روايات

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والستون 61 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والستون 61 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 البارت الحادي والستون

رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الحادي والستون

رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الحادية والستون

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُوَ،
لا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ،
وَمَن يِكُن عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُم،
إِذا جَفوهُ وَيَستَرضي إِذا عَتَبوا.
_عنترة بن شداد.
_______________________
الانغماس في بحـ.ـر الخطا’يا كا’رثةٌ فجـ.ـة..
بحـ.ـر الخطا’يا ليس لهُ نهاية، ولا طريق الشـ.ـر لهُ سوى نهاية واحدة معلومة وبرغم ذلك يتم إنكا’رها حتى هذه اللحظة، الشـ.ـر ليس سوى طرفٌ يسعى طيلة الحياة حتى أن يحين لحظة نها’يته على أيادي الخير الذي سعى لإخما’د نوره طيلة الوقت ولم يستطع..
<“وكما قيل مِن قبل، مَن حفـ.ـر حفـ.ـرةً لأخيه و’قع فيها.”>
كان “يـوسف” يجوب في الردهة جيئة وذهابًا وهو ينظر بين الحين والآخر تجاه الباب وقلبه يخفق بعنـ.ـفٍ خو’فًا على “يعقـوب” الذي ذهب وطالَت عودته بعد أن أخبرهما أنَّهُ لن يتأخر عليهما، بينما كان “رمـزي” يجلس فوق درجة السُلَّم الثالثة وهو ينظر لهُ طيلة الوقت، أخرج “يـوسف” زفيرة قو’ية وتمتم بنبرةٍ حا’دة قائلًا:
_أتأخر ليه الو’اد دا قال هيروح يتصرف ويرجع بسرعة.
_خا’يف عليه يتمسك ولا إيه؟.
سؤالٌ مباغت جعل “يـوسف” يقف فجأةً وهو يُفكر في جوابٌ مناسب عليه، بينما كان “رمـزي” ينظر لهُ نظرةٍ ذات معنى وبسمةٌ خـ.ـفيفة تُزين ثَغْره وهو يعلم الجواب جيدًا وبرغم ذلك أراد سماعها مِنْهُ هو، أخرج “يـوسف” زفيرة هادئة ثمّ قال بنبرةٍ مماثلة:
_أيوه، خا’يف عليه يا “رمـزي”.
_كُنت واثق إني هاخد الإجابة دي مِنك.
جاوبه بوجهٍ مبتسم وهو ينظر لهُ ليرى التخبـ.ـط باديًا على معالم وجهه فهو يعلم أنَّهُ في صر’اعٍ طا’حن مع نفسُه الآن وبرغم ذلك أراد أن يُخبره أنَّهُ هو “يُـوسف” ولا غيره وهو الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ما يُريد وليس الآخر، ابْتَلَـ.ـعَ غُصَّته بهدوءٍ وعاد يجوب في الغرفة لمدة دقيقتين حتى رأى الباب يُفتح ويولج لهما “يعقـوب” مغلقًا الباب خلفه..
أقترب مِنْهُ “يـوسف” في هذه اللحظة بخطى واسعة وهو يقول بنبرةٍ منـ.ـفعلة بعد أن بدأت مخيلته برسم أسو’أ السيناريوهات لهُ:
_كُنت فين يا ز’فت أنتَ ومبتردش على موبايلك ليه د’ماغي بقت تودي وتجيب بسببك يا عمّ.
تفاجئ “يعقـوب” مِن هجو’م “يـوسف” عليه ولكن تَفَهَّم مشاعره ومدى حسا’سية تلك اللحظات ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_عملت الموبايل صايلنت ومخدتش بالي إنك أتصلت.
_أهم حاجة دلوقتي عملت إيه فالشنطة؟.
هكذا جاء سؤال “رمـزي” الذي نهض واقفًا واقترب مِنْهُ يجاور “يـوسف” في وقفته منتظرًا سماع ما سيقوله “يعقـوب” الذي أبتسم لهما بسمةٌ هادئة وقال:
_الموضوع خلص والشنطة رجعت لصاحب نصيبها.
_أيوه اللِ هو مين بقى عشان أنا هتجـ.ـنن مِن ساعة ما شوفتها فدولابي؟.
سأله “يـوسف” متر’قبًا وهو ينظر لهُ منتظرًا معرفة لمَن تكون تلك الحقيبة التي كادت أن تز’ج بهِ إلى السجـ.ـن في أيا لحظة، نظر لهُ “يعقـوب” نظرةٍ هادئة هُنَيْهة ثمّ بادل “رمـزي” نظرته وقال:
_”حديـدة” أفندي طبعًا.
صُدِ’مَ كلاهما وهما يُطَالْعَانه بنظرةٍ مستنكرة تمامًا حينما جاءهما الجواب على سؤال “يـوسف” الذي ردد خلفه متعجبًا:
_”حديـدة” أزاي يعني ..!!
_حقك تستغرب، شوفته الصبح خارج مِن العمارة دي وهو بيتلفت حوالين نفسُه زي اللِ عاملُه عمـ.ـلة وخا’يف يتقـ.ـفش بيها متلـ.ـبس، بس اللِ عمال يور فد’ماغي دخل الشقة أزاي وحط الشنطة وخرج عادي كدا كأنه معملش حاجة.
هكذا جاوبه وهكذا سأله جاهلًا فهذا يُثيـ.ـر شـ.ـكوكه ويجعله يُفكر في العديد مِن الاحتمالات التي بدأت تدور برأسه، بينما قال “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وكأنه يجذ’بهم إلى الجانب المشرق مِن القصة:
_المهم دلوقتي إن البو’ليس لو جه وطلب تفتيـ.ـش مش هيلاقوا حاجة معنى كدا يبقى بلا’غ كاذ’ب يعني عقو’بته غير عقو’بة الجر’يمة نفسها، المشـ.ـكلة هنا بقى، هنقول أزاي إن الشنطة مع “حديـدة”؟.
جاوبه “يعقـوب” هذه المرَّة بنبرةٍ هادئة:
_أنا اللِ هقوله الشنطة عنده، هظبطها متشيلو’ش هم.
نظرا لهُ معًا وأكثرهما “يـوسف” الذي كان لا يُصدق حتى هذه اللحظة أنَّ “يعقـوب” يفعل هذا مِن أجله فهو لم يُجالسه حتى هذه اللحظة ولا يعلم ماذا حدث ولكن ما فعله الآن يجعله لا يُريد مجالسته بعد الآن ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_أظن إني مبقتش محتاج أقعد أسمعك يا “يعقـوب”، كُلّ حاجة باينة قصاد عيني.
نظر لهُ “يعقـوب” في هذه اللحظة نظرةٍ ذات معنى والتفاجؤ مرتسمًا على تعبيرات وجهه بشكلٍ واضح ليسمع “يـوسف” يُكمل حديثه بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه قائلًا:
_أنتَ بقيت واحد مِننا، ولو حد مِنهم ضا’يقك تعرفني وأنا اللِ هتصد’ر، ومش محتاج أقولك إن لو مِن عيلة الجز’ار طلـ.ـع عين أبوهم عادي ولو حد فتـ.ـح بوقه معاك هتلاقيني متصد’رله هما كدا كدا بيكتبوا نها’يتهم بإيديهم خلاص.
أبتسم “يعقـوب” في هذه اللحظة غيرُ مصدقٍ لِمَ يسمعه ويراه فتلك اللحظة كان ينتظرها بفراغ الصبر، الآن منحها لهُ “يـوسف” على طبقٍ مِن ذهب، فَرَ’ق “يـوسف” ذراعيه في الهواء في دعوةٍ صريحة ومباشرة لمعانقته مبتسم الوجه، بينما لم يتردد “يعقـوب” ولم ينتظر كثيرًا وعانقه مبتسم الوجه والعَبرات تلتمع في مُقلتيه فرحةً، فتلك هي أكنز لحظاته وستكون الأحب إلى قلبه، بينما طبـ.ـق “يـوسف” عليه بذراعيه يُبادله عناقه بأخر أكثر حنوًا..
في هذه اللحظة فُتِحَ الباب وكان أول الوافدين “سـراج” الذي ما إن رأى هذا المشهد شَعَر بنير’ان الغيـ.ـرة تتأ’كله حينما أنذ’ره صوتٌ بداخله يُخبره أن هذا هو صديقه ويبدو أن آخرًا سيبدأ يأخذ مكانه كاللِّـ.ـص المتسـ.ـلل حتى يتمكن مِن أحتلا’ل مكانته بكُل سهولة، كان “لؤي” يقف خلفه ينتظر تحركه ولكن حينما رأى بصره مثبتًا على “يـوسف” قال:
_أهدى يا عمّ دا مجرد حضن مش حاجة يعني.
كان “سـراج” ينظر لهما نظراتٍ غا’ضبة ويقبـ.ـض بعنـ.ـفٍ على مقبـ.ـض الباب حتى فَقَـ.ـدَ السيطـ.ـرة على نفسُه ولم يشعُر بنفسُه وهو يد’فعه بعنـ.ـفٍ مِمَّ جعل الباب ير’تطم بالجدار مصدرًا صوت إرتطا’مه عا’ليًا، أبتعد “يعقـوب” عن “يـوسف” وهو ينظر إلى الفاعل ليجد “سـراج” الذي كان ير’ميه بنظراتٍ نا’رية تكاد تلتهـ.ـمه، رآه “يـوسف” ورأى نظرته إلى “يعقـوب” ولكن تجاهل هذا الأمر وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إليهم:
_كويس إنكم جيتم دلوقتي كُنت هبعتلكم “أسمـر” يديكم خبر.
_كدا يبقى في كا’رثة رسـ.ـمي حصلت مِن ورانا.
جاوبه “مُـنصف” بنبرةٍ جا’دة وهو يقف شامخًا كعادته ليأتيه جواب “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_هي فعلًا كا’رثة، لقيت شنطة مخد’رات فدولابي.
تجمـ.ـدت الأجسا’م وحُـ.ـبِسَت الأنفا’س وتر’قبت الحواس، أ’لقى قنبـ.ـلته في وجوههم دون سابق إنذ’ار وألتزم الصمت واكتفى بنظرته التي كانت تجوب بينهم يرى ردة فعل واحدة باديةٌ عليهم، زفر “يـوسف” بهدوءٍ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_بس لحـ.ـقنا الموقف و “يعقـوب” خدها وداها لصاحب نصيبها.
_مين ابن الحر’ام اللِ عمل العمـ.ـلة دي ..!!
كان هذا الصوت الغا’ضب المنفعـ.ـل هو صوت “سـراج” الذي فَقَـ.ـدَ السيطـ.ـرة على نفسُه وأعلن عن حر’بٍ لن تنتهي سوى بد’ماء العد’و، نظروا جميعهم لهُ ومعالم الاستنكار باديةٌ على تعبيرات وجوههم فهذه أول مرَّة يرون فيها “سـراج” بهذا العنـ.ـف وهذا الغضـ.ـب، جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ هادئة تعكس ما يدور بداخله قائلًا:
_”حديـدة.”
جُـ.ـن جـ.ـنون “سـراج” وبدأت شيا’طينه تتر’اقص أمامه تُثيـ.ـر استفـ.ـزازه ولذلك تو’عد إليه بعد أن تحرك مِن مكانه متجهًا لهُ قائلًا بنبرةٍ تملؤها الشـ.ـر القا’تم:
_يمين بالله ما هتعدي النهاردة غير بالد’م.
تحرك “يـوسف” سريعًا ير’دع فعله ويقف أمام غضـ.ـبه نـ.ـدًا بنـ.ـد قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_وتبقى خسا’رة بقى عشان خاطر لحظة شيطا’ن سيطـ.ـرت على د’ماغك، مِن أمتى وكان في بينا د’م ما تعقـ.ـل يا “سـراج” ..!!
_أعقـ.ـل !! أنتَ كدا عا’قل يعني لمَ تعديها لواحد دخل بيتك فغيا’بك وحط شنطة مخد’رات وجوه أوضة نومك، أنا كدا مجـ.ـنون صح؟.
أخرج “يـوسف” زفيرة قو’ية ثمّ جاوبه بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر لهُ قائلًا:
_يا عمّ ولو هي كدا، أنا مش عايز د’م يا “سـراج” مش على آخر الزمن هودي نفسي فدا’هية عشان خاطر لحظة شيطا’ن وأتحـ.ـكمت فيك، أعقـ.ـل عشان أنتَ مبقتش لوحدك دلوقتي … متنساش أختي ولا تنسى إن كمان كام شهر هيبقى عندك عيل، قبل ما تتهو’ر فكر.
تدخل “حسـن” هذه المرَّة وهو يقول بنبرةٍ هادئة لم تخـ.ـلو مِن الجدية:
_”يـوسف” بيتكلم صح يا “سـراج”، مبتتحلش كدا يا صاحبي أهدى عشان دي لحظة شيطا’ن أستغـ.ـلك فيها.
تحدث “يعقـوب” بنبرةٍ هامسة موجهًا حديثه إلى “رمـزي” الذي كان يجاوره قائلًا:
_حاسس إن “سـراج” مش طا’يقني، لمَ دخل وأنا حاضن “يـوسف” نظراته ليا كانت دبا’حة بمعنى الكلمة، أنا مكانش قصدي حاجة بس هو شكله كدا فهمني غـ.ـلط.
جاوبه “رمـزي” بنبرةٍ مماثلة بعد أن نظر لهُ وقال:
_لا تلاقيه بس مضا’يق مِن حاجة، “سـراج” مش كدا خالص.
_بس أنا حسيت، أنا عارف إنُه أقرب واحد لـ “يـوسف” وعارف إنهم صحاب أوي يمكن لمَ شافني بدأت أتقرب بطريقة غريبة كأني معاكم مِن سنين أضا’يق، يعني بالبلدي هو حس إني ممكن أخد “يـوسف” مِنُه أو بحاول أخُد مكانه خصوصًا إن “يـوسف” قال إنُه هيقعد ويتكلم معايا بس دا محصلش، دا غير معاملته ليا آخر مرَّة لمَ قالي رأيي هو رأي “يـوسف” وهستنى أشوف رأي أخويا وساعتها د’اس عالكلمة أوي … مش عايز أتشاف بالصورة دي أنا مش كدا واللهِ ولا قاصد حاجة.
نظر لهُ “يعقـوب” بعد أن أنهى حديثه وأخرج ما يُريد قوله، هكذا شَعَر تجاه “سـراج” الذي حتى هذه اللحظة لم يشعُر بتقبُل “سـراج” لهُ جا’هلًا السبب، بينما “رمـزي” لم يجد الكلمات المناسبة لقولها لهُ ولذلك أكتفى بأن يُربت على ذراعه برفقٍ دون أن يتحدث فماذا سيقول وأفعال صديقه تقول كُلّ شيء، جاءهم صوت إنذ’ار سيارة الشـ.ـرطة لينظروا جميعهم إلى بعضهم البعض نظرةٍ ذات معنى وكانت نظرة “يـوسف” مصو’بة إلى “يعقـوب” الذي اقترب مِنْه وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن جاور “سـراج”:
_مش عايزك تتو’تر ولا تقول حاجة أنا هتصرف.
نظر لهُ “سـراج” في هذه اللحظة نظرةٍ نا’رية حا’قدة وقد ها’جمه بالحديث حينما قال بنبرةٍ منفعـ.ـلة غا’ضبة:
_وتتصرف ليه إن شاء الله كُنت مين أنتَ يعني ..!!
نظر لهُ “يعقـوب” دون أن يتحدث ليقف “يـوسف” بينهما مد’افعًا عن “يعقـوب” بقوله الصا’رم:
_”سـراج” دا مش وقته راعي إني فكا’رثة دلوقتي ولازم هو اللِ يتكلم عشان هو اكتر واحد عارفهم وفإيده يخرجني مِن المـ.ـصيبة دي بدل ما ألبسها بجد ويا عالم فيها كام سنة ..!!
هكذا كان “يـوسف” دومًا، يعلم كيف يُسيطـ.ـر على رفيق دربه وكيف ير’دع أفعاله حينما يكون في أقصى مراحل الغضـ.ـب والجـ.ـنون، فتلك اللحظات هي بالنسبة لـ “يـوسف” لحظات قا’تلة كمَن ينتظر تلقي الحُـ.ـكم، ولأجل رفيق الدرب تما’لَك “سـراج” نفسُه لأجل صديقه الحبيب ولذلك صمت ولم يتحدث، في هذه اللحظة وَلَجَ الضا’بط ومعهُ بعض العسا’كر وهو يقول بنبرةٍ جادة:
_مين فيكم “يـوسف عدنان المُحمَّدي.”؟
جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ جا’مدة وهو يقف مكانه شامخًا كاللـ.ـيث قائلًا:
_أنا “يـوسف” يا باشا، خير إن شاء الله.
_جالنا بلا’غ إنك بتا’جر فالممنو’عات وفي حد شافك وأنتَ جايب شنطة مخد’رات ومطلعها شقتك، معانا إذ’ن بتفتيـ.ـش الشقة.
هكذا جاوبه الضابط بنبرةٍ جادة وهو ينظر لهُ ليُفسح لهُ “يـوسف” الطريق قائلًا بنبرةٍ با’ردة:
_أتفضل سعتك الشقة موجودة فوق ومفتو’حة فتـ.ـشها زي ما تحب.
ألتفت الضا’بط وأشار إلى العسا’كر الذين تحركوا نحو الأ’على حينما تلقوا الأ’مر مِن قا’ئدهم، بينما نظر “يـوسف” لهم بهدوءٍ منتظرًا عودتهم ثمّ نظر إلى الخارج يرى أبناء حارته مجتمعون في الخارج وهم يتهامسون فيما بينهم، هذا هو المتوقع حد’وثه بكُلّ تأكيد، وبين هذا الحشـ.ـد رآه يقف بينهم منتظرًا رؤيته وهو يتم القبـ.ـض عليه ولذلك أبتسم بسمةٌ جانبية ساخرة وعاد ينظر نحو الأ’على منتظرًا ما سيحدث..
بينما كانت “بيلا” تقف في غرفة المعيشة بجوار الأريكة وهي تحمل صغيرتها “لين” وتُمسك بيَد صغيرتها “ليان” التي كانت لا تعلم مَن هؤلاء وعلى ماذا يبحثون في منزلهم، بينما كانت “بيلا” تقف مكانها تنظر إليهم وهم يقومون بتفتيـ.ـش المنزل حتى لم يجدوا شيئًا وأنسحـ.ـبوا بصمتٍ تام، نظرت لهم وهم يغادرون ثمّ تركت يَد صغيرتها واقتربت مِن الباب بخطى هادئة تخرج مِن شقتها وتقف أمام الد’رج تنظر إلى الأسـ.ـفل تراهم جميعهم مجتمعون في الأسـ.ـفل منتظرة سماع ما سيُقال..
نظر الضا’بط لهم ليأتي قول أحد العسا’كر ينفـ.ـي وجودهم لأي شيءٍ يدُل على إتجا’ره بالمو’اد المخد’رة قائلًا:
_ملقيناش أي حاجة يا فندم كُلّ حاجة طبيعية.
نظر الضا’بط في هذه اللحظة إلى “يعقـوب” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_بعد إذنك يا حضرة الظا’بط حابب أقول حاجة، البلا’غ اللِ أتقدم فحق “يـوسف” بلا’غ كاذ’ب مِن أصله، “يـوسف” مش تا’جر مخد’رات وأهل الحارة يشهدوا على كدا بس في بينه وبين طرف آخر عد’اوة والطرف الآخر دا بيحاول يو’قعه بأي طريقة فأنا حابب أقدم بلا’غ فالمدعو “سيـد عبدالستار الزنخ” الشهير بـ “حديـدة” إنُه صاحب شنطة المخد’رات اللِ أتهـ.ـم فيها “يـوسف” والشنطة سعتك فبيته كان حاكيلي عنها قبل كدا.
نظر لهُ الضا’بط نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال بنبرةٍ جادة متسائلة:
_وإيه يخليك تقدم بلا’غ فيه وهو صاحبك؟.
_كان صاحبي، حاليًا إحنا مفيش أي حاجة تر’بطنا ببعض بس هو أتهـ.ـم صاحبي وأنا كمان بتهـ.ـمه سعتك.
هكذا جاوبه “يعقـوب” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ أسفـ.ـل نظرات الجميع، نظر الضا’بط إلى العسا’كر ثمّ نظر لهُ وقال بنبرةٍ متسائلة:
_وهو فين بيته؟.
أشار لهُ “يعقـوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أتفضل معايا سعتك.
تحرك “يعقـوب” ومعهُ الضا’بط والعسا’كر خلفُه تحت أنظار الجميع، تحدث “لؤي” بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_ربنا يعديها على خير.
كان “حديـدة” يقف بينهم وهو متعجبًا مِن خروجهم خلف “يعقـوب” وعدم تواجدهم للحقيبة ومعها تركهم لـ “يـوسف” دون أن يتم إلقا’ء القبـ.ـض عليه ولذلك تحرك خلفهم حتى يعلم ماذا يحدث ولِمَ لم تنجح خـ.ـطته حتى هذه اللحظة، أخرج “يـوسف” زفيرة قو’ية لتحل الر’احة قلبُه حينما أنقـ.ـذه “يعقـوب” مِن تلك الكا’رثة التي كادت أن تلحق بهِ..
أقترب “حديـدة” مِنهم وهو لا يفهم شيئًا ليلحق بهِ “فتـوح” الذي قال متسائلًا وهو ينظر إلى الشـ.ـرطة التي تحاوط المكان:
_في إيه يا “حديـدة” إيه اللِ لا’مم البو’ليس هنا؟.
_أحيه ..!!
نطق بها “حديـدة” وجحـ.ـظت عيناه بصد’مةٍ حـ.ـقيقية حينما رأى العسا’كر خرجت مِن بهو البِنْاية ومعهم الحقيبة التي وضعها في خزانة “يـوسف”، في هذه اللحظة عَلِمَ أن اللُعبة إنقـ.ـلبت عليه وسـ.ـقط في شـ.ـر أعماله، حفـ.ـر بؤ’رةٌ عمـ.ـيقة لإيقا’ع الطيب فسـ.ـقط هو بها، اقترب مِنهم وهو يُحاول أن يُحافظ على ماء وجهه لينظر لهُ “يعقـوب” في هذه اللحظة محتقـ.ـرًا إياه، وقف أمامهم لينظر لهُ الضا’بط مستمعًا لهُ وهو يقول بنبرةٍ غـ.ـلبها التو’تر:
_خير يا باشا إن شاء الله.
_أنتَ “سيـد عبدالستار الزنخ” الشهير بـ “حديـدة”؟.
ابْتَلَـ.ـعَ “حديـدة” غُصَّته بخو’فٍ شـ.ـديد وأصا’به التو’تر وتندى جبينه أمام عينان الضا’بط الذي تأكدت شـ.ـكوكه تجاهه وبرغم هذا أنتظر الجواب الذي جاءه على بُساطٌ أحمدي:
_أيوه يا باشا أنا، خير إن شاء الله.
_متقدم فيك بلا’غ مِن “يعقـوب نادر فرج” بيقول إن شنطة المخد’رات دي بتاعتك.
نَفَـ.ـىٰ “حديـدة” سريعًا قوله وهو يقول بنبرةٍ كَسَـ.ـتها الرُ’عب الشـ.ـديد:
_محصلش، أنا معرفش أي حاجة عن الشنطة دي ولا ليا علا’قة بيها.
أغلق الضا’بط عيناه قليلًا وهو ينظر لهُ نظرةٍ مليئة بالشـ.ـك قائلًا:
_مش بتاعتك أزاي ولا تعرف عنها حاجة وهي فشقتك وتحديدًا دولابك فأوضتك.
جحـ.ـظت عينان “حديـدة” برُ’عبٍ وهو ينظر إلى “يعقـوب” الذي كان يقف شامخًا رأسه مرفوعة وهو ينظر لهُ ليُدرك في هذه اللحظة أنَّ الحُفـ.ـرة التي سعى فيها لإسقا’طهم بها اليوم هو الذي سـ.ـقط فيها وهم مَن سيطمـ.ـرونه تحت الرُ’كام، لم يجد الجواب على سؤاله ولكن جاء الجواب مِن “فتـوح” الذي قال بنبرةٍ جادة:
_بس يا باشا “حديـدة” مبيتا’جرش فالمخد’رات.
_بيتا’جر يا “فتـوح” وأنتَ عارف كدا كويس، الشنطة دي بتاعته وكان عايز يلبـ.ـسها لـ “يـوسف” عشان يخلـ.ـع هو مِنها.
هكذا جاوبه “يعقـوب” بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر لهُ ليُبادله “فتـوح” في هذه اللحظة نظرةٍ نا’رية ولكن قبل أن يرد عليه قطـ.ـعه صوت الضا’بط الذي أ’لقى أ’مره للعسا’كر قائلًا بنبرةٍ جادة:
_هاتوه.
أقتربا عسكـ.ـريين وهم يُمسكون بهِ ويسحـ.ـبونه معهما ليبدأ “حديـدة” يستـ.ـغيث بـ “فتـوح” الذي قال بنبرةٍ عالية بعض الشيء وهو ينظر لهُ:
_هتخرج يا’ض متخا’فش، هخرجك مِنها واللِ غـ.ـلط هيد’فع التمن.
أبتسم “يعقـوب” متهكمًا حينما أستمع إلى حديثه ليقول بينه وبين نفسُه:
_مش أي حد عنده ضمير برضوا.
وبعد رحيل سيارة الشـ.ـرطة ألتفت “فتـوح” ينظر إلى “يعقـوب” بنظرةٍ تُغلفها الغـ.ـل تجاهه ليقول بنبرةٍ منفـ.ـعلة:
_كان عندي إحساس إنك هتغد’ر يا “عصفـورة”، بس معرفش إنك طلعت بوشين.
_إسمي “يعقـوب” يا ابن الجز’ار، وأنا مش غد’ار، أنا حقاني ..!!
هد’ر بهِ “يعقـوب” بإنفعا’لٍ واضح وهو يقف أمامه النـ.ـد بالنـ.ـد، أقترب “فتـوح” مِنْهُ وهو لا ينتوي على الخير ليجد أمامه الحصـ.ـن المنـ.ـيع يفـ.ـرض سيطـ.ـرته على أحبّاءه أمام أعد’اءه، تبادُل النظرات النا’رية هي القائمة بينهم ليأتي قول “فتـوح” الحا’قد:
_إبعد بدل ما أز’علك كلامي مش معاك.
_لو جيباك أوي وريني، ولو لمـ.ـست الر’اجل دا هز’علك عشان دا بقى يخـ.ـصني دلوقتي واللِ هييجي عليه هسـ.ـفه مِن و’ش الأرض وأنتَ جرّبتني.
كاللـ.ـيث في شموخه وكالأسـ.ـد في شـ.ـراسته، يعلم كيف يقف في وجه المخا’طر ويأخذ بحقوقه كاملة مِن أفو’اه الضبا’ع الجا’ئعة؛ لحظات نا’رية، وأعيُن تنطق بالشـ.ـر والغضب اللامحدود في تحـ.ـدٍ سافر بينهما..
_هتند’م عاللحظة دي يا “يـوسف”.
_”جعفـر” اللِ معاك دلوقتي يا حيـ.ـلتها، ولو قلـ.ـبك جايبك ند’مني.
إذ ظننتَ أن الطيب سيخا’ف فالمنغـ.ـمس في بحو’ر القسو’ة والقو’ة لا يخا’ف، في لحظة خرج الطرف الآخر الذي كان الأكثر سيطـ.ـرة وسَطْـ.ـوة وهيـ.ـمنة، جاء “جعفـر” وجاءت معهُ طُرُق النـ.ـجاة، جذ’به “يعقـوب” مِن ذراعه برفقٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أهدى يا صاحبي هو بيعمل كدا عشان يغـ.ـلطك، أمشي ومتردش عليه.
نظر إلى “فتـوح” الذي وّجه لهُ قوله هذه المرَّة متو’عدًا:
_وأنتَ، يمين بالله ما هحـ.ـلك، هند’مك بالجا’مد وبُكرا تشوف.
كاد “يـوسف” أن يتهو’ر ولكن مـ.ـنعه “يعقـوب” الذي جذ’به برفقٍ مبتعدًا عنهُ دون أن يتحدث أو يُعطيه أيا أهمية، حاول “يعقـوب” تهدأة “يـوسف” وهما متجهين إليهم مجددًا قائلًا:
_أهدى مينفعش كدا، دا اللِ هو عايزُه دلوقتي، يعـ.ـصبك عشان تها’جمه والغـ.ـلط يتحط عليك والمرَّة دي الناس هتكون ضـ.ـدك، أهدى أنا عارف هو بيفكر أزاي.
أشار لهم “يعقـوب” أن يتحركوا وهما يتجاوزانهما، وقبل أن يتحرك “سـراج” خلفهما رأى “مـها” تقترب مِنهم بخطى واسعة والخو’ف يُغلف قلبها على أخيها ليقترب هو مِنها بخطى واسعة يقـ.ـطع نطا’ق سيرها قائلًا بتساؤل:
_إيه اللِ خرجك يا “مـها”؟.
_”يـوسف”، هياخدوا أخويا يا “سـراج” ليه؟.
كانت خا’ئفة، كانت مزعو’رة، كانت متلهفة على أخيها، شَعَرت بالخطـ.ـر يحوم حول أخيها ولذلك لم تنتظر وأرادت أن تكون بجانبه مثلما أعتادا منذ الصغر، حاول هو طمئنتها حينما أمسك بذراعيها برفقٍ وهو يقول:
_متخا’فيش محدش هياخده صدقيني أنا موجود أهو مش هسـ.ـمح لحد ياخده يا حبيبتي أهدي.
ظهر هو في الصورة بعد أن لمح شقيقته ورأى خو’فها ولذلك تركهم جميعًا واقترب مِنها حتى ظهر أمامها، حاوط وجهها بحنوٍ بكفيه ونظر إلى عينيها مباشرةً وقال بنبرةٍ هادئة حنونة:
_مالك بس أهدي مفيش حاجة.
شحـ.ـب وجهها واخـ.ـتفى لونه وإنطـ.ـفأ رو’نق عينيها وأصا’بها الزُ’عر والتخبـ.ـط ليأتي هو كشعا’ع النور يشـ.ـق ظلا’م الليل الدا’كن، نظرت هي لهُ وقالت بنبرةٍ مر’تعبة:
_هياخدوك ليه يا “يـوسف”، أنتَ معملتش حاجة عشان ياخدوك.
_محدش يقد’ر ياخدني ولا يبعدني عنك يا رو’ح قلبي متخا’فيش مش هروح فحِتة.
هكذا رد عليها بنبرةٍ هادئة ودافئة ثمّ ضمها إلى دفء أحضانه وكفه يمسح على ظهرها برفقٍ وبصره مثبتًا على رفيقه الذي كان ملتزمًا الصمت، هُنَيْهة وأبتعدت عنهُ وهي تنظر لهُ ليقول هو بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_إطلـ.ـعي يلا ومتخا’فيش عليا، وبلاش تعملي كدا تاني أنتِ لسه فتالت أسبوع والحمـ.ـل مثبتـ.ـش صحتك ونفسك أهـ.ـم، أتفقنا.
كيف أستطاع في لحظة أن يكون بكم هذا الهدوء والحنان، منذ دقائق كان هذا الذي لا ير’حم وليس لهُ عزيزًا، الآن هو هذا الحنون الذي أعتادت عليه دومًا، وكانت هي أمامه لا تقد’ر على ر’فض طلبٍ لهُ ولذلك أبتسمت هي لهُ وحرّكت رأسها برفقٍ توافق على حديثه دون أن تتحدث وعاد لو’ن وجهها يُزهر مِن جديد وعادت لمعة عينيها تزهو..
_حاضر يا حبيبي، المهم تكون أنتَ كويس.
أبتسم لها وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى عينيها مباشرةً:
_متخا’فيش عليا، يلا اطلـ.ـعي على فوق وخلّي بالك مِن نفسك.
_حاضر.
جاوبته بوجهٍ مبتسم ثمّ نظرت إلى “سـراج” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_اطلـ.ـعي وأنا مش هتأخر عليكِ.
تركتهما بالفعل ورحلت مجددًا لشقتها دون أن تتحدث، بينما نظر هو إلى رفيقه الذي طوّق عُنُـ.ـقه بذراعه وهو يقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_أنا مش هحاسبك على اللِ عملته قدام “يعقـوب” ولا مُعاملتك لِيه عشان عارف إنك متقصدش وعارف إنك تلقائي وحسيت إنُه هيبدأ يقرّب مِني، بس هفضل أقولهالك لحد ما أمو’ت، أنا عارف إنك غيـ.ـرت بس صدقني هتفضل مكانتك عندي محفوظة ومش عايزك تفهم “يعقـوب” غـ.ـلط خالص “يعقـوب” جواه حاجة كويسة ولو كُنت قايل إني هقعد معاه فأنا مش هعمل كدا نيِّـ.ـتُه ظهرت وعرفت مـ.ـيّتُه، عاملُه أحسن مِن كدا يا “سـراج”.
نظر لهُ “سـراج” في هذه اللحظة بعد أن أنهى رفيقه حديثه الهادئ هُنَيْهة قائلًا:
_غصـ.ـب عنّي يا “يـوسف”، أضا’يقت لمَ شوفته قريب مِنك معرفش ليه بس حسيت إنُه بيضا’يقني.
_تبقى أهبل، “يعقـوب” شكله طيب ومش بتاع الحاجات دي خالص، هو كُلّ اللِ محتاجه وَنَس وصُحبة حواليه فعشان كدا بيحاول يقرب مِننا ويمكن بدأ بيا عشان عارف إني مش أوي مِن ناحيته دا الرا’جل لسه عامل جميلة فيا ولحـ.ـقني مِن مـ.ـصيبة، حاول تكلمه وتقرّب مِنُه عشان مياخدش جنب مِنك وميتعاملش معاك وعشان ميفهمكش غـ.ـلط، ممكن؟.
زفر “سـراج” في هذه اللحظة بهدوءٍ ثمّ وافق على حديثه بقوله الهادئ:
_حاضر يا “يـوسف”، هعمل كدا.
أبتسم لهُ “يـوسف” في هذه اللحظة ثمّ ذهب معهُ لهم ليراهم ينتظرون قدومهم، أغلق “يـوسف” الباب خلفه ونظر إلى “مُـنصف” الذي قال متهكمًا:
_حد قالكم إني شغال عند أبوكم؟ تعالى يا “مُـنصف”، أطلع يا “مُـنصف”، روح يا نيلة، تعالى يا قطـ.ـران، أتر’زع يا ز’فت، إيـه ..!!
جاوبه “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ با’ردة:
_جتك أوه يا مهز’ق، أكتـ.ـم يا’ض.
شَعَر “مُـنصف” بالضيـ.ـق ولذلك مدَّ يَده إلى جيب سترته الشتوية وأخرج عُلبة كرتونية صغيرة وقام بفتحها وإخراج سيجارة مِنها وكأنها أصبحت طقس مقد’س بالنسبةِ إليه، قرّبها مِن فَمِه لتُعانقها شـ.ـفتيه ثمّ أشـ.ـعلها بنقـ.ـرة هادئة مِن قد’احته ليتصا’عد لهـ.ـيبها وتحتر’ق رأ’س السيجارة بو’هجٍ خافت قبل أن يأخذ مِنها النَفَـ.ـس الأول العمـ.ـيق، تاركًا الد’خان الأبيـ.ـض يتر’اقص في الهواء مِن حوله وهو ير’مي “يـوسف” نظرةٍ تملؤها الضيـ.ـق، تلك كانت وسيـ.ـلته الوحيدة لإطفا’ء غـ.ـضبه قبل أن يتصا’عد ويحر’ق مَن حوله..
نظر “يـوسف” إلى “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى بعد أن تذكّر أمر السيارة والحقيبة ليسأله بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_إلا صحيح يا “رمـزي”، أنتَ أزاي عرفت حوار الفرا’مل والشنطة اللِ فدولابي؟.
كان “رمـزي” يعلم أنَّ هذا السؤال سيأتي في أيا لحظة ولذلك كان مستعدًا لقول ما لن يتم تصديقه، أتجهت الأنظار إليه في هذه اللحظة ليأتي سؤال “حسـن” الذي تذكّر هذا الأمر قائلًا:
_أيوه صحيح، عرفت أزاي الحوار دا أنا نسيت أسألك السؤال دا.
_هجاوبكم، بس مش عايز حد يقولي إنُه مش مصدقني.
هكذا أخبرهم وهو ينظر إليهم نظرةٍ تحذ’يرية ليأتي جواب “يـوسف” هذه المرَّة بقوله:
_متقـ.ـلقش محدش هيقول حاجة، بس عايزين نعرف إيه اللِ عرّفك بالحوار دا إحنا هنتجـ.ـنن.
أخذ “رمـزي” نفسًا عميقًا ثمّ زفره بهدوءٍ وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهم:
_جاتلي زي رؤية كدا فجأة، كُنت فالمسجد كالعادة و “يعقـوب” جالي، هزرنا شوية بعدين وأنا بروّق حا’مل المصاحف سمعت همس بإسم “يـوسف”، أفتكرت بيتهيقلي ولا حاجة، بس الهمس رجع تاني بشكل متكرر قولت يمكن “يعقـوب” بيهزر معايا ببُص عليه ألاقيه مشغول فرَّص الكراسي، مفيش ثوانِ وبدأت الرؤية قدام عيني، شايف الحا’دثة، عشان كدا مستنيتش خصوصًا إن دي مكانتش أول مرَّة وكلمتك، بخصوص الشنطة فحصل نفس الحوار لمَ كُنت قاعد معاهم عالقهوة، شوفت الشنطة وهي بتتحط بس معرفتش أشوف اللِ بيحطها وعشان كدا قولتلك أول ما شوفتك … حصلت معايا كذا مرَّة قبل كدا لناس تانية وأنا اللِ محطتش فد’ماغي وللأسف أتأ’ذوا فعلًا، فمحبتش أضـ.ـحي المرَّة دي بيك يا صاحبي فقولت ألحـ.ـقك.
_أحيه.
هكذا رد “مُـنصف” مصدومًا بعد أن أستمع إلى حديثه الذي أصا’ب ضر’بته، نظروا جميعهم لهُ ليُكمل هو قوله بعد أن نظر إلى السيجارة التي كانت بين سبابته وإبهامه:
_أكيد السجارة هي اللِ فيها حاجة غـ.ـلط مش “رمـزي” ولا وداني.
جاوبه “حسـن” الذي نظر لهُ بنبرةٍ هادئة يؤكد حقيقة الأ’مر قائلًا:
_بس أنتَ سمعت صح يا “مُـنصف”.
جاء سؤال “لؤي” الذي أز’داد فضوله لمعرفة المزيد وهو ينظر إلى رفيقه قائلًا:
_يعني هو باين مِن كلامك إنها حاجة كويسة، بس السؤال هنا أشمعنى دلوقتي؟.
_مش عارف بصراحة، بس اللِ أعرفه ومتأكد مِنُه إنها حاجة كويسة مش و’حشة، دي هبة مِن عند ربنا مبتروحش لأي حد، آه أنا مستغرب حبتين بس تمام، على الأقل لو في أي حاجة لقدر الله ألحـ.ـقها قبل ما تحصـ.ـل.
هكذا جاوبه “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهم جميعًا ليرى تعبيرات مختلفة على وجوههم بعدما قال ما قاله الآن، أبتسم “يـوسف” لهُ وقال بنبرةٍ هادئة:
_حاجة حلوة زي ما قولت، وأنا مغـ.ـلطش لمَ قولت إنك الثمرة الصا’لحة الوحيدة اللِ فينا.
نظر لهُ “رمـزي” هُنَيْهة ثمّ أبتسم لهُ بسمةٌ هادئة وقال بنبرةٍ رزينة:
_كُلّنا صالحين يا “يـوسف”، مفيش حد فينا فاسـ.ـد إلا فحالتين، أولهم لو هو أتر’بى فبيئة أصلها فاسـ.ـد مِن الأول، أو هو شايف نفسُه فاسـ.ـد رغم إنُه صالح، غير كدا معرفش، ومحدش فينا معصو’م مِن الغـ.ـلط كُلنا بنغـ.ـلط وأنا بغـ.ـلط مش معنى إني شيخ وبصليها إني متفـ.ـتنتش قبل كدا، أنا بسـ.ـعى، بحاول أفضل زاهِد وغا’ضض بصري، أنا أ’قع فالفـ.ـتنة آه بس مروحش أقول دا أنا و’قعت وجَت اللِ ضر’بت بزُهدي عـ.ـرض الحيطة.
مازحهم في نهاية حديثها ثمّ أبتسم بسمتُه البشوشة التي يُحبون أن يرونها دومًا لتعلو القهقهات الخفيفة بينهم ثمّ يأتي قول “سـراج” الذي تحدث بنبرةٍ ضاحكة:
_أنتَ أزاي بجد قا’در تقنـ.ـعني كدا، يا عمّ يخر’بيت صراحتك الزا’يدة دي إيه يا عمّ مش كدا براحة على نفسك شوية صراحتك دي هتوديك فدا’هية.
_صدقني مفيش أحلى مِنها، خليك صريح، هتبقى فُلة.
هكذا جاوبه “رمـزي” مبتسم الوجه ليأتيه الجواب مِنْهُ مجددًا حينما قال:
_بتفكرني يا’ض يا “رمـزي” بـ “سلمان خان” كان عامل فيلم وكان أسمه فيه بچرانچي وكان بيساعد طفلة بكـ.ـماء ترجع بلادها بعد ما تا’هت عن أمّها فالقطر وعدى ساعتها حد’ود باكستا’ن بمساعدة واحد باكستا’ني عن طريق أنفا’ق سـ.ـرية واتقـ.ـفش مِن أول مرَّة قال على كُلّ حاجة للظا’بط وبا’ع الو’اد اللِ ساعده واتكرر الوضع دا ييجي ٣ مرات وكُلّ مرَّة يقول نفس السبب كان صريح أوي زيك كدا فيكم صراحة مِن بعض.
هذه المرَّة كان المكان يعـ.ـج بالضحكات العالية بينهم بعد أن مازحه “سـراج”، نظر لهم “يـوسف” مبتسم الوجه ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_المهم يا شبا’ب إننا خـ.ـلصنا مِن واحد دلوقتي، “حديـدة” راح لحال سبيلُه عُقبال ولا’د الجز’ار ونبقى خـ.ـلصنا.
_دا أنا مِن فرحتي عايز أوزع شربات واللهِ.
جاوبه “لؤي” مبتسم الوجه والسعادة باديةٌ على تعبيرات وجهه ليوافقونه جميعهم الرأي في الحال، اسْتَأذَنَ “رمـزي” مِنهم للرحيل بعد أن أتفقوا على رؤيتهم لهُ في الغد ليرحل متجهًا إلى منزله بخطى هادئة، وحينما خرج اسْتَأذَنَ “يعقـوب” كذلك مِنهم بنبرةٍ هادئة وهو يقول:
_وأنا كمان هستأذنكم يا رجا’لة.
نظر لهُ “يـوسف” ثمّ أبتسم بسمةٌ هادئة وقال:
_شكرًا يا “يعقـوب” على وقفتك جنبي، مش هنسهالك يا صاحبي.
_أنا معملتش حاجة يا “يـوسف”، أنا محبتش أسكُت عن الحق بس، المهم إن اللِ غـ.ـلط إتجا’زىٰ.
هكذا جاوبه بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه ثمّ تركهم ورحل بعد أن ودعهم جميعًا تاركًا إياهم خلفه ينظرون إلى أثره، تحدث “مُـنصف” قا’طعًا هذا الصمت بقوله الهادئ:
_خيل حُـ.ـر أ’صيل على حق وكان مستـ.ـخبي ورا شخصية ****.
_كُل واحد بيفوق فالمعاد المناسب يا “مُـنصف”، و “يعقـوب” نَجَـ.ـد نفسُه بدري قبل ما يقـ.ـع فالمصـ.ـيدة.
رد “حسـن” عليه ثمّ سَادَ الصمت بينهم هذه المرَّة، العقو’ل منشغلة والرو’ح مازالت لا تعلم ماذا ينتظرها غدًا، فاليوم كان أشبه بأحداث فيلم وثائقي بالنسبةِ إليهم وليس كأي يومٍ مرّ عليهم.
________________________
<“وكما ظن الفتـ.ـى، مازال النز’اع قائمًا.”>
لا يعلم المرء شيئًا يُسمى الاستسلا’م..
ظن أن الحياة ستبتسم لهُ أخيرًا ويحظى هو بالقليل مِن السعادة التي حُرِ’مَ مِنها، ولكن وَجَدَ النز’اع مازال قائمٌ ويقف في وجهه بالمر’صاد..
كان حـ.ـبيس غرفته بعد أن نَشَـ.ـبَت حر’بٌ عا’لمية في منزل العائلة، لأول مرَّة يُصبح منزل آل مُحمَّدي بهذه الحالة المزر’ية، كان صدره يعلو ويهبط بعـ.ـنفٍ وصوت أنفاسه عا’لية بعد وصلة صرا’خ عالية وغضـ.ـبٍ لا آخر لهُ وإنفعا’لاتٌ طا’ئشة أمام مَن تُسمى والدته التي بات يكر’هها منذ هذه اللحظة ولا يتمنى رؤيتها مجددًا، لولا أولاد عمومته ووقوفهم في وجهه بالمر’صاد لكان أحر’ق المنزل بأكمله..
يقف خلف الباب بعد أن أغلقه مِن الداخل خصلا’ته مبعثـ.ـرة وثيابه غير مهندمة والحُمـ.ـرة تكـ.ـسو عيناه وتلمعان ببريقٍ يُغلفه الكسـ.ـرة والخذ’لان، يسمع صر’اخ والديه ببعضهما ود’فاع أبيه عنهُ أمامها كالمعتاد، وضع كفيه على أُذُنيه بعد أن ر’فض سماع المزيد مِنهم وخصيصًا صوتها الذي كر’هه كثيرًا وأصبح لا يُطيق سماع إسمها يُذكر..
جاءت بعد أن عَلِمَت بميعاد خطبته مِن “أمل” وهذا بالطبع لا يُرضيها وجاءت الر’ياح بما لا تشتـ.ـهي السـ.ـفن حينها وكأن قذ’يفة ضر’بت منزلهم، صدحت الطرقات العالية على باب غرفته ومعها صوت “محمـود” الذي قال بنبرةٍ قو’ية:
_”عامـر” أفتح الباب، أفتح يا “عامـر” بعد إذنك أنا عارف إنك مش قا’در بس مينفعش تحبـ.ـس نفسك كدا.
ضر’ب “عامـر” المقعد بالباب وهو يصر’خ بهِ بغضـ.ـبٍ سا’حق:
_مش عايز حد معايا، سيبوني لوحدي ..!!
تفاجئ “محمـود” مِن حالة أخيه تلك والتي يراها لأول مرَّة، أبتعد عدة خطواتٍ إلى الخلف بعد أن أستمع إلى صوت الضر’بات العنـ.ـيفة على الباب ليُحاول مجددًا معهُ قائلًا:
_صدقني مش هتقد’ر تعمل حاجة كُلّ دا تهـ.ـديدات عالفاضي واللهِ، الخطوبة هتتم غصـ.ـب عنها أنتَ فاكر إن بابا هيسكوتلها؟.
لم يتلقى سوى الغضـ.ـب والصر’اخ ومطالبته بالابتعاد عنهُ، برغم أنَّهُ يُحاول ولكن يرى الر’فض التام مِن أخيه الذي أتخذ العد’وانية تجاههم، زفر بعمقٍ ووقف عا’جزًا لا يعلم ماذا يفعل مِن أجل أخيه ولذلك تركه بالفعل ورحل متجهًا نحو الأسـ.ـفل حيثُ مازالت والدته تقف بوجه أبيه بالمر’صاد تُخرج أسو’أ نُسخةٍ مِنْهُ، رأى عمُّه الأكبر يقف بوجهها كالحصـ.ـن المنيـ.ـع وهو يقول بنبرةٍ حا’دة لا تقبل النقاش:
_كلمتين وملهومش تالت يا “زينـات”، خطوبة “عامـر” الخميس الجاي عالبنـ.ـت اللِ هو شاور عليها وأختارها ومعندناش كلام نتناقش فيه تاني، سيادتك حبيتي تحضري أهلًا وسهلًا غير كدا منعرفش وأبعدي عن الو’اد أحسنلك، سيبيه يعـ.ـيش زي ما هو عايز “عامـر” مش عيل صغير هتتحـ.ـكمي فيه على كيفك، كفاية اللِ عملتيه فـ “محمـود” والعيال دي عيالي وأنا و “عمـاد” أضرى بمصلحتهم كويس أوي وعارفين سعادتهم فين، فياريت تهدي وتكـ.ـني بعيد وملكيش دعوة بالعيال كفاية لحد هنا بقى.
هكذا كان “راضـي” دومًا، صا’رمًا في مثل هذه المواقف ولا يقبل النقاش فيما لا يُرضيه، كانت تصمت دومًا ولكن اليوم هي لن تصمت بكُلّ تأكيد، وقفت أمامه ولم تأ’بى بأنهُ كبير هذه العائلة ولم تأ’بى كونه عمًّا لولديها ولم تأ’بى لزوجته أو لولديه وقالت بنبرةٍ عالية مفعـ.ـمة بالغضـ.ـب:
_وأنتَ مالك، بتدخل ليه فاللِ ميخصكش ما تخليك فحالك شوية أنتَ أساسًا سبب كُلّ المشا’كل هنا إيه مشبعتش مشا’كل ..!!
سَادَ الصمت فجأةً وحُبِـ.ـسَت الأنفاس حينما تلقت صـ.ـفعة قا’سية مِن “عمـاد” الذي لم يحتمـ.ـل كلماتها تُنسـ.ـب لأخيه الذي تجمـ.ـد مكانه وهو يستمع إلى حديثها القا’سِ يوّجه لهُ، للمرَّةِ الثانية تُهيـ.ـن نفسُها أمام الجميع، وصل “عمـاد” إلى أقصى مراحل الغضـ.ـب بسببها فلا تلو’م إلا نفسها الآن على ما ستراه مِنْهُ، نظرت لهُ وهي تضع كفها على شطـ.ـر وجهها الأيمن وهي مازالت في صدمةٍ مِن أمرها لتسمعه يقول بنبرةٍ حا’دة مفعـ.ـمة بالقسو’ة:
_يمين بالله اللِ ما حلفت بيه كد’ب قبل كدا، لو شيطا’نك وَز’ك تيجي يوم الخطوبة وتعملي مشا’كل وتبو’ظي فرحة أبني وعهد الله يا “زينـات” لهتخرجي مِن تحـ.ـت إيدي بعا’هة مستد’يمة تفتكريني بيها طول عُمرك، أنا عندي أستعداد أقف فوش أي حد يفكر يأذ’ي ولادي مهما كان مين هو … أبني خطوبته فمعادها الخميس الجاي وهياخد “أمل” وأنا الشاهد على جوازهم إن شاء الله، أظن كدا الرسالة وصلت.
أنفا’س الجميع محبو’سة، وحواسهم تتر’قب المقبل، والقلوب تخفق بعنـ.ـفٍ داخل صدورهم، تحـ.ـدٍ سافر بين الطرفين لا أحد يعلم إلى متى سيدوم، وهذا الفتـ.ـى لم يَعُد يتحمـ.ـل أكثر مِن ذلك ولذلك أقترب مِنها يُمسك برسغها بعنـ.ـفٍ بعد أن فَقَـ.ـدَ السيطـ.ـرة على نفسُه وسحبها خلفه دون أن يتحدث نحو الباب أسفل نظرات الجميع الذين تفاجئوا بهذا الرد مِنْهُ هو خصيصًا، بينما كانت هي متفاجئة مِن فعله تحاول ر’دعه بشتى الطرق وتحر’ير يدها مِن قبـ.ـضته ولكن أ’بى هو تركها حتى أخرجها بنفسُه إلى الخارج ولم يُعطيها الفرصة وأغلق الباب بوجهها دون أن ينبث بحرفٍ واحد..
ألتفت بجسـ.ـده نحوهم ينظر إليهم ثمّ أقترب مِنهم وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_أنا مِن النهاردة يتيـ.ـم الأم، أمّي ما’تت خلاص.
أ’لقى بكلماته التي كانت قا’سية بشـ.ـدة على زوجات عمومته اللواتي شعرن بكسـ.ـرته وخذ’لانه، نظرن لبعضهن بعدم استيعا’ب وأكثرهن “وجيـدة” التي آ’لمها قلبها ونظرت إلى “راضـي” بحز’نٍ طاغٍ ليُبادلها نظراته بأخرى حز’ينة لأجل هذان الشا’بين اللذان كانا كالزهرة في ر’يعان شبا’بها تبدأ تُزهر ليأتي الطقس القا’سِ يقتـ.ـلها في الحال ويُطـ.ـفئ ألوا’نها الزاهية، تركهم وصعد إلى الأعلى دون أن يتحدث بحرفٍ آخر أسفـ.ـل نظرات “عمـاد” الحز’ين لهُ..
_سيبهم شوية يا “عمـاد” لوحدهم، الـ ٢ مكسو’رين دلوقتي وجر’حهم مش مستحـ.ـمل يتفتـ.ـح أكتر مِن كدا.
هكذا جاوبه “راضـي” بنبرةٍ هادئة يرد’ع فعله لينظر لهُ الآخر ثمّ جاوبه بنبرةٍ هادئة وقال:
_حقك عليا يا خويا، متز’علش.
أبتسم لهُ “راضـي” وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ:
_حقي وصلي مِنها لمَ ضر’بتها يا خويا، مش لاز’م كلام كفاية الفعل.
أبتسم لهُ “عمـاد” ثمّ مدَّ كفه مربتًا فوق كتفه برفقٍ دون أن يتحدث فيكفي نظرته لهُ هي التي تقول كُلّ شيءٍ الآن، اسْتَأذَنَ “جـاد” مِنهم قبل أن يرحل ليوقفه “عمـاد” الذي سأله قائلًا:
_رايح فين يا “جـاد”؟.
نظر لهُ “جـاد” وجاوبه بنبرةٍ هادئة وقال:
_رايح الحارة.
_طب خُدني معاك أغيَّر جَو، مِنها لله سَـ.ـدت نِفسي عن كُلّ حاجة.
هكذا جاوبه “عمـاد” الذي كان مازال يشعُر بالضـ.ـيق مِنها ولذلك جاوبه “جـاد” بنبرةٍ هادئة وهو يُشير لهُ قائلًا:
_طب يلا بينا.
تحرك “عمـاد” بالفعل معهُ تاركًا إياهم خلفُه ينظرون لأثره بهدوءٍ قبل أن يعودوا إلى ما كانوا يفعلون، أقتربت “وجيـدة” مِن “راضـي” لتجاوره وهي تقول بنبرةٍ حز’ينة لأجل هذان الشا’بين:
_قلبي وا’جعني عليهم أوي يا “راضـي”، ليه تعمل فنفسها كدا وتد’مر بيتها بإيديها وتكرَّ’ه ولادها وجوزها فيها بالشكل دا.
جاوبها “راضـي” بنبرةٍ هادئة بعد أن جلس فوق المقعد قائلًا:
_شكلها شافتلها شوفة تانية.
نظرت لهُ “وجيـدة” مذهولة دون أن تتحدث لير’فع هو بصره نحوها مجيبًا إياها قائلًا:
_قا’درة وتعملها صدقيني، هي كانت عايزة تخـ.ـلع وأخويا مستخـ.ـسرش فيها وسابها.
جاورته في جلسته وهي تقول بنبرةٍ هادئة شاردة الذهن:
_معقولة بجد يكون كلامك صح، دي تبقى د’مرت كُلّ حاجة بإيديها.
_بركة إنها مشيت كانت منكـ.ـدة عليه عيشته هو والعيال خليهم ياخدوا نفسهم شوية ويشوفوا نفسهم وهو خليه يشوف نفسُه، يمكن يلاقي اللِ تعوضه عن البو’مة دي.
هكذا جاوبها ثمّ جلس بأ’ريحية مستندًا برأسه إلى ظهر المقعد مغمض العينين تاركًا “وجيـدة” وحدها شاردة الذهن تُفكر في هذان الشا’بين وما ينتظرهما في المقبل فهي تعلم أنَّ “زينـات” لن تصمت وستفعل المستحيـ.ـلات لإفسا’د سعادة و’لدها البكري.
_____________________
<“وبرغم الصر’اعات القائمة، كانوا يُحاولون العيـ.ـش.”>
في باكورة الصباح..
كانت “فاطمة” تقف في المطبخ تقوم بإعداد الفطور لصغيريها اللذان كانا يستعدان للذهاب إلى المدرسة حتى وَلَجَ إليها وهو يرتدي سترته الشتوية قائلًا بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_يا صباح القشطة عالجميل اللِ كُلّ ما بيكبر بيحلو أكتر وأكتر.
أنهى حديثه وهو يقف خلفها يحاوطها بذراعيه يُلثم خَدِّها بحنوٍ، بينما أبتسمت هي وجاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_لحـ.ـقت نفسك أنتَ قبل ما أقـ.ـلب.
_طب وما ليكِ عليا حلفان أنا عارف إن النهاردة عيد ميلادك بس حظك إني نمت بدري.
لم تقتـ.ـنع بحديثه ولذلك تبدلت تعبيرات وجهها بسخريةٍ واضحة لتسمعه يقول مجددًا بنبرةٍ هادئة يؤكد لها علمُه:
_١٩٩٩/٢/١٥ فمستشفى المنصورة الساعة ٥ الفجر كانت طنط نايمة فأعز نومة ممكن تنامها مِن ساعة ما حمـ.ـلت فيكِ وعشان أنتِ بطبعك فرا’قة خليتِ الو’لية تقوم على صر’خة واحدة يا قا’درة فعز ليالِ الشتا والجَو تلـ.ـج كانت الناس نايمة وأبوكِ بيجري بالبيچامة بيها مستشفيات المنصورة كُلّها عشان يو’لدوها، دا حتى الدكتور اللِ قال يريح يا عين أمّه شوية بعد يوم طحـ.ـن فالعمـ.ـليات ولسه عينه بتغفـ.ـل أمّك بصر’خة واحدة قومته مخضو’ض وبدل ما يروح أوضة العمـ.ـليات راح الإنعا’ش.
لم تستطع التحـ.ـكم في نفسها أكثر مِن ذلك ولذلك رنت ضحكتها عاليًا حينما ذكّرها بهذا اليوم الذي قصَّته عليهِ مِن قبل، ألتفتت لهُ وهي تنظر لهُ ضاحكة ليقول هو بنبرةٍ مشـ.ـفقة على هذا الطبيب:
_حاسس بيه واللهِ، الرا’جل أعتز’ل المهنة مِن بعد ما و’لدّ أمّك يا “فاطمة” وبصراحة حقه يعني دا كويس إنُه مجالهوش صر’ع.
أزدادت ضحكاتها أكثر وهي تُسـ.ـدد لهُ ضر’باتها الخفيفة على صد’ره حتى يتوقف عن إضحاكها قائلة:
_كفاياك بقى خلاص مش قا’درة أمسك نفسي أكتر مِن كدا.
أتسـ.ـعت بسمتُه أكثر على ثَغْره وهو ينظر لها يرى العَبرات تلتمع في مُقلتيها ولذلك اقترب مِنها يُلثم خَدِّها مجددًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_أنا أنسى كُلّ حاجة إلا اليوم دا يا “فاطمتي”، وعد وأنا راجع هفاجئك.
هدأت هي بعد لحظات وأز’الت عَبراتها بأناملها عن جـ.ـفنيها ثمّ نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه وصا’دقة:
_لا أنا مش عايزة هدايا، أنتَ هديتي يا “لؤي”.
_لا كدا “لؤي” مش هيعـ.ـتب الشارع النهاردة.
هكذا جاوبها وهو ينظر لها متخا’بثًا لتنظر هي لهُ قائلة بنبرةٍ جادة:
_خلاص هسـ.ـحب كلامي.
وقبل أن تتركه وتخرج لصغيريها منـ.ـعها هو حينما حاوطها بذراعيه يُلثم خَدِّها بعمـ.ـقٍ ثمّ نظر لها وقال مبتسمًا:
_بتلا’عبيني وأنتِ مش قد اللعب معايا خلّي بالك.
_آه تصدق أنتَ صح، أصلي معرفكش أنا مِن إمبارح.
ردت عليه ساخرةً ليجاوبها هو في لحظتها قائلًا:
_ما بلاش، بلاش عشان هنز’عل فالآخر يا عسلية.
أبتسمت هي بسمةٌ ساخرة بزاوية فَمِها وقالت بنبرةٍ متهكمة:
_”فاطمة” مبتز’علش يا حبيبي كان غيرك أشطر.
تركها وهو ينظر لها نظرةٍ ذات معنى قائلًا بو’عيدٍ خـ.ـفي:
_ماشي يا سـ.ـت الحُسن، هنشوف الحوار دا مع بعض لمَ أرجع.
وَلَجَ “كمـال” في هذه اللحظة وهو يحمل حقيبته على ظهره قائلًا:
_يلا يا بابا إحنا خلصنا ومستنيينك.
ألتفت لهُ “لؤي” ينظر لهُ ليجاوبه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_يلا يا معلم أنا مخلص ومستنيكم.
أخذت “فاطمة” فطور صغيرها ثمّ أقتربت مِنْهُ وأدارته إلى الجهة الأخرى تفتح حقيبته وتضع الفطور بها قائلة بنبرةٍ آ’مرة:
_السندوتشات تتاكل كُلّها عملتلك الفطار اللِ بتحبه يعني المفروض اللانش بوكس يرجعلي فاضي.
_طالما الفطار اللِ بحبُه يبقى هاكله كُلّه.
جاوبها الصغير بحما’سٍ لتبتسم هي وتُغلق الحقيبة ثمّ قالت:
_شطور.
أخذت فطور صغيرتها وقامت بفتح حقيبتها قائلة بنبرةٍ هادئة:
_وأنتِ نفس الكلام يا “نورسين” السندوتشات تخلص كُلّها ومش عايزة شقا’وة فالمدرسة ولا مشا’كل تخلّي بالك مِن أختك يا “كمـال” ومتخليش حد يضا’يقها ومتتصاحبوش على أي حد وخلاص سامعين.
_يخر’بيت نصايح خالتي السبعة دول.
هكذا رد “لؤي” عليها لتنظر هي لهُ ثمّ نظرت إلى صغيريها وقالت بنبرةٍ جادة:
_أنا بتكلم جد السنة اللِ فاتت واحد فتـ.ـح را’س صاحبه وكانوا بيهزروا مع بعض دي مفيهاش هزار، لو حد كويس ومحترم كدا زيكم كلموه عادي لكن واحد عاملي فيها بلـ.ـطجي عالكُلّ بلاش.
_و’قعة أبوكِ طـ.ـين لو “يـوسف” وصله الكلمتين دول، الحمدلله إنُه مش حاضرنا دلوقتي.
_في إيه يا “لؤي” أنا بعلم العيال الصح.
هكذا جاوبته هي بنبرةٍ جادة بعد أن نظرت لهُ ليُشير هو قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أتفضلي علميهم الصح هو أنا فتـ.ـحت بوقي.
أخرجت زفيرة قو’ية ثمّ عادت تنظر إلى صغيريها قائلة:
_عايزاكم شاطرين زي كُلّ سنة وعايزة الـ Full Mark على طول مش عايزة حد يشـ.ـتكي مِنكم ولا يجيلي استدعاء ولي أمر وزي ما علمتكم لو حد مش كويس شـ.ـتم لفـ.ـظ مش حلو منركزش معاه ولا نحاول نعرف معنى الكلمة مهما كانت ولو حدّ شـ.ـتمكم تعملوا حاجتين يا تقولوله الله يسامحك يا إما تشتـ.ـكوا للمـ.ـس اللِ موجودة أتفقنا؟.
_أتفقنا.
ردا عليها بنبرةٍ هادئة ليأتي قول “لؤي” الساخر وهو ينظر لها:
_اللِ يشوفك دلوقتي ميشوفكيش وأنتِ شرشو’حة وبترد’حي يا “فاطمة”، مش عارف اللِ شايفُه دا حقيقي ولا لا بس تمام كويس إنك بتعلمي العيال حاجة مفيدة.
نظرت لهُ “فاطمة” نظرةٍ حا’دة ثمّ طبـ.ـقت على أسنانها وقالت بنبرةٍ تملؤها الضيـ.ـق:
_ودي العيال المدرسة يا “لؤي” وعديها.
تركتهم وعادت لغسل الصحون دون أن تتحدث بحرفٍ آخر، بينما نظر هو إلى صغيريه وقال بنبرةٍ هادئة:
_روحوا يلا ألبسوا كوتشيهاتكم وعرفوني عشان منتأخرش النهاردة.
تركانه وذهبا إلى الخارج يُلبيان مطلبه، بينما أقترب هو مِنها بخطى هادئة ليجاورها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أنا واخد عالوش الشـ.ـرس دا، خليكِ مسستمة نفسك عالوضعية دي بقى.
زفرت بعمـ.ـقٍ دون أن تُجيبه ليقترب هو مِنها يُلثم خَدِّها بحنوٍ ثمّ قال بنبرةٍ دافئة:
_كُلّ سنة وأنتِ طيبة يا عسلية، قال على رأي “كاظم الساهر” لمَ قال كُلّ ما تكبر تحلى وتصير أحلى وأحلى.
شـ.ـقت البسمةُ ثَغْرها ر’غمًا عنها بعد أن أستطاع استغلا’ل نقاط ضـ.ـعفها لصالحه، نظرت لهُ بطر’ف عينها ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_ماشي يا “لؤي” أنتَ تكسب المرَّة دي، وصلهم ومتتأخرش.
أتسـ.ـعت بسمتُه على ثَغْره فرحةً كمَن كافئته والدته على عملٍ صالح، اقترب مِنها مجددًا يُلثم خَدِّها بحنوٍ ثمّ تركها وخرج لصغيريه وهو يقول بنبرةٍ عالية مرحة:
_الملكة أتصالحت خلاص، هيصوا يا عيال.
ضحكت هي ر’غمًا عنها حينما وصلها صـ.ـيحات صغيريها لها لتراه ينظر لها مِن الخارج مودعًا إياها بوجهٍ مبتسم لتودعه هي كذلك وهي تُلوح بكفها في الهواء، أرسل إليها قبّلة هوائية ثمّ خرج خلف صغيريه مغلقًا الباب خلفه تاركًا إياها تنظر إلى أثره بوجهٍ مبتسم ثمّ عادت تُكمل غسل الصحون.
في منزل “رمـزي”..
كان يجلس على المقعد يرتدي حذاءه الأبيـ.ـض ليراها تقف أمامه دون أن تتحدث ولذلك ر’فع رأسه لها ليراها ممسكةً بكوب عصير برتقال وتبتسم لهُ، أكمل ر’بط حذاءه ثمّ نهض وهو ينظر لها قائلًا:
_طب قولي أي حاجة ليه السكوت دا.
أخذه مِنها مسميًا بالله ثمّ ارتشف القليل ونظر لها حينما رأها تنظر لهُ بطريقةٍ أثا’رت ر’يبته ولذلك قال بنبرةٍ متسائلة:
_مالك بتبُصيلي كدا ليه؟.
_حلمت بيك النهاردة.
هكذا جاوبته بنبرةٍ هادئة وهو تنظر لهُ ليرتشف هو رشفةٌ صغيرة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة متسائلة وهو ينظر لها بأهتمام:
_خير إن شاء الله، حلمتي بإيه؟.
عادت هي بذاكرتها إلى الخلف تتذكّر الحُلم الذي رأته منذ ساعاتٍ قليلة ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_حلمت إنك كُنت فمكان كدا زي ما يكون جنينة بس حلوة أوي، وكان معاك طفل صغير، مش صغير أوي بس كان تقريبًا ٩ سنين، المهم أنا قرّبت مِنك وبسألك تعرفه منين أفتكرت إنُه تايه وأنتَ بتساعده يلاقي أمّه فقولتلي دا المساعد بتاعي، أنا أستغربت فبسألك يعني إيه المساعد بتاعك فببُص عالو’لد لقيته مبتسم ومبيتكلمش، بعدين قالك يلا عشان منتأخرش على الر’اجل أنا قولتله إنك هتساعده، خدك ومشي وأنتَ مجاوبتنيش.
أتسـ.ـعت بسمتُه على ثَغره بعد أن أستمع إلى حديثها ليعاود أرتشاف القليل مِن العصير دون أن يتحدث، بينما نظرت لهُ “تسنيـم” نظرةٍ ذات معنى ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_مالك، مردتش عليا يعني هو فالحلم والواقع كمان.
ضحك هو بخفةٍ ونظر لها يرى التيـ.ـهة واضحةٌ على تعبيرات وجهها ونظرتها ليجاوبها هو بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_الحلم حلو، متخا’فيش.
_يعني إيه برضوا، يكونش الحاجة اللِ معاك؟.
سألته وهي تتر’قب رده لتراه يبتسم أكثر دون أن يجاوبها لتفهم هي رده ولذلك لم تتحدث، بينما أنهـ.ـى هو أرتشاف العصير وأعطاها الكوب شاكرًا إياها واستعد للذهاب، تركت هي الكوب على الطاولة ثمّ وقفت أمامه تُهندم جلبابه، نظر هو لها هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_تعرفي، اللمـ.ـسة دي كُنت محتاجها، لمـ.ـسة سحـ.ـرية كدا بتحط التاتش بتاعها.
أبتسمت هي لهُ ثمّ نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_عارفة، ومكونتش هسيبك تنزل مِن غير لمـ.ـستي السحـ.ـرية.
أنهـ.ـت هندمة جلبابه لتراه يُمسك بكفها ير’فعه تجاه فَمِه يُلثمه بحنوٍ قائلًا:
_ربنا يباركلنا فالأيادي الناعمة دي ومنتحر’مش مِنها، مينفعش أقول يخليها عشان أصلها فاللغة العربية جاية مِن التخـ.ـلية، فيباركلنا أحلى.
أتسـ.ـعت بسمتُها حتى أصبحت ضحكة مرتسمة على شفتيها وهي تنظر لهُ بعينين تلمعان بالحُبّ لهُ لتقول بنبرةٍ هادئة:
_أنتَ الحاجة الحلوة اللِ ظهرت فحياتي غيّرتهالي للأحلى.
_ما أنا عارف أنتِ هتعرفيني على نَفسي يعني.
هكذا جاوبها بنبرةٍ ما’كرة وهو ينظر لها نظرةٍ خـ.ـبيثة لتضحك هي حينما رأت نظرته وأستمعت إلى نبرة صوته، أخذ أغراضه واستعد للرحيل قائلًا بنبرةٍ دافئة مبتسم الوجه:
_خُدي بالك مِن نفسك ومِن “قمـري” و “عمـار”، أوعي متخليش بالك مِنهم هز’عل.
قهقهت هي بخفةٍ ثمّ جاوبته بنبرةٍ ضاحكة قائلة:
_حاضر يا شيخ “رمـزي”، خلّي أنتَ بالك مِن نفسك وأول ما أكلمك ترد عليا على طول.
_حاضر يا سـ.ـت البيت، أستودعكِ الله.
ودعها وذهب تاركًا إياها خلفه تنظر لأثره بعد أن أغلق الباب خلفه لتزفر بعمـ.ـقٍ ثمّ أتجهت إلى غرفتها لتطمئن على صغيريها اللذان كانا يسبـ.ـحان في بحو’ر نومهما الور’دية منذ ساعتين، تركتهما وخرجت لتبدأ بتنظـ.ـيف المنزل كما أعتادت.
بينما نز’ل “رمـزي” آخر درجة سُلَّـ.ـم وقبل أن يخرج مِن بهـ.ـو بِنْايته توقف فجأةً بعد أن أستمع إلى صوت طفلة صغيرة تبكِ وتصر’خ وتستـ.ـغيث، ومعها جاءته الرؤية لطفلة في إحدى القرى يأخذها شا’بٌ إلى المسجد بعد أن أعطاها الحلوى ومِن بعدها بدأت تبكِ وتصر’خ، اسْتَفَاق هو في هذه اللحظة وهو ينظر حوله مزعو’رًا مِن ما آل بهِ فِكرُه ولذلك لم ينتظر وخرج سريعًا وهو يعبـ.ـث في هاتفه ثمّ وضعه على أُذُنه وهو يقول بنبرةٍ متو’ترة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيوه يا “يـوسف”، بخير الحمدلله يا صاحبي، أنتَ فين دلوقتي؟ طب عربيتك أتصـ.ـلحت ولا لسه؟ حلو أوي عايزك تنز’لي بسرعة، أنز’ل بس وهتعرف كُلّ حاجة، يلا مستنيك تحـ.ـت البيت.
أغلق المكالمة ثمّ أجرى مكالمة أخرى ووضع الهاتف على أُذُنه هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ حاول جعلها هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بخير الحمدلله يا “زاهـي”، بقولك معلش يا “زاهـي” هطلب مِنك طلب، هسيبلك مفاتيح المسجد مع السـ.ـت أمّ “حسـن” أذِن أنتَ النهاردة الصلاوات كُلّها ولمَ تخلَّـ.ـص وتقفـ.ـله رجعه لأمّ “حسـن” تاني، مفيش عندي مشوار سفر صد رد ضرو’ري لازم أعمله، ماشي تُشكر يا “زاهـي”.
أنهـ.ـى حديثه وأغلق المكالمة ثمّ أتجه إلى أمّ “حسـن” وهو يُخرج المفتاح ويضع هاتفه مكانه، اقترب مِنها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نظرت لهُ وأبتسمت قائلة بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تعالى يا “رمـزي”.
جاوبها بنبرةٍ هادئة وهو يقترب مِنها يُعطيها المفتاح قائلًا:
_معلش يا سـ.ـت أمّ “حسـن” مرَّة تانية مستعـ.ـجل دلوقتي، الشيخ “زاهـي” هييجي ياخد مِنك مفاتيح المسجد عشان هو اللي هيأذن النهاردة مكاني وفأخر اليوم هيديكِ المفتاح خلّيه معاكِ لحد ما أرجع بليل أخده مِنك.
_حاضر يا حبيبي، متقلـ.ـقش المفتاح أما’نة معايا المهم خلّي بالك مِن نفسك.
هكذا جاوبته وهي تأخذ المفتاح مِنْهُ ليجاوبها وهو يرحل قائلًا:
_أدعيلي يا أمّ “حسـن” بالله عليكِ.
_روح يا حبيبي ربنا يكرمك ويفتحلك البيبان المقفولة ويستر طريقك ويحفظك.
هكذا دعت لهُ وهي تنظر لأثره بهدوءٍ، بينما عاد هو ليرى “يـوسف” أمامه ولذلك أقترب مِنْهُ وقال بنبرةٍ متلهفة:
_هطلب مِنك طلب يا “يـوسف”، محتاج أروح قرية رشيد ضروري.
تعجب “يـوسف” الذي نظر لهُ وقال متسائلًا:
_قرية رشيد … دي فالبحيرة، بس إيه اللِ قومها فد’ماغك؟.
_جاتلي رؤية لطفلة بتستغـ.ـيث، البنـ.ـت دي مُعـ.ـرضة للخطـ.ـر مِن واحد أقل ما يُقال عنُه ******، لازم أروح هناك يا “يـوسف” بأي طريقة، لو عندك مشاغل بلاها وهتصرف.
جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ جادة لا تقبل النقاش قائلًا:
_لا طبعًا إيه اللِ أنتَ بتقوله دا، أنا هوصلك هناك بنفسي مفيش مِنُه الكلام دا.
_عشان معـ.ـطلكش يا “يـوسف” بالله عليك.
تر’جاه وتلقى الرد في الحال الذي كان مند’فعًا مِن “يـوسف” الذي قال:
_وأنا مش هسيبك بقولك، يلا هنتحرك دلوقتي.
تركه وقام بفتح سيارته عن طريق الزر الإلكتروني ليعلو صوت إنذ’ارها، جاور “يـوسف” الذي أدار سيارته عن طريق الزر الإلكتروني وتحرك بادءًا أولى رحلاتهم:
_بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هكذا أردف “رمـزي” بنبرةٍ هادئة بعد أن تحرك رفيقه في طريقه إلى قرية رشيد، كان الصمت قائمًا بينهما حتى كسـ.ـره “رمـزي” بقوله الهادئ متسائلًا:
_مفو’لها ولا إيه دُنيتك؟.
جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الطريق أمامه قائلًا:
_متقـ.ـلقش مظبط نَفسي فكُلّ حاجة.
حرّك “رمـزي” رأسه برفقٍ وألتزم الصمت مجددًا وهو يُفكر في أمر تلك الطفلة التي إن حد’ث لها مكـ.ـروهًا ستتد’مر هي وعائلتها بكُلّ تأكيد، دام الصمت بينهما لمدة نصف ساعة حتى كسـ.ـره “رمـزي” مجددًا حينما سَـ.ـلَكَ رفيقه طريق السفر قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.
نظر لهُ “يـوسف” وأبتسم بسمةٌ هادئة ولم يتحدث، بينما زفر “رمـزي” بعمـ.ـقٍ وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الطريق عبر النافذة:
_اللهم أحفظها بعينك التي لا تنام.
دُعاءٌ كان نابعًا مِن القلب، لحظةٌ كانت كنصـ.ـل السـ.ـكين الموضوع على النحـ.ـر، وما بين قلبٍ تمنى وعقلٍ تشـ.ـتت، ضا’عت الخطى في متا’هة التردد، وظلّت الرو’ح عا’لقة بين الحلم والواقع.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *