روايات

رواية غابت شمسها الفصل الثامن عشر 18 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل الثامن عشر 18 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها البارت الثامن عشر

رواية غابت شمسها الجزء الثامن عشر

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة الثامنة عشر

أمام باب السجن الخارجي
وقفت مرام بين الحشد المنتظر وهي تشعر بالتوتر .. تنظر الى وجوه أهالي المساجين من حولها وتتساءل عن صواب ما تفعله .. أخبرتها ميمي أنها لن تستطيع الذهاب الى موعد زيارة فودة لأن المسافة ترهقها وأخبرتها كذلك أن أمه مريضة ولن تذهب بدورها وشقيقته لم تذهب اليه أبدا بسبب خطيبها فقررت مرام أن تذهب هي لزيارته متخيله حزنه وأكتئابه عندما لا يجد أحد فى موعد الزيارة .
فتح الباب أخيرا ووقف شرطي يمسك دفترا بيده ينادي على الأسماء حتى جاء على ذكر أسم فودة فرفعت يدها كطالبة مدرسة واسرعت اليه .. رمقها بأكثر من نظرة واحدة وأشار لها بالدخول من خلال باب ضيق وبعد أن عبرته وجدت اثنان من العساكر يقومون بتفتيش الحقائب وجاء الدور عليها فوضعت حقيبتها أمامهم وكان معها علبة من حلواني ديليس بها تشكيلة من المعجنات والحلويات التى يحبها فودة .. تم تفتيش حقيبتها والعلبة ثم سمح لها بالمرور وهي تستمع بضيق للتعليقات السخيفة من كلا المجندين .. اذا كانا يعتبران هذا الأستظراف مغازلة فهما بحاجة الى اعادة نظر .
لمحها فودة من بعيد وهي جالسه وقد كانت تعاني من العيون المركزة عليها من بعض المساجين وزويهم وتصيبها بالمزيد من التوتر , أسرع فودة باتجاهها وقد تهلل وجهه بالفرح .. وقفت مرام ببطئ عندما رأته تحاول أن تستشف ردة فعله على مجيئها فربما يكون غاضبا منها ولكن ميمي أكدت لها أنه ليس غاضبا ويرغب حقا فى رؤيتها .
كان قد نحف كثيرا ولكن حيويته كانت مدهشه ورأت لمعانا من الصحة فى عينيه , أصبح يقف أمامها بزي السجن المميز باللون الأزرق الداكن , غص حلقها بالدموع
– مرام .. أخيرا جأت لزيارتي .
أمسك بيديها بقوة وهو ينظر الى وجهها
– لولا أنني أخشى من أتهامي بفعل فاضح فى مكان عام لأحتضنتك الأن .
أبتسمت ساخرة
– هل تخشى أن يسجنوك ؟
ضحك بمرح
– لن أسعى أبدا لزيادة يوم آخر اضافي أقضيه هنا بل أنني أجاهد لتقليص المدة لا لزيادتها .
ثم أشار لها
– أجلسي .
جلست مرام وهي متعجبه من مرحه وحيويته فقد توقعت أن تجد انسانا هزيلا بائسا يعيش بأكتئاب كارها الدنيا والناس ولكن ما تراه مختلفا بل مذهلا تماما
– كيف حالك يا فودة ؟
– بخير كما ترين .
سألته بشك
– حقا ؟
ضحك مرة أخرى
– أعرف ما تعنين .. كنت تتوقعين مسجونا محطما .. الشاب المدلل كان ليتحطم عندما يصبح فى مكاني .
زفر وقال بجدية
– هذا ما كنت أتوقعه أنا أيضا عندما ألقي القبض علي .. وتلك الأيام الرهيبة التى قضيتها فى مركز التأهيل ولكن بعد أن تخلصت من السموم التى كانت تجري فى دمي صفى ذهني ونظرت الى حياتي نظرة جدية لأول مرة فما أنا فيه ليس مزحة والسنين التى تضيع من عمري أصبحت غالية جدا بعد أن كانت تمر ولا أبالي بها .. عرفت قيمة عمري صدقيني .. وكان لدي معالج نفسي حررني من الكثير من عقدي .
كانت تستمع اليه بتعجب .. التغيير دائما ممكن .. هناك انسان عندما يصبح عند حافة الهاوية ينتبه ويقف … يرجع خطوة الى الخلف ويبدأ بالتفكير فى حياته بطريقة صحيحة .. وهناك انسان آخر لا ينتبه ويسقط ولا يعد عنده مجال للتراجع أو حتى للندم .
سألها بأهتمام
– وأنت كيف حالك .. ولماذا لم يكن أحد قادر على الوصول اليك ؟
كسى الحزن وجهها فقال
– بسببي أنا ؟ وتلك الفوضى التى أحدثتها بينك وبين زوجك ؟
أشتعل غضبها منه فى لحظة وقالت بحدة
– لا تذكرني بحقارتك والا ذهبت وتركتك .
قال بسرعة
– لا أرجوك أبقي .. لقد أشتقت اليك .. ولكن يجب أن تسامحي شاب غبي كان مدمنا بائسا .
خمد غضبها بسرعة كما بدأ بسرعة وقالت
– هل تعافيت تماما من الأدمان ؟
فتح ذراعية على أتساعهما وقال بأبتسامة مشاغبة
– ماذا ترين أنت ؟ .. أخبريني .
أبتسمت وقالت
– أراك بخير حقا .. وهذا يدهشني ويسعدني .
هز رأسه بسعادة وبدا فخورا بما أنجزه
– المهم ماذا عنك .. ما هي أخبارك ؟
أخبرته ما حدث بطريقة آلية فأكتأبت نظراته وقال
– أنا آسف حقا .. كل ما حدث بسببي .
ابتسمت بحزن
– وأنت هنا بسببي .
هز رأسه بقوة رافضا
– بل بسببي أنا .. كل ما حدث لي ولك كنت أنا السبب فيه .. لو لم آخذ نقودك وأختفي لما لجأت لأبي .. والمخدرات أنا من أقحمتك فيها دون أن تدري .. وأنا من قلبت زوجك عليك بتزييف الوقائع له والأفتراء عليك كذبا .. وألقاءه لي هنا جزاء عادل على أفعالي .
نظرت اليه بحيرة حقيقية وقالت
– أدهشتني ولم أكن أتوقع ذلك حقا .. ماذا حدث لك ؟ .. هل مقولة السجن اصلاح وتهذيب حقيقية ؟
قال ضاحكا
– وأكثر من حقيقية فى الواقع .
ثم مال الى الأمام وقال بصوت منخفض
– أنظري حولك وأنت تعرفي .
تلفتت حولها بسرعة ونظرت أولا الى الحراس ووجوههم الصلبة المتجهمة ثم الى وجوه المساجين التى كان فى معظمها عنيفة حتى وان كانوا سعداء ويبتسمون لزوارهم وهنا طرأ خاطر على بالها وقد عادت تنظر الى فودة عاقدة حاجبيها بشدة وسألته بتجهم
– هل يتحرشون بك ؟
حدق بها بعدم فهم للحظات قبل أن ينفجر ضاحكا
– مازلت وقحة .. أعتقدت أنك تهذبت قليلا .
واستمر فى الضحك فقالت بعبث وشفتاها تلتويان بأغاظة
– أنت شاب جميل .. بشرة بيضاء وشعر ناعم مصفر .. كيف تفلت منهم والكثير منهم سيقضي بقية عمره هنا .
قال وهو يحاول السيطرة على ضحكه
– بنقودي .. المال الذي ترسله أمي يحميني .. بل يجعل البعض يعمل لدي كحراس أمن لو رغبت .
قالت ضاحكة بسخرية
– هنيئا لك بأمك .
ثم سألته بجديه
– بالمناسبة .. كيف حالها بعد الطلاق ؟
– أفضل كثيرا .. كان يجب عليها أن تتطلق منه منذ زمن ولكنها كانت ضعيفة .
وحدثها عن والده وذهلت عندما ذكر لها اسم صديقة شقيقته والتى فى مثل سنها وكانت تعمل موديل اعلانات وتابع
– يبدو أن تأثيرك عليه كان فتاكا فقد أصر أن يحصل على شابة صغيرة ليتزوجها .
قالت بوقاحة
– لا تلصق بي التهم .. والدك ليس فى حاجة لمن يفسده لقد وجدته هكذا .
– هل أحببته ؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت ضاحكة
– من .. والدك ؟
– زوجك أيتها الغبية ؟
تجهم وجهها على الفور ..
– لقد تركته .. هربت منه .. وهذا يكفي لتعرفه .
توسل اليها
– هيا مرام .. أخبريني .. لن أغضب وأتصرف كصبي مراهق كما فعلت من قبل .. لقد عرفت سبب تعلقي بك .. أنت صديقتي الوحيدة التى تستمع الي دائما وأجدها كلما أحتجتها .. لم أكن فى حاجة الى أخفاء مشاعري عنك ولم أكن أخجل من أحكي لك كل ما يحدث معي .. حتى علاقاتي القذرة .
ضحكت بخفوت فحثها مبتسما
– هيا أخبريني .. ولا تنسي أننا كدنا أن نكون أقارب .. كنت ستصبحين زوجة أبي ألا تذكرين ؟
نظرت الى وجهه بحدة ورأت الهزر والخبث فى عينيه فانفجرت ضاحكة وسرعان ما شاركها الضحك وقد لفتا أنظار السجناء والحراس من حولهم
هكذا كانا دائما يضحكان على مآسيهم .. يسخران من واقعهم المرير , قالت وهي تمسح دموع الضحك من عينيها
– يا ربي .. هذا صحيح .. لا أتخيل الوضع الأن .. كيف كنت سأفعل ذلك ؟
قال باشمئزاز
– أغغغغ .. أبي أيتها البائسة .. لو تقبلين كلبا كان سيكون أرحم .
ضربته على يده
– كلبا أيها المقزز .. أصمت .
– أخبريني اذن عن زوجك والا لن أصمت .
زفرت بقوة .. لا تدري كيف ستخبره بهذا فالى وقت قريب كانت قد أقنعت نفسها بأنها لم تعد تحبه لذلك لا تريد معرفة أي شئ عنه ولكنها وجدت أن خشيتها هذه نابعة من خوفها ومما قد تعرفه .. أنه طلقها وتزوج من غيرها .. وسيدمرها هذا
– أنت مازلت تحبينه .
كان تقريرا وليس سؤالا فهزت رأسها ايجابا وقالت
– ولكنه لم يعد يريدني حقا .. لو كنت أعلم أن لي أمل معه لبقيت قربه .. حاولت كل شئ تقريبا .. تحملت شكوكه وأهاناته .. غفرت له قسوته وذله لي ولكن فى النهاية لم أستطع التحمل فتركته .
أمسك فودة يدها بقوة بيده
– أسمعي .. ستتم محاكمتي مرة أخرى ومحامي طمأنني أن الحكم سيخفف نظرا لظروف أدماني وعدم وجود سوابق لي .. سأقضي بضع سنوات هنا بالتأكيد ولكني سأخرج فى النهاية ولن نكون عجوزين جدا .. سآخذك أنت وأمي ونسافر .. ربما الى تركيا عند خالي لنبدأ حياتنا هناك معا .. سأرعاك جيدا وسأكون رجلا مسؤولا صدقيني .. لا تخشي شيئا .
ابتسمت له ولمعت الدموع فى عينيها وقالت بصدق
– أنت صديق رائع وليت الظروف كانت مختلفة لعاش كلا منا حياة جيدة .
ثم أخبرته عن ميمي وما حدث معها وكان رد فعله مشابها لردة فعلها غير أنه راح يسب سامح بألفاظ بذيئة أضطرت أن تصيح به ليتوقف عن التلفظ بها أمامها
– ألهذا لم تعد تأتي لزيارتي ؟
– أظن أنها خجلة من نفسها .. تشعر بأن الناس كلها تحتقرها وتشمئز منها .
جز على أسنانه بغضب
– آه لو كنت خارج ذلك المكان لذهبت اليه وكسرت له عنقه ذلك ال ..
وسب مرة أخرى فقالت بضيق
– توقف عن السباب والا سجنوك بتهمة السب والقذف .
فى تلك اللحظة وقعت عيناه على علبة الحلويات وقال بتجهم
– ماذا أحضرت لي ؟
أخرجت العلبة من الكيس
– مفاجأة .
تهلل وجهه
– أنت رائعة .. أمي لا تجلب لي سوى المحاشي والمشويات … ولكن أنت تفهمينني .. حلواي المفضلة .
فتح العلبة بلهفة وأخذ قطعة دنش وراح يأكل منها بتلذذ وبعد القضمة الثانية توقف وكان ينظر لشئ خلفها فاستدارت ورات طفلة تجلس على ركبتي والدها المسجون وعيناها على فودة فأشار لها لتأتي فقفزت وأتت اليه مسرعة فقرب العلبة منها
– خذي واحدة .
شبت الطفلة على أطراف أصابعها وبدت محتارة فى الأختيار حتى أستقر رأيها على قطعة كبيرة من الكرواسون مغطاة بالشكولا ومدت أصابعها الصغيرة وحملتها بحرص .. ابتسمت مرام وكذلك فودة الذي قال
– خذي واحدة أخرى .
وعلى الفور مدت يدها الأخرى وأخذت قطعة دونتس مرشوش بالسكر واسرعت عائدة الى والديها ووجدت والدها يرفع يده بالتحية لفودة الذي رد عليه بمثلها ثم عاد للأكل من جديد ودعاها كي تشاركه ولكنها رفضت .. توقف مرة أخرى عن الأكل وهو ينظر الى ما وراءها بدهشة هذه المرة ولاحظت أن السجناء من حولهم ينظرون الى نفس الأتجاه بفضول وقبل أن تستدير وجدت مأمور السجن بنفسه يتبعه أحد الضباط يقف أمامهما ويسألها
– السيدة مرام أحمد سلام أليس كذلك ؟
نظرت اليه بقلق وقالت
– بلى أنا هي .
قال
– لقد أنتهى وقت الزيارة فهل تتفضلين معي أرجوك .
وقفت ببطئ وهي تنظر حولها وتتساءل .. لماذا هي بالذات من جاء بشأنها وبقية الزوار مازالوا فى أماكنهم وقف فودة بدوره وسأل
– هل حدث شئ ؟
نظر المأمور اليه بلا مبالاة
– تستطيع العودة الى العنبر يا فودة فقد أنتهى وقت الزيارة بالفعل .
وأشار الى الحارس ليأخذه فنظر الى مرام وقال بسرعة والقلق على وجهه
– سأحاول الأتصال بك لأطمئن عليك .
ناولته علبة الحلوى قبل أن يذهب وابتسمت له تطمئنه ومن داخلها كانت مرتعبة
.. هل ستسجن ؟ .. هل كانوا ينتظرون ظهورها لألقاء القبض عليها ؟
لم تخرج من المكان الذي جاءت منه لذلك تعاظم قلقها ووجدت نفسها بعد لحظات تسير خلف مأمور السجن فى أروقة شبه معتمة حتى وصلا الى أحد المكاتب فأشار اليها لتدخل قبله وقال
– تفضلي .. ستنتظرين هنا قليلا .
ولدهشتها أغلق الباب دونه وتركها وحدها .. وقفت لبعض الوقت تنظر الى الباب المغلق بأطراف مرتجفة ثم سارت فى الغرفة وألقت بنفسها على المقعد المواجه للمكتب العتيق تنتظر برعب من سيأتي للتحقيق معها .
مرت نصف ساعة كاملة وأوشكت مرام على البكاء ولم تعد أعصابها تحتمل أكثر وقفت وذهبت الى النافذة الوحيدة بالحجرة المقسمة بقضبان حديدية سميكة وتطل على ساحة خلفية خالية وقد وضع فى زواياها بعض أصص الزرع لكي تعطي للمكان حياة .. دمعت عيناها وارتجفت شفتاها .. ها هي قد دخلت الى السجن بقدميها تحجزها تلك القضبان عن حريتها وكادت أن تبدأ بالصراخ عندما سمعت أخيرا الباب يفتح من خلفها فأستدارت بسرعة وشهقت من المفاجأة ..
وجدت صالح يقف يسد الباب بطوله الفارع .. راح قلبها يخفق بسرعة جنونيه وهي لا تصدق وفجأة أندفعت اليه وألقت بنفسها على صدره تطوق خصره بذراعيها بقوة ولولا هشاشتها لآلمه تمسكها به بهذا الشكل .. أراحت رأسها على صدره وأغلقت عيناها تشعر بأنها قد أصبحت بأمان , قال بلهجة ساخرة
– هذه المواقف المؤثرة لا تليق بمكان كهذا حبيبتي .
بذلت مجهود لكي تجبرنفسها على الأبتعاد عنه ورفعت وجهها بتردد الى وجهه ورأته صارما متجهما فأمتقع لونها من جديد .. ربما لم يأتي لأنقاذها وأنه هو من وشى بها ..وجعلتها هذه الفكرة تتراجع الى الخلف ويعود الخوف ليطبق على أنفاسها وسألته
– ماذا تفعل هنا ؟
تقدم الى الداخل ولاحظت توتره .. وكيف عرف أنها هنا ؟
– هذا سؤال أنا من يجب عليه توجيهه لك .
ثم استدار اليها وقال بغضب
– كيف تجرؤين على المجئ لزيارة ذلك الولد ؟
سألته
– وكيف عرفت ؟
ضحك ساخرا
– كنت أظنك ذكية ولكن أتضح لي العكس الأن .. هل ظننت حقا أنك تستطيعين الهرب مني وأكون عاجزا عن ايجادك .. أعترف أن هناك أيام مرت كنت لا أعرف أي شئ عنك ولكن فى النهاية وجدتك .
شحب وجهها .. صالح كان يعرف بمكانها ورغم هذا تركها ولم يأتي اليها وهذا يؤكد أحساسها أنه لم يعد يريدها .ولكن زيارتها لفودة هي من دفعته للظهور .. كبريائه لا يتحمل أن تعود لغريمه .. حبيبها السابق كما كان يظن .
– قلت ما الذي جاء بك الى هنا لرؤيته .. هل اشتقت اليه ؟
قالت وهي ترتجف
– فودة مجرد صديق ولم يكن بيننا أي شئ آخر أبدا وجئت لرؤيته لأنني ظننت أنني مدينه له بذلك بعد أن كنت السبب فى دخوله للسجن .
صر أسنانه بصوت مسموع وقبض كفيه بقوة وكأنه يمنعها عن الأمساك بها وهزها وتراجعت مرام الى الخلف كرد فعل غريزي فقال لها
– لن تأتي الى هنا مرة أخرى .. مفهوم .
أستجمعت بعض من شجاعتها وقالت تتحداه
– سأفعل ما يحلو لي .
هذه المرة لم يستطع كبح نفسه وأمسك بذراعها بقسوة
– لا لن تفعلي .. لن تجدي من يمنحك تصريحا بالزيارة بعد الأن .. كان سهوا مني أعذريني وقد صححته .
تركها وقال بعصبية
– هيا بنا من هنا .. فكما قلت هذا ليس مكان لعتاب الأحبة .
كان يسخر .. أخذت حقيبتها وخرجت أمامه من حجرة المكتب وقابلهما المأمور بالخارج وتبادل التحية مع صالح الذي شكره بشدة وحيا مرام كذلك فردت عليه دون أن تذكر ما قالته بالفعل .
سار صالح فى الرواق بخطوات واسعة شبه عسكرية ومرام تسرع للحاق به .. قابلا أثناء سيرهم بعض الأشخاص من ضباط وعساكر كانوا ينظرون اليهم بفضول وبدا صالح أنه يعرف طريقه فى المكان جيدا , أخيرا خرجا الى الهواء الطلق وأصبحا فى باحة رصت فيها سيارات الترحيلات وسيارات شرطة وأخرى ملاكي وأستطاعت أن تميز سيارة صالح بسهولة من بينهم ولدهشته كانت قد سبقته اليها وكأنها تتعجل الرحيل من هنا .. وبعد خروجهم من البوابة بعد التفتيش بالطبع والأطلاع على الهويات الشخصية خرجا الى الطريق وهنا اتسعت عيناها من القلق .. وتساءلت الى أين سيذهب بها .. سترفض العودة معه الى المزرعة .. لن يجبرها شئ على ذلك .. أنها تكره ذلك المكان .
لم يخرج من المدينة فعادت لتستريح فى مقعدها ورأته يرمقها بنظرة ساخرة وقد لاحظ معاناتها فجزت على أسنانها بغيظ .. تكره أن يتلاعب بها وكأنها فأر بين براثن قط .. فأنتصبت فى جلستها وقالت والسيارة تشق طريقها فى شارع أبي قير والزحام قبل الظهيرة لم يكن قد أشتد بعد
– أنزلني فى أي مكان هنا .
رفع حاجبيه بدهشة ونظر اليها متسليا
– ولماذا هنا ؟
– هذا ليس من شأنك .
زادت ثقتها فى نفسها من تسليته
– حقا ؟ .. أنه من صميم شؤوني .. فأنت زوجتي اذا كنت قد نسيت .
نظرت اليه بدهشة كانت ستبدو أيضا مضحكة لها لو رأت وجهها فى هذه اللحظة
– وهل مازلت زوجتك ؟
– وهل وصلك خبر يقول عكس ذلك ؟
قالت بتجهم
– ظننت أك طلقتني لكي تتزوج .
– ولماذا يجب أن أطلقك لكي أتزوج ؟
توقف قلبها عن الخفقان .. أنه يستطيع الزواج بالفعل دون أن يطلقها .. كم هي غبية وتلك الحقيرة رباب سترضى بأي وضع يجعلها تحصل عليه فقالت بحدة غاضبة
– وهل تزوجت ؟
ضحك قائلا
– أنا متزوج بالفعل .
فتحت فمها لتعاود هجومها ولكن عبارته أستوقفتها فهي تحمل معنيان فايهما يقصد فاستفسرت منه بحذر
– وماذا يعني هذا ؟
فهم مقصدها وقال
– أنا لست رجل مزواج ولا أحب تعدد الزوجات .. لا أقول أنني لا أؤمن به أستغفر الله ولكني أكتفي بما لدي .
ثم رمقها بنظرة أشعلت النار بجسدها
– وما لدي يعجبني ويكفيني .. وأنا راض به .
أعاد أنتباهه الى الطريق وتابع بعبث
– حرمت منه لوقت طويل ولكن لا بأس .. أستطيع أن أعوض ما فاتني .
أصبحت تحدق به بذهول وفمها مفتوح فقال
– أطبقي فمك حبيبتي .
أطبقت فمها ولكن بغضب وقد بدأت تعي أنه يلهو بها وهي لن تسمح له فقالت بعنف
– ولكني لا أريدك .. وأصر على الطلاق .
رد بهدؤ
– بالطبع هذا من حقك .
فاجأها رده من جديد .. هذا يعني أنه موافق ؟ لم تعد تفهم مسار أفكاره ولكنه تابع بسرعه
– كما من حقي أن أرفض .
صفعات متتاليه من الكلمات لم تعد قادره على ملاحقتها فرفعت رأسها بكبرياء وقالت
– ومن حقي الأصرار وان رفضت سألجأ الى المحكمة .. سأخلعك .
أنفجر صالح ضاحكا بشدة فأغتاظت
– أعني ما أقول يا صالح .
قال محاولا السيطرة على ضحكه
– لن تجدي محام واحد سيقبل أن يتولى قضيتك .
قالت باستنكار
– وكيف ستفعل ذلك .. هل ستهددهم أم ستستغل نفوذك لترهيبهم ؟
قال ببرود ووقد تصلبت ملامحه ولم يعد يمزح
– الأثنين معا .
قالت بمرارة
– تخيلت أنك كنت ضابط شريف لا يستغل نفوذه وعلاقاته فى ترهيب الناس والنيل من خصومه .
– أنا هكذا بالفعل .. لم ألجأ يوما لتلك الأفعال .
سألته بحدة
– ولماذا الأن ؟
رمقها بنظرة سريعة مشتعلة كسابقتها وكان لها نفس التأثير
– أنت الأستثناء الوحيد للقاعدة عندي .. سأفعل أي شئ يجعلني أحتفظ بك حتى لو كان علي التخلي عن كل مبادءي .
شئ ما داعب قلبها وجعلها تشعر بالفرح ولكن حرصها وما عاشته على يديه جعلها تقول بمرارة
– المزيد من الأنتقام ؟
هز كتفيه
– سميه كما تشائين .. ولكن النتيجة لدي ستظل واحدة .. أنت لي حتى نهاية حياتي أو حياتك .. تأقلمي مع هذا الأمر سريعا حتى يرتاح كلانا .
قال ما قاله بهدؤ شديد ولكن ما كان يحدث بداخله هو بركان من عدة مشاعر كانت تنصهر وتذوب وتفور وتحرقه .. لم يدرك كم أشتاق اليها وأفتقدها حتى ألقت بنفسها بين ذراعيه فى مكتب مأمور السجن وكان المكان غير مناسب ليعبر لها عن شوقه فلجم الوحش الذي زأر بداخله وتحكم فى أنفعالاته بيد من حديد ومازال عند قراره .. لن يعيدها اليه الا اذا أصبحت رغبتها به تساوي رغبته بها .. لا يريد أن يكون المانح الوحيد .. ولا يقصد ما يخص العلاقة الجسدية فهي بهذا ترضيه ويرضيها بل يفكر فى المشاعر وقد رأى فى تغيرها بداية جيدة لينطلق منها .. فخلال الشهور الماضية كان قادر على أسترجاع ذكرياتهما القليلة معا خاصة تلك التى سبقت أكتشافه لخداعها وأدرك أن من المستحيل أن كل ما كانت تبديه نحوه تمثيل فهناك بعض الأوقات كانت فيها على طبيعتها ومشاعرها غير مزيفة كغيرتها عليه ولهفتها اليه كلما كانت بين ذراعيه .. ربما استطاع أن يحرك مشاعرها تجاهه وهو مصر على أكتشاف ذلك خلال الأيام القادمة.
فوجأت مرام بالسيارة تتوقف أمام بيت مها
– أنت تعلم أين أعيش ؟
قال بأستياء شديد من سؤالها الذاهل
– لست أنا بالرجل الذي يجلس ببيته وينام قرير العين ولا يعرف أين تنام زوجته .
ترجل من السيارة وبعد لحظات من الذهول تبعته ورأته يغلق السيارة ويتوجه الى داخل البناية قبل أن يقف وينظر اليها بنفاذ صبر
– هل ستقفين مكانك كالتمثال .. هيا .
تحركت بطريقة آلية وتبعته .. كان يعرف أين تسكن وفى أي طابق ووقف بثقة أمام باب الشقة وقال آمرا
– أفتحي الباب .
قبضت على حقيبة يدها بقوة وفكرت بأدعاء نسيانها للمفتاح ولكن لو أخذ الحقيبة وفتحها سيكتشف كذبها فقالت
– خالتى مها لا تحب أن يدخل الغرباء الى منزلها وقد حذرتني من جلب ضيوف الى بيتها وهي غير موجودة .
مط شفتيه
– هذا من حقها بالطبع .. ولهذا أخذت اذنها وهي تعلم بوجودي هنا .
تراجعت بحدة الى الخلف وقالت بشك
– أنت تكذب .
– اتصلي بها لتتأكدي ولكن لا تجعلينا نقف هنا الى الأبد .
أخرج هاتفه من جيبه بنفاذ صبر
– هل أتصل لك بها ؟
– وهل معك رقم هاتفها ؟
هز رأسه بتأفف وأيقنت من غباءها .. بالطبع معه رقم هاتفها .. أستسلمت وأخرجت المفاتيح من حقيبتها وهي تسأل نفسها ما الذي يريده منها حقا والى ما يسعى .. لقد تعبت حقا .. ظهر كالأعصار وعصف بها وجعلها تشعر كما لوكانت معلقة من قدميها فى الهواء .
أغلق باب الشقة من خلفه فأقشعر بدنها خوفا واثارة .. جسدها الغبي وقلبها الأغبى منه أصبحا خارج السيطرة ومهما حاولت أقناع نفسها بأنها قادرة على السيطرة عليهما يثبتا لها مدى فشلها بمجرد أقترابه منها .. خائنان .
– دليني على المطبخ .
سألته بدهشة ساخرة
– غريبة أنك لا تعرف مكانه .
أبتسم رغما عنه أبتسامة أذابتها فأشاحت بوجهها عنه وقالت بتبرم وهي تسير أمامه الى المطبخ
– من هنا .
وقفت فى المطبخ عاقدة ذراعيها أمام صدرها
– ماذا تريد ؟
– أنت .
رفعت رأسها اليه بحدة وقد أتسعت عيناها فقال بسرعه ونظرات عينيه مازالت على عبثهما
– أنت سألت وأنا أجبت .
تسارعت أنفاسها وقالت من بين أسنان مطبقة
– أقصد ماذا تريد أن تشرب ؟
أقترب منها فحلت ذراعيها وتراجعت الى الخلف فحاصرها عند خزانة الأطباق وكان وجهه يضحك منها ونظرة مظلمة تخيم على عينيه
– حقا تريدين أن تعرفي ؟
كادت أن تبكي وقلبها ينبض أسفل حلقها .. أغلقت عيناها .. حسنا فليفعل ما يريد لم تعد تهتم بمقاومته ووقفت تنتظر .. شعرت بسترته تلامس جسدها وأنفاسه صارت دافئة على وجهها فرفعت وجهها تستعد لأستقباله .. همس ضاحكا
– سأشرب قهوة .. هل لديكم منها ؟
ظلت على وضعها للحظات ثم فتحت عينيها لتقابل عينيه المليئة بالمرح والسخرية فما كان منها الا أن دفعته بعيدا عنها بقوة فتراجع الى الخلف
– أصنعها لنفسك اذن .
وتمتمت بغيظ بصوت منخفض استطاع سماعه
– يالك من حقير .
خرجت من المطبخ يلاحقها صوت ضحكته .
****
دلفت الى الحمام وغسلت وجهها ويديها ثم ذهبت الى غرفتها وأغلقت الباب عليها بالمفتاح .. كانت غاضبة من نفسها .. على ضعفها وغباءها سمحت له بالسخرية منها .. خلعت كنزتها واستبدلتها بأخرى .. مشطت شعرها وبطته بقوة خلف رأسها ولم تضع أي زينة على وجهها حتى لا يظن أنها تفعل ذلك لتغريه يكفيه غرورا بنفسه وأحراجه لها منذ قليل فقد ظنت أنه سيقبلها ثم سخر منها .
صنع صالح القهوة لكلاهما وبعد أن أنتهى من شربها وقف وأعلن أنه حان وقت رحيله فدهشت ولكنها حاولت عدم اظهار دهشتها وقبل أن يخرج من باب الشقة قال بجدية
– أتصلي بوالدك .. أنه بحاجة الى سماع صوتك والى رؤيتك .
سألته بهفة
– وهل ستعود الى المزرعة ؟
لمس وجنتها بأصابعه وقال بخبث
– لا .. لا تأملي فى ذلك .. أنا باق هنا .
سألته بعبوس وقد تجهم وجهها
– الى متى ؟
مط شفتيه ورد
– حتى آخر عمري ان أحتاج الأمر .. لا أدري .
مال على وجنتها وقبلها وقد تجمدت
– لن تتخلصي مني بتلك السهولة يا حبيبتي الماكرة .. وكما قلت .. سأستخدم كل ما تطاله يدي وكل ما أقدر عليه لأبقيك متلصقة بي الى الأبد .
أغلق الباب وظلت واقفة فى مكانها ولم تدرك أنها كانت تحبس أنفاسها الا عندما بدأت تشعر بضيق فى صدرها فشهقت بقوة .
ماذا ينتظرها على يديه يا ترى وما نوع الهجوم الذى ينوي أن يشنه على قلبها الذي تعرف جيدا أنه لن يتحمل ولن يقاوم والذي سرعان ما سيرفع راية أستسلامه ويخذلها فى أول معركة .. تأوهت .. حتى أنه استسلم منذ الأن .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *