روايات

رواية هواها محرم الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت السابع والعشرون

رواية هواها محرم الجزء السابع والعشرون

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة السابعة والعشرون

حتى المشاعر لها مذاقًا معينًا ولكلٍ منا مذاقه الخاص به
فأنا اعتدتُ على نثر رمال الضحك والعبث فوق قبرٍ دفنت فيه طفولتي وسعادتي لذا بت أتذوق طعم المر في كل مشاعري حتى اعتاد جوفي عليه .
ولكن دخولكِ حياتي كان كَمَنْ بُعثَ من جديد فبت معكِ طفلًا سعيدًا يتذوق طعمًا جديدًا للحياة .
بقلمي آية العربي
❈-❈-❈
الأب الذي سرقت منه ابنته يعيش شعورًا موحشًا ويتوحش أكثر كلما تظاهر بالقبول والتأقلم ، ويصبح مفجعًا ومؤلمًا كلما تأكد أن السارق يُحزن ابنته ، يؤلمها ، يشتتها ويبعدها عن أهدافها .
ما يعيشه بهجت مؤلم لدرجة أنه لم يعد يستيطع تكملة حياته كما كانت قبل ظهور ماركو
الحالة التي يعيشها منذ أن تزوجت خديجة هي الخوف والترقب ، الخوف منه عليها والترقب للأسوء في أي لحظة .
وبرغم ذلك عليه أن يتظاهر بالقبول والود ولكن طفح كيله اليوم .
يجلس بعدما غادر أقاربه وجيرانه وبعدما أتم الإطعام ، شاردًا حزينًا يفكر فيما حدث اليوم وكيف خدعه ماركو بعد أن أكد له مجيئهما .
ليتفاقم غضبه منه وتسحق محاولته في تقبله ، لم يعد يريده حقًا طفح كيله وليته يخلص ابنته منه بأقل الخسائر قبل أن تنحرف عن طريقها فهو لم يعد يعرفها ، يعلمها طيبة وحنونة ومراعية ولكنه يراها الآن ضعيفة ، يراها تنقاد خلفه لا العكس وهذا يجعله على حافة الجنون ، كيف تنقاد خلفه وهي من تعهدت بتعليمه وتعريفه على الإسلام .
تلاحظ زوجته حالته وحزنه وبالفعل هي أيضًا حزينة على ما حدث ، تشعر أن خالد يفقدها حجتها في الدفاع عنه ، ماذا كان سيحدث لو أخبرهما مسبقًا برغبته في الاحتفال بعيد ميلاد زوجته بمفردهما ؟ ، حينها لن سيعترض أحدًا ، ولن يشعر بهجت بالخجل والتقليل من شأنه وسط أقاربه .
لذا تحركت نحو زوجها تجلس بجواره ونظرت إليه بتمعن وتحدثت بابتسامة لطيفة :
– حبيبي ؟ ، الإطعام النهاردة كان جميل أوي والكل مشي فرحان الحمد لله ، ربنا يجعله في ميزانك يا بهجت .
سحب نفسًا قويًا ثم أومأ بهدوء وتحدث مستشفًا محاولتها :
– بس كان ناقصه خديجة زي كل سنة ، بنتي يا نسرين ، بنتي اللي جه واحد لا عنده دين ولا ضمير أخدها مني وبقى يتحكم فيها وأنا مبقاش ليا فيها خلاص .
– جوزها يا بهجت ، زي ما إنت اتجوزتني وأخدتني من بيتنا وجيت معاك هنا وبقى ليك القوامة عليا وبقى واجب عليا اسمع كلامك ، هو كمان جوزها ومن حقه عليها تسمع كلامه مادام مابتغضبش ربنا .
هكذا أجابته نسرين بتعقل ليطالعها بتعجب ويجيبها بحزن :
– يعني اللي حصل النهاردة ده عادي يا نسرين ؟ لما أجهز كل حاجة علشان أفرح بنتي زي كل سنة وأبقى نفسي أشوف فرحتها قدام عيني ونتلم كلنا عيلة واحدة يبقى أنا غلطان ؟
ابتلعت لعابها وأجابته بتريث :
– لاء مش غلطان يا بهجت وكان لازم خالد يعرفنا طبعًا هو غلطان أنه فاجئنا بس إنت بنفسك قولت ، بنحتفل بعيد ميلاد خديجة كل سنة بس السنة دي خديجة اتجوزت يا حبيبي ومن حقهم يحتفلوا بيه بالطريقة اللي يحبوها ، لو خالد حابب يكبر المواضيع حاول تلمها إنت يا بهجت علشان خاطر خديجة ، لو الوضع ده استمر كدة بنتك هي اللي هتعاني بينك وبين جوزها .
تملكه الغضب وتحدث معترضًا بنبرة متملكة نوعًا ما :
– ده لو كان جوز محترم وملتزم ، إنما ده واحد عقله طاير وكل حاجة عنده لعب عيال وفوضى ، أنا مش عارف اتقبله أبدًا يا نسرين ، ماتحاوليش معايا لإن بعد اللي عمله النهاردة ده وأنه يقلل مني قدام الناس ويسرق فرحتي ببنتي زي كل سنة أنا اتقفلت منه تمامًا .
قالها ونهض يغادر قبل أن تحاول إقناعه بطرقها لذا لم يمهلها فرصة واتجه لغرفته وتركها تتنهد بحزنٍ على ما آلت إليه الأمور وهي تفكر ماذا تفعل لتحل هذا الخلاف بين زوجها وخالد الذي ستعاتبه بعد عودته فهو حقًا تخطى حده اليوم .
❈-❈-❈
كعادته دومًا يجلس حبيس غرفته يقوم بإجراء مكالمة صوتية مع شخصٍ يستعمل صوتًا مستعارًا يحدثه به حتى لا يعرف صوته الحقيقي .
تحدث بنبرة حماسية معجبـًا بنشاطه الذي يلاحظه مؤخرًا عبر مواقع التواصل قائلًا :
– أنا شايف إنك ماشي كويس جدًا والمتابعين عندك بيزيدو ومعظمهم شباب من مصر وده مؤشر كويس .
تعجب طه وقطب جبينه متسائلًا :
– إزاي ؟ ، مش إنت قولت إن معظم الصفحات دي تبعكوا وبتتحكموا في التعليقات علشان نشجع الشباب ينضموا ؟ ، أنا شايف إنهم زي ما هما مافيش زيادات كتير .
تملكه الغضب وتحدث مهاجمًا حينما لاحظ متابعة طه الدقيقة :
– إحنا اللي فاهمين مش إنت ، كل اللي مطلوب منك تعمله نفذه وبس ، المتابعين بيزيدو بس لسة فيه ناس قلقانة وبتشكك وده طبيعي لأنهم خايفين من أهاليهم والمجتمع ، كل اللي عليك تحاول تطمنهم وتأكد لهم بالدلائل اللي معاك إننا على حق واطمن هما سهل يتأثر عليهم لإن دلوقتي مبقاش فيه أسس متخلفة تتزرع جواهم زي الأول وبقى سهل من خلال موبايلتهم نحركهم للجهة اللي عايزينها واللي هي الصح طبعًا لان كل اللي في اعتقادهم خرافات .
استمع له طه وهو يبتلع لعابه وتحدث بترقب وتوتر متجاهلًا حديثه :
– طيب أنا محتاج مساعدتك ، أنا عايز أطلع برا مصر في أقرب وقت .
– ماينفعش .
هكذا أجابه الطرف الآخر بدون نقاش ليشعر طه بالاختناق متسائلًا بتجهم :
– ليه ماينفعش ؟ ، أنا بعمل كل ده علشان أسافر .
تحدث الآخر بجمود متقن :
– تبقى غبي ، ماينفعش تطلع برا مصر دلوقتي ، المنظمة عايزاك جوة لإن طول ما إنت جوة مصر هتقدر تأثر على الشباب بطريقة أسهل ، إنما لو طلعت هيخافوا يعملوا زيك ، وجودك في مصر مهم علشان المصداقية ، فهمت ؟
شعر طه بحصار يلتف حوله فهو كان ينتظر سفره على أحر من الجمر بأي طريقة كانت ليزفر بضيق ثم تساءل :
– ولإمتى الوضع ده ؟
زفر الآخر وتحدث بغموض :
– لما نلاقي بديل ليك بنفس مواصفاتك ، ودلوقتي هبعتلك كتب الكترونية جديدة اقراها كويس علشان ردودك تبقى جاهزة للأسئلة اللي ممكن تتعرض عليك الفترة الجاية من بعض الشباب المشككين .
تساءل طه مستفهمًا :
– أسئلة إيه ؟ ، ما أنا فهمت وحفظت الأجوبة كلها.
– لاء المرة دي حاجة جديدة ، الأسئلة هتكون عن الطاقة الكونية وتسخير الكون وإزاي يقدروا يحققوا اللي نفسهم فيه لو شغلوا عقلهم واليوجا والروحانيات وكدة يعني .
– دي حقيقة ؟
تساءل طه بترقب ليضحك الآخر قائلًا :
– أكيد حقيقة ، جرب بنفسك وشوف بتتمنى إيه وفكر فيها واتخيل أن الحاجة دي بقت ملكك فعلًا وهتلاقي الكون بيتحرك لخدمتك وبينفذلك رغباتك وده علم من العلوم الكونية وليه أفرع كتير جدًا ، وعلى فكرة المسلمين نفسهم بيستخدموا الطاقة دي وده اتعلمناه زمان في الجامعة الإسلامية في تل أبيب قبل ما نتنور ، زي اليوجا والتأمل الكوني ، كلها طرق مختلفة تقدر تسخر بيها الكون علشان يحققلك اللي إنت عايزه .
شرد طه يفكر هل يمكن أن يحدث هذا ؟ ، هل يمكنه تحقيق ما يريده فقط إن تخيله وأقنع عقله به ؟
لنجد أن بالفعل هذه إحدى الطرق الجديدة للإلحاد ، يطلبون منك أن تتخيل أحلامك متجنبًا الدعاء والتضرع والتوسل إلى الله عز وجل ، يسعون لتجريدك من توسلك لله ، يسعون لنزع ذكره في قلوبنا مستخدمين خدعًا وحيلًا شيطانية بغلاف إسلامي مخادع .
يوهمونك بأن الكون مسخرٌ لك وأنه سيتحرك وينفذ ما تريده لتجرب خطتهم وتقع في المحظور وتنسى آدميتك وتتكبر على الله عز وجل وحينما يتحقق مرادك أول مرة وتظن أنهم صادقون وتناجي الكون بدلًا عن الله عز وجل وما هذه إلا خدعة شيطانية مثلها كمثل السحر والأعمال الفلكية التي يلجأ إليها بعض المسلمين للأسف .
وبعد شرود دام لثوانٍ تحدث طه بتشوش :
– الجامعة الإسلامية في تل أبيب ؟ ، إنت درست هناك ؟
صمت الطرف الآخر لثوانٍ ثم تحدث متجاهلًا سؤاله :
– هنبعتلك دلوقتي مبلغ على حسابك من المنظمة ، وزي ما قولتلك أوعى تفكر تطلع برا مصر دلوقتي ، لازم نلاقي بديل الأول ، اهدى وركز في الكتب اللي بعتهالك وماتردش على أي تعليقات ، هترد بس على الشباب اللي بيدخلوا يكلموك Inbox وأوعدك بمجرد بس ما نلاقي بديل هنسفرك وهتحقق كل أحلامك بس إنت اعمل زي ما قلتلك واتخيل مع نفسك انك حققتها .
ها هو استطاع إغلاق كل طرق الوصول إلى المنطق أمامه لينتعش طه ويتحدث بفرحة وقتية :
– تمام ، كدة كويس جدًا ، هروح أنا بقى أقرأ الكتب دي كويس علشان نشوف الشغل الجديد ، سلام .
أغلق مع هذا الشخص وأسرع يتفحص حسابه ليجد بالفعل أنه تم تحويل مبلغًا كبيرً جعله يجحظ مندهشًا ثم تحول اندهاشه إلى فرحة كبيرة جعلته يسرع في قراءة الكتب ويتحمس أكثر للقادم .
ولا يعلم أن هناك شخصًا يتابع صفحته ويدقق بها ليبدأ في رفع قضية ازدراء أديان عليه ويتم معاقبته قانونيًا على ما يدسه في عقول الشباب من منشورات هادمة للأسس الإسلامية الحنيفة ومدمرة للفطرة الطبيعية .
❈-❈-❈
استيقظت حينما شعرت بلمساتٍ جديدة تستبيح جسدها لتحجظ لثوانٍ بصدمة قبل أن تستوعب أين هي .
تنام متوغلة عناقه الذي تعشقه لذا ما أن رأت ملامحه حتى تنفست باطمئنان وابتسمت .
كان مغمض العينين ينام بوداعة فظلت تتأمله لا تصدق أنها بالفعل أصبحت زوجته وحبيبته وتنام الآن في كنفه .
تجمدت حينما شعرت بيده تطوف وتتجول فوق أماكن محظورة لتعض على شفتيها بتوترٍ وتناديه بهمس وخجل :
– عمر !
لم يجبها بل ادعى النوم وأكمل ما بدأه بل زاد الأمر عبثًا وهو يدفن وجهه في رقبتها ويتنفس بقوة لتشعر بمشاعرها تخونها وتنجرف خلف سطوة عشقه وأفعاله لذا عادت تناديه بضعف وهمس :
– عمر اصحى .
تمتم وشفاهه تلمس رقبتها ويداه تشدد من ضمها ثم تحدث عند أذنها بتحشرج ناتجًا عن مشاعر متدفقة ماكرة تسكنه :
– خليني نايم يا مايا ، مش عايز اصحى خالص .
باتت في حالة غريبة بل أصبحت على شفا حفرة من الخدر شاعرةً بأنفاسها تتباطأ واستسلامًا يفقدها السيطرة وبرغم هذا وخجلها إلا أنها تود الغرق في بركة المشاعر هذه لذا نطقت بنبرة تكاد تسمع وعيناها مغمضة :
– عمر .
بصعوبة بالغة أبعد يديه عنها ثم تنفس بقوة وأبعد وجهه يطالعها بعيون شبه مغلقة ثم ابتسم وتحدث بمكر جديد عليه :
– إيه يا قلبي ؟ ، أنا كنت بحلم حلم جميل أوي .
تأملت ملامحه وعادت إليها أنفاسها لتطالعه بعيون يشع منها الحب متسائلة بتورد ونعومة :
– حلم إيه ؟
حدق فيها بقوة ثم نظر لشفتيها وتحدث أمامهما بهيام :
– لما تكبري هقولك .
قضمت شفتيها أمامه بخجل وأدركت حلمه بل عاشته معه وقد ظنت أنه بالفعل رأى حلمًا أما هو فأسرع ينهض ويبتعد عنها لتشعر بالبرودة التي جعلتها على وشك الاعتراض بل كادت أن تطالب بعودته ولكنه تحدث قبل أن يخطو نحو الحمام :
– أكيد جوعتي ، يالا فوقي علشان نطلع نحضر عشا .
تركها ودلف وجلست تزفر بحنق من ابتعاده وودت لو لم يتركها أبدًا وباتت تشعر بخوفها يتلاشى ويغلبها الشغف لتلك التجربة معه فهي تعشقه .
أما هو فيبدو أنه يمتلك نصيبًا من المكر كان يدخره لتلك اللحظات ، فهو استعمل لتوه أسلوب التشويق وحينما وجدها ترغب في التذوق ابتعد ، أصبح ماكرًا هذا العمر
❈-❈-❈
– آااااااااااااه
صرخة خرجت من جوف عاطف حينما اخترقت رصاصة قدمه اليمنى بعدما قال ما قاله .
لم ينتظر صقر لحظة واحدة بل قبل أن يكمل جملته كانت رصاصته نحو هدفها .
ليتجاهل صقر صراخه ويردف بنظرات متوعدة قائلًا بجمود :
– أنا بتصرف معاك بأقصى درجات الثبات عندي ، كان المفروض الرصاصة دي تبقى في راسك ، أحسنلك ماتجبش سيرة مراتي تاني بأي شكل من الأشكال .
جلس عاطف يئن من ألم قدمه ويطرق رأسه المتحرك عبثًا ثم عاد ينظر نحو صقر بوهن وتحدث بعلوٍ وقهر :
– إنت ميــــــــــــــــن ؟ ، عايز مني إيــــــــــــــه ؟
حدق به صقر وكاد أن يتحدث ولكن رنين هاتفه منعه لينتشله وينتظر ليجده بهاء .
تنفس بقوة وبعد أن كان سيتجاهل المكالمة فكر قليلًا ووجد أنه الوحيد الذي سينجد عاطف من براثه ، هو لا يضمن نفسه ويخشى عودته لأيامٍ صارعها وابتعد لذا أجاب يتحدث بجمود :
– سامعك .
تحدث بهاء بنبرة لا تحمل أي تفاوض :
– أوعى تغلط يا صقر ، إنت وعدتني مش هتتصرف بتهور أبدًا ، البني آدم اللي معاك ده لازم يتسلم للعدالة ويتعاقب على أفعاله ، ماينفعش اللي عملته ده لازم تسلمه حالًا ، واطمن إحنا معانا الدليل خلاص ناقص بس اعترافه .
حدق صقر بعاطف لثوانٍ ثم ابتسم ابتسامة ماكرة وتحدث يجيب على بهاء :
– حلو أوي ، خليني بقى أجبلك اعترافه بنفسي ، وأوعدك مش هتهور ، هجبلك تسجيله وهو بيعترف بحاجات عملها وحاجات كان ناوي يعملها .
اعترض بهاء قائلًا بترقب :
– صقر ماينفعش ، لازم يتقبض عليه واعترافه لازم يتم بشكل قانوني ومن غير وسائل عنف وإلا الاعتراف مش هيتاخد بيه
– ماتقلقش خالص من الناحية دي ، هخلص بس حسابي معاه واسلمهولك علطول .
هكذا أجابه صقر وأغلق بعدها لينظر نحو عاطف الذي بات يطالعه برجفة وخوفٍ انتابه بعدما تحدث صقر وأدرك أن هذا الشخص أشد جنونًا منه ، جنونه مميز ويكمن في غموضه لذا حينما تحرك صقر خطوة وأصبح أمامه يجثو نحوه قليلًا ويقول بنبرة مخيفة ونظرة تحذيرية :
– رجلك هتفضل تنزف كدة لحد ما دمك ال**** ده يتصفى ، تحب ألحقك ولا أسيبك تموت بالبطئ ؟
لم يجد بدًا من النجاة وهو الذي يحب نفسه أولًا وأخيرًا لذا أومأ يئن متألمًا وقال بملامح شاحبة :
– عالج رجلي الأول .
– أخلص .
نطقها صقر بحدة وهو يعبث بهاتفه ليصور اعترافه الذي سيسرده عاطف سواءًا بالرفضِ أو القبول وهذا الاعتراف سيظل بحوزة صقر وليأخذ بهاء اعترافه منه بالشكل الذي يريده .
❈-❈-❈
بعد أن حضرا الطعام سويًا لم يقبل أن تتناوله هي ولم يسمح لها بالجلوس مقابله بل أجلسها ملتصقة به وبات يطعمها بيده فأصبحت كأنها طفلة تتمتع بالدلال والشغب وهي تأكل من يد والدها .
تحدث بحنان وعينيه تسافر في رحلة عبر ملامحها :
– إيه رأيك في الشاورما بتاعتي ؟
– تحفة يا عمر بجد تسلم إيدك .
قالتها بتأثرٍ من قربه وأفعاله لتتحمحم بخجلٍ وتتساءل بعيون لامعة وهي تتناول منه الشطيرة :
– وانت مش هتاكل بقى ؟
– هاكل أكيد .
نطقها وعيناه تستقر على شفتيها التي تعلقت بهما بقعة من الكاتشب لينحني يلتقطها بفمه ويلتقط معها تلك الشفاه التي تجبره على تقبيلها .
بات يراها تناديه وتشاغله فبرغم براءتها إلا أنها تبدو أمامه كراقصة محترفة كلما تفوهت أو مضغت الطعام .
هذه الصهباء البريئة التي حطمت جدران ثباته ودعست حطام تحمله لذا مد يده يحاوطها بتملك وأغمض عينيه سابحًا في نهرٍ من اللذة ليشعر بها مستسلمة ساكنة بل وقعت الشطيرة من بين يديها بعدما ارتخت أعصابها ليدرك أنها تناديه بجهالة فما كان منه إلا أن نهض وأوقفها ثم حملها بين يديه وتحرك بها نحو الغرفة وهي حتى لا تشعر أنها تحركت من مقعدها بعدما تلاشت أعصابها .
ليكن لكل حدثٍ حديث والحدث هنا كان عظيمًا والحديث كان خاليًا من الأقوال ملغمًا بمشاعر مختارة كمن انتقى باقة من أرقى أنواع الزهور وعطرًا من أفضل أنواع العطور .
رجلًا نبيلًا وصهباء عاشقة مستسلمة تعطيه من مشاعرها ما جعله يفقد ذاكرة الألم ويبتعد عن شاطئ اليتم ليسبح نحو جزيرة السكينة والراحة بعد معاناة .
رحلة استحقت المجازفة واستحقت عواصفها ليهدأ قلبه بقلبها وتنعم روحه بروحها وتزدهر حياته بحياته مايا .
مايا التي لم يكن يتوقع منها هذا الكم من الخجل والنعيم ، لم يكن يحسبها بهذا الكم من اللطافة والبراءة ، نعم يعلم أنها حنونة وشغوفة وتخفي خجلًا أسفل قناع الجرأة ولكنها حقًا فاجأته .
تنكمش فيه تخشى حتى النظر إليه ، تختبئ بقوة خجلًا منه بعد الذي حدث ، لم تكن تتوقع أن تعيش ما عاشته الآن لذا فهي لا تفضل النظر بعينيه أبدًا بل تريد أن تختفي منه فيه هكذا إلى أن يزول خجلها .
سعيدة جدًا بل تتقلب في كأسٍ من السعادة ولا تصدق أنها اتصلت روحيًا وجسديًا مع عمر الحنون ولكن الخجل فيها عاد يغلب سعادتها لذا هي هنا تخفي رأسها بالكامل والشعر الأحمر ينفرد حولها بغيرة .
كان يعانقها بقوة ويقدر ما تشعر به لذا باتت يده تملس على خصلاتها تطمئنها ثم تحدث بنبرة متحشرجة محبة حنونة تحمل كل أنواع اللطف ومشاعر فريدة مكتملة :
– طيب بصيلي طيب ، عايز أشوف عيونك .
هزت رأسها بلا وهي مدفونة به ليضحك عليها ويحاول التحرك بخبث قائلًا :
– طيب خلاص سبيني علشان أقوم أنا مأكلتش .
تمسكت به بقوة ولم تقبل أن تتركه أبدًا بل تعلقت به كالعلكة ليقهقه عليها ثم تحدث بنبرته الرخيمة :
– مايا بجد بصيلي ، إنتِ مكسوفة مني ؟ ، معقول يا مايا أنا عمر يابت .
تنفست عند عنقه ثم بعد ثوانٍ حركت رأسها تبتعد قليلًا دون النظر إليه ليرى وجهها المتشح بالأحمر الخجول لذا ابتسم على لطافتها وتحدثت ويده تتجه لتدلك وجنتها :
– كل ده كسوف ، وفرتي عليا تمن أحمر الخدود ، بصيلي بقى .
ببطءٍ شديد رفعت عيناها إليه تطالعه فابتسم وتحدث بحبٍ يفيض من نظرته ونبرته :
– مبروك يا قلب عمر .
أسرعت تدفن رأسها مجددًا في صدره وتردف بحرج :
– عمر بقى .
عاد يقهقه بسعادة عليها ويعانقها ثم قبل جبهتها وقرر أن يتركها حتى تهدأ تمامًا وليعيش هو جمال الشعور الذي يراوده .
❈-❈-❈
صباحًا
بعدما قضى معها ليلة لا يمكن أن ينساها
سمع عن ليلة كألف ليلة ولكنه أول مرة يعيش ليلة بألف عام من السعادة .
راضاها وامتص حزنها بعد ما فعله مع بهجت
يسيران معًا على الشاطئ ترتدي ملابسها الفضفاضة ونظارتها وحقيبتها وتجاوره تتأمل الطبيعة وسحرها بينما هو يرتدي شورت سباحة فقط ووشومه تظهر لمن حوله من النساء اللاتي تطالعنه بعيونٍ ثاقبة وغمزاتٍ واضحة وقحة جعلت خديجة تشعر بالضيق وتطالعه شزرًا مردفة بعصبية :
– أنت مبسوط كدة يعني ؟ ، قلتلك بلاش تخرج بالمنظر ده ، كدة بجد عيب أوي .
كان يرتدي نظارته الشمسية ويبتسم حينما شعر بغيرتها عليه لذا قرر إثارة حنقها قائلًا بخبث من بين سعادته بغيرتها :
– اتركيهن يتأملن الطبيعة وجمالها يا شهية ، المكان هنا رائع .
اغتاظت منه وتحدثت بتجهم معترضة :
– لا بالعكس المكان هنا يخنق ، خلينا نروح مكان هادي لوحدنا .
أومأ مستسلمًا فهذا ما يريده لذا قال وهو يحثها على التحرك معه :
– حسنًا هيا تعالي معي .
تحركا سويًا يسيران على الشاطئ لعدة دقائق حتى وصلا لمنطقةٍ هادئة نوعًا ما بجانب عددٍ من الصخور المتراكمة .
تحدث ماركو وهو يشير نحو مقعدين ومظلة قائلاً :
– لنجلس هنا خديجة .
جلسا سويًا ثم تمدد ماركو على المقعد قائلًا بعبث واستمتاع بالأجواء المفضلة لديه :
– هيا خديجة أخرجي واقي الشمس من حقيبتكِ وضعي لي على جسدي حتى لا يحترق .
زفرت بحنق تقول بتعنت أمومي بالرغم من أنها تعبث بحقيبتها بحثًا عن العبوة :
– مالوش لزوم واقي الشمس إنت كدة كدة هتتحرق علشان تبقي تمشي بشكلك ده .
ابتسم عليها ثم وضع كفيه أسفل رأسه ليفرد جسده أكثر ويعطيها الحرية كي تضع له الواقي وبالفعل بدأت تضعه وتدلك به جسده بلمساتٍ ناعمة وهو مستمتع كثيرًا بحركات يدها على تفاصيله لذا نطق بوقاحة وأنفاسٍ مأججة :
– كفى خديجة لم أعد أريد واقي أنا حقًا أحترق .
توقفت سريعًا تغلق العبوة وتدسها في الحقيبة ثم انتشلت عدة محارم ورقية مبللة تمسح يدها بها قائلة بترقب وهي تنظر حولها :
– إيه رأيك لو نطلب الغدا هنا ؟
أعجبه اقتراحها قائلًا وهو يعتدل ليقابلها :
– فكرة جيدة ، حسنًا دعيني أذهب لأطلب الطعام وأسأل عن تفاصيل التزلج على المياه كما يفعل هؤلاء .
أشار برأسه للبعيد حيث يتزلج على المياه عدة شباب داخل البحر ثم تحرك خطوة لتسرع وتتمسك بكفه قائلة بنبرة قلقة :
– تاني يا خالد ؟ ، بلاش لو سمحت أنا بقلق عليك .
ربت على كفها قائلًا بفوضوية وغمزة مشاكسة :
– هذا ليس كَرُكوب الأمواج يا خديجة فقط تزلج ، هيا لا تقلقي انتظريني هنا سأعود لكِ على الفور .
تحرك وتركها ليخطو عدة خطوات للخلف حيث المطعم الموجود هنا ويبدأ في إعطائهم طلباته ثم تساءل عن التزلج فأخبروه أن يعبر الصخور وسيجد المرسى الخاص بالقوارب ليبدأ .
عاد إلى خديجة يبحث بعينيه عن المرسى الذي أخبره الرجل عنه لتسأله خديجة بترقب حينما لاحظت نظراته وارتفاع جسده :
– بتبص على إيه يا خالد .
تحدث وهو ما زال يبحث بعينيه :
– عن ذلك المرسى ، خديجة هل يمكن أن تنتظريني هنا لنصف ساعة ؟ ، سأكون أمامكِ مباشرةً أي أن عيناي لن تفارقانكِ .
زفرت بقوة وعاد الضيق يلتهمها فلما أتيا سويًا إذا كان سيتركها تجلس بمفردها ولكن عادت سريعًا تفكر إن كان هذا شيئًا يحبه ويريده لتتركه يستمتع إذاً لذا أومأت بهدوء تجيبه :
– تمام يا خالد بس ماتتأخرش عليا وخد بالك من نفسك .
انحنى يقبل جبينها ويعدها بألا يتأخر ثم نهض يتحرك بحماس ويقفز فوق الصخور ليعبر خلفها .
دقائق مرت حتى وجدته يظهر على لوحٍ في البحر ويتمسك بحبلٍ مثبتٍ في القارب الذي يسير بسرعة عالية ساحبًا خالد معه في عرض البحر وحول محيط رؤيته لخديجة والآخر يصرخ باستمتاع ويلوح لها بحماس تحت أنظار خديجة المندهشة من أفعاله العبثية .
جلست تتنهد وتهز رأسها يمينًا ويسارًا على هذا الشقي صاحب الأفعال المتهورة وعادت تتذكر والدها لتتجهم ملامحها مجددًا بحزنٍ على ما حدث وتشعر بالثقل في صدرها باحثةً عن طريقة تراضيه بها عند العودة .
مرت دقائق وخديجة تطالع ماركو الذي يصل إليها صوته المستمتع وهو يرفع يده ملوحًا لها وبالأخرى يتمسك بالحبل لتجفل حينما استمعت إلى صوتٍ من خلفها لأحدهم يتحدث بالإنجليزية متسائلًا :
– صباح الخير ، هل أنتِ مصرية ؟
التفتت لا إراديًا تطالعه لتجده رجلًا بملامح غربية يرتدي فقط شورت أبيض بخطوط زرقاء وعيناه منكبة عليها وما إن رأى وجهها حتى شهق يتابع محدقًا في وجهها :
– أوه ، نعم بالتأكيد مصرية ، أعلم جيدًا ملامحكن الجميلة .
أبعدت نظرها عنه وتجاهلته تمامًا لتنهض تتقدم من الشاطئ وتتكتف وهي تنظر نحو ماركو برغم التوتر البادي عليها ولكن هذا السائح لم يتركها حيث تحرك نحوها يقف بالقرب منها قائلًا بإعجاب تجلى في صوته وهو بالطبع لم يلْحظ زوجان من العيون تطالعانه باشتعال يشبه النيران في الهشيم :
– هل يمكن أن أسألكِ عن شيء .
نطقت بضيقٍ من بين أسنانها وعيناها تنظر للأمام :
– غادر الآن وإلا حدث مالا تحمد عقباه .
ابتسم الآخر وظنها تهدده وهو يراها أضعف من ذلك لذا تحدث بنبرة مستفزة وهو يحاول الاقتراب منها أكثر :
– لمَ تكرهوننا هكذا ؟ ، أنا فقط أريد أن أسألكِ عن شيء ، نحن نحب المصريين جدًا لأننا نتشارك هذه الأرض .
جحظت عيناها وهي تستمع له لتفكر سريعًا من هذا ومن أي بلدٍ هو لذا فار جسدها وشعرت بالنيران تشتعل بها فالتفتت تطالعه بنبرة شرسة قائلة بغضبٍ تجلى في عينيها ونبرتها :
– ابتعد عني الآاااااااااان .
أجفل الآخر وقرر أن يبتعد حينما وجدها تتحول لوحشٍ وأدرك أنه مكروه كبقية بني جنسه لذا تحرك يغادر فاتجهت تجلس وتتنفس بقوة وتحاول أن تهدأ قبل أن يأتي ماركو الذي حينما نظرت إليه وجدته يطالعها من بعيد والمركب تسرع به .
هدأت بعد وقتٍ ولكن قد تعكر صفوها لتتفاجأ بماركو يقفز من فوق الصخور متجهًا إليها يسألها باندفاعٍ أهوج وعيناه جحيمية :
– ماذا قال لكِ ، وأين ذهب .
انتفضت تطالعه بتعجب من رؤيته له وحاولت تهدأته لذا قالت وهي تمد يدها تملس على ذراعيه :
– اهدى يا خالد كان بيسأل عن حاجة ومشي لما تجاهلته .
تعمق في عينيها للحظاتٍ ثم ابتسم ابتسامة أخافتها أكثر من غضبه وقال وهو يحثها على التحرك :
– حسنًا هيا سنعود .
– مش قولنا هنتغدى هنا ؟
قالتها متعجبة ليعود ويكرر جملته بعيون ثاقبة وتحذير :
– هيا خديجة .
أومأت له بضيق واتجهت تلتقط حقيبتها وتحركت معه يسيران على الرمال بين المظلات والمقاعد والأعداد القليلة من الناس .
كانت منشغلة بأفكارها في هذا الشخص البغيض ولم تلْحظ عينيه ، عيناه اللتان تحولتا لكاميرا ردارية تبحث عن مبتغاها وقد أدركه من لون لباسه الواضح .
خطواتٍ أخرى حتى وجدته يتركها ويركض نحو شيءٍ ما لتشهق حينما رأته ينقض كأسدٍ جائعٍ على ذلك الشخص ويسدد له الضربات ويسبه بأبشع الألفاظ .
صدمة جمدتها لثوانٍ قبل أن تسرع نحوه وتحاول إيقافه صارخةً باسمه بينما هو كان لا يرى ولا يسمع سوى شيئًا واحدًا فقط وأن هذا الشخص تعرض لزوجته حتى لو كان بالكلام .
تعالت صرخات بعض السائحين وابتعدوا بعدما لاحظوا هذا الوحش الكاسر الذي ظن أنه تخلى عن حياته السابقة ولكن مع أبسط أمرٍ حدث وجد نفسه يشتهي العودة .
ظل يضربه بقسوة ويسبه لتبحث عينيها عن أفراد الأمن الذين من المفترض أن يكونوا هنا ولكن لا أحد .
أسرعت إليه تقبض على ذراعه وتحاول إبعاده عن ذلك الذي أشرف على الموت بين يديه ولكنه نفضها بقسوة فارتدت فالتفت لها صارخًا بنظرة لم ترَها به من قبل :
– ابتعدي الآااااااااان .
تجمدت وشحب وجهها وهي تجده تحول تمامًا لشخصٍ لا تعرفه وعاد يلكم الرجل الذي تحول وجهه لبركة من الدماء التي لم تتحمل رؤيتها لذا ما هي إلا ثوانٍ حتى وجدت نفسها تسقط فاقدة للوعي مع قدوم أفراد الأمن أخيرًا .
شعر قلبه بسقوطها ليلتفت من بين وحشيته ينظر فوجدها ممددة أرضًا وفاقدة للوعي فلم يعلم ما أصابه وكيف تحرك بعدما تجمد للحظة واتجه على الفور يدنو منها وينتشلها بين ذراعيه متحسسًا إياها بجنون يردد اسمها ولكنها كانت شاحبة مرتخية لا تعي ما يحدث حولها لذا نهض يحملها ويغادر بها بخطواتٍ أشبه بالركض يشق الرمال متجهًا نحو المنزل متعجبًا من سبب أغمائها .
❈-❈-❈
استيقظت تفتح عيناها لتتفاجأ به ينام جوارها كالعادة ، لا تعلم متى يعود وكيف لا تشعر به ولكن تكرار هذا الأمر وتأخيره عنها بات يقلقها .
تنهدت ثم نادته بهمس ففتح عينيه يطالعها للحظات قبل أن يبتسم ويقترب مقبلًا إياها قبلة صباحية ثم ابتعد يقول :
– صباح الخير .
– صباح النور ، بردو جيت بعد ما نمت ومحستش بيك ، نفسي أعرف بتروح فين بليل كدة .
ابتسم لها ثم غمزها وتحدث ممازحًا بخبث :
– بروح اصطاد فريسة .
ابتسمت بثقة ثم هزت رأسها وتحدثت بدلالها الذي يعشقه :
– والفريسة دي اسمها نارة وشعرها طويل وبتحبك أوي ؟
أسرع يقترب ويقربها ويعانقها بل انقض على رقبتها يقضمها ويردف براحة وابتسامة واسعة :
– أيوة هي دي اللي مجنناني .
ضحكت برقة ثم ابتعد حتى لا يؤلمها ونظر لها لتسأله بجدية :
– قولي بجد اتأخرت ليه بليل .
– كنت بحل مسألة عاطف ، والحمد لله اتسلم للمحاكمة .
هكذا كان جوابه بسيط يخفي بين طياته الكثير ولكنها شهقت ثم تساءلت بحماس جعلها تنهض وتجلس وخصلاتها تنفرد حولها :
– بجد يا صقر ، أخيرًا اتقبض عليه .
نظر لهيأتها الجميلة ثم نزل بعينيه إلى رحمها المنتفخ قليلًا لتلتمع بوميض الحب ثم أومأ مؤكدًا يقول :
– أيوة ، موضوعه انتهى خلاص ، ومحدش يقدر يقرب منك طول ما أنا عايش .
ابتسمت له بحبٍ يفيض من عينيها ثم تحدثت بنبرة ممتنة :
– ربنا يخليك ليا العمر كله .
تنهد ومد يده يملس فوق وجنتها ثم تحدث وهو ينهض :
– يالا اجهزي علشان نروح نفطر مع مامتك .
تحرك نحو الحمام وتركها تتنهد بارتياح وتطالع أثره بحبٍ وسكينة ثم ترجلت واتجهت نحو غرفة الملابس تختار لهما ثوبان مناسبان لمشوارهما .
❈-❈-❈
يقفان سويًا بعدما استيقظا وصليا معًا ركعتين الصبح ، يحضران الفطور ويتحدثان باستمتاع .
هي تخبره بسعادة جعلتها عفوية جدًا وهو يتحدث كذلك بسعادة تقطر من عينيه وملامحه .
كلما قطع شريحة من الموز انتشلتها تأكلها ليهجم عليها بعد وقتٍ بنفاذ صبرٍ ويرفعها بين يديه بينما هي تتلوى وتقهقه بضحكات تجعل الأمواج تتراقص واليخت يتمايل من حولهما وكأن كل شيءٍ هنا يظهر سعادته بهما .
ضحكاتها وقهقهاتها وتلويها بين يديه ما زادته إلا رغبةً فيها ومطالبة فورية بها فهو لم ولن يشبع منها قط خاصةً بعد تذوقه حلوى مشاعرها لذا بدلًا عن طاولة الفطور التي كاد أن يتجه نحوها ليجلسها اتجه بها نحو الغرفة وأصبحت مشاعره هي من تقوده وليست قدميه لتتعجب وتتساءل من وسط ضحكاتها :
– عمر رايح فين الفطـــــــــار .
– هنرجعله .
وصل إلى الغرفة واتجه نحو السرير ثم أراحها عليه بخفة فطالعته بنظرة قطة وديعة تدعي جهلها لما سيحدث ولكن نظرتها الحماسية تفضحها لينحني نحوها وقلبه ينبض بصخب وحواسه تجتمع مع حواسها في اجتماعٍ طارئٍ لعقد صفقة مشاعر ثمينة شرطها الأول هو الحب .
❈-❈-❈
بدأت تتململ على أثر لمساتٍ وهمساتٍ اخترقت عقلها ، كان جاثيًا منها يناديها بلهفة وقلبٍ صاخبٍ لا يعلم سببًا لإغمائها .
فتحت عيناها ونظرت حولها بتشوش ثم بدأت تستعيد وعيها ليسرع إليها مقبلًا إياها قبلة دلت على روحه التي ردت إليه واتجه يجلس ملتصقًا بها وتحدث بندم وهو يحاوطها ويسندها حتى اعتدلت وجلست على الفراش :
– أنا آسف يا شهية يبدو أنني أخفتكِ ، ولكن حقًا كدت أن أقتل ذلك المختل ، لم أحتمل رؤيته وهو يقف يتحدث معكِ ، أنتِ بخير أليس كذلك .
كانت تدلك جانبي رأسها وتسمعه ثم تذكرت ما حدث لتلتفت تطالعه بعمق لثوانٍ تتفحص عيناه وملامحه ثم تساءلت بتعجب :
– ليه تضربه الضرب المفتري ده؟ ، افرض مات في إيدك ؟
– ليمت هذا الحيوان الشهواني القذر .
اقتتمت نظرته وهو يحدق بها وعقله يصور له أفلامًا تجعله كالبركان لذا تابع بنبرة متوعدة قاسية :
– كل من يحاول الاقتراب منكِ أو التحدث معكِ أو النظر إليكِ بنظرة ساقطة مثله سأقتله يا خديجة .
وضعت كفها على فمها من صدمتها وظلت تحدق به ليتنفس بقوة ويحاول أن يهدأ نسبةً لحالتها حيث نهض ثم اتجه نحو الكومود وصب كوب مياه وعاد يناولها إياه قائلًا بنبرة تحمل حنانًا ينافي ماكان عليه الآن :
– اشربي .
تنهدت بقوة ثم تناولته منه وبالفعل شربت القليل ثم وضعته جانبًا وحاولت النهوض فشعرت بالدوار ينهش رأسها فترنحت فأسرع يسندها بقلقٍ وتحدث بنفاذ صبرٍ :
– لا هذا كثير يجب أن آخذكِ إلى المشفى ، هيا تعالي لنذهب .
حثها على التحرك لتوقفته وتثبت نفسها ثم طالعته قائلة بترقب بعدما شغلها الأمر في الأيام المنقضية :
– خالد استنى .
توقف مكانه يطالعها بتعجب وترقب فجلست على الأريكة المجاورة ونظرت إليه تتابع بتوتر :
– فيه فحص عايزة أعمله الأول .
– أي فحص ؟
سألها ولم يتخيل أبدًا أن تجيبه بقلبٍ منفعل مع نطقها :
– فحص حمل .
تجمد يطالعها بصمتٍ فباتت تحدق به تحاول استكشاف ردة فعله ولكنه كان متجمدًا يحاول استيعاب ما قالته ثم بعد ثوانٍ ابتلع لعابه وتحدث متسائلًا :
– هل أنتِ حامل ؟
– لسة هنتأكد يا خالد بس بيتهيألي أه ، ال Period معادها فات من كام يوم ، ده غير إن فيه حاجات غريبة بتحصل معايا .
لم يكن يسمعها جيدًا بل وقف وسبح في نهر أفكاره ، يفكر أنه سيصبح أبًا ، سيكون له طفلًا ، أسرة صغيرة ، طفلًا صغيرًا ، من خديجة ، هي أمه وهو والده ، طفلًا صغيرًا كما كان هو ، سيكون أبًا ؟
هذا ما تمناه ، تمنى أن يأتيه طفلًا منها ، طفلًا يكن له أبًا ليعلم العالم كله كيف تكون الأبوة ، سيلقن روح ميشيل الملعونة درسًا في الأبوة لم يسبق له مثيل ، سيزرع في صغيره كل ما حرم منه ، لن يقسو عليه أبدًا ، لن يخذله أبدًا ، لن يبعد عنه والدته كما فعلوا به بل سيحبها إلى الأبد ، سيثق به ، وسيعزز ثقته وسيقف في ظهره في كل ما سيفعله حتى لو كان مخطئًا ، سيأتيه طفلًا صغيرًا يبدأ معه حياة جديدة كما تمناها تمامًا ، سيأتيه صغير يلاعبه ويصاحبه ويفتح له الأبواب المغلقة من الحب والحنان ، تلك الأبواب التي أوصدوها جميعها في وجهه منذ زمن وقيدوه ووصموه بالقسوة والعنف والعبث .
من قال فاقد الشيء لا يعطيه كان رجلًا يشبه ميشيل ، كان شريرًا اعتاد الحرمان .
هو افتقد للحب ، للثقة ، للعطاء ، للحنان ، للسير على درب الالتزام ، افتقد للأم ، وللضم ، ولأحدهم يقبله حينما يحزن ، أو يقع ، أو يفشل ، افتقد أحدهم يشجعه حينما يفوز ، أو يركض ، أو ينجح ، افتقد لطبيب يعالج آلامه .
ولكنه سيعطي كل هذا وأكثر لابنه ، لن يبخل عليه أبدًا .
– خــــــــــالد ؟
نداءها هو من أخرجه من الحالة التي دخلها في عقله لتتعجب من سكونه وتتساءل بتوتر :
– خالد إنت سرحت في إيه بس ؟، هو إنت زعلت ؟
تساءلت بخوفٍ ليطالعها بعمق ثم انحنى نحوها يتمسك بوجهها ويقبل جبينها بعمقٍ مطولًا وهو يعتصر عيناه ولأول مرة يدعو ربه أن يكون هذا الخبر حقيقة ، لقد ظن أنه مُعاقب ولن تتحق أمنية تنماها ولن تحمل خديجة بطفلٍ منه أبدًا ولكن الآن بات على شفا خطوة من تحقيق أمنيته لذا سحب نفسًا قويًا وابتعد يطالعها ولأول مرة تلمح غيومًا في عينيه لذا أسرع يقول بنبرة جديدة عليه وتأهب :
– حسنًا سأذهب لأشتري اختبار حمل وأعود في الحال .
لم ينتظر ردها بل أسرع ينتشل ملابسًا ويرتديها على عجلٍ ثم تحرك خارج المنزل بخطواتٍ سريعة وكأنه يريد اللحاق بصغيره الذي لم يكتشف وجوده بعد .
❈-❈-❈
عاد من عمله بحماسٍ بعدما زف إليه خبر القبض على عاطف ، لأول مرة يسمع خبرًا ينعشه منذ زمن لذا فهو أكثرهم حماسًا لإخبارها ولتكن حجة ليتحدث إليها فهو يفكر بها وكأنها احتلت عقله أكثر منذ أن تركها .
دلف المنزل وأسرع على الفور نحو غرفته قبل أن يراه أحد .
دلف غرفته وأغلق الباب ثم اتجه يجلس على فراشه وينتشل هاتفه من جيبه ثم طلب رقمها وانتظر .
لثوانٍ عدة كاد أن يُنهي الاتصال ولكنها أجابت ، أجابت بصوتٍ تمنى سماعه حيث قالت :
– ألو .
تعالت وتيرة أنفاسه وانتعشت روحه وهو يتحدث بنبرة هادئة تنافي صخب نبضاته :
– أزيك يا أميرة .
– الحمد لله .
أجابتها بنبرتها الحزينة المنكسرة ليتنهد ثم قرر إخبارها حتى تسعد لذا قال بترقب :
– في حاجة حصلت حبيت أبلغك بيها .
توقعت الأسوء ولم يمر على عقلها هذا الأمر أبدًا لذا نطقت بخوفٍ وتيه :
– إيه ؟ ، مش هيطلقني صح ؟
تألم لحالتها وتحدث مهدئًا :
– لاء بالعكس ، اطمني واهدي خالص ، أنا قلت أفرحك وأقولك إن عاطف خلاص اتقبض عليه وهو دلوقتي على ذمة التحقيق بس الأكيد إن التهمة لبساه لإنه معترف صوت وصورة والدليل كان في مكتبه كمان ، يعني كدة طلاقك منه بقى شيء مؤكد وسهل جدًا .
انتظر ردها ، فرحتها ، نبرتها السعيدة ولكنها صمتت لثوانٍ قبل أن تنتحب وتبكي ، إن حزنت تبكي وإن فرحت تبكي ، ما الذي تعرضت له لتصبح هكذا .
حاول مواساتها ليعانقها بكلماته التي باتت كالبلسم :
– ممكن ماتعيطيش ، كفاية بقى يا أميرة ، كفاية وجع وعذاب لحد كدة ، افرحي بقى واستعدي لحياة جديدة ، فكري في اللي جاي وبس وانسي اللي عدى بكل مساوؤه ، من أول جلسة هطلقك منه وبعدها هتشتغلي وتثبتي نفسك ومحدش هيقدر يتعرضلك لإني هقفلهم يا أميرة بس لازم تقوي وتفكري في اللي جاي وبس .
استمعت لدعمه وباتت تتنفس لتهدء من حالتها ولكنها حقًا سعيدة ، بل لأول مرة تشعر بالسعادة والحرية كأنها تحلق في السماء ، تشعر بنسبة عالية من الأمان برغم الخوف والترقب .
لقد تم القبض عليه ، أسوء كوابيسها ، ولكنها تخشى تحايله وخروجه مجددًا لذا فيجب أن تتحرر منه وترى مستقبلها كما يخبرها يوسف .
تحدثت بوهن مبطن بفرحة مختبئة ولكن روحها أبت الاعتراف بها :
– قلقانة يا يوسف ، حاجات كتير أوي تخليني أفكر مليون مرة قبل ما أفرح ، أنا عندي أمل كبير في ربنا وبمَ أني وصلت للمرحلة دي فأكيد اللي جاي خير بس غصب عني قلقانة ، مش عايزة مشاكل ولا أذية لأي حد ، عايزة أعيش في سلام وبعيد عن الكل وبس .
– هيحصل يا أميرة ، أوعدك هيحصل .
نطقها بتأكيد لتعاود التنفس بالقليل من الراحة ثم تحدثت ممتنة بخفوت :
– شكرًا يا يوسف ، بجد شكرًا .
نبرتها ونطقها لاسمه انعشا فؤاده المكلوم والمحروم منذ سنوات ليتنفس هو هذه المرة ويتحدث بحمحمة مرحة :
– العفو بس ده مايمنعش إني أطالب بأتعابي .
لم تكن تمتلك الجواب لذا قابلت جملته بصمت ليتنهد وكاد أن ينطق لولا طرقات على بابه تبعها فتحه وأطل والده يتساءل بترقب :
– إنت جيت إمتى يا يوسف ؟
أشار لوالده أن يدخل وتحدث لينهي الحوار بينه وبينها :
– تمام يا أميرة هقفل معاكي دلوقتي ونتكلم وقت تاني وعلشان خاطري بطلي عياط .
أغلق معها ونظر لوالده المصدوم والذي تحدث متسائلًا :
– أميرة ؟ ، أميرة مين يا يوسف .
تنفس بعمق واستعد للمواجهة لذا تحدث بثبات وعينيه ثاقبة يطالع والده :
– أميرة بنت عمي يا بابا ، أنا المحامي بتاعها وهطلقها من جوزها .
جحظ حسن وتحدث بتهكم ورفض :
– نعم ؟.
نظراتٍ ثابتة من يوسف وهو يجيب بتأكيد :
– زي ما حضرتك سمعت يا بابا ، أميرة محتاجاني ومش هتخلى عنها أبدًا .
– مش هيحصل يا يوسف اللي بتقوله ده وهتبعد خالص عن السكة دي .
– مش هبعد يا بابا ، هطلق أميرة وهرجع لها حريتها واردلها حقوقها ومش هبعد تاني يا بابا .
نطقها بتصميم مطلق ليتعجب حسن وهو يرى ابنه يعود للماضي بل ويتحدث بهذا الثبات لذا تنهد يوسف واسترسل بتروٍ :
– اسمعني يا بابا وهحكيلك كل حاجة بس تأكد سواء وقفت معايا أو ضدي أنا مش هتخلى عن أميرة تاني أبدًا .
حدق به حسن بذهول ليبدأ يوسف في سرد القصة الحزينة من بدايتها إلى هذه اللحظة وحسن يستمع له .
❈-❈-❈
عاد سريعًا متلهفًا يحمل بيده عبوة اختبار الحمل ليجدها تتمدد على الأريكة تنتظره .
حدق بها وقال وهو يفتح العلبة وينتشل منها الاختبار قائلًا بعجلة وحماس :
– هيا خديجة لنجري الاختبار .
توقفت تطالعه بتعجب ثم مدت يدها تأخذه قائلة بتروٍ يصاحبه توترًا شديدًا :
– خالد استناني هدخل أعمله وارجعلك .
– لا سآتي معكِ .
طالعته بدهشة ثم تساءلت بنبرة مترقبة :
– خالد هو إنت فرحان ؟
– لنتأكد أولًا خديجة .
قالها بنبرة تشبه الترجي فهو يخشى إظهار فرحته دون أن يتأكد ، لذا تمسك بيدها يحركها معه نحو الحمام ولكنها توقفت عند بابه تردف بنبرة متمهلة :
– خالد استناني هنا ماينفعش تدخل معايا .
قطب جبينه متسائلًا بتعجب :
– لمَ لا ؟ ، ما المانع خديجة ، هل تخجلين مني ؟
– خالد لو سمحت .
قالتها بترجٍ وحرج ليزفر بقوة ثم أومأ مستسلمًا وفتح لها الباب يشير بيده قائلًا :
– حسنًا هيا ادخلي ولكن أسرعي أرجوكِ .
أومأت له تبتسم بعدما استشعرت حماسه برغم قلقها من أفعاله وحيرتها هل سيسعد حقًا كما يتضح أم أنها تتوهم وما حالته تلك إلا تأهبًا لفعلٍ مخالف .
دلفت وأغلقت الباب ووقف هو يتمسك بمقبضه ويفكر ، دقائق فقط وسيعلم هل هي حقًا تحمل طفله أم تتوهم .
مر القليل جدًا ولكنه وجد أنه انتظر كثيرًا ، ربما مئة ثانية وهذا أقصى ما يمكنه انتظاره لذا اقتحم الحمام فجأة بقلبٍ صاخب ليجدها تقف لتوها تتمسك بالاختبار وتنتظر النتيجة .
التفتت تطالعه لتجده يقترب منها وعينيه منكبة على الاختبار الذي بدأ يظهر شرطة حمراء ثم شرطة أخرى تميل إلى الإحمرار لتتسع عينيه ويلتفت يطالعها قائلًا بعبثية غير مقصودة قفزت من بين ذهوله :
– خديجة أنا حامل ؟
أجفل على الفور حينما أدرك زلة لسانه ليتابع مصححًا :
– أقصد أنتِ حامل ؟
تلألأت عيناها بالدموع وهي تومئ له بابتسامة ليسرع في انتشالها وضمها في عناقٍ حار وبات يلف بها الحمام ويصرخ بعدم تصديق ، خديجة حامل بطفله .
تعلقت به تضحك بسعادة ، هو سعيد ، هو مبتهج كما لم تره من قبل ، دفنت رأسها في عنقه وتمسكت به وهو يلفها بصخب ثم تحرك بها نحو الخارج يقبلها قبلاتٍ لا حصر لها حتى وصل إلى السرير حيث مددها عليه وتمدد جوارها ومازال يعانقها ويقبلها بهجومٍ لذيذ ثم أخيرًا وبعد أن باتت تلتقط أنفاسها بصعوبة ابتعد عنها ولم يفك حصاره بل حدق بها وباتت ملامحه أكثر وسامة بعدما شقت السعادة طريقها إليه ليعبر عن فرحته قائلًا :
– خديجة أنتِ حامل ؟ ، سأصبح أبًا ؟ ، لا أصدق خديجة ، لقد ظننت أنني لن أحظى بطفلٍ أبدًا ، أنا ممتن لكِ على ما أشعر به الآن .
تمسكت بكفيه بقوة وتحدثت بدموعٍ وابتسامة تصحح جملته بتعقلٍ :
– الامتنان لله وحده ، لازم نشكر ربنا يا خالد .
أومأ لها مرارًا وترك يدها ونهض ثم تفاجأت به يسجد أرضًا لثانيتين ثم نهض وعاد إليها يتساءل :
– هكذا ؟
نظرت له بسعادة فهو يتذكر طريقة شكرها وفعلها لذا أومأت له ليتابع بحماسٍ والسعادة تنفجر من نبرته :
– سيكون لدي ابن يا خديجة ، أنا سأكون أبًا ، سيتحاكى عني الأباء وسيذكرني التاريخ بالأب الأفضل على الإطلاق .
بالرغم من أنها سعيدة جدًا بخبر حملها إلا أن سعادتها لا تضاهي سعادته أبدًا لذا تحدثت بحبٍ وسكينة وثقة :
– متأكدة من ده يا خالد ، إنت هتكون أب مميز جدًا .
أومأ مرارًا يؤكد :
– نعم نعم ، هذا ما سيحدث ، ليأتي طفلي الغالي وليرى ماذا سأفعل من أجله .
– طيب ولو جت بنت ؟
تساءلت بها متعجبة من قوة حماسه لتجد ملامحه تتأهب وتشتد ويردف محذرًا بسبابته :
– إياكِ خديجة ، إياكِ أن تفعليها ، أنا أريده صبيًا .
ذهلت ليسرع في ضمها مجددًا قبل أن تعترض فهو لن يقبل بذلك الآن ، لتأتي له بالصبي ثم تنجب بعد ذلك فتيات كما تريد .
ابتعد عنها وتنهد بارتياح ليجدها تطالعه بحب ثم تحدثت بترقب وفرحة تجلت في نبرتها وأرادت أن تخبر بها أحبابها :
– خالد خلينا نرجع بقى ، بس خلينا نروح لماما وبابا نبشرهم بالخبر ده ونصالح بابا .
حظها أنها طلبت منه ذلك وهو في أكثر لحظاته سعادة لذا لم يعترض ولم يمانع بل أومأ دون جدال حتى أنها تفاجئت به وهو يقول :
– حسنًا سنفعل كل ما تريدينه ، يكفي أن تبتسمي يا أم صغيري ، سنبدل شهية بأم صغيري .
انزعجت تطالعه بدلالٍ واعترضت تقول بحبٍ وتحذير واهن :
– لاء طبعًا مش هنبدل شهية ، هتزعلني منك كدة .
ضحك عليها وعاد يضمها بقوة ويقبلها بعنفٍ محبب ثم همس بسعادة بالقرب من أذنها :
– شهيتي وأم طفلي وحياتي الرائعة .
❈-❈-❈
صباحًا
انتشر خبر القبض على عاطف ووصل إلى والدته التي صعقت مما ترى وتسمع ، ابنها قبض عليه ؟ ، أولم يكن في كندا ؟
كيف حدث ذلك وما تهمته ؟
لتسرع بعدها متجهة نحو فيلا رضا العدلي لترى ماذا هي بفاعلة .
تجمعوا في بهو الفيلا وجاء إليهما سمير العدلي وجلس يردف بتعالٍ لا داعي له بعدما انتشر الخبر :
– هما مش واخدين بالهم ده مين ومناسب مين ؟ ، إزاي يتقبض عليه كدة وينزلوا صوره بالشكل ده ؟
تحدثت انتصار بتعجب وهي تتجاهل سمير وتسأل شقيقتها :
– إزاي ماتعرفيش السبب يا نجوى أومال اتقبض عليه ليه وإزاي كان في مصر والمفروض إنه سافر ؟
لم تهتم لشأن ابنتها الغائبة وتهتم بشأن عاطف ؟ ، أي أمٍ هذه وكيف تحتمل غياب ابنتها ؟
لم يكن هذا تفكير أي أحدٍ منهم بل كان صوت العقل الذي لا يمتلكه أيًا مما يجلس لذا تنهدت نجوى وقالت بنحيب من أجل ابنها :
– ماعرفش ، ماعرفش أي حاجة هو قالي في رسالة إنه عرف مكان بنتك وخدها وسافر وأنا قلت إن غيابه ده بسبب انشغاله .
انتبهت لشيءٍ ما لذا احتدت نظرتها ونظرت شزرًا نحو انتصار وتابعت بنبرة حادة :
– لتكون بنتك هي اللي بلغت عنه ؟ ، تعملها ال **** .
تعجبت انتصار من تغير حالة شقيقتها وباغتتها بنظرة ممتعضة ليسرع سمير في التدخل بينهما مردفًا بنبرة تشبههما :
– مش وقته مين اللي بلغ المهم نعرف نطلعه ، إحنا نقوم له بدل المحامي عشرة وهنخرجه ، وبعدين نبقى نشوف حكاية الست أميرة اللي جابتلنا العار بعمايلها دي .
زفرت انتصار تطالعهما بضيق وحمدت ربها أن ياسين ليس هنا متجاهلة زوجها تمامًا كأنه لم يكن والآن ألح عليها سؤالًا يتردد داخلها ، أين ابنتها ؟
❈-❈-❈
وصلا إلى فيلا بهجت بعدما عادا صباحًا من سفرهما .
ترجلا سويًا ثم تحركا معًا نحو المنزل وطرقت خديجة الباب لتفتح لها نسرين تطالعهما بابتسامة لطيفة وترحب بهما بهدوء قائلة :
– أهلًا أهلًا اتفضلوا .
دلفا سويًا ووقفت خديجة تنظر حولها باحثةً عن والدها ثم عادت تنظر نحو نسرين متسائلة بنبرة لينة :
– أومال بابا مش هنا ولا إيه ؟
تحدثت نسرين بتريث وهي تتجه معهما نحو الأرائك :
– لا موجود ارتاحوا وأنا هنده عليه .
جلسا سويًا وماركو يلاحظ منذ أن دلف أن نسرين ليست كعادتها معه ، من المؤكد ما فعله أمس أحزنها ولكنه لم يكن يتعمد إحزانها بل تعمد ذلك مع بهجت الذي يود التحكم به وبزوجته .
نظرت له خديجة وابتسمت ثم تساءلت حينما لاحظت شروده :
– خالد فيه حاجة ؟
انتبه لها ليبتسم وتحدث مراوغًا وهو ينظر نحو المطبخ حتى لا يحزنها :
– وهشتني أكلات أمك ، كنت بفكر ياترى طابخة إيه النهاردة .
هزت كتفيها بقلة معرفة ثم حدقت به وأدركت أنه يراوغ واستشفت السبب الحقيقي فهي تعلم والدتها جيدًا ولكنه من بدأ بالخطأ .
جاء مازن مرحبًا بهما وجلس معهما ثم نظر نحو ماركو وعاد لشقيقته وتساءل بتودد :
– إيه الأخبار ؟ ، أكيد احتفال عيد ميلادك السنة دي كان مميز يا ديجا .
– كان مميز جدًا يا مازن .
قالتها بصدق لتلتفت تنظر نحو خالد بحب وتابعت بنبرة لينة :
– خالد كان عاملي مفاجأة حلوة أوي .
لأول مرة يشعر بها تدافع عنه أو تدعمه أو تؤازره لذا تنهد بعمق والتقط كفها يقبله بحب تحت أنظار مازن الذي تحمحم بحرجٍ وسعادة من أجل شقيقته .
جاء بهجت من غرفته برفقة زوجته بعدما أقنعته حيث كان لا يود مقابلة خالد بعدما حدث ، لا يود توبيخه أمام ابنته فيفسد فرحتها ولكن عليه أن يضع النقاط على الحروف .
اتجه نحوهما ورحب بهما بنبرة صلدة ثم جلس ونظر لابنته بعمق ثم التفت ينظر نحو ماركو ولم يحتمل الصمت أكثر حيث اندفع يقول باستفاضة :
– بص يا ابني ،، اللي حصل منك ده مش مقبول ، تصرفاتك مش مقبولة ، غيرتك على بنتي مننا جنان رسمي ، توعد وتخلف دي قلة احترام ، أفعالك كلها تهور وغلط وبحاول اهدى وأقول مسيره يبقى كويس مسيره يعقل إنما كدة إنت بتأذي بنتي جدًا حتى لو هي مش مدركة ده .
تجمدت خديجة تطالع والدها الذي هب فجأة بينما جلس ماركو يطالعه ببرود ظاهري ليخرج كل مافي جبعته ونسرين تجلس تحاول تهدأته ولكنه لم يعد يحتمل الصمت لذا تابع بنبرة أشد قسوة وهو يرى ملامح ماركو تستفزه عن عمد :
– أنا وافقت اديلك بنتي على أساس تعرف قيمتها وتتغير وتقرب مننا وتبقى في وسطنا وواحدة واحدة حالك ينصلح ، إنما اللي أنا شايفه إنك بتسحبها مننا وعايزها ليك لواحدك ولا كإننا أهلها ، إذا كنت إنت متعود على الوحدة وإن حياتك تمشي من غير أهل وعيلة وسند فبنتي لاء ، بنتي ليها أهل بيحبوها وربوها وكبروها وتعبوا عليها ومحتاجين ظافرها ، يبقى فكر كدة واعقل الأمور وإلا كل واحد مننا يروح لحاله .
– بابا أنا حامل .
نطقتها خديجة لتهدئه من انفعاله وحتى لا يسوء الأمر بينه وبين خالد أكثر مما هو عليه .
استقبلها بهجت بصدمة جعلته يتوقف عن الكلام ويحدق بها ببلاهة لم يستوعب ما قالته بينما انفرجت ملامح نسرين وهي تهتف بفرحة :
– حامل ؟ ، بجد يا ديجا ؟
ليردد بهجت باستنكار بعدما أخرجه سؤال زوجته من صدمته :
– حامل إزاي ؟
توترت خديجة وتجلى ذلك في ملامحها بينما اعتدل ماركو في جلسته وسلط أنظاره على بهجت يردف بثقة وثبات وتشفي :
– هامل يا همايا ، خديجة هامل في ابني ، يئني كلامك ده هتجاهله ألشان خاطر الخبر ده ومن هنا ورايح هنفتح صفهة جديدة مع بئض إنت بردو هتكون جد ابني .
تلوى قلب بهجت ونظرت خديجة نحو خالد ترجوه أن يصمت ولكنه لم يرها بل تابع وهو يفرد ظهره على الأريكة بأريحية :
– وبالنسبة للي حصل في ئيد الميلاد خديجة أنا مش شايف إني غلطان ، بالأكس أنا شايف إن المفروض إنت اللي تقولنا نهتفل بيه بالطريقة اللي يريهنا بس إنت بتغيير ألى خديجة مني .
جلس مازن يتابع بصمت بعدما أسعده خبر حمل خديجة حيث يفكر أنه سيصبح خالًا أخيرًا وكم تمنى هذا بينما أجلت نسرين فرحتها وحاولت امتصاص الغضب منهما لذا تحدثت بنبرة هادئة متروية وهي تنظر لخالد بعتاب هادئ :
– لا يا خالد إنت غلطان ، أول حاجة حقك طبعًا تحتفل إنت وخديجة لوحدكوا بس من الذوق إنك تعرفنا علشان مانتحرجش قدام معارفنا بعد ما بلغناهم إن إنت وخديجة جايين وده بناءًا على كلامك ، وتاني حاجة بهجت مش بيغير على خديجة إنما هو متعلق بيها جدًا وهي كانت واخدة ركن كبير أوي من حياته لكن دلوقتي بعد ما اتجوزوتوا هو حاسس إنك بتبعدها عنه وحتى مانعها تسلم عليه وده أبوها يا حبيبي ، وبعدين إنتوا رميتوا الخبر الجميل ده وهتتخانقوا بعدها ماينفعش خالص ده خبر لازم مايتفوتش كدة .
نهضت بعدها تسرع نحو ابنتها تعانقها لتنتشل منها الحزن والتوتر الظاهران فوق ملامحها لتردف بحبٍ وحنين كي تنهي الخلاف :
– ألف مبروك يا خديجة ، قوليلي عرفتي إزاي ؟
بادلتها العناق بملامحها الحزينة من حالة والدها وزوجها والتي لا تعلم أي سبيل تتبعه كي تراضيهما.
بينما جلس خالد مغتاظًا من حديث نسرين ومن بهجت ونادمًا على مجيئه خاصة وأن مازن تبع والدته ونهض يبارك لخديجة بسعادة وجلس الاثنان حولها يدللانها ومطلوبًا منه بعد هذا الحديث أن يتريث .
أما بهجت فلم يتحرك بالرغم من أن هذا الخبر يفترض أن يسعده ولكنه لم يسعد به بل ظل يحدق في ماركو بنظرات تحدي والآخر يبادله بنظرة انتصار تعني أن خديجة له وحدي هه وطفلها وأنت ليس بيدك شيء لتفعله وانتهى الأمر .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *