رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نور زيزو
رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نور زيزو
رواية كبرياء صعيدي البارت الثالث والعشرون
رواية كبرياء صعيدي الجزء الثالث والعشرون
رواية كبرياء صعيدي الحلقة الثالثة والعشرون
بعنــــــــــوان “ما بين القلب والعقل”
خرجت “ذهب” إلى الحديقة الخلفية من السرايا تحمل صينية بها كوبين من المشروبات الساخنة، وضعتها على الطاولة أمام “فيروزة” و”عطر”، أخذت “عطر” الكوب ثم قدمته إلى “فيروزة” التى تنظر فى هاتفها بعيني باكية ووجه شاحب:-
-أشربي يا فيروزة وبطلى تستني منه يتصل
أخذت “فيروزة” الكوب منها وهى جالسة على الأريكة وتطوي قدميها على الأريكة مُرتدية بيجامتها السوداء وعليها حبيبات كرز أحمر بأكمام وتضع على أقدامها شال من الصوف أصفر اللون، تنهدت بحزن مُحتل قلبها وهى تضع خصلات شعرها الأسود خلف أذنها مُتمتمة بهدوء:-
-لسه تليفونه مقفول يا عطر
تنهدت “عطر” بهدوء شديد، أرتشفت القليل من كوبها قبل أن تتحدث ثم حدقت بوجه “فيروزة” لتقول بنبرة دافئة:-
-فيروزة، أنا عارفة أنك مجروحة وأوى كمان لكن كلمة الحق تتقال وخلي بالك أن كلمة الحق بتزعل ومع ذلك هقولهالك، عامر سابك وأتخلى عنك وسورى يعنى أتخلى عنك بفضيحة وأى أن كان سببه فهو عمل كدة ولو فرضنا أنه كان عنده سبب مقنع لكن أى أن كان السبب المقنع دا فهو ضحي بيكي من غير ما يرجع لك أو يكلم أخوكي مع أنه كان ممكن يأجل الفرح أهون، ودلوقتي أنتِ على ذمة راجل تاني، راجل محترم على حد علمي به ، سترك ورفع رأسك وأسمك وسمعتك قصاد العالم كله
تنحنحت “فيروزة” بخفوت ثم قالت بتعلثم:-
-الغايب حجته معاه
تأففت “عطر” من رقة قلب هذه الفتاة التى ما زالت تختلق الأعذار لأختفاءه وتبرر موقفه، تحدثت بجدية:-
-غايب!! ما تفوقي يا فيروزة وتبصي حولك دا الست الوالدة خالتك أول ما الفرح بدأ والناس جت فص ملح وداب، دا مخطط لكل حاجة مع ابنها يا حبيبتي، متفاجئتش يعنى بغياب أبنها اللى تليفونه مقفول، فوقى لنفسك يا فيروزة… ونصيحة منى ليكي زى ما غيرتي لون شعرك وبقي شكلك أحلى غيري قلبك وهتبقي أحلى برضو
أومأت “فيروزة” لها بنعم وألتزمت الصمت تكبح ألمها ووجعها بداخلها وتكتفي بالبوح للجميع
_____________________________________
وصل “حامد” للمنزل بعد غياب ليلة الأمس كلها وفور أن فتح باب الغرفة بدأت “خديجة” فى البكاء مُصطنع الحزن والألم، عقد حاجبيه مُندهشًا من نوبة البكاء التى أصابتها فأقترب منها وهو يرتدك سترته على المقعد ويقول:-
-جرا يا جميل؟
جففت دموعها المُصطنعة وحدقت به بتعابير وجهه بريئة لتُثير غضب عقله وتسيطر على قلبه، تمتمت بصوت مبحوح:-
-جول مجراش أي، جول فى أي بنتك معملتهوش فيا، أنا كنت فاكرة أنى هتجوزك غصب عنى بس هتحمينى ومش هتجبل أن حاجة تزعلني، كنت فاكرة أن مع الأيام هتعود عليك وهنعيش أيامنا فى سعادة تيجى بنتك تكرهني فى البيت وفى حياتي.. لا مشيني من هنا، طلجنى وأرجع لمرتك وبنتك أنا ميرضنيش أكون السبب فى خراب بيتك
تبسم بلطف إليها ووضع يده على وجنتها يمسح دموعها بدلال ثم قال بنبرة قوية:-
-لا يا حبيبي متجوليش أكيد هنعيش أسعد أيام حياتنا وهدلعك وأحميكي، تحبي أجوم أعلمها الأدب
هزت “خديجة” رأسها بالإيجاب ببراءة وقالت بعفوية بعد أن تشبثت بذراعيه:-
-أيوة جوم علمها الأدب دا مسكتني ضربتني علجة موت وكانت روحي هتطلع فى يدها وحتى اسأل الخدم اللى شغالين عندك ولو أنا بكدب أبجى علمنى أنا الأدب، لكن أنا عارف أن مهيهونش عليك تجعد ودودي حبيبتك مجهورة وحجها ضايع اكدة
تبسم بعفوية على حديثها الذى يعطيه الأمل فى تصليح علاقتهما وكلماتها توحي له انها ستفتح باب قلبها إليه، أومأ إليها بنعم وأخذها من يدها للأسفل وهو ينادي على ابنته بنبرة قوية خشنة:-
-كارما… كارما
دلفت “كارما” من الاحديقة على صوت والدها المرتفع فرأته ينزل على الدرج ويمسك يد “خديجة” فى راحة يده كأميرة مُدللة تبكي بهدوء وترمق “كارما” بنبرة مكر فهمتها “كارما” من ملامح والدها الحادة، رمق فتاته الصغيرة بضيق ثم قال:-
-ينفع اللى عملتيه دا يا كارما
تحدثت “كارما” بغضب سافر قائلة:-
-معملتش حاجة يا بابا دى بتكذب…..
صرخ بوجهها مُنفعلًا من حديثها عن “خديجة” ليقول بعناد:-
-أتأدبي يا كارما لما جصادي بتجولى على مرت أبوكي كاذبة أمال فى غيابي بتجولى أي وبتعملى أي؟
-يا بابا محصلش….
بتر حديثها مرة أخرى مُدافعًا عن زوجته الخبيثة بحدة صارمة:-
-أنا معاوزش أسمع كلمة واحدة منك غير الأعتذار .. تعتذري حالًا وجصادي وتوعدينى أنه ميتكررش تاني
رمقت “كارما” هذه المرأة بدهشة من تحكمها فى والدها وكيف تسيطر عليه كاملًا بهذا القدر؟ لتتذكر حديث الخادمة وأن والدها عاشقها لهذه الفتاة بجنون، دمعت عينيها من الحزن وقلبها خُذل فى والدها الذي سمع لحديث زوجته وأبي أن يسمع منها كلمة واحدة ويجبرها على الأعتذار الآن فقالت بنبرة خافتة بحسرة:-
-آسفة
صعدت لغرفتها باكية وتشعر بظلم يجتاحها بعد أن نصر والدها هذه الزوجة على ابنته، ألتف “حامد” إلى “خديجة” ببسمة خافتة وقال بلطف:-
-مبسوطة يا حبيبتى
أومأت إليه بنعم بدلال ثم رفعت جسدها على أطراف أصابع قدميها ووضعت قبلة على وجنته أذبته كليًا وقالت بحُبٍ مزيفٍ:-
-اه يا حبيبي
وضع يده على وجنته لم يُصدق ما فعلته وتساءل هل هى نفس الفتاة التى تهدده بالسكين إذا أقترب منها؟ تبسم بعفوية وقلبه يتراقص فرحًا لأجلها بينما “خديجة” تبسمت بحماس وأنتصار من نجاحها فى السيطرة على هذا الرجل وببسمة منها جعلته يقف أمام أبنته فماذا سيفعل إذا قدمت له المزيد من البسمات؟ وأدركت للتو أنها أصبحت تملك سلاح لمحاربة “عيسي” الذي خطفها وهدد بقتلها ودهس قلبها ومشاعر وهذا السلاح سيكون “حامد” زوجها المهوس بيها…..
________________________________________
فى منزل “سكينة” بمنتصف البلد بحي سكني للطبقة متوسطة الدخل، صنعت كوب من الشاي بنفسها وخرجت من المطبخ تحمله فى يد وفى الأخرى تحدث “عامر” فى الهاتف قائلة:-
-عيسي هيتجنن ويوصلك يا عامر؟ أنا من الأول جولتلك بلاش الفكرة دى ، كان فى ألف فكرة تانية تأخد بيها حجك
أجابها “عامر”من اليخت الذي يختبيء به فى وسط البحر خوفًا من “عيسي” قائلًا:-
-ألف فكرة زى أى؟ أنا معاوزش حجي فلوس ، أنا حجي كان فى جهرة جلوبهم كلهم وذُلهم جصاد البلد كلتها، علية الدسوجى مهيوجعهاش الفلوس، فرد فرد فيهم ميفارجش ويهم المال لأن معندهمش أكتر منه
تحدث “سكينة” بنبرة خافتة وعقلها لا يتوقف عن التفكير قائلة:-
-أديك عملت اللى فى رأسك يا ولدي ومتجهروش ولا أتذلوا ومصطفى أتجوزها واليوم عد عادي جدًا والناس كلها باركت وفرحت ومشيوا ومأخدتش أنت حاجة غير كسبت عداوة عيسي وربنا يستر من اللى جاى
أتسعت عيني “عامر” على مصراعيها بصدمة لجمت قلبه للتو وعقله الذى خطط للأنتقام شَل محله بعد أن تزوج “مصطفى” منها فقال بصدمة مُنفعلًا:-
-أتجوزها كيف؟ يعنى بعد كل دا وتعدى أكدة؟ يعنى فؤاد يخسر أبويا اللى ماله فى المقاولة وأستن تسع سنين وأخطط وأخليها تحبنى وفى الأخر تجوليلى محصلش حاجة
-أمال أنت كنت فاكر أي يا ولدي؟ كنت فاكر أنك لما متجيش الفرح عيسي الدسوقى هيهمل أخته تتفضح
قالتها بسخرية من عقل ابنها الذي فكر فى الأنتقام وأنتظر لسنوات حتى تسنح له الفرصة، أجابها بغضب سافر قائلًا:-
-أيوة كان لازم أتجوزها وأحضر الفرح وأطلجها فى ليلتها وأرجعها لدار أخوها بفستانها.. وجتها بس كان هيبجى فضيحتهم بجلاجل
-مع علينا يا عامر اللى حُصل خلاص حُصل، الفلوس اللى وياك تسافر بيها برا البلد وتتجي شر عيسي ومتحرجش جلبي عليك فاهم يا عامر
اومأ إليها بنعم ثم قال بضيق شديد يتملكه:-
-أنا حجزت على طيارة إيطاليا السبوع الجاى وهبعت أخدك ويايا يا أمي
وافقته الرأى قائلة بثقة:-
-ماشي يا ولدي ولحد ما تخرج من البلد دى أوعى تتصل بحدة من رجمك الجديد ولا تفتح الجديم، فاهم كيف لحد أكدة
أغلقت الخط معه وظلت تفكر فيما هو قادم خلال الأيام القليلة البقية قبل مغادرتهم من البلد…….
_________________________________
تبسمت “عطر” بسعادة تغمرها أثناء نومها على الفراش الصغير أمام الطبيبة التى تحرك الجهاز الطبى على بطنها وترى طفلها فى الشاشة، تسمع صوت نبضات قلبه وترى رأسه أمامها، لم تصدق أنها تملك هذا الطفل بداخلها حقًا، تحدثت الطبيبة بلطف قائلة:-
-لا دا إحنا بجينا عال أوى… تعال أستاذ عيسي شوف ابنك
تنحنح “عيسي” بلطف قبل أن يدخل حتى ولج ورأى طفله الصغير الموجود بداخل أحشاءها ورأسه واضحة جدًا فى الشاشة ويسمع صوت نبضات قلبه فنظر إلى “عطر” ببسمة خافتة ورأى بسمتها كشروق الشمس تملأ المكان وعينيها تضحك فرحًا فربت على يدها بحنان وقال:-
-ربنا يقومها بالسلامة
تبسمت “عطر” بسعادة عليه فتابعت الطبيبة الحديث بلطف بعد وقوفها قائلة:-
-أعدلى هدومك، إحنا هنمشي على الفيتامينات ونخلى بالنا كويس من الأكل، تحليل الأنميا مش أحسن حاجة مش عاوزين أى مضاعفات أثناء الولادة ولا عايزين نعلق محاليل، الأكل يا مدام عطر ثم الأكل ثم الأكل
أومأت إليها بنعم ببسمة دافئة ثم غادرت مع “عيسي” مُبتسمة وقالت:-
-أنا فرحانة أوى أن البيبي ولد
تبسم “عيسي” بعفوية إليها وأخذ يدها تتبأطأ ذراعه حتى وصلوا إلى السيارة، فتح لها الباب لتصعد أولًا ثم رفع طرف تنورتها ليغلق الباب فتبسمت “عطر” على لطفه ومعاملته الرقيقة لها، صعد بمقعد السائق وأنطلق بسيارته يشعر بنظراتها الحادقة به فنظر إليها وقال:-
-بتبصيلي أكدة ليه؟
ضحكت “عطر” عليه ببراءة وقالت بحُب:-
-أنت جميل أوى يا عيسي، عارف أنا نفسي فى أيه؟
نظر إليها تارة وإلى الطريق تارة ثم قال بفضول لمعرفة ما تتمناه:-
-اي يا عطري؟
-أن مصطفى بنفس الحنية دى مع فيروزة، وأنها تفتح له باب حياتها ويكون عوض ربنا ليها
قالتها بحُب ممزوج بالخوف على “فيروزة” فتنهد بهدوء صامتًا دون أن يجيب عليها، شعرت بحركة طفلها بداخلها لتتضحك بقوة رغم ألمها الخافتة فنظر إليها لتقول بحماس:-
-بيتحرك يا عيسي، أتحرك والله
ضحك على عفوية فتاته، وصل إلى السرايا ليرى “مصطفى” جالسًا مع الرجال عند بوابة السرايا فأوقف السيارة أمامهم وقال:-
-تعال يا مصطفى عايزك
قاد سيارته إلى السرايا وأنزل زوجته ثم قال بجدية:-
-أطلعي أنتِ يا عطر
أومأت إليه بنعم ثم وقف ينتظر “مصطفى” وجلسوا معًا فى الحديقة ليقول:-
-مرتك عاملة أى دلوجت؟
نظر “مصطفى” له بحيرة وتعابير وجهه أخبرت “عيسي” بالجواب قبل أن يتحدث ليقول “مصطفى” بهدوء:-
-مطلعتش الأوضة الصراحة ومشوفتهاش بجالى يومين، معاوزش أضغط عليها ومعاوزش شوفتي توجعها أكتر وتفكرها باللى حصل
تبسم “عيسي” بخفة على معاملة “مصطفى” إلى أخته وكم يخشي عليها الوجع فى حين أن محبوبها من دب الوجع بها ليقول بجدية:-
-طيب أطلع أتكلم وياها، أنا بفكر أخليها تنزل الشركة ويايا أهو تشغل وجتها فى حاجة بدل التفكير، شوف لو هى عايزة ولو أنت كجوزها موافج تشغلها بلغنى وأخلى السكرتير يشوف لها شغل بسيط تضيع فيه وجتها
أومأ “مصطفى” له بنعم مُدركًا أن “عيسي” يصنع لهم الموقف حتى يقترب من أخته، نظرة “عيسي” له جعلته يُدرك أن “عيسي” يخطط لأستكمال هذا الزواج دون أنفصال بعد شهر أو أى فترة أخرى، صعد “عيسي” معه إلى الأعلى ليدق “مصطفى” الباب بلطف قبل أن يدخل وظل واقفًا حتى أذنت له من الداخل بالدخول، تنحنح بحرج بعد أن دخل وقال:-
-السلام عليكم
نظرت “فيروزة” إليه وهى جالسة على الأريكة التى خصصها له وتحمل فى يدها هاتفها مُرتدية بيجامة زرقاء اللون من الحرير وشعرها الأسود مسدول على الجانبين، رمقها “مصطفى” بحرج وما زال لا يُصدق أن له الحق بالنظر إليها كانت جميلة مع ضوء الغرفة الخافت ودموعها التى تسيل على وجنتيها بهدوء أكثر من السابق ودون رجفة، وقفت من فوق الأريكة بعد رؤيتها له وكأنها تترك له مكانه المخصص مُتمتمة بهدوء:-
-أتفضل
سارت إلى الشرفة هاربة من النظر إليه، قلبه مُثقل بأوجاعه ولم تتحمل على البقاء مع أحد، تحتاج للوحدة والعُزلة الآن، أتكأت بذراعيها على الداربزين الحديدية وخرج من صدرها تنهيدة قوية مُعبأة بالإنكسارات والخيبات التى تعرضت لها مُغمضة العينين حتى شعرت بشيء يحتضنها من الخلف، فتحت عينيها لترى “مصطفى” يقف جوارها ووضع شالها الصوف على أكتافها يحميها من البرد القارس، نظر بعينيها الباكيتين بحزن شديد وغصة فى قلبه تألمه من رؤيتها ضعيفة هكذا ليقول:-
-متزعليش حالك، هو الخسران
نظرت للأمام بحزن شديد لتقول بسخرية من كلمته:-
-هو الخسران وأنا المجهورة والموجوعة
أحتدت نبرته أكثر وقال بأنفعال شديد من كلماتها:-
-ما عاش ولا كان اللى يجهرك ورب العرش لأجبهولك راكع على رجله وأرمي تحت رجلك يا أنسة فيروزة تعملي فيه اللى تعوزيه
ألتفت إليه بدهشة من أنفعاله وعهده إليها فتبسمت بإنكسار شديد وذرفت دمعتها حين قالت بألم:-
-أنسة فيروزة!! أنت كمان ممصدجش أنك أتجوزتني، بجيت مدام يا مصطفى ، بجيت مدام
تنحنح بهدوء من ذلة لسانه وكأنه كما قالت لم يُستوعب أنها الآن زوجته حقًا، لم يقوى على لفظ أسمها دون لقب قلبه، ما زال الجندي لا يصدق أنه تزوج الملكة وبات ملكًا وليس جنديًا فى أرضها، ألتف لكي يغادر مُحرجًا من كلماتها وبمجرد مغادرته للشرفة سمع صوت بكاءها تجهش بألم شديد يُمزقها من الداخل فوقف خلف الباب يسترق السمع لبكاءها فى هدوء دون أن يزعجها أو يمنعها من الفيض بأوجاعها وطأطأ رأسه حزنًا على حالها لكنه سمع صوت أرتطام شيء قوي ليمد رأسه لكنه صُدم عندما رأها على الأرض فاقدة للوعي من الوجع، هرع إليها ثم حمل رأسها على ذراعه وبيده يدلك وجنتها مُناديها بخوف:-
-أنسة فيروزة…. فيروزة ردي عليا
لم تُجيب عليه فحملها على ذراعيه بخوف أن يُصيبها شيء ودلف بها إلى الفراش ثم وضعها برفق وأحضر زجاجة عطرها وبدأ يمسح بيده على أنفها لتستعيد وعيها بصعوبة بعد أن فزع قلبه وأرتجف خوفًا عليها، رأته جوارها على الفراش يمسك فى يده زجاجة العطر، سمعت صوته الدافئ يقول:-
-أوديكي مستشفى؟
لم تُجيب عليه فتنفس الصعداء بأريحية ثم وقف من مكانه ليضع الغطاء عليها بينما يقول بخفوت:-
-هخلى دهب تعملك حاجة تأكليها
-ماليش نفس
قالتها بتعب شديد وهى تعتدل فى جلستها ليصرخ بغضب لأول مرة بها:-
-وأخرتها أيه؟ أديكى وجعتي من طولك وليه عشان واحد ميستاهلش هتهملى حالك وصحتك لحد متى، لحد ما تروحي مننا وعشان أى؟
نظرت إليه بدهشة من صراخه وأنفعال بها، أبتلع لعابه غاضبًا مما ألت إليه الأمور وحدته معها فغادر الغرفة صامتًا، عقدت “فيروزة” ذراعيها أمام صدرها بحزن يستحوذ عليها وعادت للبكاء بأنهيار، مر ساعة كاملة فى نوبة بكاءها حتى قاطعها دقات على الباب لتدرك أنه عاد إليها فجففت دموعها سريعًا وأذنت له بالدخول مما أدهشها حين ولج يحمل فى يديه جميع أنواع الأكل ووضع كل الأكياس أمامها على الفراش فقالت بذهول:-
-أنت طلبت كل دا عشاني
بدأ يفتح الأكياس لها ووجدت طعام صيني ودجاج مقرمش وبيتزا الجمبري ومكرونة إيطالي ومعظم المعلبات التى تفضلها، ظلت ترمق الأكياس التى يفتحها واحدة تلو الأخرى فسألته بفضول:-
-حتى الأكل الصينى، أنت عرفت منين أنى بحب كل دا؟
-أنتِ ناسية أنى كنت مرافجك كل ما بتطلعي من السرايا، كنت بطلبك الأكل فى المطاعم بنفسي
قالها ويديه تفتح الأطباق لها، رفعت “فيروزة” نظرها إلى وجهه ترمقه بأندهاش من ذاكرته التى حفظت كل شيء عنها، تحدث بهدوء قائلًا:-
-تسمحيلي
نظرت إليه بصمت دون أن تفهم ولا ترغب بالسؤال فأخذ يدها واحدة تلو الأخرى يضع لها قفازات الطعام، تابع حديثه قائلًا:-
-ههملك تأكلى على راحتك
وقف من أمامها ليذهب إلى أريكته الصغيرة ونظر فى هاتفه، أبتلعت “فيروزة” لعابها بحيرة وبدأت تتناول الطعام وعينيها تراقب “مصطفى”، تبسم بخفة حين رأها تأكل وتراقص قلبه بأنتصار بسبب نجاحه فى مهمة أطعامها ……
____________________________________
فتحت “فادية” باب المنزل لتجد “خيرية” أمامها، دلفت “خيرية” مُتسائلة عن والدتها:-
-أمى فين يا زفتة أنتِ؟
أجابتها “فادية” بنبرة غليظة من أسلوبها فى الحديث:-
-جوا اتفضلي
دلفت “خيرية” إلى الصالون حيث والدتها فقالت بضيق:-
-رنت عليكي كتير وأنتِ مبترديش وكمان خالد ونصر فى أي؟
رمقتها “خضرة” بعيني ثاقبة وتذكرت أولادها المُختفيين مُنذ خروجهم من النيابة وقالت:-
-خالد ونصر
-أيوة خالد ونصر اللى جوزتوا خديجة بالغصب عشان يطلعوا، هم فين الرجالة بجي؟
قالتها “خيرية” بضيق عاقدة كفيها ببعضهم من الغيظ، فسألت “خضرة” بدهشة من غضب ابنتها:-
-هو فى أي يا بت مالك؟ داخلة شايطة عليا ليه؟ يكنش أخواتك لسه بيحبوا وضاعوا منى
-لا، بس أنتوا جبرتوا خديجة تتجوز الرجل العجوز دا عشان الرجالة تطلع، ولما أتخنجت وي جوزى وأحتجتهم رجالة ملاجتهمش
رفعت “خضرة” حاجبها بدهشة وقربت رأسها لأمام غاضبة من حديث ابنتها:-
-جولتى أيه؟ أتخنجتى وي جوزك؟ ليه يا ست الحُسن؟
نزعت “خيرية” حجابها بضيق وبداخلها بركان ناري من زوجها وقالت:-
-أبدًا أمه جبتله عروسة عشان يخلف وهو وافج، وأنا جولتله يا أنا يا هى ووافج برضو
كزت “خضرة” على أسنانها من الغيظ الشديد وقالت بضيق يتمالكها:-
-ما حجه يتجوز، الراجل حجه يخلف وكتر خيره أنه أستحملك السنين دى كلتها من غير خلفة، معجدها ليه؟
ضحكت “خيرية” بسخرية من حديث والدتها وتذكرت زواج “خديجة” فأدركت أن وأهلها لن يعززوها كما توقعت بل سيقبلون بأى شيء، فتأففت بضيق وقالت بغيظ:-
-أنا رايحة أشوف نصر فين؟ هو اللى هيجبلى حجى؟ مش هو اللى جوزنى الثور دا
حاولت الأتصال به كثيرًا لكنها لم تجد جوابًا على كل مكالماتها، نظر الرجل على هاتفه الذي يدق منذ الصباح كثيرًا ثم إلى “نصر” المُعلق من ذراعيه فى الحجر وكان كالجسد بلا روح من الضرب المبرح الذي يتعرض له ولم يجد سبيل للهرب من هؤلاء المطاريد ووكرهم بباطن الجبل وما زال ينتظر الأمر من “عيسي” حتى يُرحم جسده من العذاب، أقترب رجل أخر يحمل فى يده أبرة طبية معبأة بمواد مخدرة لغرسها بعروق ذراعه وجسده يتصبب عرقًا مُنهكًا من كثر المواد المُخدرة التى تسير فى عروقه أكثر من دماءه…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كبرياء صعيدي)