روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت التاسع عشر

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء التاسع عشر

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة التاسعة عشر

١٩– ” أسرار ليست للبوح ”
أفلتت الحقيبة من بين أصابعها ساقطة على الأرض ، فأستقرت بجوار قدميها، اللتان شعرت بهما بأنهما أصبحتا كالهلام ، ولم يكن سريان تلك الدماء الحارة بشرايينها ، كافية لوصف ما شعرت به ، بعدما سمعت قوله وتصريحه ، فهل أذنيها خدعتها وألتقطت حروف خاطئة ، لتفسرها هى على أهواءها المغرمة ، أم أنه حقاً أدلى بإعترافه تواً بأنه يريدها زوجة ، يقترن إسمها بإسمه ، فلن تكون مجهولة الهوية ، بل سيكون هو هويتها أصلها وموطنها
ولكن !
مهلاً فالأمر ليس هيناً ، كما رغب قلبها ، فكثير من الأمور يجب أخذها بعين الإعتبار ، فمثلاً لما تقدم بعرضه للزواج منها ، بهذا الوقت تحديداً ، هل نابع من شعوره بالشفة ؟ هل يريد حمايتها كطفلة ،ضلت طريق العودة لمنزلها ؟ أم ماهو السبب الحقيقى لتفوهه بهاتان الكلمتان اللتان أصابت حواسها ، بشعوران متغايران ، منهما السعيد المختص بقلبها ، والضيق المتصل بعقلها ، فهى لا تريد منه شفقة ولا إحسانا ، فإن كان الأمر كذلك ، فهى لن ترتضى بأن تصبح له زوجة ، فما أقسى ذلك الشعور
أشاحت بوجهها عن مرمى بصره ، لعله لايرى إلتماع الدموع بعينيها وهى تقول:
– وعايز تتجوزنى ليه ؟ علشان صعبت عليك إن مبقاش ليا أهل ولا علشان إيه ، أكيد طبعا عمرى ما أقبل أتجوز شفقة
دموعها الخائنة ، التى فرت من عينيها ، أسرعت هى بمسحها ، فاليته لم يأتى الآن ، وكانت رحلت هى بهدوء ، ولكن أن ترحل الآن ، ويرافقها عرضه ، لهو بالأمر المميت ، فستظل تجلد ذاتها بمنطق القلب والعقل ، فقلبها لن يرحم كونها أنها أضاعت فرصة كتلك ، لتشبعه هياماً من فيض الغرام ، والعقل سيصفها بالسخافة والحماقة ، لأنها وافقت وتصبح أسيرة إمتنانه ، فإن كان ما حدث لها مؤخراً ، أمات كل شعور بداخلها ، إلا انها لم تستطيع نسيان كبرياءها كفتاة نشأت على معاملة الجميع لها ، بأنها فتاة تستحق الأفضل ، بدون الحاجة لها بالشعور بالإمتنان أو الضعف من جانبها
قبل أن تعاود حديثها مرة ثانية ، قطع عليها الحديث وهو يقول بثقة وهدوء :
– وليه متقوليش أن عايزك تتجوزينى علشان أنا بحبك يا حياء
ران الصمت عليها ، بل أصبح ثقيلاً ، كمن تحمل فوق رأسها حجراً ، يكاد يسحق عظامها ، فهل اليوم هو يوم المفاجأت من جانبه ، فبدأ الأمر بأخبارها برغبته فى الزواج منها ، متمماً الأمر بإخبارها بأنه يحبها
رفعت يدها تتحسس جبينها ، فلعلها أصيبت بحمى مفاجئة ، جعلتها تتوهم الأمر برمته ، أم أنها تلقت ضربة على رأسها أثناء عقابها من عاصم ، أدت لفقدانها شيئاً من عقلها ، جعلتها ترى وتسمع أشياء ليس لها وجود
فنفضت رأسها تقول بنبرة مذهولة:
– هو اللى أنا سمعته ده بجد ولا أنا اللى بقيت أتخيل كتير الفترة دى
شقت إبتسامة شفتيه ، وهو يراها هكذا ، فهو لم يظن أن أعترافه سيجعلها تفعل ذلك ، ولكنه أراد لها المزيد ، فتلك المرة أكتسب صوته دفئاً ، جعله يشدو بتلك الكلمة ثانية :
– أنا بحبك يا حياء بحبك مسمعتنيش
فغرت فاها لتهم بالرد عليه ، فوجدت سجود تقترب منها ، ووقفت بالمنتصف بينهما ، فأول ما استرعى إنتباه الصغيرة ، هى تلك الحقيبة بجوار قدم حياء
فتمعنت النظر بها ، ورفعت رأسها الصغير وهى تقول بصوت مرتجف :
– مامى أنتى راحة فين أنتى هتسافرى تانى وتسبينى
إستدارت لأبيها وشدت كف يده العريض وهى تقول بتوسل ودموع بدأت بالتساقط من زرقاوتيها ، فناشدته بصوتها الطفولى العذب :
– بابى قولى لمامى متسافرش تانى وتسيبتى يا بابى سجود هتعيط وتزعل و مش هتاكل تانى
أنحنى راسل إليها ، وجلس القرفصاء أمامها ،فمسد بيده على ذراعيها صعوداً وهبوطاً ، فحقاً هو عاجز الآن على أن يعطيها جواباً يرضيها ، فمن بيدها القرار هى حياء ولا أحد غيرها ، وهو لا يستطيع أنها يجعلها تقبل به مرغمة ، فهى يريدها راضية ،وأن تأخذ وتعطى وتملأ قلبه حباً ، فهو لا يريد علاقة من طرف واحد مرة أخرى ، فبالسابق أتقنت صوفيا خداعه بالحب ، وأتضح الأمر أنه هو من تعلق بحبائل الهوى البالية
رأته حياء يرفع رأسه عن وجه إبنته وينظر إليها ، رأت بعيناه الحيرة ، ولكن كأن لسانه عاجزاً عن التعبير ، فهى لن تستطيع نكران ، ذلك الشعور المفعم بالحب ، الذى أنتشر بحواسها ، بعد سماعه يخبرها إياها صريحة أنه يريدها زوجة من أجل حبه لها
أخرجها من شرودها وتفكيرها ، صوت بكاء الصغيرة المكتوم بكتف أبيها ، بعدما يأست من الحصول منه على جواب لرجاءها له
وجدت نفسها تجلس القرفصاء هى أيضاً ، وربتت على ظهر سجود وسحبتها من بين ذراعى راسل ، فدفنت الصغيرة وجهها بين كتفها وعنقها
فغمغمت بصوتها الباكى :
– مامى خدينى معاكى عايزة أروح معاكى
مسدت حياء على رأسها ، حتى وصلت لنهاية طرف خصيلاتها الحريرية ، فوضعت قبلة على وجنة الصغيرة وهى تقول:
– أنا معاكى أهو يا حبيبتى ومتخافيش ماما مش هتمشى هتفضل معاكى على طول بس بطلى عياط يا سجود
تهلل وجه الصغيرة ، فأبعدت وجهها ونظرت لها بإبتسامة من بين دموعها وقالت :
– بجد يا مامى مش هتسافرى وتسبينى تانى ، وعد
– وعد يا سجود مش هسيبك أبدا
قالتها حياء بثقة وإصرار ، فألقت عليه لمحة خاطفة ، لعلها ترى تأثير حديثها لديه ، فلم يخيب رجاء عينيها بأن تعود وتخفضها ولا تحصل على إجابة منه
فداعب شعر صغيرته وهو يقول :
– مامى هتقعد معاكى يا سجود بس لازم نعملها حفلة بمناسبة أنها جت البيت إيه رأيك نشتريلها فستان فرح ونعمل الحفلة كمان أسبوع
قفزت الصغيرة مكانها وصفقت بيدها وهى تصيح بسعادة:
– أيوة يا بابى وسجود عايزة فستان
– إيه رأيك يا مامى فى اللى قولته
قالها راسل وعيناه تلتمع ببريق هادئ ، فألتهب خديها من فرط خجلها ، فحديثه المبطن أخبرها صراحة أنه يريد أن يقيم لها حفل زفاف خلال أسيوع واحد فقط
فعوضاً عن أن تطالبه بمزيد من الوقت ، وجدت لسانها ينطق بالموافقة ، وهى تطرق برأسها أرضاً
فأنخطفت أنفاسها وهى تقول بخفوت :
– مامى معندهاش مانع
بلمح البصر كانت حياء تحمل سجود وتلوذ بالفرار فى الغرفة ، بعدما أغلقت الباب وهو مازال جالساً القرفصاء ، عض راسل طرف شفته السفلى ، ليكتم صوت ضحكته على فعلتها ، فأستقام بوقفته ، وعدل هندامه
فطرق الباب طرقتان خفيفتان وقال بصوت هادئ ولكن حرص على أن يصل لمسامعها بالداخل :
– أنا بس كنت عايز أقولك بكرة تخرجى تشترى الفستان أنتى وسجود وهبعت معاكم ولاء كمان فسلام علشان راجع المستشفى تانى
أقتربت حياء من الباب ، وألصقت أُذنها به ، لتستمع لصوت خطواته وهو يهبط الدرج ، فبعد أن تيقنت من رحيله ، إستندت على الباب ، وضمت كفيها ووضعتهما موضع قلبها ، وتنهيدات حارة كادت تمزق رئتيها ، خرجت من جوفها ، كلما تذكرت تصريحه لها ، فإن كان هذا حلماً ، فهى تدعو الله أن لا تستيقظ أبداً
خرجت من حالة الهيام ، التى طغت عليها ، وهى ترى سجود تقفز على الفراش وتصفق بيدها ، خشيت أن تسقط ، فأقتربت منها تنهرها بلطف عن فعل ذلك ، فهى لا تريد أن يصيبها سوء أو مكروه ، فكم صارت تعشقها كعشقها لأبيها ، ولما لا وتلك الصغيرة بالنهاية ما هى إلا بضعة منه وتحمل دماءه
_______________
تدندن بصوتها العذب ، ويداها تعمل على إعادة تنظيم قنينات العطور ، فإسعاد لم تمنع دهشتها ، من رؤية مزاج إبنتها الرائق بالأونة الأخيرة ، فهى دائماً ما كانت تراها عابسة الملامح ، وحادة المزاج ، ولكن منذ أن أخبرتها بما حدث بينها وبين رياض النعمانى ، وذلك الوعد الذى أعطاها إياه ، وهى كأنها ولاء أخرى غير إبنتها التى تعلمها عن ظهر قلب ، ولكن بالأمر شئ مبهم ، فربما حالتها تلك عائدة لحدوث شئ أخر لم تخبرها به ، فوضعت إسعاد وجنتها تستند بها على كف يدها وهى جالسة خلف مكتبها الصغير ، تتابع ما تفعله ولاء بإبتسامة هادئة
ولكن وقع أقدام قادمة جعلتها تنظر نحو باب المتجر ، فلمحت قدوم شاب ، ربما جاء من أجل شراء العطور ، فأستقامت بوقفتها وهى تقول بإبتسامتها المعهودة لزبائن المتجر :
– أهلا بيك حضرتك عايز نوع برفيوم معين
– أيوة كنت عايز لو سمحتى برفيوم رجالى
أرتبكت ولاء بعد سماعها الصوت ، فكادت تسقط القنينات من يدها بعد سماع صوت معتصم ، فأمهلت ذاتها ثوانى معدودة ، قبل أن تستدير وتتحقق ظنونها ، من أن القادم ماهو إلا ذلك الشاب ، الذى قابلته بالمصرف ، ولم تستطيع نسيانه كباقى العملاء الذين تقابلهم يومياً بعملها
بعد أن أنتهت من تلك المهلة اللحظية ، التى منحتها لذاتها ، إستدارت بكامل جسدها ، فصدق ظنها ، فها هو يقف أمام والدتها ، ولكن عيناه منصبة على وجهها الممتقع بخجل من رؤيته
أعادت إسعاد سؤالها ثانية ، عن أى نوع يفضله ، ولكنه لم يعطيها جواباً ، فضيقت عينيها مما يحدث أمامها ، فالشاب ينظر لإبنتها شارداً ، وهى تخفض وجهها ، تحاول أن تلهى عيناها عن النظر إليه
فرفعت إسعاد يدها ، وفرقعت بأصابعها أمام وجهه وهى تقول :
– يا أستاذ يا أستاذ بسألك ايه النوع اللى حضرتك عايزة
– كيلوباترا
قالها معتصم بتيه ، فقطبت إسعاد حاجبيها وهى تقول بعدم فهم :
– كيلوباترا ! مفيش برفيوم رجالى اسمه كيلوباترا يا أستاذ أنت إيه حكايتك بالظبط
تلك هى المرة الأولى ، التى لاترى ولاء ثائرة بوجه رجل أتى للمتجر من أجل مضايقتهما ، فهى هادئة تماماً ، ولا تسمع لها صيحة محتجة ، أو لفظ قاسى ترميه بوجهه
ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، فهاهو فؤاد يقتحم المتجر بهمجية ، فملامح الهدوء التى أكتسبها وجهها بالأونة الأخيرة ، صارت ملامح متجهمة ومكفهرة من الغضب ، خاصة بعد إستماعها لصياحه المزعج
حط فؤاد بيده على سطح المكتب بقوة وهو يقول :
– بقى أنتى تعملى فيا أنا كده يا ولاء راحة تشتكينى علشان تبوظى الجوازة ، فكرانى أن أنا هسكتلك تبقى غلطانة
أنتفخت أوداج ولاء وصرخت بوجهه بإشمئزاز :
– أنت إيه اللى جابك هنا أتفضل أخرج برا ومش عايزة أشوف وشك تانى برا
طار صوابه ، فأقترب منها رغبة منه بصفعها ، فحال معتصم بينه وبين الوصول إليها ، فرفع معتصم يديه ودفعه بصدره بهدوء وهو يقول :
– إهدا يا أستاذ مينفعش كده
ما رغب بأن تناله ولاء من غضبه، ربما سيناله هذا الشاب عوضاً عنها ، فرفع يده رغبة بلكم معتصم ، ولكن إستطاع أن يتفاداها بمهارة ، بل أنه قبض على كفه يكاد يعتصره بين أصابعه
لم تنكر ولاء تعجبها من تلك القوة ، التى يملكها معتصم ، على الرغم من الفرق الواضح بين بنيتهما الجسدية ، ففؤاد بجسد عريض يمتاز عن جسد معتصم المائل للنحول قليلاً ، فتبسمت رغماً عنها
وهمست بسخرية وهى تقول:
– داخل علينا تجعر وعامل فيها عنتر وهو بس مسك ايدك كان هيكسرها ، دا أنت طلعت توتو بقى على كده
حاول فؤاد إعادة الكرة بيده الثانية ، فنال ما ناله بالمرة الأولى ، فكلما نظر إليها ووجدها تبتسم بشماتة ، يحاول جاهدا التغلب على غريمه ، الذى لا يعلم من يكون هو بالأساس
فشلت إسعاد بفض الإشتباك بينهما ، فلم تجد سوى أن تصرخ بهما لعلهما يكفان عما يفعلان :
– بااااااااس أسكتوا هتكسرولى المحل أتفضلوا أتخانقوا برا هنا محل أكل عيش
تخلت إسعاد عن هدوءها ، وراحت تدفع فؤاد بيدها وهى تصيح بوجهه :
– أبعد عن بنتى أنت فاهم يلا أمشى من هنا يلااا
صدره الصاعد بغضب والهابط بنقم عليهما ، جعله يصل لأقصى درجات الإستياء ، فجز على أسنانه قائلاً بوعيد :
– أما خليتك تبكى عليها بدل الدموع دم مبقاش أنا فؤاد سالم بس صبركم عليا
– تهديدك ده تبله وتشرب مايته بس أشربها على الريق علشان صحتك
قالت ولاء فجأة ، وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها بوضع الظافرة كعادتها دائماً
جر فؤاد خلفه أذيال الخيبة والضيق كعادته ، بعد إنتهاء مشاجرة بينهما ، بينما معتصم تأكله الفضول ، لمعرفة من يكون صلة هذا الرجل بها
فبدون أن يحاول قمع فضوله ، وجد لسانه يسبقه بسؤالها عن حقيقة الأمر :
– هو مين ده وعايز منك إيه وليه بيعمل عمايله دى عايز أعرف
– أفندم وحضرتك بتسأل ليه
قالتها ولاء وهى ترفع شفتها العليا بغرابة من سؤاله ، فما الذى يخوله أن يسألها عن أى شئ يخصها ، فإن تقابلا مرة من قبل ، فهذا لا يعطيه الحق بالتدخل بشؤنها
ولكن جاءتها إجابته قاضية على كل ذرة هدوء ،كانت تظن أنها تملكها ، إذا قال فجأة :
– بسأل علشان عايز أعرف مين ده ماهو مش معقول أحب بنت وتكون هى بتحب حد تانى أو مخطوبة أو قربت تتجوز علشان كده بسأل علشان أبقى عارف من أولها ولو أنتى مفيش حد فى حياتك أنا حابب أن أرتبط بيكى حالا لو تقبلى
تجمدت أطرافها وليست هى وحسب ، بل والدتها نالت نصيبها هى الأخرى ، فأتصلت أعينهما ببعضها ، لعل إحداهما تفهم الأخرى ماذا يجرى هنا ؟
رفرفت أهدابها عدة مرات قبل أن تقول بغرابة :
– أنت بتقول إيه حضرتك هى مين دى اللى بتحبها
– أنتى يا ولاء ، فقوليلى فى حد فى حياتك ؟
قالها معتصم ببساطة ، يتحرق للحصول على جواب منها ، فهو يخشى أن تصيبه الخيبة بحبه ، الذى عثر عليه بعد البحث عنها كثيراً ، فربما هو مطمئن قليلاً من أنها لا تكن أى مودة لذلك الرجل ، الذى أرتحل منذ دقائق ، فهو رآى كيف كانت مستاءة من وجوده ، بل قامت بطرده أيضاً ، فربما السبيل إليها ممهداً أمامه ، فلو أخبرته صراحة بأن ليس لديها ما يمنعها من قبوله كزوج ، سيرحل ويعود برفقة شقيقه وغزل ويأتى لخطبتها والزواج منها ، فلتقولها فقط ، وهو لن يدخر جهداً بأن يظفر بها
هزت رأسها نفياً وهى غير قادرة على أن تعطيه جواباً بلسانها ، فما تلك الحرارة التى تشعر بها الآن ؟ هل هى عائدة لدفء طقس اليوم ، أم لم تكن سوى نتاج شعورها بالخجل ، الذى ملك عليها لسانها وأطرافها كافة ؟
ملأ البشر وجه معتصم ، بعدما رأى فعلتها الصامتة ، فخرج من المتجر بعد إعطاءها وعداً بالمجئ ثانية لأخذ موعد ليأتى برفقة أسرته من أجل مقابلة والدها ، فبعد رحيله ، جلست مكانها على الأرض ، وهى تتذكر حال أبيها ، فربما لو علم معتصم بمن يكون والدها وسلوكه السيئ ، سينهى هو الأمر قبل أن يبدأ ، فأعتلت قسمات وجهها العبوس والخيبة ، لتفر دموعها بحزن ، من تذكرها أن فرصتها الذهبية ، ربما ستفلت من بين يديها ، فهل من الممكن أن تجعل أمر والدها سراً عنه ، ولا تبوح له بحقيقته لتغتنم تلك الفرصة ، أم تخبره بالأمر وتهيئ ذاتها لتلقى الخيبة والحسرة من ضياع أول شعور لها بتلك المشاعر ، التى كانت محرمة على قلبها
_________________
لم يكن العثور عليها ثانية بالشئ الصعب بالنسبة له ، بل كان أكثر سهولة ويسر عن ذى قبل ، فكان جالساً بالمقعد الخلفى لسيارته الفارهة ، ومرفقه مستندا به على النافذة ، فلم ينسى قضم أظافره بخضم توتره وقلقه من مقابلته لها ، فمن يراه الآن لا يصدق أنه هو بذاته ذلك الرجل ، الذى إذا ذكر إسمه مقترناً بلقب عائلته ، أو إسم عمه ، يرى نظرات الخوف والرهبة والإحترام بعيون المحيطين به ، ولكنه الآن عاجزاً عن الخروج من السيارة ومواجهتها ، ولكن ذلك الإشتياق ، الذى فتت قلبه ، كان هو الغالب على رجاحة عقله
– خلاص أنا هنزل أشوفها ويحصل اللى يحصل
فتح باب السيارة وترجل منها ، وذراعه معلقة بعنقه ، حتى يتم إلتئامها بصورة نهائية ، إلتهمت رئتيه كالوحش الجائع ، كل ما أرسله لها من نسمات وأنفاس ، يحاول بها بث الهدوء بنفسه الملتاعة لرؤية وجه محبوبته
ولج للفندق وإستطاع الوصول ، لتلك الغرفة التى تتخذها مكتباً خاصاً لها ، ترافقه شابة جميلة تعمل بالفندق ، فبعد الطرقات المهذبة منها ، وولوجها غرفة غزل ، تخبرها بمجئ زائر لها ، فأذنت لها غزل بأن تمنحه موافقتها على مقابلته
فخرجت الفتاة وأشارت بيدها وهى تومئ برأسها إحتراماً ، فبعد أن خط بقدمه للداخل ، سحبت هى الباب وأغلقته
وضعت غزل الأوراق من يدها ، لترى من جاء ، فهى ظنت أن القادم ربما يكون فواز ، فهو صار يتبعها بكل مكان ، فقبل أن تقول شيئاً ، ماتت بمهدها تلك البسمة على شفتيها ، بل نضبت الدماء من عروقها ، وأجتاحتها برودة مفاجئة ، فأرتعشت يداها لا إرادياً ، وسقط القلم من بين أصابعها يحدث صوتاً على الأرض
فأنحبست أنفاسها بعد قولها :
– عاصم هو أنت
لايعلم أى منهما كم مر من الوقت وهما يحدقان ببعضهما البعض ، ثوانٍ ثقال مرت كأنها دهور ، فعيناه ترمقها بلوعة المشتاق ، فهاهى فتاته أو صغيرته ، كما أعتاد أن يناديها ، تلك الجميلة ، التى كانت بصغرها تركض إليه من أجل الحلوى ، التى أعتاد أن يبتاعها من أجلها ، فهى لم تكن تفرق عن قطعة الحلوى ، فهى جميلة شهية تشتاق النفس بالحصول عليها
جاءها الرد بصوت هادئ :
– أيوة عاصم يا غزل معقولة قدرتى تبعدى السنين دى كلها ، وقبل ما تختفى طاوعك قلبك أنك تسبينى
– دا أنا مشوفتش فى بجاحتك والله يا عاصم ، وكمان جاى تعاتبنى على اللى حصل
قالت غزل عبارتها بوحشية ، فهو ليس لديه الحق بالحديث ، فهى فقط التى يجب أن تتحدث ، وأن تحمل بيدها سوط الإنتقام ، لتجلد كبرياءه وقلبه ، لتنزع أنفاسه واحداً تلو الآخر ، أن تجعله يستجديها بأن تمن عليه بالرحمة ، ولن تجعله ينالها
توهجت عيناها ببريق متوحش ، قابله هو بلمحة مضيئة من سعادته بلقاءها ، حتى وإن كانت تمقته ولا تريد رؤيته
– وحشتينى أوى يا غزل
قالها عاصم بصوت متهدج ، فعاثت رياح الخزى فساداً بأوصالها ، فمازال يملك تلك القدرة العجيبة لجعلها تشعر بالإرتباك ، فحتى ملامحه كأنه مازال شاباً ، فهى تعلم كم أغوت تلك الوسامة قلوب فتيات كثيرة ، فتلك كانت آفته بالماضى ، ولا تعلم هل أستطاع التخلص منها ، أم مازال مثلما كان بالسابق
عادت لرشدها وهى تعقد ذراعيها بتبرم ، فحاولت أن تحد من تدفق تلك الأفكار برأسها فصرخت بوجهه بحدة:
– أمشى يا عاصم من هنا وإلا اللى مقدرتش أعمله زمان هعمله دلوقتى
رد عاصم على قولها وهو يقول :
– هتعملى إيه أكتر من هجر ٢٢ سنة وأنا عمال أدور عليكى
قهقهت غزل بدون مرح فقالت بسخرية:
– قلبك كبير يا عاصم والله وكنت بتدور عليا ليه علشان تقتلنى أنا كمان ولا كنت عايز إيه
عقد عاصم حاحبيه ، ونظر إليها عن عمد وقال:
– أنا أأقتلك يا غزل ، دا أنا كنت بخاف الهوا يمس طرفك وأنا مش موجود معاكى
دارت حول مكتبها ، وتلبستها الشياطين ، فلم تأبه لما تفعله ، وراحت تدفعه بصدره بقوة وهى تصيح بوجهه :
– أنت كداب وخاين وقتال قتلة كمان أنت وعمك دمرتونى ودمرتوا حياتى عايز منى إيه تانى تشوف كسرتى ، بس إطمن غزل دلوقتى غير غزل بتاعة زمان وهتدفع الكل التمن غالى
رآى أن يبتعد عن مرمى يدها ، لعلها تكف عن فعلتها ، التى جعلته يشعر بالألم بذراعه بجانب الألم الذى يشعر به بقلبه
فرفع يده وأشار لها بإلتزام الهدوء وهو يقول :
– غزل إهدى شوية أنتى ….
كف عن الحديث بعد سماع صوت طرقات على الباب ، فخشيت غزل أن يكون القادم عمران ، فهى لاتريد أن يتواجها الآن ويحدث ما لا يحمد عقباه ويتأذى عمران جراء ذلك
ولكن ذلك الزائر ، الذى ظهر على أعتاب الغرفة ، لم يكن سوى فواز ، فزفرت غزل بإرتياح ، ولكن زاد الموقف تأزماً بحضوره ، فالثلاثة ينظرون لبعضهم البعض ، ولا أحد منهم يتفوه بكلمة
ولكن بدأ فواز بكسر حاجز الصمت وهو يشير بيده لعاصم وهو يقول :
– إيه اللى جابه ده هنا
شعر عاصم بالمهانة من ملاحظته ، فمد يده وقبض على ياقة قميصه وهدر بصوت غاضب :
– أحترم نفسك يا فواز ولا نسيت نفسك ها أصحى لنفسك أحسن لك فاهم وأنت اللى بتعمل ايه هنا وعايز منها إيه أنطق
دفعه عاصم بعد ذلك ، ورأته غزل يتأهب لعراك معه ، فحالت بين وقوع الأمر ، بأن وقفت بالمنتصف ، ونظرت لعاصم وهى تقول ببرود :
– أنا مسمحلكش تتكلم مع خطيبى كده
لم تعى فداحة قولها وتصريحها الأبله ، إلا بعدما رآت فواز يبتسم لها بعدم تصديق ، وعيناه تحثها على قولها ثانية ، فسبيلها الذى أتخذته للحفاظ على كبرياءها وإغاظة عاصم ، ربما سيصل بها بالنهاية لنتائج غير مرضية ، فمازالت تلك النزعة من الكبرياء الخاصة بحواء تسكن بداخلها ، وهى أنها من أجل أن تجعله يشعر بالغيرة والقهر ، ربما تترك عقلها جانباً وتجعل أهواءها تحركها كيفما تشاء
لم تخرج من شرودها إلا على صوت صفع الباب بعد خروج عاصم ، فجلست على أقرب مقعد وجدته ، ووضعت رأسها بين يديها
فعندما سمعت صوت فواز يناديها :
– غزل
رفضت رفع وجهها لتواجهه فلم تجيبه سوى ببضع كلمات :
– فواز معلش سيبنى لوحدى دلوقتى إذا سمحت
لم يدعها فواز تكرر مطلبها ، بل خرج من الغرفة ، وتركها جالسة مكانها ، فوضعت وجهها بين كفيها وأجهشت بالبكاء ، فهى كانت تريد أن تصنع من نفسها غزل أخرى ، غير تلك التى كان يعرفها بالماضى ، لتكتشف بمرارة أنها مازالت تلك الفتاة الساذجة والحمقاء والتى أصابها بلاء وداء الحب ، الذى لا شفاء منه ، على الرغم من أنه يرافق ذلك الشعور شعور أخر بالانتقام ، فهى كمن تريد الانتقام لنفسها من نفسها
_________________
لم يكد يخبرها بشأن زواجه ثانية ، حتى وجدها كلما تراه تطلق الزغاريد بصوت صادح ، تشعر بأن أنفاسها تكاد تذوب من فرط إشتياقها لسماع ذلك منه ، فوجهها البهى صار مخضباً باللون الأحمر ، وهى تجاهد على خروج تلك الأصوات من حلقها ، خاصة بعد علمها أن اليوم ستقوم حياء بإنتقاء ثوب الزفاف ، فهى لا تجد طريقة أخرى أبلغ من تلك ، لتخبره بترحيبها الحار بقراره ، الذى ألحت هى عليه سابقاً ، بأن يترك الماضى ، ويرسم مستقبل جديد ، يستطيع به تعويض ما فاته
فبعد إنتهاءها من تلك الثورة العارمة من السعادة ، جذبته إليها وطوقته بذراعيها ، وهى تربت على ظهره وتقول بحب :
– مليوووون مبروك يا حبيبى أنا الدنيا مش سيعانى من السعادة يا راسل أخيرا يا قلبى فكرت تبدأ حياتك من جديد
أنحنى إليها لفارق الطول بينهما ، واضعاً رأسه على كتفها ، منتشياً بسماع كلماتها وشعورها بالسعادة ، فأغمض عينيه وسرعان ما فتحهما ثانية ، وهو ينظر لأعلى الدرج ، وخاصة لباب غرفته ، التى تمكث بها حياء حالياً
فسكن الشوق بحروفه المنبعثة من فمه وهو يقول :
– مقدرتش أقاوم قلبى أكتر من كده يا ماما
ضحكت وفاء وقالت بدهاء :
– أه أخدت بالى وأنت داخل عليا بيها وكنت هتتجنن لحد ما فاقت
أنتظرته أن يترك أحضانها وينظر إليها ، ولكن ربما يخشى فعل ذلك ويفتضح أمره أكثر ، فربتت على ظهره بحنان ، كمن تعطيه الأمان بأن يواجهها ، فهى لن تزعجه أكثر من ذلك بملاحظتها لما يعتريه بعد رؤية حياء
فأستعاد وقفته الثابتة والراسخة أمامها ، فعلى الرغم مما يُعرف عنه ، من أنه لا يخجل من قول قاله أو فعل فعله ، إلا أن الأمر معها غير ذلك ، فبإمكانه أن يتعرى من جموده وصلابته ، ويعود ذلك الطفل الصغير ، الذى كان دائما وأبداً بحاجة لحنانها ، الذى أغدقته به وتغدق به صغيرته أيضاً
– وبعدين معاكى يا ماما يا حلوة أنتى ولئيمة يا نبع الحنان
قالها راسل وهو يقرص وجنتها بلطافة ومحبة ، فرفعت وفاء يدها تصفع ظاهر يده بخفة وهى تقول بتفكه :
– ولد عيب كده أنت فاكرنى سجود بنتك وأنا أقول هى طالعة قليلة الأدب لمين
شهق راسل بصوت درامى وهو يقول:
– أنا قليل الأدب يا وفاء
– أنت نور عيون وفاء وحبيب قلبها
قالتها وفاء وعيناها دامعتان بسعادة ، فمد يده يزيل دموعها ، وقبل رأسها قائلاً بحب :
– ربنا ما بحرمنى منك يا ماما أنا كنت عايز منك طلب تقولى للشغالة والجناينى يفضوا الأوضة بتاعة صوفيا اللى فى الجنينة ، خليهم يتخلصوا من كل حاجة موجودة فيها ، لأن مبقتش حابب أفتكر الماضى وكمان هغير الألوان بتاعتها وهمحى كل أثر كان لصوفيا فى حياتى خلاص
ردت وفاء قائلة بسعادة:
– بس كده من عيونى يا حبيبى ربنا يسعدك يارب
ذهبت وفاء للمطبخ لإخبار الخادمة بما تريده منها ، بينما جلس هو بالصالة ينتظر ظهورها هى وصغيرته وولاء التى أخبرها بضرورة المجئ ، ويذهبوا من أجل شراء ثوب الزفاف لها ، فهو لم يستطع منع نفسه من الذهاب معهم ، خشية أن يحدث لهم شيء وهو ليس بالجوار
رآها تهبط الدرج ، وسجود تتعلق بيدها وتقفز بمرح تتبعهما ولاء ، التى لايعلم ما أصابها ثانية ، فهى على الرغم من إبداء سعادتها بشأن زواجه ، إلا أنه يشعر بأنها تخفى عنه أمراً
أنبأه صوت الصغيرة الصادح بأنهن على أتم الإستعداد لمرافقته ، فخرجوا جميعهم حتى وصلوا لسيارته ، فتجاورت حياء وولاء بالمقعد الخلفى ، وسجود بالمقعد الأمامى ، فهى لم تسيطر بعد على أوتار قلبها العازفة بألحان السعادة ، فهى لم تنسى وجه صالحة عندما أخبرتها بالأمر ، فتجلت سعادتها على وجهها وهى تضمها إليها وتدعو الله أن يجعلها زيجة مباركة
وصلوا إلى المتجر الخاص بأثواب الزفاف ، فبدأت صاحبة المتجر بعرض أحدث قصات وصيحات أثواب الزفاف ، فظلت حياء وولاء يتناقشان حول ثوب بعينه
فرفعته حياء أمام وجهها وهى تقول :
– بس تفتكرى هيكون كويس ده يا ولاء
ردت ولاء باسمة وقالت:
_ صدقينى والله هيبقى تحفة صح يا أبيه
خشيت أن تستدير خلفها لترى رد فعله على ما قالته ولاء ، فزاد من شعورها بالخجل ، وهى تراه يقف أمامها يتفحص الثوب بنظرة ثاقبة
فحك جبهته وهو يقول:
– هو مش هيبان حلو أو لاء إلا اذا لبستيه يا حياء ونشوفه عليكى
أخذت الثوب وذهبت للغرفة المخصصة لقياس الأثواب ، فوضعته عليها ، فكانت كحورية بثوب أبيض ، ووردة ألتفت أغصانها بالحرير ، تشبه سندريلا المسحورة ، بثوبها الملكى وحذاءها الزجاجى ، ولكن هل سيكون عليها العودة قبل بطلان السحر ، أم أنها لا تشبهها بالنهاية وستظل عالقه بسحره إلا ما لانهاية
خرجت من الغرفة على إستحياء ، فلم يمنع نفسه من إطلاق صفير الإعجاب لرؤيتها وهو يقول :
– الفستان بجد روعة عليكى يا حياء مفيش كلام يوصف الجمال
قبضت على قماش الثوب ، لتخفف من وطأة شعورها بأنها تكاد تذوب كقطعة من الثلج وضعت بمكان شديد الحرارة
فتلعثمت حروفها وهى تقول:
– شكراً
علمت ولاء بما تشعر به ، فأقتربت منها وطوقت كتفيها وهى تقول :
– بجد فعلا حلو الفستان أوى وأبيه مش بيبالغ وأنتى زودتى حلاوته
قالت حياء وهى تتبسم لها :
– تسلميلى يا ولاء
وقفت الصغيرة وهى تجذب يد أبيها وهى تقول :
– بابى عايزة فستان زى بتاع مامى عايزة فستان بقى
حملها راسل وهو يقبلها بحنان قائلاً بطاعة لمطلبها :
– بس كده يا سيجو هجبلك بدل الفستان أتنين
فرحت الصغيرة بعرض أبيها المغرى ، فراحت تقبله بنهم على وجنته ، وجعلته يتركها لتذهب لحياء وولاء لتخبرهما بفخر شديد ما سينتوى أبيها شراءه لها ، فبعد شراء الثوب الخاص بحياء ذهبوا لشراء ثوب لولاء وسجود على أن تكون كل منهما وصيفة من وصيفات العروس ، فالعرس وشيكاً ولم يتبقى سوى يومان من ذلك الأسبوع ، الذى أمهلها به راسل للإستعداد لعقد القران وإقامة حفل الزفاف
_______________
لو لم يكن مجيئها للنادى اليوم محض صدفة ، بعد إلحاح صديقاتها عليها بضرورة المجىء ، لكانت ظنت أنه يتبعها لكل مكان تذهب إليه ، فهو منذ ذلك اليوم بالمطعم ، وإسراعه بالتعريف عن ذاته ، وهو كلما يراها تأتى ، يحرص على العناية بأنها تنال أفضل خدمة ، حتى ظنت أنه لا يأتى أحد للمكان غيرها ، على الرغم من تكدس الزبائن ، فهو لا يعتنى بمطالب أحد ، سوى تلك الطاولة الجالسة عليها برفقة صديقاتها
أنتبهت إحدى صديقاتها عليه أولاً ، فوكزت ميس بذراعها وهى تقول :
– ميس مش اللى بيلعب تنس هناك ده يبقى عمران الزناتى صاحب المطعم اللى بنروحوه على طول
حاولت ميس إدعاء الجهل وهى تقطب حاجبيها وقالت:
– قصدك على مين ده مش واخدة بالى
ضحكت صديقاتها الأخرى وقالت :
– يا سلام على إستعباطك يا ميس يعنى دا إحنا من ساعة ما جينا النادى وأنتى واقفة هنا ومش راضية تتحركى هو الصراحة عليه كاريزما تجذب أوى
نفخت ميس بضيق وقالت :
– الظاهر كده أن أنتوا الاتنين فايقين أوى وأنا دماغى وجعتنى منكم
همت بترك مكانها ، فأخذت اغراضها ، فقبل أن تبتعد أكثر وجدت عمران يعترض طريقها ، يحمل مضرب التنس ، ويجفف وجهه بمنشفة قطنية ، فتوقفت قدميها عن الحركة ، فى إنتظار إبتعاده أو أن يقول شيئاً يبرر به وقوفه هكذا
فتبسم لها قائلاً :
– أزيك يا أنسة ميس أخبارك ايه بقالك كام يوم مش بتيجى المطعم
وضعت ميس النظارة على عينيها وهى تقول:
– هو أنت كل الزباين بتوعك بتسأل عليهم كده
– أكيد طبعاً لاء بس أنتى مش أى زبونة أنتى مميزة عن أى حد ومفيش حد يقابلك ويقدر ينساكى بسهولة
أنتهى عمران من حديثه ، ولكنه لم يسمع منها رداً على ذلك الإطراء ، فأقصى ما فعلته هو أن فرت من أمامه ، فهرولت بخطواتها لتصل لسيارتها ، فرفع عمران يده ووضع المضرب على كتفه وهو ينظر لأثرها بإبتسامة ذات مغزى
لم يكن ذهابها لمشفى راسل بالوقت الحالى ، هو قرارها الصائب ، فهى منذ تلك المشادة الكلامية بينهما ، وهى أمتنعت عن الذهاب لهناك ، فلم تكتفى بذلك ، بل أحبطت كل المحاولات التى فعلها راسل من أجل الحديث معها ، من أجل تصفية الخلاف بينهما ، ففكرت بالعودة للمنزل
قبل أن تطلق زمور السيارة ، رآت راسل يقف بجوار سيارته أمام القصر فرفعت يدها عن المقود ، فلم تجد مفر بالخروج من السيارة ، فترجلت منها وأغلقت بابها
فوقفت بجانبها عاقدة ذراعيها قائلة ببرود :
– خير ايه اللى موقفك هنا
– تعالى معايا عايز أتكلم معاكى وحضرتك مش بتردى على التليفون ولا بتيجى المستشفى
قالها راسل وتقدم بخطواته منها ، وجذبها من مرفقها حتى وصل لسيارته ، فتح لها الباب بجواره ، وجعلها تجلس بالمقعد الأمامى ، فعلى الرغم من أنها كانت ستبدى رفضها لذلك ، إلا أنها لم تستطيع أن تظل بحالتها الكئيبة تلك ، أو أن يستمر ضيقها منه
وصل بسيارته لأحد الأماكن على الشاطئ ، فحثها على الخروج ، فأطاعته على الفور ، فوجد صخرة كبيرة ، فجلس ودعاها للجلوس بجانبه
أنتظره أن يبدأ بالحديث ، ولكنه ظل صامتاً لما يقرب من الدقيقتين ، فتحول ببصره عن رؤية أمواج البحر ، ونظر لها بتمعن ، حتى أستطاع القول بالأخير
– ممكن أعرف بقى أنتى لسه زعلانة ليه منى
رفعت ميس حاجبيها فلم تفلح بكبت إبتسامتها وهى تقول:
– والله ولسه بتسأل يا راسل أنت مش شايف أن ليا حق أزعل
– اللى متعرفهوش أن خالك عاصم كان ممكن يموتها بسبب ضربه فيها
قال راسل عبارته بغيظ ، وهو يتخيل ما كان سيؤل إليه أمر حياء
– أنت بتحبها يا راسل
قالتها ميس فجأة ، بينما هو أسرع بتحريك رأسه بالإيجاب وهو يقول بصدق :
– أيوة بحبها يا ميس ومش بس كده دا كتب كتابنا وفرحنا بعد يومين
فغرت ميس فاها وهى تقول:
–يعنى هتتجوز وكمان أنا معرفش
رد راسل قائلاً وهو يلقى بالحصى الصغيرة فى الماء :
– ما كنت برن عليكى كتير وأنتى مش بتردى أعملك ايه يعنى
جعلته ميس ينظر لها وهى تقول :
– والله ما شوفت فى برودك وإستفزازك يا راسل تعمل المصيبة وكأنك معملتش حاجة بس تصدق بموت فيك وأنت كده
تبسم لها راسل وأدانها منه وقبل جبينها وهو يقول :
– وأنت كمان حبيبتى كفاية أنك من ريحة الغالى
وضعت يدها أسفل ذقنها تنقر بأصابعها وقالت :
– وهتعزمنى على الفرح بقى ولا لاء
ضحك راسل وقال متفكها:
– لاء مش هخليهم يدخلوكى
دفعته ميس بصدره ، وهى تبتسم على قوله ، فقبل أن تهم بالرد عليه ، سمعت رنين هاتفها ، فأخرجته من جيبها ، فنظرت للهاتف ، وتحولت بعينيها سريعاً لوجه راسل ، فحرصت على إغلاق الهاتف قبل أن ينتبه راسل لشئ
فبعد إنتهاء جلستهما ، التى حرص راسل أن تكون أكثر ودية ، أخذها بسيارته ليعيدها للمنزل ، وصلت ميس لبهو القصر ، فقبل أن تلج غرفة المعيشة لترى جدها ، سمعت رنين هاتفها ثانية
فصعدت الدرج حتى وصلت لغرفتها ، فدلفت للغرفة ، وأغلقت الباب خلفها بإحكام ، وإستندت عليه فتردت ثانيتين فى فتح الهاتف
ولكن كانت عاطفتها الغالبة على عقلها ، ففتحت الهاتف وهى تزدرد لعابها قائلة بتوتر :
– ألو أيوة
جاءها الرد على الطرف الآخر قائلاً :
– بقى كده تمشى بسرعة من النادى وملحقتش أشوفك مدة أطول ولا أتكلم معاكى
تلعثمت ميس وهى تقول :
– مم ماهو خفت حد ياخد باله وأنت عارف أن جدو ممشى ورايا حرس ، ولو هم راحوا قالوله هيزعل منى
– بس ده مش عدل أنك تعلقينى بيكى وتسبينى كده حيران
تبسمت ميس على قوله ، فتركت مكانها وجلست على حافة الفراش تستمع لباقى حديثه
ولكن صوت فتح الباب جعلها تغلق الهاتف سريعاً ، قبل أن تراه والدتها التى ولجت للتو تناديها :
– ميس أنتى رجعتى أمتى من برا انا معرفش أنك رجعتى دا حتى الحرس بتوعك هم اللى دخلوا عربيتك من قدام القصر وقالوا أنك مشيتى مع راسل
وضعت ميس الهاتف أسفل ساقها ، كأنها تخفيه عن عين والدتها فردت قائلة بإبتسامة هادئة:
– أصل راسل كان بيصالحنى وكمان عرفت انه هيتجوز تانى خلال يومين
قطبت سوزانا حاجبيها وهى تقول:
– هيتجوز ! ومين دى بقى سعيدة الحظ اللى هيتجوزها
ردت ميس قائلة ويداها تعمل على إغلاق الهاتف الذى عاد للرنين ثانية :
– هيتجوز البنت اللى جه أخدها من هنا
لاحظت سوزانا فعلة إبنتها ، فتقدمت منها لمعرفة ما تخفية ، فأسرعت ميس بالضغط على الزر الخاص بإغلاق الهاتف نهائياً
فسحبت سوزانا منها الهاتف وهى تقول :
– هو فى إيه عمالة تلعبى فى التليفون وانا بكلمك وباين عليكى كده كأنك مخبية عنى حاجة
نظرت سوزانا للهاتف فوجدته مغلق ، فنهضت ميس تأخذه منها وهى تحاول تبرير فعلتها فقالت :
– دا مش عارفة تليفونى ايه اللى جراله النهاردة كان بيهنج كتير وأضطريت كذا مرة أقفله وأفتحه شكلى عايزة أغيره يا ماما
فإن كانت تظن أن قولها أقنع والدتها فهى واهمة ، فالهاتف إبتاعته منذ ثلاثة أيام فقط ، وهو من أفضل وأغلى الماركات العالمية ، ولكنها لم تعاود سؤالها ثانية ، فهى تترك لها مساحة شخصية للتصرف ، مطمئنة البال أن أبنتها لن تقدم على إرتكاب الخطأ ، فناولتها الهاتف ثانية وخرجت من الغرفة ، بينما أرتمت ميس على الفراش وهى تزفر براحة من مرور الأمر بسلام ، فهى بنيتها أن تخبر عائلتها بما يحدث ، ولكنها تريد مزيداً من الوقت ، فهى لن تبوح بأمرها الآن ، حتى يأتى الوقت المناسب
_______________
على حافة الإطار الخشبى لتلك النافذة العريضة بالغرفة ، التى تسكنها حالياً ،كانت حياء تجلس وتنظر للأسفل ، ترى راسل برفقة العاملان ، اللذان يعملان على طلاء تلك الغرفة بالمبنى الملحق بالمنزل ، والتى علمت هى أنها كانت تخص زوجته الأولى وبها العديد من المقتنيات الخاصة بها ، والتى عمل على التخلص منها بشكل نهائى
فغداً اليوم الموعود بإقامة حفل زفافهما وعقد قرانهما ، فأستدارت برأسها تنظر للغرفة الملحقة بغرفة النوم ، فصالحة تعمل على تنظيم وترتيب الثياب ، التى إبتاعها راسل من أجلها ، فهى عندما أبدت رغبتها بجلب ثيابها من الشقة ، رفض راسل ذلك ، وأخبرها أنه هو سيبتاع لها ثياب جديدة ، وأن تترك كل ماضيها جانباً
فندت عنها نهدة عميقة وهى تقول بصوت عالى نسبياً لتسمعها صالحة من داخل الغرفة الخاصة بالثياب :
– دادة قولتلك متتعبيش نفسك وانا هبقى أرتبهم
ردت صالحة من الداخل وقالت :
– أنا كنت حالفة أن محدش هيرتبلك أوضتك وهدومك وأنتى بتتجوزى غيرى دا يوم المنى يا حبيبتى أن خلاص هشوفك متجوزة وأطمن عليكى ، وكده بقى أروح أسافر أعمل عمرة وأنا مرتاحة
خرجت صالحة فتركت حياء مكانها وأقتربت منها وقبلتها على وجنتها وقالت:
– تروحى وترجعى بالسلامة يا دادة ومتنسيش تدعيلى هناك
قبلت صالحة جبينها وهى تقول :
– بس كده من عيونى وربنا يسعدك يا حبيبتى أنا كده خلاص خلصت وكمان فستان الفرح متعلق جوا فى الدريسنج ، ربنا يجعلها جوازة العمر كله الصراحة الدكتور راسل راجل مفيش منه ، مشوفتيش أنتى عمل ايه علشان يجيبك من البيت اللى كنتى مخطوفة فيه ، دا كان هيرتكب جريمة
بتذكرها ثوب الزفاف ، المنوط بها إرتداءه بالغد ، سرى بعروقها نشوة عصفت بكيانها ، فهى ستزف إليه بالغد ، ستزف لذلك الفارس المغوار ، الذى تحدى الصعاب من أجلها
فخفضت وجهها أرضاً وقالت:
– الصراحة مش عارفة هو قدر ييجى وياخدى من هناك إزاى وقصر رياض النعمانى عامل زى القلعة مليان حرس ومعاهم أسلحة ، حتى عاصم كان فى جيش حراسة دايما ماشى وراه ، ولا علشان هو يعرف ميس ده سهل عليه الدخول فى حاجة مش فهماها
بتذكرها ما حدث لها بذلك القصر ، أنكمشت ملامح وجهها وعادت تقول معقبة :
– أنا بجد مكرهتش حد قد ما كرهت عاصم وعمه رياض على اللى عملوه فيا دول مفيش فى قلوبهم رحمة وناس جبابرة
ربتت صالحة على كتفها ، وهى ترى أن ربما ستبكى ، فحاولت جعلها أن تصرف تفكيرها عن هذا الأمر ، فتبسمت لها وهى تقول :
– سيبك من ده كله وركزى مع دكتور راسل دا بكرة الفرح أنا هنزل دلوقتى تحت أساعد الست وفاء لو محتاجة مساعدة
خرجت صالحة من الغرفة ، فولجت حياء لغرفة الثياب ، تجول بعينيها فى الأرفف المصفوف بها ثيابها وحقائبها وأحذيتها ، ولكنها لم تأبه لكل هذا ، فأقتربت من الجزء الخاص بثيابه ، فتلمست إحدى ستراته ، فلم تمنع نفسها من ضمها إليها ، كأنها تريد تخيل ذلك الشعور ، عندما تكون زوجته بحق ، وأن تنعم بالأمن والراحة بين ساعديه القويتين
أنتبهت على فتح باب غرفة النوم ، فخرجت لترى من القادم ، فلا أحد قادماً سوى تلك الجميلة الصغيرة ، والتى لم تأتى خالية الوفاض ، بل هى ترتدى تلك السترة الخاصة بأبيها والتى كان يرتديها اليوم ، ويبدو أنه خلعها عنه قبل خروجه للحديقة
فوضعت حياء يدها على فمها وهى تكتم صوت ضحكتها ، من رؤية سجود غارقة داخل سترة أبيها الواسعة ، فأكمامها تكاد تصل للأرض ، تجر طرفها خلفها
حاولت سجود التصفيق ، فخرج صوت تصفيقها مكتوماً ، فهى لم تحسن خروج يديها من الأكمام الطويلة ، فصاحت بضحكة صاخبة :
– مامى شوفى لبست الجاكت بتاع بابى وهيدور عليه مش هيلاقيه هااااااا
تقدمت منها حياء وجلست أمامها على ركبتيها ، وهى تقبلها على وجنتها وتضمها إليها بحنان وتضحك على أفعالها واقوالها :
– أنتى شقية أوى يا سيجو أنتى عرفتى تطلعى السلم إزاى والجاكت واسع عليكى كده كان ممكن تتكعبلى وتقعى من على السلم
– بس مش وقعت يا مامى
قالتها سجود وهى تلف ذراعيها حول عنق حياء ، فأشتمت رائحة العطر العالق بالسترة ، فأول ما ستسأله عنه بعد زواجهما ، نوع ذلك العطر الذى يستخدمه ، والذى يستطيع تخدير حواسها وإفاقة مشاعرها بنفس اللحظة ، فهى مازالت متذكرة تلك الرائحة من معطفه الذى ظل بحوزتها
قبلتها حياء على وجنتها وقالت:
– بعد الشر عليكى يا سيجو ويلا بقى أقلعى جاكت بابا علشان زمانه بيدور عليه تحت يا شقية
أمتثلت سجود لقولها ، فسحبت حياء السترة ، ولكن سقط ذلك الجزدان الجلدى من الجيب الداخلى لها ، فقبل أن تلتقطه وتعيده مكانه ، كانت سجود الأسرع بأخذه وفرت هاربة بأحد أركان الغرفة
ففتحت الجزدان وهى تقول :
– هشوف صورتى مع بابا
أخطأت الصغيرة بفتحه فتناثر محتواه على الأرض ، فأقتربت حياء وهى تشهق بخفوت :
– كده يا سجود بابا هيزعل منك أنك بتلعبى بالمحفظة بتاعته وممكن تضيعى البطاقة بتاعته أو أى حاجة محتفظ بيها
تهدلت قسمات الصغيرة وهى تقول بأسف :
– أسفة يا مامى مش هعمل كده تانى
أنحنت حياء وبدأ تلملم البطاقات الائتمانية وتعيدها لمكانها ، فرأت هويته الشخصية بجوار أحد المقاعد ، فألتقطتها لتعيدها لمكانها ، فقرأت ما كُتب على ظهرها وهى تبتسم ، فزاد فضولها لرؤية وجهه بالجزء الأمامى
فوقعت عيناها على صورته ، وإسم راسل الذى تفرد بمكان لوحده قبل أن يتم إكتمال باقى الإسم ، ولكن ذلك الإسم الذى تبع إسمه بالهوية الشخصية ، قرأته هى بصدمة حلت على أطرافها ، فتجمدت ملامح وجهها بالحال ، وعيناها مازالت تلتهم حروف الاسم ثانية لعلها أخطأت بقراءته
ولكن سمعت وقع أقدام قادمة ، فكان راسل يبحث عن سترته وصغيرته ، فدلف الغرفة باسماً وهو يقول :
– سيجو أنتى اللى أخدتى الجاكت بتاعى
ولكن لمح حياء تقف بمكانها وعيناها تنظر بهويته الشخصية ، فأتسعت عيناه ، وأقترب منها سريعاً وأخذها من يدها بشئ من الحدة
فقال بصوت يغلب عليه طابع الضيق :
– أنتى بتفتشى فى حاجتى ليه يا حياء
رمقته حياء بذهول وهى تقول:
– أنت ليه خبيت عليا ، يعنى أنت طلعت زى نادر وبتخدعنى ، دا على أساس أن مكنش هييجى الوقت اللى أعرف فيه إنك أنت إبن رياض النعمانى

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *