روايات

رواية سدفة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم آية شاكر

رواية سدفة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم آية شاكر

رواية سدفة البارت الخامس والعشرون

رواية سدفة الجزء الخامس والعشرون

سدفة
سدفة

رواية سدفة الحلقة الخامسة والعشرون

صفق عمرو وطفق يقفز بحـ ـماس ثم عاد ليفتح باب غرفة أخته بهدوء وتؤده فلم تنتبه له إلا حين أطل برأسه من فوهة الباب ليرى وئام التي كانت تقف قبالة مخدع ملابسها تُطالع ثيابها بمزيج من الحيرة والإضطراب، بعدما أخبرتها والدتها أن ترتدي أفضل ما لديها…
قال عمرو بابتسامة عابثة:
-إلبسي الفستان الكحلي بيبقا تحفه يا تحفه إنتِ…
ثم غمز بعينه، وظهرت بعدها رأس عامر الذي قال ببسمة:
-مبروك يا عروستنا.
ضغطت وئام بقواطعها العلويه على شفتها السفلية وزمجرت بغضب فأغلق الطفلان الباب وركضا بعيدًا بينما تختلط أصوات ضحكاتهما المستفزة مع بعضها…
وقفت وئام مكانها هنيهة وكلمات أخويها عن يحيى تمور برأسها، ودون تردد أخرجت الفستان الكحلي، تفحصته بإعجاب وقالت بابتسامة مرحة:
-معاهم حق… هيبقا تحفه يا تحفه أنا…
ثم ضمت الفستان وهي تضحك مرددة:
-بقا أنا تحفه!!
قاطع ضحكاتها اندفاع هيام لداخل الغرفة، وقولها بسعادة وحبور:
-أستاذ يحيى طلبك…
حاولت وئام التظاهر بالغبـ ـاء قائلة:
-يـ… يعني إيه!!
-يعني عايز يتجوزك…
قالتها هيام بإماءة وبسمة واسعة، ثم نظرت للفستان بيد أختها واستأنفت:
-كنت جايه أقولك البسي الفستان ده…
طالعت وئام الفستان وكانتا يداها ترتجفان، حملتها الأفكار لذكريات مضت عندما كانت تحاول جذب انتباه يحيى وحين كانت تطوق لذلك اليوم، وكيف كان يحيى يبتعد عنها، والآن عندما ردعت مشاعرها وصرفت قلبها عما تفعل، طرق هو بابها، افتر ثغرها بابتسامة وهي تردد بهمس:
-حاجه غريبة…
-بتقولي إيه؟
سألتها هيام، فهزت وئام رأسها بالنفي أن لا شيء….
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
وفي غرفة الضيافة جلست شيرين قبالة والدة يحيى بعدما وضعت أكواب العصير أمامها وأخذت ترحب بها للمرة التي لا حصر لها ثم مدت بصرها لترى يحيى يجلس بالشرفة مع رائد ودياب وقد شرح لهما ظروفه وعرضه بالزواج…
-أنا عارفه إن يمكن تكون الظروف مش مناسبه للكلام ده لكن…
انتبهت شيرين حين قالتها والدة يحيى ثم ابتلعت ريقها باضطراب فحتى الآن لم يجب أحد بالنفي أو القبول، أضافت بحرج:
-فكروا براحتكوا وربنا يقدم الخير إن شاء الله… وتأكدوا إن سواء قبلتوا أو رفضتوا إحنا هنفضل أهل.
-طبعًا إحنا أهل من غير أي حاجه… ربنا يصلح الحال يارب.
قالتها شيرين بابتسامة عذبة، فقد تلجم لسانها من المفاجأة وألقى الصمت عباءته عليهم جميعًا.
وعلى نحوٍ أخر كان دياب يخشى قرار ابنته فقد تفعل كما فعلت هيام مع العريس السابق وتُحرجهم جميعًا، لذا قال:
-والله يابني القرار يرجع لوئام وأنا هتكلم معاها وأشوف…
تلعثم يحيى وهو يقول:
-أ… أ… خدوا وقتكوا أنا مش مستعجل…
ربت رائد على كتف يحيى وهو يقول بابتسامة واسعة:
-إحنا إن كان علينا يا يحيى مش هنلاقي لأختي أحسن منك.
نهض دياب واقفًا وقال بعد تنهيدة:
-أنا هدخل أتكلم شويه مع وئام…
وبعدما انصرف دياب، نظر يحيى لأثره فوقعت عينه بأعين والدته ألتي أومأت مبتسمة لتطمأنه فلاح على شفتيه شبح ابتسامة فاترة يخشى أن يكون استعجل في الأمر، فالإصرار والدته الشديد لم يخبر رائد بل فاجأه كما فاجأ الأسرة بكاملها.
كان رائد يتابع نظرات يحيى المضطربة وحركات أصابع يديه التي تنم عن فرط ارتباكه، فعاد رائد بظهره للخلف ووضع ساق على الأخرى ثم حمحم قائلًا:
-متقلقش هتوافق…
لمس يحيى وجهه بأصابعه وهو يردد:
-أتمنى.
*********
وقفت وئام أمام والدها تفرك يديها وتتحاشى إلتقاء نظراتهما وهو يعرض عليها ما قاله يحيى، وحين طال صمتها قال دياب:
-لو ناويه تحرجينا زي ما هيام عملت يبقا ما تقابلهوش…
قالها ثم سلط بصره على هيام التي طأطأت رأسها بحرج حين تذكرت ذلك العريس ابن صديق والدها…
أما وئام فابتلعت ريقها ولم تعقب بل أطرقت رأسها في خجل ظنه دياب وجوم أو إعراض، فاستأنف دياب:
-يحيى عاوزك تعيشي معاه هو ووالدته ووالده في نفس البيت… وأنا حاسس إن الكلام ده مش هيناسبك! ولا إيه رأيك؟
دلفت شيرين للغرفة بعد هذا السؤال الذي بقى معلق في الهواء، وبدلت وئام نظرها بينهم كانت تتفرس ملامح والدتها ثم والدها وأخيرًا هيام علها تلتمس بهم القبول أو النفور! ليباغتها صوت عمرو:
-اه هيناسبها يا بابا.
أكمل عامر بابتسامة:
-أهم حاجه الحب وهما بيحبوا…
قفزت وئام نحوه وأطبقت يدها على فمه، فأكمل الطفل الأخر برتم سريع وهو يركض خارج الغرفة:
-بيحبوا بعض وبيبصوا لبعض من تحت لتحت.
ازدردت وئام لعابها وتحدثت بعصبية لتواري ارتباكها:
-ماشي يا عمرو حسابك بعدين.
كانت هيام تضغط شفتيها معًا وتكبح ضحكاتها، بينما طالع كل من شيرين ودياب بعضهما بابتسامة ونظرات ذات معنى قبل أن يخرج دياب فقد أسفرت نظرات وئام الصامتة عن مكنون قلبها…
خاطبت شيرين ابنتها والإبتسامة لم تفارق شفتيها:
-تعالي معايا يلا يا عروسة…
حمحمت هيام قائلة:
-وأنا أجي ولا ايه النظام؟
-روحي إنتِ اغسلي الفاكهه.
قالتها شيرين قبل أن تقبض على يد ابنتها الباردة كالثلج، قالت:
-فكرتيني بنفسي لما باباكي اتقدملي… كانت إيدي متلجه برده…
تدخلت هيام قائلة بضحكات ماكرة:
-ويا ترى بابا كان بيبصلك من تحت لتحت برده؟
وجهت لها وئام نظرات حادة بينما قالت شيرين بضحك:
-بس يا بت…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
وفي مكان أخر في بيت داليا «والدة ريناد» نفخ صالح بضجر ثم خاطب والده الذي يجلس جواره:
-يا بابا الموضوع انتهى من فترة طويلة… وأنا معرفش إنت جايبني هنا ليه! لو اللي في دماغك إني أصلح غلطتي فأنا مستحيل اتجوزها…
-هتتجوزها يا صالح ومش بمزاجك.
قالها دياب باقتضاب وهو يضغط على كل كلمة بعبارته، فصك صالح أسنانه بغيظ ولم يعقب، تدخل مؤمن:
-أيوه يا صالح لازم تتجوزها وتصلح غلطتك دي مهما كانت بنت عمتك ياخي…
-وأنا معملتش حاجه غصب عنها كله كان برضاها…
قالها صالح ببرود ليباغته والده بصفعه مدوية، وهدر به بغضب عارم:
-أنا مش عايز ولا كلمة…
خيم الصمت عليهم هنيهة قبل أن يستطرد ضياء بأسى:
-بس الغلط مش عليك الغلطه غلطتي أنا… معرفتش أربي… منكم لله كـ ـسـ ـرتوا ظهري…
برقتا عيني ضياء بالدموع فأخذ مؤمن يواسيه بقوله:
-أ… إهدى يا بابا هـ… هو هيصلح غلطته…
لم يعقب صالح وأطبق راحة كفه على موضع الصفعة مشيحًا وجهه للجهة الأخرى _والتي كانت صوب باب الغرفة_ لتشتبك نظراته مع نظرات ريناد شاحبة الوجه، منهكة الروح، فأشاح وجهه للجهة الأخرى في سرعة وهو يلعنها في داخله.
كان وجه داليا متجهم جلست قبالة ضياء الذي خاطب ريناد بحدة:
-لو طلع إن إنت والواد ده السبب في مـ ـوت رغده مش…
قاطعته ريناد قائلة بانفعال وبنبرة مرتجفة:
-والله أبدًا يا خالو… إنتوا إزاي تفكروا كده أصلًا!!!
وجه ضياء نظراته الحادة لصالح الذي انتفخت أوداجه من شدة الغضب، وخاطبه بحزم:
-هنكتب كتابكوا بكره…
استأنف رافعًا سبابته في وجه ريناد:
-اللي بعمله ده عشان خاطر أمك وعشان أبوكي الله يرحمه اللي كان أقرب صاحب ليا… إنما إنتِ متستاهليش…
قالها باشمئزاز فهمى الدمع من مقلتي داليا التي أطرقت خزيًا، انهمرت دموع ريناد على وجنتيها وارتفع نشيجها، فلم يربت أحد على قلبها بل تجاهلها الجميع، خاطبها ضياء بحدة ودون سابق إنذار:
-وكنتِ بتحطي إيه لرامي في المايه إنتِ ورغده؟
جففت دموعها وقالت بحشرجة:
-دا… دا… كان….
رمقتها والدتها بخيبة أمل وقاطعت كلامها قائلة:
-كان سـ ـحـ ـر… بس متقلقش يا ضياء الست اللي راحولها مبتعرفش تعمل سـ ـحـ ـر أصلًا… نصابه يعني…
نهض ضياء بعد أن أطلق تنهيدة متألمة والحسرة تقبع بين عينه، ثم استأذن من أخته وغادر وتبعه ولداه في صمت….
بقلم آيه شاكر
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
-المرة اللي فاتت لبست التيير غصب عني عشان حطيتوا كل هدومي في الغسيل…
صمتت هنيهة وأكملت:
-يعني مش كفايه بلبس هدوم بنات خالتي كمان عايزه تلبسيني هدومك القديمه يا ماما!!… لكن لحد هنا وكفـــايـــه.
زمجرت نداء بغضب ثم صكت أسنانها ورفعت سبابتها مردفةً بنبرة مرتفعة:
-المره دي مستحيل ألبس الفستان المهلهل ده وهلبس على مزاجي وإلا مش هقابله…
انتفضت أثر فتح والدتها باب الغرفة ثم إطلالة والدها بابتسامة واسعة وقوله بإعجاب:
-بسم الله ما شاء الله إيه القمر ده؟
همت نداء أن تقول تلك الكلمات التي كانت تخاطب بها نفسها قبل لحظات علها تزيل الحمل الثقيل الذي يجثم على صدرها، لكن نظرات الإعجاب في أعين والديها لجمت لسانها وبرأسها تدوي جملة واحدة وهي قوله تعالى:
«ووصينا الإنسن بوالديه حُسنًا»
التفتت خلفها وطالعت نفسها بالمرآة للمرة الثانية علها تكون مخطئة في حكمها على الفستان.
كانت تغرق بفستان أحمر ناصع الحُمره، طويل الأكمام ويتدلى ذيله الطويل خلفها على الأرض فضلًا عن وسعه الكبير! وعدم تناسقه، أخذت تلمس الفستان وتتفحصه فقد كانت تقيسه عليها كما طلبت والديها.
قالت نداء بنبرة آسية خافتة:
-جماعه أنا كده شبه الشحاتين بالظبط.
-شحاتين إيه!! دا إنتِ معندكيش ذوق….
قالها والدها هادرًا بعصبية، فقالت وهي تهز عنقها يمنة ويسرة:
-متحاولوش مش هلبس كده… والمره دي اللي عاوز يخرجني بالمنظر ده يفرجني…
نزعت الفستان الأحمر ووضعته على الفراش وهي تكظم غيظها وتحاول قدر الإمكان عدم إظهاره لوالديها، بدلت نظرها بين والديها اللذان لم يحركا ساكنًا وقالت بنبرة خفضتها رهبة وريب:
-ومش هلبس هدومك تاني يا ماما…
نظر كل من دينا ورشدي لبعضهما وفي هدوء، فشعرت أنه ربما هدوء ما قبل العاصفة! مما دفعها لإزدراد لعابها وهي تبدل نظرها بينهما بتوجس، حافظت والدتها على هدوئها معقبة بخيبة أمل:
-دا أنا كنت بحافظ على هدومي القديمه عشان اليوم ده يا نداء.
-يا ماما الموضه دي بطلت خلاص… والفساتين دلوقتي مبقاش ليها سفنج عند الأكتاف كده… دا غير نوع القماش نفسه اللي أكيد انقرض…
أشاحت نداء وجهها بعدما رمت والدتها بنظرة جانبية تخفي ورائها تذمرها، فتدخل والدها غامزًا بعينه:
-الفستان كان حلو عليكِ وهيزغلل العريس زي التيير ما جابه لحد هنا.
-لو سمحت يا بابا متجبش سيرة التيير ده! أصلًا مبقاش فيه حاجه دلوقتي اسمها تيير يا بابا…
ران بينهما الصمت ودينا تغمز لرشدي بعينيها أن يتصرف مع عناد ابنته، فخاطب رشدي نداء:
-طيب إيه رأيك نعمل قُرعه…
وافقت نداء فأخرج رشدي من جيبه عملة نقديه وقال:
-لو طلعت صورة تلبسي الفستان الأحمر ولو طلعت كتابه تلبسي اللي تختاريه.
-اتفقنا.
قالتها نداء بحمـ ـاس، فقذف رشدي العملة عاليًا وما أن سقطت نصب أعينهم، صرخت نداء مبتهجة وانفرجت أساريرها بل أخذت تقفز كالأطفال فهز رشدي رأسه في استهانه، وألقى نظرة خاطفة على الفستان القابع أعلى الفراش ثم برم شاربه وهو يردد:
-خسرتي فستان حظك… يلا ملحوقه مره تانيه…
خرج والديها من الغرفة فوثبت نداء فوق فراشها وأخذت تتمايل فرحًا وسعادة، ولم تكن سعادتها فقط لأجل إرتدائها ما تريد ولكن غمر قلبها سعادة العالم لأن رائد سيأتي مساء الغد لطلبها للزواج، محدثة نفسها أنه قد حان الوقت لتنهل من حبه دون خوف أو تأنيب ضمير، وكانت تلك هي الليلة الأولى حيث دعت الله في قيامها أن يجعله هو زوجها ويكون تقي نقي تقر به أعينها…
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ❤️
★★★★★
أغلق رامي هاتفه بعدما اطمئن على أخبار عائلته من رائد، بحث عن ريم بأرجاء البيت فقد عادا من عملهما بالمطعم مبكرًا هذا اليوم فقد مرت أيام ثقال على قلبه وهو يواري الحزن عن ريم حيث يُشغلها معه بالعمل كي تكون أمام ناظره طوال الوقت فلا تتفرغ للحديث مع أسرتها إلا أمام عينه وتعمد أن يُشغلها كي لا تفكر بأي شيء! كما عطل حسابها على الفيسبوك عمدًا، فهو يخشى على قلبها ذلك الحزن الذي أنهكه ومزق من قلبه ما مزق…
خرجت ريم من المرحاض وهي تجيب:
-بتنادي ليه يا رامي؟
قال بابتسامة:
-فاكره يحيى صاحب رائد؟
قطبت جبينها تفكر وسرعان ما أومأت رأسها بالإيجاب، فأردف بابتهاج:
-اتقدم لوئام النهارده…
-بجد!!! خبر حلو أوي.
قالتها بابتسامة باهتة لاحظها رامي، همت أن تنصرف من أمامه فجذبها من ذراعها وحين التفتت إليه رأى وميض من الدموع يبرق خلف أهدابها وقبل أن يسألها قالت:
-محمد كلمني من شويه…
انتفض رامي وانزعج من محمد فقد حذره ألا يخبر ريم بأي شيء، ابتلع غصته وسألها:
-كلمك امته؟!
-من شويه… ساعة ما كنت بتكلم رائد…
قالتها تكبح عبراتها، وأردفت بحشرجة:
-ماما عرفت إن محمد أخويا وإن بابا كان متجوز عليها وطلبت الطلاق… عشان كده مش بترد عليا وحتى رغده ببعتلها رسايل على الواتس ومش بتفتح أصلًا…
قالتها بأسى شديد، لكنه فطن أنها لم تعرف بشأن رغده فقال:
-خير يا ريم كله خير إن شاء الله متجهديش نفسك في التفكير… وإن شاء الله ربنا هيحلها يا حبيبتي.
أومأت بأسى، وصمتت هنيهة ثم قالت:
-أنا مش عارفه الفيسبوك مش شغال معايا ليه؟ أبقى شوفه كده…
تلعثم وهو يحاوط كتفيها بذراعه قائلًا:
-هـ… هبقا أشوفه يا مسكر بس يلا دلوقتي إلبسي عشان نخرج….
-حاضر.
قالتها بابتسامة ذابلة ودلفت لغرفتها، فزفر رامي بارتياح لأنها لم تعرف بشأن رغدة وما أصابها! ورغم إشفاقه على رغده إلا أنه لم ينسى ما رآها تفعله بيوم زفافهما ويحاول جاهدًا أن يغفر لها فعلتها تلك…
”رجوع بالوقت”
ضمه يونس وأخذه في ركن منعزل ثم وضع في يده برشام أبيض اللون وغمز قائلًا:
-دا بقا هديه مني ليك!
-مـ ـخـ ـدرات يا يونس؟!!
قالها رامي بصدمة ونبرة ارتفعت بعض الشيء، التفت يونس حوله بتوجس وردد بهمس:
-مـ ـخـ ـدرات إيه!! هتودينا في داهيه! دي دماغ مش أكتر! يعني لو زهقان تفرفشك لو تعبان تنعنشك…
-دماغ!! امسك يا يونس…
قالها رامي بتهكم وهو يضع البرشام في يد يونس مرة أخرى، فوضعها يونس في جيب رامي وقبل أن يبدى رامي أي رد فعل خطى يونس بعيدًا عنه وهو يطلق عدة ضحكات مرددًا:
-مبروك يا عريس…
وضع رامي يده في جيبه يتحسس الحبوب ويتذكر نظرات ريم ومحمد ثم أغلق عينيه وجز على أسنانه بغضب، وقبل أن يعود لريم جذب انتباهه رغدة التي تلتفت حولها بتوجس قبل أن تضع شيئًا ما بقنينة المياه وتخرج من المطبخ، فتمتم:
-يا بنت الـ…. الـ إيه بس أبوكي راجل محترم!
نفخ بضجر ودلف للمطبخ ثم ألقى بقنينة المياه في سلة القمامة، تجول بعينيه في المطبخ عازمًا أن يسكب كل قنينة مياه به وأخيرًا خرج ووقف جوار ريم وأخذ عمه يوصيه بها خيرًا…
مرت عدة أيام على زفافهما…
كان يسمع ريم تتحدث خلسة عبر الهاتف مع محمد وفي هذا اليوم سمعها تقول:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبي.
تملك منه الغضب، واشتعلت النيـ ـران بقلبه، وأخذت الذكريات والأفكار تلفح رأسه بعنـ ـف، فاندفع نحو البرشام الذي أعطاه له يونس وأخذ واحدة تبعها بأخرى، ثم سقطت من بين أهدابه دمعة متألمة، وبعد دقيقة واحدة دوى جرس الباب وظهر وجه يونس المبتسم، استقبله رامي وجلس معه لفترة ثم شعر بثقل رأسه وجاهد لفتح عينه وقد جرى تأثير البرشام في دمه حتى غطى عقله، فاستأذن يونس للرحيل بعدما رمقه بخبث زاعمًا أنه أخذ من الحبوب التي أعطاه إياها…
”عودة”
جفف رامي الدموع التي انهمرت على وجنتيه ومسح أنفه وهو يقول:
-سامحني يارب…
تنهد بألم، فباغته صوتها:
-أنا جاهزه…
قالتها ريم مبتسمة فاتسعت ابتسامته وأقبل نحوها، قبل رأسها وقال:
-يلا بينا يا مسكر…
طالعت عينيه اللتان ظهر بهما أثر البكاء وسألته بلهفة:
-إنت كويس يا حبيبي؟
-أيوه يا حبيبتي بس فيه رمش كان دخل في عيني…
بقلم آيه شاكر
استغفروا♥️
★★★★★
تعجب يحيى من نفسه، ومن تملك الصمت منه فهو طليق اللسان فصيح القول أُعقد لسانه الآن! ظل مطرق الرأس يفرك لحيته بأصابعه مراتٍ ومرات، رفع بصره قليلًا فأبصر يديها اللتان تفركهما بتوتر بالغ، فرفع بصره لوجهها الذي احتقن بالد**ماء، أطال النظر إليها حتى رمقته بطرف خفي فأشاح بصره عنها وأسقطت هي بصرها مجددًا وهي تبتلع ريقها في ارتباك، حاول قطع الصمت المبالغ فيه بقوله:
-إزيك يا وئام؟
-الحمد لله…
قالتها بخفوت، فأضاف:
-وعامله إيه؟
-الحمد لله…
أومأ رأسه وصمت مجددًا، تعجبت وئام لكونها المرة الثالثة التي يدور بينهما نفس الحوار، ابتسمت وفطن لما تبسمت لأجله، فلاح على شفتيه ابتسامة عذبة، وقال:
-الحقيقه مش عارف هما بيقولوا إيه في المواقف دي!
-بـ… بيتكلموا عن نفسهم…
قالتها بتلعثم ولجلجة، فحمحم وقال:
-طيب هو أنا… أنا اسمي يحيى…
ران بينهما الصمت هنيهة، فأطلقت وئام لسانها قائلة بسخرية لطيفة ودون أن ترفع ناظرها:
-بصراحه حضرتك فاجئتني وقولتلي معلومه مكنتش أعرفها خالص.
أطلق عدة ضحكات وشاركته ثم أضافت بمرح:
-طيب حيث كده بقا أنا اسمي وئام…
-معلومة مفيدة جدًا…
قالها كابحًا ضحكته، عاد الصمت يقتات عليهما مجددًا، وأخذ يحيى يفرك عينيه بأصابعه قبل أن يقطع الصمت بقوله للمرة الرابعة على التوالي:
-إزيك يا وئام؟
فانفجـ ـرت وئام ضاحكة، وضحك هو الأخر، دلف رائد للغرفة وبدل نظره بينهما رافعًا إحدى حاجبيه ثم جلس جوار أخته وقال مداعبًا:
-أنا سامع صوت الضحك من بدري ممكن أعرف السبب؟
وفور انتهاء رائد من سؤاله دلفت شيرين بصحبة والدة يحيى للغرفة وتبعهما دياب…
وبعد فترة غادر يحيى دون أن يتحدث مع وئام وعند تشيعهما مال يحيى على أذن رائد وقال:
-أنا متكلمتش من أختك كلمتين على بعض… ابقى كلمها عني ينوبك ثواب…
-متقلقش خالص أنا في ظهرك يبني…
ضحك يحيى وعانق رائد فقد شقت السعادة قلبه عندما أحس بقبول مبدأي من ناحية وئام وأهلها كذلك…
★★★★★
انتظرت نداء عصر اليوم بفارغ الصبر، كانت السعادة تتجول بين غرفات قلبها، أخذت تساعد والدتها في تنظيف البيت وتحضير الطعام وأيضًا إعداد حالها نفسيًا قبل ظاهريًا…
مر الوقت وارتفع أذان العصر، فدخل والدها للبيت ومعه الفواكه وزجاجات العصير، خاطب نداء بتعجب:
-إنتِ لسه ملبستيش؟ الجماعه في الطريق!
سألته دينا:
-هو من اللي جاي معاه يا رشدي؟
-العريس وباباه…
قالها غامزًا بعينيه لنداء التي تبسمت بحياء، فطالعتها دينا وقالت:
-طيب ادخلي البسي يا نداء متضيعيش وقت…
مال رشدي نحو نداء وقال:
-مش ناويه تغيري رأيك وتلبسي الفستان الأحمر…
طالعته نداء بنظرة جانبية فاستطرد:
-طيب خلاص يا ستي إنتِ حره… إنتِ الخسرانه.
قطعت دينا حوارهما هادرة بنداء أن تتجهز، فأومأت نداء ودخلت غرفتها، وحين سمعت صوت بوق السيارة نظرت خلسة من خلف ستار النافذة فأبصرته يرتجل من السيارة ثم يدنو من والدها ويصافحه، رفع بصره وطالع نافذتها وكأنه قد شعر بوجودها فاستدارت ووضعت يدها على قلبها المنتفض.
خرجت نداء من غرفتها للمطبخ وسألت والدتها:
-هما قعدوا في المحل تحت ولا إيه؟!
-باين كده!!
لوت نداء فمها لأسفل بتعجب وعادت لغرفتها، وبعد فترة دلف رشدي للبيت متجهم الوجه، وقف لبرهة صامت والحيرة تُطل من عينيه وكأنه يشاور نفسه أيقول الآن أم ينتظر، فسألته دينا:
-مالك؟!
-هـ… هبقا أقولك بس اعملي شاي وهاتيه تحت…
قالها وانصرف على الفور دون انتظار تعليقها مما أثار قلقها…
انتظرت نداء أن يناديها والديها ولكن طالت المدة فوقفت تُطالع الطريق عبر النافذة فأثار انتباهها دخول علي مع أخيه الأكبر للمحل، ابتسمت وسألت حالها هل هما عريسان في نفس الوقت!!
اتسعت ابتسامتها ولكن سُرعان ما تلاشت حين رأت دياب ورائد يغادران ثم دلف والدها للبيت بصحبة علي وأخيه…
وقفت مشدوهة طالعت رائد وهو يغادر بأعين متسعة ذهولًا وصدمةً، تتسائل لمَ انصرف قبل أن يقابلها! ألم يأتي لطلبها للزواج؟! تُرى ماذا حدث؟ تشوش تفكيرها وصفع القلق قلبها صفعة أسقطته بأخمص قدميها ومما أثار حدة الأمر والدتها_ التي دخلت الغرفة للتو_ وخاطبتها بنبرة يتجلى بها الشجن:
-طلع جاي عشان حاجه تانيه خالص… يعني فرحتنا كانت على الفاضي…
تسرب الحزن إلى قلبها ليطرد ذرات السعادة منه شيئًا فشيء حتى أظلم، فلم يكن إلا سرابًا وبمجرد وصولها إليه لم تجده؟!
شعرت بعاصفة قـ ـوية هزت غرفات قلبها، ودكت آمالها، ادلهمت نظراتها وتناثرت أحلامها ذاهبة مهب الرياح…
-بس فيه عريس تاني اتقدملك وقاعد مع بابا بره… يلا عشان تقابليه…
جذبها من خضم أفكارها تلك العبارة التي ألقتها والدتها، فتظاهرت نداء بالإبتسامة لتواري حرجها، قائلة:
-أنا فرحانه أوي إنه مطلعش جاي يتقدملي وإلا كان هيبقا فيها إحراج لأني كنت هرفضه… أ… أ… أنا مبفكرش في الجواز دلوقتي… أ… أنا لسه صغيره على الكلام ده… ومش عايزه أقابل حد تاني…
قالت نداء أخر جملة وهي تهز عنقها بالنفي، فقالت والدتها:
-بس باباكي قالي خلي نداء تجيب العصير وتيجي متحرجهوش مع الناس…
ابتلعت نداء الغصة التي تتلوى بحلقها وقالت بإماءة خفيفة وبنبرة تجلى بها خيبة الأمل:
-حاضر…
استرسلت بمرح زائف:
-بس كويس إن رائد مطلعش العريس… أصله طويل أوي يا ماما وأنا مبوصلش لحد كتفه… يعني أنا وهو مننفعش لبعض بأي شكل… غير إنه د**مه تقيل وأنا ما برتاحلهوش أصلًا…
-اسكتي يا بت إنتِ متعرفيش حاجه دا كتر خيره كان جاي يفرحنا بخبر تاني… بيقول إن الحكومة وافقت تعمل عملية نادر على نفقة الدولة… وهنسافر كمان كام يوم….
لم تعقب نداء ومع أنه خبر مُفرح إلا أن الخذلان احتـ ـل قلبها وأوصد الباب، فلم تستطع السعادة الولوج مرة اخرى بأي صورة.
-يلا تعالي ورايا عشان تدخلي بالعصير…
قالتها دينا وهي تنصرف وتبعتها نداء بخطوات ثقيلة، والحزن يتمشى بين ملامحها رغم محاولتها الفـ ـاشلة في رسم الإبتسامة على مُحياها…
دلفت للغرفة وبيدها العصير ألقت السلام ووضعته ثم همت أن تنصرف فناداها رشدي:
-تعالي اقعدي يا نداء…
جلست قبالة علي مطأطأة الرأس تفكر فيما آلت إليه الأمور! لو علمت أنها ستقابل علي لارتدت الفستان الأحمر! فستان المتسولين كما أطلقت عليه…
لم تنتبه إلا على خروج والدها للشرفة برفقة أخو علي وتركها بمفردها معه علي الذي أخذ يسألها عن أحوالها وهي تجيبه باقتضاب حتى قال:
-نداء أنا بحبك عشان كده كنت بكلم دعاء تلين دماغك من ناحيتي لكنها كانت طول الوقت بتقنعني إنك مرتبطه وماشيه مع ولاد…
أطلقت نداء ضحكة كالزفرة وقالت:
-إنت جاي ليه؟! سبق وعرضت عليا الجواز وأنا رفضت!… أنا وافقت أقابلك عشان محرجش بابا لكن….
تنهدت واستطردت:
-لسه بدري أوي عشان أفكر في موضوع الجواز…
-أنا مستعد أستناكي.
نهضت واقفة وقالت:
-أنا آسفه… ربنا يرزقك ببنت الحلال…
نهض هو الأخر وحاول استمالتها لكنها انصرفت دون تعقيب وغادر هو الأخر يجر أذيال الخيبة…
***********
من ناحية أخرى وصل رائد لبيته ودخل غرفته بوجه عابس، فمنذ سمع علي يطلب نداء للزواج وهو يشتـ ـعل غضبًا لأنه سبقه إليها، خشى أن توافق عليه وتضيع منه فحمل هاتفه وأبّ لطلبها لكنه تراجع لن يخطئ ككل مرة! وإن كان له نصيب فيها سيخبئها الله له، تركها لله وتوكل عليه، ورغم لوعة فؤاده وغيرته إلا أنه تحكم بمشاعره، وأغلق جفونه لينام عله يفر من تلك الهواجس والأفكار التي تتجول بخاطره…
*********
وبعد يومين قضتهما نداء في حزن مطبق، وصمت عارم ورفض قاطع لـ علي، استيقظت صباحًا أثر نقرات العصفورة نافذة غرفتها ارتدت ثيابها بعدما خلعت رداء الوهم وقررت التعافى من تلك الصفعة التي أعطتها لنفسها، فلم يخطئ إلاها، وهي المذنب الأول بما حدث لقلبها…
دلفت للمركز والقت السلام على أمنية التي قالت بحـ ـماس:
-دودو… مش عايزه تشتغلي في جمعية خيريه؟
-هلم تبرعات ولا ايه!
قالتها بابتسامة فاترة، فشرحت أمنية:
-لأ دي جمعيه للمكفوفين ممكن تكوني رفيق لحد في الامتحانات أو بتساعدي إننا نحول كتب معينه على طريقة برايل…
زمت نداء جفونها متسائلة:
-حلو أوي… وفين الجمعية دي؟
أعطتها أمنية العنوان وأردفت:
-إحنا كمان شغالين دلوقتي إن يكون فيه أبلكيشن على الموبايل هنساعد فيه الصم والبكم وهنقرا فيه كتب عن طريق لغة الإشارة… بصي هنوسع مجالنا جدًا الفترة الجايه ورئيس الجمعية دماغه شغاله… ربنا يوفقه.
صمتت نداء تفكر بإعجاب في تلك الجمعية وعزمت على الإلتحاق بها علها تشغل جُل وقتها فكما قال عمرو ابن الخطاب:
«إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة»
وحين طال صمتها سألتها أمنية:
-إيه رأيك؟
-موافقه طبعًا…
-خلاص تمام هاخدك معايا النهارده… بعد الشغل عندنا إجتماع…
-متحـ ـمسة جدًا للإنضمام…
وحين دلف رائد للمركز تحاشت النظر إليه أما هو ألقى عليها السلام وسألها عن أحوالها فأجابته باقتضاب، وقف أمامها لبرهة وقد ترددت الكلمات في صدره لكن لم يقوى على قولها، كان يود سؤالها عن العريس لكن قاوم رغبته المُلحة وصرف نفسه عن مراده بابتلاع كلماته.
مر الوقت وانقضت ساعات العمل، سارت نداء جوار أمنيه التي أخذت تُحدثها بإستفاضة عن تلك الجمعية وازداد حـ ـمـ ـاس نداء للإلتحاق بها، سألتها:
-بس الجمعية دي بنات بس ولا بنات وولاد؟
-مختلطة بس الشباب اللي معانا محترمين متقلقيش ومش بيتكلموا إلا في الشغل والمفيد وبس… مفيش هزار…
أومأت نداء، وران بينهما الصمت حتى قطع طريق نداء فتاة، ألقت السلام فوقفت أمنيه تبدل نظرها بين نداء ودعاء التي قالت:
-مش بتردي عليا ليه؟ عايزه أتكلم معاكي يا نداء!
حمحمت نداء وقالت بجفاء:
-هنتكلم في إيه؟
صمتت دعاء لبرهة وبررت ما فعلت بقولها:
-نداء أنا كنت بحميكِ منه…
ضحكت نداء وقالت بتهكم:
-لا كتر ألف خيرك…
أضافت دعاء دون اكتراث لتهكمها:
-يا نداء علي شخص مش كويس…
-قولتيلي الكلام ده كتير…. وكفايه يا دعاء لو سمحتِ… علي اتقدملي امبارح وانا رفضته ولو هو آخر شخص في الدنيا مش هوافق عليه.
دعاء بصدمة:
-اتقدملك ازاي!!!!
تجاهلت دعاء جملتها السابقة ومسكت ذراع نداء بحنو مصطنع مردفةً بلجلجة:
-طيب هو إحنا هنفضل متخاصمين كده! الدراسه قربت تبدأ وإحنا….
قاطعتها نداء التي أفلتت ذراعها منها وقالت بجمود:
-دعاء أنا مش مخاصماكِ لكن إنتِ نزلتِ من الدور الثالث للدور الأول.
جزت دعاء على أسنانها وهي تسأل:
-يعني إيه؟!
-افهميها بقا… وبعد إذنك عشان عندي شغل…
مسكت نداء يد أمنيه وهمت أن تغادر، فخاطبتها دعاء بنبرة مختنقة:
-نداء أنا محتاجالك…
-معلش يا دعاء مش فاضيه والله….
-مكنتش أعرف إن قلبك إسود كده؟!
حدجتها نداء بنظرة مبهمة وقالت بجمود:
-معلش أديكِ عرفتي… بعد إذنك…
انصرفت نداء، لم تندم على ما فعلت فلو لمس قلبها صدق كلام دعاء لكانت عانقتها وانتهى الأمر، لكنها رأت الخبث يتجول بين عينيها…
كان الفضول يطل من عيني أمنيه التي حاولت كبحه بعدم سؤالها عما حدث معها، لاح على شفتي نداء شبح ابتسامة وقالت:
-اسألي عادي…
إنطلقت أمنية قائلة:
-هي عملت إيه؟!
قصت عليها نداء بإيجاز فسألت أمنية:
-وكنتِ بتحبي علي ده؟
-ولا عمري فكرت فيه! بس كنت بحبها هي واتوجعت لما عرفت إنها بالخبث ده… شايفه إني ظلمتها؟
-مش عارفه… يلا وصلنا.
قالتها أمنيه وأشارت لحديقة عامة يتجمع بها خمس شباب وفتاتين، ألقت أمنيه السلام وعرفتهم بنداء قبل أن تجلس، فقال أحد الفتية مخاطبًا الأخر:
-كل مره الأستاذ المدير بيجي متأخر…
ضحك الشباب ولم يشارك الفتيات بأي كلمة سوى إبتسامة صغيرة شقت طريقها، هتف شاب أخر:
-أهو وصل… وجايب القرود معاه…
وقبل أن تلتفت نداء تحـ ـرشت رائحته بأنفها فأغلقت عينها، عرفته قبل أن تسمع صوت عمرو وعامر، قالت وهي مغمضة العينين:
-رائد!!!
-أيوه…
قالتها أمنيه بعدما سمعت سؤالها، فمالت نداء نحوها وقالت بلوم:
-ما قولتليش ليه؟
قاطعها جلوس رائد بعد إلقاءه السلام واعتذاره عن التأخير، وحين أبصر نداء ابتسم وقال:
-أنا شايف ناس جديده انضمت لينا…
وجه الفتيات نظرهن نحو نداء فأطرقت بخجل، سُرعان ما أخذ حديثهم منحنى الجد، وتابعت نداء في صمت، لم يأخذ ذلك الاجتماع أكثر من دقيقتين وقطع عمرو الحديث قائلًا:
-إيه رأيكم نطلب بيتزا الأول وبعدين تكملوا كلام…
رد شاب:
-انا جعان فعلًا بس بقول فطير أحسن…
قال شاب أخر:
-لا لا نطلب شاورما…
رائد ساخرًا:
-بيتزا وفطير وشاورما!!! إنتوا عارفين خطورة الحاجات دي على الصحة ولا لأ!
قال شاب:
-وهو إيه حوالينا أصلًا مبقاش خطير؟
ردت الفتاة الأخرى وكانت أخت الشاب:
-اعتقد الهواء اللي بنتنفسه بقا فيه خطوره على صحتنا!
قال رائد:
-وأعتقد برده إن فيه فرق لما واحد يجيب إزازة سم ويشربها وواحد تاني حد يجبره يشرب!….
قال شاب:
نعم هناك فرق فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«رُفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»
رد شاب أخر:
-قصدك إن إحنا بننتحر!!! دا كلام كبير يا رائد! الانتحار حرام لكن الأكل مش حرام!
تدخلت نداء قائلة:
-الأكل شهوة وغريزة موجودة جوانا وطلما شهوة يبقا لازم نتحكم فيها…
أضاف رائد:
-وطالما العقل السليم في الجسم السليم يبقا لازم نحافظ على جسمنا عشان عقلنا يفضل سليم… والحاجات دي غلط جدًا على صحتنا وجسمنا واحنا عارفين كده كويس…
ضحك الشاب وقال:
-يا إستاذ ربنا هو خير حافظ…
علقت نداء دون أن ترفع بصرها:
-وربنا برده قال: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة…﴾
لم يعلق أحد على عبارتها فأضافت أمنية وكانت أكبرهم سنًا:
-وربنا سبحانه زي ما خلق الداء خلق الدواء طيب هقولكم معلومه عرفتها بالصدفه… تعرفوا إن الحاجات المحمره بتجيب سـ ـرطان لكن لو أكلت معاها سلطه بتمنع السلطة تكون الخلايا السـ ـرطانية.
قال عامر:
-يبقا نطلب شاورما ومعاها سلطه.
انفـ ـجر الجميع بالضحك، عدا رائد الذي قال بجدية:
-هدوء يا جماعه مينفعش كده إحنا انحرفنا عن منحنى الموضوع… يلا يا عمرو إنت وعامر العبوا بعيد على ما أخلص…
كانت نداء تبدل نظرها بينهم، وبعد عشر دقائق من الحديث الجاد قال رائد:
-الإجتماع انتهى تقدرو تتفضلوا… واتمنى تشوفوا متطوعين للعمل معانا عشان الشغل هيزيد…
انصرف رائد كان معه سيارة والده، وعمرو وعامر يركبان بالمقعد الأمامي ويتشاحنان كالعادة…
ظل رائد واقفًا أمام سيارته منتظرًا خروج نداء، وحين رآها أقبل نحوها وقال:
-تعالي أوصلك للموقف في طريقنا…
أشارت أمنية خلفها وقالت لنداء:
-أنا جوزي مستني هناك… روحي معاهم إنتِ.
أومأت نداء وركبت بالمقعد الخلفي فلا تريد التأخر وقد أوشكت السماء أن تشيع الشمس وتستقبل القمر…
مر الطريق في صمت تخلله بعض الحديث العابر بين رائد وأخويه حتى وصلت لموقف السيارات وارتجلت من السيارة.
وقف رائد يتابعها وهي تتوجه صوب سيارة الأجرة، فجذب انتباهه رؤية علي يقبل نحو نفس السيارة ومعه فتاة عرفها من النظرة الأولى فهي نفسها صديقة نداء ووئام وهيام التي تدعى دعاء!
حين أبصرتهما نداء تسمرت مكانها وكأنها صُدمت، أصر رائد على أسنانه وطفق يتابع بترقب شديد ودعاء تدنو من نداء، نظر رائد للطفلان وقال:
-متنزلوش من العربيه أنا جاي حالًا…
وحين رنى منهم تناهى لسمعه صوت دعاء ونبرتها المغلفة بالسخرية:
-أنا وعلي هنتخطب مش هتباركيلنا يا نداء…
أطلقت نداء ضحكة كالزفرة وهزت رأسها باستهانة مرددة:
-فرحتلكوا أوي لايقين على بعض…
قالتها نداء تزامنًا مع حمحمة رائد فانتبهت نداء لوجوده، قال رائد بابتسامة مغلفة بالإستهزاء:
-مبروك الخطوبه يا… يا علي مبتضيعش وقت إنت براڤو عليك…
وقبل أن يعقب أحدهما استطرد رائد:
-أنا كمان قررت مضيعش وقت… باركولنا إحنا كمان خطوبتنا قريب إن شاء الله…
نظر كل من عمرو وعامر لبعضهما بأعين متسعة وعادا للسيارة مهرولين قبل أن يكتشف رائد وجودهما…
صُدم الجميع من جملته وأولهم نداء التي قالت بللامبالاة قبل أن تصعد سيارة الأجرة:
-عن إذنكم.
وضع رائد يده على أذنه وقال:
-ابقي كلميني لما تروحي يا نداء.
لم تدلي نداء بأي رد فعل فقد استغربت فعلته تلك! تسائلت ماذا يقصد أفعل ذلك ردًا لكرامتها أم أنها حقيقة! هل سيخطبها؟! لا لن تتعشم مجددًا، فإن القلب لا يتألم ولا يُطعن إلا إذا وثق وأحسن الظن فخُذل، فالثقة بغير الله تُهلك القلب.
انصرف رائد في حين نظر كل من علي ودعاء لبعضهما وأخذ الغيظ يتمشى بين قسمات وجههما.
وفي السيارة تعجب رائد فقد ركب عمرو وعامر بالمقعد الخلفي على غير العادة، كان رائد يتابع تهامسهما عبر المرآة، همس عمرو:
-هنعمل ايه؟
-هنقول لماما طبعًا…
قالها الأخر هامسًا، وغفل رائد عن متابعتهما حين أضاء هاتفه برقم محمد فأجاب على الفور….
بقلم آيه شاكر
★★★★★
غيرت هيام الصورة الشخصية للواتساب لصورة لنفسها قد التقطتها مؤخرًا كانت متعمدة ليراها محمد، ففي خلال اليومين السابقين طلبها كثيرًا ولم تجب عليه، متظاهرة بعدم اكتراثها له!
وبعد دقيقة أرسل لها عبر الواتساب:
-أنا هنا…
وثبت هيام واقفة وهي تخاطب نفسها:
-هنا فين؟
خرجت من غرفتها فوجدت والدتها تتحدث عبر الهاتف ووئام تقف بالشرفة شاردة، ووالدها لم يأت بعد، فأرسلت له:
-هنا فين؟
أرسل على الفور:
-زعلان منك عشان مبترديش عليا.
-معلش كنت مشغولة…
-شيلي الصوره الشخصيه دي…
-ليه؟
لم تصله الرساله، لا تدري أحظرها أم أغلق النت…
دلف رائد للبيت مندفعًا كان الإضطراب قابعًا بين عينيه، خاطب والدته بلهفة:
-بابا فين يا ماما برن عليه مش بيرد؟
قالت بلامبالاة:
-لسه في المحل…
سألته هيام:
-فيه إيه؟
قال:
-وصلوا لقاتل رغده… ولازم نروح القسم حالًا…
قالت هيام وهي تصر على أسنانها:
-طلع مين ابن الـ…..؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سدفة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *