رواية أسد مشكى الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الثالث عشر
رواية أسد مشكى الجزء الثالث عشر

رواية أسد مشكى الحلقة الثالثة عشر
توقفت أقدامها كما توقف قلبها وكل شيء حولها، تشعر أن برودة غريبة بدأت تتسرب لجدران القصر في ثواني، ورغم كل التهديدات والغضب الذي كان ينبثق كل ثانية من أرسلان صوبها، لأول مرة تسمع سلمى تلك النبرة الغاضبة منه، نفس النبرة التي سمعته يتحدث بها يوم الهجوم حين أتت هنا في يومها الأول.
استدارت ببطء صوبه وهي ما تزال على بُعد خطوات صغيرة من عتبة غرفتها، وليتها لم تفعل وتستدير، فبمجرد أن فعلت أبصرت نظرات غضب وملامح مرعبة تعلو وجه الرجل الذي ترفع حتى عن النظر صوبها …
تنفست بصوت مرتفع تحاول الحديث بكلمة وهي تشير للجهة التي ركض بها الرجل، تفتح فمها وهي تحاول وتحاول الحديث، لكن نظراته جعلت جسدها يرتعش والدموع تملأ عيونها :
_ لقد قتـ..
وغضب أرسلان في هذه اللحظة وهو يراها تقف شبه عارية أمامه تتناقش معه دون أن تركض وتستر جسدها جعلته يصرخ بجنون دون شعور :
_ أنتِ أكثر امرأة مثيرة للغضب رأيتها في حياتي، كيف هانت عليكِ نفسك لتذليها بعريكِ هذا ؟؟
جملة نطق بها أصابت سلمى في مقتل وهي تنظر له بأعين متسعة وقد بدأت دموعها تتساقط دون شعور من صراحة كلماته، ارتعش جسدها وهي تتراجع ليهتف أرسلان وهو ينظر حوله وجسده ينتفض على غرار جسدها لكن انتفاضته كانت غضبًا وهو يحاول تمالك نفسه :
_ تموت الشريفة ولا تسمح لرجلٍ أن يبصر طرفها دون أن تسترة بقماش يقيها شر الأعين ولو عني ذلك روحها، وأنتِ ….
ترك كلمته الأخيرة معلقة ولم يكمل، لكن سلمى ودون أن يكمل هو حديثه أدركت مكانتها وقدرها في تلك المقارنة التي أجراها للتو على مسامعها .
سقطت دموعها أكثر وهي تشعر بكامل أعضاء جسدها شُلت وقد كانت تلك المرة الأولى التي تُهان بها بهذا الشكل، بللت شفتيها ترفع عيونها له بعدما تمالكت نفسها تردد بصوت حاولت صبغة بالتماسك:
– العفو منك مولاي، أعتذر لتخطي حدودي وتصرفي بشكل لا يليق بك ولا بقصرك، ستكون هذه المرة الأخيرة التي تعاني من مشاكلي .
شعر أرسلان بالتوتر ولأول مرة من نبرتها، يدرك الآن قسوة الكلمات التي نطقها على مسامعها، يشعر أنه بالغ في ردة فعله، بينما هي كانت تبصر كل تلك الصراعات على وجهه تبتسم بهدوء شديد :
_ أنا ومنذ يومي الأول هنا تعهدت لك ولنفسي قبلك أنني سألتزم قوانين المكان الذي أحيا به و…..
_ هذه ليست قوانين، هذه تشريعات، هذا دينك وهذه حدوده، فما لك تتخطينها دون أن يهتز قلبك ؟؟ امتلئت عيون سلمى بالدموع أكثر من كلماته لكن رغم ذلك ابتسمت له تجيب بهدوء شديد لا تلومه، فالخطأ في البداية خطأها، أن تركت عالمها وحاولت التأقلم على مكان يرفضها بكل ركن فيها، وكأن مشكى ما استصاغت مذاقها وحاولت لفظها مرات ومرات، وهي كالعلكة التصقت بالحلق رافضة التحرك .
وخطأ أن تأقلمت على وضع لا يليق بها كفتاة ولدت لأب مسلم، هو محق هي لن ترتقي يوما لتلك النساء .
ابتلعت ريقها وهي تدرك أن طريقها صوب الاستقامة الكاملة سيكون طويلًا، هي مهما حاولت ومهما فعلت لن تكون مثلهم ولا يمكنها حتى أن تكون مثل نسائهم اللواتي يمجدون بهن البتة، هي مجرد غريبة وستظل غريبة .
_ يمكنني أن أذكر لك مئات الأسباب حول سبب عدم اهتزاز قلبي كما تدعي، يمكنني أن ابهرك بحججي حول الأسباب التي اوصلتني لهذه النقطة، لكن هذا لن يفيدك طالما أنك لا تهتم من الأساس، وأنا كذلك لست مهتمة في الحقيقة لشرح أسباب وصولي لحياة الفسوق هذه _كما وصفت _على مسامع رجل لا يهتم بسماع أسبابي بقدر اهتمامه بإلقاء الأوامر، تصبح على خير .
ختمت حديثها تهز رأسها وهي تتحرك بعيدًا عنه بسرعة كبيرة صوب الغرفة الخاصة بها تغلقها بقوة في وجهه دون كلمة إضافية أو توضيح لسبب خروجها بهذا الشكل، هو خمن وصدق أنها قد تفعل مثل هذا دون سبب، إذن لا حاجة لمبرر …
بينما أرسلان ما يزال يقف في مكانه وعيونه تطالع نفس النقطة التي كان ينظر بها وقد اشتد احمرار وجهه لتتحرك يده بسرعة كبيرة تضرب المزهرية التي تتوسط الطاولة جواره يطلق صرخة مرتفعة .
تهوره، والله لو كان رجلًا لقتله، يشعر بالدماء تغلي في عقله، هي محقة، هي محقة وهو حقير، لم يهتم حتى لمعرفة أسباب خروجها بهذا الشكل ليسارع ويلقي الكلمات السامة في وجهها دون تفكير .
أطلق صرخة مرتفعة في المكان وهو يتنفس بصوت مرتفع، نظر حوله ثواني يحاول أن يفكر فيما يجب فعله، ينظر يمينًا ويسارًا يبحث عن شيء قبل أن تتعلق أنظاره بباب غرفتها ويبتلع ريقه بترقب شديد، ثم تحرك ببطء صوب الباب يتوقف أمامه ثواني وهو ينظر حوله كطفل مذنب يبحث عن عذرٍ يجره لوالدته كي تسامحه على ما اقترفه .
وفي الحقيقة أرسلان لم يكن مخطئًا في حديثه، بقدر خطأه في التعبير عنه …
وهذا ما جعله يرفع يده بتردد واضح ولاول مرة، ليدرك في اللحظة أن هذه المرأة خلف هذه الأبواب جعلته يجرب الكثير لأول مرة معها .
تنفس يطرق الباب وهو يحاول الحديث يناديها ليعتذر منها ويطمئن أن كل شيء يسير بخير معها :
_ آنســــ فجأة توقفت كلماته حين سمع صوت بكائها خلف الأبواب يزداد ليشعر بالقلق يدب بصدره وهو يطرق أكثر مناديًا بصوت ملتاع :
_ سلمى ؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرؤية شبه ضبابية والأصوات مكتومة، المشاهد غير واضحة والروائح تكاد تصيبها بالقئ .
أخذ جسد توبة يتمايل دون شعور بين أيدي الفتيات اللواتي يجذبنها صوب ساحة الاحتفال العامرة بالمجون والفسوق، والتي تقام بها أكبر احتفالات النخاسة كل مساء، وقد كانت تحتمي منهم توبة بغرفتها في البداية، الآن لا حامي لها منهم سوى الله، وقطعة القماش الصغيرة التي تستر بعض الأجزاء من جسدها، حتى حجابها انتزعوه منها وجردوها من سترها .
وصلت صوب الساحة لتدفع بها الفتاة لأحد الجهات حيث ترتص الكثير من النساء في انتظار دورهن لعرض بضاعتهن على الجميع، منهن من جاءت مجبرة باكية، ومنهن من اعتاد قلبها وألف ما يحدث، ومنهن من جاءت بملء إرادتها .
حاولت توبة الحديث بكلمات غير مفهومة وهي تبعد الأيدي عنها، بينما كلمات البعض تتقاذف حولها .
_ ابعدي يدكِ عني، اعديني لغرفتي أشعر بالبرد .
كانت كلمات أشبه بالهزيان، تلك العشبة التي أخذتها جعلت جسدها يتحرك دون إرادة منها وكأنها منتشية بفعل مشروب ما، رأت بعض الأعين تتحرك صوبها لتشعر برغبة عارمة في دفن نفسها ارضًا، تتحرك بين أيدي الجميع بما تمتلك من قوة تحاول الفرار من بينهن، لكن لا أحد سمح لها بالفرار .
وبكل ذرة عجز وذل تسير في دمائها أخذت تبكي وهي تترجاهن بصوت خافت خرج بصعوبة من بين تلك الغيمة التي تحيط بها :
_ دعوني أرجوكم، لا تدفعوني لتلويث جسدي، لا تفعلوا أرجوكم، لا تجبروني على كره ذاتي .
سقطت دموعها أكثر وهي تشعر بأحد الرجال يجذب جسدها لمنتصف الساحة وكأنه يدعوها للرقص والجميع حولها متأهبين .
المكان حولها يدور وهي بالتالي تدور دون شعور معه، الموسيقى تعلو والحماس بين الجميع يزداد وقد بدأت الأجساد حولها تتلاحم، وهي لا تشعر بشيء، سوى أن هذا يحاول جذبها ودفعها للرقص وهذا يجذبها رغبة أن تشاركه رقصة، وما بين هذا وذاك كان صوت نسائي يصدح بنبرة مثيرة وهي تغني بعض الأغاني بلغتهم الام ” الفارسية ” تزيح الجميع عن الساحة وهي تتراقص بقوة كبيرة ..
وفي ثواني وبشكل لم تدركه وجدت نفسها تبتعد واخيرًا عن هذا التلاحم في الساحة صوب ركن هادئ لتحين فرصتها وأخيرًا تتقيأ دون شعور كل ما تناولته سابقًا . دقائق مرت قبل أن تجد امرأة تأتي وهي تجذبها من ذراعها تلقي بها بين ذراع رجل لم تتبين ملامحه يضمها له بقوة عجزت عن مجابهتها خاصة في حالة الخدر التي أصابتها.
تحرك بها الرجل في طرقات لا تدركها تحاول ألا تسقط بسبب جذبه العنيف لها وحينما توقفت أقدامها بسبب توقفه أبصرت باب منزل يفتح، ثم تُدفع هي للداخل، حاولت المقاومة، لكن أي مقاومة تمتلك وقد سلبوها حتى هذا الحق ؟
تنفست بصوت مرتفع وصوت الرجل يصدح خلفها بكلمات غير مفهومة لها، أخذت تحاول الصمود دون السقوط ارضًا، وفجأة شعرت بيد تمسك بكتفها تجبرها على الاستدارة ودون شعور استكانت لتلك اليد، وهي تنظر في وجه الرجل الذي أخذ يقترب، وكل دواخلها تحترق تصرخ بها أن تثور، أن تقاوم، لكن وكأن سائر جسدها …شُل .
سقطت دموعها دون أن تأتي بحركة واحدة تحاول التنفس وهي تمد يدها بارتجاف تريد دفعه بعيدًا، لكن الرجل كان كالصخرة لا يتحرك .
تضرعت وبكت بعجز وقهر لن تنساه ما حييت، أقترب واحل لنفسه أفتراسها بعيونه قبل يده التي بدأت تستبيح جسدها، وهي فقط تراقب انتهاكها بصمت موحش ودموع جارية وعجز قاتل، وحينما كانت قاب قوسين أو أدنى من الاختناق قهرًا سمعت صوت الباب يُفتح وجسد يندفع منه يجذب الرجل عنها بعنف مخيف لترتد هي إلى الجدار بقوة وقد شعرت بجسدها يكاد يتحطم تحت وطأة الضربة التي تلقتها دون قصد من المقتحم والذي حطم المنزل في هذه اللحظة على رأس الرجل .
مسحت وجهها في محاولة يائسة لإبعاد غبار اللاوعي عن عيونها، تحاول إبصار ما يحدث، لترى وجه واحد تعرفت عليه بين كل هذا ..
وجه نزار الذي كان متوحشًا بشكل اخافها منه وبشدة تتراجع للخلف دون شعور بشيء سوى تجمد في أطرافها وارتعاش في جسدها، فجأة شعرت بيده تجذبها بسرعة وصوت غير مألوف لها يردد :
– تحركي معي، دعينا نخرج من هنا بسرعة . تحركت عيون توبة دون وعي صوب ذلك الوجه لتبصر ضباب أمامها لا يمكنها تمييز ملامح المتحدث، وكل ك. تدرك أنها امرأة فقط من صوتها .
تحسست الطريق أمامها بصعوبة شديدة وهي تهرول بخطوات غير مستقرة خارج المنزل تتخبط هنا وهناك تحاول التنفس بصعوبة بسبب الاختناق المفاجئ الذي أصاب جسدها وصوت الموسيقى يعلو من بعيد وقد شعرت بجسدها بدأ يزداد حرارة وكأن أحدهم أشعل النيران بها، تتحرك بسرعة مع المرأة وهي لا تدرك ما يحدث ولا أين تأخذها ولا من هذه، كل ما تدركه أن المرة تحررها من ذلك المنزل الذي تفوح منه رائحة الفسوق …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقتحم المشفى بسرعة يحملها بين ذراعيه وهو يصرخ مرتعبًا وقد بدأت عيونه تجحظ ووجه يشحب بالتدريج، الصغيرة سقطت أمام عيونه بشكل جعله يركض مرتعبًا يحملها دون وعي وهو يصرخ باسم زيان ..
_ زيان ساعدني، زيان أين أنت ساعدني …
وفجأة أبصر أحد الأبواب تُفتح وزيان يخرج متعجبًا وهو ينظر حوله دون فهم من ذلك الصراخ ظنًا أن أحد الجنود سقط أو ما شابه، لكن كل ما ابصره هو جسد المعتصم وهو يحمل بين ذراعيه فتاة شاحبة الملامح، شحوب ينافس شحوب المعتصم نفسه .
تحرك صوبه بسرعة دون تساءل طويل او غيره يفتح له أحد الابواب بسرعة يشير على الفراش بسرعة :
_ ادخلها هنا، سأنادي لطبيبة النساء هي بالداخل في عيادتها .
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى أبصر المعتصم امرأة تغطي كامل وجهها عدا عيونها تتحرك بسرعة صوب غرفة فاطمة تغلق الباب خلفها بسرعة تاركة المعتصم في الخارج يراقب الباب بأعين شاخصة وجسد متحفز وملامح مرتعبة .
فجأة انتفض على يد زيان الذي همس له :
_ هل أنت بخير ؟! تبدو شاحبًا للغاية، تعال دعني افحصك .
استدار له المعتصم ينظر له ثواني قبل أن يهتف بصوت متقطع خافت :
– هل ستكون بخير ؟؟ لا أدري السبب، لكنها سقطت دون مقدمات ارضًا و…..زيان أصدقني القول هل ستكون بخير ؟!
تعجب زيان حالته، لينطق دون شعور :
_ هل …هل الفتاة بالداخل قريبة لك ؟؟
مخطوبتك ؟؟
اتسعت أعين المعتصم بصدمة من تخمين زيان الذي أكمل حديثه ببساطة وعدم فهم :
_ لا أذكر أنني سمعت قبلًا عن ارتباطك بامرأة، من هذه ؟؟ من هذه ؟؟
حتى هو لا يعلم ردًا على هذا السؤال، لا يدرك إجابة لسؤال طالما تساءل عنه، ولم يرهق نفسه سابقًا بالبحث عن إجابة، لكن الآن سماع السؤال من شخص ومن فم شخص آخر غير عقله الباطن له صدى اقوى وأشد عليه .
ابتلع ريقه يحاول الخروج بإجابة محايدة تعطيه ردًا يبعد نظراته الغريبة تلك عنه، لكن وقبل تحدثه بكلمة فُتح باب الغرفة لتخرج الطبيبة تتحدث بصوت خافت عملي وهي تمد يدها بورقة لزيان تردد بهدوء :
_ نحتاج بعض الأعشاب بشكل ضروري رجاءً. تقدم منها المعتصم بسرعة يتساءل بقلب يقرع خوفًا :
_ هي بخير ؟؟ ما بها ؟؟ ما سبب اغمائها بهذا الشكل ؟؟
رفعت الطبيبة عيونها به تتساءل بجدية :
– هل تعرفها سيدي؟!
صمت المعتصم ثواني قبل أن يهز رأسه بنعم وعيونه تشتعل بالقلق، لتتنهد الطبيبة بصوت مرتفع تردد بهدوء وقلق :
_ إذًا رجاءً تحدث مع اهلها وذويها عنها، الفتاة تعاني من سوء تغذية حاد، جسدها وهن وكأنها تقتات على فتات الطعام، كما أنها تعاني من زيادة في حرارة جسدها، لكن لا تقلق بعض الأعشاب الطبية وتكون بخير، فقط تهتم بطعامها .
ختمت حديثها تتحرك لداخل الغرفة مجددًا تاركة المعتصم مكانه يحدق في الباب بصدمة كبيرة، بينما زيان جواره يتحدث بكلمات لا تصل له، وحينما يأس من إجابته تحرك ببطء صوب المخزن الخاص بالأعشاب يحضر للطبيبة ما سألت تاركًا المعتصم ما يزال يحدق بباب الغرفة بوجه شاحب مما سمع ..
لا يدري ما يحدث حوله، كل ما استطاع فعله هو التحرك ببطء يذهب صوب باب الغرفة يرتكن للجدار جانبه وكأنه ينتظر أن تخرج له فاطمة باسمة تناديه باسمه كما اعتاد تحمل بين يديها هرة صغيرة أو طبق حلوى تهديه له لأنه ” رجل صالح ذو مروءة ” .
تحرك بعيونه صوب الباب جواره ينتظر أي همسة من الداخل تخبره أنها بخير …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طرق الباب بقوة ورعب وهو يهتف باسمها وقد شعر بالرغبة الشديدة في تحطيم الباب عليها ورؤية ما يحدث بالداخل وتسبب في بكائها بهذا الشكل .
ازداد طرقه أكثر وأكثر حتى نفذ صبره يهتف بصوت زلزل المكان :
_ سلمى افتحي هذا الباب لئلا احطمه، افتحيه رجاءً، اخبريني ما يحدث معك و…
فجأة توقفت كلماته وتوقف العالم معها احترامًا وإجلالًا لما يرى أمامه في هذه اللحظة، كانت تقف أمامه بوجه أحمر لشدة البكاء، ترتدي ثوب يغطي كامل جسدها وشعرها، ثوب فضفاض وحجاب بنفس الشكل ” إسدال” .
أشارت للداخل بصوت باكي وكأنها لا تستوعب أن من يقف أمامها في هذه اللحظة هو نفسه الرجل الذي ابت أن تبكي أمامه وأغلقت الباب في وجهه منذ ثواني، تهتف من بين شهقاتها :
_ موزي …ساعده .
عقد أرسلان حاجبيه يحاول أن يبعد عيونه عنها وهو ينظر للجهة التي تشير لها لتتسع عيونه بصدمة يرى القرد ساقطًا ارضًا ودمائه تسيل بقوة، ليركض له وهو يهتف بصدمة :
– ما هذا ؟! ما الذي ….
_ ساعده ارجوك هو آخر من تبقى لي، أتوسل إليك لا تحرمني من آخر شيء يربطني بأبي وحياتي السابقة .
اشتدت ضربات قلب أرسلان بحزن من نبرتها المفطورة ليحمل القرد وهو يتحرك بسرعة، لا يعلم إلى أين، لكنه لم يستطع يقسم أنه ما استطاع تجاهل بكائها ونبرتها وملامحها المجروحة ..
دخل المشفى سريعًا وهي تتحرك خلفه بسرعة كبيرة، وربما يبدو المشهد مضحكًا للبعض، الملك يحمل قردًا مصابًا ويركض به ليسعفه، لكن ذلك القرد كان روحًا في النهاية مهما اشتد غيظ أرسلان منه يرفض تركه يُعذب حتى الموت .
كما أن هذا القرد كان بمثابة فرد من عائلتها، شاركها كل لحظات فرحها وتعاستها لذا……. لأجلها يُكرم.
تحرك بين الممرات صوب العيادة الخاصة بنزار، لكن فجأة توقفت أقدامه حين أبصر نزار أمام إحدى العيادات الأخرى يقف جوار المعتصم والذي كان يبدو في حال يُرثى لها .
تحرك اولًا صوب زيان يضع القرد بين ذراعيه متجاهلًا صدمته :
– عالجه زيان هناك قطع بذراعه، حاول تدارك الأمر سريعًا قبل أن يموت .
اشتد بكاء سلمى أكثر وأكثر وهي تنظر لموزي الذي كان ممددًا بين يدي زيان الذي لا يفهم ما يحدث :
_ لكنني لا أفهم أية أمور عن تطبيب الحيوانات و…
_ فقط ساعده ارجوك دكتور، اوقف هذا النزيف، يمكنك أن تخيط له الجرح صحيح ؟؟
رفع زيان عيونه صوب سلمى التي كانت منهارة في هذه اللحظة وارسلان يقف جوارها يراها تكاد تسقط ارضًا لشدة البكاء ليشتد غضبه وهو يهتف من بين أنفاسه الملتهبة وصدره لم يهدأ بعد من غضبه :
_ زيان افعل ما أخبرتك به، ما الصعب في تقطيب جرح ما قرد كان أو قطة ؟؟
نظر له زيان ثواني قبل أن يهز رأسه بطاعة ويتحرك سريعًا صوب إحدى الغرف وخلفه سلمى التي أبت ترك قردها وحده تتوقف أمام العيادة بترقب، بينما أرسلان نظر بأعين غاضبة صوب الجهة التي سلكها الإثنان وقبل التحرك أبصر مجددًا المعتصم ليتحرك له يهتف بعدم فهم لوجوده هكذا :
_ ما الذي يحدث هنا ؟! المعتصم أنت بخير ؟!
رفع له المعتصم عيونه ليُصدم أرسلان من مقدار الوجع الساكن بمقلتيه، شهق وهو يتحرك صوب يهتف بصوت مرتعب :
_ يا المعتصم ….
اقترب منه يمسك كتفه يتحدث بصوت قلق :
_ ما بك يا أخي ؟؟ هل حدث لك شيء ؟! ما بك ؟!
نبث المعتصم بكلمة واحدة فقط، كانت جُلّ ما استطاع نطقه في هذه اللحظة وقد خرجت الكلمة بصعوبة من بين تراكمات الوجع في صدره :
_ فاطمة …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهقت توبة بصوت مرتفع وهي تشعر بمياه باردة كالثلج تصطدم بوجهها لتتراجع للخلف تحاول التنفس بشكل طبيعي، بينما الفتاة التي احضرتها للمكان منحتها فقط ثواني كي تتنفس قبل أن ترفع يدها مرة ثانية تسكب عليها المتبقي من المياه الباردة لتعلو شهقات توبة أكثر وأكثر، والفتاة فقط اقتربت منها وهي تجفف لها وجهها تعتذر بصوت خافت :
_ آسفة، آسفة كانت هذه الطريقة الوحيد كي افيقك من نشوة الأعشاب التي أخذتها .
حاولت توبة التنفس بشكل طبيعي وهي ترفع عيونها بعدما بدأت الرؤية تتضح أمامها، تبحث عمن ساعدها في الخروج من ذلك المنزل لتُصدم حين أبصرت أمامها الراقصة الرئيسية في المكان والمرأة نفسها التي كانت تتراقص أمام زوجها ذلك اليوم، وهي نفسها من سحبته من منزلها حين كاد يقتلها لضربه .
اشتدت أعين توبة وهي تبعد يد الفتاة عنها بقوة ترفض أن تلمسها والكره يشع من كل ذرة في جسدها، بينما الفتاة تراجعت للخلف بملامح جامدة تردد بهدوء :
_ حمدًا لله على سلامتك وخروجك دون ضرر ..
نظرت لها توبة بعدم فهم وهي تحاول معرفة ما يحدث حولها، بينما الفتاة فقط ظلت تنظر لها ثواني قبل أن تتراجع للخلف حين سمعت طرق سريع على باب الغرفة ومن ثمّ اقتحام نزار المكان يهتف باسمها ملتاعًا :
– تــــوبة …
اقترب بسرعة يتفحصها بعيونه يبحث عن أي ضرر بها، حتى ضربت عقله الصورة التي تقف بها أمامها دون حجاب وبثوب كاشف ليتراجع بسرعة ووجه محمر وهو يتحدث بكلمات غير ثابتة :
– أنا فقط …اعتذر لم …لم اقصد لقد كنت قلقًا و…
تحركت توبة بسرعة تلتقط حجابها الذي انتزعوه منها بالقوة تلقيه على رأسها واكتافها تسمع صوت الفتاة تردد بهدوء :
– إذن اعتقد أن دوري هنا انتهي، سوف أرحل قبل أن يفتقدني أحدهم ويعلم ما حدث، وداعًا ..
ختمت حديثها ولم تكد ترحل حتى سمعت صوت نزار يتحدث بهدوء دون أن ينظر لها نظرة واحدة حتى :
– شكرًا لكِ .
توقفت ثواني وهي تنظر لظهره مبتسمة بسمة صغيرة :
– لا شكر، هذا واجبي سمو الأمير.
ختمت حديثها تتحرك للخارج تاركة توبة تنظر له بعدم فهم ليرفع هو عيونه لها يبصر حيرتها فابتسم يوضح بصوت خافت وهو يخفض عيونه ارضًا :
– كانت هي من ارسل لي فتى صغير يخبرني أن أعود بسرعة قبل وقوع كارثة فعلمت أن الأمر متعلق بكِ وحين جئت وجدتها تنتظرني لتدلني على المنزل وهي من ساعدتني .
اتسعت أعين توبة بقوة وعدم تصديق تشعر بالريبة تجاه تلك المرأة، هي لا تشعر بالراحة أبدًا لما هو آتٍ، صدرها كان منقبضًا بقوة تتحين الكارثة التالية لتهمس دون وعي :
_ أنت ….هل …هل ستنفذ لهم ما يريدون ؟؟
رفع لها نزار رأسه بسرعة ينظر لها ثواني دون رد وهي فقط منتظرة رده قبل أن تستشف رده دون حتى أن ينطق به تردد مصدومة مما ترى على وجهه :
_ ستفعل ؟؟ تخون الله ووطنك مرة ثانية ؟؟ ألم تته بعد نزار ؟؟
أبعد نزار وجهه عنها لتشعر بالغضب يملئ صدرها، كانت تشعر بثوران داخلها فقط لتفكيرها أنه قد يفكر حتى في فعلها مجددًا تتحرك صوبه تصرخ بجنون وهي تقف أمامه تجبره على النظر لها :
_ ستفـــعـلها مجــددًا نـــزار ؟!
ازداد صوت تنفس نزار وهو يبعد عيونه عنها بقوة بينما هي ابتسمت بعدم تصديق تصرخ في وجهه وقد شعرت بالكره له يزداد أكثر وأكثر:
_ أيــهــا المـخــادع تتبجح برغبتك في التوبة وأنت تقف أمامي الآن تخجل حتى من النظر في وجهي لمعرفتك أنك مجرد جبان متبجح حقير، أنت حقير نزار .
كانت تتحدث وهي تدفعه للخلف بغيظ وغضب شديد وكأنها تود لو تضرب رأسه في الجدار فقط كي يستيقظ من غمرة المعاصي التي دخل لها بإرادته، وهو فقط تنفس بصوت مرتفع يتحدث بصوت خافت :
_ فات الأوان على ذلك سمو الأميرة .
امتلئت عيون توبة بالدموع وشعرت بالحسرة لأجله تنفي برأسها، ظنت أنه ربما تاب، استبشرت بالله خيرًا أن ينظف الدماء التي تلوثت بها يده سابقًا :
_ لقد …أخبرتني أنك تريد اتخاذي توبة، هل …هل نسيت ؟؟
نظر لها نزار ثواني قبل أن ينبث بصوت خافت:
_ لا تستحقين أن تُلوثي بعاصي مثلي توبة .
تراجعت توبة للخلف بصدمة وقد شعرت برغبة قوية في البكاء، عالمها وكل شيء حولها ينهار، تنفست بصعوبة وهو فقط اقترب خطوات يردد بصوت منخفض :
_ سوف …سوف اخرجك من هنا بعد أيام قليلة فتجهزي للعودة سمو الأميرة ……..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظلت واقفة لساعات حتى خرج لها زيان يغلق الباب خلفه وهي فقط تتابعه بأعين متلهفة تنتظر أن يريح قلبها بكلمات تطمئنها على قردها العزيز .
وزيان فقط أغلق الباب بهدوء ولم يكد يلتفت حتى صرخ صرخة صغيرة، ينتفض بسرعة ملتصقًا في الباب مجددًا مرتعبًا، لكن ليس من سلمى التي كانت تناظره بقلق وخوف وهي تقترب منه بلهفة شديدة، بل من ذلك الوحش الذي يشرف عليها من الخلف بأعين جامدة مترقبة وهو يضم يديه لصدره يتابع ما يحدث بهدوء .
ابتلع زيان ريقه وهو يبصر نظرات أرسلان المريبة له، يسمع صوت سلمى التي لم تنتبه لما يحدث خلفها وهي تهتف بصوت موجوع :
_ دكتور هل …موزي بخير صحيح ؟؟
ابتلع زيان ريقه وعيونه ما زالت معلقة على أرسلان يردد بصوت منخفض :
_ ما…ماذا ؟؟
_ موزي بخير ؟؟
_ من ؟!
– القرد بالداخل دكتور، هل …هو بخير صحيح ؟؟ ارجوك أخبرني أنك استطعت إنقاذه .
رفع زيان عيونه صوب أرسلان الذي رفع له حاجبه ينتظر إجابته فقال بهدوء وروية :
_ هو …بخير …اعتقد هذا فأنا لا أفقه الكثير بما يخص الحيوانات، فقط قطبت له الجرح وقد كان سطحيًا، لذا اعتقد أنه بخير، فقط يحتاج للراحة .
واخيرًا تنفست الصعداء وهي تبتسم براحة تستدير ببطء تفكر في العودة صوب غرفتها تحضر غطاء وتأتي للمبيت جوار موزي .
– حمدًا لله سـ…..
ولم تكد تكمل كلماتها حتى انتفضت للخلف تطلق صرخة مرتفعة وهي تراقب وجه أرسلان الذي يقف يراقبها بهدوء شديد، ثم ودون مقدمات ارتسمت بسمة صغيرة على شفتيه وكأنه يدعي البراءة أو ما شابه :
_ حمدًا لله على سلامة موزك، شفاه الله وعفاه .
كانت سلمى ما تزال تضع يدها على صدرها بصدمة، قبل أن ترتخي ملامحها بشكل بسيط ترسم بسمة صغيرة على فمها، بسمة صغيرة جامدة بعض الشيء باردة قليلًا، تهز رأسها بكل بساطة :
_ شكرًا لك، لا أراك الله مكروهًا في عزيز …
ختمت حديثها تتجاهله وهي تتحرك بعيدًا عنهم صوب الخارج؛ كي تحضر أغراض النوم الخاصة بها وهي تسير بكل كبرياء ترفع رأسها دون اهتمام بأحدهم، نفس المشية التي كانت تسيرها داخل السجون بكل هيبة، لكن الآن ليست في السجون ولا ترتدي ثيابها الرسمية وحذائها العالي، بل هي في مشفى ترتدي ثوب الصلاة الواسع والطويل الخاص بها، ونعل بلاستيكي كانت اشترته أثناء تخفيضات الصيف الماضي من أحد المحلات .
ورغم عدم ملائمة الظروف والثياب والهيئة لما تفعل، إلا أنها استمرت بنفس المشية بكل كبرياء تُحسد عليه .
ولم تكد تخطو خارج المشفى حتى تعرقلت في طرف الثوب الخاص بها لولا تمسكها في الجدار، ثم اعتدلت بسرعة تعدل من ثوبها دون حتى أن تستدير للخلف تكمل سيرها بكل كبرياء تحت نظرات أرسلان المصدومة والمتشنجة مما حدث، لقد تجاهلته للتو وعاملته كما لو أنه لا شيء هنا .
كل ذلك كان تحت نظرات زيان الذي كان ينظر لما يحدث بأعين متسعة وبسمة غير مصدقة، قبل أن يلجم بسمته وهو ينظر حوله يدعي أنه لم ينتبه لما حدث منذ ثواني، يتحرك في الممر وهو يتسحب صوب غرفة الشاب الذي أحضره سابقًا ليطمئن عليه ولم يكد يتحرك حتى سمع صوت أرسلان يهتف بحدة :
_ زيــــــــــــان ..
توقفت أقدام زيان بسرعة يبتلع ريقه :
_ مولاي ؟؟
_ إن أتت المرأة للمبيت إياك والسماح لأحدهم بالاقتراب من غرفة ذلك القرد أثناء تواجدها .
رمش زيان ثم هز رأسه بسرعة بينما أرسلان تحرك بسرعة كبيرة للخارج وهو ينفخ نيرانًا وكأنه على وشك إحراق المكان حوله بمن به .
ولم يكد يتوجه صوب غرفته ليحظى بنومة هادئة واخيرًا حتى ابصرها تتحرك في الممر بهدوء شديد وبنفس الخطوات الجادة لتشتد عيونه وهو يهتف موقفًا إياها :
_ آنسة سلمى…..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ هل ستكون بخير ؟؟
تنفست الطبيبة بصوت منخفض وهي تهز رأسها، ثم استدارت تغلق الباب الذي تقبع فاطمة خلفه نظرة صغيرة وكأنها تطمئن أن كل شيء بخير .
ثم استدارت صوب ذلك الذي يكاد يفقد صوابه من التوتر في هذه اللحظة :
_ لا تقلق سيدي القائد هي بخير، كما سبق واخبرتك مجرد إرهاق وسوء تغذية .
هز لها رأسه ثم نظر ارضًا وهو يفكر في شيء وكأنه مترددًا في النطق بما يدور داخل رأسه، رفع رأسه للطبيبة التي حركت رأسها في إشارة لرحيلها، لكن وقبل أن تتحرك خطوة واحدة أوقفها بسرعة وكأنه أتخذ قراره بالتحدث :
_ هي …هي، هل ستتذكرني ؟؟
توقفت الطبيبة تنظر له بعدم فهم، نظرات لم يبصرها هو من خلف الغطاء الخاص بها، لكنه خمنها وإن لم يبصرها .
_ لا افهم مقصدك سيدي القائد، هلّا وضحت لي ما تريده ؟!
ابتلع ريقه يحرك نظراته صوب الباب الخاص بها وكأنه يأمل أن يبصرها من بين جزئيات الخشب التي تعيقه عن الاطمئنان عليها .
_ قبل …قبل السقوط لقد …لم تكن …هي ….
كانت يتحدث كلمة ويتوقف ثواني يحاول تجميع جملة تفهمها أو يوصل لها بها ما يدور بخلده، لكن عجز عقله عن بلورة الكلمات بشكل مفهوم، لذا أشار لها بهدوء يردد بصوت منخفض :
– لا تهتمي رجاءً، يمكنك الذهاب إن أردتِ .
ابتسمت له بسمة غير مرئية، ثم تحركت بهدوء شديد صوب الحجرة الخاصة بها تجمع اشيائها للرحيل صوب غرفتها والتي تقبع بها مع زوجها ” أحد جنود القصر ”
تاركة خلفها المعتصم يحدق في الباب برعب شديد ينمو داخل صدره، وهواجس تكاد تقتله، هل نسته ؟؟ فاطمة نسته ؟؟ لم تتذكره ونست اسمه .
اسمه الذي ما كانت تنفك تردده كلما أبصرته، اسمه الذي كان يتمتع خفية بصداه من صوتها .
اقترب من الغرفة التي تقبع بها يستند على بابها يهمس بصوت منخفض :
_ هل فعلتيها فاطمة ؟؟ نسيتيني؟!
تحسس الباب بهدوء يهمس بصوت منخفض موجوع :
_ بالأمس كنتِ تعدينني بالحلوى، واليوم تطعميني العلقم، ليس عدلًا فاطمة .
ابتلع ريقه بهدوء وهو يستند على الباب يجلس ارضًا جواره مقررًا الاحتجاج أمام بابها حتى تخرج له، فقط سينتظر على أمل أن تستيقظ وتنظر له نفس نظراتها البريئة، وتبتسم له نفس بسماتها اللطيف، سينتظر لا بأس يمكنه الإنتظار .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ آنستي ..
توقفت أقدام سلمى قبل بلوغ الغرفة على صوت تدركه جيدًا، تأبى الاستدارة وقد على الجمود وجهها تتوعد له بالويل، يتعلمه كيف يتريث في ردات فعله، ابتسمت بسمة صغيرة وهي تستدير له ببطء شديد، تهمس له بالمثل وبصوت شبه خافت :
_ مولاي.
توقفت أقدام أرسلان أمامها يضع مسافة مناسبة بينهما يتأملها بنظرة سريعة لتلك الهيئة التي سلبته دون غيرها .
أبعد عيونه عنها سريعًا وهو يتنحنح بصوت منخفض، ثم اعتدل في وقفته يردد بصوت هادئ :
_اعتذر منكِ .
اتسعت أعين سلمة ببطء قبل أن تطيل النظر له :
_ عفوًا منك ؟؟
_ حين …حين صرخت بوجهك منذ قليل ظننتك …لم أعلم ما حدث لذا اعتذر منك .
ابتسمت له سلمى بعدم تصديق، يتحدث بكل هدوء وملامح عادية وكأنه لم يتسبب في إهانة لا تُمحى لها منذ ثواني، ذلك النرجسي المتكبر من يحسب نفسه ؟!
” ملكًا للبلاد التي تقفين بها ” وكان هذا رد عقلها التلقائي، لكن رغم ذلك هذا لا يمنحه حق التحدث لها بهذا الشكل الشنيع .
كان أرسلان يراقبها باهتمام شديد ينتظر ردها، يدعي عدم الاهتمام بملامح شبه جامدة في حين أنه داخله يتحرق لسماع ردها، ينتظر أن تخبره أنها سامحته، تشعره أن ما فعله لم يكن كبيرًا ليستحق اعتذارًا منه، يحاول فقط أن يقلل من حجم الندم الذي يأكله فوق أنه لأول مرة يتحدث لامرأة بمثل هذه الوقاحة ويتعدي حدوده مع شخص لا يخصه، كان من الوقاحة أن يشعرها بالسوء تجاه نفسها .
أرسلان لم يكن معتادًا على التواقح مع النساء، لأنه من الأساس لم يكن يتعامل معهن، فقد كانت والدته وشقيقته هم بوابته الوحيدة ليلقي نظرات محدودة على العالم الآخر الوردي الخاص بالنساء، لتأتي هذه المرأة تجره دون إرادة منه صوب العالم تعلمه أن عالمهم ليس ورديًا فقط، بل احيانًا يكون اسودًا كعيونها في هذه اللحظات .
ثواني وعادت عيونها صافية وهي ترسم بسمة رقيقة هادئة على شفتيها، جعلته ينظر لها بلهفة للحصول على تصريح الصفح .
لكن كل ما خرج من سلمى بعد صمت طويل :
_ غير مقبول .
رمش أرسلان بعدم فهم لثواني وهو يحاول إدراك ما سمعه :
_ عفوًا ؟؟
_ اعتذارك جلالة الملك….غير مقبول .
اتسعت عيونه شيئًا فشيء من كلماتها، بينما هي اقتربت منه خطوات قليلة ترفع رأسها له بتحدي اذهله وهي تبتسم بسمة جانبية وقد اتخذت وقفتها وضعًا هجوميًا :
_ استمر حديثك المهين لشخصي أكثر من خمس دقائق، لتأتي أنت وتعتقد بكل عقلك أن كلمة تنطقها في ثانية قد تمحي ما تسببت به كلماتك السابقة؟؟ يمكنك المحاولة أكثر مولاي، واحرص أن تكون المرة القادمة التي تعتذر فيها لي نابعة من صميم ندمك .
ختمت حديثها تنظر بقوة في عيونها، نفس النظرات التي كانت توجهها صوب مرضاها وهي تهددهم بعدما تضرب رؤوسهم في الجدار مرات ومرات، لكن الفرق هنا أنها لم تضرب رأسه، لأنه ليس مجرمًا، ولأنها لا تأمن ردة فعل ذلك المتوحش إن فعلت .
_ أنتِ تمزحين معي ؟؟
_ في العادة لا امزح مع رجال غرباء عني، لكن من يدري ربما في المستقبل تنال شرف مزاحي معك مولاي .
ابتعدت خطوات للخلف لتشتعل أعين أرسلان وهو يسمعها تردد نفس جملته السابقة، الفتاة تستخدم أسلحته ضده، أبصر بسمتها اللئيمة تتسع ليدرك أي الشخصيات تلبستها في هذه اللحظة .
_ أنتِ تخوضين سباقات لا قبل لكِ بها .
_ لا بأس أحب المغامرات، سبق وخضت الكثير قبلك، ولن يستعصي عليّ المزيد معك .
أنهت جملتها تستدير عنه، ثم تحركت في طريقها بكل هدوء تاركة إياه ينظر لظهرها بصدمة من كلماتها، ماذا تعني بقولها خاضت الكثير قبله ؟؟ هل سبق وتعاملت مع رجال كما تتعامل معه و….
فجأة توقف عقله عن التفكير حين أدرك للتو حقيقة كان غافلًا عنها، المرأة كانت تعالج المختلين والمجرمين….رجال ؟؟
وكأنها لحظة إدراك …….
فجأة انطلق دون شعور يلحق بها بخطوات شبه مهرولة يهتف دون تفكير :
_ ما نوع المجرمين الذين كنتِ تتعاملين معهم !!
توقفت قدم سلمى فجأة عن التحرك حين سمعت جملته تستدير له نصف استدارة، ترفع حاجبها بسخرية على ذلك السؤال :
_ بعضهم كان رخوًا والبعض الآخر كان مقرمشًا .
اشتعلت أعين أرسلان يقترب منها بغضب مصرحًا عما يدور بعقله من أفكار سوداء :
_ وهذان النوعان كانا من الرجال ؟؟؟
رمشت سلمى فجأة تحاول فهم سؤاله الذي نطقه للتو لا تفهم له من سبب، تنظر حولها ثواني وكأنها تبحث عن إجابة طائرة أو ما شابه :
_ ماذا ؟؟
_ هل كنتِ تعالجين رجال وتحتكين بهم طوال العمل معهم ؟!
فكرت سلمى ثواني في أبعاد ذلك السؤال قبل أن تحرك رأسها ببطء بالإيجاب، لتبصر وجه أرسلان الذي اشتد بقوة وبشكل مخيف :
_ تبًا لعالمك الذي سمح لامرأة مثلك بالتعرض يوميًا لبعض الرجال المختلين والمجرمين .
اتسعت أعين سلمى بقوة من كلماته وشعرت بقلبها يكاد يتوقف من قوة نبضاته وهي تراه يتنفس بصوت مرتفع، يتحرك بعيدًا عنها بغضب دون قول كلمة إضافية، لكن فجأة توقف يستدير لها متسائلًا :
_ هل تعرض لكِ أحدهم قبلًا بشيء ؟؟
وفي الحقيقة السؤال كان مضحكًا بعض الشيء، إذ وجب أن يكون السؤال الصحيح ” هل سبق ولم يتعرض لكِ أحدهم بشيء ؟!”
ورغم أن الأمر كان مضحكًا بالنسبة لها، إذ سبق وتعرضت للكثير والكثير من هؤلاء المختلين، إلا أن هذه المرة الأولى التي يتساءل بها أحدهم عنها وعما لاقته في حياتها، ربما تعتبره اهتمامًا طفيفًا من شخصٍ …..
توقفت عن التفكير وهي تبتلع ريقها تجيب إجابة دبلوماسية قصيرة :
_ كنت اتدبر أمري، لا تقلق ..
نظر لها مطولًا وهو يتنفس بهدوء شديد، وعيونه تغيم بنظرات غامضة، ثم تحرك بكل هدوء خارج الممر يهمس لها وقبل الرحيل كلمات بسيطة :
_ تصبحين على خير آنستي …
راقبته سلمى بأعين شبه زائغة تجيبه بصوت خافت :
_ تصبح على خير ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع مشارف يوم جديد ..
ترجل عن حصانه حين وصل واخيرًا وبعد رحلة طويلة للقصر، ولأول مرة لا تُفتح له أبواب سبز، رفع بصره صوب الابواب يرميها بنظرة طويلة يتحرك صوبها مرددًا بصوت قوي :
_ مالي أرى الأبواب وقد أُغلقت، عساه خيرًا يا رجال …
تحدث أحد رجال القلعة في الاعلى، وقد كان واحدًا من أعوان أنمار الذين احتلوا الجيش بعد رحيل أصلان بمن معه لحماية الأسواق والشعب من بطشهم .
_ الابواب تُفتح لمن يستحق وتغلق في وجه من لا يستحق .
رفع آزار حاجبه وقد ارتسمت السخرية على وجهه :
_ عجبًا اتدرك أن هذا مبدأي في الحياة كذلك ؟! السيف ينحني في وجه من يستحق، ويحشر في حنجرة من لا يستحق، والآن أخبرني إلى النوعين تحب أن تنتمي أنت وقائد الحمقى الذي يقودكم ؟!
وكانت تلك رسالة مبطنة نطق بها آزار بأعين موقدة، والرجل فقط له باستهانة لتتسع عيونه ببطء حين أبصر جيشًا ضحمًا يقف على بعد صغير وكأنه ينتظر إشارة آزار، وبالطبع لا حاجة للسؤال عن هوية الشخص الذي ساعدهم لدخول البلاد .
رسالة مبطنة تلقاها الرجل بسهولة وهو ينظر خلفه لبعض الرجال يأمرهم بالتحرك وإعلام الملك بقدوم ملك آبى قبل أن يجن جنون آزار .
دقائق هي انتظرها آزار حتى أبصر الابواب تُفتح أمام عيونه ليبتسم باستهانة وهو يصعد على حصانه مجددًا يتحرك به داخل حدود القلعة بكل هدوء، بينما الجميع ينظر له بتحفز ..
استمرت رحلته داخل القلعة دقائق معدودة حتى وصل لمبنى الحكم الذي يستقر به قاعة العرش وغيرها من القاعات الخاصة بالاجتماعات.
دخل بهدوء شديد وكما توقع وجد، أنمار القذر يلوث عرش رفيقه بجسده ..
انتفض أنمار يرحب به بود وسعادة وتهليل :
_ الملك آزار بنفسه يزورنا، أنرت سبز مولاي .
نظر له آزار ثواني، قبل أن يبعد عيونه عنه يديرها في المكان حوله وكأنه يبحث عن شيء ما قبل أن يعود بعينه صوب أنمار الذي كان يتابعه بفضول .
ثواني ونطق آزار بما جاء لأجله:
_ أين هي ؟؟
نظر له أنمار بعدم فهم يتحرك في المكان يقترب من آزار وكأنه يمنحه فرصة مناسبة لاستلال سيفه وغرزه داخل أحشائه:
_ من هي ؟!
ابتسم له آزار بسمة مخيفة وكأنه جاء يعلن حربًا :
_ الأميرة توبة، ألم تخبرني أنها في رحلة للبحث عن علاج لبارق ؟؟ خير لم تنتهي رحلتها لليوم ؟!
شحب وجه أنمار لثواني وهو ينظر لآزار الذي اشتعل وجهه يكرر سؤاله بنبرة رن صداها في المكان :
_ أيــــن هــــي الاميــــــرة تـــــــوبــــــــة ؟؟؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ سمو الأميرة …
رفعت توبة عيونها ببطء صوب ذلك الصوت الذي اقتحم صمتها المعهود، صوت رجولي غريب بعض الشيء على مسامعها، لكنه وحين نطق لقبها لم يكن بمثل السخرية المعهودة من أهل هذا الجحر .
أبصرت رجل ضخم الجسد حاد الملامح يقف على باب الغرفة التي تسكنها وكأنه يخشى أن يتقدم خطوة أكثر، وقد كانت هذه حقيقة في الواقع فهو يدري مصير كل رجل فكر وتحرك خطوة إضافية بعد باب الغرفة صوب هذه المرأة المُحرمة ” كما أصبح الجميع يطلق عليها ” .
_ من أنت ؟!
ابتسم بسمة جانبية يتساءل بنبرة عادية :
_ إن كنتِ تسألين عن هويتي المتعارف عليها بين الممالك فأنا قائد رماة جيش سبز السابق والقائد الثالث في الجيش بعد الملك وسمو الأمير نزار، وإن كنتِ تسألين عن هويتي المتعارف عليها هنا فأنا….
_ أحد حيوانات أنمار الأليفة ؟!
خرجت كلمتها الأخير بتقزز وكأنها تبصقها في وجهه، لينكمش وجهه بقوة وهو يحاول الابتسام في وجهها، ثم هتف بعد صمت قصير :
_ نعم كما خمنتي، أنا أحد رجال أنمار هنا .
هزت توبة رأسها بسخرية وهي تتحرك تطوي سجادتها الخاصة بالصلاة تنفضها برقة، تهمس دون حتى أن تعطيه نظرة واحدة :
_ اختار لك الله العز واستبدلته بالذل ؟؟ عقل لا تمتلكه حتى الانعام .
اشتعل وجه الرجل ليكمل دون أن يهتم لجملتها :
_ أُدعى الوليد، جئت لأجل التحدث معك في …
_ لست مهتمة في الحقيقة لمعرفة ما جئت لأجله، فقط ارحل رجاءً فلا حديث لي معك أو مع غيرك في هذا المكان، أنا فقط اتحملكم لحين يأذن الله لي بالرحيل عن مستنقعكم .
تنفس بصوت مرتفع وهو يتمتم بينه وبين نفسه بصوت خفيف لم يصل لها :
– عجبًا كيف تحمل أنمار الحقير العيش مع هذه المرأة بلسانها هذا، لا عجب أن أول شيء فعله بعد التخلص من والدها هو إبعادها عن وجهه، فمن يتحمل سماع حديثها اللاذع هذا يوميًا .
رفعت توبة حاجبها بسخرية وهي تسمع حديثه لنفسه لتتجاهله، بينما هو أفاق يتحدث سريعًا فيما جاء لأجله :
– نزار .
توقفت يد توبة عما تفعل وهي تستدير له ببطء مهتم وقد بدا أن هناك شيء أخيرًا جذب انتباهها، ليكمل سريعًا:
– أنا هنا لأجل نزار ..
– وهل أخبرك أحدهم أنني والدته ؟!
_ لا، لكنكِ شخص يهتم لأجله ويمكنه إلقاء نفسه في التهلكة لأجله، فقط أردت التحدث معكِ بخصوصه، نزار خسر كل شيء في حياته ولم يتبقى له أحد، احضرته هنا عسى أن يجد له من حليف، لكن وجودك معه يصعب عليه الأمور ويـ…
توقف عن الحديث تحت أعين توبة المتعجبة مما يحدث، هل جاء هذا الرجل يمزح أم ماذا ؟؟ ما علاقتها هي بنزار أو بحياته حتى ؟!
_ فقط ابتعدي عنه فهو يلقي نفسه في الهلاك لأجلك وهذا سيضره أكثر وأنمار لن يرحمه طالما كان يقف في صفك ويعانده لأجلك و….
_ لعنة الله عليك وعلى أمثالك وما علاقتي أنا بنزار أو بأحد هنا، أنا لا اطلب الكثير، فقط دعوني وشأني، إن كنت بالفعل تخشى على صديقك ما احضرته من البداية لهنا .
تجاهل الوليد كل ما نطقت به وهو يكمل حديثه :
_ الآن أنمار لا ينتوي خيرًا لنزار لا أدري ما الذي يخطط له، لكنه ليس خيرًا أبدًا هو فقط ينتظر أن ينتهي نزار من صناعة ذلك السم لينفذ ما يطمح له وأنا فقط أريد مساعدته و….
قاطعته هي وقد التقطت أذنها ما جعلها تفتح عيونها بصدمة كبيرة تترك ما بيدها ليسقط ارضًا :
_ سُم ؟؟ هل قلت لتوك سمًا ؟؟ نزار يصنع سمًا ؟؟ لماذا ؟! بالطبع ليس لقتل الآفات الزراعية.
رفع لها الوليد حاجبه بسخرية :
_ لماذا برأيك ؟!
وقبل أن تفكر في الإجابة عليه اقتحم المكان نزار وهو يردد بعدم فهم وريبة في وجود الوليد هنا وتحدثه بهذا الهدوء معها دون أن تنفجر في وجهه وتطرده خارجًا :
_ ما الذي يحدث هنا ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صمت وهدوء يصاحب سواد الليل واستيقاظ الكائنات الليلة والتي كانت الصوت الحي الوحيد في هذا المكان .
وفي منطقة واسعة تتوسط الممالك حيث بعض الأشجار المتداخلة وبحيرة صغيرة كان يستخدمها التجار والجنود في الارتواء أثناء الرحلات الطويلة، توقف حصان بقوة يتبعه آخر وآخر وآخر حتى أصبح العدد أربعة أحصنة .
_ خمس دقائق إن لم يأتي نرحل دونه .
كان هذا الصوت خارجًا من إيفان الذي حرك عيونه حوله يبحث عن جسد أرسلان الذي اتفق معه أن يلاقيهم في المكان المتفق عليه سابقًا .
ارتفع صوت سالار يتحدث بهدوء :
_ لا تقلق لن يتأخر فهو لا يفوت قتالًا دون دس أنفه به .
وقبل أن يضيف أحدهم كلمة واحدة، ابصروا من جهة مشكى بعض الأحصنة تقترب منهم يتقدمهم حصان يعلوه فارس ذو معطف اسود لا حاجة لذكر هويته والتي كانت معروفة للجميع، خلفه ثلاث رجال تعرفوا منهم على المعتصم فقط .
وبمجرد توقف أرسلان ابتسم بسمة واسعة ظهرت واضحة إذ لم يكن يرتدي لثام كالجميع، بل اكتفى بانزال القلنسوة على رأسه :
_ مرحبًا اعزائي اشتقتم للعم أرسلان ؟؟
رفع إيفان حاجبه بسخرية وهو ينظر خلف أرسلان يهز رأسه مرحبًا بالجميع والذي لم يكتشف منهم سوى المعتصم فقط والذي اقترب منه يرحب به بود :
_ ابن الخالة الغائب كيف حالك عزيزي .
ابتسم له المعتصم يهز رأسه بهدوء :
_ بخير مولاي شكرًا لك .
قلب إيفان عيونه بضيق وهو يهمس له :
_ عزيزي أي مولاي هذه، أنا لست ملكك الآن، أنت ابن خالتي أيها المعتصم، عاملني على هذا الأساس .
ابتسم له المعتصم ليربت إيفان على كتفه بود شديد، مرتاح أنه يتلقى المعاملة الطيبة التي يستحقها ودون تدخل منه، يشق طريقه دون أن يكون له يد في ذلك، المعتصم صنع لنفسه اسمًا بعيدًا عن كونه ابن خالته لملك سفيد .
كان الجهل يسيطر على الباقيين تجاه الشخصين الآخرين مع أرسلان، ليتولى الاخير مهمة تعريفهم على فريقه :
_ هذا تيّم أحد جنودي المخلصين، وهذا زيان طبيب القصر وأحد جنودي السابقين قبل اعتزال القتال وتفرغه للمعالجة، ومن حسن حظنا أنه قرر لعب دور القاتل هذا اليوم وينضم لنا، وبالطبع تعرفون المعتصم، والآن لنتحرك فلا أريد أن ينام أنمار قبل أن يشهد ما سيحدث …
ضحك سالار ضحكة صغيرة وهو يتأكد من لثامه ينغز حصانه بهدوء كي يتحرك :
_ لا تقلق الملك آزار الآن يحرص على بقائه مستيقظًا ..
ابتسم أرسلان وهو يتحرك بحصانه :
_ لا تقل أنه يقص عليه قصص ما قبل النوم .
اتسعت بسمة سالار الجانبية بقوة وهو يحدق في الطريق أمامه يردد قبل الانطلاق بسرعة مخيفة مع الجميع :
_ شيء من هذا القبيل ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ملك آزار لا تدفعني لاذيتك وأنت بعمر والدي .
وقبل إضافة كلمة ثانية كانت يد آزار ترتفع ضاربة إياه بمعدته بقوة مرعبة وهو يصرخ في وجهه بعدما سقط أنمار ارضًا :
_ أذية من أيها الانمار؟! هيا قف كما الرجال في البداية ثم ألقي تهديدات وتبجح .
ختم حديثه ينتزع السيف من الغمد وهو يوجهه على رقبة أنمار الذي كان ساقطًا ارضًا يحدق في السيف بصدمة كبيرة :
_ أنت … أنت تتجاوز حدودك بـ
ضغط آزار بسيفه على رقبة أنمار ليتأوه الاخير وهو يسمع صوت آزار يردد :
_ أي حدود هذه عزيزي ؟؟ لا حدود تقف أمامي وأسأل والدك في قبره فلا بد أنه عاصر أيام شبابي ليخبرك الكثير عن الحدود التي احطمها أسفل أقدامي .
ختم حديثه يضغط بسيفه أكثر على رقبة أنمار يهتف بصوت كله وعيد وكأنه فحيح يتردد داخل أذن أنمار :
_ زمن الصبر على قذارتك …انتهى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قصر مشكى :
كانت تجلس على المقعد جوار فراش الصغيرة كما اوصاها المعتصم قبل رحيله، لا تعلم ما الذي حدث، أو إلى أين سيذهب في هذا الوقت، لكن ملامحه وهو يوصيها على فاطمة كانت تشي بالكثير والكثير .
ما يزال صوته يرن في الإرجاء :
_ فقط …اعتني بها رجاءً و….
صمت ثواني بتردد وكأنه يخشى نطق ما يدور في صدره، لكن وبعد ثواني من الصمت واخيرًا تجرأ ونطق ما يفكر به :
_ حين تستيقظ هل يمكنك …يمكنك سؤالها عني وإن كانت تتذكرني؟؟ تتــ …تتذكر من هو المعتصم ؟؟ فقط اسأليها وحين أعود أخبريني إن كانت تفعل .
انتبهت سلمى على تحرك يد فاطمة وهي تفكر في سبب حديث المعتصم، هل يعقل أن مرحلة النسيان الذي كان عقلها يفرضه عليها لأجل تخطي ماضي أليم امتدت لتشمل شخص يمثل الكثير لها كالمعتصم ؟!
تأوهت فاطمة بصوت منخفض وهي تحاول فتح عيونها وقد شعرت بوجع غريب يتمكن من مقدمة رأسها بأكملها، كما أن هناك ضعف أصاب أطرافها لدرجة أنها لم تستطع تحريكها بشكل طبيعي .
حاولت فتح عيونها وهي تردد اسماء أسرتها بصوت موجوع، لتغيم عيون فاطمة بوجع لأجلها، تربت على رأسها بهدوء وحين أبصرت الوجع الواضح على ملامح فاطمة، أخذت تفرك باصابعها في دوائر صغير على جبينها، تحركها حركات مدروسة جعلت ملامح فاطمة المنقبضة ترتخي بهدوء وترتسم الراحة واضحة على وجهها، وما هي إلا ثواني حتى فتحت عيونها .
_ حمدًا لله على سلامتك فاطمة .
حركت فاطمة عيونها ببطء في المكان تحاول تبين أين هي، وفي النهاية ثبتت عيونها على سلمى المبتسمة، تردد بصوت خافت :
_ أين… أين أنا ؟؟
_ في المشفى، أنت بخير ؟؟
_ مشفى ؟؟ لماذا ؟؟
ربتت سلمى على خصلاتها الشقراء بحنان شديد ورغم أن الفرق بينهما لم يكن كبيرًا، إلا أنها تشعر بالمسؤولية تجاه فاطمة، تلك الفتاة التي تجبر الجميع على التعامل بحرص معها وتنفيذ كل ما تطلب دون حتى أن تفعل .
_ ربما هي عين حسودة أبصرتك بذلك الفستان الجميل الذي ارتديتيه سابقًا .
ضيقت فاطمة ما بين حاجبيها وهي تفكر في شيء، لتشعر سلمى أنها حتى لا تتذكر ما تتحدث هي عنه وقبل التحدث بكلمة لتذكرها عن الفستان وعنها لربما نست من هي كذلك .
بادرت فاطمة في الحديث سريعًا :
_ لم يبصرني أحدهم بالفستان هذا سوى المعتصم، هل كان هو ذلك الحسود ؟!
اتسعت عيون سلمى بقوة، ثم انفجرت بالضحك دون أن تتمكن من تمالك نفسها، وفاطمة تحدق بها بترقب وكأنها تنتظر أن تجيب سؤالها والذي تفكر به بجدية، هل حسدها المعتصم بالفعل ؟؟
بينما سلمى تفكر في ذلك المسكين الذي كان يرتجف من فكرة أن تنساه لتستيقظ الأخرى وهي تفكر أنه السبب في مكوثها في المشفى ..
_ لا لا تقلقي ليس المعتصم و…
صمتت ثواني ثم نظرت لها بجدية تميل عليها تتحدث ببسمة صغيرة :
_ أنتِ تتذكرين المعتصم صحيح ؟!
ونظرات فاطمة لها اشعرتها أن هناك قرون نبتت لها، إذ أنها نظرت لها نظرة العاقل للمجنون، وكأن ما قالته أبعد لها من نجوم السماء .
تنسى المعتصم ؟؟ الثابت الوحيد في حياة فاطمة الغريبة، والرجل الوحيد الذي تأمن له بعد والدها وأحمد، كيف يمكن أن تنساه ؟؟
_ أتذكر المعتصم ؟؟ ومتى نسيت المعتصم لاتذكره؟؟
ليأتي المعتصم ويسمع تلك الكلمات، تقسم أنه قد يتلاشى من الخجل والصدمة، فهذه الفتاة لا تنفك تردد عليه عبارات تجعله قليلًا للذوبان في أية لحظة .
ابتسمت لها سلمى وهي تحرك رأسها بهدوء وكأنها تخبرها أن تنسى ما قالت، ثم مالت تطمئن أنها بخير وقررت أن تستغل هدوء فاطمة وهذه الليلة والتي تبدو لها طويلة وهي تبتسم لها بحنان :
_ إذن فاطمة أنتِ لم تخبريني الكثير عن عائلتك، ما رأيك أن تقصي لي حكايتك، أنا متشوقة لمعرفة المزيد عنكِ وعنهم .
اتسعت بسمة فاطمة بقوة وكأنها أحبت الأمر، أحبت فكرة أن تتحدث عن عائلتها وتصف لأحدهم كم هم افضل الأشخاص الذين قد تصادفهم في حياتك .
وهكذا شرعت فاطمة في اخبار سلمى كل ما تتذكره في عقلها وكل ما تحفظه ذاكرتها عن أسرتها.
ذكريات تمثلت لفاطمة كما لو أنها واقع، ذكريات قديمة تراها مشاهد حديثة بخدعة من عقلها، وكل ذلك تدونه سلمى في عقلها وهي تحلله ببطء، تبحث عن مدخلًا لتساعد فاطمة في تقبل واقعها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقف الجميع على مشارف سبز يراقب إيفان المكان أمامه بحسرة، سبز والتي كانت مفخرًا لشعبها لشدة جمالها، في طريقها للذبول …
_ حسرتي على سبز ومن بها ..
غامت عيون أرسلان وهو يراقب المملكة أمامه بأعين مقهورة يخشى أن تصل سبز لمشكى، أن يتشابه حاضرها مع ماضيهم، وأن تتشابه ملامح الشعوب في البؤس والحسرة .
_ لا بأس يا أخي إنما هو الله يمهلهم، فسادهم أيامه معدودة ..
ثواني وسمع الجميع صوت حصان يقترب منهم، كان الظلام يكاد يخفي جسد الفارس لولا اقترابه من حدودهم حيث يحمل البعض منهم مشاعل لتتضح ملامحه للجميع وتتسع بسمته وهو يهتف بصوت هادئ :
_ السلام عليكم آمل أنني لم أتأخر..
هز له أرسلان رأسه ليتعجب ايفان ما يحدث ينظر صوب أرسلان بتفكير ليبتسم لهم الاخير معرفّا القادم :
_ أصلان، قائد جيوش سبز ومساعد الملك بارق.
حرك أصلان رأسه بهدوء شديد واحترام أشد مبتسمًا لهم، ليرحب به إيفان وقد تذكر الآن أنه يعلمه لكن لم يسبق له وأن احتك به كثيرًا، عكس أرسلان الذي كان يحتك بالجميع في طريقه منهم من يصادقه ومنهم من يعاديه ويجعل حياته جحيمًا.
تحرك الجميع في طريقهم صوب سبز خلف أصلان الذي مهد لهم طريق الدخول مع بعض جنوده ليساعد الجميع في إنهاء عصر ذلك الطاغية الذي أخذ العرش بالقوة ودون أن يفكر ثانية حتى في توابع ما يفعل .
وصل الجميع لبوابة القصر ليبهبط أصلان عن حصانه يتحرك صوب البوابة الخلفية وهو يطرق عليها طرقة صغيرة، صمت بعدها لثواني قبل أن يُفتح الباب سريعًا ويبصرون رجلًا يطل برأسه عليهم متحدثًا بصوت خافت :
_ أمنت الطريق لكم صوب الداخل، ليحفظكم الله يا رجال .
ابتسم سالار باندهاش وهو ينظر لأرسلان الذي هز رأسه يقول بهدوء :
_ أصلان له أيادي خفية في كل مكان بالقصر .
ضحك سالار ضحكة صغيرة :
_ حسنًا هذا محبط بعض الشيء، لقد منيت نفسي بغنيمة كبيرة من الحثالة بالداخل .
_ وتصفني بالدموي، بالله أنت تفوقني .
اتسعت له بسمة سالار وهو يتحرك بهدوء شديد للداخل وقد كان أولهم:
_ هذا ليس مفاجئًا فأنا بالفعل افوقك في كل شيء أرسلان، لكنك لا تتقبل الواقع .
ارتفع حاجب أرسلان لترتفع ضحكات إيفان عليه وهو يتحرك مع الجميع خلف أصلان وسالار الذي تقدمهم وكأنه يحفظ كل شبر بهذه القلعة .
التوت ملامح أرسلان بحنق يسير خلقهم بضيق :
_ كل مرة أذهب معكم في مكان ما يكون الندم صديقي في هذه الرحلة فقط ليعينني الله على مصاحبتكم .
نظر له الاثنان بتشنج ليهمس سالار وهو يعدل من وضعية سيوفه :
_ والله لا أحد هنا احمل همًا بشأن مصاحبته في أي رحلة بقدرك أرسلان.
ولم يكد أرسلان يتحدث بكلمة حتى توقفوا فجأة حين وقف أصلان يشير صوب مبنى يقبع في أحد أركان الساحة الخاصة بالقلعة يهتف بصوت ونبرة متقدة بالغضب :
_ هذا سكن رجاله هنا، لا بد أن بعضهم نائمين والبعض الآخر يحرس المكان…
نظر سالار للمبنى، ثم حرك عيونه حوله يدرس الأوضاع سريعًا فقد اقتضت خطتهم أن يأتوا للمكان ويتخلصوا من أكبر عدد من رجاله ويفرغوا مخازن أسلحة سبز ويسلموها لجيش أصلان، استعدادًا لسلب سبز منهم وتسليمها لأصلان لحين عودة بارق .
وتلك هي الخطوة الأولى في رحلتهم ..
اتسعت بسمة الجميع ليهتق إيفان بصوت قاسٍ :
_ إذن أمستعدون أنتم ؟!
سحب أرسلان نفسًا عميقًا يجذب القلنسوة الخاصة به على وجهه أكثر، ثم سحب سيفه وهو يشير للمعتصم ورجاله :
_ نحن ستتولى أمر الرجال الذين يدورون داخل القصر للحراسة وانتم تولوا من بداخل السكن .
أخرج دانيار ثلاث سهام يضعهم في القوس الخاص به يستعد وهو يغمز لتميم الذي بدأ يحرك السلسلة الحديد الخاصة به :
_ ما رأيك بمنافسة سريعة دانيار ؟!
_ يمكنك البدء في العد من الآن يا عزيزي ….
ومن بعد تلك الكلمات أشار لهم سالار أن يتبعونه وهو يخرج السيفين وكذلك إيفان اخرج سيفه يتحرك خلفه صوب المسكن الخاص بالجنود وقد أشار سالار لأصلان:
_ اغلق الباب خلفك يا عزيزي كي لا تخرج الاصوات للخارج وترعب الصغار ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ما نوع العمل الذي يحتاجك به أنمار سمو الأمير ؟!
تحركت أعين نزار لها بتعجب، ثم نظر للوليد بشك شديد :
_ ما الذي أخبرتها إياه ؟؟
تحركت له توبة وهي تصرخ بجنون من بروده الظاهري :
_ هذا كل ما تهتم به ؟! ما أخبرني إياه!؟ وليس ما تفعله ؟! مما خُلقت أنت يا رجل ؟! ألا تمتلك ذرة إنسانية ورجولة واحدة ؟؟ أخطأت ومنحك الله فرصة ثانية للتوبة فاخترت الضلال وساء سبيلك ..
أبعد نزار عيونه عنها وكأنه يتعمد تجاهلها، لكنه في الحقيقة لم يكن يمتلك لها ردًا في هذه اللحظة خاصة وهو لم يتوقع مواجهة سريعة كهذه، وايضًا بوجود الوليد الأمر كان اصعب .
ابتسمت توبة بسمة لا معنى لها، بسمة واسعة جعلته يرتاب من نظراتها قبل أن تتحرك صوبه تصرخ بصوت مرتفع وبحنون تام تشير صوب الخارج وهي تصيح في وجهه :
_ تحرك من هنا، أخرج من هنا ولا تطأن قدمك هذا المكان إلا بعدما تتطهر من اثامك أيها الـ
توقفت عن الحديث وهي تحاول إيجاد صفة له توفيه حقه وحينما فشلت أشارت للخارج تصرخ :
_ فقط أخرج…أخرج من هنا نزار ولا تدعني أبصر وجهك، أخرج من هنا .
ختمت حديثها بصرخة جعلته يغمض عيونه بقوة وهو يتمالك غضبه، كان آتيًا يخبرها خطته للهرب من المكان قبل تسليمه ذلك السم لهم، لكن ذلك الوليد الحقير أفشل كل مخططاته بوجوده والحديث الذي ذكره لها ليجن جنونها بهذا الشكل .
استدار صوب الوليد الذي كان يراقب ما يحدث بملامح ثابته، يمسك مرفقه، ثم سحبه يخرج به من المكان وملامح الغضب تنتشر على وجهه وصوت توبة الصارخ يرن في أعقابه :
_ الشيء الوحيد الصحيح الذي ذكرته نزار كان تخليك عن فكرة اتخاذي توبة لك، اشكرك لأجل هذا، ما كان لي أن أكون توبة لعاصي، وخاصة لو كان ذلك العاصي معينًا للشيطان .
تحرك نزار بعيدًا مع الوليد وهو يفكر فيما سيفعل، اكتفى من كل ما يحدث هنا، واكتفى من كل ما يسمع، انتهى الأمر، يومين ويخرج من هذا المكان بها، سواء كان بإرادة منها أو بدون …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أخبرتك أنني أضعه لها في الفطور كل يوم وما تريدينه أنفذه دون مناقشتك، لذا توقفي عن ازعاجي كل ثانية بإرسالك لمقابلتي سراي .
ابتسمت لها سراي وهي تقترب من الحديد تردد بهدوء :
_ عزيزتي صدقيني أنا لست مشتاقة لمقابلتك كل يوم، لكنني فقط أحب الإطمئنان بنفسي، حينما تنتهين مما يحدث اختفي عن الأنظار واحرصي ألا يُذكر اسمي في الأمر.
_ أتعجب مقدرة الشياطين على الحب، تتبجحين أنكِ تفعلين كل هذا لأجل حبك الميؤوس منه للملك، وأنا أتعجب أن امرأة مثلك تستطيع الحب من الأساس .
اشتعلت أعين سراي من كلمات رفيقتها، لكنها لم تهتم للرد عليها فقط ابتسمت بسمة صغيرة :
_ وأنا أتعجب أن يمتلك أمثالك قلبًا نجوم، أولستِ أنتِ المرأة التي تبيع عائلتها لأجل المال ؟! تتجارين في الغلال المسروقة لأجل الأموال .
نظرت لها نجوم نظرة مقهورة تهتف من بين دموعها المكتومة :
_ بل أبيع ضميري لأجل عائلتي سراي ما أفعله سببه الاول والأخير هو رغبتي في تأمين حياة لأسرتي، ولولا حاجتي الماسة للمال لما فعلت ما فعلت، اغواني الشيطان وندمت، فلا تكملي طريقك كي لا يفوت أوان الندم لديكِ .
_ خطبتك هذه كانت ستفيدني كثيرًا لولا أن وقتها تأخر نجوم، والآن تحركي ونفذي ما أخبرتك به ولا تأخذي خطوة دون العودة لي .
_ أنا لا افهم ما تريدين فعله، ما هو غرضك من تلك الأفعال المريبة التي تجبرينني على فعلها، اتفقنا على وضع العشبة لها فقط .
اتسعت بسمة سراي وهي تشرد فيما خططت له :
_ غرضي ستعرفينه عندما يتحقق نجوم …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت من غرفة فاطمة بعدما انتهت من جلستها القصيرة معها، ثم تركتها ترتاح تدرك أن استدعاء ذاكرة من عقل شبه فارغ أمر مرهق، قررت التحرك صوب غرفة موزي تطمئن عليه، لكن في طريقها صوب الغرفة سمعت أصوات شبه صاخبة تندلع من غرفة أخرى.
كانت على وشك تجاهلها لولا أن أصوات امرأة ارتفعت من تلك الغرفة وهي تصرخ بصوت شبه مسموع في الإرجاء :
_ نحن لا نطلب منك الكثير، فقط اتركنا وشأننا غادر واتركنا كما سبق وتركتنا لسنوات طويلة ..
ومن بعد تلك الجملة سمعت سلمى صوت صفعة واصطدام قوي تبعه صرخة المرأة لتتحرك دون شعور وبسرعة كبيرة تقتحم الغرفة دون تفكير لتبصر فتاة ساقطة ارضًا بملامح حادة تنظر صوب رجل كبير في العمر بشر وكأنها تفكر كيف تتخلص منه وعلى الفراش الذي يتوسط الغرف جسد ساكن بعجز وبملامح موجوعة يحاول النهوض للمساعدة .
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تشعر أنها تدخلت في وقت غير مناسب بين عائلة، تراجعت وهي تفكر في حجة مقنعة :
_ أنا الممرضة المشرفة على حالة المريض و….
وقبل إكمال جملتها أبصرت الرجل يندفع صوب الفتاة يجذبها من ححابها بقوة صارخًا في وجهها :
_ أيتها الحقيرة ترفعين صوتكِ وتتبجحين عليَّ، اقسم أن ادفنك بأرضك قبل التفكير في التحدث معي كلمة لا ترضيني أيتها الـ
وقبل إكمال جملته وبشكل غير متوقع سريع دفعته الفتاة بقوة تخرج من ثوبها سكين وكأنها كانت تخبأه لوقت الحاجة تلوح به في الهواء :
_ قبل دفني سيكون التراب قد وارى جسدك سيد انورين .
اشتعلت أعين الرجل وهو يرمق ابنته بشر كبير وكره أكبر، وقد بدا كما لو أنه يقف مقابل عدو له وليس ابنته التي تسير دماؤه داخل أوردتها .
شعرت سلمى بالريبة مما ترى لا هي قادرة على الرحيل وتركهم وشأنهم ولا هي تستطيع المشاهدة دون التدخل، نظرت حولها تحاول التحدث بكلمة تفصل بها تلك المعركة الحامية، لكن ما كادت تتخذ أي ردة فعل حتى وجدت جسد الرجل يندفع بشكل مرعب صوب الفتاة يسلبها السكين، ثم يرفع عليها وقبل تقدمه خطوة واحدة صوبها بالسكين كان جسد سلمى يحيل بين السكين وبين الفتاة لتعلو صرخة الشاب في المكان بجنون ….
وقبل أن تمس السكين جسد إحدى الفتاتين كانت يد سلمى الاسرع وهي تمسك يد الرجل بسرعة تلويها بقوة تدفع بجسده للجدار بعنف تهتف من تحت أسنانها:
_ ماذا تظن نفسك فاعلًا أيها العجوز ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان أرسلان يتحرك مع رجاله بخفة حول مبنى الحكم في قلعة سبز، وكل من يقابلهم يجذبوه بعيدًا ثم يتخلصون منه، كل من يتعرفون عليه ويتبع أنمار يتخلصون منه ..
كان يتقدم الجميع يزيح من أمامه بسرعة كبيرة مستمتعًا البعض يصيبهم دون قتل لحاجته إليهم كي يستخلص منهم ما يريد من المعلومات والبعض يكون حظهم سييء ليُقتلوا على يديه .
توقف أرسلان فجأة حين شعر بحركة غريبة حوله، ينظر للمعتصم وزيان ومن معه :
_ هل سمعتم هذا ؟؟
حرك المعتصم رأسه في الارجاء بحثًا عما شعر به أرسلان ليشير بالنفي فلا شيء مريب حوله هذا إذا اعتبرنا تلك المجزرة التي تحدث ليست بالشيء المريب .
_ هناك أصوات حركة في الجوار .
همس زيان بصوت منخفض في أذن المعتصم :
_ بدأت أصدق أنه يمتلك حاسة الأسد عن اصطياد الفريسة .
أشار أرسلان لزيان بأصبعه :
_ توقف عن التشويش على سمعي زيان كي لا تكون فريستي القادمة، هذا الصوت ألا تسمعونه ؟! صوت مرتفع لخطوات أقدام حولنا أنا متأكد من هذا .
بدأت الريبة تنتشر على وجوه الجميع وقد أخذت الأجساد وضع الهجوم، وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى بدأت تلك الأصوات التي تحدث أرسلان عنها تعلو أكثر وأكثر.
أخذ المعتصم يستدير حوله بريبة وهو يخرج بعض السهام عن ظهره بعدما أعاد السيف لغمده يتجهز لاصابه أيًا كان من ينتوي بهم شرًا .
كل ذلك وارسلان فقط يحرك عيونه في الإرجاء بهدوء عجيب لا يتلائم مع الموقف، وفي ثواني ارتسمت بسمة واسعة مخيفة على فمه حين أبصر العديد من الرجال يحيطون به وكأنهم كانوا ينتظرون مجيئهم .
هتف تيّم بصدمة وهو يرفع سهامه بسرعة كبيرة في وجوه من أمامه:
_ هذه مكيدة، كيف ؟؟؟
اتسعت بسمة أرسلان أكثر وأكثر وهو يحرك نظراته حتى توقفت على أصلان يهمس بصوت خطير :
_ عجبًا الحية بدلت جلدها بسرعة كبيرة ها ؟!
لم يفهم أحدهم ما يقصد أرسلان، لكن في ثواني اتسعت الأعين بصدمة حين رفع أصلان وبسرعة كبيرة سيفه في وجه أرسلان مهددًا وهو يمنحه نظرة منتصرة وبسمة متشفية :
_ الصبر ليس من شيمي جلالة الملك ………….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)