روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع 7 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع 7 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت السابع

رواية في قبضة الأقدار الجزء السابع

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة السابعة

أن تعشق امرأة مثلي إنه أمر شاق للغايه ،
لم أكن أنثى إستثنائيه يوما بل انا الاسوء من بين جميع
النساء ، و عليك أن تُدرك هذا اولًا لأن الطريق الي قلبي لن يكون سهلًا ،
فعليك تتقبل جميع صفاتي السيئة و تراها ميزات ! أن تتقبل جميع تصرفاتي المُتقلبة دون أن تسأل عن الأسباب ! أن تتعامل مع ردودي الغير متوقعه علي أنها أمور طبيعيه! أن تراني جميله بجميع حالاتي و تري مزاجيتي اجمل أنواع الدلال ! أن تراني دائمًا مميزة ببساطتي بعفويتي بحماقتي! ألا أكون مُجبرة دائمًا علي إدهاشك ! أريد عشقًا خالصًا يُرمم شقوق قلبي و يُصلح ندبات روحي اريد أمانًا ينتزع الخوف العالق بثنايا فؤادي و إعلم حينها انك ستحظي بعشق سرمدي يفوق حدود الأبديه ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كان الأمر في المشفي علي صفيح ساخن بينما الصمت يُسيطر علي الجميع للحد الذي يجعل هسيس أنفاسهم مسموع بوضوح . بينما القلوب تحترق بهدوء قاتل و الألسنه عاجزة عن الحديث فأي كلام يمكن أن يُقال يخفف من وطأة هذه الصدمه الكبيرة حين أخبرهم الطبيب أنهم علي وشك خسارة الطفل !
خنجر مسموم بنيران الذنب انغرز بمنتصف قلبه حين رآها غارقه في دمائها بينما تجمد في مكانه لا يعي ماذا يحدث !فقط ألم هائل اجتاح كيانه حينما سقطت كلمات فرح كجمرات فوق قلبه و هي تقول بصراخ
” لازم نوديها المستشفي حالًا دي حالة إجهاض ”
لا يعلم كيف حملها بكل هذا الرفق الذي لم يكن يظن بإنه يمتلكه و اي قوة خفيه سكبت كل هذا الحنان بين كفوفه الممسكة بها بينما ملامحه كانت قاسيه و عابسه و كأنه يرفض تلك الكلمات المقيتة التي أُلقيت علي مسامعه للتو.
كان مسيطرًا علي مقود سيارتة الضخمة بينما لم يستطع السيطرة علي نبضاته الهادرة التي تتخبط بعنف بين ضلوعه و كأنها تعلن ثورتها عليه و انقلابها ضده و ضد هذا العنف المعنوي الذي ارتكبه بحق تلك الجنة التي كانت تصارع آلام تفوق طاقتها و حدود قدرتها .
قبضه قويه اعتصرت قلبه و هو يضعها فوق الحامل أمام المشفى بينما كل خليه به تصرخ غاضبه علي تركها و متألمه علي حالها و شحوب ملامحها التي كانت تضج بالحياة حين كانت تتحدث مع الفرس فقد كان يستمع إلي حديثها بقلب مُمزق و عقل مُشتت فكل الاتهامات تشير إلي أنها مذنبه حتي حديثها و نبرة الندم التي تُغلفه تؤكد علي ذنبها الكبير الذي لم تستطع غفرانه لذاتها بينما عيناها الشئ الوحيد الذي ينطق ببرائتها . و يكاد قلبه يصدقها بينما عقله ينهره بشده و يحذره من مغبةٍ الوقوع بسحرها الآثر فيتضاعف الذنب بقلبه و هذا ما لن يستطيع احتماله أبدًا !
**********
معظم الخسارات في حياة الإنسان قابله للتعويض إما التجاوز ! و لكن ثمه خسارات مروعه تحمل الموت في طياتها كأن تخسر شقًا من روحك أو تفقد إحدي بُطينان قلبك و هذا ما شعرت به « فرح » حين رأت شقيقتها تتوسط الارضيه الصلبه غارقه بدمائها مُهددة بفقدان جنينها فلم تتمالك نفسها إذ خرجت صرخه مُتألِمه من جوفها بينما جسدها أخذ يهتز بقوة و هي تحتضنها بالسيارة في طريقهم الي المشفي و دموعها المتساقطة لا تتوقف أبدًا ، بل أخذت تزداد كلما مرت دقيقه تلو الأخرى دون أن يُطمئنهم أحد .
تود لو تكسر تلك الأبواب الزجاجيه و تخترق تلك الغرفه لتحتضنها و تخبرها بأنه لا طاقه لها بالفراق أبدًا .
تود أن تصل نبرتها المتألمه إلي أعماق قلبها حتي يتمسك بالحياة و ألا يفقد الأمل مطلقًا. تريد قطع وعدًا صارمًا لها بأنها لن تدع أحدًا يؤذيها ، لكن ستستبسل في الدفاع عنها حتي الموت . فقط لو تخرج سالمه من هذه الغرفه ! لو تري ضحكتها البريئه تزين وجهها الفاتن مرة ثانيه !
” يارب احفظها يارب . و متضرنيش فيها أبدًا .”
هكذا خرجت الكلمات من أعماق قلبها تُناجي ربها بأن يحفظ شقيقتها الغالية و ألا يُريها فيها بأسًا يُبكيها و لم تلحظ ذلك الذي كان يراقب جميع انفعالاتها بهدوء تام و ملامح صارمة تتنافي مع ذلك الحنان الذي تسرب الي قلبه دفعة واحده و هو يُناظِر رأسها المُنكث و أكتافها المُتهدِله و ملامحها المُنهزِمه حتي خصلات شعرها التي كانت تسترسل بهدوء خلف ظهرها يتساقط منها قطرات الماء لتُغرِق ظهرها كما اغرقت قطراتها مقدمه صدرها ليلتصق قميصها القطني بجسدها بطريقة أشعلت نيران غضب ممزوج بمشاعر آخري لا يعلم من أين غافلته و انبثقت بين طيات قلبه فقام بخلع جاكيت بذلته و تقدم منها محاوطًا كتفيها به بينما توقف لثوانٍ حين هاجمته رائحتها العذبه التي أثارت شهيته بطريقة لم يعهدها مسبقًا بل لم يتوقعها !
شعرت بالحرارة المنبعثة من جسده حين توقف خلفها علي بعد خطوتان و حاوطتها رائحة عطره الممزوج مع رائحه التبغ المميز الذي يتناوله فخلقت شعور من الدفء بداخلها و الذي كانت تفتقده كثيرًا و لكنها لم تكن تشعر بذلك فقد كانت خارجه من المرحاض لتوها بعد أن أخذت حمامًا مُنعِشًا لتتفاجئ بتلك الكارثة التي حدثت و لم تهتم بشأن ملابسها فحمدت ربها أنها قد ارتدت ذلك البنطال القطني القصير نوعًا ما و فوقه هذا القميص القطني الذي التصق علي جسدها بفعل المياة المتساقطة من خصلاتها التي لاحظت للتو أنها تركتها منسدله خلف ظهرها .
لم تستطع أن تُدير رأسها إليه فقد كانت عيناها تحمل ضعفًا كبيرًا لم تعتاده ، خاصةً أمامه لذا تمتمت بكلمات شُكر مقتضبة لم تُرضيه فقد كان يود اقتناص فرصته في رؤيه عيناها الزيتونية دون حواجز فهو يعرف تمام المعرفه بأنها تحتاج أن تشعر بالأمان في تلك اللحظه التي عاشها هو بمفرده و يعلم مدي قساوتها و مرارة شعورها و لم يطاوعه قلبه أن تعيشها منفردة فخرجت الكلمات من فمه خشنه كما هي عادته
” هتبقي كويسه أن شاء الله”
بقدر خشونه لهجته و لكنها كانت تحمل دفئًا تحتاجه كثيرًا أو هكذا كانت تتخيل و قد تمني قلبها لو تناظره في تلك اللحظه حتي تتأكد من صدق تخيلاتها و لكن ابي كبرياءها الظهور بمظهر أنثي بائسه قليلة الحيلة لذا رفعت رأسها تنظر أمامها قائله بصوت متحشرج
” أن شاء الله”
كان رجلٌ لا يعرف المستحيل و لا يقبل الرفض تعود علي انتزاع ما يريده بمنتهي السهوله و اليسر الذي يتنافي مع ما يقابله معها فـ ها هي ترفض توسله الخافت الذي لم و لن يفصح عنه ابدًا. تُعانده بشدة لتمنحه ذلك التعطش الغريب لنظره إحتياج واحده من عيناها !
و كأن إحتياج كل هؤلاء الناس ممن هم حوله الذين يعتمدون عليه كليًا لا يكفيه ليشعر بهذه الرغبه القاتله في رؤيه إفتقارها إليه ليس من أجل إرضاء متعته في تحقيق انتصاراته المتتالية معها و لكن حتي يكون و لأول مرة هو مصدر قوتها !
قطع حديثه الدائر بين ثنايا قلبه خروج الطبيب من غرفه جنة فكان أول من هرول إليه هو سليم الذي قال بقلب لهيف
” طمني يا دكتور ؟”
هرولة هي الآخري و كان هو بجانبها ليتحدث الطبيب قائلًا
” الحمد لله قدرنا ننقذها هي و الجنين بإعجوبه. و بالرغم من كدا الخطر لسه قائم ”
تجمدت الحروف علي شفتيها بينما قال سالم بفظاظه
” يعني ايه الخطر لسه قائم ؟”
” يعني حالتها الصحيه غير مُطمئنة لأنها نزفت كتير و الهيموجلوبين عندها أقل من الطبيعي .. انا مستغرب ازاي الطفل دا لسه ييقاوم و منزلش . و تفسيري الوحيد أن دي إرادة ربنا إلي كاتبله أنه يعيش ! ”
خرجت الكلمات متلهفه من بين شفتيه
” طب ايه العمل يا دكتور علشان نحافظ عليها هي و الطفل ؟”
لم يدقق قبل أن يتفوه بتلك الكلمات في حين ضاقت عيني سالم بينما التفت فرح تناظره بغموض أصاب كبرياؤه في الصميم و لكنه تجاهل كل ذلك و التفت إلي الطبيب الذي قال بتحذير
” طبعا احنا حاولنا نظبط الهيموجلوبين و أن شاء الله منحتجش نقل دم بس في المجمل هي محتاجه الراحه التامه عشان وضع الحنين يستقر كمان ياريت نمنع عنها أي ضغط نفسي و لازم نهتم بالأكل الصحي و أنا هكتبلها علي الفيتامينات اللازمه و بإذن الله الحاله تستقر ”
” تقدر تمشي امتا ؟”
هكذا تحدث سالم ليجيبه الطبيب
” مش قبل بكرة ، عشان نطمن اكتر علي حالتها و لو حصل لا قدر الله اي حاجه نقدر ندخل في الوقت اللازم ”
” ممكن اشوفها ؟”
أخيرًا خرج صوتها متحشرجًا جافًا ليجيبها الطبيب قائلًا
” ممكن طبعًا هي هتتنقل لاوضه عاديه و تقدروا تشوفوها بس زي ما قلت مش عايز اي ضغط عصبي و لا مجهود بدني .”
هزت رأسها بتفهم بينما شعر هو و كأن حديث الطبيب موجهًا إليه فكل ما حدث لها كان بسبب غباءه في التعامل معها و تلك الكلمات المُهينة و الإتهامات القاتله التي امطرها بها كوابل من الرصاص لم يحتمله جسدها الرقيق و سقط معلنًا استسلامه أمام طوفان الظلم !
لم يتفوه بحرف بل استدار علي عقبيه يخرج من المشفي و هو يلعن كل شئ حوله فقد أوشك الليله علي ارتكاب جريمه شنعاء و هي القتل ! و كان ضحيته الشئ الوحيد المتبقي من أخاه الذي لا زال للآن يحمل ذنبه هو الآخر و الذي كان يظن بأن بإنتقامه منها سيُكفر عنه و لكنه وجد نفسه يغرق بوحل بالذنوب أكثر. فزفر بحنق و أخذ يملئ رئتيه بالأكسجين الذي يحتاجه حتي يهدئ من حرقه صدره و لكنه نسي أن الأكسجين غاز يساعد علي الاشتعال أكثر خاصةً و هو يحمل رائحتها العالقه بملابسه و دمائها التي طبعت بقعه فوق قميصه نفذت الي أعماقه دون أن يشعر !
*************
“إلي أولئِك الذين مازالوا مُحتجزين خلف أسوار الماضي عالِقون بتِلك العلاَقات المشوهه التي لم تكتمل و لم تستطع قلوبهم تحمل نهايتها فك الله أسركم ..”
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت نائمة علي غيمه ورديه تحملها كالريشه و تطير بها هنا و هناك أو هكذا كان حال قلبها الذي غزته ذكريات جميله حد البكاء رائعه حد اللعنه التي اصابتها ذلك اليوم حين أقرت بتسليمها الي راية العشق .
كانت تترجل من إحدي سيارات الأجرة تنوي الدلوف الي جامعتها و لكن استوقفتها نبرة صوت أصبح قلبها يعرفها جيدًا حتي لو أنها كانت تخفي ذلك خلف قناع من الغرور و اللامبالاة و لكن داخلها كان يميل إلي ذلك الشاب الوسيم العابث الذي يُلاحقها بكل مكان دون أي حديث فقط نظرات اذابت بروعتها حصون قلبها التي كانت متماسكه الي حد ما قبل أن تسقط كليًا عندما ضايقها أحد الشباب ذات يوم
و كان له هو بالمرصاد ، قرر قطع حرب النظرات الدائرة بينهم و اقترب منها بلهفه لمست أوتار قلبها حين قال
” عملك حاجه ؟’
هزت رأسها دون أن تتفوه بحرف بينما تولت عيناه زمام الأمور بينهم لبعض الوقت قطعته كلمات حانيه مدروسه اخترقت جدران قلبها حين قال بخفوت
” متخافيش أبدًا طول مانا موجود محدش يقدر يأذيكي أو حتي يقرب منك !”
خفقت دقات قلبها بعنف كلما مرت ببالها تلك الكلمات الرائعه و التي بثتها شعور كانت تفتقده في أعماق قلبها كثيرًا و كأنها جاءت مثلما تمنت تمامًا فلاحت ابتسامه خجوله علي شفتيها و هي تتوجه الي بوابه الجامعه لتوقفها كلمات عابثه تراقصت علي أوتار ثباتها
” طب مش كفايه كدا بقي !”
لم تجب بل لم تلتفت علي الرغم من صراعها الداخلي و لكنها دون أن تلحظ توقفت بمكانها ليتقدم تجاهها إلي أن توقف أمامها و هو يناظرها بقوة أثارت خجلها بشدة و جاءت كلماته لتجهز علي ما تبقي من ثبات
” طب انا مُستسلم ! متستغربيش بس زي مانتي كنتي بتقاوميني كدا انا كمان كنت بقاومك بس انا فعلًا مبقتش قادر ! انا الي كنت برن عليكي كل يوم قبل ما تنامي اسمع صوتك و بعدين اقفل عشان اعرف انام .و كل يوم كنت ببعتلك الصبح صباحك جنة تشبه عيونك !
الحقيقي اني كنت بحاول امنع نفسي عنك بصعوبه بس لما شفت في عنيكي النظرة دي مقدرتش اسكت. ”
كانت كلماته حانية بشكل لم تعهده من قبل . تُغريها كطفل حُرم من الحلوي طوال حياته فإذا بالسماء تُمطر أشهى انواعها أمام عينيه الجائعتين . هذا هو حالها في تلك اللحظه و لكنها تمسكت بآخر خيط من إرادتها حين قالت بتوتر
” نظرة ايه؟؟ ايه الي انت بتقوله دا؟ ”
توترها الملحوظ و اهتزاز حدقتيها كانتا خير دليل علي مقاومتها الواهيه فاستغل هو ذلك قائلًا بلهفه
” عنيكي بتكذب كل كلامك دا ! أرجوكِ مش عايز منك حاجه غير انك تديني فرصه ! فرصه واحده بس عايزك تعرفيني فيها. عايز احكيلك علي حازم الوزان . عايزك تشوفي الي كل الناس مش شيفاه . ”
رغمًا عنها اماءت برأسها ملبية نداء قلبها و بالفعل تقابلا في أحدي الاماكن العامه و جلست هي تناظره بخجل كبير تجلي في خدها الوردي و ارتباك شفتيها التي لم تستطع الحديث ليقطع هو صمتهم قائلًا بمزاح
” قبل اي حاجه عايزك تعرفي اني اكبر منك بسنتين لكن كنت بسقط و مش مكسوف و أنا بقولك كدا .بس فعلًا انا مكنش عندي هدف يخليني أنجح. لكن دلوقتي ..”
صمت متمهلًا يناظرها بجرأة بينما لاح التساؤل في حدقتيها اللامعة حين قال بحماس
” دلوقتي عندي هدف قوي اني انجح و اخلص كليتي عشانك . ايوا عشانك يا جنة . انا بقالي شهر براقبك شهر مفيش في تفكيري غيرك بنام و بقوم علي صورتك الي انطبعت جوايا . عايزك تعرفي اني عمري ما حسيت كدا ناحية اي بنت . و عمري ما هضحي بالإحساس الي جوايا دا أبدًا حتي لو فضلتي تقاوميني هفضل اقولك اني بحبك !”
برقت عيناها فيما اخترقت كلمته أعماق فؤادها الذي انصاع لتلك المشاعر الجامحه التي اجتاحتها لتستسلم لسحرها الأخاذ حين أخذ يسرد لها كل شئ عن عائلته و حياته و كأنه يعرفها منذ زمن و قد بدأت هي في التجاوب معه لتبدأ بينهم قصه حب كبيرة انتهت بعرض مسرحي للزواج أمام المارة بأحد الشوارع بينما قلبها يدق بعنف من فرط فرحتة لروعه ذلك الحدث الذي تتمناه أي فتاة في العالم و نظرًا لبرائتها و قله خبرتها لم تلحظ المكر الذي غلفته عيناه بالحب الوهمي و أفصحت شفتيها عن قبولها لعرضه و الذي كان المفتاح لأبواب الحجيم الذي اجتاح حياتها بعد ذلك !
خرجت صرخه قويه من قعر وجعها حين انقلبت بها تلك الغيمة الورديه لتسقط بقوة شاعرة بألم حاد في أسفل معدتها فتحت علي إثره عيناها بقوة لتهب «فرح» من مكانها تقترب منها بلهفه تجلت في نبرتها حين قالت
” جنة حبيبتي. حمد لله علي سلامتك .حاسه بأيه طمنيني!”
في البدايه لم تدرك ما يحدث حولها و لكن ما أن طافت عيناها بالمكان حتي تحركت يدها تلقائيًا إلي مكان الوجع أسفل بطنها و قالت برعب
” ابني ! ابني جراله حاجه ؟ ردي عليا يا فرح ؟”
سرعان ما احتضنت ثورتها كفي «فرح» التي أحتوت وجنتيها بحنان قائله
” لا يا حبيبتي متخافيش. الحمد لله كويس ربنا نجاكوا !”
تنفست الصعداء و زفرت خوفها الذي كاد أن يقبض روحها بتلك اللحظه و أسندت رأسها للخلف و هي تنظر إلي شقيقتها بتعب تجلي في ملامحها و خرج الكلام بين شفتيها بضعف
” الحمد لله.”
فرح بحنان
” الحمد لله يا حبيبتي . طمنيني حاسه بأيه ؟”
جنه بضعف
” في ألم بسيط . بس الحمد لله احسن ”
فرح بإشراقه
” و هتبقي احسن لما تشوفي حبيب خالتو الي مغلبنا معاه دا .”
رفعت رأسها تطالعها بعدم فهم فنهضت فرح من مكانها و قامت بالضغط علي إحدي الأزرار بجانب مخدعها و هي تقول بتفسير
” الدكتور قال أول لما تفوقي هيكشف عليكي سونار عشان يطمنك علي البيبي.و قال كمان انك مبتتغذيش كويس و دا غلط عليه . و شكله زعل منك عشان كدا حصل الي حصل ”
اهتز قلبها لحديث شقيقتها فهي تحاول إضفاء المرح علي قلبها و آثرت الا تسألها عن السبب خلف ما حدث لها و قد كانت أكثر من ممتنه لهذا الأمر لذا قالت بإبتسامه واهنه
” من النهاردة مش هزعل تاني مهما حصل . و ههتم بصحتي عشانه ”
كانت تتحدث بتأكيد نابع من صميم قلبها و هي تقسم داخليًا علي الا تسمح لشئ أن يؤذي صغيرها تلك النعمه التي خرجت من بين كل هذا السوء الذي حدث لها و هي تنوي أن تحميه بروحها فإن تمسك هو بها مرتين فهي لن تتركه أبدًا ..
بعد مرور بعض الوقت انصرف الطبيب بعد ان قام بفحصها و طمأنها بأن الأوضاع تحت السيطرة و امطرها بوابل من التنبيهات مشددًا علي كل كلمه يتفوه بها و قد أقسمت داخلها علي أن تقوم بتنفيذ كل ما قاله دون الإغفال عن أي شئ ..
و ما أن خرج الطبيب حتي سمعوا طرقًا علي الباب طال دويه قلبها و قد علمت من الطارق فهو لم يكن سوى
«سالم» الذي كان ينتظر خروج الطبيب من الغرفه حتي يطمئن هل عادت الأمور تحت السيطرة و زال الخطر ام لا و قد كان الغضب يأكل داخله بنهم فهذه هي المرة الثانية التي يتعرض بها الطفل الي خطر مُحدِق و لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها فهو يكاد يُجزم بأن أخاه له يد بما حدث فذلك الرعب الذي كان يحاول إخفاءه لم يكن من فراغ ، و لهفته القويه في الإطمئنان عليها لابد و أنها نابعه من ذنب كان يتجلي بوضوح في عيناه و لكنه أجل الحديث بهذا الأمر الي حين يطمئن علي الطفل و قد انتوي علي وضع الأمور في نصابها الصحيح وسيتأكد من أن الجميع يسير علي النهج المطلوب .
دلف إلي الغرفه بعد ما سمع صوتها يسمح له بالدخول و ما أن وقعت عيناه عليها حتي تشعب الغضب داخله و تجلي ذلك بعيونه السوداء حين رآها تقف أمامه بثيابها تلك و قد خلعت جاكيت بدلته واضعه إياه علي الأريكه خلفها و هذا يعني بأن الطبيب رآها بحالتها تلك !
رغمًا عنه أغضبه هذا كثيرًا لكنه حاول ابتلاع غضبه حين قال بخشونه موجهًا حديثه لجنة
” عامله ايه دلوقت ؟”
إجابته بخفوت فقد كانت تخشاه كثيرًا
” الحمد لله احسن .”
هز رأسه وهو يتنفس بصعوبه حين تشابكت نظراته مع تلك التي كانت تتحاشي النظر إليه و قد أضاف ذلك الوقود لغضبه المشتعل بصدره و لكنه كالعادة بدا هادئًا باردًا جافًا !
جاء صوته جامدًا متسلطًا حين قال
” سمعتي الدكتور قال ايه ؟”
اجابته جنة بهزة من رأسها دون حديث ليأتيها صوته قويًا حين قال مهددًا
” دي آخر مرة هسمحلك تعرضي حياة ابن اخويا للخطر .”
لم تتحمل حديثه مع شقيقتها بتلك الطريقه و التفتت تناظره بقوة و غضب تجلي في نبرتها حين قالت
” علي اساس ان حياتها هي كمان مكنتش معرضه للخطر !”
قابل غضبها و حديثها بسخريه ارتسمت علي ملامحه للحظه قبل أن تعود الي جمودها و أدار رأسه الي جنة و هو يقول آمرًا
” هتفضلي هنا تحت الملاحظه كام يوم لحد ما الدكتور يقول إن الخطر زال . اي حاجه تحتاجيها بلغيني .”
إجابته جنة بإختصار
” تمام ”
أغضبها تجاهله لها و لكنها حاولت إخفاء غضبها بإبتسامه عابثه رسمتها ملامحها التي كانت في أوج ازدهارها بفعل الغضب الذي كسي خديها بحمرة جميله و عيناها الصافيه مع وجهًا اشرق حين اطمأنت علي شقيقتها . مظهرها الفاتن هذا اعاد إليه شهوة استفزازها فقال بسخريه و هو يلقي عليها نظرة عابرة
” هبعتلك هدوم مع السواق ”
شعرت بالسخريه في لهجته و قد اغاظها ذلك فأرادت رد الصاع صاعين حيث قالت بلامبالاه
” لا متشغلش بالك . انا مرتاحه كدا . ”
دون حديث ابتلع غضبه الحارق و توجه إلي الباب و ما أن هم بفتحه حتي نادته بلهفه توقف علي إثرها بقلب يدق بعنف
” اه .. سالم بيه ..”
قالت كمن نسي شيئًا ثم التفتت تتناول جاكت بذلته و توجهت بهدوء تناوله إياه راسمه ابتسامه عفوية علي شفتيها و هي تقول بتمهل
” ميرسي اوي . تقدر تاخده مبقتش محتجاه .”
امتدت يداه لتلتقطه و قبل أن تتركه شعرت بقبضته القويه تعتصر يدها الممسكه بالجاكت وهو يُطالعها بغضب قبل أن يقول بجفاء
” مش انتي الي تقولي اذا كنتي محتجاه و لا لا! ”
كانت قبضته مؤلمة و لكنها لم تدعه يعلم بأنها تتألم لذا رفعت أحد حاجبيها قبل أن تقول بتهكم
” نعم !”
تحمحم بخفوت قبل أن يُسيطر علي ضربات قلبه الصاخبة أمام عيناها الصافيه التي تحاول استفزازه و لكنه لن يقع بفخها أبدًا لذا قال بفظاظة
” انتوا هنا تحت اسم الوزان و الاسم دا له هيبته و احترامه . و شكلك دلوقتي يعني !!!”
طافت عيناه علي جسدها الأنثوي الرقيق بمنحنياته القاتله التي تخطف العقول و ارتفعت نظراته تُبحِر فوق ملامحها الجميله و التي جعلت نبضاته تتعثر داخل صدره تأثرًا بهيئتها العشوائية الساحرة و لكنه نجح في إخفاء كل هذا ببراعة و لوى فمه بإمتعاض تاركًا لعيناه و ملامحه أن توصل لها مقصده و قد اغضبها هذا لدرجه جعلت أنفاسها تتسارع و بصعوبه بالغه حافظت علي بعضًا من هدوئها حين قالت ساخرة
” غريبه ! مع انك كنت عايزني ارجع لشخصيتي الأصليه ايه الي حصل دلوقتي ؟”
سالم بحدة
” كنت غلطان !”
رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و ناظرته بسخريه قبل أن تقول بهدوء مستفز
” عشان كدا زي ما قولتلك مخدتش رأيك بعين الإعتبار !”
كانت مشاكستها لذيذة بحق و ملامحها التي تتحداه بخطورة لا تعي توابعها و قد كان هو الآخر يشعر بأنه يمشي بحقل ألغام قد تنفجر بقلبه في اي لحظه و هو غير عابئ لتوابعها التي قد تكون مُدمرة يُريد أن تدوم حربهم تلك للأبد دون أن يمل !
” لو كنت أعرف ان شخصيتك الأصلية شبه أطفال الشوارع كدا مكنتش هطلب منك ترجعيلها !”
برقت عيناها من شدة الذهول الذي تحول لغضب عارمٍ فقد أهان أنوثتها بشدة جعلتها تود لو تمزقه إربًا حتي تمحي تلك الأبتسامه الكريهة علي وجهه و التي كانت تُخفي آخري صاخبة نجح في خنقها حتي لا تفضح إستمتاعه بملامحها وغضبها المروع هذا و تابع بتهكم
” في رأيي شخصيه أبلة نظيرة لايقه عليكي اكتر !”
كان طوال الوقت مُمسكً بمعصمها القابع خلف الجاكت الخاص به و الذي كانت ممسكه به بقوة دون أن تدري فلم يستطيع أن يفوت فرصه اخري في إغضابها إذ قال بتسليه
” الجاكيت ! مش تقريبًا قولتي إنك مش محتجاه !”
لا تعلم ما دهاها في تلك اللحظه و لكنها انتزعت الجاكيت من بين يديه و قالت بحدة توازي حدة نظراتها اليه
” غيرت رأيي . هاته”
اخذته و حاوطت كتفها به في حركه منها لإغاظته فابتسم تلقائيًا علي فعلتها و لكنه سارع بمحو بسمته و هو ينظر إلي الجاكيت الذي يُعانق جسدها بغموض و لوهله طرأ علي باله هاجس . ” ما هو شعوره حين تصبح تحت سطوة عناقه !؟”
*****************
كانت جنة تقف أمام تلك الفرسه الرائعه التي اعجبت بها سابقًا تُناظرها بسعادة غامرة انبثقت من بين كلماتها حين قالت بحبور
” اذيك يا جميله .. وحشتيني اوي . ”
مدت يدها تُدغدِغ أسفل عنقها و الفرس تتجاوب معها مما جعلها تقول برقه
” انا كمان وحشتك. حقك عليا اتأخرت عليكي كل دا بس انتي متعرفيش حصلي ايه؟ ”
ارتسم الحزن على ملامحها الجميله و هي تقول بنبرة خافته
” انا كنت هخسر البيبي . و قعدت يومين في المستشفي و بعدين الدكتور منعني من الحركه لمدة أسبوعين ! تخيلي اسبوعين كاملين و أنا نايمه في السرير مبتحركش! اكل في السرير و شرب في السرير لحد ما طهقت .”
تابعت بعد أن اشرق وجهها وارتسمت ابتسامه سعيدة علي ملامحها و هي تقول بحبور
” بس النهاردة خدت إفراج . و أول ما رجعت من عند الدكتور جيتلك علي طول . بالرغم من أن هتلر دا منعني اني آجي اشوفك و علي الرغم من أنه السبب في كل الي حصلي ! لكن و لا يهمني هجيلك اشوفك علي طول . اقصد يعني طول ماهو مش موجود! مانا نسيت اقولك أصله من يوم الي حصل مشوفتوش . بس احسن انا اصلًا مش عايزة اشوفه !”
كانت جملتها الأخيرة نابعه من أعماق قلبها الذي كان يتمني حقًا لو لم يراه أبدًا فبكل مرة تقع عيناه عليها يُذيقها أقسى انواع الإهانات حتي أنها بآخر مرة كانت معه لم يتحمل جسدها هذا الألم الهائل الذي تشعب الي أوردتها و لم يرحمها منه سوي تلك الهوة العميقه التي انقذتها من ذلك العذاب المرير !
ابتلعت غصه تشكلت داخل حلقها ما أن زارتها تلك الذكريات المريرة فحاولت التغلب عليها حين ارتسمت ابتسامه جميله علي شفتيها و هي تلتقط إحدي حبات الجذر و تضعها في فم الخيل و هي تقول بأعجاب بالغ
” مفكر أنه هيقدر عليا و يمنعني عنك .. هه يبقي يوريني سي هتلر دا ! المهم انا مضطرة امشي بقي عشان زمان فرح رجعت من مشوارها و المفروض هنروح نتغدي مع العيله النهاردة و اتعرف علي باقيتهم .”
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بنبرة يتخللها القلق
” بصراحه انا خايفه اوي من المقابله دي ! الناس دول اصلًا شكلهم مُرعب من اول سالم الديكتاتور! اه مانا نسيت اقولك اني سميته الديكتاتور ! علي طول عاوز أوامره بس هي الي تتنفذ و الناس تقول سمعًا و طاعه. و التاني الي عامل زي هتلر دا معدوم القلب و الإحساس ! و لا الحاجه! يا عيني عالحاجه شبه إليزابيث الي في فيلم stay alive الست الي كانت بتخطف البنات الحلوين و تتغذي علي دمهم دي ! حستها اول ما شافتني كانت عايزة تجبني من رقبتي كدا و تقوم جايه عضاني! ”
زفرت بحنق قبل أن تتابع حديثها الناقم
” بصراحه أشكالهم كلهم متطمنش . و لسه بيقولك في عمته و اخته و بنت عمته . هقول ايه الله يسامحك يا حازم ! و يعيني علي ما بلاني !”
حانت منها التفاته حولها قبل أن تستقر نظراتها علي معدتها فارتفعت يدها تمسدها بحنان وهي تقول برقه
” بس مش مشكله . كله يهون عشان حبيبي..”
رفعت رأسها تبتسم للفرس في سعادة و هي تقول بأستسلام
” مضطرة امشي دلوقتي عشان ميعاد الغدا المقدس جه ! و مينفعش اتأخر عليه احسن يقيموا عليا الحد ! ”
ارسلت قبله في الهواء و هي تلتفت تتابع طريقها دون أن تلحظ تلك العينان التي شيعتها بنظرات الغضب ..
***************”
” آنسه فرح عمران!”
لم تكد تجلس في مكانها حين وقعت تلك النبرة الخشنة علي مسامعها كقنبلة مدويه إخترقت قلبها أولًا و من ثم عقلها الذي لم يكن يصدق ما يسمعه و تعلقت نظراتها الجاحظة بذلك المقعد الذي حين التف توسعت حدقتيها أكثر و صدق ظنها بأنه هو !
جاءها صوته الرجولي الخشن الذي يحوي بين طياته السخريه و الغضب حين قال
” ايه اتصدمتي ؟ ”
لم تجيبه فلم تستطع السيطرة علي صدمتها بعد فأخذت تبلل حلقها تحاول البحث عن صوتها الذي اختفي بفعل تلك المفاجأة الغير متوقعه أبدًا فهي منذ أن بدأت حالة شقيقتها بالإستقرار و هي تحاول البحث عن عمل في شبكه الإنترنت و لحسن حظها وجدت إحدي الشركات الكبيرة تعلن عن حاجتها لإحدي الوظائف التي لائمت مؤهلاتها كثيرًا فلم تتردد و قامت بإرسال الملف الخاص بها و جاءها الرد قبل يومان بموعد المقابله اليوم و كانت طوال الطريق تدعو الله أن يكون هذا العمل من نصيبها فهي لم تعتاد علي الجلوس هكذا دون فعل شئ و ايضًا لن تنتظر حتي انتهاء مُدخراتها من النقود و لن تسمح لأحد بأن ينفق عليها أبدًا .
اخيرًا استطاعت السيطرة علي صدمتها و قالت بصوت مهزوز
” انت بتعمل ايه هنا ؟”
نالت سخريته من ثباتها الواهي حين قال بتهكم
” تقريبًا انا الي مفروض أسألك السؤال دا ؟”
اعادت نبرته الساخرة صوتها الضائع و أيقظت شيئًا من روح القتال بداخلها لذا اجابته بكل هدوء
” بما انك هنا و قاعد علي الكرسي دا تحديدًا يبقي عارف انا جايه اعمل ايه هنا ! ”
خرج صوته جافًا مع نظرات حادة رمقها بها قبل أن يقول بإستفهام
” و مقولتليش ليه انك عايزة تشتغلي ؟”
فرح بهدوء مستفز
” و اقولك ليه ؟”
كانت انثي متمردة تثير غضبه النفيس . تتنافس معه في أعظم صفاته و هو الهدوء. تغتال ثباته بضراوة و تقف أمامه كند لا يُستهان به تجعل عقله يعمل بكل دقيقه في كيفيه اختراقها ؟ تُحاربه خلف تلك الحواجز الزجاجية لنظارتها الطبيه التي يكاد يقسم بأنها لا تحتاجها فتحجب عنه لذة التوغل الي غاباتها الزيتونيه و كشف ما تجيد إخفاؤه عنه و كان هذا أكثر ما يثير غضبه و لكنه كعادته تحدث بهدوء و نبرة كانت قويه مُحمله بتقريع خفي لم تخطئ في فهمه
” عشان مفروض تحترمي الراجل الي انتي مسئوله منه ”
اهتزت حدقتيها لثوان فقد اخترقت الكلمه أعماقها مُحدثه عاصفه هوجاء بداخلها لم تستطيع للحظات السيطرة عليها و تسارعت أنفاسها و لكنها بصعوبه استطاعت التحكم بملامحها لتظل علي ثباتها قبل أن تقول مُشدده علي كلماتها
” بس انا مش مسئوله من حد !”
أجابها مصححًا و كأنه ينفي تلك التهمه عن ذاته
“اقصد الراجل الي انتي عايشه في بيته !”
لا تعلم لما اغضبها تصحيحه لتلك الهفوة التي ظنت انها خرجت من بين شفتيه دون حساب و لكنها تابعت بإستماته في الوقوف أمامه و مجابهته و الدفاع عن استقلاليتها
” اني اكون عايشه تحت بيتك دا مش معناه انك تصرف عليا !”
أخذ يُناظرها بغموض دام لثوان و سرعان ما خرج صوته هادئًا و هو يقول
” عندك حق . ”
أنتقلت نظراته الي الاوراق أمامه قبل أن ترتفع عيناه التي تحولت بطريقه جذريه و ملامحه التي أصبحت صارمه حين قال بفظاظه
” خلينا نشوف إذا كنتي مؤهله للشغل هنا و لا لا ؟”
لوهله لم تفهم حديثه الذي كان يقصد به بدايه المقابله حيث فاجأها بعدها بأن شرع يختبرها و قد تحولت هيئته و اصبح رجل مختلف تمامًا عما عهدته و تفاجأت من أسلوبه و مدي مهنيته حين كان يلقي بأسئلته التي أجابت علي معظمها بإمتياز و دام الوضع بينهم لمدة تتراوح بين ربع الي نصف ساعه حتي انتهت تلك المقابله الأصعب في حياتها لاهثه و هي تحاول مضاهاته و إجابته بطريقه نموذجيه لتتفاجئ به يغلق ملفها و يناولها إياه و على وجهه ترتسم تعبيرات أسف زائفة حين قال
” للأسف يا انسه فرح مؤهلاتك أضعف بكتير من انك تشتغلي في شركه انترناشيونال زي دي . ”
برقت عيناها من شدة الصدمه فإجابته تلك لم تكن في حدود توقعاتها أبدًا فهي اجابته علي جميع الاسئله تقريبًا و إن كان يحاول تعجيزها بين الفينة و الآخري و لكنها متأكدة من انها مؤهله و بقوة للعمل بتلك الشركه فهي تضاهي الشركه التي تعمل بها بالقاهرة من حيث قوة استثماراتها الداخليه و الخارجية و لكنها وصلت إلي حقيقه ثابته أنه لا يريدها هنا و هذا ليس له علاقه بأي مؤهلات كما أخبرها لذا بمنتهي الهدوء الذي يتنافي مع غضبها و ألمها الداخلي مدت يدها تأخذ منه ملفها و هي تقول ساخرة
” تمام . بس بلاش كلمه انترناشيونال دي عشان مش لايقه مع سوء الإدارة اللي هنا . ”
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بغموض قبل أن يقول بخشونه
” سوء الإدارة ! دي كلمه كبيرة اوي يا آنسه!”
تجلي غضبها و ألمها في عيناها و لم تفلح في إخفائهم بل تضمنوا لهجتها حين قالت بجفاء
” لما الإدارة تبقي ممشياها بالمزاج مش بالمؤهلات تبقي إدارة سيئه .. عن إذنك !”
قالت جملتها الأخيرة و توجهت بشموخ نحو باب مكتبه فاستوقفتها كلمته التي تحمل وسام الانتصار والسخرية معًا
” شرفتينا !”
**************
وصلت جنة الي الملحق الخاص بهم فوجدت « فرح » التي كانت تبحث عنها بوجه مُتجهم و عينان تعكسان غضبًا مروعًا قلما يظهر عليها فاقتربت منها جنه بخوف و ترقب تجلي في نبرتها و هي تقول
” ايه يا فرح حصل حاجه و لا ايه ؟”
حاولت « فرح » ابتلاع جمرات غضبها من ذلك المتكبر المغرور المتغطرس و جاهدت في رسم ابتسامه هادئه علي ملامحها قبل أن تقول بهدوء
” مفيش يا حبيبتي! طمنيني انتي كويسه ؟”
هزت رأسها و تابعت برجاء خفي في عيناها و هي تقول بإستفهام
” متخبيش عليا يا فرح . حصل ايه ؟ و انتي كنتي فين اصلًا ؟”
فرح بمزاح
” يا بت بطلي افورة هخبي عليكي ايه . و بعدين تعالي هنا انتي بتستجوبيني يا ست جنة ؟”
ابتسمت جنة قبل أن تقول بلهجه غلب عليها الحزن
” لا طبعًا . بس غصب عني بقيت خايفه من كل حاجه !”
امتدت يد فرح تعانقها بحب تجلي في نبرتها حين قالت
” متخافيش من حاجه أبدا و أنا معاكي .”
ارتفعت رأس جنه تطالعها بلهفه و هي تقول بتوسل يغلف نظراتها و نبرة صوتها
” يعني خلاص سامحتيني يا فرح ! و مبقتيش زعلانه مني ”
حاولت فرح انتقاء كلماتها حتي لا تؤذي شقيقتها فقالت بلطف
” احنا مش قولنا مش هنتكلم في حاجه خالص دلوقتي و هنستني لحد ما تقومي بالسلامه !”
همت « جنة » بالحديث و لكن أوقفها صوت زامور سيارة سالم التي توقفت أمام الباب الداخلي للقصر دون أن يلقي عليهم نظرة واحدة مما أدي إلي زيادة غضبها و للمرة التي لا تعرف عددها تمنت لو انها لم تقابل ذلك الرجل أبدًا !
توجهت الفتاتان الي الباب الداخلي للقصر لحضور اول غذاء لهم مع تلك العائله فبعد ما حدث لجنة أمر «سالم» بأن تلتزم السرير عملًا بتنبيهات الطبيب و أن تجلب لهم الطعام إحدي الخادمات في مواعيده .
ما أن أوشك الإثنان الي الدلوف الي داخل المنزل حتي ظهرت إحدي الخادمات التي قالت بإحترام
” فرح هانم . سالم بيه مستني حضرتك في اوضه المكتب !”
تفاجئت من حديث الخادمه و لكنها أوشكت علي الرفض فهي لن تترك «جنة» تواجه هؤلاء الناس عديمي الذوق وحدها و لكن جاء صوت «جنة» التي قالت لتُطمأِنها
” روحي يا فرح شوفيه عايزك في ايه و أنا هدخل”
فرح بصرامه
” لا طبعا مش هينفع اسيبك تدخليلهم لوحدك . ابقي اشوفه عايز ايه بعدين !”
حاولة جنة طمأنتها إذ قالت بهدوء
” اكيد مش هياكلوني يا فرح ! و بعدين يا ستي و لا تزعلي نفسك انا هستناكي هنا في الجنينه لحد ما تخلصي كدا كدا لسه معانا وقت قبل معاد الغذا ”
حاولت فرح الإعتراض فبادرتها جنة القول
” خلاص بقي روحي انا هشم شويه هوا علي ما تخلصي معاه .”
اذعنت فرح لاقتراحها و ذهبت الي حيث أشارت الخادمة تاركه «جنة» التي أرادت التجول في تلك الحديقه الجميله المليئه بالإزهار التي تُلائم كثيرًا تلك الأزهار الجميله المنقوشه علي فستانها الزهري الذي يلتف حول جسدها بنعمومه و خاصةً إن وزنها قد زاد بسبب الحمل مما جعلها تبدو اكثر جمالا و انوثه .
أخذت تتمشي بين الازهار تشتمها و تتلمسها غافله عن مكان وجودها و كان تفكيرها منصبًا علي تلك الجنه المحيطة بها و التي تشبهها كثيرًا إلي أن أخرجها من عالمها الجميل صوت لهجة باردة مُحمله بالحقد
” انتي بقي جنة !”
التفتت جنة تنظر إلي تلك الفتاة التي كانت ترتدي الأسود الذي يوازي نظراتها الحادة و هي تتقدم تجاهها بخطوات ثقيله عكرت الهواء الصافي حولها و لكنها حاولت التغاضي عن كل شئ و قالت بهدوء
” ايوا انا جنة . انتي مين ؟”
ناظرتها سما بغضب ممزوج بإحتقار و هي تجوب بعيناها جنة من رأسها الي أخمص قدميها قبل أن تقول بنبرة مسمومه
” انا سما . بنت عم حازم و خطيبته !”
برقت عيناها للحظه من كلمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة الي الخلف و هي تقول بعدم فهم
” نعم ! خطيبته ! ”
اجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا
” ايوا خطيبته الي دمرتي حياتها . و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته ! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش ابننا و كل دا عشان ايه! عشان تورثيه! ”
” اخرسي !”
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *