلام معاها من ساعة ما سيبتي البيت و تقدري تاخدي تليفوني و تفتـ…
قاطعته و هتفت بنبرة لا تراجع بها :
– انا مش اسلوبي اني افتش وراك ، كل الي بعوز اعرفه بعرفه لوحدي ، الي يرضيني انك تطلقني ، انت خاين و مش مرة و لا اتنيت دول كاير ، و انا عديتلك كتير و انت عارف كده كويس ، و بما ان محدش من اهلك اخد موقف معاك و كله بيبررلك و انت مصدق التبريرات دي فانا مش هكمل معاك ، انا عايزة اطلق و ما تخافش هخليك تيجي في اي وقت تشوف البنات و لو عايز تخرجهم خرجهم ، لكن انا لا نقطة و من اول السطر يا شهاب .
هو يعرف تلك النظرات ، لن تعدل عن قرارها و لو تحدث للغد ، هو يعرف انها بالفعل غفرت له الكثر من المرات و لن تمرر هذه المرة مرور الكرام و لكنه لم يكن يعرف انه هذا سيكون الجزاء .
كانت تنظر للوحة المعلقة على الحائط في محاولة لمنع عيناها من النظر له و التعاطف معه ، لن تتحمل خذلاناً مرة اخري و هو يجب ان يجني ثمار ما فعله و ان يعاقب عقاباً رادعاً لا رجعة فيه ، لن تضغط على نفسها حتى لو لاجل اطفالها ، و ان تظل تغفر له ما حيت … نقطة
عادت من افكارها على صوت اباب يغلق دليل على الرحيل ، نظرت لوالدها الذي كان يوصد الباب خلفه و قالت مع ابتسام خفيفة و هي تحرك عيناها بينه و بين الصغيرات :
– كتبت اخر كلمة و حيت نقطة ، نبدأ بقا من اول السطر و صفحة جديدة خالص .
———-
جلست امام الضابط بثقة عالية و هي تضع امامه بعض الاوراق الصغيرة و خلفها بعض الرجال من تجار المنطقة التي تقطن بها و محامي عائلتها الخاص و قالت بلهجة شعبية بسيطة :
– بص يا حضرة الظابط عشان ما نضيعش وقت حضرتك ، دي الشيكات و الكمبيالات الي على عبدالله زيدان ، كلها بفضل الله اتسددت و ادي الرجالة صحاب الكمبيالات جايين يتنازلوا عن القواضي الي رافعينها عليه .
نظر الضابط لها بريبة و تحقق من الاوراق الموضوعة امامه و نظر إلى الرجال الماثلين امامه ونظر إلى بطاقة هويتها و لم يجدصلة الرقابة بينهما ، قضيق عيناه بتركيز و قال :
– وانتي مين بقا و لا تقربيله ايه عشان تدفعياه مبلغ كبير زي ده؟
ردت بهدوء و بملامح هادئة جدا :
– انا اخت تجار كبار اوي هنا و كانوا مستلفين منه مبلغ كبير و ان وقت نرجع له نصيبي سايبينه معايا ، لما شافو الحكومة بتاخده يومها كلموني عشان اسدد ديونه من المبلغ ده ، دين و بنردهوله .
ما لبثت ان انهيت كلامها حتى جاء عبدالله و هو في حالة يرثى لها ، ثيابه ممزقة و ذقنه نابته و عيناه التفت حولها الهالة السوداء كعينا باندا حزين ، نظرت له بتشفي واضح قرأه على الفور و ضيق عيناه و هو يكز على اسنانه بغضب
تدخل المحامي الخاص بها و قال للضابط بهدوء :
– ينفع تتكلم معاه على انفراد ، لحظات بس .
نظر الضابط لهم بتفحص للحظات و قال :
– مفيش مانع ، عقبال ما تخلصو كلام ، اكون خلصت ورق اوراق الخروج .
نظر عبدالله لهم بعدم فهم و خرج الضابط و باقي الرجال ، فنظر لها و قال بغضب :
– ايه الي جابك ؟ ، جاية تشمتي فيا ؟
نظرت له بتفاجيء مزيف ة قالت بسخرية :
– انا ! ، اخص عليك لما تظن فيا كده ، ده انا جاية اخرجك من هنا و اروحك لبنتك و اهلك الي هيتجننو عليك .
اكمل بغضب طفا على ملامحه و عدم الفهم على محياه :
– ازاي ، انتي مش خدتي الدهب و ما رضيتيش ترجعيهولي مع انه حقي و انتي عارفة كده .
إلى هنا و كفى صاحت به بغضب و ملامحها تتوحش تدريجيا :
– حق ايه يا ابو حق ، جاك كسر حُقك يا اخويا ، انت كدبت الكدبة و صدقتها و لا ايه ، انا و انت عارفين انك كنت عايز تتجوزني عشان تلهف فلوس من اخواتي عشان تسد الي عليك بما انك هتبقي ابو النسب و واحد من العيلة ، كنت فاكرنا مختومين على قفانا و هنديك ، قولت دي عنست و ما هتصدق اني اتجوزها و اهي تربي البت ، يعني جوازة مصلحة مليون في المية ، اخدت الفلوس مني و هكرت التليفون و مسحت كل حاجة عشان ما يبقاش في دليل عليك و نسيت ان اخواتي دول ضهري و ما بخبيش حاجه عليهم ، انا لا بعمل حاجه غلط و لا حرام عشان اخبيها و اتكسف منهم ، اما بقا انا جيت هنا ليه ، انا جيت اديك باقي امانة كانت ليك عندي .
ضيق عيناه بعدم فهم و قال :
– امانة ايه ، انا مش فاكر اني اديتك حاجه تشيليهالي .
تابعت و هي تنظر إلى الاساور الذهبية التي تزين معصمها :
– بيقولو ان الشبكة دي هدية العريس للعروسة ، و انا بصراحه ما كنتش عايزة اي حاجه تفكرني لا بيك و لا باي يوم عيشته معاك ، فبيعت الشبكة خالص و شغلت فلوسها في مشروع و الحمد لله كسب قدهم مرتين و تلاته ، فلوسي الي كانت ليا عندك انا خدتها منهم و فوقيهم تعويض محترم عن الاسلوب الي كنت بتتكلم معايا بيه و بخلك عليا ، و الباقي سددت بيهم الي عليك للتجار و الكمبيالات كلها اتقطعت و اتنازلو عن المحضر و الباقي اديتهم لابوك يشيلهم معاه لحد ما انت تخرج .
اندهش صدقاً من تفكيرها و لكنه قال بسخرية :
– ما شاء الله تفكير شياطين .
رسمت بسمة سخرية هي الاخرى ما لبث ان تحولت لخبث و هتفت :
– اخد الحق حرفة ، و ما تنساش اني ست و احنا صنف ما بيسيبش حقه خالص .
اخذت نفساً عميقاً و رفعت رأسها بشموخ و قالت بثقة جمة :
– كده احنا خالصين و انا طلعت جدعة معاك ، من دلوقتي مش عايزة اسمع حتى اسمك و هعمل حساب العشرة و الجيرة رغم انك ما عملتش حسابها ، بس لو اعترضت طريقي باي شكل انا همحيك من الدنيا كلها ، نقطة …. انا كده قفلت صفحتك من حياتي ، و من بكره هبدأ من اول السطر و في صفحة جديدة بيضا .
و القت عليه نظرة اخيرة و تحركت من امامه و هي ترفع رأسها بشموخ و جذبت طرفا عبائتها و هي تتنهد بارتياح و بسمة مريحة تزين ثغرها ، فخورة انها قاومت شيطانها بان تكمل انتقامها منه لانه استخف بها و انها اخذت حقها كامل و جعلته رغم عنه يحترمها و لن يجوء على رفع عيناه امامها مرة اخرى ، و ستبدأ من جديد نقطة …. و من اول السطر .
تمت بحمد الله

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نقطة ومن أول السطر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *