روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث 3 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الثالث

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثالث

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الثالثة

٣–” صدق ظنى بكَ ”
تصنمت ملامحها وأنعقد لسانها بعد سماع ما تفوه به نادر ، فهل حدث هذا حقاً ؟ وجدت عيناها تلقائياً ترمقه من وسط الجمع المحتشد بالقاعة
بتلك اللحظة التى تلاقت بها أعينهما سوياً ، كأنها على موعد مسبق ، أزدردت لعابها بخوف وهى ترسم بمخيلتها إقدامه على قتل زوجته ، فربما نادر محق بما قاله ، فهى تذكرت قسوة وصلابة أصابعه حول عنقها ، فهل من الممكن أن يكون قاتلاً ؟ هل ما زال لديها شك ؟ فهى كانت ستكون ضحيته ، فهى الأحق بأن تصدق ما سمعته
فكت عقدة لسانها فسألته هامسة:
– نادر أنت بتتكلم جد قتل مراته طب إزاى هو هنا دلوقتى ومش محبوس أو ازاى لسه شغال فى مهنته دى أنا مش فاهمة حاجة
حرك نادر كتفيه دليلاً على أنه لا يعلم أكثر من تلك المعلومة القصيرة ،التى أدلى بها لتوه :
– ولا أنا يا حياء أنا قولتلك سمعت كده فى المستشفى حتى كمان بيقولوا أنها أتقتلت فى إيطاليا أصل مراته كانت إيطالية مش مصرية ، وأن كل حاجة حصلت هناك بس ازاى هو رجع مصر أو فعلاً هو اللى قتلها زى ما بيقولوا وطلع منها زى الشعرة من العجين برضه معرفش ، ثم ده شئ ميخصنيش وأنا مالى
فحاول صرف تفكيرها عن الأمر ،فعاد لإستكمال إطراءه لها قائلاً:
– سيبك أنتى من الكلام ده كله قوليلى بقى ايه الجمال ده كله والشياكة والأناقة
تبسمت حياء تلك المرة على غير عادتها ،عندما يخبرها بإطراء لجمالها أو ملبسها ، تشعر بأن الجو بالقاعة أصبح خانقاً ، من الدخان الذى ملأ المكان والضجيج الناجم عن تحدث المدعوين وضحكاتهم العالية ، رأت من ينادى نادر فأبتعد هو ليرى ماذا يريد منه ذلك المنادى؟ الذى لم يكن سوى صديق له
تجولت حياء بعينيها بين الحضور ، رأت أبويها جالسان على طاولة برفقة عمتها وزوجها ، ولكن ملامح وجهيهما تدل على أن هناك خطب ما كالعادة ، فلم تشأ أن تقترب لتعرف ماذا يحدث بينهم ؟
ساقتها قدميها خلسة لخارج القاعة ،حتى وصلت للحديقة بالخارج ، رأت صغاراً يلعبون ،فجلست على أريكة خشبية تشاهد ما يفعلون ، كأنها تناست أن اليوم خطبتها ، وأنها لابد لها من أن تظل بالداخل ، ولكن هى هكذا ،إذا لم تفعل ما يطرأ على عقلها لن يكون مسماها حياء
– فى عروسة تسيب حفلة خطوبتها وتقعد تتفرج على الأولاد وهم بيلعبوا
وصلت تلك الجملة لأذنيها ، فأستدارت برأسها لترى من يحدثها ، فرأته يقف على مقربة منها يضع إحدى يديه بجيب بنطاله الأسود الملتصق به يبرز ساقيه الطويلتين
رمقته بهدوء ،فعادت تنظر أمامها تصفق بتشجيع لطفلة تحاول النيل من رفيقها بلعبة الغميضة :
– وأنت مالك أصلاً بالموضوع
أرتفع حاجباه تزامناً مع زم شفتيه ،سرعان ما إرتسمت إبتسامة متهكمة على جانب ثغره:
– على رأيك وأنا مالى ، بس كويس انك عملتى نفسك انك متعرفنيش قدام خطيبك علشان ميحصلش بينكم مشاكل أحسن نادر يفهم الموضوع غلط
قلبت عيناها بملل وزفرت من أنفها بضيق :
– وهو أنا أعرفك أصلاً ولا فى سابق معرفة يا دكتور راسل
على مقربة منها ،كان هو جالساً على الطرف الآخر من الأريكة الخشبية ، فوضع ساق على الأخرى ، فأحنى رأسه للخلف ، يغمض عينيه مغمغماً:
– أحسن ليكى أنك ميكونش فى بينى وبينك سابق معرفة أحسن تحبينى زى اللى قبلك وتبقى نهايتك زيهم
هذا أكثر ما تحتمله أعصابها الثائرة منذ رؤيته ، فأنتفضت من مجلسها صارخة به:
– إيه الغرور اللى أنت فيه ده أصحى لنفسك وأحترم نفسك وأنت بتتكلم معايا أنت متعرفش أنا مين وأبقى بنت مين ، أو ممكن أعمل فيك إيه ، لو كنت سكت عن اللى عملته فده علشان أعتبرت الموضوع سوء تفاهم ، لكن غير كده أنا كنت سجنتك بتهمة الشروع فى قتلى
رفعت يدها تشير بها أمام وجه محذرة إياه من مغبة الاستمرار في مخاطبتها بترفع وغرور لعين ، فأعاد رأسه المائل إلى وضعه الطبيعي ، فحدجها بنظرة متكاسلة من عيناه الشبه ناعسة ، وكفه يدلك مؤخرة عنقه كأنه يشعر بإرهاق
فغمغم قائلاً بتسلية :
– باين عليكى طيبة أوى يا أنسة حياء أو ساذجة
قبل أن تفه بكلمة أخرى ، أخرج هاتفه من جيبه ، بعد سماعه رنين وصول رسائل له ، ففتح الهاتف يقرأ الرسائل بإبتسامة تزداد إتساعاً مع كل كلمة يقرأها
ولا تعرف هى لما ظلت واقفة مكانها ،ولم تعود أدراجها للداخل
الضوء الصادر من الهاتف أنعكس على وجهه ، و أضفى عليه مظهراً شيطانياً ، وخاصة أن ذلك المكان المتواجدان به ، كانت مصابيح الإنارة غير مضاءة ، ولا يضيء المكان سوى ضوء خافت يأتى من بعيد
كأنه علم بتحديقها به ، فرفع وجهه عن الهاتف وهو يقول:
– إيه اللى مخليكى لسه واقفة هنا إلا إذا كنت عاجبك يا حياء حتى رجليكى مش مطوعاكى أنك ترجعى القاعة تانى ، القعدة معايا مسلية مش كده
– هو المكان ده مكتوب بإسمك وأنا معرفش دا أنت عديم الأدب والأخلاق فعلاً
نطقت بها حياء بإستياء واضح ، فهمت بالمغادرة ولكن سمعته يقول ببرود:
– وهو ده النوع اللى بيعجبكم لولا بس انك خطيبة دكتور شغال عندى كنت عرفت أرد عليكى بس …بطريقتى
فكم تتمنى هى الآن أن لو بيدها خنجر مسموم ، تطعن به قلب ذلك المتعجرف ، الذى أفسد عليها ذلك اليوم الذى أنتظرته بشوق ، فليس مجيئه فقط هو من جعلها تشعر بالسوء ، ولكن أيضاً غلظته ،و غطرسته ، فهى صدق ظنها به من أنه ليس بشراً مثل باقى البشر ، بل طاووس مغرور ،مصاب بداء العظمة والكبرياء ، الذى أوحى لها بأفكار إجرامية ، لم تكن تظن أن تفكر بها قبل رؤيته
تصنعت الهدوء وهى تجيبه:
– صدقنى لا أنت ولا عشرة من عينتك يقدر بس يفكر يلمس شعرة منى عارف ليه علشان الإيد اللى بتتمد عليا بكسرها ، ولولا أن يوم المستشفى كنت تعبانة صدقنى كنت عرفتك مقامك كويس
– وهو نادر ممدش إيده عليكى بأى شكل من الأشكال
قالها مستمتعاً بجعل مخزون صبرها ينفذ ، وخاصة من تلك الملاحظة المهينة التى أبداها لتوه
– أنت واحد حقير وسافل وحيوان كمان أتفضل يلا أمشى من هنا مش عايزة أشوف وشك
قالتها حياء وهى تشير بذراعها ناحية الباب الخارجى للفندق ، فزادت حرارة إنفعالها عندما وجدته يسترخى أكتر بجلسته فأستطردت بغضب:
– بقولك قوم أمشى من هنا يلا
قبل أن يفه بكلمة ، رأى نادر يحث الخطى على الإقتراب منهما ، وربما أصابه التعجب من رؤية حياء برفقة راسل بالحديقة ، وهو من كان يبحث عنها بالداخل
أقترب نادر منها قائلاً بتساؤل:
– حياء أنتى بتعملى إيه هنا عمال ادور عليكى علشان نلبس الدبل
فإلتفت لراسل معقباً:
– دكتور راسل حضرتك هنا فى حاجة ولا إيه
أكمل راسل تصفح هاتفه بغضب طفيف ، ولكنه إستطاع رسم إبتسامة باهتة قائلاً بصوت لامبالى:
– لاء مفيش حاجة بس جالى مكالمة والصوت فى القاعة عالى فخرجت ولقيت العروسة قاعدة هنا فكنا بندردش مع بعض شوية وبقولها أنها عرفت تختار واحد زيك يا نادر
رأت حياء سيمات السعادة على وجه نادر ، من إستماعه لإطراء راسل به ، فشفتيه أنفرجت بإتساع يسرع فى إبداء شكره وتقديره لمديره:
– متشكر جدا يا دكتور راسل على ذوقك وأنك شرفتنى النهاردة وحضرت حفلة الخطوبة
لايعلم هو أى سبب دفعه للمجئ اليوم ، فهو دائماً ما كان يبدى أسفه واعتذاره عن حضور مختلف المناسبات التى تخص أى شخص يعرفه ، معللاً ذلك بإنهماكه بالعمل
ولكن اليوم.. بعد ما كان أتخذ قراره بعدم الحضور ، وجد نفسه يرتدى ثيابه يلبى دعوة نادر له ، كأن قوى خفية دفعته للمجئ على غير عادته
فوجد مفاجأة أخرى بإنتظاره ، وهى أن تلك الفتاة التى كان على وشك قتلها بمشفاه ، متواجدة هنا وليس هذا فقط ، بل هى عروس تلك الليلة
قبل أن يسهب نادر فى مدح راسل كانت حياء معربة عن مقتها لما يحدث بكلماتها التى لا يعلم أحد ما تنطوى عليه ، سوى ذلك الرجل الجالس غير مبالياً بما يقوله نادر
– هو إحنا مش هنلبس الدبل يا نادر ولا هنقضيها شكر وإمتنان طول الليل يلا بينا
سبقته حياء بمشيتها ،لعله يتبعها ولكنه ظل مكانه ،كمن ينتظر الأذن بالانصراف فأغتاظت منه أكثر ، إستدارت برأسها فعلا صوتها بتبرم :
– إيه يا نادر ناوى تفضل عندك طول الليل
رفع راسل يده يشير لنادر بالانصراف قائلاً:
– روح يا نادر شكل خطيبتك متنرفزة وفى حاجة مضيقاها متخليهاش تتعصب أكتر من كده والنهاردة خطوبتها ومش لازم تتعصب فى يوم حلو زى ده
تبسمت حياء بسماجة وهى تستدير بكامل جسدها لهما :
– وهىيبقى اليوم أحلى لو كل واحد معندوش ريحة الدم يحترم نفسه ويعرف أنه مش مرحب بيه وياريت يمشى علشان اليوم يحلو أكتر لأن فى معازيم كتير رخمين ومش عايزة أشوف وشهم
أعتلت ملامح وجه راسل جدية مصطنعة ، وإبتسامة أشد سماجة من تلك التى ترسمها على وجهها ،فحمحم قائلاً بصوت رصين :
– عندك حق فعلاً ولو حد ضايقك قولى لنادر مش بقى خطيبك والحارس الأمين عليكى
وقف نادر بالمنتصف لا يفقه شئ مما يقولونه ، ولكن شعر بوجود شئ مبهم ، فمن يستمع إليهما يظن أنهما خصمان يحاول كل منهما النيل من الآخر
ولكنه يعلم أن حياء لم تقابل راسل من قبل ، فعلام كل هذا العداء بينهما ؟ وخاصة أن تلك هى المرة الأولى التى يستمع لحياء ويبدو عليها إمارات الغضب وهى بالعادة فتاة هادئة ومهذبة
حاول أن يفهم ما يجرى بينهما وهو لا يعلم فتساءل موجهاً حديثه لحياء:
– حياء هو فى إيه هو انتوا تعرفوا بعض من قبل كده
نهض راسل عن الأريكة الخشبية ، يستقيم بوقفته قائلاً بهدوء وبرود:
– لاء منعرفش بعض ومكنش ليا الشرف قبل كده أن أعرف الآنسة و…
بتر جملته بعد إستماعه لرنين هاتفه ، فأخرجه من جيبه مبتسماً ،ووضع على أذنه:
– حبيبتى..أيوة يا روحى هجيلك دلوقتى مش هتأخر عليكى سلام
أنهى المكالمة ،ووضع الهاتف بجيبه ، قائلاً وهو يهم بغلق أزرار سترته :
– مبروك يا نادر أنا لازم أمشى دلوقتى كان نفسى أكمل حفلة الخطوبة بس عندى مشاغل كتير تتعوض إن شاء الله يوم الفرح سلام واه مبروك مرة تانية يا عروسة خطوبة سعيدة إن شاء الله يا أنسة حياء
رحل راسل بعدما عكر صفو مزاجها ،فغمغمت حياء هامسة وهى تراه يعبر من البوابة للخارج :
– فى ستين داهية تاخدك يا دكتور راسل إن شاء الله
جرت ساقيها للداخل ،قبل أن يقدم نادر على سؤالها عما يحدث ، فلحق بها وبدأت مراسم الخطبة ، وضعت خاتماً ذهبياً بإصبعها ،تحدق ببريقه الذى كان يشبه بريق سعادتها عندما أفاقت من نومها اليوم ، تسبح بمخيلتها أنها ستقضى يوماً لن يضاهيه يوم آخر سوى يوم الزفاف
ولكن تبدل حالها منذ رؤية ذلك الرجل المغرور ، والذى هدم أمانيها اليوم ، فشعورها كمن أصيبت بالسقم فى يوم العيد
______________
بصباح يوم جديد ، وبذلك القصر المنيف ، كأنه لأحد الأسرات الملكية ، ولما لا ومن يمتلك هذا القصر هو ” رياض النعمانى ” أحد كبار رجال الأعمال بالمجتمع السكندرى ، وليس هذا وحسب بل يمتد نفوذه وثراء داخل وخارج مصر أيضاً
رجل يهابه الجميع له نفوذ ربما يفوق نفوذ السلطات الحكومية ، بل أحياناً كثيرة يحل محل القانون بفض الاشتباكات التى تحدث بين رجال الأعمال بمختلف مصالحهم ، فيقصده كل من له شكوى من جور أو ظلم أحد بحقه ، فيشهد له الجميع بالحكمة والعدل
جلس بالحديقة يستند على عصاه ، ينحنى قليلاً يستند بذقنه على يديه المضمومتين على رأس العصا المتخذة شكل ليث يزأر ، يتفحص بعيناه التى مازالت حادة البصر ، بالرغم من سنوات عمره الثمانون ، مجموعة من الجياد التى تعدو على أرضية الحظيرة التى خصصها للفصائل النادرة من الخيول ، فما زالت تلك هوايته منذ أن كان شاباً صغيراً
يبتسم كلما رأى جواد يصهل بصوته القوى ، يعلن عن جموحه وقدرته فى العدو ، كأنه يدعوه ليمتطيه ، ولكن تلك الأيام قد ولت ، فقد نال منه الكبر والمشيب
– صباح الخير يا جدو
سمع تلك التحية الصباحية فإلتفت خلفه ، وجد تلك الشقراء ذات الرابعة والعشرون ربيعاً ، تهرول إليه بخطوات سريعة ، حتى أقتربت منه وأنحنت إليه تطوقه من الخلف تقبله على وجنته
فرفع يده يربت على وجهها بحب وهو يقول :
– صباح الورد على ست البنات واجمل بنت فى إسكندرية ومصر كلها وهتبقى أشطر دكتورة كمان
تعالت صوت ضحكتها وهى تجلس بمقعد مجاور له فهو دائم الإطراء لها ، وخاصة أنه دائماً ما يخبرها بشأن جمالها الذى ورثته كاملاً عن جدتها الراحلة والتى كانت زوجته حتى أنقضى أجلها منذ سنوات طوال ، ربما قبل مولد تلك الفتاة بعدة أعوام
وضعت إحدى كفيها أسفل فكها قائلة بمكر :
– أممم أيوة أنت بس بتحبنى علشان شبه تيتة يا جدو يعنى بفكرك بالمزة بتاعتك الله يرحمها
تبسم على قولها وهو يقول بحنين :
– الله يرحمها مقولتليش بقى يا أنسة ميس عايزة إيه فى عيد ميلادك السنة دى كل سنة وأنتى طيبة يا حبيبتى
حكت جبهتها بتفكير :
– وأنت بألف خير مش عارفة يا جدو أنا تقريباً مفيش حاجة عيزاها غير أن أشوفك بخير ومالى علينا حياتنا
مد يده يقرص وجنتها :
– اه يا بكاشة أضحكى عليا بكلامك زى عوايدك المهم أى حاجة عيزاها قوليلى عليها و هى تبقى رهن إشارتك
– أيوة أفضل دلع فيها كده يا عمى ومحدش يعرف يمشى عليها كلمة
قالتها تلك المرأة التى أقتربت منهما ، وهى تحمل قدح القهوة الخاص به ، فوضعته على المنضدة الصغيرة أمامه ، وجلست هى الاخرى
نقر رياض بعصاه الأرض وهو يقول بحنان :
– ولو أنا مدلعتهاش يا سوزانا مين هيدلعها دى حبيبة قلبى
أخذت ميس يد جدها تقبلها وهى تقول :
– ربنا يباركلى فيك يا جدو سمعتى بقى يا ست ماما دا تصريح مش من أى حد دا من رياض النعمانى بذات نفسه
أثناء جلستهم الودية ، والتى لم تخلو من الفكاهة من ميس ، حضر ” عاصم ” شقيق سوزانا وأيضاً إبن شقيق رياض الوحيد ، الذى توفى بالماضى وترك ” عاصم وسوزانا ” بعهدته ونشئوا سوياً برفقة إبنه ” وجدى ” الذى توفى أيضاً بعد مولد ميس بثلاث سنوات
فهناك جانب مظلم حزين وبائس بحياة ذلك الرجل فاحش الثراء ، وهو أنه خسر كل أحباءه الواحد تلو الآخر وبدأ الأمر بشقيقه تليه زوجته ويليها ولده ، ولكن وجد سلواه بأبناء شقيقه وبحفيدته
تقدم عاصم يقبل يد عمه مثلما هو معتاد أن يفعل عندما يراه ، وقبل شقيقته وإبنتها التى أبتهجت برؤية خالها وتلك الهدية التى يحملها معه من أجلها
فصاحت ميس بسعادة :
– ميرسى أوى يا خالو على الهدية
وضعت القرطين الماسين بأذنيها وهى تبتسم ، فأدنت برأسها من والدتها وهى تقول مستطردة :
– شوفتى يا ماما الحلق جميل أوى ذوق خالو تحفة أنا عارفة ما أتجوزش ليه لدلوقتى دى مراته كانت هتفرح أوى بذوقه
وكزت سوزانا كتف عاصم قائلة :
– شوفت حتى ميس قالت رأيها فى إضرابك عن الجواز لحد دلوقتى دا أنت عديت الأربعة وخمسين سنة يا عاصم
جحظت عين عاصم من ملاحظة شقيقته بإقدامها على ذكر عمره ، وهو من يراه ربما لن يصدق ذلك ، فجسده المتناسق كشاب مازال ببداية الثلاثينات ، ووسامته الظاهرة للعيان ، لا تجعل أحد يستطيع التكهن بسنوات عمره
فرمقها عاصم بغيظ :
– الملافظ سعد يا سوزانا ويا حبيبتى السن ده رقم فى البطاقة لكن الشباب شباب القلب ثم متقوليش كده أنتى ناسية ان أنا أكبر منك بسنتين بس يعنى أنتى ….
– خلاص أسكت يا عاصم ياريتنى ما قولت
قالتها سوزانا ، لتنفجر ميس ضاحكة من تلك المشاجرة اللطيفة التى ربما تحدث عندما تجتمع والداتها بشقيقها
تبسم رياض بوقار :
– طب يلا بقى يا سوزانا أنتى وميس علشان عايز عاصم نشوف شغلنا
إمتثلت سوزانا وميس لأمره ، تاركين إياه فى الشروع بالاستماع لعاصم الذى مد يده له بعدة أوراق خاصة بالعمل وبتلك الصفقات التى من المفترض عقدها ، فعاصم هو من يتولى زمام الأمور الآن بإدارة الأعمال بعد إصابة رياض بوعكة صحية مؤخراً ، فهو يدير الشركات بقبضة من حديد ، مثلما كان يفعل عمه بسابق عهده ، وأزدهرت الأحوال المادية نتيجة جهده وخبرته التى إكتسبها من رياض منذ أن كان يعمل برفقته وهو بعمر الخامسة عشر بجانب تحصيله الدراسي
______________
وضعت إسعاد يدها على وجنتها ،وهى جالسة أمام شرفتها المطلة على الشارع ، تنتظر عودة إبنتها بعدما أخبرتها بشأن ذهابها لقضاء بعض شئونها من شراء ثياب جديدة ، سمعت صوت جرس الباب ، فتركت مكانها لترى من القادم
فتحت الباب فأرتجف جسدها عندما رأت زوجها على الباب ، كمن رأت شبحاً مخيفاً ،فهى مازالت ترهبه كعادتها دائماً
فتلعثمت حروفها تلعثماً ظاهراً:
– ححسان ههو أنت
قطب حسان حاجبيه ،فأرتسمت تجعيدات بجبينه ، فرفع يده يتلمس شاربه الكث قائلاً بصوت غليظ:
– فى إيه يا ولية مالك شوفتى عفريت يعنى ومالك بتتلجلجى فى الكلام كده ليه
أبتلعت ريقها كأنه جمر الجحيم ، فحاولت رسم إبتسامة واهية على شفتيها التى أصابها الارتجاف كعادتها دائماً عندما تراه :
– لا أبدا يا حسان مفيش حاجة
ازاحها من أمامه يكمل طريقه للداخل ، فجلس على أحد الأرائك ، ورفع قدميه أمامه على الطاولة الصغيرة ، يشير لها بالتقدم منه ،كإنها إحدى جواريه
– تعالى يا إسعاد
بخزى وعار كانت قدميها تلبى نداءه لها بالاقتراب ، فوقفت على مقربة منه ، فتحسس بيده مكان بجواره قائلاً:
– تعالى أقعدى جمبى
جلست إسعاد حيث أشار لها بالجلوس ، تضم يديها تفركهما بتوتر وخوف من مجيئ ولاء ، وينشب بينها وبين أبيها مشادة كلامية ،ستتلقى على أثرها ضرباً مبرحاً منه
بإقدامه على جذبها إليه ، كان باب الشقة يُفتح تلج منه ولاء وهى تصيح باسمة:
– ماما أنا جيت
قبل أن تفه بكلمة أخرى ، كانت عيناها ترصد أبيها الجالس بإرتياح وليس هذا فقط بل ربما كان سيبدأ وصلة جديدة من وصلات الود المهين بينه وبين والداتها
سقطت الحقيبة من يدها ، فدمعت عين إسعاد متأسفة على ما سيؤل إليه أمرها بعد قليل ، عندما تبدأ بهجومها الضارى على والدها ، وربما ستلقى نصيبها هى الأخرى
– أنت بتعمل إيه هنا مش كنت هنا من كام يوم مش عوايدك رجلك تجيبك هنا على طول
لم تكن تتخيل أن تتحدث هكذا بهدوء ، وهى من ترى شياطين العالم تتراقص أمام عينيها عندما تراه
بتحدى سافر كان يضم إسعاد إليه ، كمن يثبت لها أنه مازال الحاكم الأمر بهذا المنزل ، وأن والداتها ستظل خانعة وخاضعة له ، ذلك الخضوع الذى لم تتقبله ولاء منها أبداً ،فكم من مرة حثت والداتها على طلب الطلاق منه أفضل من أن تظل زوجة له لا يأتى إليها إلا وقت الحاجة
داعب شاربه كمن يحمل صكاً للرجولة قائلاً :
– هو مش ده بيتى برضه ودى مراتى وأنتى بنتى بلاش يعنى أجى أطمن عليكم
ركلت ولاء الحقيبة تزيحها من طريقها ، كأنها هى التى تحول بينها وبينه ،فهدرت بنزق:
– أنت مش هتخلصنا من الاسطوانة المشروخة بتاعتك دى هات من الأخر إيه سبب الزيارة السعيدة ده يا والدى العزيز
بدفعة جافة كان يبعد جسد إسعاد الملتصق به ، يعتدل بجلسته يرمق إبنته بإبتسامة جانبية:
– ماهى دى أخرة تربية النسوان طالعة لسانك طويل وقليلة الأدب وأنتى بتردى على أبوكى هو ده اللى أتعلمتيه فى المدارس والجامعة يا مؤدبة
عقدت ولاء ذراعيها أمام صدرها ، تنفخ بضيق شديد وهى تتمتم:
– إستغفر الله العظيم ، ماهو لو كنت فاضى كنت ربتنى بس نعمل إيه جريك ورا النسوان وماشيك العوج ومش بتتقى ربنا فى عمايلك هو اللى خلانى قرفت أنك أنت أبويا….
بصفعة مدوية كان يخرسها كالعادة قبل أن تكمل قولها ، صرخت إسعادة صرخة عالية ، سرعان ما كممت فمها بيدها عندما إلتفت إليها محذراً إياها بعيناه من أن تنبت ببنت شفة
فتبسمت ولاء من بين دموعها ،تمسح بظاهر يدها الدماء التى طفرت من شفتها السفلى بإحتكاك خاتم والداها بها من صفعه لها:
– أضرب كمان ماهو ده اللى أنت شاطر فيه أنك تستقوى عليا أنا وأمى
جذبتها إسعاد إليها ، بعدما رأته يرفع يده يتأهب لصفعها ثانية ، فضمتها لصدرها تستجديه وهى باكية :
– خلاص كفاية أبوس إيدك متضربهاش تانى هى متقصدش حاجة من اللى قالته كفاية يا حسان
ظلت ترمقه بمقت ، وهى دافنة نصف وجها بصدر أمها ، فهو لم يدع لها شئ حسن يجعلها حتى تتقبل كونه أبيها ، فمنذ أن أبصرت النور ، لم ترى منه سوى قسوة وجفاء بحقها وحق والداتها وشقيقتها الراحلة التى لم تتحمل قسوته وغلظته ، فأسرعت بإنهاء حياتها بيدها قبل أن يفعل هو
إرتسمت صورة شقيقتها التى كانت كالزهرة الجميلة ، فهى كانت بعمر العاشرة عندما اقتحمت على شقيقتها غرفتها كالعادة عندما كانت تريد منها أن تبدى رأيها بإحدى رسوماتها الطفولية ، فوجدتها تتوسط فراشها الصغير ،يتدلى ذراعها من طرف السرير ،والدماء تقطر منه على الأرض ،فكانت الأرض كبركة من الدماء ، ولكن كل ما تتذكره أنها أقدمت على فعل ذلك بسبب شئ كان يريده هو منها ولكن لم تعلم هذا الشئ حتى الآن
فتلك الذكرى طمست على عقلها وقلبها ، تجعلها لا تتذكر سوى أنه كان المتسبب بموت شقيقتها ، فإن علمت أو لاء لن يفيد ذلك بشئ ، فشقيقتها أنتحرت وقضى الأمر
أخذتها إسعاد معها إلى غرفتها وهى مازالت تضمها تحت جناحها المهيض ، فأبعدتها عنها قليلاً ودموعها تتسابق فى إبداء أسفها:
– معلش يا حبيبتى والله ما كنت أعرف أنه جاى النهاردة خليكى هنا لحد ما يمشى متخرجيش من الأوضة علشان ميعملش فيكى حاجة تانى أو يضربك
أبتعدت عنها ولاء وجلست على طرف الفراش ، فأطرقت برأسها أرضاً تندب حظها بأن جعل رجلاً كهذا والداها
فعلا صوتها قائلة بنحيب :
– أنتى ليه مستحملاه أطلبى منه الطلاق وخلصى نفسك وخلصينى معاكى أنا بكرهه بكرهه
أنسابت دموع إسعاد على وجنتيها فدمدمت بقهر :
– ياريت كنت أقدر يا ولاء بس أنتى مش عارفة حاجة ولا فاهمة حاجة
خرجت إسعاد من الغرفة تغلق الباب خلفها ، قبل أن تسألها ولاء عن مغزى قولها ،نظرت بالصالة فوجدتها خالية ،فظنت أن زوجها قد رحل مثلما أتى ، ولكن وجدت باب غرفتها مفتوح ، فأقتربت من الباب فنظرت بالداخل وجدته مستلقياً براحة على الفراش ،كأنه بإنتظارها أن تأتى بعد أن تأدى مهمتها بإسكات إبنتها كحال كل مرة يأتى إليها
دفعت الباب بيدها ، وظلت واقفة على عتبة الباب تنظر إليه بصمت قاتل ، فإشارة من يده أو بالأحرى من إصبعه ، جعلتها تلج بخطى مرتجفة تغلق الباب خلفها ، كمن حانت لها لحظة إلقاءها بنيران مستعرة ، بجحيم ستظل تتلظى بنيرانه ربما لما تبقى من عمرها
فما أن تنتهى زيارته لها كأنها محطة للراحة يلجأ إليها بمنتصف الطريق ، يذهب وربما تمر أيام وأشهر ولا ترى له وجه ،حتى يحين موعد زيارته التالية لها
______________
منذ ذلك اليوم الذى حضر به الخطبة ، وهوكلما يتذكر تلك المشادة الكلامية بينهما يجد شفتيه تنفرج بإبتسامة ، لا يعلم ما الداعى لها وهو من المفترض أن يتأكله الغيظ والغضب ،على أن تلك الفتاة أسهبت فى إزدراءه ، ولكن ما يشفع لها عنده ، ذلك الوجه الذى تملكه ، فهو يشبه وجه تلك التى فقدها بماضيه ، ففتح أحد أدراج مكتبه ، وأخرج منه تلك الصورة ، وظل يتأملها عدة لحظات ، قبل أن يعرب عن دهشته فى أن كيف تحمل حياء ذلك الشبه بينها وبين تلك التى بالصورة ؟
أغمض عينيه وأستند برأسه على حافة مقعده ، واضعاً طرف الصور بين شفتيه ، ولكن شعر بملمس يدين ناعمتين على عينيه تحجب عنه الرؤية
فسمع صوت أنثوى يهمس بأذنه :
– أنا مين
إبتسم راسل على فعلتها يتصنع الجهل :
– أممم يا ترى أنتى مين يا ميس
سحبت ميس يديها من على وجهه ، فإستدار إليها بمقعده ، فدمدمت بغيظ :
– أنا نفسى أعرف بتعرفنى إزاى يا راسل دا انا دخلت مكتبك من غير صوت وأنت شكلك كنت نايم بتعرفنى إزاى بقى
ضحك ملأ فاه قائلاً بصوت رخيم :
– لأن مفيش حد يقدر يعمل الحركة دى غيرك يا حبيبتى أنتى وسجود بنتى وطبعاً سجود صوتها لسه مبقاش بالحلاوة دى فعلشان كده بعرفك على طول
جلست على حافة المكتب مقابل له تهز ساقيها :
– يا سلام
لمح ثوبها القصير وخاصة وهى تهز ساقيها البيضاوين فرمقها بغضب :
– إيه الفستان اللى أنتى لبساه ده مش قولت متلبسيش قصير كده تانى يا ميس هو كلامى مبيتسمعش
كفت ميس عن هز ساقيها تنظر إليه بوجل :
– ماهو أصل يعنى النهاردة بقى عيد ميلادى وهربت من البيت ولبست أول حاجة لقتها فى الدريسنج علشان أجى أشوفك قبل الحفلة بتاعت بالليل وعلشان أشوف جبتلى إيه السنة دى وخصوصاً انك مش بترضى تيجى تحضر عيد ميلادى
إرتكز بمرفقيه على طرف المكتب قائلاً بجدية :
– أنتى عارفة مليش فى جو الحفلات ده وعلى العموم هديتك أهى يا ستى كنت عارف أنك أكيد هتيجى النهاردة علشان كده جبتها معايا من البيت
ترك مكانه وأخرج من تلك الخزانة الصغيرة علبة كرتونية كبيرة ، فناولها إياها ، فأخذتها منه باسمة ، تسرع فى فتحها لترى هديته لها ، فأخرجت ثوب رائع باللون الأخضر متناسقاً مع لون عينيها التى يشتد لونها أكثر إخضراراً عن لون الثوب
فصاحت بإعجاب ظاهر :
– واوووو الفستان جميل أوى يا راسل أنا هلبسه النهاردة فى الحفلة ميرسى يا حبيبى
تركت الفستان وأقتربت منه تقبله على وجنته ، فما كان منه سوى أن أحتواها بين ذراعيه يربت عليها وهى متشبثة به
أبتعدت قليلاً عنه قائلة بإهتمام :
– راسل أنا عايزة أجى أدرب عندك هنا فى المستشفى قولت إيه
داعب طرف أنفها ممازحاً :
– بس كده الجميل يؤمر وأنا اللى هدربك بنفسى مع أن مبعملهاش بس علشان خاطرك أنتى أنا عندى كام ميس يعنى علشان لما تتخرجى السنة دى تقولى أنك خارجة من تحت إيد دكتور راسل
– والله أحلى دكتور ده ولا إيه يا ناس يتاكل أكل من كتر حلاوته
قالتها ميس وهى تلملم الثوب بالعلبة تتأهب للذهاب إلى منزلها
فلوحت له بيدها قائلة قبل أن تخرج :
– سلام يا راسل أنا همشى لأن زمان ماما بتدور عليا دلوقتى ومن بكرة هجيلك علشان التدريب وعلشان فى حاجات تشرحهالى علشان عايزة أكون جراحة شاطرة زيك يا حبيبى
أماء راسل برأسه إيجاباً على ما قالته ، فخرجت تغلق الباب خلفها ، فعاد ووضع الصورة بمكانها ، وخرج من غرفة مكتبه ، للمرور بين المرضى ويستأنف عمله ، بعد تلك الراحة القصيرة التى أتخذها بعد خروجه من غرفة الجراحة ، التى يقضى بها وقتاً طويلاً من ساعات تواجده بالمشفى
______________
بيوم مشمس على خلاف العادة بأيام الشتاء قارصة البرودة ، كانت تجلس حياء على الشاطئ القريب من المنزل ، ترى الزوارق التى تتمايل على سطح الماء ،كأنها راقصات تتمايل بغنج ودلال ،تحث الطيور على التحليق فوقها ،كأنها جمهور حاضراً من أجل حفل راقص
فتحت حياء الكتاب الذى حملته معها من البيت لقراءته ، بتلك الخلوة التى صنعتها لنفسها للهروب من ضجيج العاملين بالمنزل من أجل تجهيز عش الغرام الذى سيجمعها بنادر قريباً
أنهمكت بقراءة الكتاب ،حتى أنها لم تستمع لتلك الخطى التى تقترب منها ، فأجفلت عندما سمعت ذلك الصوت يناديها :
– أزيك يا حياء أخبارك إيه

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *