روايات

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد البارت الحادي والأربعون

رواية مملكة سفيد الجزء الحادي والأربعون

مملكة سفيد
مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة الحادية والأربعون

هي جملة ألقت بها واختارت الصمت رفيقًا، في وقت ما كان عليها أن تتوقف عن الحديث ولو سقطت السماء على الأرض، ليس وعقل سالار بدأ يعمل بسرعة مخيفة بعد سماعه لتلك الجملة الغريبة المريبة و…ماذا ؟؟
” يريد اختطافك ؟؟ هل …هل تحاولين المراوغة مجددًا تبارك ؟؟”
ابتلعت ريقها ترى نظراته، ثم أمسكت يده بسرعة وكأنها بهذه الطريقة تضمن ألا يتحرك ليحطم الغرفة فوق رأسها:
” لا اقسم لك، هذا ما حدث، لقد جاءني يطالبني بالاذن لاختطافي و…”
صمتت وهي تشعر بغباء جملتها الغير منطقية بالمرة، وحقًا هي لا تدري الوسيلة الصحيحة لتشرح له الأمر فهذه المرة الأولى لها التي يعرض عليهم أحدهم اختطافها، أو ربما ستكون الوحيدة في الحقيقة .
وسالار فقط ابتسم وهو ينظر حوله يبحث عن شيء مريب يدل أنه ربما في حلم غبي أو ماشابه :
” يريد اختطافك ؟!”
” نعم …إذا كان هذا ممكنًا ”
ابتسم لها سالار بسمة واسعة جعلتها تبتسم بسمة مقابلة قبل أن ينفجر في موجة ضحك صاخبة وقد كاد يسقط عن مقعده لشدة ضحكه، بينما تبارك وبعدما كانت مبتسمة لأجل ضحكاته بدأت تشعر بالريبة وابتسمت بسمة متوترة :
” لن يستمر الأمر طويلًا، اسمع سأخبرك ما سيحدث فقط اسمعني رجاءً ”
نظر لها سالار بعدما تمالك ذاته يهتف بعدم فهم :
” تخبرينني ماذا ؟؟ أن أحد الرجال جاء يطلب أذنك لخطفك ؟؟ حسنًا الأمر مرفوض لأنه لم يأتني ويطلب مني أنا أن يخطتف زوجتي، لقد تخطاني وتحدث معكِ مباشرة وهذا أمر مرفوض تمامًا ”
كان يتحدث بملامح جادة وكلمات بسيطة حتى أن من يستمع إليه دون أن يبصر ملامح السخرية التي تعلو وجهه لكان قد صدقه، زفرت تبارك ولا تعلم مدخلًا لتخبره ما حدث بالتحديد، هي لا تجد الكلمات المناسبة للوضع .
” سالار أنا لا امزح ”
وسالار تنهد يقول وقد بدأ يدعي الجدية :
” حسنًا، أنا حقًا لا ادرك إن كنت استطيع الموافقة على هذا الأمر في الوقت الحالي، فكما ترين الحرب تقترب والأمور مشتعلة في المملكة هذه الأيام ولا أدرك إن كنت امتلك وقتًا لاشاهد أحدهم يختطف زوجتي، لِمَ لا تخبرينني اسمه لذلك الجندي وأنا سأتحدث معه بنفسي ونصل سويًا لشيء يرضينا ؟؟”
نظرت له تبارك تقول :
” سالار أنا لا امزح حقًا توقف عن السخرية ”
تشنجت ملامح سالار يهتف من بين أنفاسه :
” أتوقف عن ماذا يا امرأة!؟ هل جننتي ؟! أحدهم يستئذن لخطفك !!؟ وأنتِ تعرضين الأمر عليّ؟ هل تريدين دفعي للجنون تبارك؟؟ ”
نهضت تبارك تحاول الاقتراب منه لكنه أشار لها بيده أن تتوقف يقول بصوت جاد مرعب ذكرها بسالار القديم الجامد والذي كانت تتخيله في وقت من الأوقات وحش اسطوري ينفث النيران _ حسب أقاويل صامد وصمود _ والآن ها هو نفس الوحش الاسطوري يعود مجددًا ..
” توقفي، فقط توقفي عن استفزاز كل خلية داخلي واخبريني دون الحاجة لكل ذلك الهراء، من ذا القذر الذي تجرأ وتحدث معكِ بل ويعرض عليكِ خطفك، فقط أخبريني الاسم إن كنتِ تعلمينه او صفيه ”
نظرت له بخوف تتراجع بعض الخطوات تحاول أن تخبره ما حدث وتقنعه بما سمعت :
” سالار أرجوك فقط اسمع مني ما حدث و…”
قاطعها بصرخة مرتفعه وقد فقد صبره كما حذرها :
” الاســـــــــــم ”
شعرت تبارك بقلبها يتوقف للحظات بسبب الخوف وهي تغمض عيونها تحمي وجهها تقول بارتجاف :
” لم يخبرني، لا اعلم الاسم ”
” إذن تدركين مظهره، لا يعقل أنه حدثك من وراء حجاب صحيح ؟؟ أخبريني مواصفاته ”
ابتلعت ريقها وهي ترتجف تهمس بخوف منه :
” سالار أرجوك فقط اسمعني، لقد أخبرني أن الأمر لن يكون كما تظن أنت، لقد اخبروه أن يختطفني ويقودني لهم وهو فقط خشي الأمر وجاء يخبرني الحقيقة كي أذهب معه فقط ويمكنكم تتبعي حتى تصلوا لهم، هذا …هذا …”
توقفت وهي ترى جسده بدأ يسترخى بعض الشيء وقد بدا أنه يستمع لما يحدث ويوليه اهتمامه، وهي تشجعت لتكمل :
” لقد أخبرني أنهم اسروه وبعض الجنود و…يجبرونهم على فعل أشياء عديدة وإلا فقدوا حياتهم وهم فقط يسايرونهم، وينفذون ما يريدون حتى يسقطوهم، وأخبرني كذلك أنه يريد التواصل معك والملك، لكن الجنود رفضوا لانكم كنتم مشغولين في اجتماع هام فراقب جناحي حتى رآني وأخبرني كل ذلك لاوصل لكم حديثه، أنا إن ذهبت معه أنتم ستلحقون بنا وبهذا الشكل نسقطهم، حسنًا ”
ختمت حديثها برجاء أن يتفهم ما تقصد وهي تدرك أن نصف حديثها غير مرتب من الأساس وغير مفهوم لكن هذا ما خرج من عقلها بتوتر تحت نظراته المخيفة، يا الله هي في هذه اللحظة تخافه ولأول مرة منذ وقت طويل، ترتعب من بقائها جوار سالار .
هدأ سالار ثواني وكأنه أدرك ما يحدث حوله :
” طُعم تقصدين ؟؟”
هزت رأسها بسرعة وبلهفة وقد ابتسمت وارتاحت أن أدرك ما تريد قوله من كل ذلك الهراء الذي نطقت به، وهو فقط مرر لسانه على شفتيه يبللهمها مبتسمًا :
” يريدونني أن استخدمك كطعم لأصل لهم ؟؟”
ورغم الريبة التي شعرت بها من نبرته إلا أنها هزت رأسها بنعم، فمال عليها سالار ينظر لعيونها ثواني يقول بصوت هامس كالفحيح والغضب يلون نبرته :
” هل أخبرك أحدهم أنكِ تزوجتي رجل عديم نخوة، يسلمك لرجلٍ غريب كي يجرك صوب جماعة من الذكور الفاسقين فقط ليصل هو لغايته ؟!”
نظرت له تبارك في عيونه بفزع من ذلك التحليل الذي خرج به في هذه اللحظة، هي فقط تريد المساعدة ولم تفكر أبدًا في ذلك، لكن سالار والذي كان في هذه اللحظة مشتعلًا بكل ما فيه ردد:
” اللعنة عليّ إن سمحت لوسخٍ منهم بمسّ زوجتي، لن يحدث هذا ولو على جثتي حتى ”
اعتدل يبتعد عنها وهو يصيح بصوت مرتفع جعل جسد تبارك ينتفض وهي تتراجع للخلف بخوف شديد :
” هذا ما ينقصني أن أستخدم النساء في الفوز بحروبي، أي عار تريدنني أن أحمل وأنا اوافقهم على استخدامك كطعم، والله لو قطعوني لمئة قطعة لن أسمح لكِ أن تخطي خارج جدران هذا القصر ولو كان خروجك يضمن لي حتمية انتصارنا الابدي تبارك ”
ختم حديثه يتحرك بجنون صوب الخارج يتحدث دون أن ينظر لها في الخلف :
” وهذا عديم الرجولة الذي استحل لنفسه أخذ امرأة من شعبه صوب هؤلاء القذرين أنا سأجده بنفسي، وأنتِ إياكِ والتحرك خطوة خارج جناحي ”
ختم حديثه وخرج من المكان يغلق الباب بقوة تاركًا جسد تبارك ينتفض بصدمة كبيرة، وعيونها متسعة مما سمعت ومما قاله سالار، تقسم أنها لم تفكر في كل هذا حين عرضت عليه الأمر، هي ظنت … ظنت أنها بهذا الشكل تساعده ..
لكن يبدو أن تفكيرها البسيط الذي بُني على مواقف كانت تعاصرها في حياتها، أبعد ما يكون عن عقلية سالار الذي نشأ في بيئة تختلف تمامًا عن خاصتها .
ابتلعت ريقها وهي تنظر حولها تتنفس بصوت مرتفع وغضب، لا تعلم غاضبة مِن مَن، لكنها في النهاية غاضبة وبشدة، تحركت صوب الباب تريد الخروج من هنا والتنفيس عن غضبها، لكن فجأة ابتسمت بسمة مصدومة، غير مصدقة لما يحدث …
” قفل عليا الباب ؟؟ حبسني في اوضته؟؟ حبسني ؟!”
______________________
كانت تنظر ارضًا وهي تشعر بالخجل من نظراته، ولأول مرة هناك أحد يستطيع أن يشعرها بالخزي، وهي التي لم تنحني يومًا لأحد، لكن نظراته لها في هذه اللحظة كانت أقصى من قدرتها على التحمل .
” أنا آسفة ”
ابتسم إيفان بسمة صغيرة يميل مستندًا على ركبتيه :
” آسفة على ماذا بالتحديد !!”
رفعت عيونها له بتردد تهمس بعدم فهم لنفسها :
” لا ادري لكن نظراتك تشعرني أنني يجب أن أعتذر عن شيء لا أدرك ما هو ”
اتسعت بسمة إيفان، لكنها أبدًا لم تكن بالسعيدة، تنفس بصوت مرتفع وهو يطيل النظر بها ليزيد من توترها :
” أنا لست نادمة، لقد أخذت قصاص والدتي منها ”
رفع إيفان حاجبه وهو يرى بساطة حديثها وكأنها تحيا في غابة كأن لا قوانين تحكم الحياة في هذه المملكة .
” القصاص حق، لكن ليس بهذه العشوائية، قصاصك وقصاصي وقصاص أمي والجميع كنت سآخذه منها دون أن تتلوث أيدينا بالدماء زمرد، انظري الآن إلى ما نحن مضطرين لمواجهته ؟!”
ابتلعت ريقها تهمس :
” ماذا ؟!”
” ماذا ؟؟ حقًا تتسائلين ؟! الآن الملكة قُتلت، و…هناك محاكمة يجب أن تحدث ”
صمت ثواني يحاول أن يفكر في شيء، وهي تنظر له بعدم فهم، ليكمل هو حديثه :
” ما فعلتيه كان خاطئًا زمرد، ولا يمكنك إنكار ذلك، لقد قتلتي شخصًا دون أن ترتجف يداكِ حتى، انسان ورغم كل قذارته، استطعتي طعنه بكل سهولة و…هذا ليس جيدًا أبدًا، العنف سيؤثر سلبًا عليكِ، سيعطي المزيد من القوة والسيطرة لشيطانك زمرد، إياكِ وإن تتبعيه أختي”
نظرت له زمرد بأعين بدأت تغطيها سحابة من دموعها تهمس بصوت منخفض :
” أشعر أن حديثك متأخر بعض الشيء إيفان، لقد فات الأوان على مثل تلك الكلمات صدقني ”
نهض إيفان عن مقعده يتحرك لها يجذب رأسها يضمه لصدره يربت عليها مشفقًا على ما عاشته وما تضطر لعيشه، مرتعبًا أن يتسلم الشيطان نفسها شيئًا فشيء بعدما تترك له القيادة بالكامل، فكم من صاحب حق خانته نفسه واتبعت من تعهد بألا يهنأ له بال إلا والقاه في الجحيم .
” الحياة لا تأتي بالغضب، ولن تطيعك بالقوة زمرد، في بعض الأحيان نحتاج للجلوس معها جلسة ودية والتحدث معها عن بنود السلام لنحيا عزيزتي ”
سقطت دموع زمرد بعنف وهي تهتف من بين شهقتتها :
” أي سلام وأنا عشت في عقر دار أهل الباطل يا إيفان؟! لقد احالوا حياتي لجحيم، والله لو أنني اتبعت السلام ما كنت حية بين يديك، ولأُنتهكت أكثر من عدد انفاسي في هذه الحياة، أنا عشت في قرية موبوءة بالمعاصي ”
ارتجفت يد إيفان وهو يضمها له يقبل رأسها كل ثانية بحنان يهمس بكلماته الداعمة والمهدئة :
” والآن كل شيء انتهى وكل معاناتك تلاشت زمرد، دعي كل ذلك التحفظ وانبذي شيطانك حبيبتي ”
” كيف انبذ شيطاني وهو ما يزال حيٌ يرزق أخي ؟؟”
نظر لها إيفان نظرة متسائلة لتهمس بصوت خافت :
” بافل، اقوى الشياطين واشدهم، لن يهنأ لي بالٌ ولن احيا بسلام إلا حينما اقتله على يديّ، هو سيموت بين كفيّ أنا، أنا أحق الناس بقتله، لي عنده من القصاص ما يكفي لاقطعه اربًا ”
نظرت لعيون أخيها تهتف برجاء وتوسل تلمس الجزء الحنون بقلبه :
” عدني أنك ستسمح لي بأخذ ثأري منه بنفسي، أنا… أنا أريد أن انفذ وعدي الذي أخذته على نفسي وأمي قديمًا إيفان، بافل لن يكون لغيري، أنا فقط من سأتخلص منه، وحينها اعدك أنني سأتطهر من كافة آثام القوم، واكون كما تتمنى ”
نظر لها إيفان يحاول أن يفكر في طريقة ملائمة لعلاج كل تلك التقرحات التي نتجت لديها مع مرور الوقت، زمرد لم تكن متزنة في هذه اللحظة التي تتحدث بها، وكان هذا أكثر من واضح على نظراتها وكلماتها، ابتلع ريقه يشعر في هذه اللحظة تحديدًا أنه ليس مستاءً لأنها قتلت شهرزاد، هو وإن كان غاضبًا الآن على قتلها، فهذا لأنه وللاسف الشديد لم يفعلها بنفسه، لا ينكر أن جزء صغير داخله كان يتمنى ذلك وبشدة .
نزلت بعض الدموع من أعين إيفان وهو يضم رأس زمرد لصدره أكثر يحاول التنفس بشكل سليم، وشعوره بدموعه التي تتحرك على وجنتيه ذكرته أنها للمرة الثانية التي يبكي فيها أمام أحد، والمرتين كانوا لأجلها .
” سيحدث حبيبتي، كل ما تريدنه سيحدث زمرد، أي شيء تتمنيه سيحدث، أنا سأحيا فقط لأحقق لكِ كل ما تتمنينه زمرد، فقط …فقط تمني ”
تهدجت احرفه في كلماته الأخيرة وشعر أنه لم يعد يقوي على التحمل أكثر، لكنه سيفعل لأجلها ولأجل الجميع لا يستطيع الانهيار، ليس الآن على الأقل، هو ليس مسؤولًا عن نفسه فقط ليحصل على تلك الرفاهية البعيدة، هو مسؤول عن شعب وأسرة وحياة بأكملها .
ابتلع ريقه يترك قبلة أخيرة على رأسها، ثم ابتعد قليلًا يقول :
” أنا فقط سأرتب لأمر المحاكمة كي ننتهي من كل ذلك قبل الحرب و…”
صمت وهو لا يستطيع أن يجد كلمات في عقله :
” لا اعتقد أنني سأكون القاضي في تلك المحاكمة”
نظرت له زمرد بعدم فهم ليبتلع ريقه مكملًا :
” لا يمكنني أن أكون القاضي والشاهد في نفس الوقت ”
لم تفقه زمرد ما يقصد لذا تحدثت بصوت منخفض :
” لا افهم ما تقول، لا افهم ”
” أنا سأكون شاهدًا في هذه المحاكمة، عليّ فعل هذا، لن استطيع أن اخرجك من ذلك المأزق إلا حينما أخرج جميع الاسرار التي حفظتها لسنوات، وهذا يستلزم أن اكون شاهدًا، لذا الشاهد لا يستطع أن يكون هو نفسه الحاكم، سوف …اقف معك في المحاكمة، وسيكون سالار بموجب سلطته هو القاضي ”
نظرت له زمرد بصدمة فهذه المرة الأولى التي ترى الملك يتخلى عن دوره في الحكم على أحدهم ولاجلها هي؟؟
” أنت لا يمكنك فعل هذا، أنا لا يمكنني القبول أن تقف معي وهناك من يقف أمامك ليصدر حكمه في أمور لا أحد أحق منك بالتحدث بها، أنت…أنت الملك إيفان”
ابتسم إيفان بقهر وقد عزّ عليه أن يتخلى عن مكانته تلك، لكنها الحياة لا تسير وفقًا لهواك دائمًا :
” لا يمكنني أن اساعدك وأنا ملك، أنا لا أستطيع أن أجلس على عرشي اراقبك تقفين أمامي موضع المذنبة وانا امتلك الحل لاخرجك، ولو فعلت لن احكم عليكِ بعقلي، وسأكره نفسي وأشعر بالحقارة لأجل ذلك، لذا هذا الحل الافضل للجميع ”
تأوهت زمرد تمسك يده بسرعة وهي تقول باكية دون شعور :
” لكن أنت لا تحب هذا، أنا أرى هذا في عيونك، أنت لم تفعل هذا حينما كان سالار في موضع اتهام، لقد مارست دورك بشكل طبيعي ما الذي حدث ”
قال إيفان وقد شعر أنه لا يستطيع مواصلة الأمر أكثر، يصرخ دون القدرة على التحكم في أعصابه وقد كان على حافة الانهيار وهو يتخيل فشل الأمر في النهاية :
” هذا لأن سالار لم يقتل، ولأن الأمر كان يخصني كذلك، ولأن برائته لم تكن متعلقة بكلمتي، هو كان يمتلك كلمته التي ستخرجه من كل ذلك زمرد، بينما أنتِ تحتاجين لشاهدتي، وشهادة العريف كذلك، نحن نحتاج لكل كلمة لعينة قد تخرجك من هذا المأزق تفهمي الوضع ”
توقفت زمرد بصدمة بسبب وقع كلماته وابتلعت ريقها وهي تتراجع للخلف، ثم هزت رأسها ببطء، وهو فقط نظر لها ثواني يشعر بالعالم قد صمت فجأة من حوله، ليهمس لها كلمات أخيرة قبل أن يتلاشى من أمامها يختلي بنفسه :
” لن ادع شيء يمسك بسوء، حتى لو اضطررت للتخلي عن مكانتي لأجل ذلك، لا تقلقي ….”
تركها يرحل بسرعة كبيرة وهي فقط نظرت لاثره بدموع تحاول الحديث لولا غصتها التي جعلتها تخرج كلمات خافتة متوجعة:
” لكنني لست قلقة، أنا خائفة عليك إيفان….”
انهارت من بعد تلك الكلمات تجلس ارضًا وهي تنظر أمامها تحاول أن تدرك ما يحدث في عالمها.
الآن وفي هذه اللحظة فقط شعرت أنها ندمت، ندمت وبشدة على ما فعلت، يا الله لو أنها فكرت لثانية أو رأت ما سيحدث لإيفان جراء كل هذا، لو أنها علمت ما سيحدث تقسم ما كانت فعلت كل هذا، لكانت قسمت ظهر شيطانها وكظمت غضبها .
بدأت اصوات شهقات زمرد تعلو في المكان، هي لعنة، صدق والدها، تدرك في كل لحظة تمر على حياتها أن أي كلمة نطق بها ذلك الحقير كانت حقيقة .
ودانيار الذي شهد كل ما حدث كان يقف يراقبها بعجز وقد شعر أنه يومًا، لن يستطع أن يسكن اوجاعها، شعر في هذه اللحظة أنه لا يستطيع فعل أي شيء لها، فقط كلمات هي كل ما يمكنه تقديمه لها .
اقترب بخطوات مترددة ينظر حوله وقد كان يقف في أحد الغرف الجانبية لغرفة الاجتماعات، تنفس بصوت منخفض مخافة أن تزعجها اصوات انفاسه، تقدم خطوات قليلة، ثم وعلى بعد مناسب توقف يجلس على ركبتيه يراقبها دون كلمة واحدة، يبحث في رأسه عن شيء يفعله قد يخفف عنها كل ذلك ولم يخرج عقله سوى بفكرة واحدة شاركها إياها دون تردد :
” استطيع تحمل كل ذلك ”
توقفت زمرد عن البكاء ترفع عيونها بصدمة صوب ذلك الصوت لتبصر الاصرار الذي يعلو ملامح دانيار ليكمل هو حديثه :
” يمكنني الاعتراف أنني من قتلها، والملك يمكنه أن يكون القاضي ويحكم عليّ أنا، يمكنني تحمل ذلك ”
تساقطت دموع زمرد أكثر، وهي تنظر لعيون دانيار المصممة لتدرك أنه كان في هذه اللحظة يتحدث بتصميم كبير، شعرت بالجرح يكبر في قلبها وهي تقول بصوت خافت :
” أنا أشعر أنني لا اتسبب إلا في أذية من يحيطون بي، أولًا إيفان والآن أنت دانيار، يا ويلي أنا ابتلاء للجميع، أنا اورط الجميع في مصائب ”
تأوه دانيار يقترب خطوات صغيرة منها رافضًا كل ما تقول :
” لا ليس صحيحًا أنتِ لستِ كذلك، بل أنتِ رقيقة للحد الذي يجعل الجميع يتورطون في المصائب لاجلك وبطيب نفس ”
نظرت له زمرد ثواني تضحك من بين دموعها دون شعور وهو ابتسم كذلك دون شعور وكأن مشاعرهم في هذه اللحظة لم تكن في أيديهم .
” هذا لا ينفي أنني اتسبب في المصائب في كلا الحالتين، لا فرق ”
” بل هناك فرق وفرق كبير أيضًا ”
نظرت له بعدم فهم، ليسترح هو في جلسته يضم قديمه له ينظر لها وقد شعرت أن الجلسة تحولت فجأة دون شعور منها وهو يشرح لها الفرق بين أن تلقيهم هم في المصائب أو أن يلقوا هم أنفسهم فيها لأجلها .
” الاولى تعني أنكِ تلقينا دون إرادة منا في المصائب وهذا يسبب عبء علينا، والثانية تعني أننا نستطيع تحمل هذه المصائب بطيب خاطر دون أي تأفف لاجلك ”
ابتسمت زمرد دون وعي وهي تراقبه يتحرك يديه أثناء الحديث لتنتبه لتلك النقطة تقول :
” أنت تتحدث بيدك ؟؟”
نظر دانيار لها بتعجب، ثم نظر ليديه ثواني قبل أن يبتسم قائلًا :
” ربما لهذا احترفت مهنة تعتمد على يدي، فهي أطلق من لساني ”
ابتسمت له زمرد بسمة صغيرة من بين ملامحها الشاحبة وعيونها المحمرة، لتتسع بسمته أكثر يقول :
” أنتِ لم تسأليني يومًا أن أعلمك الرماية زمرد ”
ولم تعلم زمرد سبب تحول الحديث بهذا الشكل الكبير، إلا أنها ردت وهي تنظر له مبتسمة :
” ربما لأنني استطيع ذلك بالفعل، انا استطيع الرماية”
رفع حاجبه بسخرية مصطنعة :
” لم يكن هذا واضحًا حين هزمتك تلك المرة في المسابقة التي أُقيمت في السوق ”
نظرت له ثواني قبل أن تضربها تلك الذكرى لذلك الرامي الذي اقتحم عليهم المسابقة يسحب منها جائزتها ثم تحرك مبتعدًا بكل تكبر .
ابتسمت بعدم تصديق ليضحك هو لها ضحكة سحرتها في هذه اللحظة وقد سعد أنه استطاع صرف نظرها عن كل ما يؤلمها :
” استطيع التنازل عن وقتي الثمين واتعهد لكِ بالصبر التام عليكِ أثناء التدريب لكن لذلك مقابل بالفعل، وستوقعين عقود قبل أن اشرف بنفسي على تدريبك”
” أي عقود تلك ؟!”
” عقود زواجنا ”
نظرت له بصدمة ليبتسم هو :
” تزوجيني زمرد وكفى ما حدث، ارجوكِ، اريد أن تصبحي زوجتي وحلالي قبل تلك المحاكمة أنا أشعر بنفسي مقيدًا ”
تنفست زمرد بصوت مرتفع وهي تشعر أنها لا تستطيع التفكير :
” أنا لا اعلم، ربما الوقت غير مناسب وإيفان يحمل ما يكفيه من الهموم بالفعل، لا استطيع الذهاب إليه وفي وسط كل مايحدث الآن وأخبره أنني أريد الزواج ”
رفع دانيار حاجبه يقول ببسمة جانبية :
” يسعدني معرفة أنكِ تصنفين زواجنا همًا سيحمله شقيقك ”
نظرت له بصدمة وهي ترى مهارته في التقاط الكلمات من بين جملها :
” هل تمزح معي ؟؟”
” لا أنا لا أفعل، أنا فقط لا أطالب بالمستحيل، أنا أطالب بحقي فيكِ زمرد، أنا أعلم قبل الجميع هنا، قبل إيفان حتى، أنا الأحق بكِ من الجميع، أنا الأحق بمواساتك ومشاركتك كل هذا ”
ابتسمت تحاول تهوين الأمور عليه :
” أنت تتعجل مصائبك دانيار ”
” إن كان امتلاكي لكِ مصائب فأنا ارحب بكل المصائب من هذا النوع ”
شعرت زمرد أنها لا تستطيع الرد عليه في هذه اللحظة فقد الجمها الخجل، تبتسم دون شعور وهو ابتسم لها ينهض لينفض ثيابه بهدوء :
” هيا انهضي ”
نظرت له بعدم فهم :
” إلى أين؟!”
قال بكل بساطة :
” إلى مكان لا يستطيع حزنك الوصول لكِ به سمو الأميرة ”
لم تفهم زمرد ما يقصد، لكنها نهضت بالفعل تعدل من وضعية ثيابها وحجابها، تتحرك بهدوء وهو ابتسم لها يميل نصف ميلة واضعًا كفه على صدره مشيرًا بكفه الآخر للطريق في علامة على احترامه لمكانتها كأميرة .
تحركت خلفه وهي لا تعلم أين يقودها حتى وجدت نفسها تتوقف أمام البوابة الصغيرة التي كانت تستخدمها للهرب صوب الأسواق، نظرت لها بتعجب، ثم حدقت خلفها في دانيار الذي ابتسم لها يشير لأحد الحراس بالاقتراب يقول برسمية شديدة وهو ينظر لعيونها بنظرات لا تمت لرسميته بشيء :
” سوف تأتي معي باصطحاب الأميرة إلى السوق الشعبية فهي تود التبضع لبعض الوقت، أحضر الأحصنة”
رمشت زمرد دون فهم وهي تدير رأسها لتبصر تحرك الحارس مجددًا بعيدًا ليحضر الأحصنة وهي تنظر لدانيار:
” ما الذي يحدث هنا ؟!”
أبصر دانيار اقتراب الرجل بالحصان ليبتسم يمسك منه اللجام يجذبه صوبها هامسًا :
” سأصطحبك لمكان تتغلب ضوضائه على ضوضاء عقلك سمو الأميرة …”
ختم حديثه ينظر لها ببسمة مشيرًا بعيونه أن تصعد فوق ظهر الخيل، وهي نظرت له ثواني تقول :
” لكن إيفان….”
” سأرسل له من يخبره وأعتقد أنه لا يمانع الأمر طالما أن هناك حراسة معكِ ”
ختم حديثه يشير لنفسه مبتسمًا، ثم أشار للحارس الذي أخذه كي يصطحبهم في حراسة الأميرة فقط كي لا يتحدث أحدهم أنه خرج معها وحدهم، أو يستغل شيطانه الموقف بأي شكل من الأشكال .
” إذن مولاتي هل نتحرك ؟!”
ابتسمت زمرد تشعر لأول مرة منذ فترة طويلة بالحماس يندفع لاوردتها :
” نعم ارجوك ..”
انحنى لها نصف انحناءة غامزًا :
” نحن طوع أوامر سموك ….”
________________________
” أنتِ عنيدة كهرمان ”
” نعم مثلك أخي، لا أظن أن الأمر موروث لي من والديّ، فلا تبتأس من صفة أنت سيدها أرسلان ”
ختمت حديثها تنتزع الحجاب الذي كان يقيد خصلاتها داخل الجناح الذي يجلس به أرسلان في العادة، بينما الاخير رفع حاجبه :
” إذن هل لي أن اعلم سبب مجيئك هنا، رغم أنني أكدت على عدمه ؟!”
نظرت له باستنكار شديد :
” بالله عليك أرسلان، أنت لم تربني على نكران الجميل، وهذا ليس جميل، بل دين في رقبتي، هذه زمرد التي انقذتني اخي ولولاها من بعد الله لكنت ميتة الآن تبكيني مع أمي”
تحرك لها أرسلان بسرعة يقول مقاطعًا إياها:
” لا حرمني الله منكِ كهرمان، توقفي عن هذا الحديث”
شعرت كهرمان أنها تضغط على جروح أخيها والتي لم تبرأ بعد، لذا تنهدت تقول بصوت هادئ وهي تقترب منه :
” أرسلان، حبيبي هذه الفتاة أدين لها بحياتي، الآن وهي تواجه مشاكل ومصائب لا تعد ولا تحصى اتركها؟! علمتني الكثير لا أذكر أن التخاذل كان جزءًا منه أرسلان ”
ابتسم لها أرسلان يربت على خصلاتها بحنان شديد، ثم جذبها لاحضانه :
” لا لم يكن، لكن أنا لدي الكثير خلفي في البلاد ولا يمكنني البقاء هنا طويلًا ليس وهناك من يتربص بالجميع، كما لا يمكنني تركك كذلك والعودة ”
” لماذا أرسلان؟! ألا تثق بي ؟!”
” بل لا اثق بمن يحيطك حبيبتي ”
قلبت كهرمان عيونها في ملل وهي ترى نظرات الحنق تعلو وجه أخيها :
” يا الله أرسلان الرجل به ما يكفيه من المصائب”
تشنج أرسلان بحنق شديد :
” أتعتقدين أن هذا قد يحول بينه وبين استفزازي بكِ ؟!”
” يستفزك بي ؟؟”
” نعم هو يريد الزواج منكِ وهذا يستفزني ”
ابتسمت له كهرمان ليزفر هو بضيق :
” أنتِ تبتسمين، إذن أنتِ توافقين عليه زمرد ؟!”
” بل اوافق على ما توافق أنت عليه اخي، وأدرك أنك توافق عليه ”
رفع أرسلان حاجبه بضيق فابتسمت له ليبتسم هو يقول بصوت منخفض :
” أنا فقط اتبع اسلوبه، ما يأتي بسهولة يسهل الاستغناء عنه عزيزتي، وانا شقيقتي ليس الوصول لها كشربة ماء، بل هو اصعب من عبور الصحراء في الصيف سيرًا على الأقدام ودون قطرة مياه بينما يطاردك قطيع من الذئاب الجائعة الشرسة ”
فغرت كهرمان فاهها بصدمة من وصفه :
” يا الله ما بك أرسلان؟! لتقتل الرجل بسيفك وننتهي سيكون أكثر رحمة من وصفك هذا ”
” نعم الموت اهون من أخذ شقيقتي ”
هزت رأسها بيأس، ثم تحركت تفتح الحقيبة التي احضرتها معها لتخرج ثياب أخرى غير تلك التي فسدت من الطريق، وهو لم يتجاهل ذلك يقول :
” لقد جهزتي حقيبة، هذا إن دل على شيء يدل على أنكِ تنتوين البقاء كثيرًا هنا تاركة إياي وحدي، وهذه ليست بداية مبشرة ”
نظرت له كهرمان بصدمة:
” يا أرسلان بالطبع سأحضر ثيابي، أنت لا تريد أن أبقى بهذه الثياب لأيام هنا صحيح ؟!”
” ايام ؟!”
كانت صرخة منفعلة منه لتهرول هي صوبه تبرر بسرعة :
” هذا تحسبًا فقط أن تستمر مشكلة زمرد لأكثر من يوم أخي، ما بك أهدأ اقسم أنني سأعود ولن اقضي المتبقي من عمري هنا ”
نظر لها أرسلان بحزن شديد وقد شعر بالمرارة لوحدته الوشيكة :
” بلى، ستفعلين كهرمان ”
تأوهت كهرمان وهي تقترب منه تضمه بحب :
” يا ويلي أرسلان لا تنظر لي بهذا الشكل الذي يجعلني اترك كل شيء لاجلك اقسم سأفعلها ”
ضمها أرسلان منه يقول بصوت خافت :
” أنا فقط لم اشبع من قربك كهرمان، وهذا لا يعني أن أكون انانيًا فأنا لن احب أن أفسد حياتك، إيفان هو الانسان الوحيد الذي يستطيع العناية بكِ، ورغم عنادي معه إلا أنني أدرك أنه أكثر الرجال حنانًا وتفهمًا ولن يحزنك يومًا، أو يدع لغضبه العنان، أي إنسان تحملني في غضبي ولم يخرج عن طور هدوئه، يستطيع التعامل مع اقسى الأمور دون أن يهتز له جفن، وإيفان كان الانسان الوحيد الذي استطاع هذا”
نظرت له كهرمان لتبتسم له وهو ابتسم بسمة واسعة يقبل رأسها بحنان :
” وهذا لا يعني أنني سأمنحه موافقتي بسهولة ”
زفرت كهرمان وهي تقول بغيظ شديد :
” يا الله يا أرسلان ”
ضحك أرسلان بصوت مرتفع وهو يجذبها له يقبل رأسها بحنان وحب :
” انسي أن ينال جوهرتي بهذه السهولة…..”
_________________________
ابتعد للخلف وهو يرى المزهرية تتحطم بالقرب من قدمه، كانت هذه الثالثة التي تحطمها منذ جاءت بها لهنا، رفع عيونه لها وهي ضمت ذراعيها لصدرها بعناد :
” تخطها إن استطعت ..”
تشنج وجه تميم بسخرية مشيرًا صوب الخزف المحطم أمامه :
” حقًا ؟! هل تصنعين سور حماية من الخزف المحطم ؟؟ برلنت بالله عليكِ لا تثيري شياطيني ”
” تميم إياك والاقتراب مني انا حذرتك، مازال غضبي منك في أوجه، لذا حاول أن تتخطاني ”
دفع تميم بقدمه الخزف جانبًا ثم اقترب منها يقول بحنق :
” عليكِ أن تجربي التفكير قبل الحديث برلنت هذا سيفيدك ويوفر علينا الكثير من المشاكل صدقيني”
” وهل تحاول القول الآن أن كل المشاكل التي تحدث بيننا أنا السبب فيها ؟؟”
” ربما نصفها، نحن الآن لا نحصي عدد المشاكل التي يتسبب فيها أحدنا للآخر، نحن هنا فقط كي نحل تلك المشاكل ”
رفعت عيونها له بتحدي :
” أي مشاكل تلك ؟؟ تصغيرك لحديثي، ورؤيتك لكل ما يصدر مني حماقة، أم منعك لي أن اقابل والدي، ام تركي أنام باكية ليلة أمس دون حتى التفكير في مساعدتي ”
أطلق تميم ضحكة مرتفعة ساخرة :
” باكية ؟؟ كل هذا وكنتِ باكية ؟! يا الله لقد كنتِ تنامين قريرة العين برلنت، كنتِ أشبه بطفل حاز وجبة دسمة منذ ثواني، ينام بسعادة شديد ”
رفعت حاجبها تنظر له بعدم فهم :
” وما ادراك أنت ؟! يمكنك أن تسأل والدتي فهي من شهدت انهياري ونومي المتقلب ”
” وهي نفسها من أكدت لي أنك نمتي مبكرًا بكل راحة، واخبرتني ألا اصطنع الضوضاء أثناء نومتك المتقلبة، ورغم هذا أكاد أجزم أنني لو أقمت اختبارًا لقنابلي داخل غرفتك ما كنتِ شعرتي بي حتى ”
زفرت برلنت وهي تشعر بالخجل من حديثه تصرف عيونها عنه، تضم يديها لصدرها مدعية الغضب :
” ألم تقرأ سابقًا أن كثرة النوم من علامات الحزن الشديد ؟؟”
” وأين قد اقرأ هذه المعلومة يا ترى ؟!”
” لا ادري أخبرني أنت ؟! أين لامثالك من عديمي الثقافة أن يمتلكوا مثل هذه المعلومات ؟!”
ابتسم لها بسخرية :
” نعم صدقتِ، أين أنا من الأفاعي السامة التي تستمد معلوماتها الثقافية من الروايات الرومانسية”
نظرت له بغضب تهتف في وجهه :
” على الاقل امرن عضلات خيالي وعقلي، ولا اتركه يصدأ كالبعض ”
ختمت حديثها تتحرك بسرعة صوب المرحاض وهي تجذب الثياب عن الفراش غاضبة ثم أغلقت الباب بقوة في وجهه وهو فقط نظر لها بعدم فهم يهمس :
” هل تمزحين معي ؟؟ عقلي أنا صدأ ؟؟”
هزت رأسها في إشارة لنعم، وهو اتسعت عيونه يحاول كظم غيظه عنها، لكنها لم تقدر له محاولاته للهدوء تلك، تنفس بصوت مرتفع يحاول إنهاء هذه الأحاديث المتعلقة قبل بداية الحرب :
” بيرلي ..”
” بل برلنت ”
نظر لها باستنكار وهي أكملت :
” لا تناديني بلقب كان يحمل ذكرى جيدة بيننا في لحظات كهذه تميم ”
” برلنت ما الذي …”
قاطعته بجدية وهي تقترب منه بإصرار تشير له أن يصمت حتة تكمل ما يقف في حلقها :
” أنت تسخر من كل ما احب، تقلل من كل ما اهتم تميم، أنت شخص …”
توقفت فجأة تحاول أن تجد كلمة تصفه وتميم اتسعت عيونه بصدمة من اتهاماتها له، هو يتفه ويقلل منها ؟! هو من سعى ليسعدها في حياتها، هو من كاد يموت كمدًا لأجلها ؟!
” كل هذا ؟! أنا كل هذا برلنت ؟! أنا بمثل هذا السوء في عيونك ؟! إذن ما الذي يدفعك لتحملي طالبي بالخلاص مني برلنت ؟! ”
نظرت له برلنت بصدمة كبيرة وهي تقول بتردد وقد أدمعت عيونها من كلماته :
” أنا أحبك تميم ”
نظر لها وهو يبتسم بغضب شديد :
” وأنا أحبك، لذلك لا ارتضي لكِ العيش مع شخص مؤذي مثلي برلنت، هذا ليس حبًا، أن تري جميع تصرفاتي لاحميكِ عبارة عن تحكم وتقليل من شأن أفعالك، هذا لن ينجح ”
شعرت برلنت بالخطر يقترب من علاقتها بتميم، تنفست بصوت مرتفع وهي تتراجع للخلفء ثم جلست على الفراش دون كلمة واحدة، لم تستطع التحدث بشيء، اكتفت بصمت وهي تنظر له تهمس بصوت منخفض :
” لا أريده أن ينجح، إن كان الفشل يعني بقائي جوارك، فأنا ارتضي بالفشل مصيرًا لعلاقتي ”
اقترب منها تميم يجلس ارضًا جوارها يتنفس بصوت مرتفع وهو يحاول التفكير في رد :
” برلنت، ما الذي يريحك لأفعله ؟!”
” أن تبقى جواري تميم ”
نظر لها ثواني ثم استقام يقول بجدية :
” إذن علينا أن نحاول إنجاح كل هذا ”
رفعت عيونها له تقول ببسمة وامل:
” ستسمح لي بزيارة أبي ؟؟”
نظر لها طويلًا يرفض عقله أن يتقبل هذا الأمر بأي شكل من من الأشكال، لكن نظراتها المتوسلة له وكأنها تترجاه ألا يخذلها، وكلماتها السابقة له أنه يقلل من كل ما تفعل منعوه الرفض، وكبلوه ..
وهي أبصرت كل هذا لكن أبت التراجع عما تريد، هذا والدها وهي لن تتخلى عن فكرة رؤيته، هو يحتاجها كما أكد عليها في خطابه الاخير، لربما …لربما كان على أعتاب الموت ويريد وداعها .
شعر تميم أنها تجبره بنظراتها على تنفيذ ما تريد لذا نهض يمسح وجهه وهو يقول بجدية :
” سنفعل ما تريدين برلنت، كل ما تريدنه سأفعله، فقط كي لا أصبح شرير روايتك في النهاية، واكون الشخص الذي يقف في وجه ما تحلمين به ويقلل من اهتماماتك، فآخر ما أريده أن أكون ظالمًا لزوجتي”
ختم حديثه ينظر لها نظرات صغيرة دون أن يبتسم ولو بسمة صغيرة، ثم اقترب منها يقبل رأسها بحنان، وبعدها رحل عنها دون كلمة، في اعلان منه لانتهاء النقاش وبداية التصدع بينهما .
وهي تجلس على الفراش بصدمة تحاول التنفس بشكل صحيح، تشعر أنها تائهة لا تعلم ما يجب فعله، هل هي محقة في المطالبة برؤية والدها، ام اخطأت في الحديث مع زوجها بهذا الشكل ؟!”
ابتلعت ريقها تلقي بجسدها على الفراش تنظر للسقف ثواني دون أن ترمش حتى، وقد بدأت دموعها تتساقط بهدوء وقلبها يؤلمها، هي تبعد تميم عنها، تبعده عنها بكل ما تفعل ..
_____________________
” توقف عن الدوران بالله عليك، أنا امتلك ما يكفيني من المصائب ”
توقف عن الدوران يتحرك بشر صوب المتحدث وعيونه تطلق شرارًا يميل على مقعده يتمسك بذراعي المقعد وهو يردد من أسفل أسنانه :
” وجدت مصائبك كثيرة فألقيت لي بواحدة، بل ألقيت لي بأثقلهم، وكأنني لا امتلك ما يكفيني إيفان”
” كل هذا لأنني اطالبك بالحكم في جريمة أختي ؟! أنت مستشاري الاول والسلطة الثانية بعدي في البلاد، من تريد مني أن اوكله بالأمر إن لم يكن أنت”
نهض عن مقعده يتحرك صوبه وهو يرى ملامحه واجمة بشكل غريب :
” ما الذي حدث لك سالار ؟؟ هل حدث شيء لزوجتك ؟!”
نظر له سالار ثواني قبل أن يتنهد ويقص عليه حكاية ذاك الجندي الذي تحدث مع تبارك وهو ما يزال يحترق كلما تذكر ما حصل، ختم حديثه بصراخ وغضب :
” والقذر يستحل لنفسه أن يطالب زوجتي بذلك، أيًا كان من هو فأنا اتبرأ أنه من رجالي ”
دخل في ذلك الوقت أرسلان يبصر اشتعال سالار ليبتسم قائلًا :
” يا ويلي من تسبب في اغضاب الرجل الاحمر !!”
استدار له سالار بشر يرفع إصبعه محذرًا :
” أرسلان …”
” ماذا ؟؟ انزل اصبعك يا عزيزي فأنت تعلم أنني لا أحب أن يرفع أحدهم إصبعه في وجهه، هذا يشعرني كما لو أنه يأمرني ”
ابتسم سالار بسخرية :
” جيد فأنا بالفعل كنت على وشك أمرك بالتوقف عن استفزازك هذا ”
نظر أرسلان لإصبعه ثواني قبل أن يضربه بيده مبعدًا إياه على وجهه يهتف ببرود شديد ونبرة جادة :
” خسئت، لم يُولد بعد من يأمرني ”
اشتعلت أعين سالار وهو بعض شفتيه وينظر له بغضب صارخًا :
” إيفان لتبعد هذا الشخص المستفز من أمام وجهي، أبعده قبل أن اقتله بيدي واضيع اعوامي التي قضيتها في طاعة الله لأجل قتل قذر مثله ”
ابتسم له أرسلان ثم قال ببرود أشد :
” خسئت مليون مرة سالار ”
صرخ سالار بغضب شديد :
” لعنة الله على الكافرين ”
رفع إيفان يديه يصيح بصوت مرتفع :
” ليرحمني الله، يا الله رحمتك بي، لقد اكتفيت اقسم بالله أنني اكتفيت، يا الله متى الخلاص من كل هذا ؟!”
كان إيفان يتحدث وهو يتحرك في القاعة يمينًا ويسارًا وكأنه يطالب أجساد وهمية حوله بإنقاذه، والإثنان يراقبانه بعدم فهم .
وفجأة وقف إيفان ينظر لهما دون أن يتحدث بكلمة وطال الصمت، قبل أن يتحرك صوبها يرفع إصبعه في وجوه الاثنين آمرًا بغضب :
” لا ينقصني تُراهاتكم، لا ينقصني أن أحمل سخافاتكم، أنا بي ما يكفيني ”
فتح أرسلان فمه بحنق وهو يشير لاصبعه بغضب :
” لا ترفع اصـ ”
لكن إيفان لم يمنحه فرصة التحدث :
” اصمت، ولا كلمة، يغضبك إصبعي ؟؟ إذن تفضل ”
ختم حديثه يرفع أصابعه العشرة في وجه أرسلان بعناد وهو يصرخ :
” كلمة أخرى واضعهم في عيونك أرسلان ”
نظر أرسلان ليده قبل أن ينقض عليه فجأة لاكمًا إياه في وجهه يدفعه للخلف بغضب :
” خسئت أنت واشباهك الاربعين، لا ترفع صوتك عليّ، ولا توجه لي أوامر أنت لست ملكًا عليّ ولو كنت فلعنة الله على الملك الذي يجعل انسان يظن أنه قد يأمرني بكلمة واصمت ”
نظر له إيفان بصدمة قبل أن ينقض عليه يرد له الضربة اثنين وتشتعل المعركة بينهما وسالار يراقب ما يحدث بتعب شديد وقد شعر فجأة أنه سينفجر، يقسم أنه سينفجر، فقط ليتوقفوا، وحين طال الشجار دون توقف تحرك يبعدهما عن بعضهما البعض كالعادة يلقي كل واحد منهما بلكمة في وجهه، ثم صرخ فيهما بغضب :
” توقفا أنتما الاثنين، لعنة الله على الكافرين، أنا لا ينقصني كل هذا الهراء، أخبركم أن الأوساخ يريدون خطف زوجتي وأنتم تتشاجرون ؟!”
توقف الاثنان بسرعة ونظروا له باهتمام ليتنفس سالار بصوت مرتفع، وارسلان مسح وجهه يقول باهتمام شديد وقد ركن عناده جانبًا:
” ما الذي تقصده بخطف زوجتك سالار ؟! ألم تجدها ؟؟”
نظر سالار صوب إيفان الذي تحرك لأحد المقاعد يلقي جسده عليه بتعب شديد يمسح وجهه وقد بدأ سالار يقص عليهم ما علمه من تبارك عن ذلك الرجل .
وارسلان اشتعلت عيونه يهمس بغضب :
” وصلت بهم القذارة للنساء ؟؟ يا الله على هؤلاء الأوساخ ”
تنفس إيفان وهو يمسح وجهه يحاول التفكير في القادم :
” إذن لنبدأ التفكير في كل مصيبة على حدة يا رجال، نبدأ بمصيبتي التي ستحدث غدًا ومن ثم نرى مصيبة زوجة سالار …”
كان سالار يستمع لحديثه وهو يضم يديه مستندًا على ركبتيه بذراعه وقد انفصل للحظات من الزمن عن جميع الأحاديث حوله قبل أن ينتفض فجأة وقد خطرت على باله فكرة واحدة جعلت عيونه تتسع وهو يهمس بصدمة متذكرًا أنه اغلق الباب عليها ونسي فتحه مجددًا .
ابتلع ريقه يهمس :
” تبارك …”
__________________
حسنًا هي تستسلم، الآن وبعد الدوران في القصر بأكمله لم تجد أي أثر لفتاة واحدة، لا تبارك ولا زمرد ولا حتى برلنت التي كانت تدور حول معمل تميم طوال الوقت، الجميع تبخر من القصر، هل جاءت هنا لتجلس وحدها ؟؟
أين تلك الفتاة المنهارة الواقعة في ورطة ؟؟ لقد تخيلت طوال الطريق انهيار زمرد بين أحضانها وهي تعدها أنها لن تتركها إلا عندما تعود الأمور لنصابها الصحيح .
تنهدت بصوت مرتفع وهي تتحرك في المكان بملل حتى شعرت أنها جابت أركان القصر بأكملها دون أن تغفل عن ركن واحد به، وللحق كي لا تخدع ذاتها كما تخدع الجميع، فجزء خبيث قذر داخلها كان يضعه ضمن قائمة الأشخاص الذين تبحث عنهم .
وها هي تصل لأحد أهدافها المحددة، والهدف الذي كانت تدعو ألا تعثر عليه، لكنها ومن بين الجميع وجدته يقف في أحد الممرات الذي يطل على حديقة تنتصف المكان يضم كفيه خلف ظهره يشرد في المكان أمامها .
شعرت برغبة كبيرة في الاقتراب منه والتحدث، لكن جزء داخلها ما يزال واعيًا على ما تفعله زجرحها مانعًا إياها من ذلك، بالإضافة لحيائها الذي تسيد مشاعرها في هذه اللحظة، لذلك فقط وضعت يدها على حجابها تتأكد منه بشكل عفوي، ثم تراجعت للخلف بظهرها وهي ما تزال تنظر لظهره .
واخيرًا ابتسمت بسمة صغيرة تستدير مبعدة عيونها عنه، ثم تحركت بهدوء بعيدًا عن مكان وقوفه.
في اللحظة التي شعر إيفان بشخص يتحرك بالقرب منه، استدار ببطء وهو يضم حاجبيه بتعجب يراقب ذلك الجسد الذي يتحرك مبتعدًا عنه، وما هي إلا ثواني استغرقها ليتعرف عليها وتتسع عيونه :
” هل احلم أم أنها تتحرك أمام عيوني بالفعل ؟؟”
فجأة استدارت كهرمان نصف استدارة وهي ترحل، وحين رأته ينظر لها ابتسمت بسمة صغيرة خطفت أنفاسه، ثم هزت رأسها في تحية صامتة تكمل طريقها مبتعدة وإيفان ما يزال يحدق في أثرها ببلاهة كبيرة لا يصدق أنها تتحرك، وكل تفكيره أنها مجرد طيف خرج من خياله .
لكن حتى ذلك الطيف ما كان له أن يتركه يرحل بهذه السهولة، لذا هرول بخطوات واسعة في الممر ينادي دون وعي :
” سمو الاميرة ؟؟ كهرمان ؟!”
توقفت اقدام كهرمان عن التحرك بصدمة لسماعها اسمها مجردًا منه للمرة الأولى منذ معرفتها به، وهو تحرك صوبها بأعين متسعة بعض الشيء يهمس مجددًا وكأنه لا يصدق أنها تقف أمامه.
” كهرمان ؟!”
ابتسمت كهرمان بسمة صغيرة تهز رأسها وهي تمسك طرف ثوبها بكل رقي كعادتها تميل بعض الشيء :
” مولاي ..”
” أنتِ هنا ؟؟ منذ متى ؟؟”
ابتسمت له تقول :
” في العادة يبدأ الأشخاص حديثهم بالتحية مولاي”
ابتسم لها إيفان بسمة ساخرة :
” اعذري قلة لباقتي سمو الأميرة ”
هز رأسه يضع يده صوب صدره :
” العين تمتن لرؤيتك بعد هذه الغيبة سمو الأميرة، انرتي سفيد، عسى أن ينيرها وجودك طوال الوقت ”
شعرت كهرمان بالخجل الشديد من كلماته تخفض وجهها ارضًا متراجعة أكثر رغم أن المسافة بينهما لم تكن بالقصيرة، إلا أنها شعرت بها قصيرة لدرجة لا تمكنها من التنفس بشكل جيد .
” كان هذا ترحيبًا حارًا أكثر مما طلبت في الحقيقة جلالة الملك ”
ابتسم لها إيفان بسمة واسعة :
” تستحقينه وأكثر ”
رفعت عيونها له بتردد تقول وهي تحاول الابتعاد عن الحديث عنهما بأي شكل من الأشكال :
” إذن كيف حال زمرد ؟!”
هز رأسه بهدوء يدرك نيتها في الابتعاد عن مجال الحديث عنهما، ورغم هذا احترم رغبتها واكتفى بما ألقى لها منذ ثواني يبتسم بسمة واسعة قائلًا :
” ستكون بخير ..”
” وأنت ؟!”
كلمة صغيرة خرجت دون إرادة منها حين أبصرت مرور شرارة حزن سريعة على عيونه حين حديثه، لقد كان ذابلًا عكس عادته، رغم أن ذبوله هذا لم يمنعه التحدث بنفس الطريقة المسيطرة المعروفة منه، إلا أنها شعرت أنه ليس هو الذي تعلمه .
ابتسم لها إيفان بسمة أوسع وهو يهمس لها :
” اصبحت بخير .”
هزت رأسها تشعر أن وقت التراجع والهروب كعادتها حينما تحتدم مشاعرها تجاه هذا الرجل أمامها، قد حان.
” إذن أنا سأتحرك لأرى اخي ومن ثم أعود لأجل زمرد ”
رفع حاجبه يبتسم بسمة جانبية :
” مالي أراكِ وقد احترفتي الهروب سمو الأميرة ؟؟ ”
رفعت كهرمان حاجبها في المقابل مثله تقول :
” احيانًا نضطر للانسحاب كرمًا منا ورأفة بالخصم مولاي ”
” إذن ألا يستحق ذلك الخصم كرمًا مضاعفة منكِ ومن أخيكِ، لقد مللت الانتظار ”
تراجعت بظهرها وهي تهمس له بصوت منخفض متوازن مبتسمة :
” معاذ الله أن تنال ما تريده كرمًا مولاي وأنت الكريم، ما عهدتك تنتظر ما تريده ”
كان يراقبها تتحرك للخلف، ثم نظر لعيونها يتساءل بجدية :
” إذن إلى متى ستظلين هنا ؟؟”
هزت رأسها بجهل قبل أن تستدير مبتسمة :
” لا ادري، حينما ينتهي كل ذلك سأعود مع أخي لمنزلي ”
ختمت حديثها تهز رأسها بهدوء :
” إلى اللقاء مولاي ..”
راقبها تتحرك بهدوء ليبتسم دون وعي :
” إلى لقاء قريب سمو الأميرة، لقاء قريب أكثر مما تتوقعين …”
__________________
هرول بخطواته صوب باب غرفته وهو يتضرع الله في قلبه ألا يكون قد تسبب لها في قلق أو خوف، ابتلع ريقه يفتح الباب بسرعة ينادي اسمها :
” تبارك ؟؟”
بحث عنها بعيونها في المكان بأكمله، حتى توقفت على الفراش يراها تنام بعمق هناك دون الشعور بشيء حولها .
ابتسم بهدوء يتحرك صوبها، ثم تنهد بصوت مرتفع يجلس على طرف الفراش يمد يده ليتحسس رأسها بحنان شديد وهو يميل عليها ليطبع قبلة على رأسها ورغم غضبه الشديد منها إلا أنه لا يهو….
ولم يكد يكمل طريقه صوب رأسها ليضع قبلته على رأسها، حتى شعر بانتفاضة كبيرة في جسدها تسببت في تراجعه للخلف بعدم فهم، وقبل التحدث بكلمة واحدة اتسعت أعين سالار وهو يسمع صرخات تبارك التي رنت في المكان بفزع ورعب وكأن هناك من يقطعها اربًا…..
تراجع سالار بسرعة كبيرة للخلف ينظر لها بأعين متسعة هلعًا من حالتها، كانت متعرفة بوجه احمر ترتجف كورقة ذابلة في وجه عاصفة خريفية، بعيون زائغة تدور في المكان وكأنها تبحث عن شيء ما .
حتى في النهاية سقطت عيونها على سالار ليترخي جسدها شيئًا فشيء، ثم تهدأ أنفاسها ببطء وفي النهاية عادت مجددًا تضع رأسها على الوسادة مغمضة عيونها مستسلمة بشبه راحة تولدت لرؤيته .
وهو فقط راقب كل ذلك بعدم فهم، ابتلع ريقه يمد لها يد مرتجفة وهو يحاول الحديث بهدوء خوفًا أن يروّع نومتها :
” تبارك …..تبارك ”
لكن تبارك لم تتحدث أو تجبه بكلمة إلا بعد خمس دقائق حين همست بصوت متقطع :
” أنا خايفة، الاصوات كلها عالية و…الدنيا ضلمة ”
نظر سالار حوله للغرفة المضيئة والهدوء الذي يعم المكان، ثم نظر لها مجددًا يهمس بصوت مرتجف بعض الشيء، صوت لم يعهده لنفسه سوى في موضعين والعجيب أن كلاهما متعلق بها، واحد يوم الاحتفال الوطني، والثاني الآن..
” تبارك لا تخيفنني حبًا بالله، إن ازعجتك اغضبي ولا تحزني، أنا آسف، اقسم أن غضبي كان نابعًا من رعبي أن تمس يدٌ نجسة طرف ثوبك عزيزتي ”
لكن من طرف تبارك ما وجد منها رد، فقط انفاس تخرج وتدخل بهدوء شديد وهي تنظر لوجهه، مد يده ببطء مبتسمًا بسمة مترددة مرتجفة يتلمس وجنتها:
” لكِ مني قصاصك إن كان هذا يرضيكِ مُهجتي ”
رمقته تبارك طويلًا بصمت قبل أن تهمس له :
” متسبنيش تاني لوحدي لأني بسمع صوتهم حواليا”
نظر سالار حوله بسرعة كبيرة وبملامح متحفزة، حتى أنه كان على وشك الانتفاض مخرجًا أسلحته :
” اصوات لمن ؟؟ من هنا ؟؟”
” الفيران ”
توقفت يد سالار في الهواء بتعجب، ثم نظر لها بعدم فهم وهي أكملت توضح له :
” كانوا بيحبسوني في اوضة ضلمة فيها فيران كل ما اغلط، زي ما انت حبستني هنا ”
اتسعت أعين سالار بقوة وهو يرتد للخلف قليلا مبتلعًا ريقه بصدمة، وتبارك استمرت في الحديث :
” أنا عارفة إن مكانش فيه فيران في الأوضة دي وأنهم كانوا بيكدبوا عليا، بس أنا…كنت بسمع صوتهم في المكان رغم أنهم مش موجودين، كنت …كنت بخاف منهم والضلمة كانت بتخليني ارسم صور ليهم وهما في الأوضة حواليا، مش عايزة ارجع للاحساس ده تاني ”
تحرك سالار صوبها بسرعة كبيرة يجذب لها جسده بعدما كان مبتعدًا عنها بصدمة، يجذبها صوب أحضانه بقوة وهو يهمس لها :
” لم اقصد، لم اقصد تبارك، اقسم أنني ما قصدت أن أعيد لكِ كل تلك الذكريات بحبسي لكِ هنا، أنا فقط كنت أخشى أن يأتيكِ أحدهم مستغلًا غيابي و….”
نظرت له تقاطعه عن الحديث مقتربة منه تحتضنه أكثر تغمض عيونها تنام قريرة الأعين وهي تردد بصوت هامس:
” لا أحتاج لكلمات تبرر ما فعلته معي سالار، فأنا لن اسامحك على اجباري العيش تلك اللحظات المريعة مرة أخرى بسهولة .”
ورغم أن كلماتها تنافت بالكامل مع أفعالها إذ كانت تحتضنه بقوة وهي ترفض مسامحته، إلا أن سالار ارتعب من تلك الفكرة :
” تبارك أنا لم اقصد، أنا لا امتلك حراسة على باب غرفتي لذا خشيت أن يقترب أحدهم ويأخذكِ مني، اختفائك لساعة أو اقل قادني للجنون فجعل فكرة فقدانك تقتلني ”
كان يتحدث وهو يضمها أكثر _ إن كان ممكنًا _ يربت على كتفها بحنان شديد :
” تبارك ؟!”
لكن لا شيء سوى صوت انفاس هادئة أخبرته أنها غرقت في نومة عميقة …
قبل رأسها بحب يرفع يديه لينتزع حجابها يحرر خصلاتها مستاء من نومها بهذه السرعة دون أن تسمعه أو يبرر لها أنه لم يتعمد أن يجرحها بهذا الشكل وهو من كان يسعى ليضمد جراحها الأيام السابقة .
لكن رغم ذلك ابتلع كلماتها يمنحها الهدوء لتنام إن كان هذا ما سيريحها، وفي رأسه تدور طواحين وفكرة واحدة تؤرقه، تبارك غاضبة منه ولن تسامحه بسهولة ….
__________________
أن يسير معها بهذا الشكل في الأسواق حتى وإن كان خلفها لحمايتها لهو أقصى ما يمكنه الحلم به هذه الأيام وحتى تصبح له .
ابتسم يراقبها تتلفت حولها باهتمام شديد لكل ما يحيط بها، وهو فقط يركز جميع حواسه معها هي فقط .
هذا وحتى توقفت زمرد وأخيرًا أمام أحد المحال الذي نجح دون غيره في جذب انتباهها، فبعدما كانت ملامحها تضج بالملل، اشرقت بسعادة كبيرة حين أبصرت ذلك المحل أمامها، وخمنوا نوعية المنتجات التي يبيعها ذاك المكان يا ترى ؟؟
نعم، أسلحة .
تحسست زمرد الأسلحة وهي تبتسم بسعادة بينما هو يرمقها بضيق وغيظ شديد يتحرك ليقف جوارها هامسًا :
” سمو الأميرة، هلّا نكمل الطريق رجاءً ؟؟”
استدارت له زمرد تقول ببسمة :
” ما رأيك بهذا الخنجر ؟؟”
ابتسم لها بسخرية يجيب بصوت هامس :
” لدينا الكثير منها في القصر، اعتقد أنكِ لا تحتاجين لشراء الخناجر فلديكِ طرقك الخاصة لإنهاء مخزوننا من الخناجر ”
رفعت زمرد عيونها في وجهه تبتسم بخبث تدرك مقصده :
” حسنًا يبدو أن تلك الطريقة على وشك التغير، فأنا الآن أميرة يمكنني الحصول على ما اشاء من الخناجر، دون الحاجة لسرقتها ”
كانت تتحدث وهي تتحرك بعيدًا عنه مبتسمة بسخرية بينما هو لحق بها يجيب بكل ضيق :
” وكأن كونكِ أميرة يؤهلك لأخذ الخناجر ؟؟ منذ متى تحمل الاميرات الخناجر؟؟؟ ”
نظرت له من خلف كتفها تجيب بكل كبرياء :
” منذ أصبحت واحدة منهن …”
ختمت حديثها تتحرك في المكان لتبصر الجميع يتحرك حولها في حيوية كبيرة، السوق الشعبي للعاصمة يشعرها بالحياة، الحماس، هذا كل ما تشعر به الآن .
نظرت خلفها صوب دانيار تراه يتحرك خلفها يتمتم بضيق لتبتسم بسعادة :
” أولست أنت من عرض الأمر دانيار ؟! تحمل ما عرضت إذن ”
وهو فقط لوى ثغره بضيق يكمل طريقه خلفها، وهي فقط تراقب الجميع، كان كل شيء حولها طبيعيًا، تمامًا كما كانت تتخيل قديمًا حينما حلمت بنفسها تحيا مع والدتها في قرية صغيرة طبيعية بسوق شعبي .
فجأة أبصرت زمرد سيدة تحاول أن تساعد عجوز للنهوض وهي تصرخ في أحد الرجال الذي أسقطها وتحرك دون اهتمام .
رفعت حاجبها تنتظر أن يمر بها الرجل ثم وقفت في وجهه تقول بصوت بارد مخيف بعض الشيء :
” عد وساعد تلك السيدة للنهوض واعتذر لها، هذا من شيم الرجال يا سيد ”
رفع لها الرجل عيونه بسخرية :
” وماذا إن لم أفعل ؟؟”
فتحت زمرد فمها للتحدث لكن فجأة صمتت وقد اتسعت عيونها بقوة وهي تحدق في نقطة معينة جمدتها في أرضها، ولم تشعر إلا بدانيار الذي جاء ووقف أمامها يدفع الرجل بعيدًا بشر :
” سمعت ما قالت الأميرة، عد واعتذر من السيدة وتحلى ببعض الاخلاق ”
كاد الرجل يعترض على حديثه، لكن نظرات الشر ومظهر دانيار منعوه العناد ليعود متأففًا صوب السيدة وهو يتمتم بغضب، ودانيار يراقبه باهتمام حتى ساعد السيدة واعتذر باقتضاب ورحل كل ذلك وزمرد صامتة بصدمة كبيرة تراقبه يتحرك، لكن وقبل أن يتخطاها صرخت بعنف :
” أنت أيها القذر توقف ..”
توقف الرجل بصدمة واستدار دانيار صوب زمرد بتعجب ليرى اشتعال عيونها، وزمرد تحركت صوب الرجل الذي وحينما أبصرها تقترب شعر بالخوف والريبة وهو يبتعد عنها بخطوات سريعة تحولت لركض جنوني من شيء لا يدركه، لكن كانت هذه عادته فهو يومًا لم يناديه أحدهم لخير ..
ركض لتركض خلفه زمرد دون تفكير وهي تصرخ بجنون وقد سقط لثامها تصرخ بصوت مرتفع :
” أمسكوا ذلك الحقير امسكوه”
كان الرجل يركض وهي تركض خلفه بإصرار مخيف بينما دانيار والذي لم يكن يفهم ما يحدث ركض خلفهما بسرعة كبيرة وقد أخرج سهامه يرفعها صوب الرجل، لكنه لم يفلته خوفًا أن يصيبه وهو لم يخطأ، فقط يتوقف ليعلم ما فعل لزمرد ..
تحرك الرجل في بعض الأزقة الضيقة وزمرد خلفه لا تيأس، تركض يمينًا ويسارًا دون توقف، حتى توقف هو في زقاق يكاد يظلم لشدة تلاصق المنازل به، توقف ولم يكن وحده، بل امتلك رفقة .
فجأة ودون معرفة كيف وجدت زمرد نفسها محاطة بالعديد من الرجال، أو معذرة العديدة من ذكور قريتها، وهذا يجعلها تفكر، ما الذي يفعله كل هؤلاء هنا في سفيد ؟؟؟؟
ما الذي جاء بهذا العدد من المنبوذين لأسواق سفيد، وإلى ماذا يخططون ؟؟؟!
” مرحبًا يا قوم ”
__________________________
ربما حرب أخيرة تكفي بالغرض ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *