روايات

رواية مملكة سفيد الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد البارت الخامس والأربعون

رواية مملكة سفيد الجزء الخامس والأربعون

مملكة سفيد
مملكة سفيد

رواية مملكة سفيد الحلقة الخامسة والأربعون

ومتنسوش الدعوات لكل الطلاب اللي بتمتحن حاليا سواء ثانوية عامة أو أزهرية أو دبلومات ..
ومتنسوش الدعاء لأهلنا في غزة والسودان وكل الدور العربية …
واخيرًا الفصل بمناسبة اكمال الرواية ٢ مليون قراءة على واتباد، بشكركم …
صلوا على نبي الرحمة .
قراءة ممتعة
______________________
أسفل شمس الظهيرة الحارقة كانوا، التأفف هو السمة التي تعلو وجوه الاثنين، هذا يتذمر والآخر يجيبه بكلمات مشابهة .
” ماذا كان سيحدث لو أننا ذهبنا في المساء ؟؟ لا اعلم ما حب القائد في هذا التعذيب ؟!”
ابتسم صمود بسمة جانبية ساخرة على حديث صامد يقول بجدية :
” عزيزي، بل الأحرى أن القائد يهوى تعذيبنا نحن تحديدًا ”
صمت صمود ثواني قبل أن يستدير صوب صامد يقول بجدية محركًا إصبعه في الهواء :
” أوتعلم، بدأت اصدق ذلك الهاجس داخلي والذي يخبرني أن الجميع في هذه المملكة يحقد علينا، الجميع يظن أننا مرفهمان فقط لأننا نتحرك بين العالمين بكل حرية ونحضر ما نريد، لكن لا أحد يرى ما نعانيه نحن، ليرحمنا الله منهم ”
زفر صامد يوافق صمود الحديث :
” نعم صدقت يا أخي، والله لقد تعبت من هذه المملكة، من بها سيدفعني يومًا للعيش مع المفسدين ”
صمت ثواني قبل أن يحرك عيونه على منطقة الحدود بين سفيد والجبل الذي يقودهم خارج هذا العالم، يتأفف :
” والآن أين هذا القائد الآن ؟؟ لِمَ يخبرنا بسرعة الحضور وهو حتى لم يأتي ؟؟”
” أخبرتك أنني لا ارتاح لهذه الرحلة مع هذا الرجل المتجبر المرعب ..”
” وهل لنا خيار آخر يا اخي، ليرحمنا الله منه ومن شعبه ..”
وعند الرجل المتجبر المرعب .
كان يتحرك بسرعة كبيرة صوب الحدود يمسك لجام حصانه، وأمامه تجلس تبارك على الحصان، تميل برأسها على صدره وهو كل ثانية يوقف الحصان يطمئن أنها بخير، ثم يكمل المسير .
” أنا بخير سالار، لست بحاجة لتوقف الحصان كل ثانية ”
كانت تتحدث وهي ما تزال مغمضة الأعين، ليميل سالار يقبل رأسها قبلة سريعة، ثم اعتدل يقول بهدوء يراقب عن كثب ملامحها التي بدأت تستعيد لونها بعد شحوب كاد يودي به للجنون:
” حمدًا لله على ذلك تبارك، ستكونين بخير عزيزتي ”
” أنا بخير، لا اعتقد أننا كنا بحاجة لتكبد كل هذا الإرهاق لأجل بعض الأدوية التي يمكن الاستغناء عنها بالاعشاب ”
استنكر سالار حديثها بالكامل يهتف بصوت شبه حاد :
” ما الذي لا نحتاجه ؟؟ هذه صحتك تبارك، ووالله الذي لا إله إلا هو، لو اضطررت للذهاب يوميًا لما تأخرت لحظة في ذلك، ثم مهيار أخبرني أن تلك الأعشاب لا تجدي نفعها مع جسدك”
صمت وهي نظرت له تشعر بالذنب الشديد لما تفعله به، مدت يدها بهدوء تلفها حول خصره وهو ارتجف لثانية من التفاجئ، لكنها لم تهتم تقول ببسمة صغيرة :
” إذن هل ستذهب كلما انتهت ادويتي ؟؟”
” لا بأس، يمكنني فعلها، أو يمكننا أن نخبر صامد وصمود نوع تلك الأدوية ونعرفهما ما يجب فعله، وهم مع كل زيارة لعالمك، يحضران لنا ما يكفينا حتى زيارتهما التالية ”
ابتسمت تبارك تغمض عيونها ولم تجبه بكلمة، بل فقط صمتت تستمتع بهذه اللحظة، حتى شعرت بتوقف الحصان لتفتح عيونها معتدلة :
“وصلنا ؟!”
” نعم عزيزتي ”
ختم حديثه يبعدها بهدوء، ومن ثم هبط من فوق حصانه، يمد يده لخصرها يجذبها للاسفل، ثم أشار على نقطة بعيدة بعض الشيء عنهما حيث أجساد صامد وصمود :
” سأطلق الحصان ليعود، تحركي صوب هذين الاحمقين اخبريهما أنني قادم لأنني اعلمهما بعد ثواني سيهربان ”
نظرت تبارك صوب صامد وصمود لتبتسم بسمة واسعة تقول :
” والله زمان …”
عند صامد وصمود كان التذمر ما يزال مشتعلًا بينهما حتى توقف صمود فجأة يشير لتبارك التي كانت تتحرك صوبهم قائلًا بتعجب :
” أليست هذه هي نفسها الفتاة التي ارهقنا القائد لأجل إحضارها لتصبح ملكة ؟؟”
حاول صامد أن يرى تلك النقطة التي يشير لها صمود قبل أن تتسع عيونه بصدمة يقول :
” نعم إنها هي نفسها، ترى ما الذي أحضرها هنا ؟!”
” هل هذه هي المهمة التي سنذهب بها للعالم الآخر ؟! سنعيدها لعالمها ؟؟”
ابتسم صامد بعدم تصديق، ثم قال فجأة :
” نعم انت محق ”
توقفت تبارك أمامهما واخيرًا ترفع يدها في الهواء تقول ببسمة صغيرة :
” مرحبًا بـ ”
قاطعها صوت صمود الذي قال فجأة :
” والله كنت اعلم، علمت أن الملك لن يتحملك وسوف بعيدك لعالمك”
نظرت لهما تبارك بتعجب ليتساءل صمود مجددًا :
“إذن أنتِ لم تصبحي الملكة صحيح ؟؟”
نفت تبارك برأسها ولم تكد تضيف كلمة حتى ابتسم صامد وصمود بسمة متسعة وقد رفع صامد يده يحتفل بصدق تحمينه :
” ها رأيت ؟؟ والله أخبرتك أن هذه المرأة لن تصلح لأن تكون ملكة، أعني بالله عليك انظر إليها ؟؟ هي هزيلة ضعيفة ”
صمت ثم اقترب من صمود يهمس بصوت منخفض كي لا تسمعه تبارك والتي سمعته بالفعل يقول بجدية :
” وايضًا غبية بعض الشيء كما ترى ”
تشنجت ملامح تبارك بسخرية لاذعة وهي ترفع طرف شفتيها في حركة شعبية تناستها لطول مدة بقائها بين الملوك والأمراء، لكن يبدو أن هذه الزجاجة والكأس كان لهما رأي آخر.
وقبل أن تهم بالاعتراض وإيضاح ما حدث لهما، قاطع كل ذلك اخراج صامد سيفه يضع جزءه الخلفي في ظهر تبارك يأمرها بحدة رغم طوله الذي يصل تقريبًا لمنتصف ظهر تبارك، يدفعها قائلًا بتكبر غبي :
” هيا يا امرأة تحركي امامنا، وانسي كل ما رأيته بهذا العالم وإلا جعلناكِ تندمين عليه ”
هز صمود رأسه في موافقة صامتة منه على حديث صامد، يدفعان تبارك كالاسير أمامهما وهي لا تفهم ما يحدث، وقبل أن تقول كلمة واحدة سمع الجميع صوت خلفهم يردد بنبرة جامدة قوية :
،” ما الذي تفعلانه انتما ؟؟”
نظر صامد للخلف يلوح بكفه في الهواء متحدثًا بنبرة جادة :
” لا بأس يا قائد نحن سنتولى الأمر من هنا ونعيد تلك المرأة حيث عالمها والمفسدين امثالها، أنت لا تتكبد العناء ونحن سنكمل الطريق ”
ختم حديثه يدفع تبارك بالسيف والذي لم يؤثر بها مقدار شعرة وهي تقف متشنجة مما تسمع :
” هيا أيتها المرأة تحركي ولا داعي للمقاومة ”
هز صمود رأسه يوافق صامد كعادته :
” نعم، لا داعي للمقاومة ”
وفجأة شعر صامد بجسده يتدحرج للخلف بقوة حتى أن صمود تلقفه بسرعة وكادا يسقطان سويًا حين دفع سالار صامد بقوة يهتف بصوت جهوري غاضب :
” سيفك عن امرأتي، هل جننتما ؟؟؟”
اتسعت أعين الاثنين بقوة وقد كرر صمود الكلمة ببهوت وهو ينظر لملامح صامد :
” امرأتك ؟؟”
هز صامد رأسه وكأنه يؤكد على ما سمع :
” نعم لقد قال امرأته، ما الذي يعنيه بامرأته تلك ؟؟ يا ويلي هل ما فهمته صحيح ؟؟”
ابتلع الاثنان ريقهما وقد تحركت عيونها ببطء شديد صوب سالار الذي جذب يد تبارك يقربها منه يقف أمامها بشكل مرعب وتحفز خطير وكأن صامد أو صمود يستحقان منه هذا التحفز، لكن هو فقط يكون بهذا التحفز مع كل من تسول له نفسه الاقتراب من زوجته ولو كانت ورقة شجر .
همس صامد وهو ينظر لما يرى أمامه بصدمة، فهذا المشهد خير دليل على حديث سالار، فالقائد ما كان له أن يقترب من امرأة بهذا الشكل إلا أن كانت… امرأته حقًا .
” يبدو أن الكثير فاتنا هنا صمود….”
____________________
” سمعت بعض الأحاديث في القصر أن هناك جماعة كبيرة من سفيد وصلت لمشكى ومن بينهم الملك الخاص بهم وبعض قادته ”
كانت تلك الكلمات المبهورة المتحمسة تنطلق من أفواه النساء داخل مطبخ القصر العملاق، حيث تقف كهرمان لتشرف على تحضير الطعام الذي يتم توزيعه بشكل يومي على غير المقتدرين ممن فقدوا ذويهم وكبار السن والأطفال الذين تكفل بهم أرسلان شخصيًا .
رفعت كهرمان حاجبها تتحرك بكل هدوء لا تعلم من أين لها به صوب نافذة المطبخ والتي كانت تطل على جزء من مدخل القصر ترى ابواب القلعة تُفتح والعديد من الأحصنة تتحرك للداخل، وكل ذلك لم يكن يعنيها منه سوى رؤيته ..
يجلس فوق خيله بكل هيبة وكبرياء يرفع رأسه كعادته، خيله يتحرك بقوة تليق بقوته وخلفه حصان زمرد ومن ثم دانيار وبعض الجنود، هذا يعني أنهم تركوا البلاد لكارثتهم ” تميم ” .
وهذا ما لم يطمئن إيفان الذي التوى ثغره يتذكر توديعه لتميم في نفس لحظة توديع سالار لهم مع زوجته .
” تميم أنا سأذهب لأجل الانتهاء من محاكمة بافل وسالار سيذهب لمهمة في العالم الاخر لأجل زوجته، وهذا القذر دانيار يصر على المجئ معي، إذن يؤسفني اخبارك أنه لم يتبقى من القادة غيرك هنا لتتولى أمور البلاد حتى عودتنا ”
وضع تميم يده جهة صدره مبتسمًا بهدوء :
” لا تحمل همًا مولاي أنا سـ …”
فجأة توقف بصدمة وقد استوعب لتوه الكلمة، تشنجت ملامح وجهه لا يفهم ما يحدث، نظر صوب سالار الذي كان يتأكد من وضع أسلحته الصغيرة داخل ثيابه وهو يجلس على أحد المقاعد :
” هل سمعت يا قائد ؟؟ بالله عليك أخبره أنني اجيد القيادة، أنا اقود وحدتي في كل الحروب بذكاء وهدوء ولم يحدث أن فشلت يومًا، أخبره يا قائد ”
انتهى سالار مما ينهض، ثم تحرك صوب صوب تميم يربت على كتفه بحركات واثقة وبسمة هادئة جعلت تميم ينظر لإيفان بكبرياء، لكن ذلك الكبرياء تحطم لقطع صغيرة حين وصل له صوت سالار :
” فقط حاول ألا تفجر القصر حتى نعود تميم ”
استدار له تميم بصدمة يهتف بعدم تصديق أن ذلك الحديث خرج منه :
” بالله عليكم ماذا دهاكم، منذ متى كنت بهذه اللامسؤولية ؟؟ متى كان آخر مرة سمعتم بها صوت انفجار في هذا القصر ؟؟”
انطلق صوت إيفان وسالار ودانيار سويًا وبنبرة واحدة :
” بالأمس”
بُهت وجه تميم يقول وهو يتراجع للخلف :
” حسنًا هذه كانت حادثة استثنائية ليس إلا، لكن أنا ومنذ أيام طويلة لم أعد افجر شيء، هذا …هذا فقط …كل هذا لأنني احاول التطوير من أسلحة الجيش ؟؟ هل تريدون العيش والموت بهذه البدائية يا قوم ؟؟ العيب عيبي أنني اعرض نفسي للخطر لأجلكم ”
انفجر دانيار في الضحك بصوت مرتفع، بينما إيفان ابتسم بسخرية :
” أي قوم تميم، ذلك القوم الذي تعمل لأجله سيفنى يومًا بسببك ولن يكون هناك من يستخدم تلك الأسلحة سواك ”
ضحك سالار على نظرات تميم الحانقة وقد انتفض جسد الاخير يتحرك صوب الخارج بغضب شديد :
” هكذا إذن ؟؟ إذن جدوا من يتولى أمر المملكة ويحميها من الأعداء ومني إن كنت أمثل لكم كل هذا الخطر ”
ولم يكد يتحرك خطوة حتى سمع الجميع صوت العريف يقول :
” يمكنني أنا تولي حكم البلاد حتى يعود الملك إيفان ”
كان يتحدث بنظرات مبتسمة خبيثة بعض الشيء وهو ينظر بطرف عيونه صوب إيفان وفي رأسه تدور افكار عديدة له وهو يلتصق بالعرش ويرفض النهوض عنه، حتى أنه فكر في طريقة لبدء انقلاب ينتزع به إيفان عن الحكم .
كل تلك الأفكار كانت ترتسم بوضوح على وجه العريف على هيئة نظرات وبسمات مريبة، جعلت إيفان يرفع حاجبه متمتمًا بحنق :
” على الاقل اكبت نظراتك تلك عني وأنت تتحدث عن تولي البلاد يا عريف، يا ويلي أشعر أنك على وشك اخراج خنجر وطعني به لتتفرد بحكم البلاد ”
انتفض العريف من أفكاره على صوت إيفان يقول بسرعة :
” ماذا ؟؟ لا يا بني أنا فقط كنت افكر في بعض أمور المكتبة نحن نحتاج لتجديد الارفف الخشبية ”
ابتسم له إيفان بسخرية لاذعة :
” نعم تجديد الارفف الخشبية يحتاج لتلك النظرة الإجرامية فعلًا، هيا لنتحرك من هنا قبل أن أفقد هدوئي على جميع الموجودين ..”
نظر نظرة أخيرة لسالار يتساءل بجدية :
” كل شيء بخير اخي ؟؟ هل تحتاج شيئًا ؟؟”
نفى سالار برأسه بهدوء :
” نعم، كل شيء بخير، توكل على الله إيفان ونلتقي حين عودتي في زفافك يا اخي ….”
وها هو إيفان يتقدم من باب القصر الذي يتوسط قلعة مشكى كي يحقق رغبة سالار ويجهز لزفافه، منذ متى رفض رغبة لسالار هو ؟؟
وصل ليجد أرسلان يتوسط مدخل القصر مع المعتصم وبعض الرجال من جنوده، ابتسم بسمة جانبية يرى تحفز أرسلان له وكأنه جاءه في حرب، توقف بحصانه يقول وهو يرفع يده لارسلان الذي كان يواجهه بملامح صلبة :
” السلام عليكم يا قوم جئتكم بالخير والسلام ”
ابتسم أرسلان بسمة جانبية :
” أي سلام تسألني وأنت جئت كي تنتزع مني جوهرتي يا رجل ؟!”
هبط إيفان عن حصانه يتحرك صوب أرسلان حتى وقف أمامه ببسمة واسعة مستفزة يقول :
” هل تعتبر أخذي شقيقتك إعلانًا للحرب أرسلان ؟؟”
أجابه أرسلان بكلمة واحدة :
” نعم .”
نظر له إيفان في عيونه بقوة يجيبه بنفس البسمة :
” إذن فلتكن حربًا ……”
_________________
يتحركون خارج حدود البلاد والأعيان متربصة لتلك المرأة التي يعاملها القائد كالقوارير، سبحان مغير الاحوال، أليست هذه هي المرأة نفسها التي كان يتعامل معها بخشونة تنافس خشونته مع رجاله منذ عدة أشهر ؟؟
هذا ما يفعله الحب بالرجال ؟؟ يا ويلي .
كان سالار يمسك كف تبارك بين كفه ينتبه لكل خطوة تخطوها، يراقبها بحرص وكل ثانية يميل هامسًا بصوت منخفض :
” تريدين مني حملك تبارك ؟!”
نظرت له تبارك بتذمر:
” أنا بخير سالار ”
” إذن أخبريني حين تشعرين بالارهاق حسنًا ؟!”
ابتسمت له تهز رأسها وهو ابتسم لها بلطف يكمل طريقه، تاركًا خلفه أجساد صامد وصمود متجمدة بارضها فارغي الفاه متسعي الأعين بصدمة كبيرة لا يصدقون ما يحدث على مرأى ومسمع منهم ..
” يا الله لقد سحرته تلك المرأة ”
أجابه صمود بموافقة :
” نعم، فلا يمكن أن يلين القائد لامرأة بهذا الشكل ”
فجأة انتفضت أجسادهم بقوة حين سماع صرخة سالار الجهورية :
” ما سبب توقفكم ؟؟”
تحرك الاثنان بسرعة خلفه ببسمة واسعة كي لا يصب القائد غضبه عليهم، بينما سالار ابتسم وهو يبعد عيونه عليهم يسير مع تبارك صوب المنحدر الخاص بنهاية العالم والذي كانت تبارك تنزل له بعدم فهم :
” واحنا نازلين نطينا، دلوقتي هنطير ؟!”
ابتسم لها يجذب يدها صوب بعض الأشجار التي تظلل البحيرة أسفل الحافة يكشف لها طريق وعر صوب الاعلى :
” بل سنتسلق ”
نظرت تبارك أمامها للمنحدر لتشعر فجأة بوجع في قدمها قبل حتى أن تتحرك خطوة، اطالت النظر قبل أن تعود له بنظراتها معترضة :
” مش ملاحظ اني كل ما اتخطى تحدي واحس نفسي بقيت زي الفل معاكم تعلوا بالمستوى ؟؟ مش كده عايزين نعيش ”
ضحك لها سالار يتحرك أمامها، ثم جلس على ركبتيه يشير على ظهره:
” لم أكن سأدعك تصعدينه وحدك فهو وعر ملئ بالنتوء التي قد تجرحك إن لم تنتبهي، وانا لن اراهن على حرصك الآن تقارك؛ لذا اصعدي ”
نظرت له تبارك باعتراض شديد :
” هل تمزح معي ؟! بعد كل ما ذكرته هل تظن أنني سأدعك تسير كل هذه المسافة حاملًا إياه على ظهرك ؟؟ هذا مستحيل، أنا سأرهقك ”
” ما احب على قلبي من إرهاق منكِ، ثم لا تحملي همي لقد كنت احمل أجساد جرحانا وأسير بهم مسافات طويلة لأيام، بالطبع لن اواجه مشكلة في حملك تبارك، هيا لا نريد أن تطيل من رحلتنا ”
كان الرفض يعلو وجه تبارك، لذا تحركت تستدير لتواجهه، ثم جذبته ليقف تنظف له ثيابه ترفض رفضًا تامًا أن تعرضه لهذه المشقة:
” هيا أنا بخير، ثق بتلميذتك يا قائد ”
ابتسم لها سالار رغم توتره من تكبدها مشقة صعود المنحدر :
‘ لطالما فعلت ”
نظر خلفه صوب صامد وصمود اللذين كانا يحدقان بهما بصدمة لا يعتقدان أنهما قد يتخطونها قريبًا .
وحين ابصروا تحرك سالار حثّوا الخطى بسرعة خلفه وبدأت رحلتهم في صعود المنحدر، وكل ثانية كان سالار يتوقف بهم يطمئن على تبارك …
وكل نصف ساعة يجبرهم على أخذ راحة أسفل أي نتوء في المنحدر قد يمنح تبارك ظلًا يريحها من حرارة الشمس، لم يكن يود اخذها منذ البداية لكنها من أصرت أنها تود العودة لبلادها تتنفس هواءها مجددًا، وهو لم يمتلك سبيلًا للرفض .
اجلسها على إحدى الصخور يخرج قارورة مياه من حقيبته التي يحملها خلف ظهره يمنحها إياها لتشرب وهو ينظر لها بكل الاهتمام الذي يمتلكه.
بينما صامد وصمود كعادتهما منذ بداية الرحلة يقفان في الجوار يراقبان بصدمة حتى همس صمود لصامد :
” أتذكر في طريق الذهاب المرة السابقة، كان يجرنا خلفه بألسن متدلية من العطش، وحين طالبناه براحة لشرب المياه رمقنا بتلك النظرة ما قبل تحوله لوحش ”
تشنج وجه صامد بحنق :
” ما الذي يحدث هنا الآن ؟؟”
” القائد يتحول، هذا ما يحدث هنا ”
وبعد هذه الكلمات وصلتهم نظرة من سالار جعلتهم يتحركون خلفه بصمت ورعب شديد، وهو فقط اكمل الطريق كل ثانية يمنح تبارك نظرة جانبية يرى بها حالتها وإن كانت بخير .
حتى فجأة أبصر شحوب وتعب يعلو وجهها ليتحرك ويجلس أمامها يجذب يدها بالاجبار يجعلها تميل على ظهره، ثم نهض يتحرك بهدوء وهي متسعة الأعين فوق ظهره لا تصدق ما يحدث :
” سالار ما الذي …”
” اششش فقط استكيني تبارك، كدنا نصل ”
ختم حديثه يمنحها بسمة حنونة، يكمل الطريق مبتسمًا لها نفس البسمة المؤازرة وهو يبذل كل ما يمتلك لقاء راحتها، يدعو الله في صدره أن تكون بخير وألا يرى بها سوءًا يومًا، تلاشت بسمته وهو يسمع صوت صمود يقول :
” سيدي مهلًا لقد أُصيبت قدم صامد بجرح ”
تحدث سالار بعدم اهتمام وجدية وهو يكمل السير :
” لكن قدمه الأخرى ما تزال جيدة، لذا يمكنه السير على قدم واحدة، أكملوا الطريق وتوقفوا عن التدلل بهذا الشكل ”
نظر له صمود بصدمة كبيرة، ثم عاد بنظراته صوب صامد الذي كان يجلس ارضًا يمسك قدمه الجريحة يحدق بظهره سالار الذي يحمل فوقه زوجته فقط لأنها تصببت بعض قطرات العرق الإضافية .
تحدث صمود بصوت لا ولن يصدق ما يبصره :
” أخبرتك أنها ساحرة …”
__________________
في منتصف ساحة مشكى يقفان بتحفز وكأنها حرب حقيقية، الأعين تتصارع والنظرات تقاتل، والبسمات تستفز .
حرب باردة مارسها كل من إيفان وارسلان في هذه اللحظة قبل أن تدخل كهرمان بسرعة بعدما هبطت من الاعلى تقول بجدية :
” أخي، ما الذي يحدث هنا ؟؟”
أجابها أرسلان بهدوء وبكل برود :
” سنقيم حربًا”
” هل تمزح معي ؟؟”
تحدث إيفان وهو يحرك نظراته من وجه أرسلان لوجهها البهي يبتسم بسمة صغيرة :
” لا تهتمي بكل هذا سمو الأميرة، فقط اصطحبي زمرد بعيدًا عن هنا رجاءً وانا سأتولى الأمر من هنا ”
تشنجت ملامح كهرمان تقول بعدم تصديق :
” هل تمزح معي أنت الآخر ؟! حرب ؟؟ تمزحون ؟؟”
اعترضت زمرد على كلمات إيفان وهي تقف بتحفز خلفه :
” لا أنا سأشارك بهذه الحرب ”
تحركت لها أعين كهرمان تقول بصياح وجنون :
” هل أنتِ مجنونة زمرد ؟؟ أي حرب تلك يا امرأة ؟؟
لكن زمرد فقط تحفزت بكل خلية بها لولا نظرات دانيار المحذرة لها والتي جعلتها تعانده لثواني قبل أن ترضخ له ولنظرات إيفان وتقرر التحرك مع كهرمان للداخل، لكن كهرمان نفسها كانت ترفض أن تتحرك خطوة واحدة دون أن تتأكد أن كل شيء سيكون بخير .
همسات بصوت منخفض :
” أرسلان …”
نظر لها ببسمة :
” هيا كهرمان أنا لن اقتله لا تخافي ”
أضاف إيفان بنفس بسمة أرسلان :
” نعم كهرمان لا تخافي هو لن يستطيع قتلي ”
استدار أرسلان صوب إيفان بسرعة كبيرة وملامح بدأت تزداد حدة :
” لا تناديها باسمها ”
ابتسم له إيفان بسمة صغيرة ولم يجب، بينما أرسلان أشار لكهرمان بصرامة أن تتحرك بعيدًا صوب القصر وهي فقط كل ما استطاعت فعله أنها جذبت يد زمرد والقت له بنظرة متوسلة، ثم تحركت مع زمرد للداخل .
وبعدما اختفت عن الأنظار تحركت أعين أرسلان صوب إيفان الذي قال دون أن يمنحه أي فرصة للحديث :
” قبل بدء أي حرب حالية أرسلان، استدعي الملك بارق والملك ازار لننتهي من أمر بافل اولًا ”
هز أرسلان رأسه يشير له بالتقدم :
” إذن تحرك معي إيفان لننتهي من هذه المناقشة ”
وبالفعل فعل إيفان الأمر تاركًا خلفه الجنود يتحركون ليتخذوا أماكنهم، ودانيار يقف في منتصف الساحة يراقبهم حتى اختفوا، ثم ابتسم بخبث وهو يتحرك بهدوء شديد صوب جهة يعلمها جيدًا …
وعند تلك الجهة تركتها كهرمان وهي تقول بكلمات قليلة متحركة خارج الجناح الذي حصلت عليه زمرد لأجل إقامتها في مشكى :
” تصرفي كأنك في منزلك زمرد، أنا سأتفقد الفتيات في المطبخ واعود لكِ ”
ابتسمت لها زمرد تهز رأسها تراقب المكان حولها باستمتاع فنظام ونقوش الجدران في مشكى تختلف تمامًا عن تلك في سفيد، كان لكل مملكة طبعها الذي يميزها، ورغم كل ما مرت به مشكى من دمار، إلا أنها لا تزال جميلة بحق..
اقتربت من النافذة تستند على حافتها تستنشق بعض الهواء، قبل أن تسمع صوت طرقات على باب الغرفة لتسمح للطارق بالدخول ظنًا منها أن كهرمان عادت لشيء نسته أو أن العاملات أتوا لنقل امتعتها .
لكن حين فتح الباب سمعت صوتًا رجوليًا مميزًا يهتف :
” لا اعتقد أن سماحك لأيٍ كان الطارق بالدخول، أمر يسرني سمو الأميرة، ماذا إن كان رجلًا ما ودخل ليرى هذا المشهد البديع الذي تبصره عيناي الآن ؟؟”
استدارت زمرد بسرعة صوب الباب بنظرات متعجبة، ليبتسم لها دانيار الذي لم يخطو خطوة واحدة للداخل ما يزال يقف على باب غرفتها رافضًا الدخول والاختلاء بها، ليس وهي بهذه الوداعة النادرة .
ابتسمت له زمرد دون وعي تقول ببساطة :
” لا اعتقد أن الجميع يمتلك عيونك ليبصروا المشهد بنفس الطريقة التي تبصره بها سيدي الرامي ”
” أنتِ تقللين من شأنك سمو الأميرة، من ذا المسكين الذي لا يبصر هذا البهاء في مثل هكذا مشهد؟؟ الاعمى فقط من لا يبصره”
ولأول مرة تشعر زمرد بالخجل لدرجة أنها عجزت عن الرد، فتحت فمها للتحدث، لكنها صمتت فجأة تحاول أن تتخطى تلك الكلمات منه، وهو ابتسم يبصر تضجر وجنتيها بالاحمر ونظراتها التي بدأت تتحرك في جميع الاتجاهات عداه .
ودانيار ابتسم فقط بسمة صغيرة يضم كفيه خلفه يبعد عيونه عنها قائلًا بهدوء :
” يسعدني أن أبصر هذا الجانب منك سمو الاميرة، وسأكون أكثر سعادة في المستقبل إن رأيته أكثر، لكن حين يجمعنا رباط واحد ”
نظرت له بتردد وهو أكمل ببسمة صغيرة :
” حسنًا، أنا فقط جئت أخبرك أنني سأقيم في الغرفة المجاورة لكِ هذا إن احتجتي لي في أية لحظة، تأكدي أنني في الجوار طوال الوقت ”
نظرت له زمرد ثواني قبل أن تقول :
” انت… أنت ستقيم معنا كامل المدة هنا ام ستعود للبلاد لاحقًا ؟!”
ابتسم لها يرفع عيونه بنظرة سريعة لها :
” هذا يعتمد على فترة بقائك هنا، فأنا وجودي هنا يرتبط بوجودك ، إن بقيتي بقيت، وإن رحلتي فلا مكان لي أسفل سماء لا تجمعني بكِ ”
ختم حديثه يضع يده أعلى صدره وقد رأي أن يرحل ويكتفي بكل ذلك الآن، يميل نصف ميلة بهدوء :
” الآن اعذريني سمو الأميرة، سوف أذهب للتجهز لاجتماع الملوك، و….”
رفع عيونه لها مبتسمًا وهو ما يزال يميل بنصفه العلوي :
” أعتني بنفسك حتى ألقاكِ سموك ”
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن الباب تاركًا ولأول مرة زمرد تتجرع كلماته بثماله، تستشعر للمرة الأولى حلاوة أن يخبرها أحدهم بكلمات معسولة، تستشعر للمرة الأولى حلاوة أن تُعامل كفتاة، أن تشعر كأنثى.
ابتسمت دون وعي تراقب الباب هامسة :
” إلى اللقاء دانيار …..”
____________
بعد مرور النهار وحلول الليل على الجميع .
انتهى سالار من تسلق المنحدر بعدما قضى نصفه حاملًا لتبارك والنصف الآخر يمسك يدها كي يضمن تحركها بشكل سليم دون أن تتعرقل بأي نتوء في المنحدر .
واخيرًا وصلوا صوب بداية الغابة ليتنفس سالار بصوت مرتفع يعيد خصلاته للخلف في حركات تدل على إصابته ببعض الإرهاق، بينما تبارك تتابعه بأسف وشفقة .
لكن يبدو أن مشاعر تبارك تلك لم تكن هي نفسها مشاعر صامد وصمود الذين ابتسموا فورما لمحوا تعب سالار على وجهه وانتعش في صدورهم أمل كبير، وصوت صامد يهمس بسعادة طاغية وهو ينغز شقيقه في خصره مشيرًا بعيونه صوب سالار :
“انظر يا اخي، يبدو أنه تعب واخيرًا، اعتقد أنه سيعطينا راحة الآن”
لكن صوت سالار اكمل بكل هدوء بعدما التقط أنفاسه:
” حسنًا لنكمل، كدنا ننتهي ”
تدلى فك صامد وصمود بصدمة كبيرة وعلى الاعتراض وجوههما ولم يكد أحدهما يتحدث حتى كان الاعتراض من تبارك التي أمسكت يد سالار تمنعه التحرك :
” ليس الآن، ليس وأنت مرهق بهذا الشكل سالار، دعنا نستريح رجاءً”
هز صامد وصمود رؤوسهما بسرعة وتأييد لحديث تبارك وهم ينظرون بنظرات بريئة متوسلة صوب سالار :
” نعم سيدي السا…زوجتك محقة، انظر اليك أنت تبدو شاحبًا يا ويلي، عليك الراحة ”
لكن سالار أجاب بهدوء ورفض :
” أنا بخير، لنكمل ”
وقبل أن يتحرك وحينما أدركت تبارك أنه لن يرضخ لحديثها إلا بهذه الطريقة وضعت يدها على رأسها تتظاهر بأنها على وشك السقوط ارضًا :
” فقط دعني التقط انفاسي أنا سالار، أشعر بدوار شديد أصاب رأسي بعد صعود هذا المنحدر ”
توقف سالار بسرعة ينظر لها بقلق وهو يمسك يدها يتحرك بها صوب أحد الأشجار يجعلها تجلس أسفلها بهدوء :
” هل تشعرين بالجوع ؟؟ تريدين أخذ ادويتك ؟؟”
جذبت تبارك يده تجبره على الجلوس جوارها :
” لا فقط اريد الراحة رجاءً، دعني التقط انفاسي وبعدها نكمل ”
هز سالار رأسه بحيرة وهو يراقب ملامحها :
” حسنًا لا بأس، سنستريح هنا لبعض الوقت حتى تصبحي بخير ”
اتسعت أعين صامد وصمود وكل ثانية تتجدد صدمتهم مما يحدث أمامهما .
ويبدو أن عليهما التأقلم قريبًا على هذه النسخة المريبة من سالار ..
أما عن سالار فهو فقط أشار لهما أن يجلسها بهدوء، وكذلك فعلا بسرعة قبل أن يغير رأيه وبدئا الإثنان يخرجان الطعام ليتناولاه بشهية مفتوحة متغافلين عن سالار الذي رفع رأسه يناظر نجوم السماء فوقه، مد يده بهدوء يجذب رأس تبارك يضعها على كتفه ثم ربت عليها بحنان :
” استريحي مهجتي ”
ابتسمت تبارك تتعجب أن مفهوم الراحة في قاموسها تغير من مجرد وجبة دسمة ونومة هانئة دون مشاكل من جيرانها، إلا تربيته من يده وبسمة من فمه ونظره من عيونه وهمسة منه .
عجبًا لحياة تتغير بنظرة من رجلٍ، وأي رجل كان هو ؟؟
سيد الرجال في عيونها .
ابتسمت تبارك تستكين لكتفه تشعر بالراحة لتربيتاته، ورغم أنها ما جلست هذه الجلسة سوى لتريحه هو من مشقة الصعود، إلا أنها شعرت فجأة أنها كانت تحتاج هذه اللحظات أكثر منه .
” تريدين تناول الطعام ؟؟”
نظرت له تبارك تنفي برأسها:
” فقط أريد الجلوس هكذا أكبر وقت ممكن ”
قبل رأسها قبلة صغيرة مستغلًا انشغال الأخوين المزعجين في تناول الطعام يجيبها ببسمة وكلمات ما كان لينطقها يومًا لأحدهم :
” سمعًا وطاعةً مولاتي ..”
” ما زلت مصرًا على مولاتي تلك، حسنًا دعني اصارحك أنني كنت ابغضها لهذه الكلمة، فأنت ما كنت تنطقها لي يومًا سوى سخرية مني ”
نظر لها سالار ثواني قبل أن يطلق ضحكات صاخبة يتذكر كل تلك المرات التي نطقها بالفعل سخرية منها، ازدادت ضحكاته لتتسبب في توقف الطعام في منتصف حلق صمود الذي شعر بقرب انقطاع أنفاسه وهو يسعل بشدة وصامد يناوله المياه بسرعة وصدمة، هل هو يضحك ؟؟ القائد يضحك ؟؟
وفي هذه اللحظة تأكدت شكوك الأخوين …
” قضي الأمر، هذه المرأة ساحرة وعلينا حرقها ليتلاشى تأثيرها…”
أما عند الساحرة والمسحور ..
كان سالار كذلك بالفعل، مسحور بكل ما يصدر منها سواء كانت همسة أو نظرة أو بسمة، كل ما يخرج منها يسحره وبكل بساطة .
” ربما في ذلك الوقت كنت اصارع نفسي لأجل ألا اميل لهوى لن يزيدني إلا عذابًا، لكن الآن وبعدما صرتي زوجتي فثقي أن كلمة مولاتي تخرج من اعماق قلبي محملة بكل الحب والاحترام لكِ مهجتي”
نظرت له ثواني، ثم ابتسمت وابعدت عيونها تقول بهدوء وبسمة واسعة وبنبرة حالمة وعيون ملتمعة بقوة :
” هذا يبدو رائعًا تمامًا كما حلمت، أنا والنجوم وزوجي وفقط…..”
فجأة ارتفعت أصوات الصراخ من جهة الأخوين بعدما زاد أحدهم في الطعام عن الآخر لتشتعل مناقشة حادة بينهما جعلت تبارك تضيف على جملتها السابقة :
” والأخين تيمون وبومبة..”
__________________
الليلة الأولى في مشكى مرت بهدوء غريب، هدوء غريب عن تلك الحالة من الاستنفار التي كانت مشتعلة بين الملكين …
واخيرًا حلّ الصباح وأتى معه اليوم المنتظر، يوم المحاكمة التي ارتقبها جميع سكان الممالك، فترى القوافل المحملة بالشعوب آتية من سبز وأبى وسفيد ..
الجميع أتى ليشهد نهاية الظالم، والقلوب عامرة بالحقد والغضب .
تحرك إيفان في ممرات مشكى يرتدي ثياب عادية قماشية، لكن رغم ذلك تنطق بالثراء، وصل واخيرًا صوب قاعة الاجتماعات ليجد الجميع في انتظاره .
” ها هو الملك العزيز الذي جعلنا جميعًا ننتظره قد وصل، أنرت القاعة مولاي، ما كان عليك تكبد العناء والمجئ الآن، كنا نستطيع انتظارك ساعات إضافية إن أردت ؟؟”
ابتسم إيفان لارسلان يهز رأسه بهدوء :
” لا بأس، لا يهون عليّ ترككم كل هذا الوقت، ثم أنا الآن أخذت كفايتي من النوم، والآن هل نبدأ ؟!”
لم يتحدث أرسلان ولم ينهض له مع الجنود ليستقبله، بل ظل جالسًا بكل برود حتى تحرك إيفان وجلس كذلك يقول :
” إذن هل نبدأ ؟؟”
سخر منه أرسلان ببسمة باردة :
” إذا تكرمت مولاي ”
أجابه إيفان بنفس البسمة :
” سأفعل عزيزي”
التفت إيفان صوب الجميع عقب هذه الكلمات يقول بجدية أجبرت الجميع على الاستماع له بكل انتباه :
” الآن وبعدما توافد جميع ساكني الممالك ليشهدوا خلاص ذلك الحقير، سوف يتم تنفيذ حكم القصاص منه علنيًا ليشفي الله بذلك صدور القوم الذين عانوا على يد ذلك الخسيس وشعبه الويل، وليبرد قلب شقيقتي التي حيت بجحيم لأجل ما فعله بها ..”
ختم حديثه يبصر نظرات الموافقة من الجميع، حتى أرسلان الذي قال :
‘ هذا ما سيحدث بالفعل، وأنا لم أنس كملتي لك بأن تكون شقيقتك هي الحاكم عليه، لكن المنفذ سيكون أنا وشعبي، هذا شرطي إيفان ”
هز إيفان رأسه وهو منذ البداية لم يكن ينتوي بأي شكل من الأشكال أن يجعل شقيقته تلوث يدها بدماء هذا النجس ..
تحرك خارج المكان بعد دخوله له بدقائق يفكر في طريقة لاخبار زمرد بما يحدث هنا، فهي حتى الآن تعيش على فكرة أنهم جاءوا هنا فقط لأجل زفافه من كهرمان .
وصل للغرفة التي تقطنها وأطلق نفسًا عميقًا، ثم رفع يده ليطرق الباب، لولا ذلك الجسد الذي فتحه بشكل مفاجئ ليطل عليه ملاكه الذي تألق باللون الابيض منذ الصباح .
توترت كهرمان من وجود إيفان هنا تقول بصوت منخفض :
” أوه مرحبًا مولاي ”
” مرحبًا سمو الأميرة، عسى أن يسعد الله صباحك كمل فعلتي معي للتو ”
نظرت له كهرمان بعدم فهم لثواني ولم يستوعب عقلها بعض مقصده من تلك الجملة، وهو فقط ابتسم لها يتنحى عن الطريق مشيرًا بكفه وبكل رقي قال :
” تفضلي ..”
نظرت له كهرمان وامسكت طرف ثيابها برقي تميل له، ثم تحركت بهدوء شديد بعيدًا عن الغرفة، شاردة بكلماته وبسماته، لكن فجأة توقفت على صوته وهو يقول :
” سمو الأميرة ..”
استدارت له كهرمان ببطء ونظرات الترقب تعلو ملامحها، وهو فقط ابتسم يقول بهدوء :
” فقط أردت تذكيرك أن الأمر مسألة أيام فقط وامنحك لقبًا آخر عدا ذلك اللقب ”
وهذا ما كان ينقصها لكهرمان، لغز آخر يتحدث به هذا الرجل، ألا يمكنه ببساطة إلقاء الكلمات في وجهها وبكل صراحة، وهذه البسمة التي يرسمها عقب حديثه تثبت لها صحة تفكيرها أن تلك الجمل تحمل الكثير خلفها، وهي في العادة ليست غبية كي لا تلتقط الاحرف المتوارية خلف الكلمات، لكن معه تصبح كذلك لشدة توترها، حتى أنها فقط هزت رأسها وتحركت ببساطة وكأنها تعطيه موافقة ضمنية على جملته .
وهذا ما جعل ضحكة تفلت من فم إيفان وهو يقول طارقًا باب أخته:
” سأعتبر هذه الهزة نعم ”
وبعد هذه الكلمات اختفى داخل الغرفة الخاصة بزمرد بعد سماعه أذنها، تاركًا خلفه كهرمان تحاول استيعاب ما يحدث حولها الآن….
وبمجرد دخوله ابتسم بحنان لزمرد التي كانت تجلس على أحد المقاعد تتناول فطورًا يبدو أن كهرمان هي من أحضرته .
” إيفان ؟؟ تعال لتشاركني الطعام .”
اقترب إيفان من مقعدها يقبل رأسها بحنان، ثم جلس على مقعد مقابل لها يقول بهدوء وهو يستند بيديه على قدمه :
” لا حبيبتي تناوليه أنتِ بالهناء والشفاء لست جائعًا، أنا سأنتظر حتى تنتهين ”
نظرت له باعتراض :
” إن لم تكن ستشاركني إذن أخبرني ما جئت لأجله على الأقل فلا داعي لتنتظرني حتى انتهي هذا سيضيع المزيد من وقتك، أنا في الأساس شبعت ”
فركت يديها في حركة أنها انتهت من الاكل، لكن إيفان لم يقبل بذلك يردد بجدية :
” اكملي طعامك زمرد ولا تعاندي، أنا سأنتظر هنا حتى تنتهين، ثم لا شيء أثمن منكِ هنا لاضيع به وقتي ؟؟”
ابتسمت له زمرد وشعرت بقلبها يرقص فرحًا لما تسمع، هل هذه مكافأة الله لها بعد سنوات طويلة من الصبر، بعدما كانت تسمع من الألفاظ الذعها من بافل وترى من التصرفات اوقحها، رزقها الله بأخٍ كإيفان، تشعر أنها مقصر في شكر الله .
شعرت بدموعها تلتمع وهي تنظر للطعام تحاول شغل نفسها به وقد بدأت دموعها تتساقط متذكرة والدتها، تتخيل لو كانت حية حتى هذه اللحظة كانت لتسعد بوجود إيفان وترحل مرتاحة البال .
زادت دموعها أكثر وهي تحاول اخفاء وجهها تخفضه على الطعام بشكل ملحوظ لإيفان، الذي لم يشأ أن يتدخل في هذه اللحظة وقد تركها تخرج من يعتمر بصدرها، وهي فقط تكتم تأوهاتها بلقيمات الطعام .
فجأة وجدت كوب يُمد لها، رفعت عيونها ببطء لإيفان الذي ابتسم لها بحنان، وهي فقط تناولته منه ترتشف القليل لربما تبتلع برشفة الماء تلك غصاتها التي تقف في منتصف حلقها ..
وإيفان فقط تحرك من مقعده وتوجه لها يحمل منها الكأس بعدما انتهت منه يضم رأسها لصدره مقبلًا إياها بحنان :
” هل انتهيتي ؟!”
هزت رأسها بنعم وهو نظر للطعام فهو لم يشأ أن يخبرها بشيء قد يجعلها تنفر الطعام، لذا تنهد يقول :
” أنتِ لم تنتهي من الطعام بعد، هيا سأساعدك واتناول بعضه ”
نظرت له تقول وهي تجفف دموعها :
” لكنك قلت أنك لست جائعًا ”
” أنا كاذب حبيبتي ليسامحني الله ”
ابتسمت زمرد شيئًا فشيء قبل أن تطلق ضحكة خافتة تراه يتحرك ليجلس جوارها يشاركها الفطور وهي تناولته بسعادة كبيرة حتى أنها لم تشعر أن معدتها امتلئت، بل أكملت تناول الطعام طالما هو يتناول معها .
وحين فرغ الاثنان من الأمر استدار لها إيفان ينفض يده وهو يحمد الله بخفوت، يقول ببسمة :
” انتهينا من الطعام وحان وقت الحديث ”
نظرت له باهتمام شديد وهو فقط دفع الطاولة بعيدًا بعض الشيء كي يعتدل في جلسته يمسك يديها يردد بحنان :
” هل تتذكرين تلك الأمنية التي تحلمين بها ؟؟”
” زواجك ؟!”
ابتسم لها بحنان وسعادة لتلك الكلمة البسيطة، اشعرته بمدى اهتمام زمرد بكل ما يخصه، ربما لم يحظى بأم يومًا، لكن ها هي أخته الحبيبة جاءت تعوضه كل ما فقده، وفي الحقيقة لم تكن زمرد هي المستفيدة فقط من وجود إيفان، بل كان إيفان أيضًا يرتشف من اهتمامها بقدر ما يستطيع :
” هل زواجي أمنيتك زمرد ؟!”
” بل سعادتك أخي، وكهرمان هي سعادتك لذلك اتمنى لو تحقق ما تريده ”
رفع إيفان كفها يقبله بحنان :
” سيحدث حبيبتي، لكن قبل تحقيق تلك الأمنية سأحقق لكِ أمنيتك الاولى في هذه الحياة ”
رمقته بعدم فهم وهي تتذكر أول أمنية في حياتها، وللحقيقة هي لا تتذكر، لكن ربما كان أمنيتها الاولى هي توقف والدتها عن البكاء كل ليلة وهي معتقدة أن زمرد غافية لا تسمع صوت نحيبها ..
” بافل ”
انتفض جسد زمرد فجأة ولم تكد تبتعد حتى امسك إيفان يدها وهو ينظر في عيونها بقوة يدعمها بكل ما يمتلك :
” لقد اسرناه وهو هنا ذليل ينتظر كلمتك لتحكمي عليه عزيزتي، وعدتك أن يكون لكِ وها أنا افي بوعدي، لن يحكم عليه غيرك وهذا قصاصك ”
ارتجفت شفاة زمرد وشعرت أن صورة إيفان اختفت خلف سحابة الدموع التي ملئت عيونها، وقد اهتز صدرها من كل ما يحدث :
” أنا ؟؟”
” نعم أنتِ، الجميع يقف في الاسفل، شعوب من جميع الممالك، وجميع الملوك والأمراء وقادة الأربعة ممالك، الجميع ينتظر وصول أميرة سفيد لتدلي بحكمها على بافل، الكلمة الآن كلمتك زمرد وأنتِ المتحكم الوحيد في الأمر، اليد العليا لكِ أنتِ فقط وستسري على رقاب الجميع بمن فيهم أنا عزيزتي ….”
كانت تسمع حديثه ودموعها تتساقط بقوة تشعر أنها تحلم، بالطبع تحلم، فمن أين لفتاة تجرعت الذل كؤوسًا وتلقت من المهانة اطنانًا، أن تنال شرف قول كلمة تعلو كلمات ملوك وأمراء، من أين لها بهذا الشرف .
والإجابة كانت نظرة من إيفان الذي رأت في عيونه فخرًا بها، إيفان الذي حولها من فتاة نكرة تقريبًا لاميرة يحترمها الجميع، أجبر الكل على الانحناء لها .
امسك يدها يجذبها يعدل من ثيابها مشيرًا على ذراعه يطالبها أن تتأبطه كي يتحرك بها للخارج وهي فعلت ما طلب وقد كانت يدها ترتعش، ابتسم لها يتحرك صوب الباب يصحبها بفخر شديد، لكن زمرد ما خطت خطوتين حتى انهارت باكية في الثالثة وهي تجهش في البكاء بصوت قطع قلب إيفان الذي التفت بسرعة كبيرة يلتقط جسدها بين ذراعيه يضمها له يجلس بها على الأرضية، وهي فقط انهارت في بكاء عنيف لا تعلم سببه، لكنها حاجة في صدرها أخبرتها أنها الآن فقط تستطيع أن تبكي والدتها وذاتها بكل حرية…..
________________________
” قولتلي بقى أنت جيت الغابة دي كام مرة ؟؟”
استدار سالار والذي كان يسبق الجميع في سيره كي يبعد أي شيء قد يعيق سيرهم، أو بالتحديد سيرها هي، وليحترق صامد وصمود هو لا يهتم .
تحدث بصوت هادئ جامد بعض الشيء :
” فقط عندما ذهبت لاحضرك والآن”
كان صوت سالار يبدو هادئًا جامدًا بعض الشيء وذلك لأنه يعطي كامل انتباهه للطريق أمامه خوفًا أن يهمل شيء قد يتسبب لها في الضرر وهي تسير بهذا الحمق وكأنها تتحرك داخل غرفتها أو ما شابه .
” يعني عملت كده مخصوص عشاني، قلبك كان حاسس ولا ايه يا قائد ؟؟”
توقف سالار ثواني ثم استدار لها يجيب بعد تفكير قصير :
” حسنًا لأكون صريحًا أنا أُجبرت على الأمر، ولو كان الأمر بيدي ما كنت وافقت ”
ختم حديثه يتحرك ببساطة ليس وكأنه للتو حطم احلام المسكينة الوردية التي رددت بخيبة أمل وهي تسير خلفه :
” ليس عليك أن تكون بهذه الصراحة سالار ”
ابتسم سالار وهو يكمل سيره بكل هدوء وعيونه تدور حوله :
” الصراحة راحة يا ابنتي ”
التوى ثغر تبارك وهي تقول :
” لكن الكذب يريح أكثر خاصة إن عني ذلك ألا تخيب امالي ”
ابتسم سالار وهو يقول ببساطة أكبر :
” اعتقد أن فكرة تحولي من شخص غير مهتم لشخص أكثر من مهتم افضل من معرفتك أنني كنت مشتاق لرؤيتك منذ البداية ”
توقفت تبارك ثواني تحاول فهم معنى جملته التي دخلت عقلها عطلته، وهو فقط يكمل طريقه بهدوء حتى تجاوزها وهي واقفة وكذلك صامد وصمود اللذين مرا بها، وقال صامد بتشفي وهو يشير لها سعيدًا يرفع يديه في الهواء :
” ها هو تأثير سحرك بدأ يتلاشى أيتها المشعوذة، تكبير ”
بدأ صمود يكبر وهو يتحرك بعيدًا عنها :
” الله أكبر ”
وتبارك ترمقهما بعدم فهم :
” سحر ومشعوذة؟؟”
لحقت بهم بسرعة حين شعرت أنها بدأت تبتعد عنهم، تردد بصوت مرتفع :
” مهلًا أي ساحرة تلك التي تقصدها ؟؟”
لكن أحدًا لم يجيبها وهي زفرت بغضب تبحث بعيونها عن سالار كي تلتصق به وتبعتد عن هذين الغبيين، لكن فجأة وحين خطت فوق أحد الأغصان سمعت أصوات عديدة حولها، اصوات حبال تتحرك بسرعة كبيرة جعلتها تغمض عيونها وهي تردد :
” أوه لا، ليس مجددًا ”
رفعت رأسها تنادي بصوت مرتفع وقلق :
” يا قائد …يا قائد ”
توقف سالار والذي كان يسير ويتحدث مع تبارك ظنًا أنها هي من تتحرك خلفه وهو يبتعد كل الأغصان عن طريقها، نظر خلفه ليتفاجئ أن من يتبعه هما صامد وصمود، وايضًا تلك الصرخات باسمه ..
” مهلًا أين زوجتي ؟؟”
هز الاثنان كتفيهما بجهل مصطنع وهما ينظران بعيدًا عنه، بينما سالار ازداد غضبه وهو يصرخ بهما :
” ايها الغبيان اقسم إن حدث لها شيء لن يكفيني أن اجعلكما بنفس الطول، كعقلة الاصبع ”
تحرك تاركًا إياهم ينظران في أثره قبل أن يقول صامد وهو ينظر لطول صمود مفكرًا بجدية:
” هذا سيستلزم الكثير من الجهد للقائد حتى يجعلك بطول عقلة الاصبع ”
تشنج وجه صمود بحنق، ليتحرك الأثنان بسرعة خلف سالار الذي كان يتحرك في الغابة حوله يصرخ باسمها :
” تبارك …تبارك، تبارك أين أنتِ ؟!”
فجأة توقف حين سمع صوتًا يأتيه من الاعلى ينادي عليه :
” أنا هنا يا قائد، الله يكرمك نزلني دمي بدأ يتجمع في راسي ”
رفع سالار عيونه ببطء صوب تلك الشجرة التي كانت زوجته معلقة بها، يتنفس بصوت مرتفع يمسح وجهه بضيق وهو يهمس متحركًا صوب طرف ذلك الفخ ليقطعه :
” يا الله لا يعقل أن تقع في كل فخ يقابلها بهذا الشكل، الأمر يبدو كما لو أن الصيادين وضعوا هذه الفخاخ لها تحديدًا”
توقف طوار الحبال الموضوع على أحد جزوع الشجرة يفكر ثواني متذكرًا آخر مرة سقطت، قبل أن يعود ليقف أسفل النقطة التي تعلوها تبارك وهو يلقي بخنجرة صوب صمود :
” أذهب وأقطع طرف الفخ وأنا سألتقطها”
ختم حديثه يرفع رأسه صوبها وهي فقط ابتسمت تقول :
” يبدو هذا مناسبًا الآن انزلوني رجاءً.”
ابتسم سالار بقلة حيلة، ثم تنفس بصوت مرتفع يشير صوب صمود يقول :
” مع ثلاثة، واحد…. إثنان…ثلاثة ”
وبمجرد نطقه لتلك الكلمة قطع صمود الحبل بسرعة ليندفع جسد تبارك صوب الاسفل بعنف شديد جعل سالار يهرع محاولًا معرفة المكان الذي ستسقط فيه وفي خلال ثواني فقط كان سالار ساقطًا ارضًا وتبارك بين أحضانه تتنفس بصوت مرتفع وضربات قلبها يرن صداها على صدر سالار الذي رفع رأسه يطمئن أنها بخير، ومن ثم ألقى رأسه ارضًا يتنفس الصعداء .
وهي فقط ابتسمت تقول :
” ها نحن نتقدم سالار، المرة السابقة تركتني أسقط، وهذه المرة التقطتني ببراعة، المرة القادمة انتظر أن تطير لتحضرني من الفخ بنفسك ”
ابتسم سالار بسمة واسعة وهو ما يزال مغمض الأعين يحاول التماسك وتجاهل ذلك الشعور بالدوار الذي أصابه بسبب اصطدام رأسه بالأرض في عنف شديد، ويبدو أن تبارك أدركت ما يدور به سريعًا إذ قالت بريبة :
” سالار هل أنت بخير ؟؟”
” نعم عزيزتي أنا بخير حال، كنت فقط افكر في اعلم الطيران منذ الآن، أنتِ لم يصبك شيء صحيح ؟؟”
” لا أنا بخير، لكن أنت من لا يبدو عليه الخير سالار ”
حاول سالار النهوض وهو يضمها بحنان شديد، ثم زفر بصوت منخفض يقول :
” بل أنا بخير ”
دفعها ببطء لتنهض وتساعده على النهوض، نفضت ثيابه وهو ابتسم لها بحنان يمسك يدها بقوة ثم تحرك بها يقول :
” لنكمل الطريق، علينا الانتهاء من الغابة قبل حلول الظلام ”
نظرت تبارك صوب صامد وصمود اللذين لحقا بهما متأففين وبشدة، كاد يُقتل للتو ولم يتوقف للراحة، ليعينهم الله على هذا الرجل، ولتنتهي هذه الرحلة بسلام …
______________________
في ساحة القلعة حيث كان الجميع يزاحم بعضهم البعض ليشهدوا نهاية هذا الطاغية الجالس على ركبتيه ارضًا في المنتصف يحيطه الجنود مبعدين الجميع عنه، ليس حماية له بقدر ما هو حقن للدماء وتنظيم لما سيحدث …
الملوك جميعهم يقفون مقابل الشعوب بكل هدوء، الجميع في انتظار الكلمة التي ستشفي صدورهم، ثواني وأعلن أحد الجنود بصوت جهوري وصول ملك سفيد والأميرة .
التفت جميع الرؤوس صوب بوابة القصر حيث تحرك إيفان بقوة وهيبة كعادته وقد جعل زمرد تتأبط يده، والثانية تسير جواره تشعر أن المكان يضيق عليها، لولا تربيتات إيفان على يديها، ونظرات دانيار الذي كان يتحرك معها من بعيد ينظر لها بمؤازرة، يبتسم لها بحنان وهو يسير خلف الصفوف يرفع كفه لها يطمئنها.
ابتسمت من بين دموعها العالقة في عيونها له، ثم تحركت عيونها صوب الجميع، هي حين كانت تصرخ في وجه بافل وتخبره أن نهايته على يديها كان هناك جزء خبيث يخبرها أن ذلك أبعد من أحلامها، لكن ربها رب المعجزات معاذه أن يخذلها وهي تضرعت له ودعت له .
واخيرًا شاهدت المشهد الذي عاشت عمرها تحلم به، شاهدته في واقعها، ووالله لو سقطت ميتة في هذه اللحظة ستكون أكثر من سعيدة وقد نالت ما أرادت .
بافل يجلس ذليلًا في منتصف الساحة منكس الرأس، جلسة اعتادت أن تجلسها حين تخطأ معهم منتظرة عقابهم، الآن والآن فقط انتقم الله لها، هي الآن نالت قصاصها ..
ابتسمت تقول بصوت منخفض وصل له واضحًا إذ عم الصمت في الساحة حتى أنه وإن ألقى أحدهم قشة لسمعوا صدى ارتطامها بالأرض :
” مرحبًا بافل ..”
وبافل منكس الرأس استدار ببطء صوب ذلك الصوت، لم يكلف نفسه عناء فتح عيونه التي كانت منتفخة من الضربات التي تلقاها، هو تعرف على صوتها دون الحاجة لرؤية وجهها، ابتسم بسمة صغيرة جعلت زمرد تقترب من ببطء تحت نظرات الجميع المترقبة لحكمها، وبمجرد أن توقفت أمامه نظرت له طويلًا وهو رفع رأسه بصعوبة لها يهمس :
” مرحبًا اختي العزيزة …”
اطالت زمرد التحديق في وجهه وفي ثواني قليلة مر عليها كل ما عاشته على يديه، ولم تكن تسمع في هذه اللحظة سوى صوت صرخاتها وهي تتلقى منه التعذيب كل يوم تقريبًا .
كل ما تلقته على يديه مر أمامها في ثواني لتقول :
” أتعلم عدد المرات التي نمت بها باكية احلم بهذه اللحظة، اتدرك كم مرة تخيلت أنك تركع بهذا الشكل أسفل قدمي تنظر لي بتوسل كما تفعل الآن ؟! أوتعلم عدد الطرق المريعة التي تخيلت نفسي اعاقبك بها، حتى أنني تخيلت نفسي اقطعك أشلاء، ومن ثم أحرق تلك الأشلاء وارقص حول النيران التي تلتهمك كما فعلت بذكرى قتل أمي، افكار سوداء كثيرة كانت تأتيني كلما تخيلت وجهك، لكن الآن وقد عشت تلك اللحظة، لم أعد ارغب بأي شيء ”
نظر لها بافل بصدمة وقد التمع الأمل بعيونه وهي فقط سقطت دموعها تقول بصوت كاره حاقد :
” أنا نلت قصاصي برؤيتك ذليلًا بهذا الشكل بافل، نلت قصاصي ناقصًا ووالله لن يكتمل إلا أمام رب العالمين، يوم تجتمع الخصوم، لن اقتص منك الآن ولن الوث يدي بك، لن أطالب بقصاصي الآن ففي النهاية هذه الحياة الدنيا فانية، مهما نلت من قصاص منك فلن يكفيني مُر سنوات عشتها معكم، لذا سأنتظر حتى نقف أمام الله لآخذ قصاصي كاملًا، وحينها سيكون الحاكم هو الله، والله أنني خصيمتك وقومك يوم القيامة”
ختمت حديثها ترفع يدها تصفعه بقوة ليسقط ارضًا بسبب شدة هزالته، وهي تحركت برأس مرفوع الجميع تقول بصوت مرتفع :
” طلبتم أن أحكم، وحكمي هو أن يناله كل ما نال شعب مشكى، اشفوا صدور القوم والقوا به لمن فقد عائلته بسببه، قصاصي سأناله يوم تجتمع الخصوم، سلموه لشعب مشكى هم أحق به مني..”
ختمت حديثها ليمنحها إيفان بسمة واسعة فخور وقد تنفس الصعداء يغمض عيونه يحمد الله في صدره أنها لم تنهار وتتصرف بشكل تندم عليه فيما بعد .
وزمرد تحركت صوب إيفان مبتسمة، وكلمات دانيار الذي التقى بها لثواني بعد انهيارها في احضان إيفان وابتعاده عنها ليجهز كل شيء، تترد في أذنها…
” الكلمة كلمتك اميرتي، خذي قصاصك بالشكل الذي يريحك، لكن حذاري أن تفقدي روحك في القصاص زمرد، وتذكري اميرتي أنه مهما نال بافل من أذى فلن يقلل هذا من شعورك بالقهر، فدعي القصاص ليوم القصاص ولا تجعليني أفقدك في هذا الأمر، وأي قرار تأخذينه سأساندك به بحياتي، أنا جوارك طوال الوقت، فقط استديري برأسك وستلمحينني اساندك بقلبي قبل جسدي ”
استدارت زمرد بالفعل يمينًا ليكون وجهه المبتسم اول ما يقابلها، انتزع دانيار خوذته يضعها على صدره مغمضًا عيونه ينحني نصف انحناءة، ثم رفع رأسه يبتسم لها بحب، وهي هزت رأسها هزة خفيفة، تسير بهدوء حتى وصلت صوب إيفان الذي فتح ذراعيه لها يتلقفها مقبلًا رأسها بحنان :
” كيف حال قلبك الآن حبيبتي ؟!”
” بخير طالما أنت تسكنه أخي، شكرًا لك ”
تأوه إيفان مبتسمًا وقد كانت هناك دموع تلتمع بعيونه ينعي والدته داخل صدره يضم له زمرد التي تحركت عيونها تراقب أرسلان الذي تقدم من منتصف الساحة يقول :
” أميرة سفيد أصدرت حكمها ومنحت شعب مشكى حقه في القصاص لذويه، لذا اليوم مساءً سيُسلم لكم هذا الخسيس لتأخذوا منه قصاصكم ”
ختم حديثه يشير للجنود بسحبه للداخل حيث السجن ثم تحرك بأعين سوداء يشمر اكمامه يلقي معطفه الملكي لبعض الجنود وقد بدا في هيئة مرعبة، يقول وهو يمر جوار ازار دون توقف :
” تعال معي وخذ قصاصك ملك آزار، والله لن يرحل أحد اليوم دون أن يشفي صدره بإذلال ذلك الحقير، لن يبيت طفل صغير في الممالك الأربعة إلا وأخذ حقه من ذلك الخنزير ”
ختم حديثه يصرخ بصوت جهوري :
” خذوا ذلك الوسخ للسجن واجمعوا لي باقية قومه الانجاس، حان وقت القصاص …”
وفورًا تحرك خلف الجنود وازار ابتسم بسمة ميتة وهو يلحق بهم وقد اشتد جسده بقوة يهتف :
” دع لي البعض منه ملك ارسلان، فثأري معه ثقيل لهذا الحقير …”
أبعدت زمرد عيونها عما، يحدث تقول بصوت مرتجف مما عاشته، لكن السعادة كانت واضحة في نبرتها وهي تقول :
” الآن ماذا أخي ؟؟”
نظر لها إيفان ثواني ثم حرك عيونه صوب أحد الاتجاهات يقول ببسمة واسعة :
” الآن سنعود للمملكة حبيبتي ..”
” ماذا ؟؟ ماذا عن زفافك ؟؟”
ابتسم لها يقول بحنان :
” سيحدث لكن بعد عودته لسالار، لا يمكنني الاحتفال به دونه، وحتى ذلك الحين ننتهي من بعض الأمور العالقة لاتفرغ بالكامل لزفافي ”
” وما تلك الأمور العالقة التي قد تعيقك عن زواجك من كهرمان إيفان ؟؟”
ابتسم إيفان وهو ينظر صوب دانيار الذي كان يراقبها باهتمام شديد وكأن لا أحد في المكان غيرها، هو لم يغفل عن نظراته التي كانت تحرس شقيقته في كل خطوة تخطوها ..
” عقد قرآنك من دانيار عزيزتي …”
_____________________
وبعد هذا اليوم وبعد مرور أيام قضاها سالار في التنقل هنا وهناك، واخيرًا وصلوا لآخر مرحلة لهم، المرحلة التي يليها محطتهم المنشودة …
وقفت تبارك في المركب التي ستأخذهم صوب الحدود المصرية، كان يمكنهم الحصول على هذه الأدوية من بلاد كثيرة، لكنها رفضت إلا أن تزور بلادها التي اشتاقت لها وبشدة .
استنشقت رائحة البحر والتي أعادت لها ذكرى قديمة أو قريبة لا تدري، ذكرى وجودها مع سالار في رحلة الذهاب، سبحان مقلب القلوب، كانت في تلك اللحظات تشعر بانقباضة صدرها والرعب من القادم، الآن فقط تشعر بالأمان يحيط بها، طالما أنها في محيطه .
” ما الذي تفكرين به ؟؟”
” بك ”
” هذا يسعدني ”
استدارت له تبارك تبتسم قائلة :
” فقط اتذكر المرة السابقة التي كنا بها على متن هذه السفينة، شتان بين مشاعري وقتها ومشاعري الأن ”
ابتسم سالار يتحرك ليستند على سور السفينة الحديدي يشرد بعقله محاولًا معرفة ما الذي كان يشعر به وقتها؟؟ هو لا يتذكر شعوره وكأن مشاعره كانت ضبابية ذلك الوقت، ليست مشاعر حنق وغيظ كما ظن يومها، بل كان حذر وحرص من الاقتراب، وكأنه يعلم ما سيناله إن فعل، أو ربما كانت تلك المشاعر التي جعلته يشعر بالمسؤولية تجاهها، ذلك اليوم حين كانت تصرخ من بين أحلامها ..
” أنتِ لن تخبريني ما تتضمنه احلامك عني صحيح ؟؟”
أحمر وجه تبارك خجلًا وهي تنظر بعيدًا ليجعل هذا سالار ينظر لها بريبة :
” هل هو أمر مخجل لهذه الدرجة ؟؟”
ضحكت ضحكة خافتة :
” بل جنوني، أنت في احلامي كنت مناقضًا لهيئتك في الواقع وقتها، تخيل أن احلم طوال الوقت أنك تضمني بين أحضانك وتدللني بأميرتك، وفي الصباح تصرخ في وجهي وتوبخني وتسخر مني بمولاتي ؟؟”
اتسعت أعين سالار يقترب منها بفضول :
” ادللك ؟؟”
نظرت لوجهه قبل أن تقول :
” نعم كنت تفعل كل ليلة، تقترب مني وتحتضنني بحنان وتخبرني أنك ستأتي لاجلك، وأنك اشتقت لي”
كانت تتحدث وهي تخفض رأسها لا تود النظر لوجهه، وهو فقط ينظر لها بصدمة فكيف تحلم بكل ذلك منذ البداية، كيف استطاعت النظر في وجهه بعد ذلك، لو كان هو لكان تجنبها من ريبة تلك الأحلام ..
ولم يشعر سالار أن السؤال الذي يفكر به نطقه دون وعي، لتجيب هي ببساطة :
” لم أكن أعلم أنه أنت فملامح الرجل لم تكن واضحة في احلامي ”
وفورًا تلاشت الحيرة ليعلو الجمود والحنق ملامحه :
” وما الذي أخبرك أنه أنا؟! لربما كان رجلًا آخر ؟!”
” لقد أبصرت وجهك لاحقًا في احلامي و….صوتك في الاحلام كان هو نفسه حينما تهمس لي بصوت منخفض ”
ابتسم سالار دون وعي وهو يمد يده لها يقول ممازحًا :
” اقتربي عزيزتي دعيني احقق احلامك ”
ضحكت تبارك بصوت خافت تقترب منه وهو ضمها له يقول :
” مرحبًا اميرتي لقد اتيت لأجلك وصدقت وعدي، اشتقت لكِ ..”
اطلقت تبارك ضحكات مرتفعة على همساته وقد بدا حقًا شبيهًا لتلك الاحلام، وعلى ذكر الاحلام لا تدري سبب توقفها منذ تزوجت به، ألأنه رافقها في الواقع سيحرمها لذة وجوده جوارها في الاحلام ؟؟
تنهدت تستند على صدره تهمس بصوت منخفض :
” يبدو العالم مثاليًا في هذه اللحظة سالار، تلك اللحظة التي اسكن بين أحضانك أشعر أن العالم أكثر من مثالي ”
” حتى وإن لم يكن عزيزتي سيكون لاجلك ….”
ابتسمت تنظر له، ثم نظرت أمامها تقول :
” كم تبقى لنصل صوب منزلي، لا اصدق أنني اقول هذا لكنني اشتقت لكل ركن به ..”
” يوم ونصف تقريبًا، وتكونين في منزلك ”
تنهدت تقول بسعادة وهي تضم يديه لها تهمس :
” لا اصدق أنني سأعود لحارتي العزيزة للمرة الأولى مع زوجي وبعد غياب طويل، ترى كيف اصبح الجميع هناك؟؟ هل تغيروا ؟؟ أم أن الحياة بأكملها قد تتغير وهم لن يفعلوا ؟؟؟”
قبل رأسها بحنان يهمس :
” هذا ما سنكتشفه حين نصل …”
__________________
بعد أيام قليلة …
توقفت في منتصف الحارة وفي بداية المساء سيارة أجرة جذبت انتباه بعض المارة الفضوليين وكأنهم دخلوا المكان بمرسيدس أو ليموزين، وليس سيارة أجرة .
كانت تبارك أول من نزل من السيارة وهي تتنفس بصوت مرتفع تقول :
” نفس ريحة الصرف الصحي متغيرتش ”
استدارت حولها ترمق المكان حولها، نعم لم يتغير أي شيء في المكان نفس المنازل نفس الوجوه، ونفس النساء اللواتي يقضين نهارهن وليلهن في الثرثرة أمام المنازل ..
بدأت الأعين تتحرك صوب تبارك التي هبطت من السيارة واتسعت مندهشة متسائلة عن مكان تواجدها وعودتها بهذه الطريقة ودون مقدمات .
بدأت الهمسات تعلو بين النساء :
” مش دي البت تبارك ؟؟ هي كانت فين الحزينة دي ورجعت كده ؟؟”
تحدثت فتاة كانت تندس بين النساء تحاول الارتشاف من خبرتهن الكبيرة في الثرثرة تقول بحنق :
” أنا عارفة كانت سارحة في أي مصيبة ولسة راجعة، اقطع دراعي أما كانت البنت دي وراها حاجة ”
ختمت كلماتها ولم تكد ثالثة تضيف جملة حتة توقفت الكلمات وتوقفت الهمسات وتوقفت الأنفاس حتى حين ابصروا رجل يهبط من السيارة بجسده الضخم وملامحه الشاذة عنهم بتلك الأعين الخضراء والخصلات الصهباء والثياب القماشية البنية، ولم تكن ملامح ذلك الرجل ما أثار انتباه النساء بقدر ما فعلت تصرفاته، فبمجرد أن هبط من السيارة جذب له يد تبارك يشدها جواره، ثم أشار لرجلين غريبي الأطوار خلفه باللحاق بهم وتحرك بكل قوة في المكان لا ينظر يمينًا أو يسارًا فقط يضع عينه على البناية الخاصة بتبارك حتى صعد لها …
واختفت صورة سالار مع تبارك لتنطلق شهقات النساء بصدمة كبيرة .
” أنتم شوفتوا اللي أنا شوفتوا ده ؟؟”
” يا مصيبة هي البت تبارك كانت ماشية بطال ولا ايه؟؟”
” لا ومن غير خشى وحيا جاية بيه لغاية هنا ”
فجأة فزعت النساء بسبب فتح النافذة التي تعلو رؤوسهن وارتفاع صوت امرأة من داخل المنزل وهي تقول :
” والله انتم اللي معندكمش خشا ولا حيا ولا حياة عشان تفضلوا قاعدين كده تحللوا في حياة غيركم وتخوضوا في عرض اللي رايح واللي جاي يا ولية يا ناقصة منك ليها، امشوا بعيد عن المصطبة ” عتبة” بتاعتي بدل والله اجيب ماية مسيح البيت اغرقكم بيها اياكش المسحوق فيها ينضفكم منك ليها ”
ارتفعت شهقات النساء والاعتراضات :
” أنتِ اتجنيتي يا نرمين ؟؟ ايه الكلام اللي بتقوليه ده ؟؟ ”
أجابت نرمين بغضب وهي تلوح بأصابعها عليهم :
” ايه!! مش عاجبكم الكلام وهو فيكم، فما بالكم بالكلام اللي بترموه بالكذب على الناس ؟؟”
ابتسمت الفتاة التي كانت تتوسط جلسة النساء والتي كانت هي نفسها من تحدثت سابقًا بالسوء عن تبارك يوم عرفت النساء عن أحلامها :
” ايه يا خالتي نيرمين هو الكلام وجعك اوي كده ليه ؟؟ ولا عشان بنتك يعني زيها ودايرة على حل شعرها داخلة خارجة و…”
وقبل أن تكمل كلماتها كان نعل نيرمين يسقط عليها وهي تتحرك خارج المنزل صارخة بجنون :
” اه يا قليلة التربية، قطع لسانك أنتِ وأي واحدة تجيب سيرة بنتي في المكان ده، طب والله لاكون خارجة ومربياكِ أنتِ واللي خلفتك”
ومن بعد هذه الجملة اشتعلت الحرب بين الجميع في الحارة وعلى الاستنفار والغضب الملامح ..
كل ذلك الصراخ والضوضاء وصل لتبارك في الاعلى والتي كانت ما تزال تقف أمام المنزل تحاول فتحه حتى قالت بتعجب :
” ايه الصوت اللي جاي من تحت ده ؟؟ ”
نظر لها سالار ينزع منها المفتاح يقول بجدية :
” لا اعلم ولا اهتم، فقط ادخلي المنزل واغلقي على نفسك ”
كان يحاول فتح الباب لكن خابت مساعيه، نظر للمفتاح يقول بتفكير :
” يبدو أنه ليس مفتاح المنزل، هل أنتِ متأكدة أنه هو تبارك ؟؟”
” أيوة متأكدة طبعًا أنا كنت وخداه في شنطتي قبل ما اجي معاك، حاول تاني ”
نظر سالار للباب مرة ثانية وحاول دس المفتاح به لولا أن الباب فُتح فجأة وطل عليهم شاب لا يرتدي سوى بنطال قصر فقط يفرك وجهه بكسل متحدثًا بعدم فهم :
” ايه فيه ايه عمالين تلعبوا في الكالون ليه ؟؟”
اتسعت أعين تبارك بصدمة كبيرة وهي ترى ذلك الشاب يخرج بهذا الشكل من شقتها، بينما سالار جذب فجأة جسدها ليختفي خلف جسده وهو يصيح بصدمة :
” يا الله يا مغيث ….”
وقبل أن يصدر كلمة واحدة من أحدهم سمعوا اصوات الضوضاء تقترب من المنزل والأشجار يعلو في الاسفل، ولم يكن سالار ليهتم بذاك الشجار أبدًا ويتغافل عن ذلك العاري الذي يقف أمامه وأمام زوجته دون خجل، لكن كلمات مترامية من أصوات بعض النسوة في الاسفل جعلت انتباهه يتوجه بالكامل للشجار ..
” هي اللي اسمها تبارك اللي قدمها شوم على الحارة السبب في الخناقة دي، جاية وساحبة معاها واحد اجنبي من غير اي حساب وتيجي الست التانية دي تدافع عنها بكل بجاحة، أنا مش فاهمة مستنيين ايه لما الحارة تتبلي بالمناظر دي واحنا عندنا ولايا ؟؟”
نظر سالار صوب تبارك يحاول التأكد مما وصل له، وقد تعسر عليه فهم بعض الألفاظ التي وصلت لمسامعه، لكن المضمون لم يخفى عن الاحمق، هؤلاء النسوة في الاسفل يتحدثن ويخضن في عرض زوجته، في عرضه وشرفه هو ؟؟؟؟؟؟؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *