روايات

رواية هواها محرم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت السادس والعشرون

رواية هواها محرم الجزء السادس والعشرون

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة السادسة والعشرون

يجدر بالرجل أن يدافع عن عشقه وملاذه الآمن
يمكنه أن يغض الطرف عن شخصٍ أذاه ولكن تأبى رجولته أن تصمت عن أذى مس زوجته
باستطاعته تحمل عبئًا يزن جبالًا ولكنه لا يحتمل هفوة خوفٍ تمر من بريق عينيها
لهذا نصيحة لا تجرب إثارة غضب رجلٍ يعشق ولا يخشى في عشقه سوى الله
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
كان يقف أمام الباب يتمنى لو تعطيه فرصة ، يتمنى لو تفتح وتتحدث معه .
ليس لأجله وإنما من أجلها هي فهو الآن أدرك أنها كانت طوال تلك الفترة تعاني وتتألم بمفردها ، كانت تغلق على معاناتها مئة بابٍ وباب ، كان ذلك النذل المسمى زوجها يحطيها بألف قيدٍ وقيد لذا فهو الآن يتمنى لو تفصح له عما بها .
يقسم سيسمعها ويدعمها ويرد لها حقها المسلوب ولن يتركها أبدًا ، كيف يتركها وهو الذي امتنع عن الزواج لعدم قدرته على معاشرة غيرها ، فهل يتركها بعدما باتت على شفى أملٍ من التحرر من قيودها القاسية ؟ لا وألف لا هذا لن يحدث حتى ولو تبرأ العالم كله منه .
عاد يتحدث بنبرة لينة يبث فيها الأمان الذي يعلم أنها تفتقده قائلًا :
– يالا يا أميرة افتحي وخلينا نتكلم لو سمحتِ .
كانت تسمعه ولكنها خائفة ، ترتعب من فكرة اتهامها باتهامات باطلة وتعلم جيدًا بأنها تمتلك عائلة لن تنصفها بل هي أول من سينهشها ، كيف توكله عن قضيتها وهي تعلم جيدًا ماذا يمكن أن يفعله عاطف سليمان .
شهقت بتحشرج من وسط دموعها وهي تتخيل أنه يقتل يوسف ، هزت رأسها بهستيرية ترفض هذا الخيال الذي هجم عليها .
كيف توكله هو تحديدًا حتى لو كان بالفعل هو الوحيد القادر على طلاقها منه .
ابتلعت لعابها وتحدثت بوهن مسموع :
– امشي يا يوسف ، مافيش حاجة نتكلم فيها ، بلاش إنت ، ماينفعش أوكلك إنت .
تملكه الحنين والغضب في آنٍ واحد ، يدرك خوفها ولكنه لا يتقبله لذا تحدث بنبرة حادة :
– ليه بلاش أنا ! ، خايفة من إيه ولا خايفة على إيه ؟ ، إيه اللي لسة ماحصلش وخايفة إنه يحصل يا أميرة ؟
تنفست بقوة تحاول أن تهدأ ويدها تجفف دموعها ثم حاولت النهوض تستند بيديها حتى وقفت والتفتت تنظر للباب وهناك شعوران متناقضان داخلها أحدهما يخبرها بأن تفتح وتتحدث والآخر يخبرها ألا تستمع للأول .
ليأتي صوت يوسف مجددًا وهو يتابع دون كلل :
– أميرة لو مافتحتيش هفضل قاعد هنا حتى لو فضلتي جوة العمر كله ، أنا خلاص من اللحظة دي مش هسيبك مهما حصل ، حتى لو أخرها موت يا أميرة ، افتحي بقى .
أغمضت عينيها تهز رأسها رفضًا ، لم تعد تمتلك مشاعرًا تعطيها لأحدٍ كل ما تريده فقط هو الخلاص من عقدٍ أفناها وأضناها وأما عن يوسف فهي تشعر بفقدان الأمل في قصتهما .
مدت يدها تفتح الباب وتطالعه بعيون خالية من الفرح بالرغم من أنها كانت تتراقص فرحًا عند رؤيته :
– تعرف تطلقني منه يا يوسف ؟
هكذا نطقتها بخوفٍ وثقةٍ في آنٍ واحد ، مازالت تمتلك بعض الثقة في أحدهم وتحديدًا هو لذا ابتسم بأملٍ وحبٍ وحاول أن يتحلى بالهدوء والجدية ، ليخلصها أولًا ثم يبقى لكل مقامٍ مقال .
أومأ له وأشار نحو الخارج قائلًا بنبرة لينة :
– أوعدك هيحصل ، تعالي احكيلي وبعدين نشوف هنعمل إيه .
نظرت للخارج حيث يقف صقر على مقربة منهما يتحدث مع رجاله لذا تنهدت وأومأت تتقدم لتتحرك معه جهة الشاطئ كي يتحدثا .
❈-❈-❈
وقفت نارة تحاول التنفس بانتظام وهي ترى هذا المجنون أمامها .
كانت عيناه حمراوتين كأنه مدمن وعلامات الجنون واضحة على ملامحه المخيفة .
غياب أميرة عنه أماط اللثام عن عقله ليصبح في حالة جنون سيحررها إن لم يجدها لذا حاولت أن تهدأ وتحدثت ورجال صقر يلتفون حولها بحماية :
– خير ؟ ، جاي هنا ليه ؟
أسرع أحد رجال صقر يهاتفه بينما الآخر وقف أمام نارة بحماية ينظر لعاطف بثبات قائلًا بجسدٍ ثابت :
– الأفضل يا عاطف بيه تمشي من هنا منعًا للمشاكل ، محمد بيه لو عرف مش هيحصل خير .
ابتسم عاطف باستهزاء يطالعه من أعلى رأسه لأخمص قدميه ثم تحدث ساخرًا :
– ليه كل ده يا شباب ؟ ، أنا بس هسأل مادام نارة سؤال ، هو السؤال حرم ولا إيه ؟
مال برأسه ليرى نارة التي تختفي خلف ظهر الحارس وعاد يتساءل بنبرة أعلى حادة :
– مراتــي فــــين يا نــــــــــارة هـــــــــــانـــــــم ؟ ، أنا متأكد إنك عارفة مكانها .
انتفضت نارة من علو نبرته وابتلعت لعابها بقلق بينما عاد الحارس يحذره بنفاذ صبر :
– يا عاطف بيه بلاش تضطرنا نتصرف معاك بالعنف ، لو سمحت امشي من هنا .
لم يكد ينهي جملته حتى وجد عاطف يخرج سلاحه ويصوب على ذراعه ويضرب دون تفكير ليرتد الحارس فجأة متألمًا من الرصاصة التي اخترقت كتفه ليسرع الحراس يشهرون أسلحتهم بينما جحظت نارة وبدلًا من ركضها تيبست قدميها في الأرض دونًا عنها توزع أنظارها بين الحارس المصاب وعاطف بذهول بينما رجاله في الخارج تجمعوا حوله يشهرون أسلحتهم كذلك في وجوه الحراس .
حالة من التأهب حلت على الجميع وعم الصمت ليكون المشهد كأنه فيلمًا سينمائيًا وليس حقيقة أذهلت نارة التي تهز رأسها استنكارًا لمَا يحدث لتحل قيد قدميها وتسرع أخيرًا نحو الحارس الذي أصيب لتتفحصه قائلة بذعرٍ :
– لازم يروح المستشفى حالًا ، كلموا صقر ، كلموه بسرعة .
كانت تستنجد بهم ليهاتفوا صقر الذي تعلم جيدًا أنه القادر على إيقاف جنون عاطف .
على الجهة الأخرى كان الحارس بالفعل يحاول الوصول إلى صقر الذي أجاب بترقب :
– خير .
استمع إلى الحارس ولم يحتَج سوى ثوانٍ ليندفع نحو السيارة بجسدٍ انفجرت فيه البراكين النشطة المتوعدة وهو يردف لرجاله :
– حد فيكوا يبقى يوصل يوسف وياخد باله كويس .
استقل سيارته بمفرده وانطلق كما لو كان في سباق سيارات والفوز هنا من نصيب الأسرع والأمهر متوعدًا بعقابٍ لعاطف لم يكن حتى يتمنى أن يراه في أسوأ كوابيسه ، لقد تخطى كل الخطوط الحمراء وتعرض لزوجته .
أما عاطف فوقف يبتسم بملامح غير مبالية كأنه لم يصِب رجلًا للتو ليعود ويتحدث وهو يتمسك بسلاحه مستعدًا للإطلاق على أي شخصٍ دون حساب للعواقب كأنه يضمن النجاة :
– يالا يا نارة هانم أنا ماعنديش وقت ، أنا مسافر بكرة ولازم آخد أميرة معايا من غير ما حد يموت .
نبرته تحمل تهديدًا صريحًا هي المقصودة به لترتعش وتدعو الله أن يأتي صقر في أقرب وقت ووقفت متكتفة وسط الحراس تطالعه برعشة وصمت .
رن هاتفه فتناوله ينظر له ليبتسم حينما وجده صقر لذا رفع الهاتف يعرضه عليها قائلًا بابتسامة مشمئزة :
– ينفع كدة ؟ ، بسبب الستات أنا وشريكي هنتخانق مع بعض .
نظرت له بكره ليفتح الخط ويجيب بنبرة عالية تحمل اللا مبالاة الاندفاعية التي ستكلفه الكثير :
– محمد باشا ؟ ، إيه يا شريكي هما اشتكولك مني ولا إيه ؟ ، أنا بس جيت أسأل مدام نارة عن مراتي .
تحدث صقر بنبرة جليدية ثاقبة وهو يقود بسرعة عالية :
– خد رجالتك وارجع على بيتك يا عاطف ومراتك هتكون عندك الصبح .
تجلى الغضب المفاجئ فوق ملامح عاطف حينما تأكد أنهما يعلمان مكانها ليردف صارخًا :
– ما دام كدة بقى يبقى مش منقول من هنا غير لما تجيبها وتيجي .
تابع صقر بنفس نبرته الثابتة :
– كمان خمس دقايق بالضبط وهتلاقي الشرطة عندك لو عايز تفضل خليك بس وقتها تنسى مراتك وتنسى حريتك وماتختبرش صبري ، قلتلك هجبهالك الصبح لإنها في مكان بعيد روح وهتصحى تلاقيها قدامك .
ذرة عقلٍ فقط هي المتبقية لديه ليفكر بها سريعًا في العواقب ثم يتساءل بغضبٍ :
– وإيه اللي يثبتلي إنك هتنفذ ؟
– كلمتي .
قالها صقر وأغلق وأسرع في قيادته أكثر وهو يتمنى أن تسير خطته كما رسمها وأن يغادر عاطف دون التعرض لزوجته وإلا فالعواقب وخيمة .
وقف عاطف ينظر نحو نارة ، كان يتمنى لو يفرغ بها مسدسه ولن يعاقب من أجلها، يعرف جيدًا كيف سيتحايل على القانون ولكن حسنًا ليهدأ قليلًا وليرى هل سينفذ صقر وعده ويحضر له زوجته ليأخذها ويرحل من هذه البلد أم سيضطر لإظهار وحشيته .
زفر بقوة ثم أشار لرجاله أن يتبعوه واتجه نحو سيارته يستقلها ويغادر عائدًا إلى فيلته لينتظر .
❈-❈-❈
كانا يجلسان في الحديقة بعد عودتهما من التبضع بعدما اشترت مايا عدة أغراض كانت بحاجتها .
كان يجلس شاردًا بينما هي تشرح له بتركيز كيفية استعمال هذا المعالج وذاك المرطب وتلك القطعة وهكذا وحينما طال صمته نظرت له لتجده شاردًا لم ينتبه لها لذا تحدثت بغيظ وتهكم :
– إيه ده يا عمر ؟ ، بقالي ساعة بكلمك وإنت ولا هنا .
انتبه لها فالتفت يطالعها ويتساءل وهو قاطب الحاجبين :
– خير يا مايا ؟
تعجبت فهو كان في عالمٍ موازٍ لذا عادت تضع الأغراض في علبتهم ثم نظرت له وتساءلت بشكٍ وحنان :
– إنت اللي خير ، بتفكر في إيه ؟
تعمق فيها وزفر بقوة حائرًا بين أمرين أيخبرها فيما يفكر به أم يراوغ وحينما وجدها محدقة به تنتظر حديثه زفر مستسلمًا ليقول دون مراوغة :
– أنا عايز أساعد إيمان يا مايا .
توقفت عن الحركة لثوانٍ تستوعب ما قاله ثم تساءلت ببلاهة :
– إيمان مين ؟
زفر يطالعها بثقب لتهز رأسها مردفة باستنكار :
– لا أكيد بتهزر ، تساعد مين يا عمر ، مستحيل طبعًا ، إنت هتبعد تمامًا عن الناس دي .
مسح على وجهه يستغفر ثم عاد يطالعها وتحدث بتروٍ موضحًا :
– يابنتي افهمي ، فيه واحد *** بيبتزها بصورها وبيساومها على فلوس ، بعيد عن اللي عرفناه بقى بس أنا مش قادر أتجاهل إنها طلبت مساعدتي وانها ممكن تتأذي .
تكتفت تطالعه بغيظ ثم تساءلت بترقب وقلبها يرفض حديثه بينما عقلها يحاول أن يستوعب :
– وهتساعدها إزاي بقى إن شاء الله ؟ ، ولا ناوي تعرض نفسك للخطر يا عمر ؟
حاول أن يهدأ ويقنعها لذا تحدث بنبرة رتيبة :
– افهمي يا مايا ، إيمان بنت ولسة بتدرس ومهما كانت غلطانة ماتستاهلش الفضيحة وأنها تخسر مستقبلها ، واحد زي سمير العدلي ده ممكن بسهولة يخلص عليها لو حاجة زي دي انتشرت ، أنا بس هتصرف مع اللي اسمه أيمن ده واجيب منه الحاجة اللي تخصها وخلاص على كدة .
علا صوت ضميرها وباتت تتنفس وتفكر ولكنها تخاف عليه لذا تحدثت بنبرة قلقة :
– مش مطمنة يا عمر ، على الأقل كلم صقر يساعدك .
تحدث برفضٍ وحرج :
– لا يا مايا الموضوع ده يخصني ومش كل حاجة هروح أكلم صقر طبعًا .
تحدثت بحدة نابعة من خوفها عليه :
– لو ماكلمتش صقر هكلمه أنا واحكيله ، مش وقت إحراج خالص المهم توصل للصور والفيديوهات دي من الزفت أيمن ده وتنهي موضوع إيمان ونتجوز بقى .
شرد قليلًا يطالعها بحبٍ يخفيه وراء نظرة شرود ، لقد وافقت وتفهمت موقفه ، ولكن هل يطلب مساعدة من صقر كما تقول أم يتصرف هو بطريقته ؟ .
انتبه لها حينما تابعت بحب وقلق :
– ريحني وقول إنك هتكلم صقر .
ابتسم لها وأومأ يردف بطاعة :
– خلاص ماشي .
أسرعت تكافئه وتلقي بنفسها في أحضانه مرددة بنبرة طفولية :
– شاطر يا عمورتي .
ابتسم لها يحاوطها بذراعيه ويبادلها العناق بحبٍ وتنهيدة معذبة ، لا يعلم لولاها هي وعائلتها كيف كان سيواجه ما علمه .
لولا وجودها بجواره طوال الوقت وعدم مفارقتها له إلا في نومه لكان حقًا في حالة سيئة لذا فقد تضخم عشقه لها وبعدما كان يظن أنه مسؤولًا عنها أصبح الآن يراها هي من تتولى مسؤوليته حتى لو كانت لا تدرك ذلك ولكنها فعلت ، فعلت بحنانها ودلالها ودفاعها عنه واندفاعها في وجه من يحزنه ، هي بالفعل كانت عوض الله له .
استكانت في حضنه ليشعر بتضخم قلبه وتبدأ مشاعره في التحول حتى كادت أن تخرج من شرنقتها لذا أسرع يقبل رأسها ويبعدها عنه قائلًا بتوترٍ كي يلهيها :
– يالا وريني تاني الحاجات اللي جبتيها .
تحمست تبتسم وأسرعت تمد يدها مجددًا في الحقيبة وتخرج عبوات المرطب وغيرها وهي تشرح له فوائد هذا للبشرة وذاك للشعر .
❈-❈-❈
سردت له جزءًا من الحقيقة ، سردت الجزء الهام فقط مما عاشته مع ذلك الرجل .
لم ترغب في سرد معاناتها كاملة ولم تفصح عن مشاعرها ولا عن حالتها النفسية ، فقط أفعاله وجنونه وزواجه عليها من چيچي التي هي بالأصل عشيقته .
كانت تجلس تنظر نحو الأمواج وتتحدث ، لم تكن تشتكي له بل سبحت للبعيد فهي شبه متأكدة من حالته الآن وغضبه لذا أبعدت عينيها حتى تظل على حالتها ، أعطت له الأسباب التي سيستخدمها في قضيته ليخلصها .
أعطت له الأسباب التي جعلته يشعر بمدى ظلم وطغيان عائلته ، لم ترحه بل جعلته يتقلب على الجمرات ، يجلس ثابتًا وداخله صراخًا وصراعًا ود لو تجسدا وأنهيا حياة كل شخصٍ أذاها .
بأي ذنبٍ تعيش كل تلك الآلام ؟ ، لمَ الزهرة الوحيدة العطرة والجميلة التي تسكن بيت عمه يحدث معها كل هذا ويقطفونها ويذبلوها ويمنعوا عنها الشمس والحياة ؟
الآن أدرك أنه تخلى عنها ، حتى وإن رفضوه كان يجب أن يهربا سويًا كما طلبت منه مسبقًا .
لقد خذلها كما فعل الجميع لذا هو أيضًا ليس له الحق في مواساتها ولا قول كلمة واحدة تخفف عنها وطأة ما تعيشه ، شعورًا باللوم يتوغله بالرغم من أنه غير ملام ولكن معاناتها آلمت روحه .
تحدث وهو ينظر للبحر مثلها بنبرة تحمل اختناقًا وضيقًا :
– تمام يا أميرة ، عايزك تثقي إن المرحلة دي هتكون ماضي قريب وهترجعي أفضل من الأول ، وكل اللي إنتِ عايزاه بعد كدة هيتنفذ ، أوعدك .
لم تجبه ، تستمع فقط ، برغم استنكارها لجملته ولكن لم تعد تمتلك مشاعرًا تتفاعل بها مع كلمات أحدهم حتى لو كان هو ، أو ربمَا تخفي مشاعرها في ركنٍ تم هدمه فأصبحت تحت الركام لذا فهي بحاجة إلى المساعدة كي تنهض مجددًا أو تتعافى ، يكفيها ألا تشعر بالألم .
وجدها صامتة وود لو يمتلك أحقية ضمها والتربيت عليها من قسوة هذا العالم ولكن صبرًا يا يوسف صبرًا .
نهض بعدها ينظر حوله ليجد الرجال على بعدٍ منهما لذا عاد يطالعها وتحدث بعيون مهتمة :
– أنا لازم امشي دلوقتي ، محمد قال لي إنك قدمتي على بدل فاقد لبطاقتك ، هنستخرجها وبعدين هنرفع الدعوة بس لازم تعمليلي توكيل ، موظف الشهر العقاري هييجي هنا ياخد إمضتك وهنعمل إحنا كل حاجة .
أومأت له ليقول قبل أن يغادر بنبرة مترقبة تحمل الرجاء :
– محمد قال إن فيه معاكِ موبايل ، ممكن آخد رقمك ؟
التفتت تطالعه بنظرة متساءلة ، تسأله بعينيها لمَ يا يوسف ، لمَ تحاول .
ليجيبها بنظرة لم تخفِ الحقيقة كما أخفاها لسانه :
– علشان لو فيه أي تفاصيل في الدعوة لازم أعرفها منك .
أومأت له بتفهم ثم نهضت تتحرك معه عائدة إلى المنزل لتحضر الهاتف وتعطيه رقمها قبل أن يغادر .
❈-❈-❈
وصل صقر إلى فيلته ودلف ينظر نحو رجاله ويوزع النظرات بينهم ثم تساءل ببرود ينافي نظرات عينيه :
– أحمد كويس ؟
أومأ أحدهم يقف بثبات ويجيبه :
– أيوة يا محمد بيه تمام وجرحه بسيط ، تقريبًا هو كان بيهوش بس .
أومأ له وتحرك بخطواتٍ ثابتة نحو الداخل ليراها .
كان هادئًا بطريقة غريبة ومخيفة ، دلف يبحث بعينيه عنها ليعلم أنها في الأعلى .
صعد على الفور واتجه نحو غرفتهما يفتحها ليجدها تتمدد على الفراش بشرود تنتظره لتطمئن .
سمعته لذا التفتت تطالعه لتعتدل مستندة وتبتسم له تخبره أنها بخير فأسرع نحوها وجلس يضمها فبادلته بحنين .
هذا جُل ما تريده الآن ، عناقه سيعيدها إلى قلعة الأمان التي كان يحاول عاطف انتشالها منها .
تضمه بكلا ذراعيها قابضة عليه بقوة تتنفسه لتسحب منه الطمأنينة وهو يضمها متوعدًا لها بعقابِ كل من حاول ترويعها .
تحدثت وكأنها شعرت بمَ يدور في رأسه :
– أنا كويسة يا صقر ، ماتقلقش يا حبيبي أنا تمام بس اطمن على أحمد .
ابتعد عنها قليلًا يتعمق في ملامحها ثم ابتسم بهدوء وتحدث يومئ لها باطمئنان :
– أحمد كويس جدًا .
أومأت له ثم تساءلت بتوترٍ :
– صقر هو أنت قلتله إيه وخليته يمشي ؟
رفع يده يحاوط وجنتها ويربت عليها ثم تحدث بابتسامة هادئة :
– قلتله إني هرجعله مراته .
نظرت له بعيون ثاقبة تتأكد لتجده يبادلها النظرات الثاقبة فعلمت أنه لن يفعلها لذا تنهدت بارتياح لتتساءل بثقة :
– طب هتعمل إيه معاه ؟ ، صقر لو سمحت أوعى تتصرف زيه .
ضحك بطريقة عالية ليست بمكانها لتشعر بشيء مريب ولكنه أسرع يعانقها مجددًا ويردف بهمس عند أذنها :
– طب هو مجنون ، أنا مجنون يا نارة ؟
هزت رأسها تردف بتأكيد :
– لاء طبعًا .
شدد من عناقه لها ثم ابتعد يحدق بملامحها ووجد أنها ما زالت بحاجة للقليل من الأمان والسكينة لذا لم يجد سوى مشاعر يمتلكها نحوها ليفتح مخزون مشاعره نحوها ويبدأ في إعطائها ما تريده .
انحنى مقبلًا إياها قبلة هادئة يبث بها مشاعره ولم تكن قبلة اعتيادية بل كانت دقيقة لتحقق مفعولًا بعد ثوانٍ فقط فبات كلٍ منهما يطالب بالمزيد فما كان منه إلا أن لبى نداء جسده ونداءها ليقضي على أي ذرة قلقٍ بها .
❈-❈-❈
ليلًا .
يجلس خالد على سريره يصفق بحماس وهو يرى خديجة تتزين أمامه ليتحدث بعجالة وعبث :
– هيا خديجة لا داعي لوضع أحمر شفاه لأنه سيزول بعد قليل
ابتسمت وامتدت يدها تتناول زجاجة العطر لتنثر منها عليها ولكن فجأة انكمشت ملامحها بضيق لذا وضعتها على الفور مكانها ونهضت لتبتعد عن رائحتها التي لم تتقبلها على غير عادة .
تحركت نحو وجلست على الفراش تطالعه بحبٍ فاليوم هو أدى الفروض معها لذا فهي يجب أن تشكره كما يحب .
بادلها الابتسامة ثم فتح ذراعيه يشير لها قائلًا بحماس :
– تئالى يا هبيبي تئالى .
اتجهت تعانقه فأدخلها بين ضلوعه يعتصرها كأنه لم يرها منذ عام فشعرت بالاختناق منه ولكنها تحاملت إلى أن ابتعد قليلًا يطالع ملامحها التي يعشقها وعيناها التي تشبه الغزال الشارد لذا انحنى يقبل عيناها برقة ويديه تطوف فوق ظهرها وتنحرف عن ذلك ثم أكمل طريقه إلى وجنتيها وأنفها حتى وصل لمبتغاه وما إن لامس شفتيها حتى صاحت تبعده قائلة بتهكم :
– أوووف ، إيه يا خالد الريحة دي ؟ ، ريحتك مش حلوة خالص .
ابتعد عنها يطالعها بصدمة لثوانٍ كانت كفيلة لتسقطه من ناطحة أحاسيسه ثم انحني يشم نفسه ليجد أن رائحته جيدة لذا طالعها قائلًا باستنكار :
– ريهتي مش هلوة إزاي شمي كدة !
قالها وهو يعاود الاقتراب منها لتبتعد فجأة بملامح منكمشة وهو تغلق أنفها بإصبعيها قائلة بضيق :
– لا بجد مش حلوة أنت أول مرة تحط الريحة دي .
تعجب يمط شفتيه فهو بالفعل اشترى هذا العطر اليوم مع البدلة التي كان يتمنى أن ترتديها ولكن ماذا يحدث معه ، هل نظر بهجت في ليلته هذه أم ماذا ؟
زفر يطالعها بضيق فتحدثت وهي تحاول أن تتروى حتى لا يحزن :
– بص هقولك ، أنت هتقوم تاخد شاور وتيجي بسرعة بس بلاش تحط البيرفيوم ده تاني .
طالعها بغيظ لثوانٍ ولكنه رضخ للأمر كطفلٍ حانق مضطرًا لفعل ما تريده والدته حتى تكافئه بقطعة من الشوكولاتة لذا نهض يتجه نحو الحمام فهو مهما وصل عبثه إلى مراحل عليا لا يمكنه تحمل أن تشمئز منه خديجة .
❈-❈-❈
في فيلا عاطف .
تجمع حراسه على عشاء اشتراه لهم أحد أفراد الحراسة عبارة عن بيتزا ومشروبات غازية .
تجمعوا يتناولون الطعام منه بعدما طلبه من أحد المطاعم .
كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض كعادتهم وحينما انتها الحارسان الأولان استبدلا أماكنهما مع غيرهما ليأتيا الآخران ويأكلان مثلهما .
في الداخل يقف عاطف في غرفته يجمع أغراضه في حقيبة سفره ، وليست أغراضه فقط بل أغراضها كذلك .
غدًا سيسافر معها وتنتهي هذه المعاناة وهناك سيعلم جيدًا كيف يعاقبها على هروبها منه ، فقط ليغادرا هذه البلد التي باتت تخنقه .
يفكر ماذا إن خالف صقر كلمته ؟ ، هل سيسافر بدونها ؟
جاء الجواب من عقله ليردد داخله ( لا ، لا وألف لا ، ليس بعدما علم عنها شيئًا وعلم من ساعدها )
انتهى بعد دقائق وأغلق الحقيبة يضعها جانبًا ثم تحرك نحو سريره لينام أو يغمض عينيه فقط منتظرًا مرور الوقت البطيء ليأتي الصباح .
لا يعلم كم من الوقت مر عليه حينما سمع أحدهم يناديه بصوتٍ خافت لذا فتح عينيه ليتفاجأ بصقر أمامه يطالعه بابتسامة خبيثة ويتحدث بهمس مخيف من أثر إضاءة الغرفة الخافتة :
– نايم بدري ليه ؟ ، دي لسة السهرة هتحلو .
جحظ عاطف مصدومًا وتململ لينهض ولكن صقر أسرع يباغته بضربة قوية على رأسه من مؤخرة سلاحه جعلته يترنح مجددًا ثم يعاود النوم أو الإغماء فكلاهما لم يمنعانه عن خطفه .
نظر له ثم كشر عن أنيابه متوعدًا له بعقابٍ عادلٍ بعدما أرهب زوجته وهجم على منزله ويعرفه عاقبة الهجوم على المنازل .
لقد دخل منطقة محظورة ولعب مع ساكنها دون أن يعلم هويته ووحشيته
❈-❈-❈
خرج ماركو من حمامه يرتدي مئزره وهو ينحني يشم نفسه ليتأكد من رائحته لذا زفر وتحرك نحو الفراش ولكنه تفاجأ بها تنام بعمق وتتدثر أسفل الغطاء .
وقف مكانه يطالعها بصدمة ثم دب الغيظ فيه وتحرك نحوها وجلس يناديها ويحاول نزع الغطاء عنها قائلًا :
– يا سلام ! بئد ماستهميت تلت مرات هتنامي ؟ ، إيه اللي جرالك ؟
كان يحاول نزع الغطاء ولكنها كانت منكمشة تلفه حولها بشكلٍ لم يستطع فكه ، توقف متعجبًا يباغتها بنظراتٍ حانقة وحينما لم يستدل على أسباب ما يحدث رمى اتهامه على بهجت كالعادة ليردف بتأفأف :
– أكيد هو السبب ، شكله أملها سِهْر ، كل ده ألشان يزهقني في إيشتي .
جلس يحدق في هذه النائمة بعمق ثم أومأ مرارًا يردف بتوعد بعدما أقنع عقله باستنتاجه :
– تمام ، ماشي يا بهجت أنا هخليك تلف هوالين نفسك .
❈-❈-❈
صباحًا استيقظت نارة لتجد صقر يتمدد جوارها .
نظرت له بحب ثم انحنت تقبله فاستيقظ يطالعها بعيون ناعسة وتحدث باهتمام :
– هنروح للدكتور النهاردة ؟ ، لازم نطمن على نيللي .
قطبت جبينها تطالعه بتعجب متسائلة :
– نيللي ؟
أومأ يستند ليجلس أمامها وتحدث ويده ترتب خصلاتها النارية التي يعشقها :
– يعني نور الشمس ، علشان يبقى في حياتي الشمس ( نارة ) ونورها ( نيللي ) .
ابتسمت له بحب بالغٍ ثم التقطت يده ودنت تقبل باطنها ليتنفس بقوة ثم تمسك بكفيها ليبادلها هو القبل على كليهما ثم عاد يطالعها مستكملًا :
– وكمان اسم نيللي يعني المرأة الحكيمة الرزينة اللي بتتميز بالعقل والحنكة ، زي مامتها بالضبط .
فاضت عيناها عشقًا به وهي تطالعه وتبتسم ابتسامة ظاهرية وداخلية وكأن أعضاءها جميعها تضحك لذا ألقت بنفسها تعانقه ليحتويها ويتنفس بقوة مستمتعًا بقربها الذي هو ملاذه الآمن .
ابتعدت عنه حينما تذكرت شيئًا لذا تساءلت بترقب :
– صقر إنت إمبارح اتأخرت أوي ، حصل حاجة ولا إيه ؟
نظر لها وهو يدرك أنه مهما راوغ ستكشف أمره فهي باتت تعلمه كما تعلم الأم طفلها لذا جاهد ليرسم الثبات وابتسم يتحدث مطمئنًا :
– ولا أي حاجة ، موضوع خاص ببهاء .
تنهدت تومئ له ثم أخرجهما من حالة العشق رنين هاتف صقر لينحني يلتقطه ليجده عمر لذا أجاب بهدوء وهو يترجل من الفراش :
– صباح الخير يا عمر .
تحدث عمر بحرج حينما استمع لنبرته المتحشرجة التي دلت على نومه :
– صباح الخير يا صقر ، أنا صحيتك ولا إيه ؟
تحدث صقر وهو يقف أمام نارة المترقبة :
– لا أنا صحيت ، قولي في إيه ؟
تحمحم عمر ولكنه لم يماطل لذا قال بتوتر :
– أنا كنت عايز أساعد إيمان وأجيب الصور اللي تخصها من الواد اللي اسمه أيمن ده بس طبعًا ده مش هينفع معاه الكلام راجل لراجل .
تفهم صقر مقصده لذا تحدث بجدية دون مماطلة :
– قولي اسمه إيه بالكامل ومالكش دعوة بالباقي .
اعترض عمر يجيبه :
– لا يا صقر ، الموضوع يخصني وأنا اللي هكلمه محتاجين نخوفه بس علشان يجيب اللي معاه .
تحدث صقر بصرامة لا تقبل نقاش :
– قولي اسمه وهجبلك الصور على بليل كدة وابقى كلم إنت ايمان بلغها إن الحاجة معاك ، بس ملكش دعوة بحوار أيمن ده ، إنت عريس وماينفعش تضرب حد .
تنفس عمر شاعرًا بالحرج والامتنان لذا تحدث بنبرة خافتة :
– مش عارف أقولك إيه .
– يبقى تقفل .
أغلق صقر بعدها بنزق فهو لا يفضل العواطف أبدًا ليعود وينحني نحو نارة ويقبلها على شفتيها بشعورٍ متناقض تمامًا ليظهر عاطفته لها فقط .
بادلتها قبلته السريعة ليعتدل ويتجه نحو الحمام بينما هي جلست تبتسم لأثره ثم عادت تتمدد على فراشها وتتقلب في نهرٍ من السعادة .
❈-❈-❈
بعد ثلاثة أيام .
في قاعة زفاف مميزة بتصميمها وزينتها ورقيها
يقف عمر وسط تجمع بسيط من الأهل والأحباب ينتظر عروسه التي ستطل من ذاك الباب بعد قليل .
قلبه صاخبًا لا يصدق أن الليلة هي ليلة زفافه بمن أحبها قلبه وملكته كله .
عينه لا تفارق الباب وحوله الجميع يترقبون وعيونهم نحو نفس المكان حيث بدأت الموسيقى تصدح لتخبرهم بوصول العروس .
تعالت وتيرة أنفاسه وليس هو فقط بل آسيا التي وقفت تنظر بعيون لامعة من فرط سعادتها ونارة التي أتت لتوها بعدما كانت مع مايا في الخارج ، لتجاورها بفستانها المحتشم الرقيق .
فُتح الباب وظهر فريق من الفتيات الرائعات يرتدين فساتين بيضاء وتحملن في أيديهن سلالًا من الورود تنثرن منها في أرضية المكان قبل أن تظهر مايا بفستانها الأبيض الناصع الذي يلائم جسدها العلوي ويتناسق تمامًا معه لينسدل عند خصرها باتساع شاهق .
عيناها الرمادية وملامحها البريئة والعنيدة تتلألأ بسعادة وسط توترٍ ورعشة ولكنها تتشبث بذراع صقر الذي يرافقها ليوصلها إلى زوجها .
كانت تخشى السقوط من قوة ما تشعر به وهي ترى عمر يقف محدقًا بها بعيونٍ تقفز منهما السعادة التي توازي سعادتها .
خطواتها متمهلة دون عمدٍ فهي تود لو تركض إليه ولكن يجب أن تخطو على أنغام الموسيقى وأن تلتزم بحركتها مع صقر الذي يشعر بالفرحة من أجلهما .
كان ماركو يجاور خديجة التي تبتسم بحالمية من جمال ما تراه والأول شاردًا يستعيد ذكرى زواجه ويده تلتف حول خصرها بتملك وهو يفكر أن يعيد ليلتهما حينما يعودان .
وصلت مايا وتوقفت أمام عمر تطالعه بحبٍ يفيض من عينيها ليسلمها له صقر ثم يتحرك نحو نارة ويتركها بين يدي عمر الذي رفعهما وأمسك برأسها ثم دنى يقبل جبينها بحب وابتعد يطالعها بهيام قائلًا بنبرة متأثرة :
– نورتي حياتي .
تعالت نبضاتها حتى شعرت أن قلبها سيتوقف وقدميها ستتهاوى لذا أسرعت تقول وهي تتشبث به :
– عمر امسكني هقع .
ابتسم وأسرع يلف يده حولها ويحثها على التحرك بضع خطوات ليقفا في المكان المخصص لرقصة العروسين وامتدت يديه تلتف حول خصرها بحماية لتتنفس بقوة وترفع يديها تعانق رقبته وتطالعه بهيامٍ ليبدآن سويًا في الرقص بهدوء وعيناهما لا تفارقان بعضهما .
❈-❈-❈
في مكانٍ ما
يجلس عاطف مقيدًا على مقعدٍ مريح ولكنه لم يذق طعم الراحة منذ أيام .
كل ما يفعله هو الصراخ والسب والغضب ليصل به الأمر في النهاية إلى الاستسلام بعدما يئس من عدم سماعه .
لا يعلم أين هو ولا كيف حدث ذلك في رفة عين وكيف فعل محمد ما فعله بسهولة دون أي عقبات ، من هو ؟ من المؤكد هو ليس مجرد رجل أعمال فما فعله به تلك الليلة لا يمكن لرجل أعمال عادي فعله .
دلف إليه حارسه الخائن بالنسبة له يضع له الطعام ويطالعه ببرود ليصرخ عاطف كعادته محاولًا فك قيوده عبثًا وهو يتوعد له :
– هقتلك يا خاين يا ***** ، هعرفك مين هو عاطف سليمان ، أنا تخوني وتشتغل لحسابه يا **** .
طالعه الحارس ببرودٍ مستفز ووضع الطعام ثم ابتعد يقف أمام عاطف ويضع يداه في جيبي بنطاله قائلًا :
– كفاية تهديد بقى ، وضعك ما يسمحش بكدة أبدًا ، يالا علشان أفكلك إيدك وتاكل .
ثار عاطف يطالعه بعيون جحيمية ويتحدث بأنفاسٍ متأججة :
– هدفنك ، أخرج بس من هنا وأنا هدفنك إنت وهو ، إنت مفكر إني مش هخرج ؟ ، أنا ورايا ناس توديكوا ورا الشمس ، وزمان أمي بلغت عن اختفائي يا ***** وهطلع وساعتها هتشوف هعمل فيكوا إيه .
ضحك الرجل ضحكة باردة مستفزة قاصدًا بها إثارة غضبه ليقول وهو يخطو خطوة للأمام :
– عشم إبليس يا عاطف بيه ، محمد باشا مظبط كل حاجة ، والوالدة راح لها رسالة من تليفونك إنك سافرت فجأة زي ما بلغتها قبلها بيوم وطبعًا إنت كنت محضر الشنط بنفسك ولو ع الرجالة بتوعك فهما كمان معانا هنا بس في مكان أقل شوية ، علشان تعرف إن محمد بيه مهتم بيك زيادة .
لم يكن هذا الحديث بنات أفكار الحارس بل كانت رسالة من صقر أوصلها عن طريقه لينفذ الآخر بالسمع والطاعة .
وبالفعل توقف عاطف عن المقاومة ، صمت يطالعه ويعيد كلماته في رأسه ، لقد تم التخطيط لكل شيء ، تخطيط خبيث أوقعه في شر أعماله فهو بالفعل أبلغ والدته أنه سيسافر صباحًا في عملٍ هام ولن يكتشف أحدًا خطفه إلا بعدما يتعفن .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ .
انتهى حفل الزفاف واستعد العروسان بعدما ودعا الجميع وأبدلا ثيابهما في الفندق .
استعدا لبدء رحلتهما إلى اليونان وتحديدًا جزيرة زاكينثوس التي ذهب إليها صقر ونارة من قبل .
لتنطلق سيارتهما إلى المطار على الفور
❈-❈-❈
صباحًا
وصل عمر ومايا إلى الجزيرة وتحديدًا إلى مرسى اليخوت ليصطحبهما شخصًا كلفه صقر بحمايتهما .
تحركوا نحو يخت نارة الذي أهداه لها صقر وما إن رأته مايا حتى شهقت مايا تلكز عمر قائلة بانبهار تجلى على ملامحها :
– وااااو يا عمر شوفت جماله ، واسم نارة مكتوب عليه .
أومأ لها عمر مبتسمًا وللحظة شعر لو أنه يمتلك شيئًا ثمينًا يهديها إياه لتشعر بأنها بالغت لذا التفتت سريعًا تطالعه وتتابع بانزعاج ظاهري :
– بس على فكرة لا أنا ولا نارة بنهتم بالحاجات دي خالص ، ممكن نحب شكلها أو نستمتع بيها كام يوم غير كدة لاء على فكرة .
ابتسم لها ومد يده يقرص أنفها بعدما أدرك مقصدها ليقول بحب :
– عارف يا مايا كويس مش محتاجة تشرحيلي ، يالا بقى الراجل مستنينا .
طالعته بحب وابتسامة وديعة ثم أومأت وتحركت معه نحو اليخت يصعدان على متنه ليحملها بعدما عبر هو أولًا ويبدأ ذلك الرجل بقيادة اليخت إلى وجهته وخلفه زروقًا يقوده رجلًا آخر كي يصطحبه ويعود به إلى هنا مجددًا .
لم يمر ربع ساعة حتى وصل اليخت إلى مكانه بين الجبلين .
ليتوقف في مرساه ويتجه الرجل إلى عمر ومايا حيث يجلسان في سطحه ويقول بهدوء وبالعربية ذات الأحرف الثقيلة :
– سأكون بالقرب منكما أن احتجتما شيء هاتفاني على الفور ، جميع الطلبات هنا في الداخل ، عطلة سعيدة .
نهض عمر يودعه واتجه الرجل نحو زورق صاحبه يركبه ليغادر ويترك مايا وعمر بمفردهما في هذا المكان الساحر .
اتجه إليها عمر ووقف أمامها يمد لها يده فنهضت تطالعه بحب فتحدث متسائلًا بحنان :
– جعانة ؟
هزت رأسها بلا وبدأ التوتر يتوغلها فأومأ ثم تحدثت برزانة :
– طيب تعالى نشوف اليخت ده نظامه إيه وبعدين نتوضا ونصلي ركعتين مع بعض .
أومأت له بطاعة متناهية كأنها منومة مغناطيسيًا فتمسك بكفها وتحركا سويًا يستكشفان المكان أولًا حتى وجد غرفة نومٍ بها حمام والتي كان قد حذره صقر من استعمالها ولكنه كان يمزح ليدخلها عمر ومعه مايا يطالعانها بإعجاب حيث كانت تفاصيلها معدة لاستقبالهما .
ابتلع عمر لعابه وهو يسعى ليهدأ حتى لا تفزع من بجواره والتي تتصاخب نبضاتها بشكلٍ ملحوظ لذا أسرع يلفها نحوه ويطالعها بعمق ثم حاول بث الحب والطمأنينة بها لذا قال بنبرة متحشرجة :
– حبيبي بيترعش ليه ؟ ، إنتِ مع عمر .
– أنا خايفة .
نطقتها بوداعة أذابت حصونه ليأخذها في أحضانه ويعانقها عناقًا خالٍ من الرغبة بل يجاهد ليأمن قلبها المرتعش كالقطة المذعورة وهو لا يصدق أن هذه نفسها هي مايا الجريئة صاحبة الأفعال المتهورة .
كان يملس على ظهرها لتهدأ ليبتعد بعد دقيقة ويطالعها بحبٍ وابتسامة هادئة قائلًا :
– مافيش أي حاجة مش عايزاها هتحصل ، تمام ؟
أومأت له مرارًا وحاولت أن تهدأ لتلتفت حولها حتى وجدت باب الحمام لذا أشارت إليه وتحركت نحو قائلة بنبرة ملتوية وكأنها تود الهرب :
– الحمام أهو ، يالا علشان نتوضى .
تبعها بالفعل نحو الحمام وبدأ يشرح لها كيفية الوضوء الصحيحة وهي تفعل مثله حتى انتهيا وعادا إلى الغرفة يلتقط هاتفه ويعبث به ليرى اتجاه القبلة عبر برنامج تحديد القبلة .
واتجه نحو غرفة الملابس يفتحها ويبحث بها عن شيءْ يؤديان الصلاة عليه وبالفعل قام بفرده ووقف هو في المقدمة وحثها على الوقوف خلفه بعدما ارتدت حجابًا لتقف على بعد شبرين ويبدأ في أمِّها بالصلاة وتفعل هي مثله .
بعد دقائق انتهى وسلم ليلتفت بجذعه لها يجدها مطرقة رأسها بهدوء واسترخاء لذا التفت كليًا يناديها فرفعت نظرها إليه تتساءل ليتنهد ثم مد كفه يضعه فوق رأسها ويردد الدعاء بهمسٍ وهي تتابع ما يفعله بتوترٍ لم يزُل بعد .
انتهى يحدق بها ونهض يحثها على الوقوف ففعلت ثم مد يده ينزع حجابها بلطفٍ فانهمر شعرها خلفها كالشلال ليزيد من ثورته وبعثرته لذا ابتلع لعابه يجول بأنظاره فوق ملامحها ثم نزلت يده إلى وجنتها تتحسسها لتنتفض فجأة وتطالعه بعيون مذعورة قائلة :
– عمر أنا جعانة .
توقفت يداه كما هي وهدأت ثورته يطالعها بتعجب ثم تحدث باستفهام :
– مش أنا سألتك وقلتي لاء ؟
– لا جوعت دلوقتي ، تعالى ناكل .
قالتها وهي تسحبه خلفها نحو الخارج ليوقفها ويسحبها هو نحوه فتجمدت تقف أمامه بجسدٍ سيتهاوى لا محالة لذا حاول تهدأتها يقول بتريث :
– مايا اهدي خالص ، تمام هنطلع ناكل بس اهدي ، تمام ؟ .
نظرت له تستشعر الهدوء وتومئ ليعاود ضمها ويتنفس بقوة يجاهد ليلجم رغبته بها ثم ابتعد وتمسك بكفها وتحركا نحو الخارج قائلًا بصوتٍ رخيم :
– تعالي .
تحرك معها نحو المطبخ ليعدان سويًا بعض الأطعمة وليرى ما حجتها التالية ولكنه يقدّر جيدًا توترها ويعاملها على هذا النحو .
❈-❈-❈
في طريقهما إلى منزل بهجت للاحتفال بعيد ميلاد خديجة على طريقة عائلتها المميزة ككل عام .
تجاوره بابتسامة فريدة لا تستطيع إخفاء سعادتها خاصة وأنه لم يعترض أو يتذمر أو يفرض تملكه ورضخ بكل طواعية للاحتفال مع عائلتها .
يقود مبتسمًا هو أيضًا ولكن ابتسامته خبيثة لا تدرك مغزاها بعد .
يخفي عينيه وراء نظارة شمسية كي لا تلمح المكر فيهما .
انعطف يمينًا في اتجاه آخر فقطبت ما بين حاجبيها متساءلة بترقب :
– خالد هو إنت دخلت من هنا ليه ؟ ، ده مش الطريق الصح .
تحدث وهو يقود دون النظر إليها :
– اهدئي خديجة سنصل إلى وجهتنا على أيّة حال .
التزمت الهدوء ولكن أفكارها لم تهدأ حيث يقود بها في طريق معاكس تمامًا لفيلا والدها .
وها هي تزفر بضيق وتلتفت تطالعه متسائلة باستفهام :
– خالد ممكن افهم إحنا رايحين فين دلوقتي ؟
التفت يطالعها من خلف نظارته قائلًا بابتسامة باردة تزيد من حنقها :
– مفاجأة يا شهية ، فقط اصبري قليلًا .
أطرقت بيأس ونظرت أمامها فها هو يعود لحيله ومكره وهي من ظنته استسلم لرغبتها في الاحتفال مع عائلتها بعدما كان يود الاحتفال بعيد ميلادها الأول بمفردهما .
قاد في طريق صحراوي لتتيقن أنه يعد مفاجأة لها وتمتزج سعادتها بالحزن في شعورٍ متناقض تعيشه معه .
لا تعلم اتسعد بمَ يعده لها أم تحزن لحزن عائلتها وخاصة والدها الذي من المؤكد سيحزن حزنًا شديدًا ، وكأن الحزن أراد التقدم على سعادتها حينما رن هاتفها معلنًا عن اتصالٍ من بهجت .
تناولته تنظر للشاشة ثم التفتت تطالع خالد الذي يدعي انشغاله بالطريق فزفرت وفتحت الخط تجيب بترقب :
– السلام عليكم يا بابا .
أجابها بهجت متعجبًا :
– وعليكم السلام يا خديجة ، إيه يا حبيبتي اتأخرتوا ليه ، إحنا مستنيينك ومش راضيين ندبح الدبيحة غير لما تيجي .
تنهدت بشعورٍ ضيق ثم تحدثت بنبرة حزينة وهي تشعر بالعجز :
– أنا أسفة يا بابا مش هعرف آجي ، خالد كان عامل لي مفاجأة وماكنتش عارفة .
انتابه الضيق لثوانٍ ثم تحدث مستنكرًا :
– يعني إيه يابنتي ؟ ، مهو عارف وموافق وكان جاي ، هو بيلعب بينا ولا إيه ؟ ، اديهولي اكلمه .
نظرت مجددًا نحو زوجها الذي مد يده لها لتناوله الهاتف ففعلت فتناوله يضعه أمامه ويشغل مكبر الصوت قائلًا بنبرة فاترة غير مراعية :
– المفروض أنك اهتفلت بعيد ميلاد خديجة ٢٦ سنة ألى طريقتك يا همايا ، السنة دي من هقي أنا لوهدي ، يالا روه إنت إدبه الدبيهة ألشان متتأخرش ألى الناس .
مد يده يغلق الاتصال والتفت يطالعها فوجدها تطالعه بحزن ، زفر ونظر أمامه ولم يتحدث فلمَ لا تقدر ما يحاول فعله كي تفرح ؟ لمَ تهتم لمشاعر عائلتها وتنسى دومًا مشاعره ؟
وكان هذا نفس شعورها ، لمَ لا يهتم بمشاعر أحدٍ سواه ، لم يمر فوق سعادة الجميع ليحصل على سعادته هو فقط ، لمَ هو أناني هكذا ، تحدثت بضيقٍ واضح :
– ماينفعش اللي إنت عملته ده ، بجد عيب أوي ، على الأقل كنت بلغتهم قبلها .
تحدث بمراوغة وهو يقود بعدما تجلى الضيق فوق ملامحه :
– كانت مفاجأة خديجة ، كنت أعد لكِ مفاجأة منذ، أيام ، هل أنا أخطأت ؟ أليس من حقي الاحتفال بعيد ميلاد زوجتي على طريقتي ؟
– من حقك ، ماقولتش إنه مش من حقك بس إنت بلغتهم إننا رايحين ، ماتخلفش وعدك يا خالد بعد ما توعد ، ماتعملش كدة علشان وقتها انا بخاف منك فعلًا .
توقف بسيارته جانبًا وطالعها بنظرة تخفي ألمًا وتحدث مستنكرًا :
– تخافي مني !
لمحت نظرته الاستنكارية لذا تنفست بقوة تحاول أن تهدأ وتمرر الأمر كالعادة لذا تحدثت بنبرة هادئة :
– اللي بيخلف وعده ممكن يعمل أي حاجة يا خالد ، وعد الحر دين عليه ولو مش هتقدر توفي دينك ده يبقى علشان خاطري بلاش توعد حد بحاجة وإنت بتخطط أو ناوي تعمل عكسها .
حدق بها لثوانٍ ثم مسح على وجهه ليهدأ وأومأ يقول قبل أن يعاود القيادة :
– تمام يا خديجة .
قاد في طريقة والتزما الصمت إلى أن غفت خديجة لا إراديًا فأسرع يضغط على الزر المخصص لفرد المقعد كي تأخذ راحتها إلى أن يصلا إلى وجهتهما .
تعمق في ملامحها وهي غافية تميل بوجهها نحوه ، يعشق تفاصيلها ولم يقل شغفه في عشقها قدرًا ، ما زالت تؤثر عليه نفس الهالة المحيطة بها في كل مرة يراها ، بها سحرٌ يجذبه إليها وينسيه انزعاجه منها مهما كان .
تنفس بعمق وعاد ينظر أمامه ويقود منطلقًا إلى وجهته التي يدله عليها برنامج السيارة الذكي .
❈-❈-❈
أعد لها الطعام وجلس ينتظرها تأكل ولكنها تعبث به بشرودٍ تحت أنظاره .
ناداها بترقب :
– مايا ؟
رفعت نظراتها إليه فتحدث وهو يشير نحو طبقها :
– مش بتاكلي ليه ؟
تحمحمت ونظرت له بترجٍ قائلة :
– عمر هقولك بس ماتزعلش مني .
تنفس بقوة يومئ لها ويتكتف يستمع بترقب فتابعت بتوترٍ وقلقٍ من احتمالية حزنه :
– عمر أنا بحبك أوي ، بحب أحضنك وأبوسك وبحب ريحتك جدًا بس أنا خايفة دلوقتي .
تعمق في عينيها لثوانٍ ثم ابتسم يطرق رأسه ونهض يحثها على النهوض فناولته كفها بتوتر فتحرك بها عائدًا إلى الغرفة فزاد توترها بشكلٍ ملحوظ وتعالت وتهاوى قلبها أرضًا بينما عقلها يحاول أن يعمل وهي تردد داخلها أن هذا عمر حبيبها يستحيل أن يؤذيها بأي شكلٍ كان .
أخذها نحو السرير وتمدد عليه يسحبها لتجحظ بذعرٍ يلغي أي تعقلٍ بها ولكنه أسرع يضمها ويردف بحبٍ ومراعية تفوق مشاعره المكبوتة :
– خلينا ننام شوية ، إحنا جايين من سفر طويل وإنتِ أكيد تعبانة علشان كدة متوترة ، يالا نامي .
انحصرت مخاوفها كانحصار المياه من نهرٍ جاري وتنهدت بارتياح ثم حاوطته تضمه وتدثر نفسها فيه أكثر مستمتعة بعناقه ورائحته والأمان الذي يغلفها به بينما هو يزفر بقوة ثم تحدث ساخرًا بخفوت :
– وصلينا ركعتين والراجل تاعب نفسه وحاجز لنا على يخت في اليونان وليلة كبيرة وفي الآخر طلعت بتحب حضني وريحتي بس .
– عمر بليــــــز .
قالتها بخجلٍ ورقة لينحنى يقضم وجنتها بغيظٍ وحب ثم عاد يحاوطها ويتنهد لينام وتنام هي الأخرى مطمئنة .
❈-❈-❈
حل الليل
وصل خالد إلى وجهته في مدينة دهب الساحرة وتحديدًا على شاطئ جزيرة لاجونا الخاطفة للأنفاسِ والتي تمتاز بروعة شاطئها وهي مكانًا مفضلًا للاسترخاء والمغامرة ويتوافد عليها أمهر الغواصين من حول للعالم لاحتوائها على شعب مرجانية رائعة .
صف سيارته أمام الشاليه الذي حجزه لهما مسبقًا وانحنى قليلًا نحو خديجة يقبل وجنتها ثم اعتدل يتحسسها بإصبعيه ويناديها بهمس فبدأت تتململ ثم نظرت له وارتفعت في جلستها لتنظر حولها قائلة بنعاس وترقب :
– وصلنا ؟ ، إحنا فين دلوقتي يا خالد ؟
ترجل من سيارته وأغلق بابه ثم التفت إليها يفتح بابها ويمد له يده فناولته يدها وترجلت وعيناها تستكشف المكان بتعجب وبعيدًا على مرمى بصرها هناك شاطئًا تتلألأ عنده أضواءً خافتة .
عادت تطالعه متسائلة وهو يسحبها معه نحو حقيبة السيارة ويفتحها ليخرج منها حقيبة تابعة لهما جعلتها تشهق بتفاجؤ قائلة :
– إنت حضرت دي إمتى ؟
ابتسم بخفوت فضيقت عيناها وتابعت بنبرة مرحة خاصة وهي تراه يعد لها مفاجأة تلو الأخرى :
– إنت مكار .
ابتسم بتباهي كأنها تمدحه وتحدث وهو يهز منكبيه :
– أوه نعم هذه إحدى صفاتي المميزة فلو لم أكن هكذا لما كنتِ معي الآن .
هدأت ابتسامتها قليلًا وتحركت معه للداخل ففتح باب المنزل ودلف معها ثم أضاء المكان الذي ما أن رأته حتى اندهشت .
كان مرتبًا ورائعًا بشكلٍ جعلها تحبس أنفاسها وقد تم تحضيره مسبقًا أيضًا بعناية .
وضع الحقيبة جانبًا والتفت يحاوطها وعيناه تسافر على ملامحها قائلًا بعشقٍ يفيض منه :
– أردت أن احتفل مع زوجتي بطريقتي الخاصة ، هل ارتكبت خطيئة ؟
تنهدت بعمق تطالعه ولم ترد قول شيء يزعجه لذا هزت رأسها بالسلب مع ابتسامة خفيفة فعاد يلتفت ويسحبها معه إلى غرفة النوم التي تطل على الشاطيء مباشرةً .
كانت غرفة مميزة جدًا ومجهزة بشكلٍ راقي وورود حمراء وشراشف بيضاء مع إضاءات هادئة تعطي أجواءً رومانسية .
تحرك بها نحو الباب الزجاجي الذي يحتل جدارًا كاملًا ثم أزاح ستائره الداكنة ليظهر أمامهما البحر والرمال .
شهقت عندما لاحظت خيمة على مرمى بصرها مجهزة وحولها طريقًا صنع من الشموع العطرة المضيئة .
كان قلبه ينبض بقوة وسعادة خاصة وهو يرى ملامحها تنفرج وتبتسم مع كل مفاجأة .
كاد أن يفتح الباب ويتقدم لها لترى الجزء الأهم من مفاجأته ولكن رن جرس الباب فتنهد ونظر لها قائلًا :
– انتظريني .
أومأت له فاتجه نحو الخارج يفتح الباب ليجده نادل المطعم القريب من هذا المكان يناوله طاولة متحركة مغطاه بقطعة من القماش الأبيض وهو يبتسم ويقول برسمية :
– سهرة سعيدة يا فندم .
أومأ له ثم تساءل بترقب :
– المفاجأة التانية هاجزة ؟
– كله تمام يا فندم زي ما حضرتك طلبت بالضبط .
هكذا أجابه فأومأ خالد وغادر النادل وتركه يسحب الطاولة للداخل حتى وصل إلى خديجة وقال وهو يترك الطاولة جانبًا ويتقدم منها :
– لنترك هذا العشاء بعد المفاجأة .
غمزها ثم اتجه يفتح الباب الزجاجي وهو يتمسك بكفها ويخطو بها عبر الطريق المصنوع من الشموع بخطواتٍ تقرع الطبول في قلبها حتى وصل إلى الخيمة فدلفها لتجد في منتصفها طاولة وضع عليها كعكة مستطيلة كُتب عليها أحرف اسمها فابتسمت بسعادة تطالعه بعيون لامعة تعبر عن مدى فرحتها ولم تنتهِ المفاجآت هنا بل تقدم معها لطرف الخيمة لتظهر سماء المكان أمامها فوقف يردف بحبٍ وبتأثرٍ :
– كل عام وانتِ معي يا خديجة ، كل عام وبيتكِ قلبي ومأمنكِ عناقي ومحوركِ جسدي ، كل عام وأنتِ بين ثنايا روحي ، كل عام وأنتِ جميلة الروح والوجه والقلب ، كل عام وأنتِ سيدة الحنان واللطف والبراءة ، كل عام وأنتِ متربعة على عرش قلبي .
التمعت عيناها وأسرعت تعانقه بقوة فابتسم وضمها إليه يرفعها عن مستوى الأرض ويدور بها بسعادة احتلت قلبه الذي تضخم وكاد أن يحطم ضلوع صدره حبًا بها .
أنزلها أرضًا فشعرت بالدوار فترنحت فعاد يسندها متعجبًا وتساءل :
– ماذا حدث ؟ ، هل أصبتي بالدوار .
استندت عليه تخفي وجهها في صدره إلى أن ذهب الدوار عن رأسها فعادت تطالعه وتبتسم قائلة بسعادة :
– دوخت شوية لما لفيت ، متقلقش أنا كويسة جدًا .
قرص وجنتها بحنو ثم نظر لساعة يده ليجد أن الوقت قد حان فغمز لها وأشار برأسه نحو الأعلى ففعلت متعجبة لتتفاجأ بألعاب نارية تنطلق للأعلى لترسم في السماء اسمها المضيء ثم شكلًا آخرًا عبارة عن دائرة رسم فيها ( I love you ) .
لأول مرة تعود طفلة وتقهقه بهذه السعادة ولأول مرة تحتفل بعيد ميلادها بهذه الطريقة .
التفتت تطالعه بابتسامة أضاءت وجهها وخيوط السعادة تغزل نسيجها على ملامحها وقالت بصدق :
– روووعة يا خالد رووعة أنا أول مرة يتعمل لي عيد ميلاد كدة ، أنا مبسوطة أوي أوي ، شكرًا يا حبيبي بجد .
انحنى يقبلها قبلة يطفيء بها نيرانه التي اشتعلت من عفويتها وضحكاتها وبراءتها لتتعلق برقبته فحاوط خصرها يعاود رفعها عن الأرض ويشدد من عناقه دون أن يلف بها .
أنزلها يبتعد مؤقتًا عن شفتيها ليقول بنبرة متحشرجة :
– هيا تعالي لنقطع الكعكة ثم نذهب لنحتفل على طريقتنا .
دلفا مجددًا إلى الخيمة ووقفا عند الطاولة ولكنها لاحظت شيئًا لم تلحظه منذ قليل .
دلوًا معدنيًا ممتلئًا بالثلج وفي منتصفه زجاجة مشروب !
انكمشت ملامحها فورًا وعادت تطالعه متسائلة بقلق :
– خالد هل طلبت كحوليات ؟
نظر للزجاجة سريعًا بتعجب ثم عاد لها يردف بجدية :
– طلبت مشروبًا خالي من الكحول ولكن يبدو أن النادل اختلط عليه الأمر ، انتظري قليلًا .
مد يده ينتشل الزجاجة ثم تفحصها بعينيه ليتمتم وهو يضعها مجددًا ثم نظر لخديجة وتحدث ببساطة معتادة :
– نسبة الكحول قليلة جدًا خديجة لا تقلقي ، هذا لا يسكرني .
عاد يقترب منها ويسحبها إليه ليميل على أذنها هامسًا كي ينتشلها من أفكارها :
– لا يسكرني هنا غيركِ يا شهية .
لم يفلح تلك المرة في التأثير عليها حيث ابتعدت تطالعه بملامح جادة قائلة بمغزى :
– خالد أنت وعدتني .
زفر يلتفت لليمين ببعض الضيق ثم عاد إليها يقول على مضض :
– حسنًا خديجة ، وعدتكِ ولن أتناوله هيا لنقطع الكعكة الآن .
تحركت معه ولكن تبخرت سعادتها التي أعطاها لها منذ قليل ، هل حقًا كاد أن يخلف وعده لها أم أنه شيئًا غير مقصودٍ كما قال ؟
قطعا الكعكة سويًا وبدأ يناولها ويطعمها وهي تجاهد لتظهر ابتسامة طبيعية ولكن كيف تكون طبيعية وقد توغل القلق مجددًا إلى قلبها .
أما هو فابتسم ودس يده يخرج من جيبه علبة حمراء ذات ملمس ناعم ثم فتحها ليظهر خاتمًا ماسيًا تتلألأ جوهرته أمام عيناها التي اختلطت بلمعة الحب ثم طالعته مبتسمة وأردفت باستفاضة :
– كدة كتير بجد .
التقط كفها يلثمه ثم شرع في تلبسيها الخاتم في بنصرها ثم عاد يقبله مرة أخرى واعتدل يطالعها بحب قائلًا :
– أحبكِ خديجة ، بل أعشقكِ بطريقة تذيب قلبي وتكويه ما إن ابتعد عنكِ .
تنهدت بعمق تسيطر على حالة الحزن والشرود التي أصابتها وهي تبتسم له وتقول بعيون لامعة ونبرة محبة :
– وأنا كمان بحبك جدًا جدًا .
بادلها مبتسمًا ثم اتجه إلى ركنٍ وضع عليه مسجل صوت وضغط على شاشته الحساسة لتبدأ موسيقى رومانسية تصدح في المكان .
عاد إليها ثم تمسك بيدها وبدأ يتمايل معها وتحاول هي تتبعه وتسعى لتلقي بطاقتها السلبية هذه في عرض البحر .
تناقض بين حبها وضميرها وما تربت عليه ، قلقٌ وخوفٌ ينتابانها بسبب ما يحدث وهل هذه الترتيبات تعتبر ذنبًا ؟ وبرغم ذلك جزءًا منها سعيد ومتجاوب مع أفعاله .
وحينما يصبح المرء مشتتًا بين الصواب والخطأ ، حينما يصبح مترددًا بين أخذ قرار والتغاضي عنه ، حينما يصبح عالقًا بين الفعل ورد الفعل يجب أن يتبع ما يشعر به .
وهذا ما هي عليه الآن برغم أنها تتحرك معه وتبتسم له وتحبه جدًا ولكن عقلها مزدحم بأفكارٍ شتى .
ظل يدندن بكلمات الغزل والرومانسية ويتمايل بها في رقصةٍ رومانسية على أنغام الموسيقى إلى أن انتهت .
فانحنى يقبلها ويحملها بين يديه فلم يعد يحتمل حجب مشاعره وخطى بها نحو الشاليه وعبر نحو غرفتهما وهو مستمرٌ في قبلته حتى انحنى يضعها بهدوء على الفراش وقبلاته مستمرة على شفتيها ليتركهما ويتجه لوجهها ثم اعتدل يتنفس بعمق وامتدت يده يخلع عنها حجابها فأشارت له على الباب الزجاجي تنبهه له فتحرك نحوه يغلقه بعدما نسيه بالفعل في خضم مشاعره ثم شد الستار وعاد إليها بابتسامة ماكرة وهو على وشك التهامها .
تغلبت عليها مشاعر الحب والمتعة وانتصرت لتستقبله بترحابٍ متبادلٍ وتأخذه إلى جنتها الآمنة ليطفيء بها نيران عشقه ويعيش معها أوقاتًا رومانسية يقتطفان من شجر العشق كل ما لذ وطاب وينهلان شرابًا من أنهار المشاعر حد الظمأ .
❈-❈-❈
في المكان المحتجز به عاطف .
انهارت قواه ومقاومته وبات ضعيفًا ذليلًا يتكئ على كتفه وينام منتظرًا مصيره أو خلاصه ولكنه يقسم داخله إن نجا من هنا سيجعلهم جميعًا يندمون على كل لحظة مرت عليه هنا .
– اصحى .
توغل الصوت إلى عمق عقله ليستيقظ ويعدل رأسه يطالع هذا الذي يحدق به بنظراتٍ عُرف بها بين الجميع ليباغته عاطف بكرهٍ واضحٍ ويقول بغلظة :
– أخيرًا جيت .
– احمد ربنا إني بعدت عنك يومين بعد اللي عملته ، لو كنت سيبت نفسي عليك وقتها كان زمانك في خبر كان .
نطقها صقر بنبرة قاسية ليطالعه عاطف بتعمن ثم يقطب جبينه ويتساءل :
– إنت مين ؟ ، مش ممكن تكون رجل أعمال والكلام ده كله ، من الأول خالص وإنت مش واضح ونظرتك غريبة ماتريحش وحتى لهجتك مكسرة ، إنت مين بالضبط ؟
ابتسم صقر بتباهي وتحرك بثباتٍ ويديه في جيبيه ثم دار حوله دورة كاملة حتى عاد لنفس النقطة وتحدث بنفس النظرة التي ذكرها عاطف بعدم الراحة :
– خيبت ظني ، كنت فاكرك مابتفهمش ، طلعت لماح .
قست ملامحه وتحولت إلى عهدها ليقول وهو يخرج سلاحه من خصره ويحركه أمام عاطف كتوعد :
– إنت عارف إنك غلطت غلطة عمرك وبسببها هتدفع كتير أوي .
ابتسم عاطف باستفزاز وباغته بنظرة لا مبالية يقول بنبرة مستمتعة بعدما فقد ذرة تعقله المتبقية :
– كل ده علشان وقفت اتكلمت مع المدام ولا إيه ؟ ، أومال لو كنت قربت ولمستها .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *