رواية ضروب العشق الفصل الأول 1 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الفصل الأول 1 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق البارت الأول
رواية ضروب العشق الجزء الأول
رواية ضروب العشق الحلقة الأولى
هناك بعض الاقاويل التي تصف العشق على أنه ” ثقة ”
ولكن في حال انقشاع الثقة وانحلال الخيانة والغدر والكذب محلها فسينقشع معها مفهوم العشق على أنه ثقة ويصبح يمثل بالنسبة لهم ماهو إلا تلاعب بالمشاعر كدمية على مسرح يحركها صانعها كما يشاء !! .
فتذوق طعم الغدر يماثل السم الذي لا تشعر بمذاقه حين يقدم لك في صحن طعام شهي ! ولكنه يسري في جسدك واعضائك فيدمرها ويجعل نهايتك الموت ! .
” ملاذ ”
كانت كامنة في مضجعها تضم ساقيها إلى صدرها تحملق أمامها في اللاشيء بشرود .. وكل دقيقة تسترجع لحظة اكتشافها لخيانته القذرة .. وكيف أنه شعور لا يزال يمزقها حتى الآن ، فقد كان متبقي على زواجهم شهر فقط ! ، من أين جاءته كل هذه القسوة ليفعل بها هكذا ! ، ورغم خداعه لها يحاول العودة !! .. وتحاوطها الذكريات المؤلمة من كل الجهات وتتناثر في الهواء كتراب هبت عاصفة قوية ففرقته ، ومن جهة ذكرياتها السعيدة وعشقها له الذي يشعل النيران في صدرها وتأكلها حتى النهاية ! .
لا تنسي وصف الجميع لها بالفتاة الفاتنة التي اخذت قلوب الرجال خلسة بابتسامتها التي رسمت كلوحة فنان ووضع لمسته عليها من الجانبين ” غمازتين ” ، وعيناها التي تأخذ لون البحر تمثل طلاسم خطيرة تسقطك في سحرها الأبدي ، شعرها الذي يميل للبني الغامق مع نعومة تشبه نعومة الحرير الأصلي .
طرق خفيف على الباب سمعته ولم تبالي للرد على الطارق والذي دخل فورًا بعد طرقه وكانت والدتها التي جلست بجوارها هاتفة بضيق بسيط :
_ هتقعدي لغاية إمتى كدا ياملاذ
نظرت لها بانكسار ولم تجيب وتولت دموعها الدور في التحدث فملست أمها على شعرها قائلة بأعين دافئة ومشفقة وهي تجيبها بشيء من الحدة :
_ ميستهلش كل زعلك ده عليه .. ده حيوان ولا يسوى !
خرج همسها الضعيف والعاجز المختلط بصوت دموعها :
_ أعمل أيه ياماما بحبه
أجابتها في سخط بسيط :
_ بتحبيه إيه !! .. لا أنا ولا أبوكي كنا موافقين عليه أساسًا وإنتي اللي صممتي اكمنك بتحبيه واحنا وافقنا وأهو إيه اللي حصل
نظرت أمامها تحدق بفراغ وتهمس بصوت مزقه الألم :
_ لغاية دلوقتي مش متخيلة إزاي عمل فيا كدا ، إزاي يخوني وأنا اللي كنت بثق فيه أكتر من نفسي .. لحد اللحظة دي وأنا مش مستعوبة اللي حصل وبقول أنا أكيد في كابوس وهصحى
قبضت على ذراعها بشيء من الحدة واللين هاتفة بصرامة :
_ لا إنتي مش كابوس ياملاذ دي الحقيقة ، فوقي وانسيه وبصي لحياتك إنتي لسا صغيرة وألف من يتمناكي ، اللي زي ده يابنتي ميستهلش غير الكره .. ميستهلش حبك النقي والصافي ليه لإن ميعرفش معنى الكلمة دي أساسًا
ثم اقتربت من شعرها الحريري وقبلته مغمغمة بحنان أمومي وصوت رقيق :
_ يلا قومي ياحبيبتي اغسلي وشك وصلي وتعالي برا عشان الغدا جاهز وأنا وأبوكي مستنينك
همت بأن تعترض فرأت قسمات تنم عن رفضها القاطع لاعتراضها ، فأماءت لها بالإيجاب في استسلام ووجه خالي من التعابير .
***
هناك البعض لا يعترفون بهذه الأقاويل التي تصف العشق ، ولا يعترفون بالعشق ذاته ! ، يرونه سمة مشاعر تافهة ومخادعة تدخل القلب فتلوثه ! .. يفضلون العيش خالين الوفاض ويستخدمون مقولة جورج برنارد شو ( العربة الفارغة أكثر جلبة من الممتلئة ) ! .
الحياة متعة يجب أن تعيشها كما يجب ، ولا مانع من تجربة متعة النساء وكأس ڤودكا ! .. هذا هو مبدأ البعض في الحياة ، متعة وفتيات وسهرات .
” حسن ”
الشاب الذي بلغ نصف عقده الثالث ، يمتلك عينان ثاقبة بقدر دهائها ، وقسمات وجهه الصارمة تعطيه طابع يختلف عن شخصيته الحقيقية المرحة والمحبة للحياة ، لا زال يتذكر عشقه الأول الذي يراه الآن مصدر لتلوثات قلبه ! ، يرجع بشريط الفيلم الأسود للخلف ويعيد مشاهدة كيف خدعته بعد أن كانوا على عتبة الارتباط الحقيقية وفاجأته بقولها أنها تمت خطبتها على رجل غيره ، ثم يتقدم قليلًا بالشريط ليرى محاولاته معها بأن تتراجع ويمطرها بوعوده لها بأنها ستكون زوجته بالقريب العاجل ، كانت وعود صادقة وكان هو على أتم الاستعداد لتنفيذها ولكن جوابها أوقف دقات الساعة عند هذه اللحظة ” حسن أنا أساسًا محبتكش عايز الحقيقة إنت كنت مغفل وأنا كنت بستغل إنك من عيلة حسب ونسب ومعاكم فلوس واغنيا وقولت مفيش مشكلة لو اتجوزتك وعيشت معاك بس لما جاتلي الفرصة دي ولقيت واحد ممكن يحققلي كل اللي نفسي فيه بجد مقدرتش أرفضه وحاجتك اللي جبتهالي كلها طول فترة علاقتنا أهي ابقى اديها لبنت الحلال اللي هتكون من نصيبك ” تلك الكلمات لا يزال أثرها في نفسه حتى الآن رغم مرور سنتين على انفصالهم ، ولكن نعتها له بالمغفل يتردد في أذنه كل دقيقة ومع الوقت أدرك أنه كان مغفلًا حقًا .
كان قد غاص في ذكرياته تمامًا ونسى أنه يقود السيارة لولا صرخة تلك الجالسة بجانبه ” ابنة عمه ” وهي تصيح به لينحرف قبل أن يصطدم بإحدى السيارات ! .
_ إيه ياحسن حرام عليك هو أنا ناقصة خضة !
قالتها وهي تلهث من فعل الخضة ، ليمسح هو على وجهه ويقول معتذرًا :
_ معلش يا يسر سرحت شوية ، إنتي كويسة ؟
اماءت له بالإيجاب وسط نظراتها الدقيقة لملامحه ، فخمنت فورًا فيما كان شارد ، لتلتهب نيران الغيرة بداخلها ولكنها لا تمتلك الحق للحديث معه في شيء كهذا واكتفت بقوله المختنق لعلمها جيدًا أنه جاء ليأخذها مغلوب على أمره :
_ أنا اللي آسفة ازعجتك ياحسن بيه ، مكنش لازم يعني تاجي وتاخدني أنا كنت هروح وحدي
طالعها بطرف عينه بعد أن لمس الاستهزاء في نبرتها وقرر هو الآخر أن يحدثها بنفس طريقتها :
_ والله أنا كمان ده كان رأى بس نعمل إيه بقى في مرات عمك هي اللي أصرت إني آجي أخدك بما أنكم معزومين عندنا النهردا
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه وهي تضغط على كفها بقوة مغتاظة فهي تعرف أنه لا يستلطفها بتاتًا ولكن لا يمكنه أن يكون بكل هذه الوقاحة ، وهمست بصوت خفيض متوعدة بغل :
_ ماشي ياحسن وحياة أمي لأوريك يسر ممكن تعمل إيه فيك ، عشان تبطل غرورك ده
_ نعم بتقولي حاجة ؟!
عادت بنظرها له ورسمت ابتسامة مزيفة على شفتيها وهي تجيبه بمضض :
_ لا أبدًا بقول فيها الخير مرات عمي
_ أمممممم
كان باردًا للحد الذي جعلها كتلة نيران متوهجة تود خنقه بيديها ، ياله من عديم احساس ولا يدري شيء عن الذوق والاحترام ولكنها في القريب العاجل ستلقنه الدرس الذي يستحقه وستأخذ انتقامها منه ! .
” يسر ”
تؤمن بالمقولة التي تصف العشق على أنه ” يقود للجنون ” ! ، فيدفعك لأفعال تؤدي بك للهلاك ! .
الشابة التي تخطت عقدها الثالث بثلاث سنوات ، ينعتها البعض بقليلة الخبرة في الحياة لصغر سنها ، بجانب وصفهم لهم بصاحبة الأفكار المجنونة .
أحداث أليمة وسوداء تعيش في صميمها حتى هذه اللحظة ، لحظة رفض الرجل الذي طالما عشقته منذ طفولتها .. نعم بالتأكيد هو الرجل الذي وصفته بعديم الذوق منذ قليل !! . منذ مايقارب السنتين تحدث عمها في جلسة كانوا جميعهم فيها عن رغبته بوضوح في ارتباط ابنه الصغير وابنة أخيه ولكنه رفضها أمام الجميع دون أن يضع اعتبارًا لمشاعرها وقال في جفاء مزق قلبها ” بس يابابا أنا قولتلك أنا مش في بالي الجواز دلوقتي نهائي ثم أنا ويسر مجرد ولاد عم وأنا مبشفهاش غير أختي واعتقد إن هي كدا برضوا ده غير إن أنا وهي مش متفاهمين مش كدا ولا إيه يايسر ؟ ” .. منذ هذه اللحظة قررت أن تضع حبها جانبًا لوقت مجهول وتخطط لانتقامها منه الذي سيقضي على غروره ، وتحقق مبتغاها الذي تسعى له منذ سنوات وهو أن يكون لها وحدها ، وهي لا تذكر أنها عزمت على شيء ولم تتمكن من تنفيذه ! .
***
لا شك في مقولة العشق ” تضحية ” ! ، ومفهوم التضحية ليس كما يظنه البعض وهو الذي يدور في إطار الأفلام والمسلسلات الكلاسيكية حول تضحية العاشق بحياته وروحه من أجل أن تنعم معشوقته بحياة آمنة وسالمة ، كلمة تضحية تشمل في جوفها معاني جمة ، فالعشق يلزمه صفات لكي يكتمل ويصبح في ابهى صوره ومن ضمنهم التضحية .. عندما تقرر العشق فهذا يعني أنك ستضحي بحياتك السابقة ستضحي بعادتك وبكل شيء لا يتناسب مع العشق حتى وإن كان لديك عشقًا سابق ، فمن شروط العشق الجديد إن تضحي بعشقك السابق حتى يكون مفهوم العشق والتضحية صادق ومكتمل .
” كرم ”
رجل المواقف الصعبة كما يلقبه البعض ! ، يستحيل أن تكون في مأزق ويتركك بمفردك ، أما عن أهله في المنزل فيطلقون عليه لقب ” الخجول ” وربما لهذا السبب يعجبن النساء به فورًا ويصفونه بـ ” الكيوت !! ” بإمكانه فعل كل شيء في الحياة بكل سهولة إلا التحدث مع النساء الأعجميات عنه بطلاقة ومهارة الرجال فهذا أصعب من تسلق قمة إڤرست بالنسبة له ! ، لا يعلم ما سبب خجله من جنس النساء ولكنه لا يمتلك دهاء الرجال ومكرهم ويخيل له أنه لهذا السبب يجهل التعامل معهم ويخجل كثيرًا ! ، ومع ذلك سقط في وحل العشق ، وتم عقد قرآنه بعد عشق دام لثلاث سنوات يراقبها من بعيد وأخيرًا أصبحت له إلا أنه واجه صعوبة في أن يكون صريح في بداية الأمر ويتصرف كما ينبغي على الرجال أن تتصرف ولكن بعد عقد قرآنهم تغير كليًا معها لدرجة أنها شكت في أمره ، ومع الأسف لم تكتمل سعادته كثيرًا وخاب أمله حين سمع بخبر وفاتها قبل حفل زواجهم بأسبوع ، وكانت أبشع طريقة للموت حيث طعنت في فؤاده سكينًا لم تتمكن السنة التي مرت من إزالتها .. سكينًا ملتهبة بنيران الثأر لكل نقطة دم وصرخة وألم وخزي وانكسار وضعف شعرت به وهو لم يكن موجودًا معها ليحميها ، فذهبت ضحية اغتضاب وحشي ! ، ولم يمر يوم ولم يذورها في قبرها ويطلعها على كل الأخبار الخاصة به كأنها حية تشاركه أحداث يومه ويبشرها بدنو أجل من سرقها منه وقتلها ، ولا يمل من وعوده لها بأن قريبًا جدًا سيأتي لقبرها في يوم من الأيام ويخبرها بأنه أخذ بثأرها .. وأن السكينة المغروزة في قلبه أخيرًا تمكن من إخراجها ! .
استفاق من شروده على صوت السكرتيرة الخاصة بمكتبه وهي تهتف بمياعة واضعة كوب القهوة أمامه على سطح المكتب :
_ القهوة ياكرم بيه !
تحاشى النظر إليه وتصنع الانشغال بالأوراق التي أمامه هاتفًا بصوت رجولي خشن :
_ تمام شكرًا ياريم .. زين جه ولا لسا ؟
أجابت بنبرة انوثية مغرية تحاول بكل الطرق لكي تلفت انتباه هذا الخجول لها ، الذي لا يمكن لامرأة أن ترفض نظرة من عيناه الرمادية الطيبة ، رجل كهذا يمثل فتى أحلام الفتيات كيف لأنثى مهما كانت أن تقاومه :
_ جه يافندم
لا يمكن مرور الأمر بهذه اللطافة منه ، فهناك البعض يتطلب أن يخلع رداء اللطافة والرقة واللين أمامهم ويظهر لهم عن حقيقته العصبية والمرعبة ، فرفع نظره لها بشراسة وهتف بصرامة اربكتها :
_ اتفضلي على شغلك يا أنسة وخليكي فاكرة إن هنا مكان شغل هااا ، ميغركيش وشي عشان لو شفتيه على حقيقته هتكرهيني بجد
انتصبت في وقفتها والتفتت وغادرت بتوتر وخوف هامسة لنفسها باستنكار وخنق :
_ يعني هو لا منك ولا من أخوك الشيخ ، واحد مبيرفعش عينه في واحدة اكمنه بيتكسف والتاني ناقص يلبسنا كلنا خمارات ويقلب الشركة مركز تحفيظ قرآن
” زين ”
مفهوم العشق بالنسبة له يتمثل في ” الأخلاص ” الخالي من الغدر والخداع ، وبالرغم من كل شيء فهو يرى المرأة جوهرة يجب أن تُعامل كما تستحق ، فقسوة الرجال لا تظهر على النساء بل على الأعداء .
” زين ” الأبن الأكبر من بين اشقائه الثلاثة حيث بلغ بداية عقده الرابع ( 30 عام ) من شهور ، الذي يقضى أيامه يروتينية مملة على عكس أشقائه .. ما بين العمل والمواظبة على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن الكريم يوميًا ، وسط محاولات والدته أن يتزوج ولكنه يرفض بحجة أنه لا يريد فتاة من فتيات هذه الأيام ، ويريدها على خلق ودين واحترام ، حتى يسلم لها نفسه واسمه على طبق من ذهب ويكون واثق أنها ستحافظ عليها ! .
ولكن هل هناك انسان لم يرتكب ذنوب في حياته ! ، وهو أيضًا لديه جانبه الأسود ، وربما من الأفضل أن تبقى بعض القصص ناقصة إلى بعد حين ! .
جذب انتباهه دخول شقيقه وهو يقول بجدية :
_ إيه يازين اتأخرت كدا ليه النهردا أنا طلعت قبلك الصبح وقولت إنت هتاجي ورايا ؟!
أجابه بصوت منهك وضعيف :
_ أنا مكنتش هاجي أساسًا يا كرم ، من امبارح بليل تعبان بس قولت هقعد في البيت أعمل إيه .. الحمدلله دلوقتي بقيت أحسن
اقترب وجلس على المقعد المقابل له وهو يهتف بضيق :
_ ولسا بليل كمان هو يوم مش فايت أساسًا !
_ يعني هي أول مرة ياكرم ماهو من حياة بابا الله يرحمه كنا متعودين إننا في عيد الفطر بنعزم العيلة كلها واللي أخرها المرة دي المشاكل اللي كانت حاصلة
هتف مختنقًا بنفاذ صبر :
_ الواحد النهردا ملوش خلق لأي حاجة مش أنه يقعد مع العيلة اصلًا
لم يجيبه بل كان صامتًا يحدق في اللاشيء بشرود فيغمغم كرم بحدة ممزوجة بالاشفاق :
_ كفاية يازين الموضوع ده عدى عليه عشر سنين وإنت لسا زي ما إنت مش قادر تنساه
نظر له وقال بصرامة شديدة وإصرار :
_ لأن ضميري مش مرتاح ومش هيرتاح غير لما أكفر عن ذنبي .. أنا ليا عشر سنين بكفر عن ذنب بالصلاة والاستغفار وبطلب من ربنا العفو والمغفرة والذنب التاني مش عارف أكفر عنه بس قريب أوي إن شاء الله
تنهد الصعداء بيأس وقرر تغيير مجرى الحديث حيث قال بتذكر :
_ هو حسن فين ؟
تغيرت ملامحه عند ذكر شقيقهم الصغير وصاح منفعلًا :
_ متجبليش سيرته ، البيه طلع مقضيها شرب وسهر وقذارة من فترة واحنا منعرفش حاجة .. ولما حاولت اتكلم معاه واعقله مفيش فايدة منه ، بس اقسم بالله لو استمر في اللي بيعمله ده ما هيقعد في البيت يوم واحد تاني
ابتسم بعذوبة وتمتم برزانة وثقة :
_ سبهولي أنا بعرف اتعامل معاه ، هدى نفسك ياوحش بس
***
لا بأس في مقولة نزار قباني عن العشق ( قلوبنا لا تختار من العشق إلا أصعبه ! ) . فيخوضنا لحروبًا مع أنفسنا قد نخرج منها بهزيمة ساحقة .. ويبدأ بخيالات ترتفع بنا للنجوم ثم يتركنا في الأعلى فنسقط من النجوم للأرض في لمح البصر .
” شفق ”
تلك الشابة الجميلة التي في نهاية عقدها الثاني .. يتهاتف الشباب عليها لجمالها المغري ! . تمتلك قامة قصيرو بعض الشيء وجسد متناسق ، عينان بندقيتين واسعتان يلمعان في ضوء النهار ، وبشرة بيضاء ناصعة مع ابتسامة ساحرية .. وفوق كل هذا الجمال ، يشهد الجميع لها بشفق الفتاة المهذبة والخلوقة التي نجحت عائلتها الصغيرة في تربيتها تربية صالحة وصحيحة .
ولكن أصابتها لعنة العشق ، عشق صعب المنال بعض الشيء .. فتعاني في صراع بين دوافعها الداخلية التي تعشق ودافعها الخارجية التي تمنعها من كل شيء ليس مباح في مجتمعنا وديننا ، فبقيت تعاني من الشوق داخلها دون الإفصاح لأي شخص .. وترفض كل شيء بإمكانه أن يخل بسمعة عائلتها ويجعل أخيها مطرقًا رأسه في خزي .
داخل مقر جامعة الهندسة …..
تجلس بجانب صديقتها فتقطع الصمت هاتفة :
_ عملتي إيه مع عمر ؟
إجابتها شفق بأسى بعد ذكره أمامها :
_ لسا زي ما هو بيحاول يكلمني وأنا رافضة إمبارح كلمني وقولتله اللي المفروض يتقال وإنه لو فعلًا عايزاني ياخد رقم أخويا ويتكلم معاه غير كدا مفيش حاجة بينا
تأججت نيران الغيرة في أعشاش صديقتها ، فهي لا تعرف سبب تمسك ذلك الأحمق بهذه الساذجة ، وتخبرها بكل بساطة أنها تريد ارتباطهم الرسمي .. يجب عليها أن تقتلها أولًا حتى تحدث هذه التفاهات ! .
***
في المساء ……
داخل قسم الشرطة يحتسى كل منهم قهوته في صمت تام وبعد دقائق يقرر كرم أن يخترق فقاعة الصمة قائلًا بتريث :
_ وصلت لحاجة يا سيف ولا لسا ؟
قال بخيبة أمل :
_ للأسف لسا إنت عارف إن من ساعة اللي حصل والواد ده مختفي بس هيروح من البوليس فين مسيرنا هنجيبه
رمقه بنظرة نارية وهتف بصوت مريب قليلًا :
_ سيف إنت قولت هتساعدني وأنا وافقت يبقى كل اللي عليك تساعدني اوصله والباقي عليا أنا ، ومتقلقش لما اقتله واشفي غليلي وإنت تطبق عليا القانون مش هزعل منك
تأفف الآخر بغضب هادر وهو يصيح به بنبرة مرتفعة :
_ إنت دماغك دي فين ، عايز تقتله وتضيع نفسك عشان الحيوان ده يبقى إيه الفرق بينك وبينه كدا ، بعدين أنا قولتلك هساعدك نوصله وياخد جزائه مش عشان اسلمه ليك وتقتله ، بلاش جنان وأعقل ياكرم وفكر منطقية مراتك الله يرحمها خلاص مش هيبقى موت وخراب ديار
ضرب بقبضة يده على سطح المكتب مغمغمًا بنبرة خافتة لا تدل على خير :
_ بيك أو منغيرك ياسيف هوصله وهاخد حق مراتي بإيدي
أخذ يزفر النيران من فمه مغتاظًا من هذا العنيد وقرر أن يغير مجرى الحديث حتى لا ينفعل عليه كالعادة ويهتف برزانة :
_ طيب خلاص ياصاحبي اهدى وسيبك من الموضوع ده دلوقتي .. إيه الأخبار معاك ؟
_ تمام الحمدلله .. صحيح عاملة إيه والدتك ؟
أجابه مبتسمًا بمداعبة عند ذكر أمه :
_ زي الفل ، أنا بشك إن إنت اللي ابنها مش أنا ياراجل دي بتدعيلك أكتر ما بتدعيلي ، نفسي أفهم إيه سر حبها فيك للدرجة دي !
بادله الابتسامة ولكنها كانت ابتسامة صافية شبه خجلة على عادته وهو يجيبه باحترام :
_ والله ربنا يعلم ياسيف أمك دي معزتها في معزة أمي بظبط ، ربنا يخليها ليكم يارب
_ آمييين ، آه قبل ما انسى سيادتك معزوم عندنا بكرا ومفيش أعذار لإن الست الوالدة مبتقبلش بأعذار لما يكون الموضوع يخصك ، ولعلمك بكرا في وليمة من اللي يحبها قلبك قعدت تسألني هو بيحب إيه في الأكل وأنا اتوصيت بيك الصراحة
قهقه بخفة وأجابه بالموافقة في هدوء :
_ ماشي يا سيف هاجي إن شاء الله ، بس قولها ملوش لزوم تتعب نفسها أنا هاجي بس عشان مزعلهاش
ربما هو يجهل سبب حب الجميع له ولكن أفعاله واحترامه يجبر كل من يراه على احترامه وتقديره .
***
داخل منزل عائلة العمايري الذي يتكون من طابقين تحيط به حديقة كبيرة بعض الشيء كانت العائلة متجمعة في الحديقة يتبادلون الأحاديث والمرح والضحك ، ولكن كان التجمع العائلي ناقصًا بعض الأفراد .
هتف طاهر بتساءل محدثًا ابن أخيه الكبير :
_ امال فين كرم يازين ؟
صمت قليلًا وهو يتذكر طلب أخيه منه أن يتحجج لهم بأي شيء ، فهو ليس في وضع يسمح له بمقابلة أحد وربما يقضي الليلة في منزله الذي كان يخطط للزواج فيه ، فتنهد بعمق وتمتم مبتسمًا دون أن يكذب :
_ كرم والله ياعمي الفترة دي مضايق شوية وقالي اعتذر منكم بالنيابة عنه إنه مش هيقدر ياجي
قطع حديثهم قدوم هذه الفتاة الشابة ابنة محمد العمايري الصغرى وهو تحمل الشاي على صينية كبيرة وتلف بها على أفراد العائلة كلها فيلتقط كل منهم كأسًا ويبدأ في احتسائه ، حتى هتفت العمة الكبرى محدثة حسن بمشاكسة :
_ مش ناوي بقى تعقل ياحسن وتفرحنا بيك
ابتسم لمشاكسة عمته وأجابها ضاحكًا :
_ هو مفيش غيري في العيلة ولا إيه ياجماعة ، أنا الحمدلله مرتاح في حياة العزوبية
لاحظ نظرات أخيه المشتعلة له فأشاح بوجهه وهو يتأفف بعد أن فهم سبب نظراته ولكن انسحاب فردًا من جلستهم وهو يبدو على ملامحه الاستياء ، فأوقفتها أمها قائلة باستغراب :
_ رايحة فين يايسر ؟
أجابت بقرف وهي تخطف نظرة نارية لحسن :
_ رايحة الحمام ياماما
ثم اندفعت من أمامهم لداخل المنزل ، فلم تتمكن من البقاء في هذه الجلسة العائلية بعد أن تم ذكر الزواج أمامها مجددًا وأعادوا لذاكرتها اللحظات من جديد عندما رفضها أمام الجميع ، ومنذ هذه اللحظة تسأل نفسها هل هي قبيحة لهذه الدرجة الذي تجعله يرفضها رفضًا قاطعًا أمام كل أفراد العائلة .
اتجهت للمطبخ والتقطت كأسًا وسكبت الماء الباردة فيه ثم تناولتها دفعة واحدة لعلها تخفف من النيران المتأججة في قلبها ، وإذا بها بعد دقائق تجده ينضم لها ويأخذ أحد أكواب الماء أيضًا ويتمتم ببرود ونبرة غير مبالية بعد أن فهم سبب انسحابها من جلستهم :
_ أنا أكيد مكنش قصدي إني أرفضك قدام الكل زمان .. بس …
وضعت الكوب على الرخامة بقوة مما أصدر صوتًا هيأ له أنه انكسر وهتفت بحدة وحزم :
_ عن أذنك ياحسن !
همت بالالتفات والرحيل ولكنه قبض على ذراعها يرغمها على الوقوف هاتفًا باعتذار بدى لها غير صادق ، فقط يحاول أن يخلص ضميره من الذنب الذي ارتكبه في حقها :
_ أنا آسف لو اللي عملته لسا مأثر فيكي لغاية دلوقتي ومخليكي متعصبة مني ، أنا قولتلك إني مكنش قصدي .. بابا الله يرحمه فاجأني مرة واحد احنا وقاعدين وأنا مكنتش بفكر في الجواز ولا زالت مبفكرش فيه
نظرت ليده القابضة على ذراعها فابتسمت بسخرية وأبعدتها عنها برفق ثم همست بصوت يشابه فحيح الأفعى :
_ مأثر فيا !!! ، يبقى يؤسفني إني أقولك إنك متعرفش أي حاجة عني يا ابن عمي .. أنا مش ببص ورايا ببص قدامي بس مبنساش اللي فات فعشان كدا حاول تخلي تصرفاتك معايا بحدود وإياك تكرر اللي عملته من شوية ده تاني ، وإلا إنت اللي هتكون خسران لإني زي ما قولتلك من شوية إنت متعرفنيش فخليك حذر معايا
ثم استدارت وانصرفت تاركة إياه يحدق على آثارها بقرف وغطرسة مغمغمًا :
_ بنت مقرفة بصحيح ، والله خسارة فيكي الاعتذار أساسًا ، قال خليك حذر معايا إنتي تطولي أصلًا لما المسك !! .. وعاملة نفسها مش طيقاني وهي واقعة في دباديبي
***
خرجت من الحمام وهو تنشف شعرها وترتدي ملابس المنزل خاصتها .تفكر فيما عرضته عليها والدتها صباح اليوم عن صديقة لها لديها ابن وتبحث له عن عروس واختارتها هي العروس لابنها ! ، كيف تدخل في علاقة جديدة وهي لا زالت لم تخرج من السابقة ، لا زال خطيبها السابق يعيش في أعماقها ، ومع ذلك اعطتها والدته الوقت الكافي للتفكير والرد دون تسرع ، وأن تفكر بمصلحتها قبل كل شيء ! .
جذب انتباهها صوت هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين منذ أن كانت في الحمام ، فالتقطته لتجيب على هذا الرقم المجهول :
_ الو مين ؟
تجمدت دمائها عند سماعه صوته الذي لا تخطىء في تحديده من بين مائة رجل :
_ ملاذ ابوس إيدك ما تقفلي إنتي فاهمة الموضوع غلط أنا بحبك ومستحيل اخونك
صاحت به باندفاع بعد أن انسالت الدموع على وجنتيها :
_ كذاب يا أحمد أنا شوفتك بعيني محدش حكالي ، وكل حاجة بينا انتهت خلاص وإياك تفكر تتصل بيا تاني
همت بأن تغلق الهاتف ولكن صياحه المتوسل لها وهو يقول برجاء وندم مزيف :
_ لا لا متقفليش طيب خليني اشوفك ونتكلم وصدقيني لما تفهمي كل حاجة هتعرفي إنك ظلماني
هتفت بقسوة من خلف جدار قلبها الذي يتحرق شوقًا لرؤيته وسماع صوته ولكنها قررت أن تخبره بأمر العريس حتى تحرق قلبه كما حرق قلبها :
_ مفيش كلام بينا ، وأنا في عريس متقدملي وهوافق عليه .. أظن من كدا فهمت إن كل حاجة بح وصدقني لو اتصلت تاني هقول لإسلام واخليه هو يتصرف معاك
ثم أنهت الاتصال دون أن تدع لنفسها فرصة لسماع أي توسلات مزيفة منه أخرى وألقت بالهاتف على الفراش ثم جثت على الأرض مستندة بظهرها على الحائط ، تاركة لدموعها أن تنطلق بكل قوة لديها ، حتى تخرج الألم الذي يشتد كل يوم وكل ساعة قبل أن يقتلها . ولكنها انتفضت عندما سمعت صوت طرق الباب وأخيه الذي يقول بلين :
_ ملاذ ياحبيبتي إنتي صاحية
استقامت واقفة وجاهدت في إخراج صوتها طبيعيًا وهي تسرع في تجفيف دموعها بواسطة حجابها الملقي على الفراش :
_ صاحية يا إسلام تعالي
فتح الباب ببطء ثم دخل وهو يتعكز على عكازه الذي لم يفارقه منذ ما يقارب لعشر سنوات بعد حادث تعرض له أدى إلى عجز في قدمه اليسرى ، وبعد محاولات انتهت باليأس من أن يجدوا علاج لحالته ، قبلوا جميعهم بالأمر الواقع وهو يتصنع القبول من الخارج ولكن من داخله يشعر بالنقص والعجز دائمًا ويرفض إلحاح والدته في أن يتزوج قائلًا لها بأسى وشجن ” اتجوز إيه بس ياماما وبعدين مين دي اللي هتقبل بواحد عاجز زي ” .
عجزت هي عن المقاومة أمامه حيث اندفعت نحوه وارتمت داخل أحضانها وصوت بكائها يرتفع أكثر فأكثر فأسند هو عكازه على الحائط ثم ضمها بذراع وبالآخر أخذ يلمس على شعرها بحنو هامسًا بقلق :
_ مالك ياملاذ ؟!
_ مليش يا إسلام ، نفسيتي تعبانة بس ؟
تحامل على قدم واحدة حتى وصل إلى الفراش وجلس مشيرًا لها بيده أن تأتي بجواره فلبت رغبته بصدر رحب وجلست بجواره أو بالأخص بين ذراعيه وتسمع همسه الذي اختلط بين اللين والحزم :
_ الحيوان اللي زعلانة عليه ده ميستهلش تنزلي دمعة واحدة عشانه سمعاني ، وأنا لولا إنه أصلًا كان مجرد خطيبك كنت خليتك تتفرجي على اللي هعمله فيه
_ عارفة يا إسلام إنه ميستهلش بس كنت بحبه بجد ، وآخر واحد كنت اتوقع منه الخيانة والغدر هو ، لكن جات الخيانة منه للأسف .. صدقني غصب عني مش بسهولة دي هقدر انسى الموضوع
كانت تهمس بهذه الكلمات في أسى وصوت مبحوح فباغتها هو يقوله الناعم :
_ طيب فكرتي في العريس اللي قالتلك عليه ماما .. أنا تقريبًا شوفته قبل كدا مرة واحدة والصراحة كان باين عليه إنه محترم ومتدين وكويس أوي
صمتت لبرهة وهي تفكر بحديثها مع خطيبها السابق منذ قليل فتشتعل نيرانها مجددًا وتهتف حاسمة أمرها :
_ ما أنا كنت هطلع أقول لماما إني موافقة اشوفه
ابعدها عنه وقال باسمًا بسعادة :
_ اطمني أنا بضمنلك إن المرة دي ربنا مش هيخذلك وهيكون هو هدية ربنا ليكي
تصنعت الاهتمام بكلامه وقالت بخفوت غبر مبالي :
_ إن شاء الله يكون كدا ، أنا لسا هشوفه وبعدين هاخد القرار النهائي وكمان هو يمكن أساسًا ميوفقش لما يشوفني مثلًا معجبهوش أو كدا .. يعني موضوع الجواز ده بيبقى معقد شوية لما يكون الأتنين ميعرفوش بعض
أجابها بتأيد لكلامها وهو يهب واقفًا ويجذب عكازه :
_ ربنا يقدم اللي فيه الخير ياحبيبتي ، أنا هروح أنام بقى ونامي إنتي كمان ومتفكريش في حاجة هااا
أماءت له بابتسامة محبة لحنان أخيها عليها ، فعشقها لأخيها وأبيها لن يتمكن رجل آخر من أن يحظى بنفس قدر عشقها لهم !! .
***
مع إشراقة شمس يوم جديد .. يوم سيشتمل على بدايات ونهايات ! .
كان جالسًا أمام التلفاز يحتسي كأس الشاي الصباحي الخاص به بعد إن حضرته له والدته .. والتي تجلس بجواره تشاهد معه التلفاز .
“هدى” التي يصفها أولادها بالمرأة صاحبة القلب الأبيض كبياض الثلج ، تنعم بمعاملة طيبة وحنونة من جميع أولادها وبالأخص من زين وكرم ، أما حسن فلا يكتفي من المعاملة الطيبة كأشقائه بل يعامل أمه كحبيبة له يغازلها ويداعبها كلما يراها وكأي أم مصرية عندما يزداد مزاحه وتغضب منه يبدأ الشيء الذي في قدمها بالعمل فيفر هو منها ضاحكًا قبل أن يلحق به سلاحها المؤلم ! .
بينما الجو هادئ تمامًا تلفتت حولها حتى تتأكد من عدم وجود زين ثم اقتربت منه جدًا وهتفت في صوت منخفض :
_ واد يا حسن
رمقها متعجبًا وهتف باسمًا :
_ إيه ياست الكل عايزة إيه ؟ ، اشجيني بطلباتك
_ إنت عارف كرم فين ؟
هتف بعد أن عاد يرتشف من كأس الشاي :
_ أيوة مش زين قال إنه في شقته
هتفت بانفعال بسيط وخوف جلي :
_ وإنت صدقت الكلام ده .. أنا خايفة ليكون لقي الواد اللي قتل مراته وبيخطط لحاجة ، خايفة ليضيع نفسه ياحسن .. مش عارفة ليه قلبي بيقولي إنه مش مخنوق ولا حاجة وراح يريح دماغه شوية زي ما قال لزين
_ طيب وأنا أعمله إيه يا أمي ما إنتي عارفة ابنك ، كلنا حاولنا معاه في موضوع مراته ده ومفيش فايدة فيه وبتشوفي لما حد بيحاول يكلمه في الموضوع ده بيعمل إيه .. والصراحة هو عنده حق أنا لو مكانه مش هقتله بس لا ده أنا هقطع لحمه نساير وارميها لكلاب السكك تنهش فيها
تشاير الشر والغيظ من عيناها وهي تهتف بغضب عارم :
_ وأنا قولت إنه معندوش حق عنده حق طبعًا والبنت اللي يرحمها لغاية دلوقتي لما بفتكرها قلبي بيتقطع عليها ، بس أنا مش مستعدة اخسر ابني كمان ومتنساش إن سيف ظابط وأكيد هيساعده ..
هتف بنفاذ صبر وخنق شديد :
_ وهو المفروض بقى مياخدش حقها يعني !!
تلفتت حولها مجددًا ثم عادت بنظرها من جديد له في صرامة مغمغمة بصوت خفيض :
_ وأنا كمان والله عايزة حقها يرجعلها بس من غير خساير .. ابوس إيدك ياحسن أعمل حاجة أنا متكلمتش مع زين عشان هو دماغه قفل زي أخوه ومش بعيد هو كمان يعمل في الواد حاجة لو وقع تحت إيده
ضحك بخفة وقال مستنكرًا :
_ ده على أساس إن أنا اللي عاقل يعني ومش هعمل فيه حاجة !
قالت بثقة تامة ويقين :
_ أيوة أنا عارفاك مش متهور زي أخواتك .. عشان خاطري يابني اعمل حاجة بدل ما يضيع نفسه المجنون ده
صمت لبرهة من الوقت ثم تمتم باستسلام :
_ طيب ياماما حاضر ، هحاول اوصله أنا قبل كرم وهسلمه للبوليس بس موعدكيش إنه يروح للبوليس سليم لأن حتى أنا مش هرحمه لو وقع تحت إيدي ال**** ده .. وربنا يستر بقى وابنك ميعرفش عشان لو عرف مش بعيد يقتلني أنا
قربت رأسه من شفتيها وقبلت شعره هامسة بحنان أمومي ورضا :
_ ربنا يرضى عنك ياحبيبي ، ويريح قلبك زي ما ريحتني .. أنا دايمًا بقول حسن ابني اللي مبيرفضليش طلب !
رفع حاجبه اليسار قائلًا وهو يقهقه بقوة بسخرية :
_ لا والله .. ده على أساس إن في حد فينا أصلًا بيقدر يرفضلك طلب ما كلنا مبنرفضلكيش طلب .. بتثبتيني إنتي بالكلمتين دول يا لئيمة ، ماشي يا دودو هقبل الرشوة بس في رشوة أكبر عايز الكفتة اللي بحبها النهردا على الغدا
_ بس كدا من عنيا !
ازداد ضحكة وهو يضع كأس الشاي الذي انتهي على سطح المنضدة الصغيرة أمامه ويستقيم ثم ينحني ويقبل جبهتها ثم كفها هامسًا بحنو :
_ ربنا يخليكي لينا ياست الكل
ليقود خطواته باتجاه غرفته فتتنهد هي يارتياح بعد أن شعرت بأن ثقلًا انزاح عن قلبها ، فقد كان قلقها على ابنها يأكل صدرها آكلًا خشية من أن يقمح نفسه في نازلة لن يستطيع الخروج منها سالمًا كما كان .
***
خرج من الحمام بعد أن أخذ حمامه الصباحي المعتاد ، ثم توجه لخزانته ليخرج ملابسه ويبدأ في الاستعداد للذهاب للعمل ، وأثناء مروره من أمام المرآة لفت نظره الندبة التي في يمين ظهره من الأعلى ، فتجول بذهنه ذكريات ذلك اليوم المشؤوم ، الذي نتيجة لتهوره وانعدام مسئوليته فَقَدَ والده وكان هو على حافة الموت يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة وعندما عاد للحياة كان مشلولًا ! .. ظل لسنة كاملة يتجول بكرسى متحرك ويخضع لمختلف أنواع العلاج .. وأخيرًا بعد عناء مع المرض أعاده الله لحياته الطبيعية .
ولا يصف ما حدث معه في الماضي سوى عقاب من الله عن ذنوبه الذي حتى الآن يبذل كل وسعه في أن يكفر عنها بكل السبل ، صدقات وصلاة واستغفار ودعاء وزيارة بيت الله الحرام . فقد كان في غفلة وأفاقه الله من غفلته قبل فوات الآوان .
استفاق على طرق الباب وهو يسمح الطارق بالدخول التي كانت شقيقته البالغة من العمر ( 20 عام ) .
” رفيف ” صغيرة هذا المنزل وتمتلك مكانة متميزة ومختلفة في قلب كل واحد من اشقائها .. فمثلًا كرم يصفها ( بأميرته الصغيرة ) وزين ( ابنته ) وحسن يراها صديقة له ربما لتقارب سنهم العمري .
_ صباح الخير
قالتها بابتسامة عذبة فيجيبها هو بنفس ابتسامتها ثم تكمل هي في نبرة عادية :
_ لو خلصت تعالي يلا عشان ماما حضرت الفطار
_ لا أنا مش هفطر دلوقتي
لاحظت تعبيرات وجهه المتضايقة والمحتقنة فاقتربت منه وجلست بجواره مستندة بذراعها على كتفه وهامسة بمشاكسة جميلة لمعرفتها بأنها تنجح في رسم ابتسامته عندما تتحدث معه على هذا النحو :
_ إيه اللي مدايقك بس ، على أنا فكرة مبحبش اشوف آبيه زعلان !
نجحت بالفعل حيث انحرفت شفتاه قليلًا لليسار وازاح يدها بنفاذ صبر محبب لقلبها ، لتكمل هي مداعبتها ضاحكة وتعيد تكرار الكلمة التي رسمت الابتسامة على وجهه بطريقة مسرحية :
_ أيوة آبيه ! .. هي كلمة غريبة الصراحة فعلًا بس ده ميمنعش إنك زي بابا اللي يرحمه بنسبالي يازين وحتى لما كان بابا عايش أنا كنت بحس أني عندي أتنين مش واحد ، ويعتبر إنت اللي ربتني يعني .. ومش إنت كمان بتقولي دايمًا إني بنتك
حدجها بنظرة أخوية دافئة وأبوية حانية ثم انحني وقبَّل شعرها برقة مغمغمًا بصدق :
_ طبعًا بنتي .. وإنتي عارفة مكانتك عندي إزاي يارفيف
سرعان ما تذكرت بعد لحظات ونكزته في كتفه بلطف هامسة بمكر :
_ أيوة ياعم هتوقع واقف .. ماما لقيتلك عروسة قمر ، بس إيه عسل بجد يازين ، ومحترمة مؤدبة أنا عارفاها أكمن مامتها صاحبة ماما فشوفتها كام مرة يعني على ضمانتي ده حتى اسمها جميل
تهجمت ملامحه وقال بجدية تامة وشيء من الغضب :
_ عروسة إيه ! .. هي أمك عملت اللي في دماغها برضوا !!!
تعجبت من انفعاله ولكنها حاولت أن تظل على طبيعتها المرح وتهدأ من حدة الجو :
_ الله في إيه يازين .. عايزين نفرح ونبل الشربات ياراجل ، وإنت مش كنت بتتحجج إنك مش عايز تتجوز غير لما تلاقي وحدة كويسة وأهي ماما لقيتها
ثم صمتت قليلًا عندما خمنت سبب انفعاله ورفضه الزواج ، فلم تتمكن هي أيضًا من إخفاء سخطها واعتراضها على طريقة تفكيره الخاطئة حيث هبت واقفة وقالت باستياء دون أن ترفع نبرة صوتها عليه :
_ ولا إنت لسا بتفكر في اللي حصل زمان وهو ده اللي مخليك ترفض الجواز .. كفاية يازين إنت الحمدلله دلوقتي زي الفل ليه لسا بتفكر في اللي حصل ، انسى وعيش حياتك إنت معملتش حاجة بإرادتك إنت كنت الضحية في كل حاجة حصلت ، بلاش تفكر بالطريقة دي ارجوك
ثم لململت شتات غضبها ورحلت تاركة إياه يفكر فيما تقوله وخاصة بكلمة ” ضحية ” ربما كان حقًا ضحية في فيما كانت تقصد بكلامها ولكن بتأكيد لم يكن ضحية في الشيء المجهول بالنسبة للجميع والذي لا يعرفه سواه هو وأخيه .
***
ترجلت يسر من سيارتها أمام مقر شركة عائلة العمايري للإستيراد والتصدير ، كانت في طريقها للباب ولكن توقفت عندما رأت حسن يخرج من الباب ويشبه شعلة النيران ويسير بهدوء مخيف نحو أحدهم وعندما نقلت نظرها لجهة توجهه فوجدتها فتاة يبدو أنها من عمرها وعندما دققت النظر بها تعرفت عليها بسهولة فهذه هي حبيبته السابقة التي تركته وتزوجت بغيره ! .. ما الذي أتى بها إلى هنا ، هل يعقل أن يكونوا عادوا لعلاقتهم من جديد بعد كل ما فعلته حتى ينفصلوا ! ، لا يمكنه العودة لها وإن حدث فستأخذ روح تلك الساقطة بيديها ! ……….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)