روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون البارت الحادي والعشرون

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء الحادي والعشرون

كسرة وضمة وسكون
كسرة وضمة وسكون

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة الحادية والعشرون

خرجت رقة من أتيليه بيلا وهي تشعر ببعض الأمل والتفاؤل .. ولكن لم تمهلها تلك اليد الغليظة التي قبضت على رسغها وجذبتها بقسوة لسيارة سوداء مجهولة أن تتمادى في تفكيرها وشعورها بالسكينة أخيرًا!.
ولحظات وكانت تلك السيارة تسرع في طريقها بعدما تمت مهمة الخطف بنجاح.
وبعد فترة كبيرة داخل السيارة وهي تحاول الفكاك من تلك الأيادي الغليظة التي تمنعها من الحركة بعدما عصبوا عينيها كي لا ترى شيء، وقفت السيارة بعد سير أخذ اكثر من ساعة بمكان مهجور وكأن هجره البشر!.
وأخرج أحد الرجال رقة بطريقة عنيفة من السيارة، بينما هتف صوت غاضب كانت تعرفه حق المعرفة :
_ أبعدوا عنها ومحدش يقربلها.
ابتعد الرجل عنها وأطاع الأمر، بينما تجمدت رقة مكانها ويديها مكبلتان بقسوة، وابتلعت ريقها بخوف وهي تسمع خطوات تقترب إليها، وبلحظة أبعد شوقي الغمامة عن عينيها ونظر لها بنظرة عميقة خالية من أي حقد أو شر! .. فنظرت له رقة وصاحت فيه بوحشية وغضب ودموعها تغرق وجهها :
_ كنت متأكدة أن العملة دي أنت اللي وراها يا حقير على الأقل كنت افتكر أني انقذتك من السجن!! .. لكن القذر هيفضل طول عمره قذر.
تركها شوقي تقول ما عندها بينما ظل هو على صمته ناظرا لها بألم وعذاب، وحاولت رقة أن تضربه بكلتا يديها المكبلتان ولكنه أوقفها، ثم أخرج سلاحا من جيب معطفه جعلها تضيق عينيها بذهول ورعب وظنت أن نهايتها باتت حتمية، فنظر لها شوقي مرةً أخرى بنظرة لم تفهمها، وبعدها ابتعد عنها خطوات للخلف وعينيه عليها ثابتةً.
اغمضت رقة عينيها بذعر وهي تتمتم الشهادة وجسدها يرتجف بعنف شديد، وعندما أنطلقت عدة أعيرة نارية لوهلة تخيلت أنها انتهت لامحال ، ولكنها استوعبت أنها سالمة لم يضرها أي منهم .. وبتلك اللحظة أخذها شوقي خلف ظهره وجرها وهو يشهر سلاحه نحو الرجال الملقون أرضا والدماء تنزف من أذرعهم وأرجلهم حتى فقدوا الوعي تدريجيا .. وبعدها نظر حوله وهو يقبض على سلاحه ويعاين أي تدخل لرجال آخرين ربما أتت بهم نهال لمراقبته دون أن يعرف.
وبعدما تأكد أن لا يوجد آخرين بالمكان التفت لها وحرر يديها قائلًا بعجالة :
_ لازم نمشي من هنا بأسرع وقت قبل نهال ورجالتها ما يطبوا علينا.
نظرت له رقة بذهول ولما يفعله، وقالت بصدمة:
_ يعني أنت مش هتأذيني؟!
نظر لها شوقي بألم وقال:
_ تتقطع إيدي قبل ما تطولك بأذي ياست البنات، أنا يوم ما اتهجمت عليكي كنت سكران ومش في وعيي بعد ما عرفت أن اتكتب كتابك وبقيت زي المجنون .. وعشان تصدقيني كلها نص ساعة بالكتير وحازم بيه هيكون هنا ، أنا اتصلت بيه وفهمته كل حاجة ، هنخرج ونقابله على الطريق عشان تبقي في أمان، مش هنفضل هنا.
نظرت له رقة بأسف وقالت وعينيها دامعتان :
_ حقيقي أنا أسفة على إهانتي ليك..
ابتلع شوقي غصة مريرة بحلقه وتحكم بدموعه قائلًا :
_ متتأسفيش .. كفاية عندي أنك ما تشوفنيش وحش وبلطجي تاني ، يمكن لو كنتي ادتيني فرصة واحدة كنتي عرفتي حقيقتي ، وعرفتي اللي جوايا و..
وسقطت دموع شوقي بإنكسار وحسرة، ومسح عينيه سريعا وهو يقول :
_ تعالي نمشي من هنا قبل ما حد يجي.
وفجأة انتبه الأثنان لصوت نهال وهو تضرب كفيها ببعضهما في استمتاع للمشهد وقالت :
_ حلو أوي المشهد الشاعري ده.
وضحكت بصوتً عال ثم قالت بنظرة شرسة منتقمة :
_ اوعى تكون فاكرني غبية ومكشفتكش يا شوقي!، أنا سيبتك لحد ما تجيب أخرك وقعدت أتفرج على غبائك.
اتسعت عينان رقة بصدمة، بينما خطف شوقي رقة خلف ظهره وأشهر سلاحه بوجه نهال ورجليها الأثنان اللذان يقفان خلفها بخطوات قليلة ويصوبان سلاحهما نحوه قائلا بتهديد غاضب :
_ اللي هيقربلها هغربله، مش هخلي فيه حتة سليمة.
وقفت نهال بنظرات شرسة أمامه قائلة :
_ يمكن غباء مني أني أعمل كده، لكن أنا لحد دلوقتي مش عايزة أخسرك، البت دي هتموت سواء كنت معايا أو معاها .. وبعدين أنت باقي عليها اوي كده ليه ؟! .. أنت عايز تنقذها عشان تروح وتتجوز واحد تاني وانت بكل غباء تقعد تتفرج !.
رد شوقي بصوتً غليظ وهو ينظر لها بتهديد :
_ قولي اللي تقوليه، لكن وعهد الله اللي هيمس منها شعرة ما هيكفيني فيه رقبته.
وقبل أن ترفع نهال يدها أشارة لرجليها أن يطلقان الرصاص ، كان شوقي أسرع منهما وصوب على أحداهما بلحظة بينما الآخر فر هاربا ولكن سبقه عيار ناري اصاب كتفه الأيسر وأصبح الاثنان ممددان على الأرض ويتأوهان بألم وبدوائر دماء مخيفة حولهما، التهبت نظرات نهال بالغضب المميت واقتدحت عينيها الشرر وهي تخرج سلاحها وتشهره بوجهه قائلة :
_ أنت مش بس خسرتني ، أنت هتخسر حياتك كمان ومش هتطلع من هنا حي لا أنت ولا هي، ويحصل اللي يحصل حتى لو هدخل السجن.
وأصبح شوقي ونهال يصوبان أسلحتهما بوجه بعضهما بخطر مؤكد، لتجد نهال حيلة سريعة وتتظاهر بالأنهيار وهي تخفض مسدسها وتبك وتترجاه أن يتركها وهي تعرف أنه لا يريد قتلها، وكل ما يريده الخروج من هنا وانقاذ حبيبته، حتى استطاعت بلحظة خاطفة أن تأخذ حفنة من الرمال وتلقيها بوجه شوقي الذي أختل توازنه وتألمت عيناه وفرك جفنيه بإنزعاج، وبتلك اللحظة اطلقت عليه الرصاص !.
وجذبته رقة للجهة الأخرى عندما انتبهت لفخها، واصابت الرصاصة كتفه بدلًا من منتصف صدره، فسقط شوقي متألمًا والدماء تنزف من كتفه بغزارة .. وقبل أن تندفع نهال بقتله أوقفتها سيارة أشهد التي توقفت منذ دقيقة أمام ذلك المكان المهجور ..
وحينما ترجل اشهد من سيارته مسرعا تطلعت به نهال والمسدس بيدها لم تحاول حتى أن تخفيه ، وكان في أقترابه أنقضاض مخيف سيفتك بها أن طالتها يداه ، حتى اقترب أشهد لرقة التي تبك خوفا على شوقي وتحاول أن تكتم مجرى الدم بأي طريقة ممكنة .. حاوطها أشهد بذراعيه في ضمة آمنة وهو ينظر لنهال بشراسة وأنتقام ..
فصرخت نهال قائلة بوعيد :
_ هموتها ياأشهد .. لأ ، أنا هموتك أنت وأخلص من العذاب ده.
وقف أشهد واقترب منها بغضب وكانت نهال تبك وتصرخ وهي توجه سلاحها نحوه، وعندما اقترب منها وقف أمامها قائلا بعنف :
_ أنا قدامك أهو، لو تقدري تعمليها اعمليها.
نظرت له بقسوة وهي تصوب سلاحها نحوه، فصرخت رقة وهي تركض له بمحاولة أن تبعده عن تلك المجرمة قبل أن تقتله، وحينها جرها أشهد خلف ظهره وقال لنهال بغضب شديد :
_ أقتليني ، ايه اللي مانعك ! ، ولا فكراني هخاف منك !.
قالت نهال بانهيار وهي تلقي بسلاحها بانكسار :
_ أنت عارف ومتأكد أني عمري ما هقدر أضرك ..
رد عليها أشهد بصوت عال وغضب :
_ مش عشان حبتيني ،عشان أنتي أنانية وعندك هوس انك تمتلكيني ، أنا بحمد ربنا كل يوم انك بعدتي عني وخلتيني افوق من الوهم اللي عيشت فيه كتير .. الوهم اللي أنتي مصممة أنه مكنش وهم وكان حقيقة ! .. والحقيقة أني محبتكيش وانتي مكنتيش أكتر من فترة في حياتي وانتهت من سنين ونسيتها .. والحقيقة الأهم أن الأنسانة الوحيدة اللي حبيتها هي اللي أنتي خطتي بكل الطرق إنك تبعديها عني .. وفي الآخر لما فشلتي عايزة تخلصي منها للأبد.
اقتربت منه نهال بعينان معذبتان وقالت بصراخ :
_ طول السنين اللي فاتت مكنتش مصدقة حاجة في حياتي غير إنك لسه بتحبني ومستنيني ، عشان اكتشف في الآخر اني كنت معيشة نفسي في وهم كبير .. ولما عرفت اخلص من السجن اللي كنت فيه وجيتلك لقيتك غرقان في حب واحدة غيري .. أنا مكنتش متخيلة أنك ممكن تحب غيري يا أشهد !! .. ما تخيلتش لحظة أنك ماحبتنيش أصلًا !.
رد عليها أشهد بحدة وقال :
_ غرورك مكنش مخليكي مصدقة كلامي ،قولتلك كتير أبعدي عني أنا نسيتك وكنتي مصممة بمنتهى الغباء اني لسه بحبك ! .. في الوقت اللي كنت لقيت فيه الانسانة اللي أتمنيت أقابلها طول حياتي وحبيتها من أول ما شوفتها.
ارتفع صوت سيارات الشرطة وسريعا امتلأ المكان بأفراد الأمن ونقلوا شوقي لأحدى السيارات لاسعافه حتى يصلون للمشفى ومعه الرجال الآخرون بأحدى العربات،
وركض الضابط حازم لشقيقه أشهد ورقة وهو يطمئن عليهما، بينما تطلعت بهم نهال بنظرة شديدة القهر وقالت وكأنها مغيبة عن هذا العالم :
_ مش هقدر أعيش مع الحقيقة دي يا أشهد ، مش هقدر أعيش وأنا شيفاك مع واحدة غيري .. مش هقدر أتقبل أنك ما حبتنيش وأني مكنتش حبك الحقيقي!.
ويبدو أن حازم قد شعر بما ستقدم نهال عليه وهي بهذه الحالة النفسية السيئة واقترب ليسرق المسدس من يدها، ولكنها اسرعت وفرغت محتواه برأسها لتسقط بعدها جثة هامدة وقد ارتكبت أبشع الجرائم بحق نفسها !!، صرخت رقة وفقدت الوعي من ما رأته وهذا الشيء الذي جعل أشهد يخرج من صدمته بما فعلته نهال بنفسها !.
*********************
بعد ساعاتٍ طويلة ..
انتفضت رقة في سريرها الطبي وصرخت ، وبعدها وجدت أشهد يسرع جالسا أمامها على الفراش وأخذها بضمة قوية بين ذراعيه هامسا :
_ حبيبتي أنتي في أمان .. أنا جانبك.
نظرت له رقة وهي تمرر أصابعها على وجهه بابتسامة غارقة بالدموع، ويبدو أن في خلال نومها قد رأت كابوسا قد لحقه الضرر به، فقالت ببكاء :
_ يعني أنت بجد كويس ، هو أنا بحلم !.
ابتسم لها أشهد ثم قبّل جبينها وهمس :
_ لا مش بتحلمي ، أنا بخير وأنتي الحمد لله بخير.
تنفست رقة بعمق، ثم تذكرت ما مرت به منذ ساعات، فأنقبض قلبها واسرعت تسأل عن شوقي، فأجاب أشهد قائلًا :
_ هو برضو كويس .. الحمد لله ، أنا عرفت أنه اتصل بحازم ، وحازم اتصل بيا وقالي وبقيت سايق عربيتي زي المجنون وأنا بدور على المكان اللي خطفوكي فيه ..
ادمعت عين رقة وهي تنطق بتردد اسم نهال ، فوضع أشهد أصبعه على فمها وقال :
_ هي اللي اختارت نهايتها يا رقة، محدش فينا كان عايز ولا متخيل الأمور توصل لكده، فالأفضل ما نجيبش سيرتها وربنا يتولى أمرها .. أنا اللي يهمني دلوقتي أنك بخير يا حبيبتي.
ارتمت رقة بين ذراعيه وتنهدت بعمق كأن جبالًا من الألم والشك والحيرة بينها وبينه قد أختفت بغمضة عين ..
*******************
وباليوم التالي …
وعلى قبر نهال .. وقف كريم وبجانبه بيلا ناظران بشرود .. حتى قال كريم بتنهيدة عميقة بعدما اعترف لبيلا بكل شيء ، من البداية حتى الآن :
_ رغم أني مكنتش أحب النهاية دي لنهال ، لكن الحقيقة أن موتها هو نهاية كل المشاكل اللي حصلت واللي كانت ممكن تحصل وبطرق أبشع لو كانت عاشت .. أنا اعترفتلك بكل شيء يا بيلا ، باللي مقدرتش أقوله قبل النهاردة .. ومش هجبرك تفضلي معايا وتسامحيني .. بس هقولك أني حبيتك بجد ، وكنت أتمنى نتقابل في ظروف احسن من كده وما يبقاش ورانا ماضي كل ما تفتكريه تزعلي مني وتشكي فيا ..
ونظر لها كريم بألم وقال بمنتهى الصدق:
_ قبل ما أمشي عايزك تعرفي أنك تتحبي بجد ، وتستحقي كل شيء جميل وحقيقي ، تستحقي تحسي بالأمان والثقة مع انسان ما تشكيش لحظة في محبته ليكي ، ولا تفتكري ليه شيء يوجعك .. أنا أقل من أنك تحبيني .. والحقيقة تبقي غبية لو فضلتي تحبيني بعد اللي عرفتيه .. بس أنتي بالنسبالي هتفضلي أحلى حاجة حصلتلي في حياتي .. وهفضل أحبك ومش هعرف أنساكي أبدًا … مع السلامة وأتمنى تكون الحياة مخبية لينا بداية جديدة في يوم من الايام.
وابتعد كريم خطوات عنها وتوجه نحو سيارته القريبة ، حتى نطقت بيلا وقالت بلهفة :
_ طب والشركة اللي عملناها والمفروض أنها خلاص اشتغلت؟
رد كريم دون أن ينظر لها وتابع سيره:
_ في شركا كتير ممكن ياخدوا مكاني ما تقلقيش.
سقطت دموع بيلا وقالت بصوت يحمل الكثير من العتاب :
_ كريم ..
وقف كريم للحظة، ثم استدار ونظر لعينيها الدامعة بضيق، فسارت بيلا اليه ووقفت أمامه قائلة بدموع :
_ يوم ما قابلتك كنت رافضة اقرب منك لاني عرفت إنك أصغر مني ، مع الوقت أنت غيرت نظرتي دي ومش عارفة أزاي حبيتك .. أنا قلبي عمره ما كدب عليا يا كريم .. وقلبي بيقولي أنك صادق.
ابتسم كريم وقال بسعادة لا توصف :
_ يعني ننسى اللي فات ومانفتكرهوش ابدًا ونبدأ صفحة جديدة ؟
اومأت بيلا رأسها بموافقة وابتسامة رغم دموعها :
_ نبدأ صفحة جديدة..
أكد عليها كريم بسعادة :
_ وعد ؟
أكدت بيلا قرارها بابتسامة واسعة :
_ وعد.
عرض عليها قائلا بمحبة:
_ تتجوزيني ؟
ضحكت بيلا وقالت :
_ في واحد يطلب ايد واحدة في المقابر !!
مازحها قائلًا :
_ ما أنا مش هقدر اصبر لحد ما نروح مكان تاني .. وبعدين عشان تبقى لحظة مميزة.
تصبغ وجه بيلا بالحمرة وابتسامة خجولة، وكانت تلك إجابتها التي جعلته يتنهد من السعادة ..
********************
وبعد مرور شهر ..
وقف الفتيات الثلاثة أمام مرآة كبيرة الحجم بفساتين الزفاف البيضاء ، حتى قالت شهد ببعض الغيظ :
_ حلف عليا بالطلاق ليكون فرحنا مع أشهد ورقة ، في واحد يحلف بالطلاق من قبل ما يخطب حتى ؟! .. مجنون أبن مجنونة والله !
ضحكت بيلا وهي تتفقد فستان زفافها بسعادة وقالت :
_ أنتي اللي مجنونة إنك وافقتي .. ده انتي امتحاناتك هتبدأ بعد بكرا !! ..
كتمت رقة ضحكتها حتى لا تغتاظ شهد اكثر من ذلك وقالت :
_ ما تفكريهاااش .. انا ما صدقت أنها نسيت شوية !
ضيقت شهد عينيها بغيظ ثم قالت بتحدٍ:
_ يبقى يوريني بقا هيمنعني أزاي أذاكر .. عارفين أنا بعت على الجناح بتاع الفندق ايه النهاردة ؟
سألتها بيلا بفضول :
_ بعتي ايه يا مصيبة ؟
ابتسمت شهد ابتسامة ماكرة وقالت :
_ الكتب والمراجعات ومسطرة حرف T ولوحة الرسم الهندسي .. وقولت للبوفيه بتاع الفندق يطلعلي يانسون باللبن بعد الفرح ما يخلص، يبقى يفرجني بقا مش هيخليني أذاكر أزاي ؟ هحطه قدام الأمر الواقع .
تمتمت بيلا بشيء يبدو أن رقة قد سمعته وانفجر الفتاتان بالضحك، فانفعلت شهد عليهما وقالت بتأكيد :
_ أنتوا مش واثقين في كلامي؟ .. لا معلش ده أنا شهد ، حضرت الضابط حازم ده هناك في القسم أنما معايا فهو أرنوبي المطيع.
قالت رقة وهي تضحك :
_ أنا متخيلة منظر حازم وانتي ماسكة المسطرة وبتراجعي وبتذاكري وبتشربي يانسون باللبن.
خرجت بيلا خارج إطار الحديث وابتسم بسعادة قائلة لهن :
_ تعرفوا بقا أن أحلى حاجة أننا خلينا فرحنا احنا التلاتة في يوم واحد، يوم مش هيتنسي أبدًا ..
ابتسم لها رقة وشهد بسعادة حقيقية حتى دخلت الجارة الطيبة أم بسنت عليهن وقالت بعد زغرودة طويلة :
_ الله أكبر ، اللهم بارك زي القمر ، الف مبروك يا حبايبي، الف الف مبروك ..
عانقتها رقة بسعادة ومحبة وفعل مثلها شهد وبيلا حتى قالت بيلا بتأكيد:
_ أحنا كده خلاص جهزنا .. هما العرسان وصلوا ؟
وكادت أن ترد أم بسنت حتى فتح الباب على مصراعيه ودخل الأمراء الثلاث في أبهى طلة لهم ..
نظر أشهد لرقته بعشق والابتسامة تشق ثغره سعادةً، واقترب لها ثم رفع اصابعها لفمه بقبلة رقيقة وراقية .. واحمرت رقة من الحياء والابتسامة تغزو وجهها .. وكان يبدو أنه يدخر كلماته حتى يصبحان بمفردهما.
بينما قبًل كريم جبين بيلا بابتسامة واسعة وقال :
_ مبروك يا حبيبتي ..
ردت بيلا بحياءً شديد وعينيها تلتمعان بالمحبة والسعادة ..
وبتلك اللحظة اقترب حازم بنظرات مكر وانتصار لشهد التي توجست وابتعدت خطوة للخلف وأشارت له بتهديد :
_ والله أمشي وأسيبلك القاعة فاضية يا جدع أنت!.
جرها حازم من ياقة ردائها الأبيض وهمس بتهديد وهو يرفعها كالأرنب :
_بت .. لماضة يوم فرحنا مش عايز !.. كفاية أني سايب كمين مهم عشان خاطر أبقى معاكي النهاردة ..
ضيقت شهد عينيها بغيظ، ثم فكرت بمكر وهمست له بنعومة وعتاب :
_ أنت بتزعقلي يا أرنوبي ؟
تراجع حازم وقال بابتسامة خبيثة وتأثر :
_ وأنا اقدر برضه .. بينا على الزفة.
وضحكت واعتقد أنها تضحك من السعادة، بينما ضحكت شهد ما الذي ينتظره بعد الزفاف .
وأخذ كل ثنائي طريقا مختلفا حتى القاعة الضخمة للزفاف .. ومن بين الحضور كانت مشيرة جالسةً تنظر بسعادة لولديها وهما في قمة سعادتهما بهذا اليوم ..
أتى اليها أشهد وحازم وقبلا رأسها بمحبة ولطف شديد، حتى تبعهم رقة وشهد وهن يضمونها بحنان .. حتى همست لهن مشيرة قائلة بسعادة حقيقية :
_ أنتوا من النهاردة بناتي وحبايبي أكتر من ولادي نفسهم .. ربنا يسعدكم ويتمملكم بخير يا حبايب قلبي.
ابتسمت كلا من رقة وشهد بسعادة وعادا بجانب أزواجهن .. ومرت أكثر من ساعتين من أسعد لحظات حياتهم ..
حتى تعالت أصوات الزفة وصعود كل ثنائي لجناحهما بالفندق ..
************************
وبجناح حازم وشهد ..
وضع حازم عروسه الذي كان يحملها حتى داخل جناحهما الفخم ، واستدار ليغلق الباب … وعندما أستدار ركضت شهد لأقرب غرفة وقالت :
_ يا خرابي اتأخرت أوي على المذاكرة، فمتو دقيقتين هغير هدومي وأذاكر ..
وقف حازم مصدوما فيما يحدث واتسعت عينيه أكثر عندما وجد عدد كبير من الكتب والمراجع على منضدة كبيرة جانبية وبجانبهم مسطرة طويلة على شكل حرف T .. احمرت أذنيه من الغضب وتوجه نحو الغرفة التي دهلتها فوجدها مغلقةً من الداخل !!
أطرق عليها بغيظ :
_ أفتحي الباب وإلا هكسره على نفوخك!.
قالت شهد بنعومة من الداخل وهي تكتم ضحكتها :
_ حاضر يا أرنوبي .. دقيقة وخارجة.
هدأ حازم قليلًا وقال بخفوت مبتسما بزهو :
_ طالما كده نستنى ..
وبعدها توجه نحو مائدة الطعام التي أعد عليها كل ما لذ وطاب وبعض الفاكهة في طبق كبير زجاجي .. وخرجت شهد وقد استطاعت بتلك السرعة خلع ردائها الأبيض وارتداء ” سالوبيت ” بمزيج من اللوني الأبيض والأسود كالبقرة الحالوب .. وقالت شهد بحماس :
_ ده انا جعانة جوع يا جدع ! .. محطتش لقمة في بوقي من صباحية ربنا !.
فغر حازم فمه وهو ينظر لما ترتديه، ثم زم شفتيه بغضب شديد وفهم مخططها وصاح غاضبا :
_ أنتي اللي جبتي الكتب والمذكرات دي صح ؟!
أخفت شهد ابتسامة كادت أن تظهر وقالت بدهشة :
_ ألاه !!
خطف حازم سكين الفاكهة وركض خلفها وهو يتوعدها أن يجعلها لا تتفوه بتلك الكلمة مرةً أخرى ! .. بينما ضحكت شهد بصوتً عال وهي ترددها مرارًا.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *