روايات

رواية مملكة سفيد الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد البارت الثاني والأربعون

رواية مملكة سفيد الجزء الثاني والأربعون

مملكة سفيد
مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة الثانية والأربعون

كانت تقف في المنتصف وهي تحدق في الأوجه حولها، الأجساد التي تدور حولها بتحفز شديد رغم جهلهم لهويتها بسبب لثامها الذي يخفي نصف وجهها تقريبًا، وهي ابتسمت بسمة ظهرت في عيونها، تراقب نظراتهم تلك لتنتزع اللثام الخاص بها تقول بحماس مصطنع :
” يا ويلي لا تخبروني أنكم لم تتعرفوا عليّ، هذه أنا زمرد ”
نظر بعضهم للبعض، البعض بصدمة لمعرفته هويتها والبعض الآخر بجهل لها، فهم للتو فقط سقطوا في هذا الوحل ولا يدركون من تكون تلك المرأة التي رسمت كل هذه الصدمة على أوجه الباقيين ؟!
اتسعت بسمة زمرد تقول بقلة حيلة :
” وإيفان ينصحني بوأد شيطاني ”
حركت يدها تمررها على الجميع وهي تقول بسخرية :
” آهٍ لو يرى هذه القذارة التي تبصرها عيوني، لمدني بالأسلحة بيديه حتى اتخلص منكم ”
تحدث أحد الرجال وهو ينظر للباقيين مستفسرًا :
” من هذه المرأة التي تتجرأ وتتحدث معكم بهذه الطريقة ؟! ”
رفعت زمرد حاجبها وتعجبت من ذلك الرجل الذي تبصره لأول مرة، تنفست تقول بصوت منخفض :
” وافد جديد؟ يا الله تتكاثرون كالحشرات، ما الذي تفعلونه هنا في سفيد بعد كل ما حدث لكم ؟؟”
تقدم أحد الرجال يقول بصوت جاد:
” جئنا نقتص منكم ومن الجميع لنستعيد أرضنا ”
تشنجت ملامح زمرد بقوة وهي تمرر عيونها عليهم قبل أن تهمس بصدمة حقيقية :
” أرضكم ؟؟ حقًا ؟؟ هل تصدق ما تقوله ؟؟ ”
نظر لها الرجل بإصرار مخيف جعلها تتراجع مصدومة من تلك النظرات في عيونه، لقد كذب القوم كذبتهم وصدقوها، اقنعهم بافل أنهم أحق بأرض _ لا علاقة لهم بها_ من أهلها .
” هل تمزح معي ؟! يا قوم أنتم لا وطن لكم، أنتم منبوذون، ليس من أهل البلاد فقط، بل من البلاد نفسها، البلاد نبذتكم، من أين أيتت أنت ببلادكم تلك، ما هذه الكلمة الشاذة المريبة ؟؟”
كانت تتحدث ببسمة غير مصدقة في اللحظة التي وصل بها دانيار لهم ليبصر تجمهر عدد من الرجال حولها فتحركت يده ليحمل المزيد من السهام يضعهم داخل قوسه يقول بجدية :
” ابتعدوا عنها ”
استدارت له زمرد تراقبه يرفع سهامه كلها في وجوه الجميع بشكل مريب وهي فقط تحدق في الجميع قبل أن تقول :
” تعال واسمع تلك النكات التي يطلقها القوم ”
حرك دانيار سهامه على الجميع، وهو يمرر عيونه عليهم بنظرات جامدة دون بسمة صغيرة حتى :
” لا اعتقد أنني أحب سماع النكات من هؤلاء القوم أو حتى التحدث معهم، تحركي خلفي ”
نظرت له باعتراض ولم تكد ترفض طلبه، حتى رمقها هو بصرامة جعلتها تتحرك، لكن وقبل أن تفعل امسكها أحد الرجال بسرعة يجذبها صوبه مخرجًا سيفه :
” أتظن الأمر بهذه السهولة ؟! لقد رأيتمونا وهذا سبب كي لا نتركك ترحل وإياها ”
همست له زمرد بحنق :
” صدقني تركك لنا احياء بعد رؤية وجهك اكبر عقاب قد تسقطه علينا ”
ابتسم دانيار يدفع أحد الرجال الذين يشكلون حلقة حول زمرد جانبًا، لكن وبسبب دفعته الغير متوقعة والتي باغت بها الرجل، سقط الاخير ارضًا وبقوة، ثم خطى دانيار للحلقة وهو يقف أمام ذلك الرجل الذي يهدد زمرد بسيفه، وقبل أن يتحدث بكلمة واحدة كان سهمه قد أصاب يد ذلك الرجل ليطلق صرخة مرتفعة يعود للخلف، ودانيار أشار بعيونه لزمرد أن تقترب :
” ومن أخبركم أننا سنترككم ونرحل احبائي ؟! ليس بهذه السهولة ”
ختم حديثه ثم جذب أربعة سهام يشير لزمرد بالتحرك خارج الزقاق حيث الحراس الذين أمرهم بالترقب، ومن ثم توقف هو يقول ببسمة :
” والآن ما رأيكم أن نتحدث حديث رجال ؟!”
صمت يدير عيونه بين الجميع ثم أكمل ببسمة أوسع :
” على الاقل من طرفي ”
نظر الرجال لبعضهم البعض قبل أن يتحدث أحدهم وهو يشير للرجال ألا يسمحوا لهم بالتحرك :
” لا تدعوا أحد يتحرك من هنا ليس بعدما ابصرونا ”
تنهد دانيار يقول بجدية وهو يشير للجندي :
” خذ الأميرة بعيدًا عن هنا وأنا سأنتهي من كل هذا والحق بكم ”
نظرت له زمرد باعتراض، لكنه قاطع كل تلك النظرات يقول بغضب شديد :
” تحركي معه ”
تدخل أحد الرجال وهو يحاول منعها من الرحيل :
” أخبرتك أن أحدًا لن يتحر…”
وقبل أن يكمل جملته كان سهم دانيار يتوسط ذراعه وهو يتحدث بصوت مرتفع آمرًا :
” اخبرتك خذ الأميرة وارحل من هنا ”
وبالفعل أشار الجندي لزمرد بالتحرك، لكن زمرد أبت أن تفعل وتترك دانيار وحده، لولا نظرة دانيار لها التي جعلتها تتحرك مكرهة، وهي تفكر في الرحيل لتحضر أي سلاح تراه، فهي عزلاء لن تنفعه، تحركت ببطء مع الجندي الذي أشار لها بالتحرك سريعًا، بينما دانيار راقبها حتى تحركت مع الحارس الذي أبعدها عنهم وكان آخر ما رأيته هو دانيار الذي أخرج سهامه ..
نظرت أمامها، تشعر أنها ترتكب خطأ كبير برحيلها، لذا أسرعت الخطى وهي تنظر حولها في كل مكان تبحث عن الحراس المنتشرين عادة في الأسواق بين الطرقات .
لكن ما أبصرت منهم أحد، ظلت تنظر حولها بجنون وهي تحاول إيجاد أثر لهم حتى شعرت بالتوتر يتملكها لتتحرك بعصبية شديدة صوب أحد محلات الأسلحة تنتزع منه سيف، ثم هرولت متجاهلة نظرات البائع المصدومة وهو يصرخ بأعلى ما يمتلك من صوت :
” لصة…أمسكوا تلك اللصة ”
__________________
كان يتحرك بحصانه صوب الحدود وبسرعة كبيرة، منذ الصباح عقد العزم على التحرك للبلاد كي يعتني بشؤونها قبل أن يعود لمتابعة أمور الحرب .
خطى أرسلان للبلاد ليقابله اول ما يقابله اطلال بعض المنازل التي تقع على الحدود، المحطة الأولى التي طالها أذى هؤلاء الخنازير .
هبط عن خيله وقد ارتأى أن يكمل الطريق سيرًا على الأقدام، يتأمل مشاهد الدمار التي لم تبرأ بلاده منها بعد.
ربما تخلصوا من المرض، لكن آثاره لم تمح بعد .
تحركت عيون أرسلان على كل تلك المنازل الشبه محترقة، وتلك الثياب البالية، والالعاب المحطمة و…بقايا الأجساد التي علقت بين الركام، مشاهد لم ينزع عيونه عنها بغية حفظ كل تفصيلة صغيرة بها.
تقدم أرسلان من ركام أحد المنازل وجلس جواره يستند على بقايا الجدار الذي ضم يومًا من الايام عائلة كاملة، عائلة امتلكت من الاحلام الكثير، لكن يبدو أن الموت كان اسرع من أحلامهم
هو لم يبصر موت تلك العائلة أو غيرها من الأسر التي راحت ضحية قذرين استحلوا لأنفسهم بلاد ليست ببلادهم ودماء؛ القطرة منها اطهر من كامل أجسادهم كاملة، لكنه سيتخيل ما حدث، يمكنه أن يبني صورة عما حدث مما يرى أمامه .
طفل يلعب أمام منزلة ببعض الالعاب البلاستيكية، وام تخرج الثياب في صبيحة يوم مشرق كي يجف بعد الانتهاء من غسله، وأب يتجهز ليتحرك صوب عمله، فتاة تقف في مطبخ منزلها تعد الفطور للجميع قبل أن ينصرف كلٌ لعمله .
صوت ضحكات الصغير تنافس صوت صراخ الام صخبًا، صوت تأفف الاب واستغفاره يعلو في المكان، والابنة تتحرك تصرخ بشقيقها الأوسط أن يستيقظ للفطور، اصوات صاخبة يضج بها المنزل ومن ثم ..
صمت تام عم في الأجواء، صمت جاء يفسح الطريق للعاصفة؛ صمت يعقبه صرخات مرتفعة من الخارج، صرخات جهل الجميع سببها، وقبل أن يتحرك الأب ليرى ما يحدث أو تهرول الأم لتجذب صغيرها بعيدًا عن تلك الضوضاء، وقبل أن يفتح الشقيق الأوسط عيونه، أو تركض الفتاة للنافذة، وقبل أن يفكر أحدهم في أخذ خطوة واحدة لمعرفة ما يحدث أو لأخذ ساتر كان كل شيء يُباد على بكرة أبيه ..
وتلاشت ضوضاء العائلة ليحل محلها ضوضاء الجميع حولهم والنحيب والصراخ والذهول وهم يبصرون الأجساد تذوب من الانفجار …
مشهد رسمه عقل أرسلان ببراعة بناءً على ما يرى من بقايا المنزل، ربما لم تكن هي نفسها قصة هذه الأسرة تحديدًا، لكنها ربما كانت قصة أخرى لعائلة أخرى، فما أكثر العائلات المنكوبة في بلاده ؟!
” نحن لم ننتهي بعد، عودة البلاد كانت بداية الحكاية، ومازال الطريق طويلًا، والنهاية أنا فقط من سأخطها بأناملي ”
دار بعيونه في المكان حوله قبل أن يتحرك ليجذب الخيل خلفه وهو يردد بعض الكلمات بصوت جامد غاضب مقهور :
” أرادوا بالبلاد خرابًا، وستُرد عليهم حسرات، ساقوا لنا الموت، وسنسوق لهم من الأهوال ألوانًا، لكنه الصبر فالغد موعدنا، وما اقرب الغد لليوم…”
تحرك وهو ينظر أمامه بأعين ضبابية مبتسم يدور بعيونه في جميع الأماكن حوله والتي هجرها أهلها خوفًا :
” ما سبق كان لهم، والقادم لن يكون سوى لنا …”
_______________________
استيقظت تنظر له طويلًا وهو كان يضمها له مغمض الأعين، لا يعي بنظراتها أو ربما يدعي أنه لا يعيها .
اقتربت تبارك منه أكثر تتأمل ملامحه لاول مرة وهو يغط في نوم عميق، لأول مرة تبصر ملامحه بهذا القرب دون أن تخجل من نظراته .
ابتلعت ريقها تشعر برغبة عارمة في إكمال نومها، لكنها أبت أن تفعل، فقط ابتعدت عنه بصعوبة شديدة بعدما جذبت نفسها من بين أحضانه بصعوبة تتحرك بعيدًا عنه، تجذب حجابها من أسفله، لكنها وجدته عالقًا، مالت بعض الشيء تحاول جذبه دون أن يشعر، لكن يبدو أن ذلك الحجاب كان حجة سالار الوحيدة ليبقيها جواره إذ تمسك به بقوة كبيرة رافضًا تركه وهي زفرت بغضب :
” دع الحجاب سالار ..”
لكن لا رد وصل لها وهذا زاد غضبها، هي في هذه اللحظة تريد الرحيل من هنا، تدرك أنه إن استيقظ وتحدث لها قد تضعف وتستسلم له، وهذا ما ترفضه، ليس الآن على الأقل .
وحين أبصرت تشبثه بالحجاب تركته بغيظ شديدة ملقية إياه على الفراش جواره :
” لا؟؟ إذن يمكنك الاحتفاظ به، وانا سأخرج بهذا الشكل، لا اعتقد أن هناك حراس في هذا الوقت في الخارج، صحيح ؟!”
اكمل سالار ادعاءه للنوم يدرك في نفسه أنها لن تتجرأ وتفعلها، لكن صوت فتح الباب، وغلقه بقوة، أخبره أنها فعلتها دون أن تهتم لشيء، وفي ثواني قليلة كان ينتفض بسرعة يجذب الحجاب صارخًا بغضب وهو يهرول :
” تبارك لـ …”
وقبل أن يكمل كلماته صمت وهو يراها تقف جوار باب جناحه تراقبه بسخرية .
ضغط سالار على الحجاب بقوة، يهتف من بين أسنانه :
” اياكِ وأن تحاولي يومًا اللعب معي بهذه الطريقة تبارك، ليس بهذا الشكل الذي قد يدفعني للجنون ”
مدت تبارك يدها بكل هدوء تقول :
” حجابي رجاءً ..”
” لا، ليس الآن، وليس قبل أن نتحدث ”
رفعت حاجبها ترفض الحديث، ليس وهي لم تستعد له نفسيًا :
” وأنا لا أريد الحديث في هذه اللحظة ”
امسك سالار يدها رافضًا اي ملامح اعتراض أو كلمات كانت على وشك نطقها وهو يجرها خلفه بهدوء شديد يضعها على الفراش، ومن ثم جذب أحد المقاعد يجلس عليه أمامها بشكل جعلها تتذكر آخر مرة جلس هذه الجلسة قبل أن يتحول للوحش الاسطوري ويرحل .
فتح فمه للحديث، لتقاطعه هي بسرعة :
” أريد العودة لمنزلي”
نظر لها بعدم يتحدث :
” هذا منزلك ..”
” لا ليس هذا، اقصد منزلي الذي اخذتني منه دون إرادتي سالار ”
نظر لها سالار ثواني قبل أن تتسع عيونه بصدمة كبيرة من كلماتها، ليس لهذه الدرجة، ليس لأنه ثار عليها دون وعي .
” أنتِ تمزحين معي ؟!”
” لا أنا بس كنت …”
قاطعها سالار بنبرة شبه جنونية يخشى أن تكمل حديثها، ليس بعد كل هذا تخبره أنها تود العودة، ليس الآن وليس أبدًا، ليس وهو حي على الأقل .
” أنتِ لا تعنين كل هذا، بالطبع لن تتركيني لأنني صرخت في وجهك مرة واحدة، وللعلم كنت محقًا”
نظرت له بغضب، ثم تنفست بصوت مرتفع تقول :
” أريد العودة لشراء أدوية تكفيني، أنت لا تريد لي الموت هنا بسبب سوء علاج مرضي سالار ”
شهق سالار بصدمة كبيرة وقد شحب وجهه يتفحصها بأعين سريعة محاولًا معرفة إن كانت تعاني في هذه اللحظة أو لا .
” أنتِ بخير ؟؟”
” حتى الآن”
تأوه سالار يتحرك عن المقعد بسرعة وهو يقترب يجلس على ركبتيه ينظر لعيونها متحدثًا بجدية كبيرة وحنان :
” تبارك لا تتحدثي بهذا الشكل، ليس هكذا أرجوكِ ”
نظرت له تقول بصوت منخفض :
” هكذا كيف سالار ؟؟”
ابتلع ريقه يهمس لها :
” بهذا الشكل الذي يشعرني أنني… أنني ربما على وشك …على وشك فقدانك تبارك، أنا اترجاكِ ليس هذا الشعور أنا يكفيني ما أمر به في حياتي”
نظر لعيونها يهتف بجدية كبيرة وكبرياء رغم جلوسه بهذا الشكل أمامها:
” معاذ الله أن اقنط أو أيأس لكنني تحملت هذه الحياة فقط لأنكِ بها، فلا تختبريني بفقدانك فلا قِبل لي بعيشة لا تشاركيني بها ”
امسك كفيها يداعب باطن يدها بحنان :
” لا تقسمي ظهري بكِ تبارك، اختبريني بأي شيء وإياكِ أن يكون بكِ ”
كانت تبارك تسمع حديثه وهي تحاول أن تستوعب أنها تتلقى كل ذلك الحب والاهتمام من أحدهم، أنها وبعد سنوات من عيشها كشخص مهمش في العالم، أضحت العالم لشخصٍ لم تكن تدري أنه يعيش معها على هذا الكوكب .
رجل كان يستطيع أن ينتقي من النساء ما يشاء وسيكن في غاية السعادة، رجل لو جلست في ليلة هادئة تتأمل السماء وتجمع كل الصفات الخيالية الخارقة في عقلها ما اوفته حقه..
هذا الرجل هو نفسه قائد جيوش مملكة ضخمة، رجل يقود مئات الآلاف من الرجال ويدربهم، رجل متجبر للبعض مخيف للآخر، حنون عليها .
في هذه اللحظة أدركت تبارك للمرة التي لا تدرك عددها أنها أكثر نساء هذه الأرض حظًا بسالار .
ابتسمت بسمة صغيرة :
” معاذ الله أن أفعل يا قائد، فأنت ظهري كيف اتسبب لك بضرر، وأين لي من ملجأ إن فعلت؟؟”
هبطت عن الفراش تجلس أمامه ورغم فرق الطول والحجم بينهما إلا أنها مدت يديها تضم وجهه بحنان شديد :
” أنت فقط استوصي بي خيرًا سالار ”
نظر سالار لعيونها يقول بحب :
” أنتِ كل الخير تبارك ”
ابتسمت له تهمس بجدية :
” أنا أتعجب من كلماتك، احيانًا تكون كرجال الكهف لا تفقه التعامل مع النساء، وأحيان أخرى اشعر بك شاعرًا ”
” أنا فقط مجرد عبد فقير إلى الله، لا يطلب منه سوى الصحة وراحة البال وجوارك تبارك، ولأجل جوارك استطيع التحول لشاعر إن أردتِ ”
ابتسمت له تبارك تقول وهي تميل عليه تضمه :
” يكفيني أن تكون سالار، فقط احرص على ألا تتسبب لي في أي وجع، لا أريد أن يتخذ الشيطان غضبي منك ذريعة ليزرع بيننا بغض سالار ”
ضمها له سالار يربت على ظهرها يتنهد بصوت مرتفع :
” إن شاء الله ستكون المرة الأخيرة التي اسمح فيها لغضبي بالتغلب عليّ، أنتِ فقط احرصي على الإنتباه لنفسك، فالقادم لن يكون بالهين، اعتني بنفسك لأجلي في لحظات غيابي تبارك، اريدك بخير ”
ابتعدت عنه تبارك تهمس بعدم فهم :
” وما هو القادم سالار ؟!”
” الخطوة الأخيرة عزيزتي ….”
_________________
“ماذا تعني بأنها خرجت ؟! ولمَ لم يخبرني أحدكم ؟؟”
كانت تلك كلمات إيفان التي خرجت متعجبة بعدما سمع رد بعض الحراس على سؤاله ” أين سمو الأميرة زمرد ” ويبدو أن الرد لم ينل رضاه كثيرًا إذ بدأ غضبه يشتعل تدريجيًا وهو يكمل حديثه :
” أنا فقط اريد معرفة سبب أن اوامري لم يعد لها أهمية في هذا القصر، ما الذي حدث لكم ؟!”
تحدث أحد الرجال وهو ينظر أمامه بملامح خالية من أي مشاعر أو تعابير كرجل من الثلج عدا الاحترام :
” لقد جاء أحد الجنود يخبرنا أنه سيخرج لحراسة الأميرة في الأسواق رفقة قائد الرماة سيدي .”
رفع إيفان حاجبه يردد :
” قائد الرماة ؟؟”
شعر بالغضب يزداد اضعافًا وهو يتوعد لدانيار بالويل، تنفس بصوت مرتفع يصرفهم عنه متحدثًا بجدية :
” حسنًا كلٌ لموقعه وليحضر لي أحدكم حصاني، سأذهب للأسواق بنفسي ..”
ترقب تميم رحيل الجميع حتى لم يعد يبصر سوى إيفان فقط، ابتسم يقول بهدوء شديد وهو يحاول أن يهدأ من غضبه الواضح على ملامحه :
” مولاي …”
نظر له إيفان بترقب فتحدث تميم بجدية :
” اقترح أن اتحرك أنا للأسواق للبحث عن الأميرة ودانيار، وأنت يا مولاي يمكنك البقاء هنا، فأنت كما ترى أمور القصر غير مستقرة ”
رمقه إيفان ثواني قبل أن يقول ساخرًا من حديثه :
” أمور القصر غير مستقرة أم أنك تخشى على رفيقك مني تميم ؟؟”
ابتسم له تميم بسمة صغيرة :
” أنت بالفعل تعلم الإجابة مولاي، لذا لا اعتقد أن هناك حاجة للمراوغة ”
تنفس إيفان بصوت مرتفع وهو ينظر حوله وقد أضحى يشعر أن كل شيء يتسرب من بين أنامله، الأمور في القصر أضحت شائكة وخطيرة هذه الأيام، هذا دون ذكر شقيقته وسالار وكهرمان ووو
الأمر يزداد كل ثانية وهو قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، مسح وجهه بغضب ثم تحرك وهو يقول :
” قل لرفيقك أنه يثقل ميزانه بأفعاله تلك وأنني لن اتحمله طويلًا ”
هز له تميم رأسه مبتسمًا وبمجرد اختفاء إيفان عن مرمى بصره تنفس بصوت مرتفع غاضب يتحرك تمامًا بسخط :
” يا الله يا دانيار منذ متى أصبحت بمثل هذه الحماقة ؟؟ ”
تحرك صوب غرفته كي يبدل ثيابه ويتجهز للخروج وهو يفكر في الجميع والقادم، وقد كان تميم في هذه اللحظة شاكرًا لكل هموم العالم التي تمنعه التفكير في أموره هو وبرلنت، أو هذا ما يدعيه هو على الأقل.
أما عن إيفان فقد تحرك بين الطرقات بهيبته المعتادة يشمر أكمام ثوبه وكأنه على وشك الدخول في شجار مميت، يتحدث لمن يحيط به من الحراس :
” ارسلوا لإحضار العريف، أريده أن يأتيني للقاعة في دقائق معدودة ”
ختم حديثه يدخل لتلك القاعة ينتزع عنه كل ما يقيده من أسلحة وثياب يرتديها كملك في العادة، تحرر من كل شيء وجلس بهدوء شديد يستند بذقنه على كفيه، قبل أن يسمع صوت الخاجب في الخارج يطلب إذن الدخول، لكن على عكس التوقع لم يطلبه للعريف، بل كان لها هي …
” أميرة مشكى تطلب الإذن بالدخول …”
رفع إيفان حاجبه متعجبًا لكنه رغم ذلك ابتسم يقول بهدوء :
” لها ما تريد من الإذن، ادخلها ”
ثواني هي حتى طلعت عليه بثياب غريبة عن ثياب نساء مملكته، لكنها تميزها وبشدة، كانت تضع على وجهها الغطاء كما اعتادت قديمًا حين إقامتها في قصره .
” سمو الأميرة ؟؟ لمن أدين بالفضل لمجيئك حتى هنا ؟؟ ”
ابتسمت له كهرمان من أسفل الغطاء تردد بهدوء :
” لقراراتك الحكيمة مولاي …”
رفع إيفان حاجبه بتعجب من كلماتها :
” عفوًا ؟!”
” هل جننت ؟؟”
اتسعت أعين إيفان بقوة من كلماتها تلك يتحرك عن مقعده يهبط من فوقه يهيمن عليها لتشعر بضائلتها في هذه اللحظة لكنها حاولت أن تدعي العكس وهي ترفع ذقنها بكل كبرياء، بينما إيفان نظر لها من أعلى لاسفل يقول ببسمة غير مصدقة :
” أنا من جننت ؟؟ هل نسيتي أمام من تقفين سمو الأميرة ؟؟”
قالت كهرمان بكبرياء غبي ذكره بكبرياء شقيقها، بينما وجهها يختفي خلف الغطاء وكأنها اتخذته ساترًا لها عنه .
” أمام شخصٍ تناسى شقيقته وواجبه نحوها ولم يتذكر سوى دوره كملك، كيف تفعل ما فعلت ؟! تُعرض زمرد لمحاكمة ؟؟ هل تمزح معي ؟؟”
رفع حاجبه وقال بصوت هادئ:
” نعم أفعل، أي اعتراض من سموك ؟؟”
” نعم، ولا ليس اعتراضًا واحدًا، بل دزرينة اعتراضات لك جلالة الملك، بالله عليك هذه شقيقتك كيف تجرأ على وضعها في هذا الموقف، ومن قبلها سالار، أنت لا تفرق بين قريب وغريب ”
هز رأسه يجيب ببسمة هادئة شبه باردة :
” نعم أحسنتِ، أنا لا افرق بين غريب او قريب، هذا العدل، الجميع مطالب بتقديم دليل براءته سمو الأميرة، من يخطأ يُعاقب، وأمام أعين الجميع يُحاسب، العدل اساس الملك ”
بُهت وجه كهرمان من خلف الغطاء تقول بصدمة :
” أنت…. أنت حقًا …”
صمتت ولم تدرك ما يجب قوله فمن ناحية هو محق ألا يفرق بين أبناء شعبه وعائلته، ومن ناحية أخرى، هذه أخته كيف يفعل بها هذا .
وإيفان نظر لها بحسرة وهو يراها وقد ابصرته كما يبصره الجميع لا أحد يراه خلف قشرته الصلبة، الجميع يراه جامدًا وهو أكثرهم لينًا، يرون ما يفعل بعائلته ولا أحد يبصر أنه يدفعهم صوب المحاكمة كي يبرأهم وينظف حياتهم من أي جريمة قد تلتصق بهم، ما كان ليتخذ يومًا الهرب كحل دائم، لذا كان يلجأ للمواجهة وحل كل شيء ببساطة، وهي لم تر كل ذلك ..
شحب وجه كهرمان مما ترى، كل تلك المشاعر التي مرت فجأة في أعين إيفان، شعرت بضربة توجه لصدرها وهي ترى لوم وعتاب يعلو عيونه بشكل واضح رغم بسمته الهادئة وملامحه الباردة .
ابتلعت ريقها تقول بهدوء وصوت خافت :
” أنا فقط لم …لم أصدق أنك قد تعرض اختك لكل هذا وهي مرت بالكثير بالفعل، تجلس على عرشك تحكم عليها وهي المسكينة لا حول لها ولا قوة تـ ..”
” لست أنا من سيحكم عليها، أنا تخليت عن مكانتي لسالار ليحكم هو وأنا سأكون شاهدًا مع اختي، كي لا يتهمني البعض بالتواطؤ معها بالحكم، أو ربما يتهمونني بالظلم في حق أختي .”
شعرت كهرمان بطعنة توجه لها من كلماته القليلة التي نطق بها، وابتلعت ريقها تقول بهدوء :
” أنا لم اقصد ما فهمته أنا فقط لم أشعر بنفسي من شدة الغضب حين سمعت ما حدث من بعض العاملات هنا، أنا فقط….”
صمتت ترى نظرات إيفان الباردة لها، وكأنه لا يهتم بما تقول ليصيبها كل هذا في مقتل، فهي ما اعتادت منه هذه النظرات .
عادت للخلف تردد بصوت منخفض :
” يبدو أنني تماديت في شيء لا يعنيني ”
أمسكت طرفي ثوبها وهي تميل قليلًا ثم رفعت رأسها تقول بهدوء ورقي ورسمية كبيرة :
” اعتذر عن وقاحتي جلالة الملك، استأذنك الرحيل رجاءً تقبل آسفي الشديد عن تدخلي بهذا الشكل ”
ختمت حديثها تتحرك بعيدًا ببطء تحت أعين إيفان الذي ظل يراقبها لا يدرك ما يجب أن يحدث، هل يوقفها أم يتركها ارحل بهدوء .
تنفس بصوت مرتفع وهو ينظر لها مجددًا ودون شعور فتح فمه يقول دون أن يبتسم ولو بسمة صغيرة يهز رأسه لها هزة خفيفة وقد على نظراته التحدي والبرود الشديد :
” اعتذار مقبول سمو الأميرة، ولا تحملي في المستقبل هم قبول اعتذارك فهو مقبول لدينا طوال الوقت، نحن اهل مروءة وكرم، لا تمسنا كلمات النساء العاطفية الغبية، يمكنك الرحيل إن أردتي ”
ختم حديثه وهو يستدير عنها يتحرك صوب أحد الأبواب في القاعة معلنًا انتهاء الحديث بالنسبة له، وبشكل مهين لكهرمان التي شعرت بالسخافة من كل ما يحدث ليعلو صوتها دون شعور وبملامح مستنكرة :
” أنت من تظن نفسك يا هذا ؟!”
توقف إيفان فجأة عن التحرك واستدار لها مبتسمًا باستنكار أكثر من خاصتها :
” عفوًا منكِ ؟؟”
رفعت كهرمان رأسها أكثر تهمس بصوت حاد وكبرياء غاضب :
” أخبرك من تحسب نفسك لتتحدث معي بهذه الطريقة ؟؟”
” ملك سفيد آنستي، أنا ملك سفيد، وأنتِ ؟؟”
رفعت رأسها أكثر حتى كادت رقبتها تُكسر تقول بصوت قوي :
” أميرة مشكى و…”
قاطعها ببسمة صغيرة وكأن الأمر لا يعنيه حقًا :
” أميرة، مجرد أميرة لمملكة وما أكثر الاميرات”
صمت ثم أكمل بهدوء:
“في الترتيب الهرمي الملك يسبق الأميرة كما تعلمين سمو الأميرة ”
” هذا في ترتيبك الهرمي أنت ومملكتك جلالة الملك، أما في مملكتي فأنا امتلك صلاحيات لا اعتقد أنك تمنحها للاميرات في مملكتك إن كان تفكيرك بهذا العقم ”
ارتفع حاجب إيفان يبتسم بسمة جانبية ساخرية :
” الأميرات في قصري لا يناطحن الرجال بهذا الشكل، ولسن مضطرات للوقوف أمام الرجال ليثبتن أنهن تمتلكن مكانة عالية، لأنهن بالفعل يفعلن دون الحاجة لمجادلة عقيمة منهن ”
ختم حديثه يبتسم لها وهي اشتعل وجهها تقول :
” أشفق عليهن لاضطرارهن التعامل مع ملك مثلك مولاي ”
انحنى إيفان برأسه مبتسمًا :
” اشكرك سمو الأميرة، يمكنك الشفقة على نفسك سلفًا سيكون هذا مفيدًا أيضًا ”
رفعت كهرمان الغطاء عن وجهها تبتسم بغضب وقد أصرت على أن يرى نظراتها الحانقة الرافضة وهي تنطق بقوة :
” ولماذا عليّ القلق وأنا لا انتمي لمملكتك والحمدلله؟؟”
اقترب منها إيفان ينظر لملامحها الحبيبة بحب شديد :
” لأنكِ ولسوء حظك سمو الأميرة وحسن حظي بالطبع، سترافقيني نفس مكانتي في الهرم حينما تصبحين ملكة هذه البلاد التي لا تطيقين ملكها ”
أطلقت كهرمان ضحكة خافتة ودت لو جعلتها صاخبة رنانة لولا اخلاقها التي تمنعها، نظرت لعيونه من بين ضحكاتها :
” يا ويلي من تلك الثقة التي تتحدث بها ”
ابتسم لها بسمة جانبية وقد بدأت بسمته تتسع بشكل خطير …عليها .
” رائعة صحيح ؟؟”
” ماذا ؟؟”
” ثقتي، رائعة أليس كذلك ؟؟”
تنفست كهرمان بصوت مرتفع وهي تبعد وجهها عنه :
” بل مضحكة ”
ابتسم لها يتحدث بجدية وهو يهز كتفيه بهدوء شديد يردد ببساطة :
” ليس أكثر من عنادك الغبي وكبريائك الاحمق ”
اتسعت أعين كهرمان بقوة تستدير صوبه بشكل عنيف تهتف بصوت شبه مرتفع :
” جلالة الملك أنت تتخطى حدودك معي ”
” أي حدود تلك ؟؟ أنا لم أفعل شيء بعد ”
وقبل أن تستفسر كهرمان عما يقصده، قاطع ذلك الحوار المشوق بالنسبة لإيفان والحارق للأعصاب بالنسبة لكهرمان والتي كادت تفحمه بخطبة طويلة تصمته _ كما اعتقدت _ فمن ذا الذي يستطيع أن يضمن إيفان أو أرسلان حتى إن تحدثوا ؟؟
قاطع كل ذلك استئذان أحد الجنود للدخول ومن ثم ارتفاع صوته يتحدث بجدية وهو ينظر لإيفان باحترام :
” سيدي وصلتنا أخبار من أحد الحراس الذين يشرفون على نظام الأسواق أن هناك قتال قوي نشب هناك ”
نظر له إيفان ثواني يقول بصوت عادي قبل أن يستوعب ما يحدث :
” وما الذي في ذلك ؟؟ دعهم يتدخلون ويفصلون بين المتقاتلين وليأتوا بهم لأرى ما حدث بينهم”
لكن الحارس ابتلع ريقه يقول بصوت هادئ وهو ينظر للملك بتردد :
” مولاي القتال ليس مجرد مشاجرة بين تجار أو تاجر وشاري، بل هو قتال أشبه بالحروب بين قائد الجنود و…الأميرة زمرد وبعض الأشخاص مجهولي الهوية، لقد تحول السوق لساحة حرب بكل ما للكلمة من معنى ”
اتسعت أعين إيفان بصدمة كبيرة وهو يهتف دون تفكير :
” زمرد ؟؟”
ابتسمت كهرمان بسمة واسعة :
” نعم ستفتخر بما تستطيع اميرات مملكتك فعله مولاي ….”
_________________________
تشاهدهن بأعين متسعة، تراقب الحركات باهتمام شديد وسؤال واحد فقط هو ما طرأ على عقلها في هذه اللحظة، هل يعلم رجل الكهف خاصتها هذه الأمور ؟!
هل سبق ورأى من قبيل الصدفة حتى ولو لمرة واحدة في حياته امرأة ترقص بهذا الشكل في المملكة ؟؟
وعقلها الذي يدرك أي نوع من الرجال تزوجت نفى تلك الفكرة، لكن الجزء الذي يحب أن يحيل حياتها لجحيم أخبرها أن رجل في عمر الثالثة والثلاثين تقريبًا، لا يعقل أنه عاش كل هذا الوقت لم ير امرأة ترقص ولو بالصدفة لثواني، أو ربما فعل .
كانت تجلس في تجمع نسائي بعدما ملت الجلوس وحدها حينما فشلت في إيجاد إحدى الفتيات، فعرضت عليها إحدى العاملات مرافقتها إلى الغرفة التي تقع في أقصى حدود القصر بعيدًا عن الرجال والتس تقضي النساء فيها معظم وقتهن .
حدثها عقلها في هذه اللحظة وهي تسمع صوت تلك المرأة الجميل وحركاتها الرشيقة وقرع الدف جوارها يزيد من حماسة الأجواء “وماذا في ذلك تبارك ؟؟ لا تقسي على نفسك عزيزتي، أنتِ وُلدتي في بيئة مختلفة عنهن لذا من الطبيعي ألا تعلمي فنونهن، لا بأس أن تجهلي رقصاتهن، لكن ما حجتك لتجهلي كذلك الرقصات التي ترعرتي وسطها أيتها الجاهلة الغبية عديمة النفع ؟؟”
” حاسة إن باجي على سالار بزيادة، اكمنه يا عيني على الله وميعرفش حاجة في حياة الستات ومش فاهم أي حاجة بستغل ده اسوء استغلال ”
ابتسمت بعد تلك الجملة بحسرة وقد قررت أنه الوقت المناسب للانسحاب من بينهن كي لا تظهر نظراتها الحاسدة لهن على الملأ.
خرجت وهي تحمد الله، على زوجها العزيز الذي ربما لا يعلم عن الرقص سوى أنه نوع من أنواع الرياضة ربما .
وعلى ذكر زوجها البدائي المسكين الذي لا يفقه عن حياة النساء سواها هي، ابصرته يركض بسرعة كبيرة في الإرجاء وخلفه العديد من الرجال، يركضون بسرعة كبيرة حول ساحة القتال وقد أظهرت قطرات العرق التي تعلو وجهه والجميع أنهم يركضون منذ فترة ليست بالقصيرة و…..
مهلًا، ساحة القتال ؟؟ ما الذي جاء بها لساحة القتال هي ؟؟
نظرت حولها بصدمة كبيرة تحاول إدراك كيف وصلت بقدمها صوب هذا المكان، ربما هو عقلها الباطن الذي تمنى رؤيته في هذه اللحظة، و…حسنًا عقلها الباطن كان محقًا فمن يستطيع تفويت مثل هذا المشهد عليه ؟؟
ابتسمت دون شعور وهي تراقبه .
بينما عند سالار كان يركض بسرعة كبيرة وقد بدأ العرق يتساقط بشدة وهو يصيح بصوت جهوري كل ثانية :
” تبقى خمس جولات، أكملوا ”
تنفس الجنود بصوت مرتفع، أو ربما كان زفير تعب، لكن سالار لم يعنيه كل ذلك وهو يكمل طريقه دون أن يهتم بأي شيء حوله، دار بعيونه في المكان بشكل سريع كعادته، ومن ثم عاد بعيونه صوب الطريق أمامه يكمل ركض، لكن فجأة توقف جسده بسرعة كبيرة مخيفة جعلت جميع الجنود يتوقفون كذلك دون مقدمات وبشكل كاد يسقطهم ارضًا .
نظر لهم سالار يهتف بجدية :
” لا عليكم أكملوا الركض، تبقى خمس جولات ”
أشار لهم بالاستمرار وهو تحرك بسرعة صوب تلك التي تقف هناك في منطقة الرجال والتي حذرها مئات المرات أن تطئها .
نظر حوله بغضب قبل أن يتحرك بسرعة صوبها يقترب منها وهي ابتسمت له بسمة واسعة جعلت يود لكمها لتتوقف عن كونها حمقاء يمكن خداعها أو اذيتها .
وبمجرد أن وصل لها رفعت يدها تقول ببسمة واسعة :
” مرحبًا يا وسيم …”
وهو فقط وبدون مقدمات امسكها من يدها يجرها خلفه بعيدًا عن منطقة تدرب رجاله :
” مرحبًا يا كارثة …”
جذبها بعيدًا خارج منطقة التدريبة بالكامل قبل أن يتسدير وينظر لها بغضب وهي فقط ابتسمت له تقول :
” كنت رائعًا هناك ”
” أنتِ تصرين على جعلي أخرج بالشكل الشرير في هذه الحكاية، تظهرين بشكل لطيف مستفز لي، وأنا أظهر بشكل قذر، لو أن ما يحدث معنا قصة لقال الجميع أنني الشرير الخاص بها بسبب تصرفاتي التي تدفعينني إليها بتصرفاتك ”
نظرت له تبارك بعدم فهم لا تدرك ما يريده من كل ذلك الحديث :
” لا افهم ما تريد قوله، هل تريد تحويل حكايتنا لقصة مكتوبة ؟؟ ربما يستطيع العريف فعل الأمر اعتقد أنه يجيد الكتابة أو ربما ساعدنا مرجان في ذلك، تخيل أن نصنع كتاب يضم حكايتنا ونورثه لابنائنا”
كانت تتحدث يكل عفوية وهو يراقبها مصدومًا حقًا من طريقة تفكيرها، قبل أن يبتسم بغضب يقترب منها خطوات أكثر وهي تراجعت للخلف بريبة :
” ايه بتقرب ليه ؟؟ احنا برة الغرفة على فكرة ”
تشنج وجه سالار يهمس لها باستنكار :
” من يسمعك الآن سيظن أنني افعل اشياء مخجلة داخل الغرفة، يا ويلي أنا أكثر شيء منحرف فعلته كان عناقك تبارك ”
اشتد خجل تبارك وهي تتراجع عنه ترفض أن تستسلم لكلماته تلك، وهي من كانت ترثيه منذ ثواني وتصفه بالمسكين الذي لا يفقه شيء، تالله ما من مسكين سواها هنا .
” سالار أنت بدأت تتجه لطريق آخر لا أحبذه، أنا افضلك جادًا عن كونك منحرفًا ”
اتسعت أعين سالار بصدمة يهمس :
” منحرف ؟؟ أنا ؟؟ لأنني عانقت زوجتي ؟؟ ما هذه المسميات التي تصفين بها افعالي يا امرأة ؟؟”
نظرت له بحنق :
” لقد كنت منذ ثواني في الغرفة المنعزلة للنساء ”
” ومن ثم ؟!”
” هذا يجعلني أتساءل، هل سبق وحضرت حفلة مختلطة أو ربما زفاف، سبوع …صباحية ..أي حاجة فيها ستات ؟؟”
لم يفهم سالار ما تقصد يهمس باستنكار :
” ماذا ؟! ما هذه الجملة الأخيرة ؟!”
” باختصار سالار هل سبق لك وحضرت أي احتفال بوجود النساء ؟؟”
” لا نحتفل بوجود النساء تبارك، النساء لهن احتفالات خاصة والرجال كذلك ”
ابتسمت له تهز رأسها براحة شديدة وهي تهمس في نفسها كلمات خفيفة :
” جميل، لسه بيور ”
” ماذا ؟!”
” ايه ؟!”
” ماذا قلتي للتو ؟!”
” أنا ؟؟”
” تبارك توقفي عن هذه التصرفات وادعاء الحماقة عزيزتي، ما سبب سؤالك هذا ؟؟ هل تخططين لعمل احتفال في القصر ؟!”
فتحت تبارك عيونها بصدمة تحاول أن تبعد أفكاره عن مجرى أفكارها بعرض أسخف الأفكار في رأسها وهي تنفي بكلمات غير مرتبة :
” لا يا شيخ متقولش كده هو أنا يعني معنديش دم اعمل احتفال في وسط الظروف المنيلة اللي بتمر بيها سفيد دي ؟؟ ايه معنديش دم ؟! أي نعم أنا مش سفيدية بس كلنا عرب في الآخر يا جدع ”
تشنجت ملامح سالار وهو يستمع لكلماتها وهي نظرت له تقول بترقب :
” ايه ؟؟”
اجاب سالار بهدوء وبمنتهى البساطة :
” نحن لسنا عرب ”
” أنت بتستعر من اصلك ؟؟ ”
فرك سالار ذقنه يقول بجدية :
” تبارك عزيزتي نحن لسنا عرب، نحن من اصل الفرس ”
صمتت تبارك ثواني وكأنها نست تلك النقطة خلال هذه الفترة التي عاشتها بينهم لكثرة تحدثهم معهم بالعربية :
” أوه صحيح لقد نسيت الأمر، حسنًا وأنا مصرية، تشرفت بمعرفتك ”
ابتسم لها سالار ثواني قبل أن يضحك ضحكة خافتة :
” نعم أعلم، تشرفت كذلك بتعرفي لأحد المصريين ”
هزت تبارك رأسها بتفاخر وهي تحرك حاجبيها له بمزاح :
” نعم يحق لك التفاخر بذلك، ستمتلك زوجة مصرية عربية مسلمة ”
اقترب منها سالار خطوات بطيئة يقول بصوت هامس بالقرب منها :
” وأنتِ ستمتلكين زوجًا فارسيًا مسلمًا ”
رفعت عيونها له تهتف ببسمة وهي تطيل التحديق بعيونه :
” يسعدني أن أفعل ”
ابتسم لها سالار يمد يده لها بحنان لتغمض هي عيونها تنتظر لمساته الحنونة المعتادة لوجنتها، لكن فجأة شعرت بشيء يوضع على وجهها، فتحت عيونها بتعجب تبصر وجه سالار الذي قال بتنبيه :
” هذه ستكون المرة الأخيرة التي تتحركين بها دون غطاء وجه ”
نظرت تبارك ليده التي أعادت غطاء الوجه لها، لترفع حاجبها بحنق شديد، ولم تكد تتحدث بكلمة حتى انتبهت هي وسالار على تلك الجلبة التي حدثت في المكان، تحركت الأعين صوب تجمع الجميع ليبصر سالار إيفان يمسك الحصان من أحد الجنود ويتحرك بسرعة كبيرة وخلفه بعض الجنود .
تحرك يتحدث بجدية وهو يشير لتبارك بالعودة لغرفتها :
” تحركي صوب الغرفة تبارك ”
ختم حديثه يتحرك صوب إيفان بسرعة كبيرة، وتبارك تحركت خلفه وكأنه لم يأمرها منذ ثواني بشيء، تتحرك بفضول وهو اقترب من إيفان الذي صعد فوق حصانه بتحفز :
” إيفان ما الذي يحدث ؟!”
نظر له إيفان يقول بسرعة قبل أن يتحرك :
” يبدو أن زمرد أشعلت حربًا مُصغرة في الأسواق بدعم من قائد الرماة سالار ”
تقدم بسرعة مبتعدًا عن سالار الذي قال بصدمة :
” الأميرة زمرد ودانيار ؟؟؟”
__________________________
قبل ساعة من كل ذلك في أسواق العاصمة ..
سحبت السيف من المحل دون اهتمام بصراخ الرجل أو الجندي، بل ركضت في الأسواق تتوعد بالويل للرجال، تكره نفسها أنها ازعنت لحديث دانيار وتركته وحده في وسط كل هؤلاء القذرين وهي أكثر من تعلم غدرهم .
نبض قلبها برعب تزيد من ركضها بين الجميع في السوق بشكل جذب انتباههم ليحاولوا معرفة ما يحدث، وهي لا ترى سوى الزقاق الذي تركت به دانيار تردد بإصرار شديد :
” أنا قادمة دانيار، سأقتلهم إن مسه خـ….”
فجأة توقفت بصدمة في منتصف السوق وهي تبصر اندفاع شديد لقومها يركضون برعب وهم يصرخون يحاولون الفرار من أحدهم، يركضون حولها في كل مكان وهي تنظر لهم بعدم فهم .
تتنحى جانبًا بعيدًا عن ركضهم تضم يديها لنفسها لا تدرك ما يحدث، مما يركض هؤلاء القوم، وفجأة أبصرت دانيار يركض بجنون مخيف وهو يحمل قوسه والسهام، يلاحقهم بضراوة واعين حمراء غاضبة وقد تخطى زمرد دون حتى أن ينتبه لها .
كل ذلك وزمرد تقف في منتصف الطريق متسعة الأعين فاغرة الفاه، وفي ثواني أدركت ما يحدث لترفع سيفها وهي تركض في نفس الاتجاه تصرخ بجنون :
” انتظرني أنا قادمة ”
وبهذا أصبح المنبوذون يركضون وخلفهم دانيار ومن ثم زمرد ..
ودانيار الذي وبمجرد تحرك زمرد مع الجندي تحول بشكل مخيف يتذكر كل ما نال زمرد بسببهم ليخرج سهامه ويسقط منهم ما يسقط مصيبًا إياهم إصابات سطحية تمنعهم الحركة ولا تقتلهم، فهم سيحتاجونهم في التحقيق …
ولأنه يستطيع إصابتهم من على بعد كبير دون الحاجة للاقتراب، كان هذا في صالحه ليتفادي تكالبهم عليه، وانتصارهم لكثرة عددهم، لم يعطهم فرصة التنفس وهو يخرج أربعة سهام يصوب على كل من تقع عيونه عليه حتى فروا مرتعبين أن تصيبهم سهامه ..
وها هو يركض خلفهم حتى حاصرهم في إحدى الزوايا واخيرًا وقد خرجوا بالكامل من منطقة الازدحام في الأسواق وهذا لصالحه بالطبع .
ابتسم دانيار يخرج السهام المتبقية معه يقول :
” متبقي ثلاثة أسهم فقط، ترى من نصيب من منكم ستكون ؟!”
نظر الرجال لبعضهم البعض وهم يحاولون الاقتراب منه لإيقافه، لكن دانيار رفع السهام في وجوههم يهمس بشر :
” إياك أن تفعل أيها اللقيط، تراجع للخلف يا وسخ، لعنة الله عليكم اجمعين ”
تراجع الرجل للخلف يقول بصوت خافت وانفاس لاهثة :
” ما الذي تريده أنت ؟! أنت تتهجم علينا دون سبب، أوليس هذا مرفوضًا في دينك الذي تتغنوا به ؟! ام هي شعارات فقط ؟؟ ترفع سلاحك في وجه عُزل ؟؟”
ابتسم لهم دانيار وهو يسخر منهم :
” من يتحدث الآن ؟! سفير السلام في الممالك ؟؟ لا ينقصك سوى أن تخرج مسبحة من جيبك وتستغفر ربك ”
صمت ثم قال بشر :
” ديني يأمرني ألا اقاتل اعزلًا أو امارس قوتي على ضعيف، لكن أي أعزل هذا وأنتم تمتلكون كل هذه السيوف ؟؟ وأي ضعيف هذا وأنتم استكبرتم في الأرض؟!”
اقترب خطوات أكثر منهم وهو يحدق فيهم بشر :
” والأهم من كل ذلك، أي سلام مع شعب غدر ببلاد آمنة وقتلوا منهم ما قتلوا وانتهكوا النساء وشردوا الاطفال بعدما قتلوا نصفهم، أي تبجح هذا الذي يجعلك تطالبني برحمتي ؟؟”
كانت كل خطوة يقتربها منهم دانيار يعودها الجميع للخلف .
اتسعت بسمة دانيار وهو يرفع سهامه في وجوههم سوى دموع زمرد وشهقاتها ترن في أذنه وهو يردد :
” أي أمنية أخيرة ؟؟”
واخيرًا وصلت زمرد التي كانت تحاول أن تلتقط أنفاسها وهي تردد :
” انتظر …انتظر ..”
كانت تحاول التنفس وهي تستند على ركبتيها، ترفع لهم إصبعها إشارة منها أن ينتظروا والجميع يحدق فيها بترقب واستنكار حتى اعتدلت تنفخ بصوت مرتفع تقول :
” حسنًا أين كنا ؟!”
نظر لها دانيار بغضب شديد :
” كان من المفترض أن تكوني في القصر الآن”
” نعم لكنني هنا الآن، لذا دعنا ننتهي من الأمر سويًا ونعود للقصر ”
ازداد غضب دانيار وهو يحرك عيونه عليهم وعليها بسرعة كبيرة ومازال يرفع سهامه في وجوههم ..
وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة تحرك أحد المنبوذين بسرعة كبيرة يرفع سيفه متحركًا صوب زمرد بغية الامساك بها وأخذها رهينة للنجاة من هذا المجنون هنا، مجرد تفكير غبي متهور من شعب لا يفكر سوى في الغدر والنجاة بأي طريقة ..
لكن وقبل أن يصل لها كان سيف زمرد يلوح أمام عيونه وهي تردد بسخرية مخيفة :
” ليس بهذه السهولة يا وسخ، ألم يخبرك هؤلاء الحمقى عني ؟!”
نظر لها الرجل وللسيف بارتجاف غير محسوس، وفي ثواني كان رفاقه يشتبكون مع دانيار، لتشتعل المعركة بينهم في ثواني .
بدأت سهام دانيار تنفذ وهو ينظر لهم بغضب يطلق سبة منخفضة، ثم مال يخرج خنجرًا من حزام صغير يعقده جوار حذائه :
” عليّ التفكير جديًا في حمل سيوف معي ”
انتهى من حديثه يتحرك صوب أحد الرجال الذي هاجمه بسيفه ليحاول دانيار تجنبه، لكن كانت النتيجة جرح شبه عميق في كتفه، كتم تأوهه يطلب سبات متتالية جعلت أعين زمرد التي كانت تقاتل اثنين تتسع وهي تردد :
” انظروا من سليط اللسان الآن، هذا لتدرك أنني مسالمة وهم من يخرجون اسوء ما في ”
رفع دانيار قدمه يضرب الرجل في معدته بقوة وحين سقط ارضًا انقض عليه بخنجره يصيبه، ثم اعتدل يمسح الخنجر في ثيابه ينظر صوب زمرد يقول :
” لست اسفًا لقول هذا لكن في الحقيقة قومك قذر وسخ حقير ”
” نعم عليك ألا تكون آسفًا في الحقيقة ”
في هذه اللحظة وحين بدأ القتال يشتعل استمع الجميع لصوت جهوري يجمدهم ارضًا تبعه اصوات كثيرة صاخبة .
” ما الذي يحدث هنا في مملكتي ؟؟”
تجمدت جميع الاجساد واستداروا صوب الصوت ليبصروا إيفان الذي كان يقف بكل قوة يحمل سيفه، وجواره سالار الذي كان يضم يديه لصدره يراقبهم بأعين غامضة متفحصه، وتميم الذي حمل سيفه والسلسلة الحديدية الخاصة به، وبعض الجنود المتحفزين لحرب ضارية وليس مجرد قتال في الشارع.
في هذه اللحظة فقط أدرك المنبوذين أنهم أصبحوا في عداد الموتى، وأن الحل الأسلم لنجاتهم هو …الاستسلام .
________________________
كان يجلس على مقدمة الطاولة وهو يحمل كتابه كالمعتاد يراقب الجميع من خلف صفحاته ببرود شديد قبل أن يزفر قائلًا بسخرية :
” أنتم لا تتذكرون وجودي إلا في حالة سقطت كارثة على روؤسكم صحيح ؟!”
نظر الجميع لبعضهم البعض وتحدثت برلنت بصوت هادئ وخافت تحاول أن تدعي القهر :
” أولست أنت العريف في هذه المملكة !!”
نظر لها العريف بترقب لتكمل ببسمة :
” وامي كانت تخبرني منذ الطفولة أن مهنة العريف هي أعلى وأسمى مهن المملكة، وأن الشخص الذي يصبح عريفًا يتسم بالحكمة والصبر والذكاء الخارق، حتى أنني للحظة كنت اريد أن أكون عريفة ”
تشنج وجه العريف ساخرًا :
” نعم هذا ما ينقصنا، كل من يجد نفسه متفرغًا يصبح عريفًا ”
ختم حديثه ينظر صوب مرجان الذي كان يجلس في أحد الأركان جوارهم يجمع حوله العديد من الكتب، لكن حين شعر بالانظار توجه عليه رفع عيونه للجميع يقول بعدم فهم وهو ينظر حوله :
” ماذا ؟؟ هل تحتاجون لشيء ؟؟”
ابتسمت له تبارك تجيبه بهدوء :
” لا، شكرًا لك مرجان، عد لما كنت تفعل ”
هز مرجان رأسه وهو يعود للقراءة والتفحص، بينما زمرد لوت شفتيها بحنق تهمس :
” هذا الشاب لن يتوقف حتى ينفجر عقله ومقلتيه بسبب القراءة، غبي ”
عادت بانظارها للعريف الذي كان ينتظر ما يريدونه منه، بينما كهرمان تتابع كل ذلك بملامح متذمرة .
وبرلنت أكملت حملة مدح العريف التي أقامتها منذ جاءت :
” إذن أنت هنا لتساعد الشعب في حل مشاكله صحيح ؟؟”
” وهل أخبرك أحدهم أنني أعمل مستشارًا نفسيًا أو قاضيًا؟؟ دعوني ومشاكلي في الحياة فهي تكفيني لاحمل مشاكل غيري ”
نظرت برلنت لزمرد التي أحدثت بحنق شديد :
” اسمع أيها العريف ”
أشار لها العريف بتحذير :
” تحدثي باحترام يا فتاة كي لا اطردكم جميعًا للخارج ”
زفرت زمرد بسخرية تبتسم له :
” أنت في كل الأحوال ستطردنا، لذا سأتحدث كيفما اشاء ”
هز لها العريف رأسه باقتناع :
” نعم هذا صحيح، ما الذي تريدونه ؟؟”
تحدثت برلنت بصوت خافت :
” أريد أن تساعدني في مراضاة تميم ”
قالت زمرد وهي تتدخل بسرعة :
” وأنا أريدك أن تتوسط لي عند إيفان و…دانيار كذلك”
تنحنحت كهرمان تقول بصوت خافت وهي تحاول ألا تمحو نظرات الكبرياء في عيونها :
” وأنا ربما الملك غاضب مني بسبب طريقتي الوقحة بعض الشيء في الحديث، لذا ربما تساعدني في هذا الأمر فأخلاقي لا تسمح لي بالإساءة لأحدهم وتجاهل الأمر ”
تحركت أنظار العريف صوب تبارك التي كانت تتابع الجميع بانتباه يقول :
” وأنتِ لا تريدين مني أن اتوسط لكِ عند أحدهم ؟؟”
نظرت له تبارك بعدم فهم قبل أن تستوعب فجأة ما يقصد :
” أوه لا، أنا بخير جئت فقط معهن لأنني لا امتلك ما افعل في الحقيقة ”
رفع العريف حاجبه، ثم نظر للنساء وهو يقول بحنق :
” هل تتحدثون مع مستشار في العلاقات الإنسانية ؟؟ أنتم الآن أمام أكثر انسان يشجع قطع أي علاقة في هذا العالم، ثم على تظنون علاقتي بالرجال جيدة لدرجة التوسط لكم عندهم ؟؟ إن كنتن تسعين لخراب كل تلك العلاقات فلا بأس سأتوسط ”
تحدثت زمرد بكل وقاحة دون أن تأبه لشيء :
نحن لم نأتي هنا لتتوسط لنا، بل جئنا لتحل لنا مشاكلنا فقط، أولست أنت العريف هنا تعلم حل جميع المشاكل ؟!”
رمقها العريف ثانية قبل أن يردف بسخرية لاذعة :
” من ذلك الاحمق الذي أخبرك بهذا ؟؟”
نظر الجميع صوب برلنت التي قالت بغيظ :
” ماذا امي هي من كانت تخبرني ذلك كل يوم ”
التوى ثغر زمرد وهي تتمتم بغضب شديد وقد سئمت من كل ذلك :
” وهل تصدقين كل ما تخبرك به والدتك قبل النوم برلنت ؟! لقد كانت والدتي تخبرني أن هناك وحش يتناول الصغار الذين يسرقون الأسلحة ويضربون بها صغار المنبوذين، لكن هل حدث وتناولني ؟؟ لا، كل هذه اساطير كأن يساعدك العريف ”
هزت تبارك رأسها وهي تضيف بجدية :
” بالضبط زي امنا الغولة كده ”
تنفست برلنت بصوت مرتفع :
” حسنًا، دعونا من كل ذلك ولنجد حلولًا لما يحدث معنا هنا ”
شردت زمرد بعيدًا وهي تحاول إيجاد حل لما فعلت وعقلها يعيد عليها آخر مشهد مع إيفان الذي بمجرد أن أبصر بقايا قومها الذين نجوا من دانيار حتى تحرك صوبهم بغضب يجرهم صوب القصر هم ومن تركهم دانيار مصابين في الزقاق، وقبل ذلك لم ينس أن ينظر لها بشر راميًا بآخر كلماته معها :
” عودي للقصر مع الجنود، لنا حوار يجمعنا بعدنا ننتهي من الكارثة الاولى زمرد .”
ومنذ تلك اللحظة وهي تحاول أن تفكر في شيء قد يقلل من ميزان خطاياها عند إيفان والذي تشعر أنها أثقلت عليه أكثر مما يجب وهي لم تكمل شهرًا واحدًا معه حتى .
وعلى ذكر ميزان خطاياها، ها هو أول ثقل يقترب منها حين سمعت صوت الحارس يهتف بجدية في الجميع :
” الملك يستدعي الجميع لأجل المحاكمة ”
نظر الجميع صوب زمرد بتردد وهي فقط ابتلعت ريقها تنهض عن مقعدها تقول بضيق :
” لنتحرك جميعًا ”
وبالفعل تحركت والجميع خلفها دون كلمة واحدة والعريف نهض يزفر بغيظ شديد متمتمًا :
” حتى وهي ميتة تصر على تحويل حياتنا لتعيسة يا الله من تلك المرأة ..”
________________________
” سيكون كل شيء بخير ”
رفع إيفان أنظاره لسالار الذي كان يرتدي ثوبه العادي باللون الاسود المطرز بالاحمر، مرددًا :
” ستكون أختك بخير اطمئن ”
ابتسم إيفان بسمة صغيرة يحاول صرف ذهنه عما سيحدث بعد قليل :
” ربما، لكن مكانة القاضي لن تكون بخير بعدما تتولاها أنت بهذا الثوب سالار ”
نظر سالار صوب الثوب بعدم فهم والذي كان ستكون من بنطال وسترة، ثياب مريحة تصلح للخروج مع زوجته، أو تصلح للتحرك بها بين ممرات القصر بكل راحة، أو ربما تصلح للسفر بها إلى مشكى وزيارة أرسلان، لكنها بالطبع لا تصلح بأي شكل من الأشكال أن تكون ثوب رسمي لقاضي في محاكمة سفيد …
نظر سالار لنفسه ثواني قبل أن يرفع عيونه بسخرية صوب إيفان مرددًا :
” صدقني لم يمنحني أحدهم المعطف الملكي والتاج ورفضت ”
أطلق إيفان ضحكات مرتفعة في وقتٍ كان في أمس الحاجة لشيء يهون عليه، وفي نهاية ضحكته خرجت زفرة متألمة استشعرها سالار بكل وضوح، لذا أراد صرف انتباهه عما سيحدث بعد قليل :
” حسنًا نحن على موعدنا بعد المحاكمة صحيح ؟؟”
نظر له إيفان ببسمة واسعة يقول :
” ستكون هذه النزهة هي الشيء الوحيد الذي يرفه عني هذه الأيام حقًا، أنا فقط انتظر أن ننتهي من كل هذا لتنفس بعض الهواء النقي وأخرج للاستمتاع بعض الوقت، سيكون هذا مفيدًا ”
” نعم سيكون مفيدًا للجميع وممتعًا كثيرًا، خاصة أننا لم نتجمع في مثل هذه الجلسات منذ سنوات طويلة، تحديدًا منذ تغابيت أنت وارسلان وتشاجرتما ..”
تجاهل إيفان جملته الأخيرة، ونهض بحماس شديد وهو يربت على كتف سالار بسعادة :
” إذن نلتقي بعد المحاكمة، والآن اسبقني لقاعة العرش، سأحضر زمرد والحق بك ”
هز له سالار رأسه وهو يتحرك ليسبقه، بينما إيفان تنهد بصوت مرتفع، ومن ثم تحرك خارج الغرفة يتوجه صوب غرفة زمرد وهو يفكر في تلك الرحلة التي ربما ستساهم في تحسين مزاجه للفترة القادمة، هو عانى من ضغط كبير الايام السابقة ورحلة كهذه ستفيده كثيرًا .
توقف أمام باب غرفتها يطرق الباب الخاص بها وانتظر ثواني قبل أن يُفتح الباب على مصراعيه أمام عيونه، فتح فمه للحديث، لكن فجأة توقفت كلماته يبصرها تواجهه بملامح مصدومة قليلًا متوترة وبشدة .
ترددها جعل إيفان يبتسم بسمة واسعة يدرك تأثير حضوره عليها، أو هذا ما تمناه هو في الحقيقة .
” مرحبًا ”
ابتسمت له بسمة صغيرة :
” أوه مرحبًا جلالة الملك ”
رفع حاجب إيفان بسخرية :
” مرحبًا سمو الأميرة ..”
نظرت له ثواني قبل أن تتحرك تقول بسرعة:
” زمرد تنتظرك سأناديها لك ”
وقبل أن تتحرك ظهرت زمرد من خلفها تقول :
” أنا هنا ”
ابتسم إيفان بحنان شديد وهو يمد يده لها قائلًا :
” اقتربي حبيبتي ”
نظرت له بتوتر شديد ليطمئنها بنظراته :
” لا تقلقي لن يمسك سوء، أما أن يبرأك سالار من هذه التهمة، أو يثبت تهمة القتل على كلانا بعدما اتخلص منه ”
ضحكت زمرد ضحكة صغيرة وهي تقترب منه تسلمه يدها براحة وشعور أمان بدأ يتسلل لها، بينما كهرمان تتابع ما يحدث وهي تلوم نفسها على تفكيرها الغبي الذي دفعها للظن أنه يسيئ معاملة زمرد .
نظرت لها زمرد وهي تبتسم بسعادة وكأنها تخبرها أن ترى ما يفوتها لأنها ليست زوجة إيفان، وفي الحقيقة زمرد لم تكن من ذلك النوع الذي يحب التلميح، بل قالت بكل صراحة :
” انظري إلى أخي حنون وسيم حكيم ذو هيبة تبارك الرحمن، أنتِ يا ابنتي فاتك الكثير في تلك السنوات التي قضيتها دون أن تكوني زوجة لهذا الوسيم ”
ابتسم لها إيفان يكتم ضحكاته، يحاول عدم الاندماج في مثل تلك الأحاديث، يجذب يد زمرد :
” هيا زمرد الجميع ينتظرنا..”
تحركت معه بسخرية :
” وكأنهم يترقبون لحظة زفافي، وأنتِ يا زوجة أخي الحقي بنا ”
رمقتها كهرمان بشر وهي تود الصراخ في وجهها، لكن زمرد قاطعتها تقول بجدية :
” تذكري كم محاكمة وقفت فيها جوارك ودافعت عنكِ ”
ختمت حديثها تتحرك مع إيفان تاركة كهرمان ترمق أثرهما وهي تفكر في حديث زمرد تهمس باعتراض وحنق :
” تلك الحقيرة تنافس شقيقها إزعاجًا….”
لحقت بهما بسرعة تتحرك صوب المحاكمة لتقابل تبارك التي كانت ترتدي فستانًا جميلًا وحجاب زادها بهاءً ولثام يغطي وجهها بالكامل .
” تبدين جميلة تبارك ؟؟ هل هناك مناسبة ما أم هذه الثياب خصيصًا لأجل محاكمة زمرد ؟؟”
ابتسمت تبارك تقول:
” حسنًا هذا هو الثوب الوحيد الملائم لي في ثيابي النظيفة لذا ارتديته، لم أرد أن افوت هذه المحاكمة بأي شكل من الأشكال .”
هزت كهرمان رأسها تقول :
” نعم لا نستطيع لأجل زمرد ”
أسرعت تبارك الخطى وهي تقول بجدية وبساطة شديدة :
” زمرد من ؟؟ أنا أريد رؤية زوجي وهو قاضي، سيكون رائعًا وهو يحكم على زمرد سليطة اللسان هذه، لقد اوصيته بها ”
اتسعت أعين كهرمان تسير خلف تبارك بأقدام سريعة لا تصدق حقًا ما يحدث حولها تردد بصوت منخفض :
” صدق أرسلان حين أخبرني أنكم مملكة مجانين ….”
تحرك الجميع داخل القاعة ليبصروا سالار يتوسط القاعة وأمامه زمرد وإيفان وكذلك العريف وقد انتبه لهم الجميع وانتشر الترقب بين الكل للمحكمة المرتقبة، مقتل الملكة على يد الأميرة الجديدة .
وها نحن ذا ……
______________________
تبقت خطوة واحدة على المعركة الأخيرة، خذها إن استطعت …..
وتذكر أنها حرب إما أن تنتصر أو تنتصر، لا خيار ثالث أمامك.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *