روايات

رواية ضروب العشق الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق البارت السادس

رواية ضروب العشق الجزء السادس

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة السادسة

بعد العصر بساعة ونص مع ضوء الشمس الغاربة والأجواء المشمسة والدافئة في هذا الصقيع .. كان المقهي على قمة فندق ومتكدس بالعائلتان ومعارفهم المقربين فقط وكانت خطبة ملوكية وهادئة خالية من الضجيج المعتاد على الأفراح ، وكان يود أن يجعلها دون أي موسيقى أو اغاني وبعد محاولات من أمه وشقيقته وافق على موسيقى راقية وهادئة فقط لتضفي للأجواء شيء من الفرحة والابتهاج ، وكان الجميع منشغل بالحديث والضحك مع بعضهم البعض ، والفتيات لا تمل من التقاط صور السيلفي لها وبالأخص رفيف التي كانت مندمجة مع صديقاتها في الضحك والتصوير غير منتبهة لذلك المضطرب الذي يخونه نظره ويخطف نظرات إليها سريعة بعد أن قامت بإعادة الكتاب وابدت عن سعادتها به وقالت الكثير من الكلام المشجع والإيجابي . وحسن كان يتجول هنا وهناك وأغلب الوقت يقضيه مع ابن عمه وصديقه ” علاء ” ، أما كرم فكان على طاولة بمفرده يجلس واضعًا ساق فوق الأخرى وبيده كوب المشروب الغازي الذي طلبه ويتابع الجميع في سكون يراقب ذاك تارة وتارة ذاك .. طلته الرجولية والجذابة لا تختلف عن زين وحسن فكل منهم لديه طلته المختلفة التي سلطت أنظار الجميع عليهم ، اقتحمت جلسته الفردية وانسجامه مع الموسيقة الهادئة ومشروبه ابنة خاله ، حيث جلست أمامه وغمغمت باسمة في رقة شبه متصنعة :
_ قاعد وحدك ليه ؟!
ابتسم لها بلطف وتمتم في نبرة هادئة كطلته وجلسته وطبيعته :
_ عادي حبيت جو الموسيقى بس
هتفت في تطفل كان في نظرها محاولة اقتراب منه ولكن في نظره تطفل :
_ طيب هتمانع لو قعدت معاك
رسم ابتسامته ولكن هذه المرة كانت ابتسامة متكلفة حيث أجابها في استحياء منها :
_ لا أمانع ليه براحتك ياحنين !
اتسعت ابتسامتها أما هو فانتظر اللحظة التي نقلت بنظرها عنه وبحث بعيناه عن حسن حتى وقعت نظراته عليه وتلاقت اعيننهم فأشار له بيده على الجالسة أمامه في وجه مختنق وكانت نظرته تتحدث قائلة ” تعالي خُدها من قدامي أنا مش ناقص رط ” انفجر حسن ضاحكًا بقوة فنظر له علاء وغمغم باسمًا على ضحكه :
_ ماله عايز إيه ؟
_ حنين لزقت فيه زي العادة ومش عارف يتهرب منها وعايزني انقذه !
قهقه مثله وقال مستمتعًا :
_ والله أخوك ده مسخرة وحالته صعبة روحله ليفرهد بين ايدها !
ازداد ضحكه أكثر وجاهد في التوقف وهو يتوجه ناحيتهم حتي وقف وانحني قليلًا ناحيتها هامسًا بنظرة خبيثة وهو يغمز لها :
_ حنين ما تيجي اعزمك على حاجة حلوة ونتكلم شوية
هتفت في اعتراض بسيط وهي تلقي نظرة على كرم الذي يحاول تجنب نظراتها لها وتفاديها :
_ ميرسي ياحسن بس أنا مرتاحة كدا ومش قادرة أشرب أي حاجة والله
نظر لأخيه وهتف مشاكسًا وخو يضحك :
_ مرتاحة إيه بس ياشيخة .. إنتي إيه اللي مقعدك مع الكئيب ده تعالي ده الكل بيضحك وبيهزر وهو قاعد في ركن وحده زي المطلقة ، تعالي بس حتى اقعدي مع رفيف كانت بتسألني عليكي من شوية
القت نظرة أخيرة على كرم وهذه المرة رأته ينظر لها وبيتسم ابتسامة صفراء فكتم حسن ضحكته ونهضت هي مغلوبة على أمرها وسارت مع ابن خالها ولكنها فضلت أن تذهب لرفيف وتنضم لصديقاتها وهووأشار لشقيقته من بعيد على كرم ففهمت هي مقصده فورًا وابتسمت ورحبت بانضمام ابنة خالها بينهم في حب ….
بعد دقائق قرر حسن أن ينزل ليقوم بشراء شيء له وهرول ناحية المصعد الكهربائي قبل أن يغلق ووضع قدمه بينه حتى لا يغلق فإذا به ينصدم بيسر فيتأفف بغضب ويدخل مخنوقًا فتطالعه هي بنظرات استحقار من تقززه منها وكأنها قمامة ثم هتفت في استهزاء :
_ أنا اللي المفروض اقرف منك أصلًا !!
حدجها في نظرة تتصنع عدم الفهم وهو يضيق عيناه وقال بنبرة باردة كالثلج :
_ افندم !
جزت على أسنانها وكورت قبضة يدها وودت لو صفعته بها مرة أخري ، ولكنها جاهدت على الظهور بمظهر الغير مكترثة له وتمتمت في غيرة واضحة كشفت محاولتها الفاشلة في عدم الإكتراث :
_ متفتكرش إنك لما تقعد تتلزق في بنت خالك أنا كدا هغير مثلًا وهتغيظني أكتر
جلجلت ضحكته المصعد وهتف ساخرًا في نظرة استحقار ونبرة فظة :
_ وأنا مهتم بغيرتك مثلًا يعني ، ما تولعي بجاز و*** أنا مالي بيكي !
صاحت به في انفعال :
_ احترم نفسك واتكلم معايا بأسلوب كويس واحمد ربك إني مقولتش لحد لسا وصابرة عليك
أثارته واشعلت النيران في عيناه وبرزت عروق رقبته بسبب طريقتها المستفزة وكأنها تخبره يوضوح أنها تقبض على ذراعه المصاب وإن ازعجها ستضغط عليه وتؤلمه بشدة ، فقبض على ذراعها وصاح في استياء عارم :
_ يابنت الناس اعقلي وبلاش تخليني ازعلك بجد مني .. أنا لغاية دلوقتي اللي حايشني عنك أخوكي وأبوكي وإلا كان ….
قطع جملته فتح باب الظصعد تلقائيًا عند وصوله وكان ينتظر المصعد فتاة من أصدقاء العروس وتصلبت بأرضها عند رؤيتها لوضعهم فترك يدها فورًا ورمق يسر شزرًا ثم اندفع للخارج وغادر ولحقت هي به !
***
داخل إحدى المستشفيات الخاصة ….
متسطحة على الفراش وعيناها معلقة في السقف وتنهمر منهم الدموع بصمت ، إلى متى ستظل تتخبط في الطرقات بمفردها .. من جهة ألمها على فراق أخيها ومن جهة أخرى قلبها الذي يتمزق وينزف دمًا حزنًا على حال والدتها ، ويزيد بؤسها ذلك الرجل الذي لا يكف عن ملاحقتها وابتزازها بصورها ، واليوم لولا ستر الله وحمايته لها لكانت تبكي دمًا الآن على ضياع كل ما تملك .
” هل اخطأت حين لم أخبره ؟ فهو مد لي يد العون وأنا أثق به ثقة عمياء لما رفضت عونه !؟ ” كانت تتساءل في قرارة نفسها بمرارة ، وعقلها يكاد ينفجر من كثرة الهموم التي يحملها بداخله وعدم توقفه عن التفكير للحظة واحدة ! ، سحبتا من فقاعة بؤسها صديقتها الحميمية التي فتحت الباب ودخلت مهرولة نحوها فترتمي شفق داخل أحضانها تبكي بعنف وحرقة ليزداد قلق الأخرى وتهتف في ارتيعاد جلي :
_ شفق إنتي كويسة حصل إيه ؟!
أجابتها من بين بكائها وصوتها المرتجف :
_ شوفته وحاول يعتدي عليا يا نهلة
ابعدتها عنها فورًا وطالعتها بذهول ورعب ثم همست في ترقب وقلق :
_ يعني مقربش ليكي
هزت رأسها بالنفي وغمغمت في أعين مدمعة ولكن بكائها توقف :
_ لا ، أنا روحت الكلية النهردا وبعد الكلية روحت ازور سيف الله يرحمه وطلع بيراقبني وحاول يعتدي عليا وبصعوبة قدرت اهرب منه وطلعت اجري ومخدتش بالي من الشارع من كتر خوفي فعربية خطبتني ووصاحب العربية جابني هنا
ترنحت صديقتها من العصبية واخذت تسير إيابًا وذهابًا وهي تقرض أظافرها من الغيظ ثم التفتت لها وهتفت منفعلة :
_ مش هينفع الوضع ده ياشفق الحيوان ده لازم حد يوقفه عند حده ، حسبي الله ونعم الوكيل في مروة .. بعدين إنتي مش كرم قالك متطلعيش وحدك وأنه هو اللي هيوديكي الكلية
عبس وجهها بشدة بمجرد ذكر صديقتها لكرم ، تخشي أن تقحمه معها في مشاكلها فيصيبه الأذي بسببها وبجانب أنها تخجل منه أيضًا بعد كل ما فعله لأجلها ولهم ، وتضف لكل هذا السبب الرئيسي في محاولاتها لتجنبه وهو أنها بدأت تنجذب له تلقائيًا وهي تريد أن تكسر قاعدة قلبها الذي لا يختار من العشق إلا أصعبه .
خرج صوتها خافتًا وعابسًا :
_ أهو كرم ده مشكلة كمان وحده يانهلة ، كفاية اللي عمله معانا وبصراحة مكسوفة منه ومش عايزة ادخله في مشاكلي أنا لولا الحيوان عمر اللي فضحني بالصور قدامه مكنتش هقوله أصلًا ولا هعرف حد بالموضوع ده
هذه الساذجة تجهل خطورة الأمر ، هل هي مستعدة لأن تخسر نفسها للأبد بسبب ذلك الوغد والحقير ، ترفض يد العون ومن ثم تبكي من الخوف عندما يصبها مكروه ، يالها من حمقاء ولابد من ارجاعها لصوابها فإن كانت لا تخشي على نفسها فهناك من يبالي بأمرها ! . صاحت بها نهلة في اندفاع وعصبية شديدة :
_ هو بنفسه اللي طلب يساعدك لو مكنش حابب مكنش هيهتم بيكي أصلًا ، عارفة إنه كتر خيره وأنه ووقف معاكم كتير من وقت وفاة سيف الله يرحمه بس مفهاش حاجة لو كمل جميله شوية لغاية ما تخلصي من الحيوان ده وبعدين ابقى انسيه تمامًا ، وإنتي محتاجة لحد يكون جمبك دلوقتي مينفعش تطلعي وتدخلي وحدك ، كفاية استهتار ياشفق
اجفلت نظرها أرضًا في أسى ، فهي تدرك جيدًا خطورة الأمر ولكنها أصبحت لا تبالي بشيء سوى والدتها وأن كانت تحاول حماية نفسها فالأجلها فقط حتى لا تتركها بمفردها ، ويجب عليها أن تدفع ثمن خطأها وثقتها في من لا يستحق الثقة . اشفقت عليها نهلة ولانت نظراتها لتلك المسكينة التي تحمل همومًا فوق طاقتها فاقتربت منها وجلست بجوارها ثم امسكت بكفها تملس عليه بلطف هاتفة في حنو :
_ ياشفق أنا خايفة عليكي والله ، خايفة الحيوان ده يأذيكي في مرة ، عشان كدا بقولك قولي لكرم وخليه يساعدك
_ أنا دلوقتي بفكر هقول إيه لماما لما تشوف راسى المربوطة بالشاش دي ورجل اللي بمشي عليها بالعكاز ولا كرم كمان لما يشوفني هيضايق جدا لما يعرف إني طلعت ومقولتلهوش لإنه منبه عليا أكتر من مرة
قررت نهلة أن تتخلي عن انفعالها قليلًا وتستخدم المرح لتخرجها من حزنها قليلًا ، فغمزت لها بنظرات دقيقة وهي تردف بخبث :
_ وإنتي خايفة على زعله أوي كدا ليه يعني !
رمقتها شفق بارتباك وتلعثمت فلم تعرف بماذا تجيبها لتخفي عليها حقيقة مشاعرها نحوه التي تنمو يومًا بعد يوم ، فأجابتها يإيجاز ونبرة صوت مرتجفة :
_ هااا .. لا عادي عشان أنا وعدته إني مش هطلع من غير ما اقوله فأكيد هيضايق
ضحكت على تعلثمها وأكملت ضغطها عليها بالكلام فلن تتركها حتى تعترف بإعجابها به :
_ أيوة برضوا أنا مفهمتش إنتي مضايقة ليه لمجرد إنك فكرتي إنه هيضايق
حاولت إيجاد وسيلة للهرب من حصار صديقتها لها فتصنعت السعال وأخذت تسعل بقوة وتقول بصوت ضعيف :
_ هاتيلي مايه يانهلة معلش
أطلقت الأخرى ضحكة متأججة لكشفها خدعتها الفاشلة التي تحاول خداعها بها ولكنها قررت أن تسير معها لآخر الطريق وترى إلى أين ستصل محاولاتها للفرار منها ! ، فنهضت ولتجلب لها الماء وبينما هي تمر من جانب النافذة لمحت رجل يقف أمام المستشفي بالأسفل لتتسمر بأرضها وتحدق بها بتشكيك من مظهره الغير مهندم أو الراقي وهتفت دون أن تبعد نظرها عن النافذة :
_ شفق قوليلي كدا هو الراجل ده شكله إيه ؟
استعجبت سؤالها ولكنها أجابت بهدوء :
_ طويل وأقرع واسمر ، ليه ؟!!!
اقتربت أكثر من النافذة وهي تدقق في ملامحه جيدًا بأعين نارية ومشتعلة وتكمل اسئلتها في جدية تامة :
_ متعور في وشه ؟
بدأ الخوف يتسلسل إلى نفس شفق التي حاولت الاعتدال في نومتها ولكنها لم تستطع بسبب قدمها وأجابت على صديقتها بارتيعاد :
_ آه .. هو قاعد تحت ولا إيه !؟
التفتت لها بجسدها وقالت باستياء ونبرة تسللها القلق مثلها فقد يلحق بهم الأذي هم الأثنين من هذا الوغد :
_ ايوة قاعد تحت .. مستنيكي تطلعي أنا مش قولتلك الراجل ده مش هيسيبك في حالك ولازم نشوف حل معاه ، طلعي تلفونك ياتكلمي كرم ياهكلمه أنا
هتفت مسرعة في ارتباك ورفض قاطع للجوء إليه ومحاولة إيجاد أي حل للهرب والخروج من هذه المستشفى سالمين هي وصديقتها :
_ لا لا عشان خاطري متتصليش بيه يانهلة .. بصي الشاب اللي خبطتني بعريبته أنا طلعت أعرفه من بدري وهو راح مشوار بسرعة وقالي جاي تاني عشان يطمن عليا ويوصلني البيت فخلينا قاعدين لغاية ما ياجي ويوصلنا البيت
طفح كيلها ولم تعد تحتمل سذاجتها ، ولا تفهم أهذا بسبب إحراجها منه كما تقول أم أنها تخشي أن يصيبه مكروه أم تحاول الابتعاد عنه بسبب إعجابها به ، ولكن ما تفهمه أنها ترتكب خطأ فادح في حق نفسها عندما ترفض الاحتماء به وتركه يساعدها ، اندفعت نحوها وجذبت هاتفها من يدها قائلة في عزم وإصرار :
_ طالما مش هتكلميه يبقى أنا هكلمه !!
هتفت شفق برجاء متراجعة عن قرارها ورفضها القاطع لمحادثته :
_ خلاص أنا هكلمه بس بشرط لما ياجي مش هتجبيله سيرة عن اللي حصل وأنا هقوله إني روحت الكلية وأنا وجاية في عربية خبطتني بس ومش هقوله اكتر من كدا ، عشان أنا مش حابة حد يدخل في مشاكل بسببي
ذعنت نهلة لها فعلى الأقل ستطمئن عليها حين يأتي ويرافقهم هو للمنزل وستتأكد بأن ذلك المترصد لها بالأسفل لن يتمكن من أذيتهم ، أما هي فأخذت تفتش عن رقمه في قائمة الأسماء وحين وصلت له إخءت تحدق به بتردد تخجل ولا تريد محادثته ولكن ما باليد حيلة فإما هي أو صديقتها التي بالتأكيد ستفشي له بكل شيء إن حدثته ، حسمت أمرها وضغطت على اتصال ثم وضعت الهاتف على اذنها تنتظر إجابته حتى أجاب بعد وقت محاولًا الابتعاد عن صوت الموسيقي والأزعاج الذي حوله :
_ أيوة ياشفق
ألقت نظرة مترددة على صديقتها حين أجاب ثم عادت تتطلع أمامها وقررت أن تدخل في الموضوع فورًا دون مقدمات حتى لا تتلعثم وتخطىء في شيء :
_ كرم تقدر تاجيلي دلوقتي ؟ .. أنا في المستشفى
ابتعد عن حشد المعازيم تمامًا حتى وقف أمام المصعد الكهربائي مغمغمًا في هلع عندما ظن بأن والدتها قد اصابها مكروه :
_ مستشفى !! ، مامتك تعبت ولا إيه ؟!
همست خفوت وتوتر بسيط امتزج بالحياء :
_ لا أنا روحت الكلية وعربية خبطتني أنا وراجعة بس الحمدلله أنا كويسة ، وكنت محتجاك تاجيلي بس عشان أنا وحدي ومعيش حد غير صحبتي
ضغط على المصعد الكهربائي حتي يستقل به ويصله إلى الطابق الأرضي هاتفًا على عجلة واهتمام :
_ طيب أنا جايلك أهو دلوقتي علطول
***
دقائق من الانتظار كل منهم الخوف والرعب ينهشهم نهش خشية من إن يتسلل من بابا المستشفى خفية ويأتي لهم فيأذيهم ، كانت نهلة تقف على النافذة تتابعه بتركيز دون أن تغفل عنه لحظة وشفق على فراشها تقرض في أظافرها بقلق كدليل على فرط توترها واضطرابها الذي سرعان ما انجلي حين التفتت لها نهلة وقالت مبتسمة في سعادة :
_ كرم جه
أصدرت هي تنهيدة حارة بعد أن سكنت نفسها واطمأنت ، فهي لا تنكر شعورها بالراحة حين يكون معها ، ترى فيه الأمان التي افتقدته منذ وفاة أخيها ، وتراه هو في كل تصرفاته باستنثاء خجله الفريد بالطبع .. طرق الباب نفضها نفضًا واعتدلت سريعًا في نومتها ورفعت الغطاء إلي أعلى صدرها أما نهلة فاتجهت هي لتفتح له التي استقبلته بابتسامة بشوشة ليبادلها هو إياها مع محاولاته لتجنب النظر إليها ، دخل وجذب مقعد ثم جلس أمام فراشها وهتف باكتراث لأمرها :
_ إنتي كويسة ؟
اكتفت بإماءة رأسها له وتتحاشي النظر في وجهه استحياءًا منه مُهيأ نفسها لاستماع توبيخه الرقيق مثله لها ، وبالفعل جاء صوته به شيء من الانزعاج :
_ ليه طلعتي وحدك ؟! ، احنا مش متفقين إنك متطلعيش وحدك لغاية ما اوصل للحيوان ده
خرجه همسها مرتبكًا :
_ محبتش اتعبك معايا والله وأنا روحت وكنت هرجع البيت زي الفل لولا العربية االي خبطتني عند الكلية دي
نظر لصديقتها التي تتابعهم غي نظرات متربكة مثلها ومترقبة لما سينتهي به مطاف هذا الحديث ، ليعود بنظره لها ويهتف بصوت رجولي خشن :
_ امال ليه لما سألت تحت عند الاستقبال الحادث حصل فين قالولي عند المقابر ، ياريت تقوليلي ياشفق حصل إيه بظبط ؟
نقلت نظرها بينه وبين صديقتها التي تشير لها بعيناها أن تخبره ولكنها أبت وصممت على موقفها حيث هتفت مخترعة كذبة تحاول الهرب بها منه فما كان كذبها عليه إلا أنه زاده تأكيد بأن حصل شيء وهي لا تريد أخباره ، وربما يكون لعدم ثقتها فيه أو أنها لا تريد تدخله أكثر من ذلك ، هذا ما كان يحدث به نفسه .
هتفت بتلعثم واضح في اضطراب كلماتها :
_ مقابر !! ، لا يمكن هما غلطوا أنا مروحتش أصلًا غير الكلية !
هب واقفًا وقال بصلابة وضيق من محاولاتها الفاشلة للكذب ، هل تظنه غبي وأحمق لكي يصدق كل هذا الحمق !؟ ، ولكنه لا يتمكن من إجبارها على شيء لا تريده وإن كانت لا ترغب أن يساعدها فلها القرار ، هو حاول اقصى جهده لكي يحميها ولكنها ترفض وليس له الحق في إعطائها اوامر :
_ طيب ياشفق لما تكوني محتجاني اتصلي بيا وأنا مش هتأخر عليكي ، يلا عشان اوصلك إنت وصحبتك للبيت أمك قلقت عليكي وخلت جيرانكم اللي قاعدة معاها تكلمني
أطرقت رأسها في خزي وخنق عندما لمست نبرة الغصب والانزعاج من كذبها عليه ، لا تعرف بما فكر ولكن حتمًا انزعج منها بشدة ، اسرعت نهلة نحوها لتساعدها في الوقوف عندما انصرف هو من الغرفة لينتظرهم بالخارج ، وتمتمت لها باغتياظ من غبائها :
_ غبية إنتي مش شيفاني بشاورلك عشان تقوليله ، عنده حق يضايق الله اعلم فكر ازاي ، انا الصراحة لو مكانه هقول إنك مش واثقة فيا
رمقت صديقتها بنظرة ضعيفة وعاجزة عندما تفوهت بآخر كلماتها وداهمتها مشاعر الندم لكذبها عليه ولكنها تصنعت التجاهل واستندت عليها حتى لملموا أشيائهم وغادروا معه ، واستقل هو بالمقعد الأمامي في السيارة وهما في الخلف ثم انطلق بالسيارة يشق بها الطرقات دون أن تنحرف عيناه حتى بالخطأ في المرآة العاكسة عليهم !! .
***
تتابع الجميع من حولها أهلها وأقاربها في كامل سعادتهم حتى أبيها الذي جاء صباح اليوم ليحضر خطبة ابنته ، كان منذ قليل يتحدث مع كرم قبل رحيله ويضحك بقوة ! ، وفرحة أمها وأبيها وأخيها تستطيع الوصول لها وتشعر بها ببساطة .. ولما لا يفرحون ! فلقد اعطوها لرجل جميعهم على ثقة تامة به وربما هي أيضًا تثق به بأنه لن يكون كخطيبها ، ولكن مع الأسف ستكون الضربة القاضية منها هي وليس هو ، هي ليس لديها شك في إخلاصه لها طوال حياتهم ، سيكرث حياته لأجلها ولأجل أولاده ، بينما هي ستكون نموذج للخداع وعدم الثقة والكذب .. وربما هذا هو الأمر الذي سيجعلها تفكر في أمر الارتباط به رسميًا فمازال لديها الفرصة قبل الزواج إما أن تقبل أن تكون الزوجة الخائنة أو تنسحب بهدوء ! .
انتفضت بخفة على أثر صوته الذي جذبها من محيط أفكارها العميقة ، كانوا يجلسون على أريكة فاخرة متوسطة الحجم والمسافة بينهم تتسع لشخص آخر أن يجلس في المنتصف .. التفتت له برأسها تسمعه وهو يهتف في خفوت بابتسامة صافية :
_ لو كنت أعرف إنك هتضايقي من الجو الهادئ كدا كنت قسمت الخطوبة وخليت الستات والرجالة وحدهم وكنتوا شغلتوا اغاني وفرحتوا مع بعضكم
هزت رأسها نافية فورًا وغمغمت وهي تبادله نفس الابتسامة :
_ لا لا خالص مش مضايقة بالعكس أنا بحب الهدوء ومش بحب الأزعاج بتاع الأفراح .. بس تقسم ليه الرجالة والستات ؟!!
أخذ شهيقًا قوي وقال في نبرة رجولية صلبة وجادة :
_ مش بحب اشوف أهل بيتي بيرقصوا قدام رجالة .. لإن اللي بيحصل في الأفراح دلوقتي كله غلط في غلط ، وأنا أحب إننا نبدأ حياتنا صح عشان ربنا يباركلنا فيها .. صح ولا لا ؟
” صح !!! ” وماذا عن زوجة ستدخل منزله وتنام بجانبه على فراشه وهي تفكر برجل غيره ، هل ستكون حياتهم بالشكل الصحيح الذي يريده !! .. هل ستستمر علاقتهم كثيرًا ؟!! .. غامت عيناها بالعبارات وخشت أن يراهم فلم تتمكن من الرد عليه وهبت واقفة واسرعت نحو الحمام تختبئ فيه من كل شيء فلاحظت إحدى صديقاتها المقربة انسحابها من جانبه فجأة واسرعت نحوها أما هو فوقف مستعجبًا وأشار لشقيقته التي اسرعت نحوه وذهبت معه لها .
هتفت صديقتها قبل أن تدخلها :
_ أنا هدخل وراها
ثم فتحت الباب ودخلت وأغلقت الباب خلفها فوجدتها تقف أمام المرآة وعيناها ممتلئة بالدموع لتهمس بانفعال وصوت منخفض حتى لا يصل لمسماعهم :
_ في إيه ياملاذ ، إيه عاوزة تبوظي خطوبتك !!
أجابتها بهمس ودموعها على وشك السقوط :
_ ايوة أنا مش هقدر أكمل معاه ، أنا مستحيل أقدر أكون ليه الزوجة اللي عايزها .. مش هقدر اخدعه أنا هبقى كدا بخونه
لانت نظرات صديقتها لها وغمغمت في لطف وحنو :
_ طيب متعيطيش عشان مكياجك .. ومتبقيش غبية دي فرصة جاتلك ومينفعش تضيعيها ، طلعي أحمد القذر ده من دماغك وقلبك وادي لنفسك فرصة يمكن تحبي خطيبك .. امسحي يلا دموعك اللي في عينك دي واطلعي عشان هو واخته برا ومستنينك ولو اتأخرتي الباقي هياجيوا كمان لما يلاحظو غيابك ، يلا ياحبيبتي ابوس ايدك
ربما تكون فرصة ارسلها الله لها بالفعل ، ولا يجب عليها تضيّعَها بهذه السهولة ، ستحاول أن تستغل هذه الفرصة وإن لم تستطع ستنهي هذه المهزلة الذي بدأتها بنفسها فالتلاعب بالمشاعر ليس من شيمها ! ، جففت دموعها بحذر شديد حتى لا تفسد المكياج ثم خرجت لهم فوجدت رفيف تهتف مسرعة في قلق :
_ مالك ياملاذ إنتي كويسة ؟!
اخترعت كذبة محترفة عليها مغمغمة في خفوت :
_ آه كويسة ، أنا بس ماخدة دور برد في معدتي وعشان الجود برد فمستحملتش
ثم نظرت للذي كان يبدو على وجهه القلق الممتزج بنظرات الشك في أمرها ، فأرسلت له ابتسامة عذبة ثم عادت بصحبة رفيف وصديقتها إلى مكانها وهو لحق بهم ، ثم رأته يشير لشقيقته بأن تأتي له وهمس لها في اذنها بشيء لم تسمعه نتيجة لصوت الموسيقى المرتفع قليلًا ، ورحلت ” رفيف ” وعادت بعد دقائق وهي تحمل وشاحًا نسائيًا رائعًا يبدو باهظ الثمن ولفته حول كتفيها هاتفة في رقة :
_ حطيها عليكي عشان البرد
لفتها جيدًا حول كتفيها ثم حوّلت نظرها له فتلقت منه ابتسامة لطيفة ، وأدركت أن همسه في أذنها منذ قليل كان يطلب منها أن تأتي لها بالوشاح حتى لا تصاب بالبرد أكثر وهما في الهواء الطلق على قمة فندق ، فأشاحت بنظرها عنه فورًا وهمست في نفسها بمرارة ” لا تكون لطيفًا معي هكذا ارجوك ، فلطفك سيجعلني انهي هذه المهزلة دون تردد للحظة واحدة في إني أضعت فرصة صائبة ! ” .
***
مع صباح يوم جديد وداخل مقر شركة العمايري …..
خرجت يسر من مكتب زين بعد أنتهت من حديث العمل معه وكانت في طريقها نحو مكتبها ولكنها توقفت حين لمحت ” رحمة ” تقف مع السكرتيرة الخاصة لحسن وتحاول اقناعها بأن تقبل بدخولها له ، والسكرتيرة تخبرها بوضوح أنه لا يريد رؤيتها وإن تركتها تدخل قد تتعرض للعقاب والتوبيخ القاسي منه فلاحت الابتسامة الشيطانية على ثغرها وتحركت نحوهم ثم وقفت بجوارهم ووجهت حديثها إلى السكرتيرة :
_ في إيه ياميرنا ؟!
أجابتها الفتاة بنفاذ صبر وخنق :
_ عاوزة تدخل لحسن بيه وأنا لما قولتله قالي متدخليش حد ، وهي مصممة تدخله
اعتدلت بجسدها ناحية الواقفة التي ترمقها شزرً فهي لم تنساها منذ آخر لقاء لهم حين هددتها بعدم الاقتراب ، فقابلت يسر حقدها ببرود وسرعان ماتحول لشراسة وتشدقت في نظرة مريبة ونبرة صوت اخافتها بالفعل :
_ ما قالك مش عايز يشوفك ياقطة ولا هو غصب
_ وإنتي مالك أصلًا !! ، أنا مش هتحرك من هنا غير لما ادخل واشوفه ولو مش هتدخلوني بالذوق يبقى هدخل بالعافية
هيجت ثورتها واشعلتها في داخلها ، تلك الشمطاء تقف أمامها وتتحداها وهي لا تدري ما قد تلحقه بها إن أثارت جنونها أكثر ، فجذبتها من ذراعها بعنف صائحة بها بانفعال :
_ طيب امشي من هنا بكرامتك بدل ما اطلعك من غيرها ، ورجلك متعتبش الشركة هنا تاني وإلا إنتي حرة
أجابت السكرتيرة على رنين الهاتف الخاص بتواصلها مع حسن وكانت تومىء له بالإيجاب وتهتف ” حاضر ” ثم أعطت الهاتف لرحمة لتحادثه التي اجابت بتلهف محاول التماس فرصة لها ولكنها وجدته يصيح بها مستشيطًا غيظًا :
_ امشي يارحمة مش عايز اشوف وشك حتى ، لو ممشتيش هخلي الأمن يطردك برا
لم يمهلها لحظة واحدة لتجيب عليه حيث اغلق الأتصال فورًا فانزلت هي الهاتف من على اذنها ولململت أشلاء قلبها المبعثرة بيأس واستدارت ورحلت بصمت لتبتسم يسر بتشفي وهمت هي الأخرى لتسدير وتذهب لمكتبها ولكن اوقفها كلمات السكرتيرة :
_ أنسة يسر حسن بيه عايزك
لم تلتفت لها حتى وهتفت في عدم اكتراث مزيف وغرور :
_ قوليله مش فاضية
ثم اتجهت صوب مكتبها وفتحت الباب وجلست على مقعدها الهزاز تنتظر اقتحامه عليها المكتب وتبتسم بمكر ، فلقد قصدت أن تتجاهله حتى تثير جنونه أكثر ويأتي هو بنفسه فيتلقى نصيبه من جنونها أيضًا ، وستكون هذه آخر محاولة له لتغير طريقته معها وأن اخطأ معها بشيء بسيط تقسم بأنها ستسحقه بما لديها من صور وتسجيلات له .
كما توقعت تمامًا فتح الباب على مصراعيه وأغلقه بعنف ثم اندفع نحوها يفرغ بها شحنة غضبه التي لم يجد شيء سواها ليفرغها بها :
_ أول وآخر تحذير ليكي يا يسر ملكيش دعوة برحمة نهائي فاهمة ولا لا
استقامت وقد تأججت نيران الغيرة بداخلها ، هل يفضل تلك المخادعة والساقطة ويدافع عنها رغم كل ما فعلته له .. ادركت الآن أنه اغبي مما كانت تتوقعه ، فهتفت في استنكار ونظرة مشتعلة :
_ ولما إنت محروق عليها أوي كدا ليه مخلتهاش تدخلك ولا طلعت وقولتلي الكلمتين دول قدامها ولا كنت خايف تضعف قدامها !! ، لما تفضل تتلزق فيك وتقولك أنا آسفة ياحسن وإنت زي الغبي بتضعفلها ، عارف ليه بتضعف قدامها عشان إنت معندكش كرامة وحقير زيها وإنتوا الاتنين الو**** بتجري في دمكم
رأت عيناه تلتهب كجمرة نيران وبرزت عروق رقبته وانفاسه التي تخرج من انفه كانت تستطيع الشعور بحرارتها ، ولا تنكر خوفها منه حيث غمغمت في اضطراب تحاول اخفائه :
_ اطلع برا ياحسن !
تحرك نحوها ببطء وحاربت هي عقلها الذي يرسل لها الإشارات بالتقهقر للخلف وبقيت ثابتة بأرضها حتى وقف أمامها مباشرة وجذبها من خصرها إليه هامسًا أمام شفتيها مباشرة بنبرة صوت مرعبة :
_ إيه آخر حاجة تتوقعيها مني يايسر ؟ .. إني اقربلك مش كدا ودي فعلًا آخر حاجة ممكن أفكر فيها عشان أنا مستنضفش أصلًا أقرب منك ، بس ممكن اعصر على نفسي لمونة واوريكي اقذر حاجة عندي ومش هيهمني إنتي مين ، تحبي اوريهالك ولا لا !!
انتابتها الرعشة من اقترابه وانفاسها التي تلفح صفحة وجهها ولوهلة أحست نفسها ستضعف له ، فعشقها له لا يمكن لعقله الغبي ولقلبه الذي لم يذق طعم العشق الحقيقي أن يتخيله ، ولكن ضربت صافرات الإنذار في عقلها واعادتها لرشدها وبكل ما اوتيت لها من قوة دفعته بشراسة بعيدًا عنها صارخة به وهي تخوض حرب عنيفة مع دموعها التي تود السقوط :
_قولتلك برا ياحسن !!
رمقها بنظرات وضيعة وهتف باستهزاء قبل أن يستدر ويرحل :
_ اعقلي وحطي عقلك في راسك عشان إنتي مش قدي
جلست على المقعد بعد رحيله وانفجرت باكية بقوة ، لعنت نفسها الحمقاء ألف مرة فكيف تسمح له باختراق مسافتها وكيف تنسحر من مجرد لمسه منه . فكم تتمني أن تتحول مشاعرها لنقم وبغيضة عليه ، ولكنها لا تستطيع ولا تتمكن من الوقوف صامتة وتحارب لكي تظفر به في النهاية فلقد عانت لسنوات من عشقه وأخذت العهود والمواثيق علي نفسها بأنها لن تجعله يكون لفتاة غيرها ، وأنها ستحارب لأخر لحظة ولن تيأس حتى تحصل على ما تريد وهو قلبه ! .
***
انتهت من تحضير كوب القهوة ، فهي لديها بعض المعلومات من أخيها عنه وحول إدمانه للقهوة .
وقد أتى اليوم كما أعتاد أن يتردد عليهم يوميًا منذ وفاة أخيها الذي أتم بالأمس ثلاث أسابيع ، كان سيرحل بعد أن اطمئن على والدتها ولكنها طلبت منه التريث قليلًا لكي تتحدث معه ، فمنذ آخر مرة تقابلًا في المستشفى منذ يومين يحدثها قلبها بأنه لا يزال يحمل الضيق في صدره خصوصًا بعدما ارسل لها حارس شخصي يرافقها إينما ذهبت !! ، فعدلت من وضعية حجابها وخرجت له فوجدته شارد في صورة أخيها المعلقة على الحائط أمامه ، فنتحنحت بخفوت ليلتفت لها فورًا ويهمس معتذرًا بابتسامة تكاد لا ترى :
_ آسف سرحت شوية
لم تعلق وكانت اتبسامتها كافية وهي تضع فنجان القهوة على المنضدة أمامه فتسمع صوته الخافت يقول بإحراجه المألوف :
_ شكرًا
توجهت وجلست على الأريكة المقابلة له ثم التفتت برأسها للخلف ورفعت نظرها لأعلى تتطلع لصورة أخيها ، أما هو فرفع فنجان القهوة لشفتيه وارتشف منه رشفة واحدة ثم انزله حين وجدها تهتف وهي مازالت معلقة نظرها على الحائط :
_ بفكر اشيلها من هنا
ضيق عيناه وقال بحيرة :
_ ليه ؟!!
همهمت في صوت يغالبه البكاء ونبرة شجينة :
_ ماما زي ما إنت عارف مش بتتحرك كتير بسبب تعبها ولما بتكون كويسة بخليها تطلع تقعد معايا شوية هنا واشغلها التلفزيون عشان تفك عن نفسها ، وأول ما بتشوفها بتنهار في العياط وبتتعب جدًا ، مع إن أنا لما بكون قاعدة هنا في الصالة وحدي بحس صورته بتونسني وبفضل احكي معاه وأحيانًا كتير بنام هنا ففكرت اشيلها واوديها اوضتي
يشعر بمدي انهيارها الداخلي وقلبها الذي يمزقه الحزن والشوق تمزيقٌا ، ولكن للأسف فحاله ليس أفضل منها .. ولا يستطيع حتى إبذال أقل جهد في تخفيف عنها فهذا الألم لم تخففه حتى ألف كلمة ، ليجفل نظره أرضًا ويردد بصوت مسموع لها ” ربنا يرحمه ” فتهمس هي بألم ” آمين ” ، ثم وضعت نظرها عليه وهتفت في تساءل حقيقي وفضول لمعرفة إجابته :
_ إنت ليه خليت واحد يحرسني !؟
_ عشان ده الافضل ليكي بعد اللي حصل
كلماته تشير لمعنى واحد فقط وهو أنه عرف بالحقيقة كاملة التي اخفتها عنه ، ولكن كيف عرف !!؟ :
_ إنت عرفت إزاي ؟!!
بعد أن حاولت الكذب عليه وهو كان يعرف بأمر اخفائها عليه شيء ، فتواصل مع صديقتها التي كانت معها وقصت له كل شيء حتى السبب الذي جعلها تخفي عنه الحقيقة وطلبت منه ألا يخبرها بأنها هي التي اخبرته حتى لا تنزعج منها بشدة .
اتاها صوته الغليظ والجاد وهو يقول بشيء من الرفق واللين رغم غلظة صوته :
_ عرفت وخلاص ، المفروض إنك كنتي تقوليلي ، لإن طالما عمل كدا مرة يبقى هيحاول يعمل كدا ألف مرة .. وأنا وإنتي متفقين إنك هتقوليلي أي حاجة تحصل في الموضوع ده لإني بحاول الاقي أي حاجة توصلني ليه ، فمكنش ينفع تخبي عليا لمصلحتك ياشفق .. إنتي امانة واخوكي امني عليكي فلو جرتلك أي حاجة هبقى خنت الأمانة ومش هعرف بأي وش بعدين هقابله ولا اروح ازوره في قبره
من أين اتيت لي ياليتك لم تكن صديقه !! ، فأنا احاول الفرار مش شبكاك التي تنصبها لي دون قصد كلما رأيتك ، وإنت لا تكف عن ملاحقتي ولسوء الحظ إنك بالفعل اوشكت على تصويب الهدف .. فارجوك توقف أنا لا أريد إرهاق قلبي بتجربة عشق جديدة ستكون أبشع من السابقة ، وستكمن بشاعتها في استحالة الوصول إليك وسيظل عشقك ووفائك لزوجتك نقطة فاصلة بيني وبينك .
اسعفت الكلمات بصعوبة من ارتجافة قلبها الذي يواجه صراعًا عنيفًا مع عقلها وتمتمت مجفلة نظرها أرضًا في حزن لا يفهم سببه الحقيقي سواها :
_ أنا مقدرة خوفك وقلقك علينا ياكرم وبذات أنا ، بس أنا بجد مش عاوزة ادخلك في مشاكلي اكتر من كدا ولو حصلتلك حاجة بسببي مش هسامح نفسي إني دخلتك في مشكلتي
وضع فنجان القوة على سطح المنضدة وهب واقفًا حتى لا يأخذ أكثر من اللازم في الحديث معها وأيضًا بقائه في منزلهم أكثر من ربع ساعة لا يصح ! ، هتف باسمًا ببساطة :
_ لا متقلقيش عليا ، المهم إنتي تعملي زي ما قولتلك وأقل حاجة تحصل تتصلي بيا وتقوليلي .. وشكرًا على القهوة
لا فائدة فلن يرحل عنها إلا حين يتأكد من أنها سقطت في وحله !! ، استقامت هي الاخرى ورافقته إلى الباب ثم تأففت بعدم حيلة من أمرها وذهبت لتطمئن على والدتها وترى إن كانت تحتاج شيء أو لا !! …..
***
منذ يومين وهو يفكر في حل لتلك المعضلة التي وقع بها فتلك ” اليسر ” لن تكف عن أفعالها التي أصبحت لا تطاق ، وقد طفح كيله منها ولابد أن يجد الحل الذي سيسكتها للأبد ، يريدها أن تبتعد عنه ولا يعلم كيف يفعلها .. ولكن ماذا عن استخدام مبتغاها سبيلًا للوصول لمبتغاه هو ، ماذا لو حقق لها ما تتمناه وتوده أكثر من أي شيء في الحياة فقط لتحقيق أهدافه في التخلص منها للأبد .. أجل هذا هو أفضل حل ليتمكن من فعل بها ما يشاء دون أن يضع في الحسبان أي شيء !! .
مجتمع مع عمه على طاولة واحدة الذي جاء لزيارتهم والاطمئنان على والدتهم التي تعبت مؤخرًا قليلًا وكانت يسر برفقته .. يتبادلوا النظرات النارية بين بعض وهي تقسم له في نفسها أن اليوم ستخبرهم بكل شيء حتى تنتقم على ما فعله بها منذ يومين ، وانتظرت حتى انضمت لهم زوجة عمها والقت نظرة عليه أخيرة مليئة بالحقد والغل قبل أن تنظر لوالدها وتقول في شجاعة وأعين مشتعلة بنار الانتقام لمشاعرها التي يتلاعب بها هذا الفاسق :
_ بابا أنا عايز اقولك حاجة ، حسن بــــ……..
التقط الجملة من بين شفتيها ليكملها هو كما خطط لها ويشكلها كما يريد ، ويهتف في نظرة ثابتة وثاقبة مع ابتسامة متصنعة اتقنها بمهارة هي وقسمات وجهه الذي لونها بشكل مناسب لما سيقوله :
_ أنا طالب إيد يسر منك ياعمي

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *