روايات

رواية غابت شمسها الفصل الثاني عشر 12 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل الثاني عشر 12 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها البارت الثاني عشر

رواية غابت شمسها الجزء الثاني عشر

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة الثانية عشر

مطار الغردقة
كانا فى أنتظار موعد أقلاع الطائرة .. وكانت مرام تجلس بجواره صامتة ونظراتها تختبئ عنه خلف زجاج نظارتها المعتمة .. كانت غير عالمة بحاله فقد هاج قلبه وماج بالمشاعر وهو يتذكر الصورة التى بدت فيها هذا الصباح … جميلة وبريئة بشكل كاد أن يحطم قلبه أكثر مما هو محطم .. شعرها الأسود كالليل وهو يتناقض ويحيط ببشرتها البيضاء الناعمة .. ضباب النعاس الذي كان يظلل عيناها بنظرة أغواء طبيعية غير متعمدة .. ومفاتنها التى تصفها رقة ثوب نومها .. مشهد كان ليقضي على عزيمة قديس وليس عاشق بائس مثله … فكان الهرب هو أسلم سبيل له .
ليلة أمس أظهرت نقاط ضعف فيه أرعبته وهو يفضل الموت على أن يجعلها تعرف تأثيرها الساحق عليه .. لذلك قرر أن ينهي الحجز ويرحلا قبل أن تفلت زمام الأمور من يده ففى البيت يستطيع أن يستعيد رشده ويستقوي بمن حوله .. يغرق فى عمله ويجد الأسباب التى تبعده عنها .. ولكن قبل ذلك يجب أن يمحي من فكرها أي شك يكون قد خامرها عن حقيقة ما يضمره فى قلبه لها .
قال بتهكم قاطعا الصمت الذي طال بينهما
– أرجو أن أكون قد نجحت فى تهدأتك بالأمس ؟
أدارت وجهها اليه بحدة فتابع
– لا مانع عندي ان أردت قتل نفسك بعد عودتنا … لقد خفت فى الواقع على نفسي وعلى سمعتي .. ماذا كان سيقول الناس عندما تقدم عروس على الأنتحار فى شهر عسلها غير أن عريسها هو السبب .
فكرت مرام بمرارة ساخرة .. لهذا السبب قرر العودة بسرعة حتى اذا ما كررت محاولة الأنتحار
قالت بصوت أبح من قلة الأستخدام
– لم يكن هناك من داعي لقلقك هذا .. فأنا لم أكن عازمة على الأنتحار ولا أنوي ذلك مستقبلا .. فقد كنت أستمتع بوقتي .. ألهو لا أكثر .
ضاقت عيناه عليها بغضب وقد استفزه استهتارها بحياتها ونسى حرصه
– وهل هذا هو مفهومك عن اللهو ؟ .. ماذا لو أختل توازنك وسقطت ؟
رفعت حاجبيها ساخرة
– أعدك فى المرة القادمة التى أخاطر فيها بحياتي أن أترك رسالة أولا أوضح فيها الأمر حتى لا يمسك ضرر ويتهمك أحد بالتسبب فى قتلي .
مد يده عبر المقعد وقبض على يدها يعصرها بقوة آلمتها
– لا تتحدثي معي بتلك اللهجة والا جعلتك ترين ما لن يسرك .
شحب وجهها من الغضب فهو يتفنن بأذلالها .. يفسد كل شئ جميل ظنت أنها تعيشه … تمنت لو تصرخ فى وجهه حتى يكف عما يفعله ولكنها أطبقت شفتيها باذعان وحاولت جذب يدها من تحت يده فتركها بعد أن رأى علامات الألم على وجهها وقال برضا
– هكذا أفضل .. تعلمي ضبط أعصابك حتى لا تتأذي .
أطبق الحزن على قلبها فلأول مرة يستخدم صالح معها العنف الجسدي .. فهل هذا ما سيكون عليه سلوكه معها مستقبلا ؟ حمدت الله لأنها ترتدي نظارتها الشمسية والتى أخفت الدموع التى أمتلأت بها عينيها .
****
منزل المزرعة
كان الأستقبال حافلا .. بكت نهال وهي تحتضن أخيها وتقول
– منذ الصباح وقلبي يحدثني بأنني سأراك اليوم .
قالت أم عبيد بعد أن أنهت زغرودتها
– أي والله .. لقد طلبت منا أن نعد كل الأطعمة التى تحبها .
تخلص صالح من عناق شقيقته بصعوبة وهو يقول ضاحكا
– اذن أين هذا الطعام الذي أعدتوه من أجلي فأنا جائع جدا .
تفحصت نهال وجهه بتمعن ولاحظت على الفور أن به خطب ما وعندما نظرت الى مرام لترحب بها لم تجدها أفضل منه حالا .
– حبيبتي .. حمدا لله على سلامتك .
لم تعرف مرام السبب ولكنها وجدت نفسها تندس بين أحضان المرأة وتحتضنها بقوة وغصة تنعقد فى حلقها , ربتت نهال على ظهرها بحنان شعرت بأن الفتاة بحاجة اليه .
****
لم يبقى صالح فى المنزل بعد الغداء وأصر على الذهاب الى المصنع ولم يستمع الى أحتجاجات نهال التى أرادت منه البقاء معها اليوم
– هناك عمل كثير ينتظرني .. لقد توقفت الماكينة الجديدة أكثر من مرة أثناء غيابي وهذا ما دفعني للعودة مبكرا .
ثم نظر الى مرام وابتسم
– وقد تفهمت مرام الأمر ولم تعترض .. أليس كذلك حبيبتي ؟
لم يستطع التخلص تماما من نبرة التهكم فى صوته فأحتقن وجه مرام وهى ترد بابتسامة مرتجفة
– بلى صحيح .
رات مرام الكثير من الأسئلة فى عين نهال ولكنها لم تسألها عن شئ وبعد رحيل صالح أستئذنت مرام فى الذهاب الى غرفتها لأنها متعبة
– تفضلي يا حبيبتي .. خذى راحتك .
****
في جناح نومها ..
وقفت تنظر حولها وهي على شفير البكاء ..
كانت تراه لأول مرة بعد الأنتهاء من توضيبه وكان مكون من غرفة جلوس وغرفة نوم وغرفة ملابس صغيرة وحمام .. كان كل شئ جميل ومفروش ببذخ وبشكل راقي .. لقد تكبد صالح كل هذه التكاليف من أجلها .. من أجل اسعادها وتساءلت ..
كيف ستكون أيامها هنا يا ترى ؟ .. ابتسمت بحزن .. لو كانت الظروف مختلفة لكان صالح معها الأن يتفرجان على عشهما معا .. ينعمان بأحضان بعضهما ويتمتعان بحبهما .. سارت بتثاقل ونفضت حذائها من قدميها كيفما كان ثم ألقت بنفسها على الفراش .
كان الظلام حالكا
خطا صالح الى الداخل ووقف للحظات ينصت السمع ولكن السكون كان تاما .. مد يده الى زر الأضاءة وسرعان ما توضحت معالم غرفة الجلوس له .. لم يتثنى له الوقت حتى يرى الجناح من قبل فقد خرج مباشرة بعد الغداء ولم يبدل حتى ملابسه.
لوى شفتيه بمرارة وهو يتأمل ما حوله .. لم يخطط أن يمر الأمر هكذا .. لقد أراد أن يفاجأ مرام بما فعله من أجلها ويرى ردة فعلها على ما استطاع انجازة فى وقت قصير لأسعادها .. لقد أختار أفضل شئ من كل شئ .. الفرش والأثاث والأجهزة .. النجف والسجاد والستائر .. أراد أن يهديها قصرا ولو كان صغيرا وكان يخطط لتوضيب البيت كله مستقبلا ليليق بطموحها .. ولكن هل كان طموحها على قدر امكانياته المتواضعة ؟ .. ألم يعترف صديقها أمامه بأنها وعدته بأن تتركه وتعود اليه ؟ بالطبع .. فهو ابن مليونير ثري .. كانت مبيتة النية على تركه ولذلك أصرت على أخذ موانع للحمل .. لم تكن تريد أطفاله كما لم تكن تريده هو نفسه ..
سحب نفسا وأطلقه ثم تقدم للداخل وهو يتساءل أين هي ؟ .. رجفة أصابت قلبه .. فربما تكون هربت دون أن يلاحظها أحد .
قطع المسافة الصغيرة التى بين غرفة الجلوس وغرفة النوم والذى يفصل بينهما باب جرار ورآها نائمة على الفراش بملابسها التى سافرت بها .. تضع كفيها تحت وجنتها وتضم ركبتيها الى صدرها فبدت كطفل صغير وقبل أن يرق قلبه زجره بغضب ليذكر نفسه بأن تلك الفتاة ليس بها أي شئ من براءة الأطفال وأنها حية مخادعة .. مصاصة دماء الرجال .
– أنت .. أستيقظي .
كانت نبرته حادة وعالية ففتحت مرام عينيها مجفلة ونظرت الى صالح مشوشة العقل قليلا فتابع مزمجرا
– لا تعتادي على تلك الرفاهية وهذا التكاسل .. موعد العشاء حان ولدينا ضيوف وأم عبيد فى المطبخ بحاجة للمساعدة .
جلست مرام وهي تفرك عينيها وكانت تشعر ببعض البرد فقد نامت بدون غطاء وقالت
– وماذا عن نجاة ؟
رد بنفاذ صبر
– نجاة تعود كل يوم بعد صلاة العصر الى بيتها وأم عبيد كبيرة فى السن ولن تقدر على الخدمة بمفرها .
ثم نظر اليها باشمئزاز
– يا لك من بليدة معدومة الأحساس .. كيف لم ألاحظ هذا فيك من قبل .. كنت أعمى على ما أظن .. لم أراك مرة تمدين يد المساعدة لأحد .. هل كنت مثلا تقومين بترتيب فراشك بعد استيقاظك من النوم أم كنت تنتظرين من الخدم أن يقوموا بذلك بدلا عنك .
أحمر وجه مرام وعجزت عن الرد عليه .. فقد كان محقا .
هز رأسه بسخط وقال
– شيئا آخر سيضاف الى قوانيننا الجديدة .. من الأن فصاعدا لن يقوم أحد بخدمتك .. أم عبيد هنا من أجل شقيقتي نهال ونجاة تأتي من أجل التنظيف والخبيز وهذا كثير عليها لذلك ستساعدين أيضا بالتنظيف .
ثم ضحك بسخرية وتابع
– لن أطلب منك حلب الأبقار وجمع الروث من تحتهم فعمال المزرعة من يقومون بذلك رغم أنني سأستمتع برؤيتك تفعلين وربما أقوم بتصويرك وأرسال صورك لأصدقاءك التافهين والفاسدين على الفيس بوك .
ظلت مرام تستمع اليه بصمت وشحوب وجهها هو الدليل الوحيد على تأثرها , هز رأسه للمرة الثانية برضى لما أنجزه معها وبدأ بخلع ملابسه وهو يتابع
– قلت ان لدينا ضيوف .. أغسلي وجهك وبدلي ملابسك لتحيتهم فلو تأخرنا عليهم أكثر من ذلك سيظنون أننا ..
ونظر اليها نظرة ذات مغزى جعل شحوب وجهها يختفي وقد أشتعل أحمرارا فلمعت عيناه بخبث وراح يقترب منها ببطئ فانكمشت وتراجعت على الفراش الى الخلف فهي تعرف ماسيفعله بها .
قال وهو يجلس بجوارها ويمسك بذراعها يمنهعا عن الأبتعاد
– الشئ الوحيد الذى أثق فيه منك .. هو ردة فعل جسدك لي .. ربما لا أملك قلبك وروحك تهيم بعيدا عن عالمي .. ولكن جسدك .. أعرف كيف أجعله عبدا لي .
يا لقسوته .. جذبها بين ذراعيه .. ارتجفت وبكت بصمت فهمس فى أذنها
– لن تفيدك الدموع .
ثم جذب شعرها الى الخلف بقسوة فصرخت من الألم وقد أصبح وجهها الباكي مرفوع اليه
– أحب أن أراك تتألمين .
سألته بمرارة
– وهل هذا يجعلك ترتاح
أجاب بحقد
– لا .. لا للأسف .. لا يوجد شئ قد أفعله بك يستطيع أن يمحو أثر ذنوبك فى نفسي .
جذبها اليه أكثر وكانت يداه غير رحيمتان بها فقالت برجاء وهي تأن
– ألن تكتفي أبدا من تعذيبي ؟
رد عليها بشراسة وأنفاسه تتسارع
– أبدا .. ولا أعتقد أننى سأكتفي حتى آراك تتلاشين .
وفجأة دفعها عنه فسقطت على الفراش
– ولكن ليس وقته الأن .. كما قلت لدينا ضيوف .
كان قميصه مازال عالقا بكتفيه فخلعه وتركه ليسقط على الأرض ودخل الى الحمام , وقفت مرام عن الفراش وركبتيها ترتعشان ضعفا .. خطت من فوق قميصه ثم توقفت وبعد لحظة تردد أنحنت ورفعته عن الأرض .. دفنت وجهها به بطريقة مثيرة للشفقة تشم رائحة عطره ومن ثم ضمته الى صدرها .
****
حجرة الجلوس
لم تسأله عن هوية ضيوفهم لذلك دهشت عندما وجدت رباب جالسة بصحبة والدها وزوجته وكانا يضحكان بشدة على شئ تقوله .. حدقت مرام بوجه والدها لبعض الوقت باستغراب فهذه هي المرة الأولى التى تراه فيها يضحك بهذا الشكل وقد بدا مختلفا .
قال صالح وهو يدفع مرام لتتقدم الى الداخل
– ما الذي يضحككم .. شاركونا .
نظرت اليه نهال وقالت ضاحكة
– تعالوا .. هذه البنت مجرمة .. لم أضحك هكذا منذ زمن .
كانت تشير الى رباب التى وقفت وتقدمت من مرام وهى تقول بابتسامة مجاملة
– حمد لله على السلامة يا مرام .
شعرت مرام بالنفور منها وكادت أن ترد على تحيتها ويبدو أن صالح قد شعر بنيتها هذه بسبب تيبس جسدها تحت راحة يده .. لكزها فسيطرت على ردة فعلها الغريزية وبادلت رباب التحية وقبلت وجنتيها .
قالت نهال لزوجها من بين أسنانها وهي تشير برأسها لمرام
– أحمد .
ولكن مرام وفرت عليه وعلى نفسها الأحراج وذهبت بسرعة وجلست على مقعد بعيد عنه فلم يعيرها أنتباها الا بنظره عابرة عند دخولها , نظرت الى رباب مبتسمة وسألتها عن أحوالها وأحوال عائلتها فأجابتها رباب على أسئلتها وهي تنقل نظراتها بينها وبين والدها بحيرة وفضول ولكنها عادت لتكمل حديثها السابق وقد استطاعت أن تخفي فضولها ببراعة بحديثها الفكاهي .
كانت خفيفة الظل .. أعترفت لها مرام بذلك ولكنها لم تضحك على أي شئ كانت تقوله من قلبها واكتفت برسم ابتسامة باهته على شفتيها وبداخلها يحترق غيرة فقد كان صالح يضحك .. يضحك بطريقة لم تراه يفعلها معها منذ ذلك اليوم المشؤوم فلم تتحمل البقاء بينهم كالغريب المنبوذ أكثر من ذلك ووقفت وهي تقول
– سأذهب لأساعد أم عبيد فى تجهيز العشاء .
نظر اليها والدها ونهال بدهشة فى حين ألتوت شفتا صالح بسخرية , قالت نهال
– لا تتعبي نفسك .. فقد جئت من سفر اليوم وتبدين متعبه .
ردت وهي تتوجه الى الباب
– لا .. لست متعبة .. أنا بخير .
****
فى المطبخ
راحت أم عبيد تراقب مرام بنظرات متبرمة وتظهر بجلاء عدم ثقتها بها وهي تقلب الخليط على النار .. لقد أصرت مرام على أن تقوم بعمل الحساء بنفسها وقالت ببرود
– لا تخافي .. أعرف كيف أطبخ .
فجدتها أدخلتها المطبخ وهى فى العاشرة من عمرها وتذكر جيدا ما قالته لها حينها
– يجب أن تتعلمي اطعام نفسك فلن تجدي من تعتمدين عليه طوال عمرك لكي يطعمك .
قالت أم عبيد بجفاء وهي تناولها خلاط الحساء
– لا تكثري من الملح والفلفل من أجل الست نهال .
استدارت اليها مرام بنفاذ صبر
– لا تقلقي أعرف أيضا كيف أطهو طعام صحي لمريض .. كنت أطبخ لسنوات من أجل جدتي .
علت الدهشة وجه المرأة المسنه واستدارت مرام الى البوتاجاز مرة أخرى وهى تتابع ساخرة
– ليس لأنها كانت مريضة .. ولكن لأنها كانت تخشى على صحتها من التدهور .
أنها لا تصدق أن خمسة أشهر فقط قد مرت على وفاة جدتها فما حدث لها من بعدها كثير جدا, بعد أن أنتهت من هرس الحساء ووضع الكريمة عليه أخفضت النار على الوعاء وأخذت خضار السلطة الذى كانت تغسله أم عبيد وجلست على المائدة وتناولت السكين ولوح التقطيع فاعترضت أم عبيد
– دعيهم لي .
– أفعلى أنت شئ آخر .
– لم يعد هناك شئ ليفعل .
– اذن أجلسي وأصمتى .
وراحت تقطع الخضار وهى شبه شاردة وأم عبيد تراقبها بتعجب .. تجاهلتها مرام فالجلوس هنا تحت نظرات تلك المرأة وتضييع الوقت فى العمل أفضل من الجلوس بالخارج وتحمل الضغط النفسي الذى لا يحتمل .. وراح سؤال واحد يصرخ فى رأسها .. ما الذي تفعله رباب هنا فى هذا الوقت من الليل ؟ ومن الذي طلب منها المجئ ؟
****
كانت نظرات صالح تتجه كل بضعة ثوان تجاه الباب .. لقد تأخرت مرام .. ما الذي تفعله فى المطبخ كل هذا الوقت ؟
لاحظت نهال توتره ونظراته التى لا تفارق الباب كما أنها لاحظت أنه لم يعد يتظاهر بالمرح منذ أن غادرت مرام الحجرة فقالت له
– أذهب يا صالح وأنظر لماذا تأخرت مرام وأم عبيد فقد أصبحت جائعة جدا وضيفتنا كذلك .
فقالت رباب بأدب
– أتركيهم على راحتهم .
ولكن صالح كان قد وقف وخرج وكأنه كان ينتظر سببا ليذهب خلفها وبمجرد خروجه من حجرة الجلوس رآها تخرج بدورها من الردهة الؤدية الى المطبخ وكانت تحمل طبق سلطة كبير وتتجه به الى مائدة الطعام شاردة تماما حتى أنها لم تلاحظ وجوده فلحق بها وهو يلعن ضعفه فقد أشتاق اليها
– تأخرتى .
قالها بحدة وكأنه يتهمها , رفعت مرام وجهها اليه مجفلة فتابع
– فيما كل هذا التأخير .
ردت بهدؤ مثير أقرب الى الملل
– كنت أساعد أم عبيد كما أمرت .
أغاظه هدؤها الذي قصدت به السخرية من أوامره فقال بلهجة مهدده
– لا تهزئي بي .
ألتفتت اليه بحدة وقالت بانفعال
– ومن قال أنني كنت أهزأ بك .. سألت سؤالا وأجبت عليه .
حدق فى عينيها والشرر يتطاير منهما وفكرت مرام للحظات أن تقوم بتحديه واستفزازه أكثر ولكنها تراجعت فقد أدركت بأنها ستكون الخاسرة ولن تقوى على أنتقامة لو هي عاندته فأطرقت برأسها وقائلة بخنوع
– آسفة لم أقصد .
تراجعها وخنوعها ذاك لم ينجحا فى تهدئة أعصابه بل زاد من أشتعال نيرانه فرؤيتها بهذا الشكل صنع جرحا داخل صدره وكالعادة كلما رق لها قلبه كلما أزداد حنقه وغضبه عليها وعلى نفسه فأشار بسبابته فى وجهها قائلا بعنف ولكن بصوت منخفض
– راقبي ما يخرج من فمك قبل النطق به والا ..
جاء صوت والدها من خلفه يقاطعه
– صالح .
استدار اليه صالح بحده وكان الغضب مازال جليا على وجهه
– هاتفك كان يرن .. قد يكون المهندس من المصنع .
أبتلع ريقه وارتخت ملامحه وهو يقول
– بالفعل كنت أنتظر أتصال منه .
أبتعد عن مرام عائدا الى حجرة الجلوس .
لم يلحق به والدها وظل واقفا يراقبها بصمت وهي تشغل نفسها بأخراج الأطباق والملاعق من الأدراج وتقوم بتوزيعها على حسب عددهم , سألته بملل عندما طال بقاءه هناك
– لماذا لا تقول ما يدور فى رأسك وننتهي ؟
سألها على الفور
– ماذا فعلت به ؟
قبضت على ظهر أحد المقاعد بشدة وأغلقت عيناها لتهدئ من فوران أعصابها وهو يتابع بحنق
– دمرته فى بضعة أيام .. لقد غلبت أمك فى ذلك .. فأنا أعترف أنها جعلتني أقضي بضعة أشهر فى نعيم معها .
صمت للحظات ثم استطرد ساخرا بمرارة
– بضعة أشهر هي كل ما استغرقه الوقت لكي تنفق ثمن أرض أبي التى بعتها من أجلها .
نظرت اليه بغضب وقالت
– أرجو منك أن تحتفظ بمرارتك وذكرياتك العفنة لنفسك من بعد الأن ولا تطربنى بها كلما تحدثت الي .. فما بي يكفيني ويفيض .
ثم أزاحته من طريقها واندفعت عائدة الى المطبخ .
وبعد العشاء كان من المفروض أن يقوم والدها بأخذ رباب الى بيتها ولكن صالح هو من تطوع لايصالها بنفسه ولم تقف مرام لثانية واحدة بعد خروجهما وذهبت الى غرفتها وهي تشعر بأرهاق شديد وهم يثقل قلبها فأستحمت بسرعة ثم اندست فى الفراش وقد قررت أن تنام ولا تنتظر مجيئة .
****
– تعال يا صالح .
تفاجئ صالح بشقيقته مستيقظه حتى هذه الساعة المتأخرة وتجلس بأنتظاره فى غرفة الجلوس .
سألها بقلق
– نهال .. هل أنت مريضة ؟
أسرع بالجلوس الى جوارها ممسكا بيدها فقالت
– أنا بخير لا تقلق علي .
رفع حاجبيه متساءلا فقالت
– ولكن أنا هي من قلقة عليك .
عبس وقال بحذر
– وفيما قلقك ؟
– كلنا لاحظنا تبدل حالك وحال زوجتك .. لقد ودعناكما فى حال وأسقبلناكما فى حال آخر ..
فتح فمه ليعترض فقالت بسرعه لتمنعه
– لا أريد أن أتدخل بينكما بالطبع ولكني أريد الأطمئنان عليك .
ربت على يدها
– أنا بخير .. لا أنكر أن بيننا بعض الخلاف ولكنه سيمر باذن الله .
ليس لديه ما يقوله لها فان صارحها بالحقيقة ستتأثر صحتها ولكنه أيضا لا يستطيع أن يتظاهر بالسعادة طوال الوقت وهو على عكس ذلك تماما .
– لماذا تأخرت ؟
– جلست مع عمي نتحدث وسرقنا الوقت .
هزت رأسها بأستسلام فقد كانت تعلم بأنه يتهرب من استجوابها له وبخبرتها معه تعرف بأنها لن تنال مأربها منه فقالت
– كما تشاء ولكني سأقول لك شيئا قلته لعمك أحمد من قبل .. مرام لم تجد فى حياتها شخص يوجهها بطريقة صحيحة .. كان لدي بعض الملاحظات عليها ولكني كنت أثق فى أنك ستتكفل بها ومادامت تحبك ستتغير من أجلك .
كتم مرارته بداخله .. فهي من غيرته لا هو .
وقف لينهي هذا النقاش وجذبها معه
– هيا .. أذهبي الى فراشك ونامي جيدا حتى لا تصبحي متعبة غدا .
****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *