روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السابع 7 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السابع 7 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت السابع

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء السابع

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة السابعة

٧–” قلب ذاق الهوى مُراً ”
أسدل عاصم جفنيه بيأس ، بعد سماع صوت صياحه الذى لم يكف عنه منذ رؤية وجهه ، فلابد أن يتحلى بالصبر والحلم ، حتى يفرغ من سبابه اللاذع ، الذى نال منه ومن رجاله ، فبعد رؤيته له وتهديده له بالقتل ، راح يقذفه بالسباب ويلعنه على أنه قطع عليه الطريق
ولكنه يعلم أنها ليست مهمة سهلة أن يتحدثان كراشدين ، فراسل دائماً ما يسبقه لسانه فى إبداء غضبه ونزقه من رؤية أحد يحمل إسم ” النعمانى ” فالوحيدة التى يستثنيها هى ” ميس ” فقط ، فالعداء والكره الذى غرس به منذ صغره ، لن يستطيع التخلص منه الآن
زفر عاصم قائلاً بهدوء :
– خلاص خلصت شتيمة وقلة أدب نتكلم بقى يا دكتور راسل
رمقه راسل بضيق ، وأنفاسه مازالت تعلو غاضبة ، تحمل على أجنحتها إستياء عارم ، كمن أثار حفيظة وحش ثائر ، لم يكن يرغب أن يزعجه أحد بتلك اللحظة ، وخاصة أنه عائد من بحر ذكرياته المُرة
وضع سلاحه النارى بخصره ، يضم كفيه قائلاً بنفاذ صبر:
– خير إيه لازمة اللى عملته ده وشغل قطاع الطرق اللى رجالتك عملوه
أقترب منه عاصم ، فقبض على ذراعه ، يسحبه من مرفقه ، ليبتعدا قليلاً عن السيارة وعن الرجال الواقفين ، يرى على وجوههم نظرات كاره ، يودون لو يفتكون بذلك الذى لم يمهلهم فرصة ، بل بدأ العراك كمن كان بإنتظاره
سحب راسل ذراعه من يد عاصم بعنف معقباً :
– سيب دراعى ومتمسكنيش كده تانى مفهوم ، مبحبش حد يلمسنى وخصوصاً لو كان من عيلة النعمانى
رفع عاصم كفيه بإستسلام ، يحاول أن يهدأ من ثورته وغضبه :
– تمام يا راسل شيلت إيدى ممكن تهدى شوية علشان نعرف نتكلم بقى وإن كان على اللى حصل فأنا بعتذرلك عن الطريقة دى ، بس مكنش قدامى حل علشان عارف انك اول ما تشوفى سواء فى المستشفى أو البيت هتعمل كده ، وأنت عارف أن كنت بسيبك تتكلم وتزعق براحتك ، فطبعا مش حابب حد يتفرج علينا ، أنا برضه عاصم النعمانى اللى بيتعمله ألف حساب من الكبير قبل الصغير
رفع راسل حاجبه الأيسر يبتسم بسخرية فجة :
– عمر عيلة النعمانى ما هتبطل الغرور اللى فيها أبداً وأولهم عمك الامبراطور رياض النعمانى ، بس انا بقى لا بخاف منك ولا منه ، بمعنى أصح الخوف بقى ممسوح من قاموسى ، زى ما اتمسح منه كل معانى الذوق والأدب يا عاصم بيه
فهذا واضح للعيان ، ولا حاجة به لذكره ، فيكفى تلك المرات القليلة التى تقابلا بها بالسنوات الأخيرة ، وتنتهى نهاية مخزية من جانب ذلك الشاب ، الذى لا يضع للفوارق العمرية حساباً لديه ، فيسبقه لسانه فى الحط من شأنه كونه من عائلة النعمانى
فغرز عاصم يده بشعره مغمغماً بإرهاق:
– عارف يا راسل وأنا مجتش النهاردة إلا علشان عمى رياض وعلشانه أنا مستعد أستحمل حتى سخافة ردودك وأفعالك وطولة لسانك
حول راسل بصره عن وجه عاصم ، بعد رؤيته سيارة تمر من أمامهما ، فرفع يده ينظر لساعة معصمه فهتف به قائلاً ببرود :
– وهو عمك عايز منى إيه ياريت تقول بسرعة علشان عايز أروح ورايا بكرة عمليات كتير ومش مستعد أضيع الليل كله وأنا واقف أسمعك
أشار عاصم لأحد رجاله ، الذى تقدم منه ، فهمس بأذنه بما يريد منه أن يفعله ، فقطب راسل حاجبيه بغرابة ، كأن يحاك له شيئاً بالخفاء ، فهو أصبح لا يثق بأحد ، ولكن وجد الحارس يبتعد ، يقترب من السيارة الخاصة بعاصم ، فأخرج منها حقيبة جلدية ، أخذها وعاد إليهما وناولها لعاصم
أخذها منه عاصم يقربها من راسل وهو يقول :
– الشنطة فيها حوالى مليون جنيه ، ودول بعتهم عمى ليك
زوى راسل ما بين حاجبيه قائلاً بتساؤل :
– مليون جنية ! وهو بعتهملى ليه إن شاء الله أعمل بيهم إيه يعنى
أجابه عاصم بدون إكتراث :
– معرفش هو قالى أديهم لراسل فجبتهملك تعملى بيهم ايه معرفش إن شاء الله حتى تجيب بيهم ترمس هو ادانى أمانة وجبتهالك وكده تبقى مهمتى خلصت
وضع عاصم الحقيبة بين ذراعي راسل ، بشئ من الخشونة ، فهو تحمل الليلة ما زاد عن طاقته من الصبر ، فى الاستماع لتلك الترهات من راسل حسب معتقده
ولكن قبل أن يبتعد رد إليه راسل الحقيبة قائلاً بجفاء :
– خد شنطتك معاك وقل لعمك هو مش عايز منك حاجة ولو ملا البحر فلوس ، برضه مش هنسى اللى حصلى ،وقوله كده راسل مش هيسامح سلام
عاد راسل لسيارته ، بينما ظل عاصم واقفاً مكانه ، يفكر فيما سيخبر به عمه ، عندما يعود ويخبره بفشله فى تنفيذ مطلبه ، وتلك هى المرة الأولى التى يخفق فى فعل شئ كان يريده منه ، ألقى عليه راسل نظرة أخيرة من نافذة سيارته ، وهو يمر من جانبه ، يقودها بسرعة فصغيرته بدأت تفيق من نعاسها ، فاليوم خرج من المنزل لينهى أمراً مستعصياً ، ويضع له حداً ، ليعود بمزاج ثائر وساخط ، فلا شئ أراد فعله اليوم سار على ما يرام ، فالنتائج جميعها كانت مخيبة لآماله
بوصوله للبيت ، وضع سجود بين ذراعى وفاء ، يصعد الدرج بخطوات سريعة تشبه القفز ، حتى وصل لحجرته ، فأغلق الباب خلفه ، وبدأ بخلع ثيابه يلقى بها على الأرض ، وأرتمى على فراشه يحملق بسقف الغرفة ، كأنه يرى ذلك الولد الصغير ، الجالس بالظلام ، يضم جسده الهزيل بذراعيه ، يرتجف إذا إستمع لصوت بالخارج ، كأن الأصوات كالسياط التى تنذره بعقاب عسير
مزهرية صغيرة على الكومود بجوار الفراش ، كان مصيرها إرتطامها بالأرض لتتحطم شر تحطيم ، فهو الآن بأوج غضبه ، ولابد من شئ ينفث به ذلك الغضب
____________
فى اليوم التالى …..
عادت ولاء لمتجر والداتها ، بعد أنتهاء دوام عملها بالمصرف ، فتبسمت لها إسعاد ، تخبرها بأنها جاءت بالوقت المناسب ، فهى ستذهب الآن لإحدى شركات العطور من أجل الحصول على عطر رائج لدى تلك الشركة ،وسؤال العديد من الزبائن عنه ، فقررت هى الذهاب بنفسها لهناك ، بالرغم من أن ولاء أبدت اقتراحها بمهاتفة أحد المندوبين لدى تلك الشركة ويأتى لها بما تريد ، ولكن قابلت إسعاد أقتراحها بالرفض ، فهى دائماً ما تعقد الإتفاق بينها وبين صاحب الشركة
فاخذت إسعاد حقيبتها و هى تقول :
– أنا مش هتأخر بس خدى بالك من نفسك والمحل وبلاش خناق مع الزباين الرجالة يا ولاء
حاولت ولاء كتم ضحكتها من ملاحظة والداتها ،ولكن لم تفلح فى ذلك ، فتعالت ضحكتها قائلة :
– ربنا يستر يا ماما ماهم اللى مستفزين ورخمين
هزت إسعاد رأسها بقلة حيلة وهى باسمة ، سرعان ما تهدلت ملامحها بحزن ، فهى تعلم أن أبنتها لا تفعل كل هذا ، إلا بسبب القسوة التى تجرعتها من والداها ، فأحياناً تشعر أن عيناها تحمل لها إتهاماً صريحاً ، بأنها هى السبب بكل هذا ، ولكنها محقة ،فهى من جلبت هذا لنفسها منذ البداية
خرجت إسعاد من شرودها وتفكيرها ، بعد رؤية إحدى النساء تلج المتجر ، وبدأت ولاء فى عرض العطور التى تريدها ، فأخذت المرأة ما أرادته ، بعدما ناولت ولاء النقود التى طلبتها ثمناً لها
بعد خروج المرأة من المتجر ، جلست ولاء على المقعد ، تتصفح مجلة خاصة بالعطور ، فسمعت صوت أقدام قادمة ،فرفعت رأسها لترى من القادم
فألقت المجلة من يدها بغضب بعد رؤية ذلك الرجل المدعو فؤاد ، فقبل أن ينبث ببنت شفة ، كانت هى تسبقه فى الإعراب عن مقتها لرؤيته
فصاحت به بصوت عالى :
– أنت إيه اللى جابك هنا وعايز إيه
رفع فؤاد نظارته السوداء يضعها بمنتصف رأسه ، يجيل ببصره بالارفف المحمولة بقنينات العطور ، فأجابها هازئاً :
– هو مش المحل بتاع برفانات برضه جاى أشترى زبون يعنى
عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة من بين صفى أسنانها المتراصان كحبات لؤلؤ من شدة عنايتها بهما:
– وماله ميضرش ، خير حضرتك عايز أى نوع بريفيوم
رفع يده يشير لقنينة عطر قائلاً بتفكير :
– ورينى دى ودى كمان واللى هناك دى واللى على الرف اللى فوق واللى محطوطة تحت خالص دى وعايز كل أنواع البريفيوم الرجالى اللى عندك وكمان الحريمى ، أصل بحب ريحة البريفيوم الحريمى أوى ،هو أنتى بتستعملى بريفيوم من ماركة إيه
إلتفتت إليه ولاء ، بعدما كانت توليه ظهرها لتأتى له بما أشار إليه ، فهى تعلم أنه قادماً فقط من أجل إغاظتها ، وليس من أجل شراء العطور
فزفرت بخفوت قائلة بسماجة :
– ماركة هوينا أحسن نجيب ونحط عليك عارفها
– أول مرة أسمع عنها بس أكيد تناسب واحدة لسانها طويل زيك
قالها فؤاد ببرود ، وهو يقلب قنينة عطر بين يديه ، يرى الشعار الذى تحمله ، يتغاضى عن النظر لوجه تلك الفتاة بعدما ألقى بملاحظته السخيفة بوجهها
فوضعت ولاء ما تحمله ، وهى تحاول إستدعاء هدوءها الذى تفتقر إليه عندما ترى رجل وخاصة إذا أسرع فى مضايقتها ، وخروجها عن طورها
فأجابته قائلة تحاول أن يخرج صوتها هادئاً :
– بقولك إيه أنت هتمشى من هنا بهدوء ولا أكسر ازايز البريفيوم دى كلها على دماغك وأبيتك النهاردة فى القسم
بانحناءه إليها ، يستند على الزجاج الفاصل بينهما ، جعلها ترتد بجسدها قليلاً للخلف ، فعاد وإبتسم تلك الابتسامة الكارهة ، التى تجعلها تنفر منه أكثر فأكثر
– طب أهون عليكى تعملى كده ، أنا مش عارف دماغك ناشفة ليه كده دا أنا اللى تصاحبنى أو تعرفى بعيشها فى عز وهنا
– دا على أساس أنك من بقية أهلى يا أخويا مافى ستين داهية تاخدك وأنت فعلاً واحد قليل الأدب وزبالة
نطقت ولاء بعبارتها ، وهى تخرج من مكانها خلف المكتب ، فرفعت ذراعها معقبة :
– يلا أمشى غور من هنا داهية تاخدك أنت وأمثالك
صوتها العالى ربما سمعه المارة بالشارع ، فهى عندما تبدأ بالصياح ربما سيسمع صوتها من يبعد عنها بعدة أمتار فهرولت وفاء إلي المتجر المجاور لها ، بعد سماع صوت صياحها العالى ، فولجت للداخل قائلة بإضطراب :
– ولاء فى إيه بتزعقى ليه كده خضتينى
ألتقطت ولاء أنفاسها ، التى سلبها سماجة ذلك الرجل وحنقها منه ومن عرضه المقزز ، فأقتربت من وفاء تربت على ذراعها تطمئنها :
– مفيش يا طنط وفاء دا زبون بس رخم وهيمشى دلوقتى وإلا هطلبه البوليس ييجى ياخده
بكل مشادة كلامية بينهما ، تخرج تلك الفتاة ظافرة ، ويزداد حنقه منها وغضبه من ذلك الكبرياء المتملك منها ، فإن أخذ الأمر بالبداية على أنه ربما يكون دلال منها ليركض خلفها ، فصار الأمر الآن كمن لديه ثأر لديها ،ولن يهدأ قبل أن يأخذ حقه منها كاملاً على كل كلمة أسمعتها إياه
وضع النظارة على عينيه يدمدم وهو خارجاً :
– أنا وأنتى والزمن طويل يا ولاء ومش هسيبك صبرك عليا
لم تعر تهديده لها أهمية ، فإن أصر على أن يتجاوز الأمر معها ، فهى الذى لن تتركه بحاله ، ستجعله نادماً على التفكير بها منذ البداية ، بل وأنه تجرأ على أن فكر بها بتلك الدونية والسوقية من جانبه
بعد خروج فؤاد ، تملك الفضول من وفاء لمعرفة ماذا يحدث لها وهى لا تعلم ؟ فولاء دائماً ماكانت تخبرها بكل ما يسبب لها الحزن أو التعاسة ، فهما كصديقتان رغم الفارق الكبير فى السن بينهما
فربتت وفاء بيدها على رأس ولاء قائلة بحنان :
– هو فى إيه يا ولاء ماله الراجل ده
أقتربت ولاء من وفاء تضع رأسها على صدرها ، فطوقتها وفاء بذراعيها ، تربت عليها ، فبدأت ولاء تقص عليها مضايقة فؤاد لها بمكان عملها وهنا ، مصراً على اتخاذه لها كخليلة أو عشيقة ،كباقى نزواته الغرامية
فأتسعت حدقتى وفاء وهى تقول :
– نهاره أهله مش فايت دا أنا هقول لراسل يكسر رقبته كاته ضربة فى قلبه البعيد بتاع النسوان ده كمان قليل الأدب ، قال يصاحبك قال ، صاحبته حية تلدعه تجيب أجله إن شاء الله
لم تتمالك ولاء نفسها من الضحك على عفوية وفاء ،فى إظهار غضبها مما سمعته ،فظلت تضحك وقتاً طويلاً حتى دمعت عيناها
فخرج صوتها بصعوبة بعدما شعرت بألم معدتها من كثرة الضحك :
– مش قادرة يا طنط وفاء دمك زى العسل ليا حق أنا وماما نموت فيكى
أهدتها وفاء إبتسامة تقول بحنين :
– دى أمك دى يا ولاء عشرة عمرى من ساعة ما جت على أسكندرية وهى بنت ١٩ سنة
كفت ولاء عن الابتسام وهى تقول بغرابة :
– جت على اسكندرية وهى بنت ١٩ سنة إزاى وهى قيلالى أنها أتولدت هنا فى إسكندرية وأنكم أصحاب من وأنتوا كنتوا صغيرين وفى مدرسة واحدة
أدركت وفاء الآن زلة لسانها ، فأبتلعت لعابها من ملاحظة ولاء ، فكيف هى غفلت عن ذلك ؟ فتبسمت تحاول أن توارى توترها وإضطرابها خلف تلك الابتسامة التى لم تحسن إظهارها على شفتيها ووجهها
فضربت جبهتها بيدها وهى تقول كأنها تذكرت شيئاً :
– يوووه شكل دماغى لفت وجالى زهايمر ولا إيه أنا قصدى على واحدة صاحبتى تانية غير أمك عرفناها واحنا كان عندنا ١٩ سنة ، أنا راجعة المحل بتاعى تلاقى فى زباين جم وبيدورو عليا
رأت أنه من الافضل أن تذهب الآن ، قبل أن تسأل ولاء عن شئ أخر ، فوصلت لباب المتجر ولكن قبل خروجها ، إلتفتت إليها مستطردة :
– ولاء نسيت أقولك كنت عيزاكى تروحى مع سجود المول علشان تشترى هدوم جديدة هى بتحبك أنتى تشتريلها هدومها
أماءت ولاء برأسها موافقة ، فخرجت وفاء تسرع الخطى بالعودة لمتجرها ، فعادت ولاء تجلس على مقعدها ، ولكن تصنمت ملامحها قليلاً ، وهى تفكر فى ذلك الشعور الذى ملأ عقلها وقلبها من أن ربما وفاء لا تخبرها الحقيقة ، فتلك الملاحظة التى أبدتها أولاً بأنها لم تتعرف على والداتها إلا بعمر التاسعة عشر ، لتعود وتخبرها أنها تحدثها عن صديقة أخرى ، فإرتجاف صوتها وتوتر ملامحها ، جعل الشك يسكنها من أن ربما شئ مبهم يكتنف حياة والداتها وهى لا تعلم
فما هو ياترى ذلك الشئ ؟
لح ذلك السؤال على عقلها ، يعلو صوتاً بداخل رأسها ، من أن يجب أن تعلم هل صدقت وفاء بقولها ؟ أم أنها تخفى أمراً ؟
_______________
يضجع رياض على فراشه الواسع الوثير ، يجلس عاصم على مقعد بجوار الفراش ، يطرق برأسه وهو يرى طبيب يفحص رياض فحصاً طبياً يعتاده شهرياً للإطمئنان على صحته ، التى بدأت بالتراجع عندما نال منه الكبر ، ولكن رغماً عن ذلك مازالت صحته جيدة إلى حد ما ، فربما صغط دمه هو ما يواجه به مشكلة ، ولكن أموره الاخرى تسير بخير
فتقدم الطبيب من عاصم قائلاً بجدية :
– كله تمام يا عاصم بيه ورياض باشا زى الفل حتى التحاليل كلها كويسة هو بس الضغط اللى عالى شوية بس إن شاء الله كل شئ هيبقى تمام
تبسم له عاصم يبدى شكره له :
– شكراً يا دكتور وأتفضل أنت
خرج الطبيب من الغرفة ،فعاد عاصم يجلس على المقعد ثانية ، فمد يده يربت على يد رياض بمواساة :
– ألف سلامة عليك يا عمى
تبسم رياض بوهن وهو يقول:
– تسلم يا عاصم عملت إيه مع راسل
مسح عاصم وجهه براحتيه قائلاً بصوت مرهق :
– مرضيش ياخد الفلوس وقالى لو أنت مليت له البحر فلوس مش هيسامح ورجعت بالشنطة تانى زى ما اخدتها أنا قولتلك يا عمى دا دماغه ناشفة وحاولنا بدل المرة ألف وهو اللى فى دماغه بيعمله
ضرب رياض بيده على الفراش ، وعيناه تتأجج بنيران الغضب :
– دماغه دى عايزة كسرها يا عاصم ، أنا عارف أن موتى هيبقى على إيده إبن بنت الساعى ده كمان
ربت عاصم على يد رياض عدة مرات ، ليجعله يكف عن غضبه ، الذى سيؤدى بالنهاية لمعاناته من إرتفاع ضغط دمه :
– طب إهدى يا عمى دا لسه الدكتور قايل أنك ضغطك عالى وكده هيبقى غلط عليك مينفعش كده
عدة طرقات على الباب ، ولجت على إثرها سوزانا وهى تحمل حساء أعدته هى بيدها من أجل عمها ، فتبسمت لهما وهى تقترب من الفراش ، فوضعت تلك المائدة الخشبية الصغيرة التى تحملها أمام عمها
فرمقته قائلة بحزم :
– لازم تشرب الشوربة دى كلها يا عمى متعملش زى كل مرة انت لازم تتغذى كويس علشان صحتك
نظر رياض للحساء بزهد ، فهو لا يرغب بتناول شئ وخاصة الآن ، بعد سماع ماحدث بين راسل وعاصم ، فإلى متى سيظل يعاقبه هكذا ؟
رأت سوزانا تغير ملامح وجه عمها وشقيقها ، فتسائلت بقلق :
– مالكم فى إيه هو الدكتور قال حاجة بخصوص التحاليل
حرك عاصم رأسه بالنفى وهو يقول :
– لاء مقالش حاجة تقلق ، الموضوع بخصوص راسل
علمت الآن لما تجهمت ملامح وجه عمها ، وهو من كان عندما يراها أو يرى ميس تزداد إبتسامته إتساعاً حباً لهما ، فأقتربت من الفراش تنحنى إليه تقبله على رأسه وهى تغمغم :
– متزعلش نفسك يا عمى وسيبك منه بقى هو حر ، أنت هتفضل شاغل نفسك بيه لحد أمتى ، أنت حاولت معاه كتير هتعمل ايه أكتر من كده
أغمض رياض عينيه ، فلا أحد يشعر بتلك الوخزات التى توخز قلبه وضميره بدون هوادة ، فهو من عُرف عنه العدل والحكمة ، ورد المظالم والحقوق لأصحابها ، لم ينصف ذلك الشاب بالماضى ، فبغفلة من الزمن تلطخت صفحته التى خط بها إنجازاته من إتباعه منهج العدل والحق ، بغلطة أقترفها بوسوسة من الشيطان ، ليجور على حق كان من الأولى أن يرد لأصحابه ، فما فعله بالماضى ، سيظل يتجرع مرارته بالحاضر والمستقبل
فهمهم بصوت مثقل بشعوره بالذنب :
– محدش حاسس بيا ولا حاسس بوجع قلبى وضميرى لو راسل مسامحنيش أقابل ربنا إزاى وأنا ظالمه
نظر عاصم وسوزانا كل منهما للآخر ، لا يملكان ما يستطعان به تهدئة عمهما من شعوره بالذنب ، فنهض عاصم عن مقعده يغلق أزرار سترته
فرمق عمه قائلاً بهدوء :
– ما تقلقش يا عمى أنا هحاول معاه تانى بس مش عايزك تتعب نفسك وخد بالك من صحتك سلام دلوقتى علشان أروح الشركة
خرج عاصم من الغرفة ، فجلست سوزانا بجوار عمها وبدأت تطعمه بفمه ، تحثه على أن ينهى طبق الحساء كاملاً ، خاصة بعد إبداءه شعوره بالاكتفاء بعد ثانى ملعقة تناولها ، ولكنها ظلت تحاول جاهدة حتى فرغ الطبق من الحساء ، فأخذته وخرجت من الغرفة ، بعد أن أشار عليها بتركه لينال قسطاً من الراحة ، التى يعلم أنه لن ينالها قبل أن يحصل على ما يريد من راسل ، فحاول إغلاق عينيه عبثاً ، فمسح بيده على وجهه ، وهو يناجى الله بالخفاء أن يزيح عنه ذلك العبأ الذى أثقل كاهله
________________
أصابعها تنقر على مقود السيارة ، وهى تنتظر خروج نادر من المشفى ، فهى جاءت لهنا برفقة والداتها ، بعد أن أخبرها نادر بضرورة الإتيان لإصطحابه معهما ، فسيارته بالصيانة ، ومن المفترض لهما الذهاب لمتجر الأثاث لإنتقاء أثاث شقتهما ، التى لم تكن سوى الطابق الثانى من منزل ” عرفان الطيب ” فمهندس الديكور يحاول الإسراع بإنهاء الديكورات اللازمة قبل حفل الزفاف ، الذى لم يتبقى عليه الكثير
فحياء بتلك الآونة تقضى وقتها بين خروجها لشراء ما يلزمها من ثياب وما شابه ، والآن ستذهب برفقة نادر لشراء الأثاث ،ولن يتبقى سوى ثوب الزفاف وأختيار القاعة الملائمة
فمدت مديحة يدها تقبض على يدها وهى تقول :
– إهدى بقى وبطلى تخبطى على الدريكسيون وترتينى وصدعتينى يا حياء
ضحكت حياء وهى ترفع يد مديحة تقبلها :
– أنا أسفة بس فعلا اليومين دول حاسة بقلق وتوتر أوى يا ماما وخوف كمان
مسدت مديحة على رأسها ترمقها بحب :
– ده علشان بس هتبدأى حياة جديدة يا حياء بس حاولى تهدى نفسك وبعد ما نشوف العفش نروح أنا وأنتى المول علشان أشتريلك هدوم
قطبت حياء حاجبيها قائلة بتساؤل:
– هدوم إيه تانى ما أنا أشتريت هدوم كتير يا ماما
تبسمت مديحة قائلة بمكر :
– أه أشترينا هدوم بس أهم هدوم للعروسة لسه مشترينهاش يا حياء اللى هى لانج ….
قبل أن تكمل مديحة قولها ، ردت حياء قائلة بخجل جم :
– خلاص يا ماما عارفة والله أن احنا مشترينهاش كفاية إحراج بقى
ضحكت مديحة ملأ فاها وهى تسحب حياء تحتضنها :
– مكسوفة وأنا بقول إسمها اومال لما تلبسيها هتعملى إيه
أشتدت حرارة وجنتيها ، فربما فرط خجلها ، سيجعل الدماء تنفر من وجهها وسائر جسدها ، فاخفت وجهها بصدر أمها وهى تغمغم :
– خلاص بقى يا ماما إيه ده حرام عليكى ، شوية وهختفى من كتر الكسوف
وضعت مديحة قبلة على رأسها وهى تقول بسعادة :
– ربنا يتملك على خير يا قلبى ويسعدك يارب
ظلت مستكينة بين ذراعى مديحة ، ولكن لمحت خروج راسل من المشفى تتأبط ذراعه فتاة شقراء تسير بجواره ، يتحدثان ويبتسمان ، حتى وصلا لإحدى السيارات المصفوفة أمام المشفى ، فأستقلت الفتاة سيارة تنطلق بها ، بينما أستقل راسل سيارة أخرى
ظلت تنظر أمامها بهدوء ، فتذكرت أن تلك الفتاة ليست هى ذاتها التى رأتها بحفلة خطبتها ، ولكنها فتاة أخرى ، فهو يبدو عليه رجل متعدد العلاقات النسائية ، فحمدت الله أنها لم تلج للمشفى وتقابله وينشب بينهما مشادة كلامية ، فهى لا تريد أن يجتمعان بمكان واحد ثانية
دقائق ورأت نادر يقترب من سيارتها ، ففتح الباب الخلفى يجلس بالخلف ، فتبسم لهما قائلاً :
– أسف لو كنت أتأخرت عليكم يلا بينا
قادت حياء السيارة ، حتى وصلوا لأحد متاجر الأثاث الشهيرة ، فذلك المتجر يشتهر بإقتناءه أفضل صيحات الموضة بالأثاث ، فتجول ثلاثتهم ، حتى أنتهت حياء من أختيار ما تريد ، فأسرع صاحب المتجر بإحضار فاتورة بالأسعار ، ناولها لنادر ، الذى اسرع وأخرج من جيبه ، بطاقتة الائتمانية لدفع النقود ، وبعد الانتهاء خرجوا مع وعد من صاحب المتجر على أن يرسل الأثاث بالتوقيت المحدد على العنوان الذى اعطاه له نادر ، والذى لم يكن سوى عنوان منزل رجل الأعمال الثرى ” عرفان الطيب ”
قبل أن يصلوا لسيارة حياء ، ناداها نادر برفق:
– حياء أنا لازم ارجع المستشفى تانى
أماءت حياء بتفهم ، فردت قائلة برقة :
– ماشى يا نادر أنا وماما هنروح نشترى شوية حاجات متنساش العشا عندنا بالليل
همس لها نادر بصوت منخفض :
– وأنا أقدر أنسى ميعادى مع القمر سلام
رحل نادر ، وأستقلت حياء و مديحة السيارة ، ليذهبا لشراء تلك الثياب التى من المفترض أن تقتنى منها الكثير ،خاصة بأيام زواجها الأولى ، فكلما ترسم بمخيلتها أنها سترتدى ثوباً كهذا ويراها أحد به ،تشعر بأن عظامها تكاد تذوب من وطأة خجلها
_____________
رآها تهبط الدرج بخطوات سريعة ، يتطاير ثوبها حول ساقيها المكشوفين بشكل سافر ، فأخفض وجهه سريعاً وهى يستعيذ بداخله لرؤيته لها هكذا ، وأنه سمح لرماديتيه بأن تتمعن النظر بها ، وهى أتية تتلاعب بنظارتها الشمسية بين أصابعها ، ولكن ماذا يفعل بذلك الخافق ، فدقاته ربما ستسمعها خالته الآن ، وهى تجلس قريباً منه ، يحتسيان الشاى تطمئن على أحواله ، مثلما تفعل كلما أتى إلى هنا متذرعاً برؤيتها
أقتربت هند تبتسم إبتسامة متكلفة :
– هاى إزيك يا كرم أخبارك إيه
رفع ذلك الشاب الثلاثينى وجهه ، بعد سماعها تتلفظ بإسمه بصوتها الناعم ، حتى وإن كان يعلم أنها أحياناً تلقى عليه التحية وهى كارهة ، ولكن بكل مرة يتخذ قراره بعدم المجئ لهذا البيت ، يعود ويحنث بعهده لنفسه بأنه لن يسمح لقلبه ، بالتفكير بها أو التعلق بأمل زائف من أنها ربما تشعر به يوماً ما
فأبتلع لعابه يجيبها بخفوت :
– الحمد لله إزيك أنتى يا هند وأخبارك ايه
– تمام تمام مامى أنا خارجة هروح النادى شوية وبعد كده هروح لواحدة صاحبتى باى
قالتها هند وهى تتجه صوب الباب ، فهى حتى لم تنتظر لسماع رد والداتها
وضع كرم الكوب من يده يبتسم لخالته :
– هى هند على طول مستعجلة كده يا خالتو ومبتستناش تسمع الرد
حركت رأسها بيأس عارم ، من افعال أبنتها التى ربما صارت تثير غضبها بعض الأحيان ، ولكنها تلوم نفسها ، فهى من زادت بدلالها حتى صارت لما أصبحت عليه الآن ، كمن أدركت خطأها ولكن بوقت متأخر ، فبما يفيدها الندم الآن ، وأبنتها صارت شابة ربما من بمثل عمرها صرن زوجات وأمهات
كسا الوجوم وجهها وهى تجيب إبن شقيقتها :
– هند دى هتجننى يا كرم بعمايلها والله ، حتى الجواز مش راضية تتجوز ، مش عارفة هتفضل كده لحد أمتى ، دا أحسن شباب من أكبر العائلات فى إسكندرية طلبوها وهى بترفض
بذكرها مواصفات الزوج المستقبلى لإبنتها ، جعلته يدرك مكانته من تلك الأحلام التى يحيا بها من أن ربما ستكون هند له بيوم من الأيام ، فهو وإن كان يعمل بمهنة محترمة كمعلم بأحد المدارس الخاصة ، لكنه يقطن بحى ليس كذلك الحى الذى يقع به ذلك المنزل الفخم والذى تقطنه هى ، فتذكر صوت ضجيج المارة بالشارع وصيحات الأطفال ، فهى لم تطأ ذلك الحى بقدميها حتى كزيارة لهما قبل وفاة والدته ، فكيف له أن يظن أن تحيا به ، فربما هو معتوه إذا أكمل بنسج تلك الأحلام المستحيلة ، فإن كانت والدته الراحلة ووالداتها شقيقات ، فالفارق بينهما شاسعاً ، فوالدته تزوجت من رجل كان يعمل معلماً أيضاً ، بينما تزوجت شقيقتها من رجل ثرى
فحاول الابتسام وهو يقول :
– إن شاء الله ربنا يهديها يا خالتو وتتجوز وتفرحى بيها
أمنت خالته على حديثه وهى تردد:
– يااارب يا كرم يسمع منك يارب نفسى أشوفها فى بيت جوزها وأطمن عليها وهى عايشة حياة مستقرة كده وتخلفلى أحفاد بس أعمل إيه طول ماهى ماشية ورا دماغها دى وتعلقها بالدكتور اللى اسمه راسل ده هتفضل كده منشفة ريقى
فهى وسبق لها أن أخبرته بشأن تعلق هند بذلك الطبيب ، فى حين أنها أبدت إستياءها من تعلقها المرضى به ، ترغب فى أن تترك أوهامها جانباً قبل أن يمر قطار العمر ولا تشعر به
ماذلك الصوت ؟ هل هو صوت إنشطار قلبه لنصفين وتبعثر نبضاته أم ماذا ؟ فالألم لا يحتمل ، فإن كانت شفاهه تبتسم ، فقلبه يبكى دماً ، فهو لم يتذوق من الحب حلاوته ، ولكن كان نصيبه منه أن يتذوقه مُرًا لاذعاً ، فكم يتمنى لو كان قلبه بيده لينتزعها من داخله ، ويكمل بطريقه
مدت خالته يدها تربت على يده قائلة بحنان:
– وأنت يا حبيبى مش ناوى تتجوز أنت كمان ولا هتضرب عن الجواز زى هند أنا مش عارفة جيل إيه ده
أحتوى يدها بين كفيه يبادلها الابتسام :
– لسه الوقت مجاش يا خالتو ثم مين اللى هترضى تعيش فى الشقة اللى ورثتها عن أهلى وتستحمل الصداع بتاع الاصوات اللى في الشارع ، دا انا بروح المدرسة مصدع
أعقب حديثه بضحكة عالية نسبياً ، سرعان ما شاركته خالته الضحك ، فليضحك هو الآن ، ويترك قلبه يبكى على أطلال الأمنيات ، بعد أن أنتهى من جلسته مع خالته ، هب واقفاً يستأذنها بالرحيل ، مع وعد لها بالمجئ لرؤيتها قريباً ، ولم يكن ذلك الوعد سوى حماقة منه ، ليأتى ويرى تلك التى لن تعيره أهتمامها يوماً ، فربما هى لا تعترف بصلة القرابة بينهما ، فكيف لها بأن تقبل يوماً بأتخاذه زوجاً أو حبيباً
خرج من المنزل واضعاً يديه بجيبه ، تحدوه رغبته فى الذهاب للشاطئ ، لعله يلقى شكوى الحب المستحيل بالبحر ، فتحملها الأمواج العاتية مبتعدة ، فياليته يستطيع إنتزاع ذلك الحب الذى يكتنفه بين ثنايا قلبه المعذب ، بحب فتاة يعلم أنها تهوى رجل أخر
______________
ركضت سجود أمام ولاء ، التى أصطحبتها لشراء ثياب جديدة لها مثلما أخبرتها جدة تلك الجنية الصغيرة ، التى لم تكف عن الركض هنا وهناك ، تجعل ولاء تركض خلفها خشية عليها من السقوط ، أو أن تبتعد عن مرآى عيناها ، فهى أمانة بعنقها ، حتى تعود بها للبيت ، وقفت ولاء تلتقط أنفاسها اللاهثة من كثرة ركضها خلف الصغيرة ، ولكن عادت لتركض ثانية ، عندما وجدتها تقترب من الدرج الكهربائى ، فخشيت أن تسقط من عليه ، إذا أخطأت بوضع قدميها
فبلمحة خاطفة أقتربت منها تحملها بين ذراعيها ، فضحكت الصغيرة وهى ترى تأرجحها بين ذراعى ولاء
ضربت ولاء رأسها برأس سجود بخفةِ وهى تقول :
– حلو كده اللى بتعمليه ده يا سيجو هتجننينى
لفت سجود ذراعيها حول عنق ولاء قائلة ببراءة لا يستطيع أحد مقاومتها:
– ولاء أنا جعانة عايزة بيتزا عايزة أكل
وضعت ولاء قبلة على جبين الصغيرة بحب :
– بس كده من عيونى دا انا حتى جعانة تعالى نضرب بيتزا وبرجر وشيبسى وكانز ونخليها خل وأبيه راسل هيدينا بالجزمة لما يعرف اللى عملناه
صاحت سجود بفرح ، من كم تلك المغريات التى سمعتها من ولاء ، فذهبتا لأحد المطاعم بذلك المول الكبير ، اشترت ولاء طعام من أجلها وأجل الصغيرة ، ولكن نظرت حولها لم تجد طاولة شاغرة ، فكل الطاولات مزدحمة
فأنحنت رأسها تنظر لسجود تمط شفتيها:
– سجود مفيش ولا ترابيزة فاضية خالص هنقعد ناكل فين
نظرت الصغيرة حولها ، كمن تقيم الوضع ، فهى لن ترحل من هنا قبل تناول طعامها ، فركضت من أمام ولاء تتجه لإحدى الطاولات بها أربعة مقاعد اثنان منهم شاغران
فسحبت سجود أحد المقاعد وهى تشير لولاء وتصيح بصوت عالى :
– ولاء تعالى نقعد هنا فى مكان هنا تعالى بسرعة سيجو جعانة
نظرت حياء ومديحة كل منهما للأخرى ، وهما يران تلك الصغيرة الجميلة ، فتبسمت حياء على فعلتها ، ولكن اسرعت ولاء فى الاقتراب تبدى أسفها :
– أنا أسفة جدا على اللى هى بتعمله ، بجد أسفة
رفعت حياء وجهها لها وهى تقول باسمة :
– محصلش حاجة أتفضلوا اقعدوا معانا
ظلت ولاء مشدوهة بالبداية ، بعدما رأت حياء ، فكيف هذا ؟ فتلك الفتاة التى تكلمها تشبه تلك الراحة منذ سنوات طوال، فحتى وإن لم يكن الشبه متطابق مئة بالمئة ، فلا تنكر التشابه المتواجد بينهما إلى حد كبير
وضعت ولاء ما تحمله على الطاولة ، تتخذ مقعداً لتجلس عليه ، فظلت عيناها منصبة على وجه حياء ، التى بدأت بملاطفة الصغيرة الجالسة على مقعد بجوارها
أنتبهت على حماقتها فى التحديق بها بتلك البلاهة عندما سمعت صوت مديحة تخاطب الصغيرة قائلة بمودة:
– أنتى أسمك إيه يا قمورة
وضعت سجود قطعة من البيتزا بفمها وهى تقول :
– إسمى سجود وبابى وولاء بيقولولى يا سيجو
مسدت حياء على رأسها بإعجاب من طلاقة الصغيرة بالحديث:
– بسم الله ماشاء الله أنتى قمورة أوى يا سيجو صح يا ماما
أماءت مديحة برأسها ، فهى تعلم مدى حب حياء للأطفال وخاصة الإناث ، فبدأو جميعهن بتناول الطعام ، ولم تمنع ولاء نفسها من التحديق بحياء من وقت لآخر ، ولكنها خشيت أن تنتبه عليها ، وتثير غرابتها
سمعت صوت هاتفها فأخرجته من الحقيبة ، وفتحته تجيب باسمة :
– ألو أيوة أحنا فى المطعم اللى فى المول بناكل ، جاى دلوقتى تمام هنستناك ، لما توصل رن عليا هرفعلك ايدى علشان تشوفنا
ظلت حياء طوال جلستهن تداعب الصغيرة ، التى تعجبت ولاء من أنها تبادلها الدعابات ولا تنفر منها مثلما تفعل مع أى شخص غريب عنها ، فعاد هاتفها للرنين ثانية ، فوضعته على أذنيها ، ترفع يدها تشير لراسل بالاقتراب
فتبسم وأغلق هاتفه وأقترب من الطاولة ، ولكن قبل أن يصل لهما صرخت سجود بسعادة :
– باااابى
تركت مقعدها تقترب منه فأرتمت بين ذراعيه يحملها عن الأرض وهو يقبلها على وجنتها المكتنزة بنهم فقال لها :
– قلب بابى أنتى كلتوا خلاص ولا لسه وأشتريتوا لبس حلو ؟
حركت سجود برأسها نافية :
– لاء لسه يا بابى كنت جعانة وباكل
أماء راسل برأسه باسماً فتلك المرة أقترب من الطاولة ، يلقى التحية :
– السلام عليكم
بصقت حياء ما بفمها من القهوة الساخنة التى كانت تحتسيها قبل عودتها هى ووالداتها للتجول بالمتاجر ، فتساقط السائل الدافئ على ذقنها وثيابها ، يرافقه صوت سعال شعرت بأنه سيودى بحياتها ، وكل هذا من رؤيته وسماع صوته ، فما الذى أتى به لهنا ، فهى باتت تشك أنها سيئة الحظ ، فكلما تذهب لمكان تراه ، فما تلك الصدف اللعينة
وقف راسل صامتاً وهو يراها كمن تنازع للبقاء على الحياة ، فمديحة وولاء أسرعت كل منهما فى إعطاءها الماء حتى تكف عن السعال ، فهو يعلم أنها لم يحدث لها ذلك إلا بسبب رؤيته
فخرج صوته جذاباً بسخرية :
– ألف سلامة عليكى يا أنسة
رفعت مديحة وجهها تلك المرة ، فهى تذكرته الآن ، فهو ذلك الطبيب الذى أخبرتهما حياء بشأنه ، فتركت مقعدها تهب واقفة قائلة بإستياء عارم :
– هو أنت اللى كنت هتقتلى بنتى صح مش كده
فطن هو الآن من أن والدايها يعلمان بشأن ما حدث منه ،ولكن قبل أن يفتح فمه للحديث ، سبقته حياء وهى تنهض من مكانها تحدث والداتها :
– ماما يلا بينا علشان نشوف هنشترى إيه بلاش مشاكل
أخذت حقيبتها تبتعد عن الطاولة ، تعمل يدها على تنظيف ثيابها بتلك المحارم الورقية التى تحملها معها ، فتبعتها مديحة التى لم تنسى أن تهدى راسل نظرة ساخطة وعبارة مقتضبة :
– علشان خاطرها بس هسكت وإلا كنت اتصرفت معاك تصرف تانى
ولكن قبل أن تبتعد حياء أكثر ، وجدت سجود تمسك يدها ، فألتفتت إليها تنحنى لها تقبلها على وجنتيها وهى تقول :
– سلام يا سيجو
رفعت الصغيرة تلوح لها وهى تبتعد ، فجلس راسل فى المقعد المقابل لولاء التى لم تخفى تعجبها :
– هى ايه الحكاية يا أبيه أنت كنت فعلا هتموتها
مسح راسل وجهه بيديه وهو يقول :
– حاجة زى كده المهم يلا علشان نشترى الهدوم لسجود انا لما سألت ماما قالتلى انكم هنا فجيت علشان أروحكم البيت
مسحت ولاء يدها وفمها بمحرمة ورقية ، ووضعتها بعلب الطعام الفارغة تلملمها لإلقاءها بحاوية القمامة ولكن لم تستطيع كتمان ما لديها
فقالت وهى ترمقه بدهشة :
– أبيه أنت مش واخد بالك هى شبه مين أنا لما شوفتها استغربت شوية وصدقت المثل اللى بيقول يخلق من الشبه أربعين دى شبه أشجان أختى الله يرحمها
حرك راسل رأسه قائلاً :
– عارف وطلعت خطيبة دكتور بيشتغل عندى فى المستشفى ، بس هى مش بتطيق تبص فى وشى
أفتر ثغره عن إبتسامة وهو يتذكر كل مقابلتهما سوياً ، التى لم يمنع نفسه بها عن أن يثير غضبها مثلما كان يفعل مع تلك التى تشبهها ، فأشجان كان لا يتوانى عن ممازحتها وإثارة غضبها بصغرهما، وكم كان حزيناً ومازال حزنه لفراقها يلازمه برحليها عن هذا العالم
بأحد المتاجر الخاصة ببيع الثياب ، حاولت حياء التخلص مما أعتراها من إستياء منذ رؤيته ، فلم تفلح فى فعل ذلك ، فأنتبهت على والداتها التى وكزتها بكتفها ، وهى ترفع أحد الأثواب بين يديها قائلة بإعجاب :
– إيه رأيك فى ده يا حياء حلو أوى ولونه جميل
أخذته حياء تتفحص قماشه الحريرى ، ولكن وجدته فاضحاً بشكل يثير الريبة لفتاة خجولة مثلها ، ليس كمثل تلك الاثواب الأخرى التى أبتاعتها ، فهى حرصت على شراء الأشد أناقة وإحتشاماً ، فربما بعد أن تعتاد كونها زوجة نادر ، ستشترى هذا الثوب وما على شاكلته
فوضعته من يدها وهى تقول بهمس خجول:
– لاء يا ماما دا دا مكشوف أوى أو بمعنى أصح ميسترش حاجة
تبسمت البائعة بعدما تناهى لسمعها ما قالته حياء :
– ماهو كل العرايس بيشتروا من الحاجات دى وده أحدث موضة ودى اخر قطعة موجودة كل الكمية اللى جت أتباعت كلها ومش فاضل غير ده بس
شعرت حياء بالخجل أكثر ، ولكنها أصرت على عدم شراءه ، فبإلتفاتها رأت راسل خارج المتجر ، واضعاً الهاتف على أذنه ، فتلاقت عيناها بعينيه من خلال تلك الواجهة الزجاجية المعروض بها تلك الثياب التى جاءت من أجل شراءها
طفح كيلها من شعورها بأنه يتبعها ، أو أنه علم لما جاءت لهنا ، ورأها تبتاع تلك الثياب ، فأعتذرت من والداتها التى عادت لترى عدة أثواب أخرى
فخرجت حياء من المتجر تصيح به بغيظ مكظوم :
– إيه قلة الأدب بتاعتك دى وكمان جاى ورايا لحد هنا أنت فعلاً معدوم الاخلاق
قطب راسل حاجبيه ، فأغلق الهاتف يضعه بجيبه ، يحدجها بنظرة نارية :
– فى إيه يا أنسة حياء بتزعقى ليه ولا أنتى فرحانة بصوتك
نفثت أنفاسها من أنفها بضيق شديد وهى تقول :
– بجد والله ما شوفت حد ببجاحتك يعنى مش لاقية كلام أوصفك بيه
رفع سبابته بوجهها قائلاً بتحذير :
– أحسنلك تحترمى نفسك وإلا والله العظيم مستعد أنسى نهائى أنك بنت ومش هتعرفى أنا ممكن أعمل فيكى إيه ، لأنك أنتى اللى جاية تجرى شكلى وأنا معملتش فيكى حاجة
رفعت حياء شفتها العليا قائلة بسخرية :
– لا والله عايز تفهمنى أنك مش جاى هنا علشان تعرف أنا بعمل إيه وبشترى إيه
رفع حاجبه بلامبالاة وهو يحك لحيته النامية:
– ما تشترى اللى تشتريه وأنا مالى دا أنتى شكلك عيانة بدماغك وبيجيلك تهيؤات أبقى روحى لدكتور يكشف على مخك
تراخت ذراعيها بجانبها ، وأنفاسها تتصاعد تدريجيا فدمدمت بكره :
– أنا برضه اللى عيانة بدماغى وعايزة أكشف على مخى ولا أنت اللى مش بنى أدم طبيعى وواحد مريض نفسى ومجنون وعايز تتعالج كمان
بذكرها ذلك الشق الأخير من عبارتها ، التى تنعته به بالجنون والمرض النفسي ، لم يحسن بكبح غضبه ، فرفع يده المتشنجة بأنفعالات عدة، يهوى بها كمن يحركها شيطانه ، الذى أستدعته هى بجهل منها ، فلتذق الآن نتاج قولها

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *