روايات

رواية لحن الزعفران الفصل السابع عشر 17 بقلم شامة الشعراوي

رواية لحن الزعفران الفصل السابع عشر 17 بقلم شامة الشعراوي

رواية لحن الزعفران البارت السابع عشر

رواية لحن الزعفران الجزء السابع عشر

لحن الزعفران
لحن الزعفران

رواية لحن الزعفران الحلقة السابعة عشر

فى صباح يوم جديد وتحديداً فى قصر الراشد، وبعد أن تم سجن”خالد” وزوجته بتهمة الشروع فى قتل “فيروزة” لمدة ثلاث سنوات، بينما كان باقى أفراد العائلة مجتمعة على سفرة الطعام فى صمت شديد، نهض “عمر” من مكانه فأتاه صوت ابيه قائلاً:- قومت ليه من على الاكل أنت ماكلتش حاجة.
أردف “عمر” بضيق وصوت عالٍ: ماليش نفس كل أنت يمكن تشبع.
نظر إليه “عامر” الذى قال بحده:- أنت ازاى بتكلمني كدا ايه مفيش احترام لأبوك.
أجابه الأخر باللامبالاة:- والله حضرتك دي طريقة كلامي .
وفى هذة المرة تحدثت “نازلي” بتحذير:
– الزم حدودك ياعمر ومتنساش اللى بتتكلم معاه يبقى أبوك فخلى بالك من كلامك الزفت دا.
-والله لو كلامي مش عاجبكم محدش منكم يوجهلي كلام من أصله ياريت على الأقل أبقى مرتاح.
هب “عامر” واقفاً وهو يستشيط غضباً ثم اقترب من ابنه ليقول بضيق وهو يجذبه من ذراعيه:
– الظاهر أني دلعتك زيادة عن اللزوم والله ياعمر لو ماحترمتش نفسك لتشوف مني حاجة مش هتعجبك.
أبتعد “عمر” عنه بعنف وهو يقول بغضب:
– وياترى المرة دي هتعمل فيا زي ما عملت فى بنتك فيروزة ولا لسه فى وش تانى عند سيادة اللواء مظهرش.
ساد الصمت فى أرجاء القصر إلا صوت تلك الصفعة التى تلقاها “عمر” من أبيه، وضع يديه على موضع الصفعة وقد بدأت عيناه تلتمع بالدموع فقال بحزن:
– ايه كلامي وجعك للدرجاتي، بس وجعك ده ميجيش حاجة جنب وجعها هى، و بسببك أنت أختي مشيت وسابت البيت ولحد دلوقتي مش عارفين هى فين ولا نوصلها، بسببك أنت كانت هتموت لكن ربنا نجاها انا عمري ما هسامحك يابابا لان انت السبب فى كل اللى حصلنا.
بعد ما أنهى حديثه غادر المكان بأكمله تاركاً خلفه تلك الصدمة والحزن الذى أحتل ملامح الكل، بينما “عامر” شعر بثقل فى قدميها وكاد أن يسقط فاسنده أخيه “أحمد” الذى قال بقلق: – عامر أنت كويس حاسس بحاجة تعباك.
وضع الأخر يديه على موضع قلبه الذى يؤلمه بشده ليقول بخفوت: لا مفيش أنا كويس.
أبتعد عنه وهو يخطو بثقل صاعداً إلى الأعلى، بعد خضون دقائق دخلت “نازلي” غرفتها لتجد زوجها جالس على الأريكة ممسكاً بيديه صورة جمعته بأبنته “فيروزة” وهى تحضتنه، جلست بالقرب منه وهى تضع رأسها على كتفه، قائلة بحزن:
– أنا قلبي واجعني على بعدها عني طول الفترة دي، مش عارفة ايه اللى وصلنا لكدا نفسي أشوفها.
تحدث “عامر” بخفوت وألم:
– أكيد هترجع بس هى زعلانه مننا علشان كدا سابتنا، بنتنا قلبها أبيض ونقي عمرها ماهتكرهنا هى محتاجة شوية وقت ترتاح فيه وتنسى اللى حصل، وبعدها هترجلنا أقوى من الأول.
أخذت الأخرى تبكي قائلة:
– ولو مرجعتش وفضلت زعلانه مننا قولي هقدر أعيش أزاى من غيرها دى بنتي ياعامر حته من روحي.
أحتواها بين ذراعيه وقد التمعت عيناه بالدموع ليقول بخفوت:
– متقوليش كدا إن شاء الله هترجع، وبعدين أنا عيزاك تصبري شوية كمان لحد مانعدى الفترة دي عايز أشوف مراتي اللى دايما بتكون الدعم والسند ليا، علشان خاطري يانازلي مش عايز اشوفك ضعيفة بالشكل دا لان بحس أن دنيتي بتضلم، أوعديني أنك متعيطيش تانى وأنا هعمل المستحيل عشان ارجعها لحضننا.
– حاضر ياعامر أوعدك.
بعد مرور عشر أيام أُخر قام “أدم” بعقد قرآنه على “سارة” دون عمل حفل زفاف وسافر بها إلى إحدى البلاد السياحية ليقضوا شهر العسل نظراً لتلك الظروف التى تمر بها العائلة،،
بينما الأخ الفرفوش “طارق” جلاب المصائب تمت خطبته رسمياً على حبيبته “سهر” ابنة عمه “أحمد” التى كان لها دور كبير فى تخطيه ذاك الحزن والخزي والعار الذى تعرض لهما من عائلته،،
ومازال “عمر” يقاطع أبيه ويرفض أن يتحدث معه، فهو يحمله كامل المسؤلية فى ابتعاد شقيقته وصديقته وكاتمة أسراره عنه ولن يجتمع معهما ثانياً إلا عندما يأتي إليه ب “فيروزة”،،
———————————————————————
كانت تأخذ الصالون ذهاباً واياباً تتوعد بعقابٍ شديدٍ إليه، ظلّت تقطم أظافرها بأسنانها، فقد تاركها مساء البارحة بمفردها فتلك الشقة العريضة ولم يأتي حتى الآن، فقالت متواعدة:
-ماشى ياعمران أما وريتك مبقاش أنا فيروزة، بقى تسبني طول الليل لوحدي ومتجيش طيب والله ما هسكتلك بس لما تشرف.
بعد مرور بضع ساعات
فتح “عمران” باب الشقة بهدوء وهو يلتفت حوله ليرى المكان هادئ للغاية، فأغلق الباب خلفه وأخذ يتفحص الأركان فلم يسمع لها زفيراً، علم على أثر ذلك أنها فى غرفتها تنهد بهدوء وهو يضع تلك الأشياء الذى بيديه على الطاولة، ثم أقترب من غرفتها وطرق الباب بخفة فأتاه صوتها الغاضب:
– وأخيراً الاستاذ شرف ايه اللى جابك ما لسه بدري.
وضع يديه على شعره وقال بأبتسامة خبيثة:
– بجد يعنى أمشى، حاضر امرك يطاع أيتها الأميرة.
أبتعد قليلاً عن الباب تحسباً لأى بطش سيحدث منها، وعلى أثر ذلك رأى الباب يُفتح بقوة لتخرج منه وهى ممسكة بيديها عصا، بينما “عمران” نظر إليها بصدمة من هيئتها الغاضبة ومازاد دهشته أكثر العصا التى تحملها بيديها، بدأت تقترب منه وهو يتراجع للخلف، فقالت بأبتسامة غاضبة:
– جرب كدا تمشى وأنت هتشوف ايه اللى هيحصلك.
رفع يديه أمامها ليقول بحنان:
-أهدي ياقلبي أنا عارف أنك زعلانة مني بسبب اني مجتش البيت بليل بس والله غصب عني.
وضعت يديها على خصرها ثم قالت بضيق:
– وايه اللى غصبك ياعنيا، ميكنش شايفلك شوفه جديدة.
اقترب منها ونزع العصا من يديها ليقول برفق:
– يافيروزة ياحبيبتي هو أنا أقدر اشوف غيرك انتي بس اللى مالكة قلبي، وبعدين ياستي مكنش بمزاجي اني مجيش، ابني سفيان كان تعبان أوى امبارح وكان لازم أفضل معاه ودلوقتى بس عرفت اسيبه مع أمي وأجيلك.
أردفت بقلق واضح فى نبرتها:
– سفيان تعب طب هو كويس وايه اللى حصله رد عليا.
أبتسم بخفة وتفهم خوفها فهى الأيام الفائتة كان يأتي بسفيان إليها دون علم أحد وقد بدأت تتعلق به، بينما هو قال برفق:
– الحمدلله هو كويس متقلقيش عليه.
نظرت إليه بحزن ثم قالت:
– طب ليه معرفتنيش امبارح باللى حصل بدل ما كنت سايبني كدا قلقانه وخايفة عليك.
– حقك عليا عارف أن أنا غلطان وعلشان كدا جبتلك معايا حاجة تراضيكي.
– ايه هى.
أمسك يديها ليقترب من الطاولة وقام بإخراج علبة قطيفة زرقاء من تلك الشنط، قام بفتحها فسعدت
“فيروزة” عندما وجدت بداخلها سلسلة ذهبية على هيئة فراشة، ابتسم ثغرها لتقول بسعادة:
– دي علشاني أنا.
أمسك “عمران” السلسلة بيديه وقام بوضعها على رقبتها ليقول هامساً:- اه ياست البنات دي علشانك أنتي، وكمان جبتلك الشوكولاته التى بتحبيها.
هرولت باتجاه الشنط وقامت بإخراج كيس مليئ بالشوكولاته فصرخت بفرحة:
– بجد مش عارفة أقول ايه بس أنا فرحانه أوى ياعموري، أبقى هاتلي كل يوم شوكولاته من دي لان أنا بحب النوع دا أوى.
– من عينيا حاضر دا أنت تؤمر ياجميل وعمران عليه انه ينفذ.
أقتربت منه بدلال وهى تقول:
– عشان تعرف أني مش بحبك من فراغ.
أمسك خديها برفق وهو يقول بمرح:
– مصلحجية أنتى ياروزا، المهم سيبك من دا كله أنتى مش جعانة.
وضعت يديها على بطنها تتحسسها وكأنها تذكرت عدم وضع الطعام فى فمها منذ الصباح، فقالت بجوع:
– اه أنا جعانة اوي ياعمران من الصبح مكلتش أى حاجة.
نظر إليها بعتاب قائلاً:
– ليه بس مش أنا نبهت عليكي كذا مرة متسبيش نفسك من غير أكل انتي ليه مش بتسمعي كلامي.
– ما أنت عارف أن أنا مش بحب أكل لوحدي.
تنهد بهدوء ثم قال:
ماشى يافيروزة اتمني ان ده مايتكررش تانى مفهوم.
– مفهوم.
– تحبي نطلب ايه من برا.
– نفسي أكل بيتزا وشاورما لو ينفع تطلبهم ليا اطلبهم.
– ماعنديش مانع بس هتقدري تأكلي الاتنين.
نظرت إليه بطرف عينياها لتقول:
– اه عندك مانع ياأستاذ.
– ابدا والله بس ياريت تاكليهم وماتسبيش حاجة منهم عشان عيزاك كدا تربربي.
– لا ياخويا أنا حلوة كدا.
أردف بمرح قائلاً: – يابت علشان يوم فرحنا لما تلبسي الفستان تبقى مالية مركزك.
– لا ياخويا متقلقش أنا مالية مركزي من غير أى حاجة.
– طبعاً يابطل هو أنا أقدر أقول حاجة.
فيروزة: طب ايه مش هتطلبنا الأكل ولا هتخليني جعانة.
أخرج الهاتف من جيبه وهو يقول:
– حاضر ياحبيبتي هطلب أهو.
فى وقت متأخر…..
أستيقظ الساعة الثالثة ليلاً وهو يشعر بالظمأ فخرج من غرفته متجهاً إلى المطبخ ليقع بصره على باب غرفتها ليرى ضوءاً ينبعث منه، أتجه نحوه وفتح الباب بخفه فوجدها تجلس على الأريكة بجانب الشرفة تقرأ إحدى الروايات، نظر إليها مُبتسماً ثم ولج إليها وأقترب منها ليقبل رأسها برفق ثم قال متسألاً:
– وياترى رواية ايه اللى بتقرأيها النهادرة؟
إشارت إليه أن يصمت فضحك بخفة ليتركها ويتجه إلى المطبخ ليروى عطشه ثم أخرج من الثلاجة علبة مغلفة ليملء كأس من العصير البرتقال الذى تعشقه بشدة ثم ذهب إليها مجدداً وقام بوضعه بجانبها على الطاولة، بينما هو جلس على طرف الفراش ينظر إليها بكل حب فهى من سكنت روحه حتى تفارق روحه مثواها وهى الوحيدة التى تربعت على عرش قلبه، فالحب هو أندفاع روح إلى روح وأندفاع جسد إلى جسد، ظلّ يتأمل تفاصيل وجهها الطفولية فكانت تقرأ وبعض الدموع تنساب على وجنتيها فلم يتحمل أن يشاهدها تبكى هكذا ليقترب منها وجلس أمامها وهو يضع يديه على الكتاب ليغلقه قائلاً:
– كفاية قرآءة لحد هنا يافيروزتي الجميلة…وبعدين ايه اللى حصل خلاكى تعيطي بالشكل ده !.
نظرت إليه بعيون باكية ثم وضعت كفها الصغير على وجهها لتبكى بأنهيار قائلة: البطل مات.
احتواها بين ذراعيه ليمسد على شعرها بحنان محاولاً تهدئتها وهو يجاهد نفسه الا يضحك بصوت عالٍ حتى لا تغضب منه..فأن فتاته الصغيرة حقاً مجنونة أهى تبكى من رواية خيالية، فقال مبتسماً:
– حبيبتي روزا أهدى ياقلبي والله لو حد سمعك ليفتكروا أن حبيبك هو اللى مات مش البطل لاسمح الله فأهدى كدا يامجنونة بدل مايتلموا علينا ونتفضح تخيلي كدا لو حد جه وسألني هقوله ايه معلش أصل البنت اللى بحبها وخطفها بتعيط على البطل اللى مات.
ضحكت بخفة وهى تنظر إليه بنظرات عاشقة فقام هو بمسح وجهها من الدموع بيديه وقال مازحاً:
– أصبحت وظيفتي فى الحياة هى مسح دموعك شوفتي أنا بتعب أزاى علشانك.
أبتسم ثغرها بخفة وهتفت برقة: عمران.
ألتمعت عيناه بالحب والشغف ليقول: نعم ياقلب عمران.
رفعت يديها تلمس وجهه لتمررها على ذقنه النابته قائلة:
– ممكن أطلب منك طلب صغير خالص مش هتتعب فيه.
تحدث “عمران” بهدوء قائلاً: ده أنتى تأمريني ياملكة قلبي.
أقتربت منه أكثر ثم قالت برقة: ممكن ننزل نتمشى شوية.
أبتعد عنها قليلاً لينظر إلى ساعة الحائط ثم قال:
– حبيبتي أنتى بتهزرى صح الساعة دلوقتى ٣ونص والفجر قرب يأذن وغير أن الجو برا برد جدا وممكن تبردى.
إمسكت يديها وأخذت تتوسل إليه:
– علشان خاطري أنت بكرا أجازة من الشغل وموركش حاجة يلا بقا … يلا يلا يلا علشان خاطر فيروزتك.
أمسكها برفق من كفها الناعم ليقول بهيام:
– وأنا علشان خاطر روحي أعملها كل اللى نفسها فيه هو أنا عندي أغلى ولا أجمل من فيروزتي.
قفزت بسعادة وهى تضمه بحب ثم أبتعدت عنه وهى تهرول إلى الخارج بحياء، فذهب خلفها وهو يشعر بالسعادة من أجلها فقد أستطاع أن يجعلها تخرج مما كانت فيه..
فى إحدى الشوارع كانت تلهو وتركض مثل الأطفال الصغار تحت المطر المنهمر بشدة، فهى مثل الفراشة الطائرة فى الهواء الطلق أخذت تضحك بصوت عالٍ وهى تمسك بيديه ليدور بها بسعادة لا يعرف لها مثيل
تعلقت برقبته وهمست بجانب أذنية قائلة:
– أنا نفسي أغني بصوت عالى ونرقص أنا وأنت تحت المطر.
ضمها إليه ونظر إلى فيروزتها اللامعة ليقول بأبتسامة:
– لا عايزة تغني غني وأنتى فى حضني مش عايز حد يسمع صوتك الجميل غيري أنا.
دفعته بعيداً عنها لتقول بتذمر:- بس أنا عايزة أغني بصوت عالى.
جذبها من معصمها برفق وقبل أرنبة أنفها ثم قال:
– خلاص يلا نروح وهناك غني براحتك مش هقولك لا.
تحدثت “فيروزة” برجاء: – عمران علشاني أنا حابه أغني وبعدين محدش هيسمعني لأننا أصلاً أصلاً مفيش حد حواليا.
أومأ لها فبتدأ أن تتغنى وتتمايل على نغمات صوتها فرفعها إليه محتويها من خصرها بين ذراعيه، أخذ ينظر إليها بسعادة وحب ليدور بها تحت مياه المطر فأطلقت ضحكة رنانة جعلت دقات قلبه تقذف فرحاً..
ضمها أكثر لصدره لتتعلق بعنقه تحتويه بذراعيها ليأتيها همسه المنعش لها وكأنه الحياة قائلاً:
– ياملاكي الصغير أنتِ الأمل والسعادة التى تسكن بقلبي، ولا يمر يوم علىّ دون ما أدعو الله ليحفظكِ ويرعاكِ … محبوبتي سأكون معك دائماً فى كل مكان وزمان..سأكون عونك وحمايتك وقلباً ينبض لأجلكِ..فأنتى عوض الله الجميل الذى يزهر أيامي.
أبتعدت برأسها قليلاً إلى الخلف لتنظر إليه بعينيها المشرقتان اللامعتان بسعادة لا توصف، ورفعت كف يديها الصغير لتتحسس تقاسيم وجهه ثم أقتربت أكثر وهمست بجانب وجنتيه قائلة بحب:
– عيناك وطن لا يخون …فقلبي لا يمكن أن يزهر سوى بالنظر لعينيك…ف أنت ياحبيبي ونبض قلبي لا تشبه أحد من الراجل ف أنت لا مثيل لك يا عمراني، أنت سندي وقوتي وحمايتي والعصاه التى أتكأ عليها.
دن منها ليقبلها برفق بجانب شفتيها الوردية ثم استند بجبينه على جبينها وقال بحب:
– حفظك الله لىّ أيتها الصغيرة …وأوعدك بأني سأكون الرجل الذي تمنيته دوماً…بحبك يازهرة ربيعي.
الخاتمة الثانية
فى بداية يوم جديد كانت جالسة فى الشرفة على تلك الارجوحة تتأمل حبيبات المطر المتساقطة، تحتسي فنجاناً من القهوة بمزاجٍ راقٍ، ليقطع هذة اللحظة من الانسجام صوت رنة هاتفها فالتفتت يمينها لترى من المتصل، ليبتسم ثغرها بخفة عندما علمت من هو فأستجابت لنداء المتصل الذى أتاها صوته الهادئ قائلاً:
– ملاكي الوحيد وحشتيني.
– دا بجد ولا بتضحك عليا أصل بالعقل كدا أنت يدوبك بقالك ساعتين سايب البيت فأكيد مش هلحق أوحشك.
أجابها “عمران” بأبتسامة خفيفة:
– حبيبتي اللى أنتي متعرفهوش أنك وأنتي معايا بتوحشيني أصلا فخليكي واثقة فى مقدر حبي ليكي لأنك أغلي ما عندي.
– أنت الوحيد اللى واثقة من حبه ليا ياعمران، بجد أنا من غيرك ببقى ضايعة وضعيفه، أنت مصدر قوتي.
– أنا عيزك على طول قوية يافيروزة حتى لو مش موجود جنبك مش عايز حاجة تهدك أو تخليكي خايفة وضعيفه لأنك فى الأصل جواكي قوة محدش يمتلكها، وخلال الفترة اللى فاتت ماشوفتش فيكي غير العزيمة والارادة فانك تتخطي كل اللى حصلك من رغم أن لو واحدة غيرك كان زمانها مدمرة ولسه فى حالة الانهيار لكنك مختلفة عن كل البنات أنتى طول عمرك مميزة يافيروزتي.
أردفت “فيروزة” بصوت هادئ:
– لكنك أنت كنت السبب الاساسي فى أني أتجاوز المرحلة دي من عمري، حبك كان السبب الاقوي فى أني اتعافى وارجع زي ما كنت فى الاول ويمكن أحسن كمان بجد أنا مش عارفة اردلك جمايلك اللى عملتها ازاى ف أى حاجة هتطلبها مني هعملهالك على طول من غير تفكير.
عمران:- مفيش بنا الكلام دا يافيروزة دا كان واجبي ناحيتك، وبعدين ياستي لو مُصرة أعمليلي أكل من أيدك الحلوة.
هتفت “فيروزة” بخفة:- بس كدا دا أنت تؤمر ياعموره بس أبقى هات سفيان يقضي اليوم معانا.
– حاضر من عنيا..وفى هذا الاثناء دلف إليه “عامر” الذي قال: – عمران فاضي ولا مشغول.
هتفت “فيروزة” بلهفة: بابا…
– اه.
التفت الأخر ببصره نحوه ليقول بهدوء وهو يشير إليه بالجلوس : – أتفضل ياسيادة اللواء. ثم هتف إلى “فيروزة” قائلاً بهمس: حبيبتي أنا مضطر اقفل دلوقتى.
أجابته بصوت ممزوج ببعض من الحزن:- متتأخرش عليا.
– متقلقيش مش هتأخر.
أغلقت الهاتف معه وولجت إلى المطبخ لتعد وليمة من الطعام الشهي، ثم أخرجت بعض الخضروات واللحوم من الثلاجة وبدأت بالطبخ بكل مهارة فهذة غايتها المحببة.
بعد مرور أكثر من ٣ ساعات فى قصر “عمران”، كانت والدته تتحدث قائلة: أنت هتاخد ابنك على فين.
هبط من على درجات السلم وهو يمسك بيد ابنه، قائلاً بأبتسامة: – رايحين مشوار مهم أنا وبطلي مش كدا ياسفيان.
رفع الصغير رأسه نحو جدته ليقول بحماس:
– طبعاً مشوار مهم جدا.
نظرت إليهم الأخرى: نفسي أعرف مشاوير ايه اللى بقالكم فترة بتروحوها دى، وكل لما أسألكم تقولى مشوار مهم.
دن منها “عمران” ليقبل مقدمة رأسها:
– اوعدك ياأمي فى أقرب وقت هقولك على كل حاجة.
أطلقت تنهيدة هادئة ثم قالت بحنان:
– ماشى ياحبيبي زي ما تحبوا بس خلى بالك من ابنك ومن نفسك ومتنساش تخلى البيه الصغير يلبس الجاكت بتاعه لان الجو برا برد.
– حاضر ياأمي.
جاءت “روفيدة” راكضه من غرفة الصالون تصيح بصوت عالٍ: – أستني يا أبيه عيزاك فى موضوع.
التفت برأسه نحوها متسائلاً:- نعم يافوفة هانم عايزة ايه.
أمسكت بيديه بعد نظرت إليه راجية:
– ممكن لما ترجع من برا تجبلي شوية طلبات صغيرة.
قرص أرنبة أنفها ليقول بمرح:
– وياتري طلباتك ايه المرادي ياست فوفة، يارب ميكنش حاجة مش موجودة فى تاريخ البشرية أصل أنا عرفك بتطلبي حاجات صعب نلقيها.
– لا متقلقش أنا عايزة شوية حاجات للتسالي مش أكتر بس يكونوا كتير يعني مثلا تجبلي ٣٠ شوكولاتية من النوع الكبير، ١٥ كيس شيبسي، وتجبلي كمان شوية حلويات بص هات أي حاجة حلوة تقابلك.
بينما “عمران” كان ينظر إليها بذهول:- ثواني بس هو انتي هتاكلي كل دا لوحدك.
– ايوة أومال أنت فاكر ان فى حد يقدر بس يقرب من الحاجات بتاعتي دا أنا كنت كلته
عمران: أه هو انتي هتقوليلي .
هتفت “روفيدة” بتذمر: – هتجيب ولا لأ.
– حاضر هجبلك بس متجيش بعد كدا تقوليلي الحقني ياعمران أنا تعبانه بموت.
جاءهم صوت “سفيان” الصغير قائلاً:- ماهى هتموت من كتر الطفاسة يابابي.
تحدث “عمران” بحده: – سفيان عيب دى عمتك ومينفعش تقول عليها كدا.
هتفت والدته التى كانت تبتسم بخفة على حديث حفيدها:- سيبه ياعمران الواد عنده حق هو مغلطش فى حاجة.
نظرت إليها “روفيدة” بضيق قائلة: – ماما حضرتك بتقفي فى صف ابن أبنك وبتنصريه عليا.
– ايوة اذا كان عجبك، وبعدين يلا ياعمران علشان متتأخرش على مشوارك .
-ماشى ياست الكل مش عايزة حاجة اجبهالك.
– عايزة سلامتك ياحبيبي.
____________________________________
كانت صاحبة الشعر الذهبي واقفة أمام المرآة تعدل هيئتها بعد ما مشطت شعرها، ثم أخذت تنظر إلي نفسها بأعجاب شديد فأنها رائعة للغاية بتلك الملامح الهادئة،
ثم اتجهت إلى الصالة لتلقي نظرة سريعة على الطعام المغطى الذى وضعته منذ دقائق على السفرة، ولكنها التفتت ببصرها تنظر إلى ساعة الحائط خلفها لتجده التوقيت فى الساعة ٨:٣٠ مساءاً، مرت بضع لحظات لتسمع صوت تكة المفتاح فى الباب حينها نبض قلبها على أثر ذلك، تنفست بهدوء وهى تنظر أتجاه الباب بلهفة لتجد “سفيان” يركض نحوها، أبتسمت بخفة بعد ما ضمته إليها بحب، ثم قالت:- وحشتني أوي ياسفيان.
أبتعدت عنه قليلاً وهى تقبل وجنتيه الصغيرة، بينما هو قال برقة طفولية:- وأنتي كمان وحشتي سفيان اوي اوي.
– ياروحي أنت بس ايه كل الحلاوة دي طالع زي القمر.
سفيان: أنا طول عمري قمر أصلا.
ضحكت “فيروزة” بخفة وهى تقول: طبعا لكن ياتري أنت طالع قمر كدا لمين.
أتاها صوت “عمران” الذى كان يحمل باقة ورد بيديه ليعطيها أياه، قائلاً بمرح: أكيد يافيروزتي طالع لابوه ولا أنتي عندك رأى تاني غير ده.
نظرت إليه بعيون لامعه فأبتسمت بحياء: لا معنديش رأى تاني غير رأيك.
– طب ايه مش ناوية تاكلينا.
– لا طبعا الأكل جاهز على السفرة أنا عملتلكم كل الأنواع اللى بتحبوها.
هتف الصغير بسعادة:- بجد يعني أنتي عملتيلي مكرونة بالبشاميل وبانيه وسجق.
مسدت على شعره بحنان:- ايوة ياحبيبي .
عمران: طب وأنا ولا عملتي لسفيان بس.
– عملت ليك حمام ومحشى وطاجن بامية وكفته.
نظر إليها بصدمة ليقول: أنتي بتتكلمي بجد ولا بتهزري.
-والله بتكلم بجد وبعدين لو مش مصدقني تعال شيل الغطاء من على الأطباق وانت تعرف بنفسك أني بتكلم بجد..
– طبعا مصدقك ياحب.
بعد ساعة كان يقف على مرحاض المطبخ يغسل الأطباق بكل نغم، بينما هى كانت تنظر إليه بحب فأتاها صوته السعيد: بجد تسلم أيدك الاكل كان تحفه.
– بألف هنا ياروحي…
أتجهت نحو الفرن لتخرج منه الكيكة لتضع عليها صوص الشوكولاته، ثم وضعتها فى الأطباق بينما الأخر قام بملئ الأكواب بعصير البرتقال المحببة لديهم، حينها حمل الصينية الخشبية المحملة بتلك الأشياء ليتجهوا بها إلى الخارج، لتبدأ سهرة أسرية سعيدة فى جو دافئ وهادئ يستمعون لمسرحية العيال كبرت ليسود هذا الجو ضحكات فرحة نابعة من القلب.
فى قصر الراشدي
كان “عامر” يجلس فى الحديقة شارداً فى تلك الأوراق المتساقطة من أغصان الشجر، فأتى إليه “أدم” الذى جلس مقابلة فانتبه الأخر لوجوده معه ليتسال بلهفة:
– قولي عملت ايه عرفت حاجة عنها.
اردف “أدم” بيأس: – للأسف يابابا معرفتش أى حاجة عنها عملت كل اللى أقدر عليه حتى اصحابي اللى كنت مكلفهم يدوره عليها مجبوليش أى خبر يخصها مش عارف بس هتكون راحت فين.
زفر “عامر” بضيق وهو ينهض من مكانه ليقول بأرهاق:
– يعني ايه يعني أنا كدا بنتي ضاعت مني ومش هشوفها تاني.
نظر إليه “أدم” بحزن ليقول بهدوء:
– إن شاء الله هنلاقيها يابابا بس حضرتك أهدى وكل حاجة هتبقى كويسة.
التفت الأخر ببصره نحوه وهو يضع يديه على صدره المتألم:-أهدي ازاى وأختك معرفش حاجة عنها خايف ليكون حد اذاها مش هستحمل لو جرالها حاجة ياأدم، أنا مابقتش قادر استحمل غيابها عني أكتر من كدا ليه محدش فيكم حاسس بالنار اللى جوايا.
لم يلبث قليلاً ليشعر بأختناق شديد يتملك منه فبدأ جسده يتعرق من أثر ذلك، ليزداد ألم قلبه اضعافاً لاحظ “أدم” ميل وجه أبيه إلى الشحوب ليقترب منه سريعاً ليقم بأسناده، فقال بقلق: – بابا مالك.
بينما الاخر فقد أحمر وجهه وضاق صدره ليقول بتعب وهو يسقط على قدميه:
– مش قادر أتنفس حاسس أن روحي بتتسحب.
تحدث “أدم” بخوف شديد:-مالك يابابا متخوفنيش عليك…ثم صاح بأعلى صوته منادياً على أخويه بعد أن رأى فقدان ابيه للوعي:
– أنيس…ياأنييييس …. عمر حد يلحقني بابا بيروح مني.
فى المستشفي خرج الطبيب من العناية ليقترب منهما بعد أن سأله “أنيس” عن حال أبيه ليردف الأخر قائلاً بهدوء:- أتعرض لأزمة قلبية وبسببها هيفضل يومين تحت الأجهزة لمراقبة حالته الصحية.
تحدث “أدم” بقلق:- يعني بابا هيبقى كويس.
أجابه الطبيب :- إن شاء الله متقلقش هيبقى كويس وطبعا الدكتور أنيس عارف ازاى هيتعامل مع الوضع ده.
جلست “نازلي” على أحد المقاعد الحديدية لتضع وجهه بين يديه تبكي بصمت، حينها أقترب “أنيس” وجلس بجانبها قائلاً: – متقلقيش هيبقى كويس أزمة وهتعدي على خير.
أردفت والدته وهى مازالت على تلك الوضعية قائلة بحزن: – هو ليه بيحصلنا كدا أشمعنا أحنا ليه دايما بيحصلنا مشاكل أمتى بقا نرتاح، أنا بجد تعبت مبقاش جوانا غير الوجع والحزن.
– متقوليش كدا ياأمي كل حاجة هترجع زي الأول وبابا ربنا هيشفيه وفيروزة هترجعلنا صدقيني هى كلها مسألة وقت مش أكتر فهوني كل نفسك.
بكت أكثر عند ذكر أسم ابنتها فقام الأخر بضمها بين ذراعيه.
فى اليوم التالي
كان “عمران” يُدندن بمرح ناظراً إلى تلك الفتاة التى سلبت عقله: – ومعاك قلبي وبلاش تغيب عن عينى بتوحشني.
ضحكت “فيروزة” بخفة ثم أخذت تضرب كف على كف لتقول بذهول:
– ياروحي دي حالتك متأخرة أوي، لا انت تاخد قلبك اهوه ياسيدي وتبعد عني انا مليش في شغل السهوكه دا.
حدق بها بحزن مصطنع ليقول:
– سهوكه بقا كدا يعنى اهون عليكى يابيبى.
أطلقت الأخرى صوت رنة ضاحكة عالية :- عمران أنت بجد مالك شكلك مش طبيعى.
أردف “عمران” بهيام قائلاً:- بحبك بعشقك ياروزتي انتى ليه مش حاسه بيا دا انتى لو كنتى حجر كان نطق.
هتفت “فيروزة” بهدوء وهى تضع خصلة شعرها خلف أذنيها بخفه:
– اديك قولت لو كنت بقا لكن أنا فيروزة.
قام بلمس وجنتيها برقة بالغة جعلت جسدها يرتجف من أثر لمسته ليهمس إليها :
– تعرفي أن انتى أحلى فيروزة فى الدنيا.
رفعت نظرها إليه قائلة :- عمران انت بتحبنى بجد.
بينما هو تحدث قائلًا: – لسه بتشكى فى محبتى ليكي.
حدقت بعيناه لتهمس برقة:
– مش بشك فى محبتك لكن بحب أسمعك وأنت بتعترف بحبك ليا وبحب أسمع أسمى بصوتك.
تحدث “عمران” بمشاعر صادقة وبعشق جارف:
-أنتى روحى وعشقى ومقدرش اتخيل حياتى من غيرك ولو ليوم واحد يافيروزتي أنتى فرحتى وشمسى وقمرى ونور عيونى ورفيقة دربى .
فى هذا الأثناء ولج إليهما “سفيان” الذى كان يحمل هاتف والده بقبضة يديه الصغير قائلاً: – بابي تليفونك بيرن.
أخذه الأخر منه ليرى من المتصل فكان زوج شقيقته:
– ربنا يستر وميكنش أتخانقوا مع بعض تاني، ثم قام بتمرير يديه على الهاتف لياتيه صوت الأخر قائلاً:
-ايه يابني ساعة علشان ترد.
أجابه “عمران” بهدوء:- والله بقلق لما بترن عليا بحس أن فيه مصيبة أحكيلي ايه اللى حصل تاني.
– متقلقش محصلش خناقة بينا الموضوع بعيد كل البعد عنها.
– أومال ايه اللى خلاك تتصل .
– هو أنت معرفتش باللى حصل للسيادة اللواء عامر.
هتف “عمران” بقلق حين التفت ببصره نحو “فيروزة”:
– ماله سيادة اللواء ؟.
تصنمت يديها التى كانت تعبث بشعر الصغير لتقول بقلق واضح فى نبرتها:- عمران بابا ماله.
بينما الأخر وضع الهاتف فى سترته بعد الإنتهاء من المكالمة ومعرفته بالوعكة الصحية التى أصابة” عامر”، أقترب منها بحذر فمد يديه ليمسد على يديها برفق محاولاً التحدث بهدوء، فأتاه صوتها المرجؤ مرة أخري:
– بالله عليك قولي فيه ايه وليه وشك أصفر بعد المكالمة دي ايه اللى عرفته عن بابا خلاك بالشكل ده.
أجابها بتردد قائلًا:
– باباكى أتعرض لأزمة قلبية وهو دلوقتى فى المستشفي.
شعرت بذاك الوقت بأن الدهر توقف عند هذة الجملة، فبدأت عيناها تسيل بالدموع كالشلالات المتدفقة ليحتويها “عمران” محاولاً تهدئتها بينما هى قالت من وسط بكائها: -بابا كويس صح …ومش هيسبني لوحدي.
– هيبقى كويس ومش هيسيبك.
رفعت رأسها ورمقته بنظرات خائفة من الفقدان فقالت بتوسل: -أرجوك ياعمران خدني أشوفه علشان خاطري.
أجابها الأخر بحزن وهو يمسد على شعرها:
– حاضر بس انتي متأكدة أنك عايز تشوفيه لانك كدا هتظهرلي للكل.
اؤمات بالإيجاب ليكمل حديثه:
– ماشى هوديك بس الأول أهدي مينفعش تشوفيه بحالتك دي.
بعد مدة كانت جالسة فى السيارة بجانب “عمران” تفرك يديها بتوتر شديد ومازالت عيناها تتساقط لاأراديا بالدموع، بينما الطفل الصغير أعاده والده فى طريقه إلى القصر، ثم أتجه نحو المستشفي، وحين وصلهم ولجت إلى المكان حيثُ ترقد به العائلة لترى أمامها والدتها واختها جالسين على المقعد، وفى هذا الاثناء أنتبه إليها “أنيس” الذى حدق بها بصدمة ألجمته فقال هامساً: -فيروزة!
رفعت “نازلي” رأسها بعد وقوع هذا الاسم على مسمعها لتنهض سريعاً من مكانها وهى تشاهد أبنتها تخطو نحوها بثقل، لترقرق عيناها بالدمع بينما الأخرى وقفت مقابلها بجسد مرتجف فهي كانت تخشي هذا اللقاء، دنت منها والدتها وهى تتحسس وجهها بيد مرتعشة تخشي من أن يكون هذا حلمٌ، فقالت بصوت باكي:
– بنتي أنتى هنا ولا أنا بتخيل…ردي عليا و قوليلي أني مش بحلم زي كل يوم أنتى فعلا هنا فيروزة ياعمري أنتى.. فقامت بضمها بقوة وهى مازالت تبكي وتشكي من غيابها عنها لتلك المدة فقد كان عقابها قاسياً عليها، فكانت “فيروزة” فى حالة لاتقل عن حالة والدتها فكلايهما يبكيان بشدة جعلت المتوقفون يدمعن
لحالتهن.
تحدثت “نازلي” من بين بكائها:- ليه عملتي كدا ليه مشيتي وسبتيني ازاى هونت عليكي بجد حرام انتي وجعتي قلب أمك عليكي.
أجابتها الأخرى وهى مازالت فى أحضانها:
– مكنش ينفع افضل بعد كل اللى حصل ياأمي، أنا كنت تعبانه أوي ووجودي هناك كان هيتعبني أكتر.
أبتعدت “نازلي” عنها قليلاً لتجفف وجه ابنتها من تلك المياه التى تسيل على وجنتيها ثم قالت:
– من هنا ورايح مش هتبعدى عننا تاني فاهمة.
-حاضر.
بينما “أنيس” و”لارين” أقتربوا منها ليضموها بقوة ليعبرون عن مدى اشتياقهم لها، ولم يخلوا هذا من المعاتبة، وعند إذ تحدثت “لارين” بحزن: -شوفتى اللى حصل لبابا يافيروزة، انتي متعرفيش هو قد ايه كان حزين أوي لبعدك عنه وبسبب ده هو تعب وخايفة ليبعد عننا.
هتفت “فيروزة” بألم قائلة:- متقوليش كدا بابا هيبقى كويس ومش هيسبنا، نطقت بهذا وهى تنظر إلى “عمران” تستمد منه القوة والأمان.
بعد خضون دقائق ولجت إلى العناية بمفردها بعد ما سمح الطبيب بهذا، حيث أن عيناها امتئلت مرة أخرى بالدموع بعد ما رأته ضعيفاً فى تلك الحالة مواصلاً بأجهزة، دنت منه وهى تشعر بنبضات قلبها ستخرج من مكانها جلست بجانب الفراش برفق وهى تمسك بكفه قائلة بحزن شديد وبكاء:
– بابا أنت سامعني أنا فيروزة بنتك، تعرف أنك وحشتني أوي مكنتش أعرف أن أول ما اسمع أنك تعبان انهار بالطريقة دي، حاولت أبقى قاسية بس مقدرتش لأنك أغلي انسان عندي برغم كل اللى حصل، أرجوك قوم انا محتاجاك جمبي، أنت لتاني مرة عايز تكون أناني معايا وتحرمني منك أنا لسه معشتش معاك شعور الابوة اللى كنت بحلم بيه، نفسي أحس بحبك ليا وان أنا بنتك فعلاً، أنت مش كنت عايز تعوضني علي السنين اللى فاتت دلوقتي أنا جيت يلا قوم وعوضني وأوعدك أني مش هزعلك ابدا فى حياتي..
شهقت بعنف وهى تهتف قائلة بدون وعي:
– ارجوك يابابا ماتموتش دلوقتى وتسبني علشان خاطري أنا فيروزة، وضعت رأسها على كتفه برفق وهى تبكي بأنهيار وصوت شهقاتها يعلو، شعرت بيد تربت عليها ثم أتاها صوت مجهد قائلاً بحنان:- هعوضك عن كل حاجة ياقلب أبوكي.
ابتعدت برفق ثم قالت بصدمة فارحة:-بابا أنت فوقت أنا بجد مش مصدقة، قفزت من مكانها: أنا لازم أعرف الكل برا، لكن مانعها والدها من الخروج قائلاً بأرهاق:
– لا تعالي قربي عايز أشبع من شوفتك قبل ما حد يدخل، أنتي متعرفيش قد ايه كنتي وحشاني بجد أنا فرحان اني تعبت لو كنت أعرف من الأول أنك هتيجي لما اتعب كنت تعبت من بدري، ومكنتش عيشت طول الفترة دي فى حزن وقهرة.
اقتربت مرة أخرى تقبل مقدمة رأسه ثم قالت بحزن:
– أنا اسفة مكنتش أعرف أن غيابي هيعيشكم فى حزن بالشكل ده.
هتف “عامر” بعيون دامعة:- أنا اللى أسف…بسببي حياتك ادمرت و فضلتي تعاني طول السنين اللى فاتت..سامحيني يابنتي مقدرتش احميكي من كل اللى حواليكي وسامحيني على معاملتي ليكي.
أخذت تمسح وجهه من أثر البكاء قائلة بابتسامة رقيقة:
– مسمحاك بس أرجوك انسي كل اللى حصل كفاية وجع وحزن، عيزاك ترجع بابا القوي لان لسه قدامك مهمة طويلة جدا علشان تعوضني وتراضيني كمان.
قبل يديها بخفة ثم قال بحب أبوي: – بس كدا …دا أنا هعملك كل حاجة انتي تتمنيها…لكن فى سؤال فى بالي كنتي فين طول المدة دي.
ابتعدت “فيروزة” عنه لتقول بتوتر:- اقولك بس متزعقش ولا تتعصب.
نظر إليها بطرف عينه ليقول بترقب:- قولي متخافيش.
هتفت سريعاً:- كنت عند عمران فى بيته.
ظلّ “عامر” محدقاً بها ثم تحدث بضيق:
– يعني كنتي عند عمران بيه واتاريني بقول ليه الواد بيتعامل معانا بهدوء وبكل برودة أعصاب بعد ماكان بيعمل كل ما بوسعه حتى نلاقيكي لما كنتي مخطوفة أتاري البيه مخبيكي عنده وسيبني الف حولين نفسي ومنهار عليكي ماشى ياعمران الزفت لما أفوق والله لاوريك.
-يابابا عمران ملهوش دعوة أنا طلبت مساعدته والراجل يشكر ساعدني بكل ترحاب وغير كدا أن اللى نبهت عليه ميقولش لحد فيكم إلا لموت نفسي وهو خاف عليا مش أكتر.
– بس دا ميمنعش بردو من أني أعلمه الأدب.
هتفت “فيروزة” بضيق: – بابا لو حضرتك عملت حاجة له أو زعلته بكلمه بجد أنا همشي ووقتها مش هتعرفلي طريق كله إلا عمران.
نظر إليها والدها بعدم تصديق ليضحك بتعب قائلاً:
– بجد أنا مش مصدق اللى بسمعه انتي خايفة عليه للدرجاتي مني.
خفضت رأسها بحرج ليكمل هو بأبتسامة:
-لا شكل الموضوع أكبر من كدا بكتير.
– ممكن حضرتك ترتاح شوية لأنك لسه تعبان وأنا هنادي الدكتور يجي يشوفك.
________________________________________
بعد أسبوعين
فى القصر وتحديداً فى غرفة المعيشة كان يجلس “عامر” بين أفراد عائلته محتضن “فيروزة”، فقد مكث فى المستشفي لمدة ثلاثة أيام، أردف “عمر” بمرح:
– وأخيراً رجعنا أتجمعنا تاني من أول وجديد حقيقي ياروزا البيت نور لما رجعتي، مع أن أنا كنت زعلان منك بس يلا مش مهم أهم حاجة أنك معانا.
بينما “الجدة” تحدثت قائلة بأبتسامة:- ربنا يديم لمتنا ويبعد عننا أى حاجة وحشة.
جاءت “سارة” من المطبخ وهى تحمل بيديها صينيه مليئة بأكواب العصير لتقدم لكل واحد منها كأسه الخاص، ثم جلست بجانب زوجها قائلة بسعادة:
– بجد أنا مش مصدقة أن روزا قاعدة معانا دلوقتي، مش قادرة أوصفلكم قد ليه أنا فرحانة.
نظرت إليها “فيروزة” وتلك البسمة لم تفارق شفتيها، فقالت:- وأنا كمان فرحانة بوجودكم حواليا…وبعدين ياسارة يلا شدي حيلك وهاتلنا بيبي صغنون يقولي ياعمتو.
تحدث “أدم” هذة المرة قائلاً:- متقلقيش ياروزا قريب أوي وهيبقى عندنا بيبي.
مرت دقائق وهم يتحدثون فى أمور عديدة، فنهضت “فيروزة” من مكانها وأتجهت نحو الأعلي إلى غرفتها، ثم أغلقت الباب خلفها وجلست على الأريكة لترجى مكالمة: ينفع كدا بقالك يومين مكلمتنيش ميكنش ماصدقت تخلص مني.
أتاها صوته الحنون قائلاً:-ابداً والله أنا قولت اسيبك تقضي وقت مع أهلك من غير ما أزعجك، تعرفي أن يومي وحش من غيرك.
– دا بجد ولا بتقولي كدا علشان أسكت ياعمران بيه.
– لا بتكلم بجد ياقلب عمران …قوليلي بقا أخبارك ايه فى حد من اللى عندك مزعلك فى حاجة.
اردفت الأخرى وهى تمسك بخصلات شعرها الذهبي قائلة:- لا بالعكس كلهم هنا بيحاولوا يعملولي أي حاجة علشان يفرحوني وده فى حد ذاته مخليني مبسوطة.
– طب الحمدلله ربنا يفرحك دايماً ياحبيبتي، بقولك ايه.
-نعم.
– وحشتيني أوي يافيروزتي.
اردفت بخجل قائلة:- وأنت كمان وحشتني.
– على بليل بعد ما أخلص الشغل هعدي على سيادة اللواء لان فى موضوع مهم هكلمه فيه.
– موضوع ايه؟.
– موضوع يخص الشغل فمتشغليش بالك.
– ماشى.
أنهت المكالمة ثم خرجت من غرفتها وفى أثناء سيرها تعثرت قدميها فى أحدى فراش الأرضية، كادت أن تسقط على وجهها بسبب ذاك الفستان الطويل، لولا تلك اليد التى أنقذتها من هذة الوقعة، التفتت بجسدها لترى “وليد” ممسكاً بها فأبتعدت عنه سريعاً، قائلة بحياء:
– أنا اسفة مخدتش بالي .
نظر إليها بصبر تام ليتفحص وجهها المُشع بالبهجة فقال بأبتسامة:- عادي ولا يهمك بس خدي بالك بعد كدا لتقعي.
أؤمات رأسها بنعم وهمت بالذهاب لكنه منعها ممسكاً بها مرة أخرى قائلاً:- ينفع نقعد مع بعض نتكلم شوية.
تحدثت “فيروزة” بهدوء:- أشمعنا فى حاجة ولا ايه .
-مش شرط يكون فى حاجة بس احنا بقالنا فترة كبيرة مقعدناش مع بعض ولا اتكلمنا زي الأول، ف لو ينفع على بليل وقت ماتكوني فاضية نقعد نسهر شوية فى حديقة القصر وندردش دا لو معندكيش مانع بجد هبقى ممتن ليكي بالشوية اللى هقعدهم معاكي.
أجابته “فيروزة” بهدوء قائلة بأبتسامة:-تمام مفيش مشكلة.
فى المساء خرج “عمران” من مكتب “عامر” وعلى ثغره ابتسامة سعيدة، فقابلته “فيروزة” الذى قالت مندهشة:
-شكلك فرحان ياتري ايه اللى حصل جوا خلاك مبسوط بالشكل ده.
دن منها ليقبلها برفق على وجنتيها ثم قال بنبرة لطيفة:
– على ما أعتقد اللواء هو اللى يملك الأجابة مش أنا.
قطبت حاجبيها قائلة بفضول: -أنا مش فاهمة حاجة متقولي أنت.
-حبيبي متبقيش فضوليه كل حاجة هتعرفيها فى أوانها ماشى يافيروزتي.
تنهدت بهدوء ثم قالت برقة:- خلاص ماشى هتعمل ايه دلوقتي، تعالي اقعد معانا جوا شوية واهو تتعرف على العيلة أكتر.
مسد على شعرها بحنان ليقول:- اعذريني المرادي فى وقت تاني لان مشغول ولازم أمشي.
– عمران.
– نعم.
– أنا مش عايزة اقعد هنا.
نظر إليها ليقول متسائلاً:- أومال عايزة تقعدي فين.
ابتسمت بخفة ثم قالت بحياء:- عايزة ارجع أقعد معاك، أنت متعرفش أن وجودك حواليا بيخليني حاسة بالأمان.
ضمها إليه مربتاً عليها برفق:- هانت يافيروزة هانت وكل اللى بتتمنيه هيحصل قريب بإذن الله.
أتاها صوته من بين أحضانه:- يعني ايه.
– فى وقتها هتعرفي.
فى هذا الاثناء كان “وليد” يقف بعيداً خلف أحدى العمدان ينظر إليهما بغضب شديد، فكان يشعر بالغيرة تفتك به، ظلّ يحدق بهما ليعقد بداخله على فعل شئ قبل أن يفوت الآوان.
بعد منتصف الليل كانت مستلقية على الفراش فأتاها صوت طرقات الباب، فعدلت من جلستها وهى تأذن للطارق لتجد والدها يلج إليها قائلاً بهدوء:
– نايمة ولا صاحية.
-تعالى يابابا أنا صاحية.
جلس بجانبها لينظر بأتجاه “فيروزة” فرأئها تبتسم بخفة وبريق عيناها تلمعان فقال هو بأبتسامة: – تعرفي أن وجودك رد فيا الروح، بجد أنا كنت حاسس بضياع وانتي غايبة عننا، وأتمنى بجد من كل قلبي أنك متكونيش لسه زعلانه مني.
ارتمت بين ذراعيه بخفة لتقول بهدوء:
– حبيبي أنا مش زعلانه منك، تعرف يابابا أن أنا طول عمري قبل ما أعرف أني بنتك بجد كنت بتمني أبقى بنتك من لحمك ودمك، لما عرفت بالحقيقة متعرفش أنا قد ايه فرحت بس اللى حصل خلاني أنسي الفرح وكل حاجة لكن دلوقتي خلاص رجعت حياتي لطبيعتها.
ابتعدت عنه لتراه يبكي بحزن فالتمعت عيناها بالدمع لتقول:
– ليه بس العياط ياحبيبي هتخليني أعيط أنا كمان، أخذت تجفف وجهه ثم اكملت: – علشان خاطري لو بتحبني بلاش حزن تاني أرجوك يابابا خلينا ننسي اللى فات ونبدأ من جديد.
أجابها “عامر” بأرهاق وبكاء:- أنا كنت أب سيئ أوى يافيروزة فرقت بينك وبين أختك وكنت بهرب منك طول الوقت وظلمتك أوي وأجبرتك تتجوزي من الحيوان رائف وجيت عليكي كتير، يوم لما قولتلك أرجعي لشقة الزفت مكنش هان عليا أخليكي تمشي كان غصب عني كنت موجوع اوي وخايف ليحصلك حاجة وحشة وفى كل خطوة كنتي بتمشيها لقدام كانت روحي بتتسحب معاكي مكنش سهل عليا ابعت حته مني لحد الموت برجليها أنا كل اللى عملته كان خارج أرداي…
جاءت أن تتحدث فأمرها بالصمت ليكمل قائلاً:
– بعد ما مشيت فى نفس اليوم عرفت أنك بنتي اللى خلفتها على قد ما حسيت بالفرحة على قد ما اتقهرت، وكان سيناريو حياتك بيمر قدام عينيا، عارفة ليه كنت بهرب منك دايما لان لما كنت بشوفك كنت بحس بوجع فى قلبي كنتي بتفكريني بكارما وهي صغيرة حاجة جوايا بتقول انها أنتي وحاجة تانية تقول ازاى بنتك ماتت وانت دفنتها بنفسك وبسبب كل التفكير ده كنت ببعد….تعرفي يافيروزة أنك أكتر واحدة في أخواتك اللى ليكي معزة خاصة ومميزة فى قلبي حتى من قبل ما اعرف أنك بنتي الحقيقية بس مكنتش بابين ده، عارف أن أنا كنت غبي أوي وبسبب غبائي كنت هضيعك مني بس أوعدك هكون ليكي الاب اللى بتتمنيه بس أنتي تكوني مسمحاني .
قبلت يديه ثم رفعت رأسها إليها قائلة بحنان:
– لو مكنتش مسمحاك مكنش زماني موجودة معاكم هنا.
أبتسم من وسط بكائه ليقول بهدوء:- كان زمانك دلوقتي عند عمران، بالمناسبة فى موضوع بخصوص سيادة المقدم عايز أكلمك فيه.
أردفت “فيروزة” بتوتر:- موضوع ايه.
أجابها “عامر” بأبتسامة لطيفة:- الصراحة هما موضوعين واحد بخصوص عمران والتاني بخصوص وليد، نظر إليها بهدوء ثم أكمل قائلاً:- الاتنين طالبين أيدك.
تحدثت الأخرى ببعض من الغباء:- طالبين ايدي ازاي مش فاهمة.
ربت على يديها برفق ثم قال بنبرة سعيدة:
– عايزين يتجوزوكي وانا قولتلهم هاخد رأيها الأول وهى اللى هتختار مين اللى هتعيش معاه ف أنتي ايه رايك، وليد كان خطيبك قبل كدا وكنتوا هتتجوزوا وانتي كنتي بتحبيه وهو كمان كذلك لسه بيحبك دا غير انه اتغير فعلا وندمان على اللى عمله ومحتاج فرصة تانية…وعمران شاب كويس جدا وراجل بمعني الكلمة وباين عليه بيحبك أوي.
أخذت نفس عميق ثم قالت بهدوء:
– وليد مجرد صفحة وانتهت من أول ما قلعت دبلته وعمر اللى كان مابينا هيرجع تاني.
عامر: طب وعمران .
اتسعت ابتسامتها وتوردت وجنتيها فقالت بحياء ورقة:
– اللى حضرتك شايفه صح اعمله وانا مش هعترض.
أحتواها بين ذراعيه ليهتف بمرح:
– يبقى نقول مبروك مش كدا.
هزت رأسها بالإيجاب فقال متسائلاً: – بتحبيه؟.
أجابته “فيروزة” قائلة بخجل:
– اه، حضرتك متعرفش عمران بالنسبالي ايه يعتبر هو كل حياتي عمري ما حبيت حد زي ما حبيته، ولا هلاقي راجل زيه يحبني بالطريقة دي دا عمل كل حاجة علشاني وحافظ عليا لما كنت فى بيته وكان بيفضل سهران جمبي طول فترة تعبي ومكنش بيعرف ينام بسبب صراخي طول الليل لما كنت بحلم بأحلام مزعجة
كان بيهون عليا كتير وهو اللى خرجني من اللى كنت فيه عمري ما هنسي وقفته معايا ولا حنيته عليا ولا الأمان اللى بحسه بيه فى وجوده هو قوتي وسندي وشريك حياتي.
هتف “عامر” بأبتسامة بشوشة:- يااااه دا أنتي طلعتي واقعة يابنت عامر.
دفنت رأسها بين ذراعيه أكثر ليمسد على شعرها بحنان أبوي وظلّ بجانبها طوال الليل ليعوض تلك الأيام الفائتة من غياب.
بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط أتفق “عامر” مع “عمران” على ميعاد الزفاف الذي سيقام بعد يوم، بينما الليلة فقد أجمعوا الفتايات على قيام ليلة حناء خاصة بالعروس، فقمن بتزين القصر بتلك الورود والانوار المبهجة لتملئ المكان سعادة وفرحة ليس لها مثيل، أخذ “عامر” الشباب خارج القصر بعد ما تم طردهم جميعاً من قبل الفتايات، ليتركهن على راحتهن فقد شاركت عائلة “عمران” بهذة المناسبة، تحدثت “الجدة” بعد ما مشطت شعرها وتزينت،، فقالت بحماس:
– والله أنا متحمسة أوي بقالنا فترة كبيرة معملناش حنة فى بيتنا زي زمان.
أجابتها “نازلي” بسعادة:- فعلاً ياأمي ربنا يديم فرحتنا ويكتر من أفراحنا.
التفتت ببصرها زوجة “أحمد” قائلة بأبتسامة:
– دلوقتي هيبقى فى عرض أزياء هيشتغل بعد شوية ايشي احمر واصفر وازرق هتبقى ليلة فل.
الجدة:- خليهم يلبسوا ويفرحوا هو أحنا بيجلنا فرح كل يوم يعني.
مر بضع دقائق لتأتي الفتياتات مرتدين افضل الثياب والمجوهرات، ولكن “فيروزة” كانت أجملهن فقد ارتدت ثوب فيروزي يلائم لون عينيها، وأطلقت سراح شعرها الذهبي الطويل للعناء تضع عليه تاجاً من الماس فقد كان على هيئة فروع وردية رقيقة أعطت لها شكلاً جذاباً للغاية، بينما “لارين” قامت بتشغيل السماعات على أغاني شعبية، وامسكت بيد أختها لتتراقص معها لتتعالي صوت الضحكات السعيدة بداخل القصر…
أتي الصباح بيوم مشرق لتبدا معه بداية جديدة فى حياة كل فرد من أفراد تلك العائلة، كان هؤلاء الشباب يجتمعن مع العريس ليتم تجهيزه جيداً فهذا زوج شقيقتهم الكبرى، فيجب أن يكون عريساً وسيماً على أكمل وجه، أتاهم صوت “عمر” جلاب المصائب قائلاً بمرح:
– شوفت لما عملتلك مسك وشك نور ازاى أبقى تعالى كل يوم وأنا اروقك على الأخر.
نظر إليه “عمران” ليقول بغرور:- أنا طول عمري منور مكنتش محتاج ماسكاتك أصلا.
هتف “عمر” قائلاً:- تصدق أنا غلطان…اقول ايه خيرٍ تعمل شرٍ تلقى..ثم أشار باصبعه على “عمران” الذى نظر إليه بطرف عينه.
بينما “أنيس” قام بدفع “عمر” بعيداً وهو يحمل بيديه بدلت العريس، فقال:- يلا ياعريس علشان البسك بدلتك..والله وعشت اليوم اللى البس فيه عريس روزا حبيبتي.
تحدث “عمران” بدهشة:- أنا ليه حاسس انكم شاربين حاجة أصل شكلكم مش طبيعي، وبعدين ايه البسك دي هات ياخويا هلبس لوحدي هو حد قالك عني أني لسه عيل صغير.
اجابه هذة المرة “معاذ” قائلاً:- لا ياحبيبي دا نذر علينا قطعناه أن أحنا نلبسك بدلتك فلازم نوفي بيه.
التفت الأخر ببصره نحوه ينظر إليه بصدمة، فأكمل “أدم” بتعجل: – يلا بقا ياسيادة المقدم كدا هتتاخر على العروسة..هات ياأنيس البدلة خلينا نخلص.
مرت عشر دقائق فقد ارتدي “عمران” البدلة السوداء وكان بكامل أناقته فأنه شاب وسيم حقاً كما قال الشاب “عمر”..
اطلق “طارق” صوت صُفيرة عالية ثم قال بذهول:
– وربنا البدلة هتاكل منك حته ايه الجمدان دا ياعمران.
جاء العم “أحمد” من خلف ليضرب “طارق” بخفة على رأسه قائلاً:- قوم بسم الله ماشاء الله يابأف هتحسد الواد وهو لسه مدخلش دنيا.
بينما عند “فيروزة” كانت تنظر فى المرآه بتوتر شديد تتفحص نفسها جيداً، فكانت ترتدي فستاناً ابيضاً منفوشاً مرصع بتلك الورود والاحجار البيضاء اللامعة وكأنها قطعة من الالماس، وتلك الطرحة الثقيلة تسيل على كامل جسدها فقد تم صُنعه خصيصاً لها، أغمضت عيناها لتقول بصوت مهزوز متسائلة: – شكلي حلو يابنات ولا أوفر.
لم تستمع إلى أصواتهن ففتحت عيناها مجدداً لتراهم محدقين بها:- مالكم متنحين كدا ليه شكلي وحش صح والله هعيط.
دنت منها والدتها وجهها يشع بهجة وسرور قائلة بسعادة:
– بجد أنا مش مصدقة عيني، الله أكبر عليكي طالعة زي البدر المنور.
– بجد ياماما.
أجابتها “نازلي” بأبتسامة وعيون دامعة من فرط السعادة:- بجد ياقلب ماما خايفة لحسدك ياروزا.
تحدثت “فيروزة” بتوتر:- أومال هما باصين ليا كدا ليه أكيد في حاجة غلط فى شكلي او فى الفستان.
اقتربت “سارة” و”لارين” و”سهر” ليضموها بقوة ليعبرون عن مدى فرحتهم بها، فأردفت “سارة” بأبتسامة:
– والله انتي قمرين مش قمر واحد، فعلاً يابخت عمران بيكي.
شاركتها الحديث “لارين” الذى قالت بمرح:
– فعلا يابخته طب تصدقي أنا خايفة لما يشوف جمالك وحلاوتك يلغي الفرح.
هتفت “سهر” بضحكة خفيفة:- والله مجنون ويعملها، ربنا يستر.
جاءت من خلفهم تلك “الجدة” العجوزة وهى تحمل بيديها مبخره لتقول بسعادة:
– وسعوا كدا يابنات خلوني أبخر حفيدتي وارقيها علشان محدش منكم يحسدها.
أنتهت من حديثها وهى تدور حول فيروزة تقرأ لها بعض الآيات القرآنية، وعند اذ ولج “عامر” إليهن لينظر إلى أبنته بسعادة فبدأ بالاقتراب منهما محاولاً التحكم بمشاعر الابوة لديه بمنعها من تلك الزيجة الذى ستبعدها عنه، ألتمعت عيناه بالدموع وهو يمرر بصره على فستانها ثم أقترب منها مقابلاً مقدمة رأسها ليقول بصوت أشبه بالبكاء:
– ماشاءالله تبارك الرحمن بنتي ونور عيني خلاص كبرت وبقت أجمل عروسة فى الدنيا، كان نفسي اقولك كلامك كتير بس حاسس أن لساني اتربط لما شوفتك فى فستانك، أتمني ليكي السعادة دايماً ربنا يبارك فيكي ويجعل ايامك مع جوزك كلها هنا وسعادة ياقلب أبوكي، ومتنسيش أن بيت ابوكي مفتوحلك طول الوقت لما تحبي تيجي هتلاقيني فى استقابلك، لو عليا يافيروزة مخلكيش تخرجى من هنا ولا تبعدي عن حضني بس دي سنة الحياة البنت لما بتكبر بتسيب بيت أبوها اللى اتربت فيه وفى حضنه وتروح بيت جوزها، عارفة من رغم أني فرحان ليكي لكن جوايا زعلان أنك هتمشي وتسبيني جوايا أحساس صعب وحلو فى نفس الوقت.
أرتمت “فيروزة” فى أحضانه قائلة ببكاء:
– خلاص الغي الفرح أنا مش عايزة أسيبك أصلا.
ربت على ظهرها بحنان ليقول من وسط بكائهم بأبتسامة لطيفة:- أنتي عايزة الواد يجي يقتلنا دا ممكن يجراله حاجة لو قولتله كدا.
ابتعدت عنه بهدوء ومازالت تنظر إليه:
– خلاص أنا كل يوم هاجي ازوركم علشان محسش أنكم بعيد عني.
هتف “عامر” بحنان:- انتي تيجي فى أى وقت أنتي عيزاه دا بيتك.
تحدثت “نازلي” بعد ما جففت بقايا البكاء من على خديها قائلة:- كفاية بقا خلتونا نعيط.
أقتربت “لارين” منهما ثم قالت برقة:
– بجد حرام ينفع كدا الميكاب بتاعي باظ بسبب العياط.
ضحك “عامر” بخفة ثم أمسك بيد “فيروزة”:
– يلا يابنتي خلينا ننزل العريس تحت بلاش نتأخر عليه أكتر من كدا.
فى وسط القصر كان يقف “عمران” يحمل باقة ورد بيضاء، يشعر بالتوتر بينما دقات قلبه كانت فى مسارعة شديدة، كأن هذة الزيجة الاولي له، فى هذا الاثناء أنتبه إلى حبيبته التى تهبط من على الدرجات ممسكة بيد أبيها، حينها التمع بريق عيناها بالسعادة مع زيادة ضربات قلبه الذى كاد أن يخرج من بين اضلعه، سار بخطوات مثقلة نحوها ثم وقف أمامها محدقاً بها بسعادة غامرة، فاتاه صوت “عامر” محذراً:
– أنا دلوقتي سلمتك روحي فلو بس سمعت أنك زعلتها أو عملتلها حاجة عارف هعمل فيك ايه.
نظر إليه “عمران” فقال بثقة:
– دي مراتي ورفيقة دربي حتى الممات، فأوعدك أن أنا عمري ما هزعلها ولا هجرحها بكلمه وهتبقى جوا عيني.
ربت “عامر” على كتفه قائلاً:
– وأنا واثق فيك ربنا يتمم فرحتكم على خير. ثم أبتعد عنهما ليعطيهم مساحتهم، دن “عمران” من “فيروزة” ليقبل يديه الصغيرة المرتجفة برفق ثم جبينها، ثم همس بحب:
– سبحان الله أجمل ما رأت عيني، اااه يارفيقة الروح وأخيراً بقيتي ملكي، بحبك يازهرة أيامي.
بتادلته الابتسامة بقلبٍ نابض هامسة برقة:
– وأنا بحبك يانبض فؤادي.
بينما “وليد” كان يقف جانباً ينظر إليها بعيون دامعة يشعر بالندم والحزن لخسارة محبوبته منذ الصغر، ولكن الآن الندم لا يفيد بشئ مسح دمعته سريعاً عندما وجد أخيه “طارق” يربت على كتفه مواسياً له.
بعد خضون دقائق تم وصول العروسين بعد ما تم زفهم بالعربيات إلى المكان المخصص بالحفل فكان يطل على البحر يحيطه تلك الزينة المخصصة بالزفاف، لتبدا سهرتهم الليلية فى جو مليئ بالسعادة والحب، وبعد مرور ساعتين قامت “فيروزة” بتغير ثوبها بثوب أخر رقيق متناسق من قماش الدانتيل المزخرف يصل إلى أخمص قدميها، مما جعلها تتحرك بكل أريحية.
أنتهت المناسبة بهدوء وأنسحب الحضور، بينما “عمران” ذهب مع زوجته فور أنتهاء الحفل إلى خارج البلاد لتبدأً حياة جديدة معه…
فكل فتاة منا تستحق شخصاً يشبها، تستحقين شخصاً يجعل اسمكِ جرساً موسيقياً يتكرر دوماً، ويتحدث عنكِ وكأنكِ عالمه الوحيد وأعظم انتصاراته،،
تستحقين شخصاً يسعي لرسم الابتسامة على وجهكِ الجميل، يدرك كل تفاصيلك الصغيرة والكبيرة، يجيد قراءة ملامحكِ، إشاراتك، عينيكِ، وكلماتك المهمة بين السطور،،
تستحقين شخصاً يأخذ طفولتكِ على محمل الجد،،
تستحقين شخصاً لا يتلون ولا يسعي لنحتك بصورة يفضلها، فقط يتعايش معكِ كما أنتِ، يعاملكِ وكأنكِ فراشة رقيقة يخشي كسرها.♥️♥️
تمت

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لحن الزعفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *