روايات

رواية يناديها عائش الفصل التاسع والستون 69 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل التاسع والستون 69 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت التاسع والستون

رواية يناديها عائش الجزء التاسع والستون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة التاسعة والستون

اللهم إنا نسألك بأحبِّ أسمائك وصفاتك إليك؛ أن تفرج عن المسلمين المستضعفين في كل بلاد العالم، اللهم احقن دماءهم واشفِ جرحاهم وأنزل الصبر والسكينة على قلوبهم و فرج عنهم ما نزل بهم برحمتك التي وسعت كل شيء؛ وأغثهم بجنودٍ من عندك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل دائرة السوء على اليهود والعنهم لعنًا كبيرًا؛ وأنزل بأسك وغضبك الشديد عليهم؛ وأرِنا فيهم عجائب قدرتك وبجميع ملل الكفر وأعداء الدين يا قوي يا عزيز يا منتقم يا قهار يا جبار.
__________
هذه الحياة معركة طاحنة، فلا تخدعنَّكَ المظاهر.
**********
لم تكن صدمة “أُبَيِّ” الكُبرى في صديقه، صديق طفولته و رفيق دربه مثلما كان يظن، بل إن ما آثار دهشته بعد الاتفاق الذي عقده مع ” نورا” أن توافق في النهاية على الارتباط بأكثر شخص خذله،
” راجي” ذاك المنافق عديم الضمير الذي ابتلع كل مشاعر الحقد بملعقة واحدة، دون النظر لما سيقع على صديقه من قلب مُحطم لا يُشفى من غدر أقرب الأقربين له.
سحب أُبَيِّ نفسًا عميقًا و أغمض عينيه بحزن و ألم يعتصر قلبه، ليقرر ترك الباخرة و الانصراف قبل أن يفقد أعصابه و يقدم على فعل شيء يحط من أخلاقه العالية، و لكن في مثل ذلك الموقف يجب أن يثور، يجب أن يسترد كرامته بأي طريقه، يجب ألا يهتم لنظرات أي أحد له و يأخذ حقه بالطريقة التي ترضيه، و لكنه يعجز حتى عن المواجهة، لقد اعتاد أن يبتعد عن طريق الأذى و البلية و يمضي راضيًا بما قسم له.
نظرت له ” نورا” بينما هو يستدير ليذهب، خانتها دموعها وهي تستعيد في ذاكرتها ما هددها به
” راجي” عند زيارته لها في المشفى..
~~~~~~
كانت تقوم بعملها كممرضة، تعلق المحلول لإحدى المرضى، وبينما تدون بعض الملاحظات في الدفتر تُقبل عليها زميلتها في العمل تخبرها أن هناك رجل في صالة الاستقبال ينتظرها و يقول أنه أحد أقاربها..
عقدت نورا حاجبيها في دهشة قائلة
” أُبَيِّ ! ”
بدا عليها التوتر وهي تسرع للدخول للمرحاض لتقف أمام المرآة تعدل من ملابسها و تتأمل وجهها الشاحب أثر العمل المرهق منذ الصباح، لم تكن راضية عن شكلها، فهمست لنفسها تدعم ذاتها معنويًا
” مش مهم شكلك إيه، المهم تثقِ في نفسك في كل حال، و اللي بيحبك هيشوفك جميلة في كل الأحوال ”
خرجت بعد أن مارست عملية الشهيق و الزفير بهدوء، لتتفاجأ بأن الرجل الذي ينتظرها أول مرة تراه، من الممكن أن قد تكون رأته سابقًا فهو يبدو مألوفًا لها، و لكن لم يسبق و أن تقابلا.. !
” مين حضرتك ؟ ”
بادرت بالسؤال بملامح جامدة، فَرد الآخر بابتسامة واسعة مختلطة بنظرات المكر
” راجي عيسوي، صديق قديم للعائلة و صديق مُقرب للزُرق عيونه يا ولاه ”
لم تنطق نورا بشيء، سوى نظرات التعجب منها تجاهه، مما أردف راجي ضاحكًا
” أنا مراعي إننا أول مرة نتكلم و مش هتبقى آخر مرة بفضل أُبَيِّ ”
” أُبَيِّ ! أنت تعرفه ؟ ”
” منا بقولك صديق مقرب ليا.. التوينز يعني.. بتقولوها ازاي بالمصري.. آه أنتيخي ”
رمقته نورا بامتعاض مرددة
” أنتيخي !! .. امم و حضرتك عاوز إيه يعني ؟ ”
” كل خير يا باشممرضة ”
أشارت له بسبابتها دلالة على الاختصار في الحديث، قائلة بملل
” انجز ”
رغم أن تلك الحركة جعلته يشعر بالإهانة، و لكن ما جاء لأجله أهم الآن..
~~~~~~~
استطاعت حبس دموعها بمهارة، لتقترب من
” راجي” بنظرات خبث على مرأى و مسمع من الجميع، قائلة بخفوت
” أنا من عائلة الخياط، العائلة الوحيدة اللي فيروس كورونا لما انتشر، جه عندنا ولف ورجع، عارف يعني إيه ؟ يعني إحنا التهديد مبياكلش معانا، الخوف ملهوش معنى عندنا غير الخوف من رب العالمين، الغباء مش في قاموسنا اللغوي، يعني يوم ما هتجيلي زي الفيروس تنشر وباء الحقد و الغِل في عائلتنا هتلاقيني وقفالك يا بالشبشب يا بكحول، و أنت زي الحشرة سهل أمحيك، حتى لو كنت الطاعون فأنا النار اللي بتحرقه..
تغيرت ملامح ” راجي ” للحنق و الغضب الشديد، و انتفخت اوداجه، و قبل أن يتفوه بكلمة، سحبت منه الميكرفون في حركة سريعة قوية، و وجهت بصرها تجاه أُبَيِّ أولًا، ثم على الجميع لتقول بصوت جهوري
” السادة الحضور، أنا قلت أنا موافقة آه، لكن مقولتش موافقة على خطوبتي من الكائن اللي واقف جنبي ده.. أنا موافقة أكشف الحقيقة، بس حبيت أعمل حتة ساسبنس كده قبل ما أدخل في تفاصيل..
استدار أُبَيِّ ليرسل لها ابتسامة راضية بإيماءة رأس بسيطة يحثها على المتابعة، فهو لن يستطيع البوح بكل ما يريده، بينما بقية العائلة ينظرون لبعضهم البعض من جراءة ” نورا ” و نظرات عدم الفهم تملأ ملامحهم، ليقول ” زياد” بدهشة
” البت دي كانت بتتصنت عليا و أنا بدرس محاماة ولا إيه ؟! ”
هتف ” راجي ” بنظرة تهديد
” بلاش أحسن لك، و إلا..
ردت بسخرية
” و إلا إيه يا غدار يا قليل الأصل !
لم تدعه يتكلم كثيرًا، و وجهت فوهة الميكرفون تجاه الهاتف وضغطت على تشغيل التسجيل الصوتي المحفوظ عليه، لتقول وهي تنظر لراجي بتحدي
” ياريت السادة الحضور يسمعوا كويس التسجيل ده، ده صوت الأستاذ راجي المحترم اللي أُبَيِّ بيعتبره أقرب حد ليه، بيعتبره صاحب عمره.. ركزوا كويس، بس مش مسؤولة عن الترست ايشوز اللي هتحصل لكل واحد فيكم.. و زي ما قال اللي قال.. وكان ظنّي بناسٍ أنهم بشَرٌ ‏فصارت الشّين من أفعالِهم قافا.. ”
~~~~~~~~
قبل أن يبدأ ” راجي” بالحديث عما جاء من أجله، استأذنت ” نورا” في الذهاب لإعطاء الدواء لمريض تشرف على حالته، و في الحقيقة لقد ادعت ذلك بعد أن صارت الهواجس و الشكوك تحوم في عقلها حولها هذا الغريب، اختفت في أحد الجوانب و أخرجت هاتفها لتقوم بالتسجيل له، ثم عادت بهدوء كأنها لم تفعل شيء، لتقول برسمية
” اتفضل حضرتك، أقدر أساعدك بإيه ؟ ”
” لا العفو.. أنا جاي لك بعرض مغري..
” امم و إيه هو العرض المغري ده يا أستاذ راجي ؟
حك ” راجي ” ذقنه بابتسامة خبيثة ثم قال
” حفلة افتتاح الشركة بتاعتنا أنا و أُبَيِّ كمان كام يوم، و في الحفلة دي هو هيتقدم لك بخاتم ألماس اتعمل مخصوص عشانك، أُبَيِّ اعترف لي إنه بيحبك، بس مش ده موضوعنا..
كانت نورا تستمع إليه، بدهشة مصحوبة بابتسامة سعيدة، فلأول مرة تنال اعجاب أحد و يسعى لنيل رضاها بأي طريقة، أردف راجي بحقد عندما رأى السعادة و الحُب الذي تكنه لأُبَيِّ في عينيها..
” الموضوع اللي أنا جاي لك عشانه، إن ده كله مش هيحصل.. بمعنى.. أنا اللي هتقدم لك مش أُبَيِّ، مع إنك مش نوعي المفضل بس كله يهون لأجل أشوف أُبَيِّ مكسور للمرة التانية على ايدي، المرة الأولى أنا كنت السبب إن ” إيرما” أول حُب في حياة أُبَيِّ تبعد عنه، بس مكنتش أعتقد إنه هيقدر يتخطى اللي حصل، لكن المرة دي أنا هنهيه بجد، و أنتِ هتساعديني، و غصب عنك
” أنت بتقول إيـه ؟؟ ”
هتفت بها نورا بصدمة غير مصدقة ما يتفوه به صديقه المقرب كما يدعي.. تابع راجي بحزم
” من غير مقاطعة لو سمحتِ..أُبَيِّ مش هنكر إن كنت بحبه من صغري و بعتبره أخويا مش بس صاحبي، لكن الحب و الاهتمام اللي بيلاقيها من كل اللي حوالينا، أنا اللي استحقه مش هو، أنا اللي عملت أُبَيِّ، و إحنا صغيرين كنت بجبله حقه من أي حد يزعله و في الآخر ينال هو الحب و الاحترام و أنا اتحط على الهامش، اشتغلنا في كذا شركة مع بعض كنا نعمل صفقات و ننجح فيها سوا، و يجي صاحب الشركة يعلي رتبة أُبَيِّ و يسيبني أنا، كنا نذاكر كل الدروس مع بعض ويجيب هو أعلى مني، كنت بشوف الفرحة في عينيه لما حد يمدح فيه، و أنا واقف جنبه شفاف، كان يعطف عليا من باب الشفقة و يقولي كفاية أهلك و أنا بنحبك.. لا.. لا..
لا أهلي و لا هو حبوني، أهلي دايمًا مهما أعمل شايفني أناني و بتاع مصلحتي مع إني بعمل كل ده عشانهم، وهو عامل نفسه بيحبني عشان يدارى فيا من التلعثم، أتكلم بداله وهو يكتفي بضحكة بريئة.. بس خلاص.. أنا صبرت بما فيه الكفاية.. و جه الوقت اللي لازم أرد فيه اعتباري و أخد حقي.. كنت مستني فرصة مناسبة و أهي جات ولازم استغلها..
كانت نورا في أوج صدمتها وهي تحاول الاستيعاب ببطء، كل ما يتفوه به من حقد و كراهية يتطاير رائحتها من قلبه، تذكرت عندما حقدت على حُب بدر ابن عمها لعائشة وعندما أرادت الوقوع بهما أمام الجميع، كانت هي الجاني و المجني عليه في نفس الوقت جراء حقدها، لكن الآن جاءتها الفرصة لتكفر عن خطيئتها في ذلك اليوم، و يجب أن تستغلها بكل دقة..
قالت وهي تناظره ببرود
“أنا هصدق إن في حد ممكن يخون أقرب الناس ليه، بس مش مستوعبه إن في حد ممكن يؤذي شخص صالح هين لين الطباع زي أُبَيِّ، مفيش كُره ولا ضغينة في قلبه لأي حد، بس نصيحة مني اتقي شر الحليم إذا غضب، أُبَيِّ اللي أنت مستهون بيه ده إحنا لسه منعرفش لما صبره ينفد هيعمل إيه، و كل واحد ليه طاقة..”
رد ساخرًا
” هيعمل إيه يعني.. آخره يتهته شوية وخلاص..
” أنت فعلًا مينفعش تصاحب واحد زي أُبَيِّ.. أنتم مش شبه بعض خالص..
” عندك حق..
تابعت باستهزاء منه
” لأنه أنضف منك بكتير..
ضحك ليقول بلا مبالاة
” أنا مقدر إنه حبيب القلب.. و رفضك ليه أكتر حاجة هتوجعه و تهده
” و جايب منين الثقة دي إن هرفضه.. ! ”
” عشان لو موافقتيش على خطوبتي منك قدام الناس كلها في الافتتاح.. بدل ما تقري الفاتحة معاه هتقرأيها عليه..
قالها بثقة، وهو يقصد كل حرف يخرج منه
شعرت بغصة في حلقها فور أن قال ذلك، و ابتلعت ريقها بصعوبة، لتقول بخوف حقيقي
” أُبَيِّ لأ.. طيب هعمل لك اللي أنت عاوزه بس بالله عليك ابعد عنه..
” و أنا أوعدك لو وافقتِ مش هعمله حاجة، أنا مش محتاج منك غير إنك تقولي كلمة واحدة بس
” موافقة”.. اتفقنا ؟ ”
هزت رأسها بموافقة دون الرد، ليقول قبل أن ينصرف
” أشوفك في الافتتاح يا اسمراني اللون ”
بعد أن تأكدت من ذهابه، أخرجت الهاتف وتأكدت أنها حفظت التسجيل، همست ضاحكة بسخرية
” مفكرني خام، هقع بسهولة.. عيب ده إحنا من زمان في الشغلانة، بس توبنا لله وجه الدور أخلي اللي زيك يتوب غصب عنه ”
~~~~~~
تلون وجه ” راجي” بالغضب و الاحراج من فضح أمره أمام شركاؤه في العمل و أمام جميع الحضور، بمن فيهم ” أُبَيِّ ” الذي تجمدت ملامحه وهو يصوب بصره تجاه صديقه أو الذي أصبح في خبر كان الآن، تغيرت مشاعره تجاهه ولم يتفوه بأي كلمة، كان ينظر له فقط نظرة انتقام أعمى بصيرته، لقد خرج من دائرة الصبر و فقد ما تبقى من هدوئه لتسيطر عليه شخصية الرجل الغاضب الذي يريد أن يهشم أي شيء أمامه..
تقدم يمشي بثبات وهو لا يزال يصوب عينيه تجاه ” راجي” بغضب، و الأخير يبادله نفس النظرات زيادة عليها الحقد و الغيرة منه، وقف أمامه متسائلًا بعتاب أخير
” ليه يا راجي ؟ ”
صاح ” راجي” بغيرة واضحة وهو يلوح بيديه في عصبية بالغة
” عشان أنـا اللي عملتك.. أنـا اللي أستحق كل ده مش أنت.. أنــا المفروض اللي أسبقك في كل حاجة.. رغم كل مجهودي، بتيجي أنت بوشك اللي بتتصنع براءته و تخطف كل حاجة مني.. أنت أناني يا أُبَيِّ.. خدت كل الحُب و الاهتمام ليك لوحدك.. أنا اللي أستحق كل ده.. أنــا.. ”
” أنت مريـض.. ”
هتفت بها نورا في تعصب هي الأخرى، ليشير لها أُبَيِّ في الحال بطرف عينيه، أن تذهب بجانب العائلة، و قبل أن تتحرك؛ سحبها ” راجي” ليلف ذراعه حول رقبتها يخنقها بقوة، مما توتر ” أُبَيِّ ” و تملك منه الخوف من رؤية حبيبته تختنق أمامه، لم يسبق له وأن هاجم أحد أو تصارع مع أي شخص، أخرج راجي مسدسه من جيبه ليشهق الجميع بفزع، بينما هتف مصطفى والدها بخوف شديد
” البت هتروح مننا..
و صاحت والدتها سارة باكية
” أختك يا زياد.. الحق أختك
صاح راجي في الجميع وهو يصوب المسدس تجاههم
” اللي هيقرب هيلحقها..
نظرت نورا لأُبَيِّ بدموع نتجت من شدة الاختناق، تتوسله بعينيها أن يفعل أي شيء..
تتدخل زياد قائلًا بهدوء
” لو اتحركت خطوة كمان يا راجي أنا اللي هقتلك.. سيب نورا…
قاطعه راجي بصراخ
” هحرق قلبه عليها.. مش هسيبك يا أُبَيِّ
تحدث أُبَيِّ بتوسل
” هي ملهاش ذنب.. أنا.. أنا.. قدامك أهو..
” لما أقتلك أنت.. أشوفك ازاي بتتعذب قدامي كل يوم.. أنا هنهيك يا أُبَيِّ..
أغمض أُبَيِّ عينيه يحاول المام شتات تفكيره، وهو يهمس لنفسه
” نورا هتروح منك يا أُبَيِّ.. لحد امتى هتفضل ساكت.. لحد امتى مش هتعرف تواجه.. جه الوقت اللي تاخد حقك بنفسك..
فتح عينيه وقد استقر على أمر ما، ليقول محاولًا التحكم في أعصابه و تعابير وجهه الخائفة
” أنت اللي بدأت..
أخرج هاتفه و وضعه نصب عينيه بعد أن قام بتشغيله على فديو يحتوي على جدته مختطفة و أحد الرجال الملثمين يضع مسدسه في رأسها، يعلم أُبَيِّ أن جدة راجي هي أهم شخص عنده، لكنه لم يقم باختطافها كما هو ظاهرًا في الفديو، لن يصل الأمر بأُبَيِّ أن يختطف أحد أو يفعل أي شيء اجرامي، لقد قام بمساعدة صديق له خبير في التكنولوجيا بتزييف صورة جدته وجعل الأمر كأنه حقيقي، و مثلما اعتقد أُبَيِّ صدق راجي بسهولة واتسعت عينيه بصدمة وهو يهتف
” هقتلها يا أُبَيِّ لو جدتي حصل لها حاجة..
رد أُبَيِّ دون أن يتلعثم في حرف واحد وهذا ما أدهش معظم الواقفين بالأخص عائلته؛ لأن البقية لم يتعاملوا معه وجهًا لوجه
“ما تيجي نلعب لعبة صغيرة كنا بنلعبها زمان.. سيب و أنا أسيب. سيب حاجتي و أنا أسيب حاجتك..
صرخ فيه بغضب وهو يقترب منه و يبسط كفه ليعطيه المسدس
” سيـب نـورا يا راجـي..
كان الخوف قد تملك من راجي كُليًا فلم يجد مفر، أعطى له المسدس و ترك نورا تسعل بشدة وهو يقول
” قولهم يسيبوا جدتي..
تحدث أُبَيِّ بتصنع في الهاتف أمامه
” سيبوها، و روحوها لحد باب البيت سليمة معافاة.. ”
قبل أن يهرب راجي و يقفز في الماء، لحق به أُبَيِّ و جذبه من ياقة قميصه لينحني عليه يقول بحسرة
” أنا عمري ما كنت أتوقع إن الخذلان يجي منك أنت.. يا.. يا صاحبي.. ”
أنهى جملته بلكمة في وجهه؛ فنزف الدماء من أنفه، ثم نهض و تركه قائلًا
” أنا فضلتك على نفسي في حاجات كتير، بس الغيرة اللي جواك خليتك أعمى مش عارف عدوك من حبيبك.. الضربة دي تفكرك يا صاحبي..
تركه وذهب يطمئن على نورا، فجاء ” بدر” يبتسم بخبث قائلًا
” بقولك ايه يا أُبَيِّ.. ما تسيبني أتعشى بيه قبل ما أبدأ جلسات العلاج النفسي و أبطل أضرب حد..
ضحك أُبَيِّ و زياد ليقول الأخير بحماس
” خدني معاك..
ذهبا الاثنان باتجاه راجي الملقي على الأرض يمسح الدم السائل من أنفه، ليقول بدر بشماته
“عارف يالاه.. أنا عمري ما أرتحت لك، كنت حاسس إنك مش سالك
ليرد زياد وهو يقوم بخنقه كما فعله في شقيقته
” هات حق العيش و الملح اللي أنت طفحته معانا.. ياريته كان عيش وملح ده كان عيش و لحمة، أنت عارف اللحمة بكام دلوقت يالاه.. مش هسيبك غير لما أخدها منك كيلو ورا التاني..
ضحك بدر وهو يفك له حزام بنطاله الجلدي قائلًا
” حلو الحزام ده.. هاخده تذكار منك.. سيبه يا زياد.. قوم ياض غور من هنا..و متنساش تمسك بنطلونك عشان معانا حريم..
نهض ” راجي” وهو يأخذ نفسه بصعوبة من خنق زياد له، متناسيًا أن يفعل مثلما قال له بدر فسقط البنطال قليلًا و ظهر جزء من ملابسه الداخلية، مما دخل الجميع في موجة من الضحك على هيئته المزرية، هرب راجي من أمام أعينهم وهو يردد بوعيد
” مش هسيبك يا أُبَيِّ.. مش هسيبــك.. ”
استدار أُبَيِّ ليأخذ الميكرفون قائلًا بهدوء
” بعد اللي حصل انهارده من أقرب حد ليا زي ما كنت فاكر، معنديش حاجة أقولها غير..
لا تسألني عن الغدر، فأنا لا أعتقد أن هناك كلمات قادرة على وصفها في ذلك اليوم، ولا خير في خلٍ يخون خليله، ويلقاه من بعد المودة بالجفا.. راجي كان من أغلى و أعز الناس على قلبي، لكن بفضل ربنا طبعًا ثم بفضل البنت اللي تستاهل حبي و كل حب الدنيا أم أولادي في المستقبل و اللي هتشاركني حياتي إن شاء الله، انكشفت حقيقة ” راجي” و الحقد المدفون جوا قلبه ليا، و اللي فضل سنين معايا من و إحنا أطفال مفكرش مرة إنه ممكن يخذلني.. أنا مش ندمان إني عرفته بالعكس أنا بشكره على الدرس اللي علمهوني، و الحياة ما هي إلا تجارب و كل تجربة لازم نستفاد منها و ناخد خبرة، لكن ده ميمنعش إن في لسه ناس كويسه و تستاهل الصداقة، الرسول عليه الصلاة والسلام قال.. الْخَيْرُ فِيَّ وَفي أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ..
سحب منه ” بدر ” الميكرفون سريعًا ليقول..
” الحديث ضعيف يا جماعة، لا أصل له، ولم يرد مسندا إلى النبي صل الله عليه وسلم في الكتب الصحاح والمسانيد.. لكن أُبَيِّ يقصد إن صوابعك مش زي بعضها و زي ما هتقابل الوحش هتقابل الحلو، بس أنت استخدم حواسك صح و أنت تحسن الاختيار.. ”
سحب أُبَيِّ الميكرفون من بدر قائلًا بود
” شُكرًا يا بدر.. ثم تابع بابتسامة صافية
” أرجوكم كملوا الاحتفال بشركتنا الجديدة.. أنا عارف إن بعد اللي حصل ده ” راجي” هيبيع أسهمه في الشركة لأي حد من رجال الأعمال يكون منافس ليا، أنا مستعد أشتري الأسهم، لكن مفيش مانع من المنافسة لو كانت شريفة، أنا أقبل التحدي و أحترم المتنافسون في كل الأحوال.. بشكر كل السادة الحضور على تواجدكم الليلة، أتمنى تسامحوني على وجع الدماغ اللي حصل و تكملوا السهرة.. ”
بعد أن حدث ما حدث و انكشفت حقيقة ” راجي” للجميع، البعض من رجال الأعمال لم يبالي بالأمر فما حدث لا يخصهم في شيء، المهم أن أعمالهم تسير على النحو الصحيح و المطلوب، بينما البعض الآخر قرروا عدم العمل مع راجي ثانيةً و فك الشراكة معه، وبعد تلك الليلة ذاع صيت أُبَيِّ في السوق التجارية، و تكاثرت عليه المشاريع المهمة و الأعمال ذات القيمة العالية..
____________________
‏”ناولني الحقيقة حتى لو كانت تعج بالمرارة”
__________♡
صباح يوم جديد، لا تستطيع شمسه الوصول للممر السري تحت الأرض وبث نورها فيه، لم ينعم
” قُصي” بنوم هادئ مثل بقية زملاؤه، لم يستطيع النوم بسبب ما أخبره به ذلك المجهول، ظل يتسائل تُرى من يكون و لماذا اختارني أنا بالتحديد، و مالذي يخفيه عني ” اللواء عزمي ” ؟
دوى صوت انذارات الصباح في أرجاء الممر، ليستيقظ الضباط استعدادًا ليوم حافل بالتدريبات الشاقة..
كان ” قُصي ” ينظر لسقف غرفته بشرود، يشتاق لعائلته و لشخصيته القديمة التافهة، تمنى لو أنه كان موجودًا مع شقيقه أثناء افتتاح فرع شركته الجديدة، تسائل في نفسه إلى متى سيظل يكذب على عائلته بشأن حقيقته..
لحظات و دخل ” كريم ” يبتسم بعفوية قائلًا
” رأفت الهجان نايم لحد دلوقت ليه ؟ ”
نهض قُصي بملل وهو يحك شعره الذي أصبح يغطي عينيه منذ أن إقامته في الممر، ليقول
“مليش نفس أعمل حاجة انهارده..
” دي أهم عملية هنقوم بيها يا قُصي، هنا في الممر مفيش حاجة اسمها مليش نفسها، إحنا هنا مش في مطعم، و بلاش تقول الكلام ده قدام اللواء.. إحنا جايين هنا عشان حاجة واحدة بس.. سلامة أهلنا.. أي واحد في البلد دي لو حصل له حاجة من تحت راس المافيا اللي مش معروف لها ملامح لحد دلوقت هيبقى ذنبه في رقبتنا.. إحنا كلنا في مركب واحدة.. عصابة كارمن و رودينا عرفنا هما بيخططوا لإيه، بس سايبينهم لحد ما نوصل للبوص الكبير بتاعهم و ساعتها هنمحي وجودهم نهائيًا…
دخل إياد الريحاني ، مدرب قُصي الخاص، و معه ” رحيم ” ليلقي عليهما التحية متسائلًا بعد أن سمع آخر حديثهما
” إحنا ليه ما نمسكش العيال دي و نضربهم علقة موت يقروا و يعترفوا بكل حاجة..
نظر له قُصي بطرف عينيه بسخرية قائلًا
” أنت لسه عايش في جو الأفلام القديمة دي..
” أنت مالك بقيت شبه البنات و شعرك رفرف كده ليه..
قالها قاصدًا المجاكرة، و قبل أن يرد قُصي و يقوم بقصف جبهته كالمعتاد، تدخل كريم و قال سريعًا مكملًا حديثه
” مينفعش نعمل اللي أنت بتقول عليه ده يا رحيم، اللي زي دول عاملين زي الشجرة عشان تهدها تقطعها من جدرها، هنستفاد إيه لو طيرنا الفروع و فضل الأصل مزروع ؟ ”
نظر له ثلاثتهم باقتناع، ليقول إياد
” قُصي، شو رأيك نبلش التدريب هلأ ؟ ”
” دلوقت !.. لأ.. مش قادر.. منمتش من امبارح و جسمي متكسر..
سمعوا الأربع صوت اللواء عزمي يستدعي الجميع، فنهضوا سريعًا إلا قُصي تمهل في مشيته، فهو لم يعد يحب ملاقاة اللواء ولا الحديث معه..
جلس جميع الضباط في أماكنهم منتظرين تعليمات اللواء الجديدة، كان يتحدث بينما قُصي يسترجع ما قاله الرجل المجهول له..
” مش من مصلحة ” عزمي ” أبدًا إنه يعرفك عليا.. ساعدني عشان أقدر أساعدك ”
سأل نفسه حائرا
” يعني إيه أساعده عشان يقدر يساعدني ؟ واحد زي ده الانتربول الدولي و المخابرات المصرية متعرفش مكانه، هيطلب مني أنا مساعدة ليه ! و يا ترى إيه هي نوع المساعدة اللي عاوزها ؟؟..
تذكر حينما سأله عن كارمن من الممكن أنها تعمل معه وهذا هو الرجل الذي تحدث عنه كريم منذ لحظات..
” ” كارمن ليها علاقة بالموضوع ؟ ”
” نهلة سمير الضبع تُقصد ؟ أنا لغاية دلوقت بحميك منها و من جماعتها، لكن لو شيلت ايدي من حمايتك؛ هتتأذي أنت و عيلتك كُلها.. ”
شعر بصراع في رأسه و حيرة أكبر متسائلًا
” طيب لما هو بيحميني منها، مدخلهم مصر أصلًا ليه ؟ أكيد فيه سبب تاني..
تنفس بعمق وهو يتأمل اللواء عزمي يشرح للضباط ماذا سيفعلون، تذكر ما قاله عن ذلك المجهول
” قُصي الراجل ده عاوز يخلص منك بأي طريقة بس مش عارف.. عشان أنت في مصر محمي كويس ”
عاد يسأل نفسه بنفاذ صبر..
” لو فعلًا الراجل ده عاوز يخلص مني، كان نفذ من قبل ما أكشف حقيقة كارمن، ممكن يكون أبو كارمن اللي دفنت ابنه حي قدامه و اتسجن مؤبد بسببي رجع وعاوز ينتقم ؟ لا.. لأ مستحيل الراجل مات في السجن أصلًا قبل وصول كارمن لمصر بشهر، هيصحى من الموت يعني ينتقم مني !
طيب أصدق مين دلوقت ؟ واحد أول مرة يكلمني و معرفوش و لا الراجل اللي رباني من صغري و بعتبره زي أبويا ؟ لأول مرة أحس بشعور العجز و إن مش عارف أعمل حاجة ولا اتقدم خطوة واحدة..
لاحظ اللواء عزمي شرود قُصي، فقال بصوت جهوري
” قُصي.. ركز لو سمحت.. اللي جاي أهم من اللي فات..
أومأ قُصي باهتمام ليس خوفًا منه، و لكن الفضول قتله لمعرفة من وراء كل تلك التخطيطات
” و بجهود رجالنا قدرنا نوصل لمعلومات هتفيدنا جدًا في العملية.. أكبر زعماء المافيا السوداء هيقيموا حفلة بداخل إحدى كهوف الجبال على واحد من أكثر الطرق خطرًا في العالم
” طريق الموت ” في شمال يونجاس في بوليفيا، الحفلة دي هيتم فيها تقديم قربان للشيطان، أربع أشخاص هيتم تقديم جسدهم للشيطان عشان ينفذ لهم المرغوب زي ما بيدعوا.. الناس دي مما لا شك فيه إنهم من عبدة الشيطان، لكن الأشخاص اللي هتتقدم قرابين للأسف كلهم عرب.. أربعة بيجمعوا بين مراحل الحياة للإنسان.. الطفولة، المراهقة، الشباب، الشيخوخة.. الطفل اسمه يزن علوش من سوريا، المراهق بنت من فلسطين اسمها سلمى الزيني، الشاب يحي ضرغام من السودان.. أما آخر مرحلة السيدة المصرية نادية القص..
تبادل الجميع النظرات بصدمة، فتلك العجوز هي والدة اللواء، و قد ذهبت لخارج البلاد مع ابنتها الصغرى لتزرع لها الكبد..
ظهرت علامات الأسى على اللواء وقال بصوت مفعم بالحزن..
” لازم نلحقهم الأربعة.. إحنا منعرفش اللي بيعملوه ده ممكن يوصلنا لحد فين.. بس الناس دي مش الماسونية اللي جمعتهم بس، في حاجة أكبر بيخططوا لها، اللي هيفيدنا بقى في الليلة دي شاب وسيم جدًا..
صمت الجميع يتابعون باهتمام شديد ما ينزل على سمعهم من عجائب..
” كبير زعماء المافيا مثلي يميل للشذوذ جنسيًا، و في كل حفلة بيحييها لازم يمارس الشذوذ مع اوسم الشباب و بالفعل اختار الشاب اللي هينفذ له رغباته، بس رجالتنا برا قدروا يوصلوا ليه و يقتلوه، و إحنا هنبعت حد مكانه من رجالتنا اللي هنا يقوم بالمهمة دي، و يخلص الأربعة منهم قبل ما تحصل الجريمة، و هيكون معاه دعم كافي لكن متخفي في مكان قريب من الحفلة لحين احتياجه..
نظر لقُصي مبتسمًا..
” أنت اللي هتقوم بالمهمة دي يا قُصي..
” مستحيل..
هتف بها قُصي وهو يهب واقفًا ويضرب بيده على المنضدة..
” ليـــه.. شايفني حضرتك سي لوسي.. مستحيل ابقى اللي بتقول عليه ده..
سمع ضحكات تأتي من خلفه كانت لرحيم، فاستدار و الشرر يتطاير من عينيه قائلا
” خد رحيم.. هو أحسن واحد يليق عليه دور الشاذ
انخرط الجميع في الضحك رغمًا عنهم، مما نهض رحيم يجذب قصي بغضب و يصيح
” ولاه.. أنت زودتها أوي و لسانك بقى بيغلط كتير
دفعه قُصي بغضب هو الآخر هاتفا
” بطل تهزق نفسك و أنا احترمك..
“قصي عيب كده.. بلاش غلط
قالها كريم وهو ينهض ليفض الشجار بينهما، بعد أن عمت الفوضى المكان.. رد قصي غاضبًا وهو يلوح بيده بنفاذ صبر..
” لو الحوار كله واقف على إن أنا أعترف بغلطي و المشكلة كده هتتحل، فلأ أنا مش غلطان ويارب المشكلة ما تتحل… ”
صاح فيهم اللواء جميعًا بغضب، ليعم الصمت المكان مرة ثانية.. كسر هذا الصمت صوت اللواء يقول باصرار
” قُصي.. أنا اخترتك أنت بالذات، عشان أنت أذكى واحد في الموجودين و هتعرف تتعامل مع الهدف كويس.. و ياريت تتقمص شخصية سي لوسي فعلًا.. هتفرق معاك كتير.. و شعرك المقص ما يجيش عنده.. أنت كده هتجذبه ليك أكتر و من خلال هنقدر نعرف مكان خصمنا الحقيقي فين..
” ما تقولي بالمرة جهز بدلة الرقص أم ترتر..
قالها قصي بسخرية مصحوبة بالتعصب، فرد اللواء بهدوء..
” ياريت.. هيبقى أفضل..
” على جثتي ده يحصل.. قالها وهو يجز على أسنانه بغضب و كريم و إياد يحاولان تهدئته..
بعد عدة ساعات.. يقف قصي في ساحة التدريب وهو ما زال منزعج من تلك المهمة الحقيرة في نظره، بينما إياد يملي عليه بعض التعليمات المهمة..
” قصي.. بدي اياك تركز.. الهدف الأساسي من الفنون القتالية تحويل الجسم إلى سلاح فتّاك.. راح أعلمك بعض تمارين رياضة المواي تاي..
” ايه دي كمان ؟
” هاي لرياضة نشأت في تايلند منذ حوالي ألفي عام وهي تُعرف بفن الأطراف الثمانية، لأنها تشمل مقابض اليدين والمرفقين والركبتين والقدمين.. وتشكل الركلات أكبر خطر لأنها يمكن أن تصيب العمود الفقري.. ”
ظل إياد يعلمه أفضل التمارين التي ستنفعه في تلك العملية، حتى أصبح قُصي ذو ماهرة رائعة فيها..
مرّ شهر لإحياء تلك الحفلة، كان الشهر كافيًا لاسترجاع قصي كل ما فاته من التمارين الرياضية، اتبع حمية غذائية خاصة، و مارس العديد من التمارين الشاقة و المفيدة بفضل إياد، حتى تغير كُليًا و أصبح جسده مُعضل و قوي، فذهب شخصية قصي العفوية و التافهة و حلت محلها شخصية أكثر قوة بدنية و صرامة، لم يقص شعره منذ أن أمره اللواء، فكان يجمع تلك الغرة على جبينه بشريطة سميكة سوداء، يراه أصدقائه في الممر فيضحكون معه و يخبرونه أنه يشبه الكوريين بطريقة تسريحه لشعره..
و قد جاء اليوم الموعود و حان الوقت للسفر لطريق الموت…
__________
عندما رأت روان مشهد لرُميساء و أحد ما يقوم بالاعتداء عليها، هرعت تجاه بيتها و فتحت لها الأخرى لتنهال عليها روان بالأسئلة عن حالتها وهي تتفحصها بخوف
” رُميساء.. الحمدلله.. أنتِ كويسه ؟ مفيش حد غريب جه هنا ولا هنا.. ولا شفتي حد بيلف حوالين البيت يعني..
تساءلت رُميساء بتعجب وهي تحاول تهدئتها بكوب ماء
” حد مين يعني.. في ايه يا بنتي..
تنفست روان الصعداء بصعوبة لتقول
” بصي.. من الآخر كده.. أنا شفت حد غريب واقف عند بيتكم و بعدين أول اما شافك خدك..
” شكله ايه ده ؟
“مشفتش شكله.. واحد واقف وخلاص مكنش ليه ملامح..
” عفريت !.. قالتها ثم أخذت تضحك و تهدئ روان، و الأخيرة تقسم أن ذلك المشهد زارها فجأة و خافت أن يكون أصابها مكروه..
ربتت رُميساء على ظهرها بحنو و قالت
” مش دايمًا الرؤى بتصيب يا روان.. و مش دايمًا بتتحقق زي ما شفنا بالضبط
” إلا الرؤى بتاعتي.. ربنا يسترها معاكِ.. أنا بجد خايفة أوي يا رُميساء..
” متخافيش يا روني.. أنا زي القرد قدامك أهو.. المهم احكيلي عامله ايه مع الأطفال يا ميس..
بعد أن هدأت روان، ظلت الاثنتين يتسامران حول بعض الأمور التي تخصهما، ثم بعد مرور عدة ساعات استأذنت روان للذهاب، اغلقت وراءها الباب بعد أن ودعتها رُميساء بعناق بدا كأنه الأخير، لتأتيها رسالة على صفحتها الشخصية بعد لحظات على الفيس بوك من شخص مجهول يريد أن يراسلها فوضعته على قائمة الحظر، بعد شهر يعود مجهول جديد لارسال رسالة لها تحتوي على فديو، قامت بتشغيله بتعجب حتى اتسعت عيناها من الدهشة، وهي تشاهد ” كريم” أول رجل و أول حُب في حياتها و الذي هو زوجها الآن، عاري الجسد بجانب فتاة شبه عارية.. وقع الهاتف منها و تحولت ملامحها للصدمة شاهقة ببكاء وهي تتابع الفديو الذي حالما ينتهي يبدأ من جديد.. بعد قليل جاءت رسالة أخرى من تلك الصفحة المجهولة محتواها النصي..
” قابليني في المكان ده **** و هفهمك كل حاجة ”
___________♡
بعد أن مر قرابة الشهر على ما حدث في الباخرة بين أُبَيِّ و راجي، و الذي اختفى الأخير و لم يعد يسمع أحد عنه شيء..
نظر أُبَيِّ بعشق لدبلة الخطبة التي تزين اصبعه بالفتاة التي أحبها حُب حقيقي و التي اثبتت له الأيام أنه لن يجد مثلها، و عليه أن يحافظ عليها حتى نهاية عمره..
قرب اصبعه من فمه ليضع قُبلة عميقة على الدبلة قائلًا
” يا أحلى هدية من ربنا.. ”
ثم استند بمؤخرة رأسه على الوسادة وراءه وهو يستعيد ذكريات ذلك اليوم..
~~~~~~
بعد أن قامت نورا بالتسجيل لراجي، انتظرت عودة أُبَيِّ من عمله لتذهب اليه في بيته و تخبره كل شيء، فيصاب أُبَيِّ بصدمة و ينخرط في حزن عميق جعل الدموع تخونه أمامها، مما تحزن نورا عليه و تملي عليه الخطة التي سفعلونها للقضاء على ذلك المنافق، لكن موافقة نورا على الخطبة من راجي لم يكن ضمن خطتهم، و ذلك ما جعل أُبَيِّ في كامل صدمته، حتى بعد أن قامت نورا بتشغيل المسجل أمام الجميع، كان أُبَيِّ لآخر لحظة يدعو أن يكون كل ذلك كابوس حتى لا يفقد صديق عمره..
و من ضمن الخطة أيضًا أن يقوم أُبَيِّ باستعمال جهاز فائق التكنولوجيا بحجم حبة الرز يبتلعه فيلتصق بالأحبال الصوتية و تخرج الكلمات غير متقطعة، كان ذلك آخر شيء يريد أن يستعمله أُبَيِّ، لأنه يحب الظهور على طبيعته حتى يتم التخلص من التعلثم عن طريق العلاج وليس جهاز إذا ضاع أو كُسر يعود للتعلثم ثانية، و لكنه استمع لنصيحة نورا بأن راجي سيسخر منه اذا تحدث و تلعثم أمام الجميع، و من المفترض أن من سيتم السخرية منه على مرأى و مسمع هو ” راجي ”
بعد أن انتهت تلك الأمسية و هرب راجي من أمام أعين الجميع، طلب أُبَيِّ من عمه مصطفى أن يزوجه ” نورا” و بالفعل وافق وتمت الخطبة دون مراسم احتفال بناء على رغبة نورا و أُبَيِّ في تأجيل المراسم لحين حضور قُصي و اعلان عقد قرانهما، فقد أخبرها أُبَيِّ بعمل شقيقه السري و طلب منها أن تحفظ ذلك السر للأبد؛ لأنه من الآن فصاعدًا ستكون هي محل اسراره ولن يخفي عنها شيء.
~~~~~
كان ” بـدر” قد أبلى بلاء حسنًا في الاستجابة لجلسات العلاج النفسي طيلة هذا الشهر و أصبح هو إمام مسجد حارتهم، و أيضًا تقدمت ” عائشة” في حفظ القرآن و لم تنسى زيارة جدتها و الاطمئنان عليها من الحين للآخر..
أثناء عودة بدر من جلسة العلاج، كان الظلام قد غطى الشوارع إلا من أضواء خفيفة تسطع من أعمدة الإنارة الهالكة، انتبهت حواسه لسيارة من الطراز الثمين تقف على حافة الطريق و بداخلها رجل يبدو عليه الشيب يغط في نوم عميق أو ربما فاقد الوعي.. !
اقترب منه بدر بتلقائية و أخذ ينادي عليه و بداخله توجس أن يكون ذلك الرجل حدث له مكروه..
هزه بدر عدة مرات فلم يستجيب، وضع يده يتحسس ضربات قلبه فوجده ما زال على قيد الحياة و لكنه فاقد الوعي، ركب السيارة و أزاح الرجل على الكرسي الآخر، ليقود هو تجاه المشفى مرددًا بخوف
” يارب سلم.. ربنا يسترها.. ”
وصل بالرجل لأقرب مشفى، و انتظر بالخارج بعد أن قام بدفع التكاليف، لتأتي احدى الممرضات تطمأنه على حالته، و تخبره أنه استرد وعيه..
دخل إليه بدر باسمًا ليقول بعفوية
” حمد الله على سلامتك يا حج.. دي مفاتيح العربية بتاعت حضرتك.. ”
بادله الرجل بعفوية و شكره بتعب ليقول
” قليلين ولاد الأصول في الزمن ده، و أنت منهم.. أنا اغمى عليا عشان مخدتش دوا السكر و لولا إن ربنا حطك في طريقي كان زماني دخلت في غيبوبة..
” ألف حمد الله على سلامتك..
” الله يسلمك يا بني.. تعرف إن سايب في العربية اتنين مليون دولار كنت رايح احطهم في البنك، و جالي خبر وحش من الصدمة انهارت و اغمى عليا.. حد غيرك كان استغل الموقف و سرقني.. لكن لأمانتك معايا.. أنا هديك مبلغ محترم..
رفض بدر بشدة قائلًا
” عيب يا حج.. أنا عملت كده لله.. الثواب عند ربنا مش عند العبد عشان أقبض تمنه..
أعجب به الرجل كثيرًا و تسائل في فضول
” أنت منين يا بني و اسمك ايه..
أجابه بدر، فعرف الرجل عن نفسه قائلًا ببشاشة
” أنا المهندس مرتضى العبد..
اتسعت أعين بدر بانبهار و قال
” حضرتك صاحب أكبر شركة تصنيع و توريد عربيات في مصر..
” مش في مصر بس.. عندي فروع في كذا بلد.. أنت بتشتغل ايه ؟
” ميكانيكي.. ”
طلب الرجل من بدر أن يوصله للفيلا خاصته، لأنه متعب ولا يستطيع القيادة، وافق بدر و في الطريق ظل الرجل يتسامر معه و عرف عنه كل شيء فقد كان يعرف والده الشيخ محمد الخياط عندما كان يعمل عنده قبل فتح ورشته الخاصة..
عاد بدر متجهًا لبيت جدة عائشة، و السعادة تملأ وجهه، فقد طلب الرجل منه و ألح عليه أن يعمل معه بشركته الخاصة، و وافق بدر و غدا سيذهب ليرى كيفية و طبيعة العمل بتلك الشركة التي كان يحلم بأن يعمل في واحدة مثلها..
في طريقه للعودة، مرّ على محل اكسسوارات و أعجب بخاتم أنيق وردي اللون على شكل فراشة، اشتراه ليكون هدية أول وظيفة له..
طرق الباب عدة مرات ليفتح بعد قليل شاب في أواخر العشرينات، حسن الهيئة، مليح الوجه يبتسم بود متسائلا
” مين ؟ ”
” أنت اللي مين ؟؟ ”
قالها بدر وهو يجوب بعينيه الصالة، لتستقر عينه على عائشة تخرج من المرحاض و تجفف شعرها المبلل بالمنشفة.. !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

‫24 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *