روايات

رواية سدفة الفصل الثلاثون 30 بقلم آية شاكر

رواية سدفة الفصل الثلاثون 30 بقلم آية شاكر

رواية سدفة البارت الثلاثون

رواية سدفة الجزء الثلاثون

سدفة
سدفة

رواية سدفة الحلقة الثلاثون

بدلت هيام نظرها بينهم وهي تبتسم في صمت وما أن التقت نظراتها مع محمد حتى نهض واقفًا فأسقطت بصرها في حياء، وقف محمد قبالتها وقال بابتسامة:
-خليني أقولهالك صريحه… تقبلي تتجوزيني يا هيام؟
شعرت ببرودة عذبة تلفح جسدها، أطرقت بصرها بحياء فحاوط رائد كتفيها وقال:
-لا مش كده إنت تغسل وشك وتبقى تيجي تشرب شاي مع بابا عشان نرفضك رفضه جماعية تعجبك.
ضحكوا جميعًا ونظرت ريم لأخيها بحب ناطقة:
-أنا أخويا ميترفضش أصلًا.
قال رائد بمرح:
-طيب نشرب الشاي ونفكر في الموضوع عشان خاطر ريم نعمل ايه بقا!!
قال محمد بمرح:
-شاي ايه!! لأ أنا مبحبش الشاي… أنا هشرب كابتشينو.
ضحكوا مجددًا ورمت ريم رائد بنظرة استعادتها في سرعة ثم أغلقت جفونها لبرهة تتخيل صورة زوجها «رامي» الذي أيقنت أنها لم تحب غيره وأن مشاعرها نحو رائد لم تكن سوى وهمًا أقحمت قلبها به، لأن رامي سافر وتركها على حين فجأة.
******
«نداء»
أحيانًا نفر إلى الخيال علنا نخفف من أوجاعنا فكما تُنفث أحلام النوم من حرارة واقعنا دون إدراك منا يخفف الخيال من حدة حياتنا بإدراك ووعي منا، فنكون أشبه بمن يصنع تمثالًا من الشمع تُسر المقل بالنظر إليه ولكنه يبقى صورة بلا روح مهما طال الأمد….
ضغطتُ زر حرف الدال ثم زر أخر لعدة نقط متجاورة والإبتسامة لا تفارق شفتاي، فكلما قرأت تلك الكلمات شعرت بفرحة وغمرتني السعادة لأنها تنتشلني من عالمي ومن واقعي المُقيت إلى عالم من الخيال رسمته بأناملي لأدخله كلما أردت.
والآن وبعد مُضي أعوام انغمست خلالها في عالم الكتب أتجول بين أحرف الكُتاب لأزود ثقافني كما نصحتاني وئام وهيام، كما أتجول بين أحرفي وفي عالمي الخاص الدافئ الذي رسمته، تخرجت من الجامعة العام الماضي واستلمت عملي بمركز التخاطب…
واليوم وفي عطلة أول أيام عيد الفطر المبارك قررت أن أنقل أحرف روايتي لجهاز الحاسوب الذي اشتراه لي والدي كهدية بعد تخرجي.
معظم ما كتبتُ بتلك الرواية قد حدث بالفعل، والبعض والذي كان يخصني لم يكن سوى جزء من أمنياتي التي لم تتحقق وأحلام يقظتي التي عشت بها أيام بل سنوات، ففي الواقع قد تقدم رائد لخطبتي مرتين ورفضته بحزم وإصرار، ودون أن أقابله فلم يحاول معي مرة ثالثة بل ابتعد واحترم رغبتي.
وفي تلك الفترة كنتُ منهكة نفسيًا وجسديًا أثر موت «علي» كنت أسمع أمي تلهج بالدعاء وترجو لي الهدية وأن أخرج من تلك الظلمة التي أحاطتني وطغت عليّ والتي استمرت لعامٍ كامل، لا أعلم لمَ كنت بتلك الهشاشة! هل هو ضعف الإيمان؟ أعتقد ذلك فقد كنت ضعيفة لم أتجلد ولم أتحمل صفعة الحياة المباغتة، وقد يكون بسبب جهلي لتيارات الحياة! فكان يجدر بي توقع تقلب تيارات الحياة بين الحرارة الشديدة والبرودة القاسية، كنت أظن أن الحياة ينبغي وأن تسير على وتيرة واحده دافئة وروتينية ثابتة لا تتغير.
وبعد عام كامل ابتعدتُ خلاله عن طاعة الله ولجأت لسماع الموسيقى وقراءة الروايات للهروب من الواقع، على الرغم أن ما أصابني كان ليقربني من الله لكنني ابتعدت وابتعدت حتى أُحيط قلبي بهالة من الضلال؛ مما جعلني أطرح على نفسي سؤالًا كيف أرجو استقامة حياتي مع اعوجاج روحي وصلابة قلبي وقسوته وبعدي عن ملاذي وملجأي؟! أين صلاتي؟ بل أين أنا؟!
لم أحضر حفل زفاف وئام ولم أتزوج من رائد بل لم أقابله منذ يوم معرفتي بموت علي وغيابي عن وعيي، لأستيقظ بعدها وأرمي بنفسي بين غياهب الليل! لم أكترث لعودة نادر بعدما أجرى عملية زراعة القوقعة وبات يسمع الأصوات من حوله.
عام وشهرين من المعاناة النفسية والجسدية وتشخيصي بحالة القهم العصبي، وتنقلي بين الطبيب الباطني والطبيب النفسي، إلى أن قررت أن أستيقظ من غيبوبتي، وبكامل عزمي أقبلت إلى خالقي.
ها قد مر أربعة أعوام إلا بضعة أشهر بعد يوم وفاة «علي» ورغم تحسن حالتي إلا أنني لازلت أعيش في عالم من الخيال أكتب ما تمنيت أن يحدث كما نصحتني الطبيبة النفسية، كم تمنيت لو تمسك بي رائد! تمنت لو لم يبتعد عني! تمنت لو تزوجني رُغمًا عني كما يحدث بالروايات! تمنت لو يعود الزمن فأوافق عليه ولكن يبقى الواقع واقع والخيال خيال! فقد سافر رائد وتخلى عني حتى أنني شعرت بأنه لم يحبني يومًا ولا يكترث لغيابي من حضوري.
عدت بذاكرتي للوراء ثلاثة أعوام بعدما انتابتني الحمى في ليلة وروحت أهذي باسمه وأرجوه ألا يتركني فسمعني والدي اللذان نظرا لبعضهما وهز والدي عنقه في يأس مستنكرًا مني رفضي لرائد رغم أنني أردته! وفي الصباح زارتني هيام وكان رائد ينتظرها أسفل البناية بسيارته.
وفي ذلك اليوم سلمتني هيام الورقة التي كتبها محمد فقرأتها ثم عصرتها بين يدي وألقيت بها من النافذة! وأنا أخاطب نفسي أنني لست بهذا الجمال لأفتن الشباب! رمقت رائد بنظرة أخيرة قبل أن أعود غرفتي وأبكي قهرًا، وحين رأتني والداتي قالت:
-ولما إنتِ بتحبيه رفضتيه ليه من الأول؟!
جففت دموعي وسألتها بتلعثم:
-قـ… قصدك مين!؟
-قصدي رائد!! أهو خلاص هيسافر ومش هتشوفيه تاني! للأسف إنتِ خسرتيه يا نداء…
رمتني أمي بسهام كلماتها الحادة وخرجت من الغرفة.
علمت بعدها من هيام أن الورقة سقطت على رأسها قبل أن تصل لسيارة أخيها ففتحتها وقرأتها ولم تشعر بوجود رائد قبالتها إلا حين سحبها من يدها وسألها عدة أسئلة ليعرف لمن تلك الورقة وما أن أجابته حتى انطلق بالسيارة قاصدًا بيت محمد وقد بلغ غضبه ذروته، غضب من محمد لأنه كان يعلم أن رائد معجب بي وقد تقدم لخطبتي وطلب منه أبي الانتظار عله يقنعني…
ومضت الأيام….
ظلت هيام تُحدثني كل يوم وتحكي لي ما حدث معها ومع وئام وريم وفسرت لي سوء التفاهم ومن كان يقصده محمد بتلك الورقة، كما علمتُ منها بسفر رائد مع رامي ومحمد لأيطاليا سافر ولم يعد حتى الآن!
أطلقت تنهيدة طويلة ثم أغلقت جهاز الحاسوب، وأخذت أفكر كيف أنهي تلك الرواية! وهل أبدل أسماء الشخصيات الحقيقية بأسماء أخرى وأطبعها ورقيًا أم أنشرها إلكترونيًا، أم أتركها لي أنا فقط لأغوص بين أحرفها كلما جرف بي الحنين للماضي؟
-نداء عرفتِ إن النهارده فرح دعاء؟!
انتشلني من أفكاري وتساؤلاتي صوت نادر الذي بِتُ أسمعه كثيرًا، فهو يقتحم عُزلتي ويتطفل علي دائمًا، ابتسمت له وقلت:
-لا يا سيدي مكنتش اعرف… هتتجوز مين؟
-هتتجوز سعيد اللي بيشتغل مع بابا… وصاحب علي الله يرحمه.
قلت:
-الله يرحمه… و….
كدت أن أدعو لها بالتيسير والسعادة فلم أرها منذ أخر مرة أخبرتني بها أنها تكرهني!
بتر حديثنا دخول والدي الذي قال بحزم:
-اعملي حسابك هتيجي معانا سبوع بنت هيام النهارده ومفيش هروب يعني مفيش عذر.
سألته باستغراب:
-هيام!!! هما رجعوا من السفر؟!
-أيوه… رجعوا من يومين.
-كـ…. كلهم؟!
أومأ أبي مؤكدًا، سألته وأنا أقصد رائد، وأعلم أنه يعرف مقصدي! لكنه لم يبل حلقي بما أريد! تمنيت أن أعلم شيء عن أحواله فقد انقطعت أخباره منذ سافرت هيام مع زوجها محمد قبل عامين، وكان أخر شيء أخبرتني به أن عمتها طلبت منه أن يتزوج من ريمان! ووافق والديه! ولم أعلم بعدها هل تم الأمر وتزوجها أم لازال ينتظرني، فأنا أعيش على أمل التقاءه وأن يكون لي! أحيانًا يخبرني عقلي أنه لو كان راغبًا بي كما أزعم لما سكت عني كل تلك السنوات ولتقدم لخطبتي مرة ثالثة، وأنه ينبغي علي أن أنسلخ من عالم الخيال وأعيش واقعي، وأن أقبل بأي عريس يناسبني فقد تقدم لخطبتي الكثيرون خلال تلك الأعوام ولم أقابل أحد قط، فقلبي يؤكد لي أنه يحبني وسيكون لي في نهاية المطاف، قلبي يجبرني أن أنتظر…
جذبني من أفكاري أبي الذي مال نحوي وغمز بعينيه قائلًا بمرح:
-إيه رأيك بقا تلبسي النهارده الفستان الأحمر بتاع ماما عشان نتشرف بيكِ.
نهضت من مكاني قائلة بضجر:
-يوووووه يا بابا.
-طيب عشان خاطر أبوكي يا قلب أبوكي أنا عايز أتشرف بيكِ.
قلت بضحك:
-يا بابا يا حبيبي الفستان المهترء ده هيجيبلك العار مش هيشرفك.
أقبلت والدتي نحو الغرفة تحمل الفستان أمامها وتواري وجهها خلفه وهي تغني:
-لاي لا لا لا تيرا ارارار…
انفـ ـجرنا بالضحك وقال نادر من خلف ضحكاته:
-متتعبوش نفسكوا هي أصلًا منتقبه… إزاي بقا هتلبس أحمر؟!
قبلتُ نادر من إحدى وجنتيه وقلت:
-بالظبط كده يا حبيب قلب أختك… أنا بيليق عليا الأسود والمحلي ولما أحب ألون بلبس بني..
فقد ارتديت النقاب قبل ثلاث أعوام فمنذ خروج هيام من بيتي وأخذت قرارًا أنه يجب أن أستتر عن الأعين، لا أريد لأي شاب أن يراني فأفتنه رُغم أني أزعم أنني لست جميلة! أنا فتاة عادية! ومنذ ذلك اليوم وأنا أفقت من غيبوبتي…
قالت أمي بنزق:
-إنتِ هره “حره” هو إهنا “احنا” هنتهايل “هنتحايل” عليكِ.
اومأت برأسي مرددة بابتسامة:
-بالظبط كده أنا هُره…
-شوف البنت بتتريق عليا ازاي يا رشدي!!
قالتها أمي بضجر، فخرجت من غرفتي وأنا أسمع حوارهما ومحاولة أبي لاسترضاء أمي، ابتسمت حين تذكرت أول مره رآني بها رائد أمام عطارة والده والمرة الثانية حين كنت أرتدي فستان سندريلا وانفرطت من رائد حبات البرتقال وصولًا لأسفل قدمي وكأنها تدله علي! والثالثة حين ارتديت الطقم الأسود “تيير أمي” ووقعت الجيب وأمسكتا بها وئام وهيام، ضحكت على أوقات مضت وبقى أثرها محفور في قلبي، تناهى لسمعي صوت أبي الذي خاطب أمي بخفوت:
-يا خساره كان نفسي رائد يكون من نصيبها.
أطلقت أمي تنهيدة حارة وقالت في حزن:
-متفكرنيش دا أنا بتحسر عليه…
-يلا خير ربنا يسعده في حياته ويرزقها بابن الحلال اللي يسعدها.
كان حوارهم لا يبشر بخير أخذت أقرض أظافري في اضطراب! خشيت أن يكون قد تزوج من أخرى وأنا أعيش على ذكراه!! أنا أنتظره!
انتبهت أثر رنين هاتفي، أصبحت الآن أمتلك هاتف يفوق حجمه كف يدي ابتسمت وأجبت أمنية التي ألقت السلام وهنأتني بمناسبة العيد ثم قالت:
-عندنا اجتماع طارئ في الجمعيه ومينفعش متجيش يعني مفيش عذر.
ابتسمت وأنا أقول:
-انتوا ايه حكايتكم حتى بابا لسه قايلي مفيش عذر!… حاضر يا ست الكل هلبس وأجي…
انهيت المكالمة معها واستأذنت والداي ثم ارتديت ملابسي؛ ثوبي كحلي اللون وحجابي ونقابي من بنفس اللون، ولم أنسى أن ارتدي عويناتي التي اضطررت لها منذ عام، وغادرت بعدما أكد علي والداي أن انتظرهم في مكان ما لنذهب سويًا لبيت عمي دياب…
وصلت لمكان تجمع أفراد الجمعية المعهود في إحدى الحدائق العامة ألقيت السلام عليهم وجلست أرضًا في الدائرة، كنا نفس الأشخاص ولكن زاد عدد المساهمين كثيرًا فكل منا كان يمثل مجموعة تضم عشرات من الأشخاص، ولكن نحن فقط من نجتمع معًا للتخطيط وتوزيع المهام على باقي الفرق، لم يحضر رائد الإجتماعات لثلاث أعوام وكان يتابع مجريات الأمور بتواصله مع أحد الشباب، فهو مؤسس تلك الجمعية وصاحب فكرتها.
وُضع أمامي كارت صغير مخطوط عليه «جمعية سدفة لمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة» ورقم هاتف، حملقت به لفترة وغمرتني السعادة، فقد توسع مجالانا كثيرًا فلولا انشغالي بالعمل في الجمعية والمركز لقتـ ـلتني أحلام يقظتي..
وحين طالت الهمهمات الجانبية، سألت أمنية بخفوت:
-هو إنتوا مستنين حد؟!
-أيوه…
لم تلبث أن أنهت كلمتها حتى استنشقت رائحة عطره النفاذ، لا اعلم كيف تسلل ودخل أسفل نقابي! أغلقت عيني وأنا أهمس باسمه تزامنًا مع قول أحد الشباب:
-البوص الكبير وصل.
تواثبت دقات قلبي فوضعت يدي على صدري وأنا أُطمئن نفسي بأنه لن يعرفني فأنا أرتدي النقاب فضلًا عن نظارتي الطبية…
وبعدما سلم عليه الشباب جلس وألقى السلام على البقية لم أستطع رفع عيني للنظر في وجهه، وكلما سمعت صوته أحسست برجفة أعصابي.
كان الجميع يدلي بدلوه إلا أنا فقد كنت في عالم أخر، كدت أن أنهض وأنصرف ولكن قبل أن أفعل باغتني بقوله:
-وإنتِ إيه رأيك يا أستاذه أميره؟!
طالعني الجميع بابتسامة فارتبكت _أميرة فتاة بالفريق تزوجت قبل عام ولم تحضر بعدها، أخبروني أنني أشبهها كثيرًا بالنقاب، ومن الواضح أنه ظن أنني هي!_ قلت بلجلجة:
-أ… أ….
وقبل أن أتفوه بالمزيد قاطعني اقتـ ـحام كرة صغيرة للدائرة وقول الطفل:
-ممكن الكره يا عمو؟
قذفها رائد للأطفال مرة أخرى وأكمل حديثه دون أن ينظر نحوي، وظلت جملته تدور بعقلي فقد ظن أنني أميره!! وأما أنا فأعرفه من رائحته! تبًا!!
انتبهت لانتهاء الإجتماع وتناهى لسمعي مخاطبة شاب لرائد:
-يا ترى بقا هتسافر امته تاني؟!
قال رائد بابتسامة:
-لا خلاص أنا قاعد على قلبكم مش مسافر تاني…
حاولت أن أرفع مقلتي وأطالعه فلم أستطع، انصرفت مع أمنيه وقلبي يختلج، وعقلي يضج بالتساؤلات، فواضح جليًا أنه تنساني! تُراه تزوج؟
-مالك؟! نداء… نداء….
جذبني من أفكاري صوت أمنية التي سحبتني بعيدًا عن سيارة كادت تصدمني، قلت بعدم تركيز:
-هه… إيه بتقولي حاجه؟!
-لا دا إنتِ مش طبيعية خالص!!! أنا بنادي عليكِ من بدري وإنتِ مش هنا! خلي بالك من العربيات…
اومأت رأسي بصمت، وقاطعنا رنين هاتفي برقم والدي يخبرني أنهم انتظروني كثيرًا أمام شارع عمي دياب واضطروا للدخول للبيت وحثني على التوجه إلى هناك فالجميع ينتظر قدومي…
استأذنت من أمنية وانصرف كل منا بطريقه، سرتُ شاردة الذهن أحاول قدر إمكاني صرف نفسي عن التفكير به.
زفرت بحنق، وأنا أسأل نفسي لمَ إصرار أبي أن أذهب معهم رغم أنه في زيارات سابقة _في الأعياد_ ما كان يصر علي؟ حتى أمي لم تعد تذهب لهناك بعدما رفضت رائد! قلت في نفسي بأنه ربما أرادني أبي أن أرى رائد علني أستيقظ من أوهامي وأدرك أن كل شيء نصيب وكل رزق مقسوم وربما لم يكن هو رزقي بل كان مجرد عابر سبيل مر بحياتي وعاد لبيته.
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★★
وقفتُ أمام الشارع ابتلع لعابي باضطراب، شعرت برجفة تسري بأوصالي ما أن دعست أول خطوة ولوجًا إليه، شعرتُ به حين مر من جواري لم أره لكنني سمعت صوته وهو يتحدث عبر هاتفه، أدركت الآن حجم الخطأ الذي وقعت به ليت قلمي لم يتحدث عنه، ليتني لم أقرأ اليوم ما كتبته بيدي فقد أثر بقلبي وأثار مشاعري نحوه، أخذت قرار حاسم فعندما أعود لبيتي سأحذف ما كتبته عنه بالكامل…
جذب انتباهي صالح الذي يقف جوار ريناد ومعهما طفلتان وعمرهما بالتقريب ثلاثة أعوام…
دنا رائد منهما وحمل أحدهما وخاطبها:
-إيه الحلاوه والطعامه دي يا روما… مين جايبلك الهدوم الحلوه دي؟!
قالت ببراءة:
-ماما جابتوني “جابتهولي”.
رد صالح بابتسامة مشوبة بالسخرية:
-ماما! هي ماما بتقبض أصلًا يا رحمه… بابا اللي جايبه يا بت.
رمقته ريناد شذرًا وقالت بغلظه:
-إنت دفعت الفلوس وبس لكن أنا اللي جبته على ذوقي…
لكزها صالح في ذراعها وقال بفظاظة:
-إنتِ ما بتصدقي عايزه خناقه وتشبعي فيها لطم! اهمدي بقا يا شيخه شويه.
ابتسمت ريناد وقالت بسخرية:
-وعلى فكره اسمها جنازه وتشبعي فيها لطم مش خناقه!
تفاجئتُ فقد ظننتهما انفصلا عن بعضهما رمقتهما بطرف خفي وأنا أمر عليهما، فتناهى لسمعي قول رائد:
-بطلوا خناق شويه… ومش قدام البنات حرام عليكم هتجيبولهم حاله نفسيه.
بدل صالح نظره بين ابنتيه التوأم «رغده ورحمه» الذي تعايش مع ريناد لأجلهما فقط، ابتسم بتصنع وجذب ريناد من يدها وهو يقول:
-يلا قدامي يا عقابي…
ابتسمت له ريناد بتهكم وسارت جواره في صمت قاصدين بيت دياب وتبعهما رائد الذي أخذ يلاعب الصغيرة.
تجاوزت بيت عمي دياب كي لا أجذب انتباه رائد وأنا أفكر بكلمة “عقابي” التي أطلقتها عليه سابقًا، فهو عقابي بالفعل! فقد كنت أحلم به في نومي ويقظتي، فسُمَّ قلبي! فالخيال كالدواء قد يتحول إلى سمٍ قاتل إذ لم نضبط جرعته ونتأكد من عدم حساسية الجسم تجاهه! وأنا لم أضبط خيالي بل أطلقت العنان لمخيلتي دون رقابة…
طلبت رقم والدي فلم يجب كررت المحاولة ثم طلبت رقم والدتي فلم تجب أيضًا، عُدت أمام البيت وقررت صعود السلم ومع كل دعسة قدم لداخل البيت ومع كل درجة أخطوها كنت أتذكر شيء من الماضي، ريم ورامي وقصتهما، وئام ويحيى وحبهما، محمد وهيام وحماقتها، عمرو وعامر ومقالبهما، أمي وأبي عمي دياب وزوجته، رغدة وقتلها، علي وموته، ريمان وحبها لرائد وأخيرًا أنا!
وما أن وصلت قبالة باب الشقة رأيت نادر وهو يخاطب آدم الذي يمسك يد الجميلة رحمه:
-على فين يا معلم؟
-هنزل أشتريلها حاجه وجاي.
حملها نادر وقال وهو يصر على أسنانه:
-لأ هشتريلها أنا يا باشا…
دخل آدم للبيت يزمجر بغضب، بينما تذكرت كلمة «باشا» التي كان رائد يناديني بها من قبل وابتسمت، فذكرياته تحاوطني في كل مكان! ليتني لم آتي لهنا! أشعر بأن قلبي سيتهشم اليوم، وأعود لبيتي بأشلاءه! تبًا لتطيري!! أفقت من شرودي حين رأيت نادر يداعب الصغيرة وهي تضحك، قلت بابتسامة:
-إنت رايح فين بالقطه دي؟!
-ههرب بيها…
قالها نادر بضحك، فقلت بابتسامة:
-طيب روح الأول قول لماما إن أنا جيت وناديها تاخدني عشان مكسوفه.
أعطاني الطفلة وأصاني بها، فحملتها بين يدي وقبلتها كانت تشبه رغده وريم أيضًا، سألتها بحنان:
-إسمك إيه؟… اسمك إيه يا سكر إنتِ؟
-حمه “رحمه”.
أخرجت من حقيبتي حبة من الحلوى وأعطيتها لها تزامنًا مع إقبال والدة رائد «شيرين» وهي تهتف:
-والله زمان يا نداء… إيه يا بنتي دا مكنش عيش وملح…
عانقتها بشوق لم استطع التبرير فصمتت وابتسمت، وبعد الترحيب قالت وهي تشير للأعلى:
-البنات فوق في شقة ريم… اطلعيلهم… ولا تحبي أجي معاكِ؟!
-لا يا طنط أنا عارفه الطريق.
قلتها بابتسامة فأخذت هي رحمه من يدي قبل أن اتجه لأعلى، فتحت ريم الباب ووقفت مبتسمه للحظات ونظراتها تسال من أنا؟! فنطقت:
-نداء يا ريم… أنا نداء.
صرخت ريم صرخة مكتومه وضمتني بحرارة وحبور وهي تقول:
-يا نهار أبيض يا نداء… إيه يا بنتي الغيبه دي والله وحشتيني أوي أوي…
-والله وانتوا وحشتوني أوي أوي…
اخرجتني من بين ذراعيها وقالت:
-تعالي… تعالي ادخلي البنات جوه هيفرحوا أوي لما يشوفوكي…
دخلت للشقة والشوق يتموج بين طيات قلبي.
وضعت ريم بين يدي طفلة رضيعة تلعق أصابع يدها الصغيرة وقالت:
-دي بقا عروسة النهاردة… بنت هيام.
-اللهم بارك… يا خلاثي يا ناس كيوته أوي…
قلتها بحب، فابتسمت ريم وقالت:
-هيام في الحمام… والباقين هنا…
قالتها وهي تشير لغرفة، تم طرقت بابها وفتحت وهي تشير نحوي قائلة:
-مش هتصدقوا مين دي؟!
كانت وئام تجلس جوار ريمان وتقابلهم ريناد، ابتلعت ريقي وهن يحدقن بي، تفحصتني وئام من أعلى لأسفل ثم وثبت وه تقول:
-نداء!!!!
أومأت راسي وقد شعرت بحنين للماضي، فتسللت مني دمعتين، في حين أخذت ريم الطفلة من يدي وضمتني وئام بحبور وهي تقول بضحك ومرح:
-عرفتها من طولها…
ضحكت من خلف عبراتي مرددة:
-قصدك من قصري.
ضحكن جميعًا…
وبعدما سلمت عليهن، جلست وكنت أرمق ريمان وبطنها المنتفخ أمامها، كانت تتحدث عن صعوبة الحمل وصعوبة الحياة، قالت:
-انا لو أعرف إن الجواز كده مكنتش اتجوزت.
-لا وكنتِ مستعجله أوي كمان.
قالتها وئام ساخرة، فردت ريمان ظهرها وتحسيت بطنها بتاوه مصطنع ثم سألتني:
-وإنتِ اتجوزتي ولا لسه يا نداء؟!
تنحنحت وقلت:
-لا لسه…
قالت بضحك:
-طيب نصيحة مني بقا متستعجليش خالص…
ابتسمت ورمقتها بطرف خفي، لازالت ريمان جميلة وجذابة رغم زيادة وزنها، تسائلت هل تزوجت من رائد؟! وهل تحمل طفله بين أحشائها؟ وددت لو أسأل ذلك السؤال ولكني امتنعت لسبب ما!
قالت ريناد بغلظة مغلفة بالغيرة:
-احمدي ربنا على الأقل جوزك راجل محترم وبيتمنالك الرضا أما أنا باخد فوق دماغي ومضطره أحط جزمه في بوقي واسكت… كلكم محظوظين إلا أنا حظي نحس.
مالت وئام علي وقالت:
-بقولك ايه تعالي نسلم على هيام ونتكلم شويه بره أصل دي ممكن ترشقك عين تجيبك الأرض.
ابتسمت وخرجت معها وحين رأيت هيام تعانقنا باشتياق وقالت:
-أنا آسفه والله اتشغلت عنك الفتره اللي فاتت…
قلت:
-ولا يهمك يا حبيبتي المهم حمد الله على سلامتك.
مر الوقت سريعًا وأسدل الليل ستارة وامتلأ البيت بأفراد العائلة، كنت أتجنب الجميع وأجلس بمفردي بإحدى الغرف تناهى إلى سمعي صوت يحيى المرح:
-لا لا بلاش شمع أنا عندي فوبيا من الشمع!
ضحك الجميع وضحكت حين تذكرت حفل زفافه على وئام، وقال رائد بضحك:
-إن شاء الله هنعالجلك الفوبيا دي النهارده.
-لا شكرًا أنا هعالج نفسي ركز إنت مع نفسك يا عم ملكش دعوه بيا.
دخلت هيام علي الغرفة وقالت:
-إنتِ قاعده لوحدك ليه يا بنتي! تعالي بره اتصوري معانا…
قلت بتلعثم:
-لـ… لأ خليني هنا… هـ… هعمل مكالمه وأبقى أخرج.
تظاهرت أنني أطلب رقم أحدهم فجلست هيام قبالتي ووضعت ملابس تخص طفلتها أمامي وسألتني:
-إيه رأيك في دول؟!
وضعت هاتفي جانبًا وأخذت أتفقد الملابس فقد سحرني جمال تصميمها، قلت:
-تحفه يا هيام… جيباهم منين؟
عدلت هيام من ملابسها وقالت بزهو:
-تصميمي وتفصيلي… بجد حلوين؟
-والله روعه… إنتِ موهوبه يا بنتي… تصدقي تنفعي مصممة أزياء.
قالت هيام ببهجة:
-الخطه الجايه ان شاء الله.
جذبتني هيام من يدي وهي تقول بحمـ ـاس:
-طيب يلا تعالي بره.
سحبت يدي منها بلطف وقلت بتلعثم:
-خـ… خليني هنا.
طالعتني هيام بابتسامة فاترة ثم قالت بمكر:
-فهمت! إنتِ مكسوفه من رائد صح؟!
ابتلعت ريقي باضطراب وأطرقت في صمت، أنقذني من إجابة سؤالها دخول وئام للغرفة، قالت:
-ما تيجي نقف في البلكونه نتكلم شويه يا نداء…
خرجت معها لأهرب من نظرات هيام العابثة، فقالت هيام:
-ماشي هروح أشوف جوزي وأجيلكم…
أطبق علينا الصمت وكانت ترمقني بين لحظة وأخرى بابتسامة، فسألتها عن أخبارها وما الذي جرى معها بعد حوار الثعبان، تنهدت بعمق وقالت:
-سافرنا اسكندريه وقضينا أجمل أسبوع في حياتي وبعدين رجعنا… عايزه أقولك قابلنا مشاكل كتير… لكن كله بيعدي الحمد لله.
قالتها وئام وضحكت، فقلت بعد تنهيدة:
-كنت متأكده إنك هتعاني يا وئام… الست مهما كانت بتحب جوزها بتتمنى يكون ليها خصوصيه وبيت مستقل هي الملكه فيه ومحدش شريكها، صح؟
أومأت وئام رأسها وقالت وهي تقلد حركات يحيى:
-صح ودا كان سبب مشاكلنا كنت كل ما أتنفس يقولي هوووش ماما وبابا بره!
تنهدت وئام بعمق وأكملت:
-يحيى كان ممكن يأجرلنا شقه لكن هو اللي مكنش عايز يسيب أهله…
نظرت بعيني واسترسلت:
-يحيى بار بأهله لأقصى درجه ومش بيطلب مني أعملهم أي حاجه هو اللي بيعملهم كل حاجه… تعرفي بسمع حماتي تدعيلي ربنا يرزقني بابن زي يحيى وزوجة ابن زيي فبتكسف من نفسي لأني ببقا مضايقه أحيانًا من حياتي معاهم… وبعدين خلاص بقا اتعودت على حياتي كده.
قالتها بابتسامة، فابتسمت وقلت:
-ربنا يسعدك يا وئام.
ربتت على كتفي وقالت:
-يارب… احكيلي إنتِ بقا حياتك عامله إزاي؟
خشيت أن تسألني لمَ رفضت رائد لكنها لم تفعل ولم تذكره مطلقًا تحاورنا كثيرًا حول حياتها وحياتي وكدت أن أسألها عن رائد ولكن تناهى لمسامعي صوته يناديها من أسفل البناية، لم أنظر نحوه ولم أره بل سمعت صوته:
-نادي لـ ريمان.
أدخلت وئام رأسها من باب الشرفة وصاحت:
-ريمان كلمي جوزك.
دكت جملتها قلبي دكًا، دارت رأسي وتبددت آمالي! وتناثرت أحلامي! هل كنت أظن أنني داخل رواية ما وسينتظرني البطل ليكون لي! حاولت التظاهر بلامبالاة، سمعت صوت ريمان:
-هو فين أنا بدور عليه أصلًا…
-انزلي هو تحت…
قالتها وئام وسمعت صوت رائد مرة أخرى:
-وانزلي يا وئام كلمي يحيى عشان عايز يمشي.
قالت:
-يمشي!!! لسه بدري!
استأذنتني وئام وغادرت، بينما وقفت أشيع خيالاتي وأمنياتي وأحلامي التي عشت بين سطورها لسنوات، أما هو فقد تزوج هو من ريمان وهي الآن تحمل طفله! ترقرقت الدموع بمقلتي، تشنج فمي ثم توغلت لداخل الشرفة بعيد عن بابها كي أكون في منأى عن الأنظار وانفجـ ـرت باكية، خاطبت نفسي بنبرة قاسية:
-تستاهلي… تستاهلي كسرة قلبك دي… روحي بقا عيش في خيالاتك وأحلامك اللي مش هتحصل أبدًا.
حاوطت صدري بذراعي وكأنني أحتضن نفسي وأخذت أربت عليهما وأنا أرتشف دموعي مرددة:
-اهدي… اهدي… قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا… ولو ده عقابي عشان فكرت في حد مش حلالي فأنا راضيه.
باغتني صوت فتى:
-تعرفي إن إنتِ وحشتيني…
التفتت إليه فإذا به عمرو، جففت دموعي في سرعة وتظاهرت بالإبتسامة ناطقة:
-عامر؟!
غمز لي قائلًا:
-أنا مش عامر أنا عمرو.
لاح على شفتي ابتسامة وقلت:
-كبرت يا عمرو اللهم بارك…
-أمممم… وبقا عندي ١٢ سنه.
-المهم تدفعي كام وأقولك سر…
ضحكت متظاهرة بالمرح وأنا أردد:
-مهما طال الزمن ودار هتفضل طول عمرك مادي جشع…
قهقه ضاحكًا وران بيننا الصمت فسألني:
-هو أنا مش هشوف وشك تاني بعدما لبستِ النقاب؟
قلت بمرح:
-تدفع كام؟
-دا أنا أدفع عمري كله وأشوفك… متعرفيش أنا بحبك أد إيه… إنتِ زي وئام وهيام بالضبط.
اتسعت ابتسامتي، وقلت مغيرة دفة الحوار:
-أومال فين عامر مش معاك ليه؟!
تجهمت ملامحه فجأة ووضع كلتا يديه بجيبي بنطاله وقال في شجن:
-هو إنت متعرفيش إن عامر فقد بصره؟!
اتسعت حدقتاي دهشة وقلت:
-فقد بصره؟! إزاي؟
أطلق تنهيدة طويلة وقال:
-من حوالي شهر صحي من النوم مش بيشوف… ماما بتقول إن رائد حصله كده زمان ولفوا بيه كتير… وبعدين والد أبيه يحيى قرأله قرآن وبعد فتره صحي من النوم لقى نفسه بيشوف تاني لوحده كده…
-معقوله!!
قلتها بخفوت ودهشه وأنا أنظر أمامي، ثم سألته:
-طيب هو فين؟ عايزه أشوفه.
استعاد مرحه قائلًا:
-تدفعي كام؟!
لكزته بذراعه فقال بضحك:
-خلاص خلاص المره دي مجانًا… بصي هناك.
نظرت محل ما أشار بسبابته أمام البيت كان عامر جالسًا جوار فتاة من نفس عمره أو أصغر بقليل، فتاة جميلة بشعر قصير مشذب بعناية، وملامحها جميلة، سألت عمرو:
-مين دي يا عمرو؟
-دي بقا «تقى»… مش بتسيب عامر إلا ساعة النوم بتقعد تقرأله كتب وروايات وحكايات… وواضح إن بينهم قصة حب…
استنشق عمرو الهواء وقال:
-إنتِ مش شامه الريحه؟
رفعت نقابي قليلًا لأستنشق رائحة الهواء، سألته:
-ريحة إيه؟
-ريحة الحب بتهفهف في المكان…
قهقه ضاحكًا فضحكت، قال من خلف ضحكاته:
-استنيني هنا لحظه هجيب حاجه وأرجعلك.
نظرت لأسفل حين تناهى لسمعي صوت شجار صالح وريناد، وكان اخي نادر يحمل رحمه ويربت على ظهرها لأنها تبكي من نزاع والديها، وآدم انحنى لمستوى رغدة الصغيرة وضمها وهو يربت على ظهرها…
والبقية يحاولون فك الشجار! فيوميًا ينشب بينهما شجار! وبعد فترة غادر صالح معها ومع ابنتيه….
وتنهد الجميع في ارتياح…
وقفت وئام جوار يحيى وخاطبته بنزق:
-مش هنمشي دلوقتي يا يحيى لسه بدري!
غمز لها قائلًا بمرح:
-قلب يحيى من جوه… زعلانه ليه؟ إوعي تزعلي نفسك احنا هنبات هنا الليله دي…
قال رائد بمرح:
-تباتوا فين؟! يلا يا بت خدي بنتك وامشي مع جوزك…
خرجت هيام للشارع وسألت محمد أن يعطيها طفلتها لكنه رفض أن يتركها، وأخذ يقبل الرضيعة، ضربته بخفة على ذراعه هادرةً:
-قولنا بلاش بوس عشان الهربس.
قال بضجر:
-إنتِ هتمنعيني أبوس بنتي يا هيام!!!
جذبت الرضيعة من يده وهي تقول:
-إوعي كده هات البنت خليني أدخل…
أخذتها وهرولت للداخل ودلف هو خلفها يتوعدها بمرح…
من ناحية أخرى رأت ريم رامي الذي يقبل نحوها حاملًا ابنهما «أيان»، شهقت بصدمه وهدرت به:
-إنت جبتله أيس كريم تاني يا رامي!!!
-ايه يا مسكر مزعله نفسك ليه؟ سيبي الواد يتدلع ما احنا يامه ادلعنا…
ثم حاوط كتفها وأخذ يهمس لها وهي تبتسم…
دوى صوت شيرين من داخل البيت:
-انتوا واقفين في الشارع ليه؟! تعالوا يا ولاد جوه.
تجولت عيني بين الجميع بحثًا عن رائد وريمان، فالتقط بصري ريمان التي كانت تقف جوار يونس! وتمسك يده ثم ركبت السيارة ولوحت للجميع قبل أن يغادرا! مما أثار تعجبي؟! وتسائلت ورائد أين؟ هل تزوجت ريمان من يونس!
وأخيرًا رأيت نادر وآدم وعمرو يتهامسون، وعمرو يشير نحو شرفتي قبل أن يلجوا للبيت مما أثار قلقي وأنا أتسائل على ماذا يتفق هؤلاء الفتيه؟!
-مش تقوليلي إنك مش أميره!
انتفضت أثر صوته، فوضعت يدي على قلبي، قال بابتسامة:
-أسف… أسف… اتخضيتي؟
-أ… أ… هـ… هو بابا وماما فين؟!
-إيه ده مفيش ازيك يا رائد عامل ايه ولا أخبارك ايه؟!
أطرقت بحياء فقال:
-على العموم مبارك النقاب… فرحت جدًا لما شوفتك بيه…
استند على سطح سور الشرفة واستطرد:
-تعرفي إن أنا كنت دائمًا بدعي ربنا إن زوجتي تكون منتقبه!
طالعني وملابسي لبرهة ثم قال بدون مقدمات:
-نداء! أنا طلبت ايدك من عمي رشدي… تقبلي تتجوزيني؟
صمتت هنيهة ثم رفعت بصري لأطالع وجهه تأملت ملامحه للحظات، ونظرت بعينيه كما تخيلت في روايتي، ولم أشعر بالدموع التي انحدرت من مقلتي، فأغرقت نقابي لا ادري أمن فرحتي أم من شوقي إليه؟! أطرقت وخلعت نظارتي، سألته بحشرجة:
-كنت فين ٣سنين؟!
أخرج منديلًا ورقيًا من جيبه وأعطاه لي ثم قال:
-لما رفضتيني مره واثنين حسيت إنها اشاره من ربنا… وإنها فرصة تانيه عشان أسافر وأشتغل وعشان أقدر أتحمل مسؤولية الجواز… استودعتك عند ربنا وقولت لو لينا نصيب هرجع ألاقيكِ مستنياني.
ران بيننا الصمت، قطعته حين قلت:
-مش أنا قولتلك زمان إن إنت عقابي!
قال بابتسامة:
-وأنا قولتلك إن أنا عمري ما كنت ولا هكون عقابك…
ابتسم فابتسمت وباغتنا صوت إغلاق باب الشرفة علينا، قال رائد بذهول:
-إيه ده!!!
رنى من الباب وقال وهو يحاول فتحه:
-دا أكيد عمرو… افتح يا واد يا عمرو…
حاول رائد سحب الباب حتى فتحه أحد من الخارج، غمز لي عمرو وبدلت نظري بين الجميع، فقال والدي بمرح:
-حيث كده بقا ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب…
تعالت ضحكات الجميع فنظر لي رائد بابتسامة أطرقت بحياء، فقال:
-نسيب العروسه تصلي استخاره الأول يا جماعه… وبعدين نصلح غلطتنا… واللي اتكسر يتصلح إن شاء الله…
كان يقصد خطئنا بداية من كلامنا عبر الهاتف ونظراتنا لبعضنا، وخطئي أنا حين أطلقت العنان لخيالي…
★★★★
وصل يحيى للبيت ودخل غرفته بعدما اطمئن أن والديه في سبات عميق.
تنحنح يحيى بخفوت وهو يجلس جوار وئام ثم مال على أذنها وقال بهمس:
-إحنا محتاجين نعمل تلت حاجات…
التفتت له وئام فأضاف:
-أولًا ننيم مريم وثانيا نصلي القيام و…
رفعت وئام سبابتها قائلة بحزم:
-متقولهاش عشان ثالثًا دي غالبًا بيجي بعدها كارثه…
لكزها في ذراعها وقال:
-بطلي تشاؤم… وبعدين إنتِ فهمتيني غلط أنا أقصد ثالثًا بقا ننام لأني مرهق…
قالت بتعجب مشوب بالسخرية:
-مرهق!!!
جذب يحيى ابنته صاحبة العام من أعلى الفراش وقال بمكر:
-اه مرهق…
ثم خاطب ابنته بحب:
-يا مريم… يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين…
اتسعت ابتسامة وئام وقالت بحب:
-هو أنا قولتلك قبل كده إني بحبك؟!
-ياه كتيـــــر… وأنا رديت عليكِ وقلت إني بحبك أكتر بكتير بحبك بعدد النجوم في السماء.
قالت بنزق مصطنع:
-لا بقا أنا اللي بحبك أكتر…
-أد إيه؟
غمزت له قائلة:
-أد البحر وسمكاته.
ابتسم يحيى وقال:
-بس لو فكرنا بالعقل هنلاقي إن أنا بحبك أكتر… وممكن أعمل اي حاجه في الدنيا عشان أسعدك.
قلبت وئام مقلتيها وقالت بمكر:
-أي حاجه أي حاجه؟!
أومأ يحيى قائلًا وهو يوقع كلماته:
-اي حاجه!
حمحمت وئام وقالت متخابثة:
-طيب لو قولتلك تغير لمريم عشان عامله بيبي؟!
-لو ده هيثبتلك إني….
صمت لبرهة وكأنه يفكر، فسألته:
-إنك إيه؟!
وثب يحيى وهو يحمل الطفله متجهًا بها نحو المرحاض، والتفت لوئام بحركة درامية وهو ينزع حفاضة الصغيرة قائلًا بهمس قوي:
-بحبــــــــك.
انفـ ـجرت وئام ضاحكة وهي تردد:
-مجنون…
★★★★★★
جذبها ضياء من يدها ووقفا في ركن بعيد عن الأنظار ليهدر بها:
-أنا مش هسمحلك تدمري حياة عامر! وإن مفكتيش السحر ده هروح أحكي لأخوكِ على كل حاجه…
-طيب ما إنت عملت لرائد ومفكتهوش…
-بس توبته يا داليا والحمد لله رائد اتفك بقدرة ربنا.
قالت داليا بحقد:
-ليه دياب يكون سعيد وأنا لأ… ليه عياله يكونوا أحسن من عيالي… ليه يخلف هو ولاد وأنا مخلفش إلا بنات!! ليه أنا جوزي يموت وهو عايش مع مراته.
أكملت بضيق:
-نسيت يا ضياء إن أخوك ده ضحك علينا وكل ورثنا وحقنا…
هدر بها ضياء بحزم:
-يا بت نضفي قلبك إحنا كبرنا يا داليا بقت رجلينا والقبر!.. دياب مأكلش حقنا! دياب أعطانا حقنا وزياده… دياب أخونا الكبير وطول عمره واقف في ظهرنا احنا اللي غلط…
أطلق ضياء ضحكة كالزفرة وقال:
-إنتِ بتعاقبيه في عياله وكل مره يصبر ويرضى… بصي عليه شوفيه رغم حالة عامر بيضحك ومتعايش وراضي…
ربت على كتف أخته وقال:
-فوقي يا داليا ومتكرريش غلطتنا زمان….
لم ترد عليه فغادر ضياء بعدما قال:
-فوقي بدل ما ربنا يعاقبك في بناتك… فوقي قبل ما يحصلنا حاجه تانيه… كفايه موت رغده… وكفايه اللي عملوه صالح وريناد فينا…
نظرت داليا لعامر الذي يجلس جوار تقى التي تروي له الحكايات وهو يبتسم، ثم نفخت بضجر….
عاد ضياء لبيته ليجد فاطمة زوجته تجلس أمام التلفاز، قالت باستخفاف:
-السبوع خلص؟
-أيوه… قولتلك تعالي معايا بس مبقتيش تسمعي كلامي…
-أجي فين أنا أصلًا مش طايقه شيرين ولا عيالها…
-نضفي قلبك بقا يا فاطمه وبطلي غل…
-غل!! الله يسامحك يا ضياء…
لوح ضياء بقبضته في الهواء بضجر ودخل لغرفته في حين نظرت فاطمة أمامها فهي تكره شيرين وتغار من حياتها؛ زوجها واحترامه لها واولادها وطاعتهم لها وبناتها وحظهم من الزواج، كم تمقت حياتها فقد تزوج عليها زوجها دون اخبارها، واضطرت أن تعود للعيش معه فلا تمتلك مكان أخر! وأولادها يعاملونها بجفاء، وزوجاتهما يملأ الخبث قلوبهما، حتى ابنتها ريم سرقتها شيرين منها، وابنتها التي كانت حبيبة قلبها مـ ـاتت! انهمرت الدموع على صفحة وجهها وأخذت تدعو لرغده بالرحمة، وترتشف دموعها ولازالت بمفردها محدثة نفسها بأنه كتب عليها الوحده…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★★
كان محمد قد اشترى شقة قبل زواجه من هيام تبتعد عن بيت والده مسافة عشر دقائق بالسيارة.
وبعد مرور إسبوع كامل…
كانت هيام تجلس على مكتبها ترسم تصميمًا جديد للبس الأطفال وهي تغني بصوتها الذي لا يستلذ وتصرخ بين حين وأخر كلما اندمجت بالأنشودة، ركض إليها محمد وقال وهو يصر على أسنانه بغيظ:
-بالله عليكِ يا ست أم كلثوم توطي صوتك البنت نامت! وأنا كمان نفسي أنام….
رمقته هيام شذرًا وقالت بدلع وهي تبرم خصلات شعرها:
-متقلقش بنتي متعوده تنام على صوتي… وهي أكتر حد بيشجع موهبتي أصلًا… كل لما أغنيلها تنام ودا دليل على جمال صوتي الرنان….
قال بخفوت وهو يحك عنقه:
-الله يكون في عونها والله…
رفعت ذقنها لأعلى وقالت ساخرة:
-خليك إنت كده مش مقدر قيمة الجوهره اللي معاك..
قبل محمد رأسها وقال بابتسامة:
-أحلى جوهره في الكون كله… أنا بس يا حياتي محتاج منك توطي صوتك شويه صغننين وتمارسي موهبتك براحتك.
-طيب اسمع كده الكوبليه ده…
وقفت هيام وأخذت تلوح يدها باندماج وهي تغني:
-حبيبي يا عمري أنا كلي جراح لو كنت حبيبك وديني عند أمي أرتاح…
زم محمد فمه وقال:
-أمممم قولي بقا إنك عايزه تروحي عند ماما وبتزهقي فينا بصوتك ده عشان نطلق سراحك… لكن انسي…
-تمام وانسى بقا إني أسكت…
جلست هيام مجددًا وأخذت تصرخ مغنية:
-جبـــــــــــــــار….
أطبق يده على فمها وقال بنفاذ صبر:
-بكره الصبح هوديكِ ومتجيش إلا بعد فرح رائد..
ابتسمت هيام وأزاحت خصلات شعرها عن وجهها وهي تقول بنصر:
-خلاص ماشي يا حياتي… روح نام بقا ومش هتسمع نفسي.
جذبها محمد من يدها وقال:
-رجلي على رجلك عشان أطمن إني مش هصحى تاني على جبار جبار…
ضحكت هيام وسارت معه لغرفتهم وهو يضحك بخفوت ويهز عنقه مستنكرًا منها ومن تصرفاتها تلك…
★★★★★★
«نداء»
مرت الأيام وتطايرت تطاير الدخان…
وفي ذلك اليوم السعيد استيقظت من نومي أثر نقرات العصافير زجاج نافذتي وأصوات شقشقاتهم تتناغم وتداعب أذني، إنها نفس العصفورة التي كنت أضع لها الطعام.كل يوم، واليوم تأتيني هي وزوجها وابنتها أو هي وابنتيها لا أدري! وكأنها تُعرفني على عائلتها، ابتسمت وأنا أطالعها بكثير من الحب، طالعت فستان زفافي المعلق على مخدع ملابسي، وقد انعكس ضوء الشمس على أكمامه المرصعة بالفضة وصدرة الامع، وكان جواره حجابي ونقابي وأسفله يقبع حذائي الذي سأرتيه اليوم.
يوم زفافي على من اختاره قلبي، ومن عوقبت به لأعوام وحلمت به ليالي وأيام…
انتبهت أثر فتح أمي لباب الغرفة واندفاعها للداخل، قالت:
-كويس انك صاحيه يا نداء قومي يلا خالتك وخالك على وصول…
-حاضر يا ماما…
خرجت والدتي في حين نظرت نحو النافذة للعصفورة التي تحلق أمامها، سأفتقدها! تجولت عيني بغرفتي سأفتقد كل شيء هنا، فراشي ومكتبي وأوراقي وجميع ذكرياتي…
سأنبه على نادر أن يضع الطعام للعصافير بشكل يومي، جذبني من موجة أفكاري صوت والدتي:
-يا نــــــداء.
وثبت من فوق الفراش وأنا أردد:
-حاضر… حاضر يا ماما.
*****
مرت الساعات المتبقية وها أنا أقف في غرفتي أسمع صوت خطواته وهو يدنو منها ليأخذني لبيتي الجديد وعالمي الواقعي الذي سنصنعه سويًا…
دخل للغرفة كنت أشعر بدقات قلبه المتواثبة، كنت أرى الإضطراب يُطل من عينيه، تفحصني بعينيه وطالع عيني اللتان لا يظهر سواهما ثم أسدل طبقة رقيقة من القماش ليخفي عيني وانحني نحوي هامسًا:
-مش عايز حد يشوف جمال العيون اللي فتنتني دي غيري.
ارتعش فمي معلنًا عن ابتسامة اختفت خلف نقابي، تأبطت ذراعه وسرنا معًا لنقطع دروب الحياة سويًا.
وصلنا أمام بيته اقصد بيتنا، كنت أسمع أصوات الزغاريد ونقرات الدفوف بينما أطالع فرحته من خلف الستار وابتسم فرحًا..
مر الوقت ودخلت شقتي وأغلق بابنا، لتبدأ حياتنا ولينتشلني من سدفة الخيال إلى ضوء الواقع حيث أنا وهو فقط لأنهل من حبه وينهل من حبي…
وقبل أن يتنفس الصباح فتحت جفوني، نظرت جواري فإذا به يُطالعني بحب، وحين تلاقت نظراتنا ظننته سيتغزل بي لكنه قال بابتسامة:
-قومي نصلي الفجر قبل ما الشمس تطلع.
وبعدما صلينا الفجر سمعت أصوات زغاريد فقلت بضحك:
-رائد هما بيزغردوا من الفجر ليه؟
ضحك وقال:
-مش عارف استني ارن عليهم…
طلب رائد رقم والدته وما أن سألها وأجابته قال بفرحة:
-الحمد لله… اللهم لك الحمد والشكر…
ثم خر ساجدًا لله، وأطال السجدة، وحين رفع من سجوده مسح وجهه ودموعه فسألته بفضول:
-ايه اللي حصل؟
قال لاهثًا بفرحة:
-عامر رجعله بصره… وعمتي داليا من فرحتها عماله تزرغد.
وثبت مكاني وقلت بحمـ ـاس:
-دا أنا اللي هزرغد دلوقتي… الحمد لله ربنا استجاب دعواتي…
ضمني رائد بسعادة وردد:
-الحمد لله كده بقت فرحتي فرحتين…
جذبني من يدي ووقفنا نطالع الأفق عبر النافذة حيث قبل الإسفار وحيثت يختلط الظلمة والضوء معًا، وقبل أن تشق الشمس الأفق حاوط خصري بذراعه وقال بابتسامة:
-يا لها من سدفة رائعة…
سندت رأسي على كتفه وابتسمت والسعادة تغمر فؤادي، رددت بخفوت:
-حقًا إنها سدفة نهار رائعة…
لن أقول النهاية فالنهايات ما هي إلا بدايات جديدة لأحداث أخرى…
★★★★★★
مشهد أخير لبداية جديدة
وبعد عشرة أعوام
-يارب أنا مش عارفه أروح ولا لأ… يارب اديني إشاره وأنا هفهم…
قالتها فتاة نحيفة القوام، لم تبلغ سن العشرين، بعدما خرجت من بيتها مهرولة لتلحق موعدها، لم تلبث أن أنهت جملتها حتى سكبت إحدى الجيران المياه على رأسها وغرقت ملابسها بالكامل، صرخت، ونظرت لأعلى ملوحة يدها بضجر وهي تقول:
-مش تفتحي يا….
وبمجرد أن رأت شيرين ابتلعت باقي كلامها وصمتت، في حين شهقت شيرين وقالت:
-لا مؤاخذه يا سراب والله ما شوفتك يا بنتي…
أطل عمرو من الشرفة وقال بضحك وسخرية:
-هتشوفيها إزاي يا ماما وهي أصلًا سراب!
رمقته سراب شزرًا وكادت أن ترد عليه لولا ظهور نداء التي نادتها:
-سراب…
انتبهت لها سراب فقالت نداء:
-سمعت من تقى إنك بتشربي سنامكي ومش بتاكلي كويس عشان تخسي!
-بصي يا أبله نداء نتكلم بعدين لأني متأخره أوي.
أومأت نداء وتركتها على وعد باللقاء والحديث مرة أخرى، فهرولت سراب لداخل البيت وهي تدبدب بقدميها في الأرض وتردد بهمس:
-ماشي يا تقي… بتشتكيني للجيران!!
سرعان ما بدلت سراب ملابسها وخرجت مرة أخرى في عجاله وهي تردد:
-يارب اديني اشاره لو المشوار ده مش خير وأنا هرجع فورًا…
لم تلبث أن أنهت جملتها وقطع نعل حذائها بالكامل، فعادت للبيت مرة أخرى وسرعان ما ارتدت حذاء أخر وخرجت تهرول لتلحق بموعدها وهي تردد:
-أكيد صدفه طبعًا… يارب أعطيني إشارة واضحه يارب أنا بدأت أقلق.
وبمجرد أن أنهث جملتها سمعت صوت يهدر من خلفها:
-متروحيش يا حماره… يالي مبتفهميش متروحيش…
التفتت وطالعت الرجل الذي نطق بذلك ولوحت يدها بوجهه في ضجر هادرة به:
-إنت بتشتم ليه يا عم إنت!!
قال الرجل بعصبيه:
-وأنا هشتمك ليه هو أنا كنت أعرفك… أنا بكلم بنتي على التلفون…
نظرت للهاتف بيده ثم استدارت أمامها وحاولت تهدئة نفسها، ناطقة في اضطراب:
-أكيد صدفه… صح! هي صدفه.
تجاهلت كل الإشارات وتنفست الصعداء ثم أطلقت ساقيها لتذهب حيث تنتظرها مفاجأة لم تتوقعها، قالت وهي ترنو إلى حتفها:
-يلا توكلت على الله يارب يسر لي أمري…

الى اللقاء في الجزء الثاني من الرواية….

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سدفة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *