روايات

رواية ضراوة ذئب الفصل الأول 1 بقلم سارة الحلفاوي

رواية ضراوة ذئب الفصل الأول 1 بقلم سارة الحلفاوي

رواية ضراوة ذئب البارت الأول

رواية ضراوة ذئب الجزء الأول

ضراوة ذئب
ضراوة ذئب

رواية ضراوة ذئب الحلقة الأولى

لفِت الحجاب على شعرها بهدوء، بتتأمل وشها في المراية المشروخة قُدامها، إبتسمت إبتسامة بسيطة بتتأمل إشراقة وشها المتوسط الحجاب الوردي اللي لاق جدًا لبشرتها الفاتحة و للشامات المتوزعة بشكل يخطف الأبصار على وشها، و عينيها العسلي متحاوطة برموش كثيفة و حواجب مظبوطة، خدت شنطتها اللي جلدها متقشّر، و علّقتها على كتفها، طلعت لجدتها النايمة بسلام على كنبة مُتهالكة في الصالة، و مالت عليها و باست راسها بحنان، إعتدلت في وقفتها و هي بتتجه لباب الشقة عشان تمشي على شغلها اللي عُبارة عن تدريس لأطفال إبتدائي، إلا إنها تسمرت مكانها و هي بتسمع جلبة برّا، جريت على الشباك وبصت من خلاله و إتصدمت بأسطول عربيات فخمة مُتراصين ورا بعض، بينزل من عربية فيهم راجل حواليه هالة غريبة، كان كإنه طالع من فيلم أكشن! دقات قلبها تسارعت من الخوف، فـ بعدت عن الشباك بتحاول تطمن نفسها إنها مالهاش دعوة و إنه أكيد مش جايلها، إلا إن طرقات على الباب بشكل عنيف خلّاها تشهق بـ رُعب، و جدتها صحيت على الصوت بتقول بنبرة بخضّة:
– يا ساتر يارب .. أستر يارب، شوفي مين يا بنتي!
و من قبل ما تاخد يُسر خطوات عشان تفتح الباب، الباب متحملش الأيدي القاسية اللي بتضرب فوقه، و وقع على الأرض مُصدر صوت عالي جدًا، يُسر بصِت لـ التلات رجالة اللي واقفين قُصادها زي الضُرف اللي على هيئة بشر، و فجأة أفسحوا المجال عشان يمُر كبيرهم، اللي كان واقف بينفث سيجارتُه ببرود، و عينيه بتتأمل اللي واقفة قُدامه بنظرات ذئب، حاولت يُسر تجمع شتاتها و قالت بصوت كلُه خوف:
– في إيه! إنتوا مين!!!
و كملت و الكلام بيهتز على لسانها:
– إزاي .. إزاي تقتحموا شقة ست كبيرة و حفيدتها بالشكل ده!!
أخرسها صوت شخص جهوري، غير اللي واقف في النُص و إتحولت نظراته من متفحصة لـ ساخرة!:
– إخـرسـي يـا بـت!!
– أُصبر يا ماجد!!
قال اللي واقف في النُص و هو بيشاور بسيجارته البُنية لـ اللي كان بيزعق فيها، و إتقدم منها خطوات فـ صدح صوت الجدة بـ خوف كبير منهم:
– إنتوا مين يابني! دة إحنا في حالنا يا بيه! معملناش حاجه!
بصلها زين و مردش عليه، عشان تثبت عينيه على اللي واقفة قُدامه و قال بصوت خاوي:
– عليكوا إيجار خمس شهور! إنتوا فاكريين إني نايم على وداني ولا إيه؟!
بصتلُه بصدمة و قالت بعدم تصديق:
– إنت .. إنت صاحب الشقة دي؟!
مرَدش و إنما نفّث دُخان سيجارتُه ببرود، فـ قالت و الغضب بدأ يتشكل على ملامحها:
– كل ده عشان إيجار خمس شهور؟ هُما دول ييجوا حاجه في الجزمة اللي لابسها واحد من الـ ضُرَف اللي وراك!!
مقدرش المدعو ماجد يمسك نفسُه، و هو حاسس إن البنت دي قضت على المُتبقي من الصبر عندُه فـ تقدّم منها و رفع إيدُه و لطم وشها بقسوة لدرجة إن وشها إتلف للنِحية التانية تحت صرخات جدتها الملكومة و هي بتردد بـ قهر:
– تتقطع إيدك ربنا ينتقم منكوا يا بُعدة!!
زين غمّض عينيه بيحاول يتمالك نفسُه و بَص لـ ماجد بعيون بـتطلع شرار و قال بضيق:
– أنا طلبت منك تضربها؟!!
و على الفور نزل ماجد عينيه في الأرض و قال بأسف:
– آسف يا باشا!
و إتراجع خطوات لـ ورا!! فـ رِجع زين يبُص في وشها اللي بقى أحمر، و لـ الدموع اللي إتكونت في عينيها، و قال بصوت قاسٍ:
– 4000 جنيه يبقوا على مكتبي بُكرة! يا إما تفّضوا الشقة من سُكات!
و شاور لواحد من اللي واقفين وراه وقال:
– طلّع ورقها و إكتبلها عنوان شركتي!!
فعل الأخير فورًا، فـ بَص ليها للحظات و عينيه إبتدت تنزل على جسمها المتغطي بـ عباية واسعة خافية تفاصيلُه، و رغم إن عبايتها فضفاضة إلا إن جسمها كان مُهلِك! إترسم الخُبث في عينيه و سابها و مشي، و رمى التاني الورقة في وشها و كإنه قاصد يهينها، غمّضت عينيها و أول ما خرجوا إنهارت على الأرض و عينيها بتنزِل دموع بصمت، قامت جدتها بخطوات مُتعرجة و خدتها في حضنها و هي بترفع وشها للسما و بتقول بـ عياط:
– يارب! يارب دبّرها من عندك يارب، حسبي الله ونعمة الوكيل في كُل ظالم!
• • • •
– إزيك يا عمي، أنا .. أنا يُسر، كنت عايزة بس سُلفة من حضرتك و هرُدها في أسرع وقت!!
قالت و هي ماسكة تليفونها الصغير جدًا، و عينيها متزرمة من البُكاء، إلا إنها حسِت بقلبها بيتعصر لما سمعت صوت صفير طَن في ودنها لما سمعت صوت صفير بيدُل على إنتهاء المكالمة، لأول مرة تتذل بالشكل ده! حطت التليفون على الطاولة و حطت إيديها جنبه بتميل راسها لقُدام و كإن أحمال الدُنيا فوق كتفها الصغير .. اللي مش هيستحمل كل التُقل ده!
راحت لـ جدتها و قعدت تحت رجلها، سندت راسها على رجلها و قالت بصوت مافيهوش حياة:
– كلهم إتخلوا عني! عمي محمد قالي إنه مش معاهم و أنا عارفه إنه بيكدب، و عمتي قالتلي إنها بتجوز بنتها و اللي جاي على أد اللي رايح، و عمي سيد قفل السكة في وشي! أعمل إيه يا تيتة؟ أروح فين؟
مسحت جدتها على خصلاتها الناعمة و قالت بتعب:
– روحي للي خلقك و أطلبي منه ينجدنا يا بنتي! إدعي ربنا يطلّعنا من اللي إحنا فيه!
قامت بتثاقُل و رغم إنها أدت فرضها إلا إنها لبست إسدال الصلاة و فرشت سجادتها و صلِت بخشوع و أول ما جبينها لمس الأرض بكت، بكت و ترجت و ناجتُه و هي بتقول:
– خبطت على كُل البيبان! كلهم رزعوا الباب في وشي، بابك الوحيد اللي مش هيتقفل في وشي أبدًا، يارب! إنجدنا يارب ماليش غيرك يارب .. ماليش غيرك!
سلِمت، و نامت على المُصلية بتقرّب رجليها لـ وشها بتحاوطهم كالجنين، و دموعها بتتساقط على جنب وشها و تبلل سجادة الصلاة، و غفت غصب عنها، صحيت اليوم اللي بعدُه على صوت آذان الفجر، دلفت للمرحاض و إتوضت و خرجت صلِت و هي بتدعي بدون ملل، قعدت تقرأ في المُصحف الصغير حجمًا اللي بين إيديها، خلصت خمس أجزاء، و لما الساعة جات تسعة قامت و لبست نفس العباية و لكن لفِت طرحة سودا بـ سواد العباية القاتم، و المرة دي بصت لملامحها و هي حاسة بنفس الشرخ اللي على المراية موجود في قلبها، خرجت من الأوضة و دخلت أوضة جدتها و باست راسها، خرجت و ميلت على الأرض تاخد الورقة اللي مدون فيها عنوان شركته، خرجت و هي بتعِد الفلوس اللي في إيديها و خرّجت منها فلوس علاج جدتها و فلوس الأكل و الشرب، فـ ملقتش غير شوية فكّة يادوب يركبوها مواصلة عاملة لنُص الطريق بس، و بالفعل ركبت أتوبيس عام وصّلها لمكان مش قريب من شركته و مش بعيد، كمِلت باقي الطريق مشي و هي حاسه بكُل العيون حواليها كإنها ماشية عريانة! بتعاني كل يوم من مُعاكسات سخيفة رغم إحتشام لبسها، إلا إن وشها الملائكي و الخالي تمامًا من أي مساحيق تجميل كان السبب في لفت إنتباه الشباب اللي متعودوش على الوش البريء اللي زي وشها، وقفت قُدام مبنى عريق محاوط بالإزاز من كل ناحية، قدامة أشخاص لابسين زي أزرق مع رَجلين لابسين بِدل سودا شبه اللي إقتحموا شقتها إمبارح، قرّبت من واحد من الأمن قالت بتماسُك :
– عايزه أقابل زين باشا لو سمحت!
بصلها من فوق لتحت وقال ساخرًا:
– عايزة تقابلي زين بيه الحريري؟ و إنتِ جاية عايزة إيه بقى يا ترى؟ شِحاتة يعني ولا حاجه تانية شمال؟!
إنكمشت من جُرأة كلامه، و أطبقت على شنطتها و هي بتقول بصوت بيترعش:
– لو سمحت .. بلغُه إني صاحبة شقة فيصل .. و عايزة أقابلُه!
– لاء مدام شقة فيصل تبقى حاجه شمال، ماشي هخلي حد يديله خبر!!
بِعدت عنُه بتحاول تسيطر على الدموع المقهورة اللي إتجمعت في مقلتيها، وقفت على جنب بعيد عن أنظارُه اللي كانت بتاكُلها، و لإن رجليها مكانتش قادرة تشيلها من المسافة الطويلة اللي خدتها مشي، و من التعب النفسي اللي بياكل فيها، فـ قعدت على الرصيف و سندت إيديها على ركبتها و خبت راسها جوا ما بين دراعها، و بد دقايق سمعت صوت جهوري بيصرخ فيها إنتفضت على أثره:
– قومي يا بت من هنا!!! حد قالك إنها جمعية خيرية!!
رفعت عينيها له و لقته نفس اللي ضربها بالقلم إمبارح، قامت فعلًا و بصتلُه بإحتقار و كانت هتمشي و تسيبه إلا إنه وقفها بصوته القوي:
– إستني عندك! تعالي معايا! زين بيه عايزك في مكتبُه!
غمضت عينيها و لفت تاني ليه، و لقته بيمشي فا مشيت وراه بخطوات وئيدة مُترددة، دحلت الشركة تحت أنظار الموظفين المُستنكرة لوجود بنت بالهيئة دي في شركة زين الحريري، طلعت معاه في الأسانسير، كانت خايفة منُه و في نفس الوقت خايفة من الأسانسير، وصلت الدور الحداشر، فـ إتفتح الباب تلقائي فـ خرج ماجد و خرجت هي وراه، لقته وقف في الطرقة فجأة و شاور على مكتب في آخر الطُرقة وقال ببرود:
– ده مكتبه!! روحي لوحدك!!
مردتش، و أول ما لقته دخل المصعد تاني إتنفست براحة، و مشت بهدوء بتبُص على جزمتها اللي مكانتش في أحسن حالاتها، شِبه متقطّعة، وصلت للمكتب و خبطت بإيد بتترعش، فـ سمعت صوته اللي هيفضل محفوى في ذاكرتها و هو بيقول:
– إدخلي!
هو أكيد عارف إنها هي عشان كدا نعتها بصيغة المؤنث، مسكت مقبض الباب ولوته برجفة و دخلت، المكتب كان أكبر من شقتها هي شخصيًا، عينيها تلقائيًا رحت ناحية الواقف قُدام النافذة اللي عبارة عن إزاز، موليها ضهره العريض و قميصُه الإسود جوا بنطلونه بيظهر قوة بُناينه و العضلات الواضحة على جسمه، حطت عينيها في الأرض، فـ لَف ليها و هو ماسك كاس في إيدُه، بَص لهيئتها الضعيفة، و لوشها الأحمر والإرهاق باين عليه، قعد على الكرسي ورا مكتبُه، و حط الكاس على جنب ورجّع ضهرُه لورا و بنفس النظرات الخبيثة اللي بتتفرس كل إنش في جسمها، و بنفس النبرة اللي كلها مكر كان بيقول:
– قرّبي!
بصتلُه بـ خوف، فـ قال بضيق:
– أكيد مش هنتكلم من على بُعد كدا! إقفلي الباب و قرّبي!!
قالت بتوجس:
– لاء مش هينفع أقفل الباب!!!
قطب حاجبيه وقال بإستغراب:
– ليه؟
قالت بتوتر وهي بتفرك إيديها:
– عشان حرام! مينفعش أنا و إنت يتقفل عليها باب!!
إنطلقت منه ضحكة ساخرة مش مصدق اللي هي بتقوله، إلا إنه قرر يجاريها و قال بمكر:
– خلاص متقفليهوش!! بس قرّبي!!
قربت بخطوات بسيطة لحد ما وقفت قدام مكتبُه، بصت للكُرسي و بتعب قعدت عليه، إلا إنها إنتفضت على صوت إيده بتخبط سطح المكتب و بيصدح هو بصوته الجهوري:
– مــقــولـتـلـكـيش تـقـعـدي!! قـومـي أقـفـي!!
نهضت بسُرعة و حطت وشها في الأرض حاسة بلكمات في قلبها، حتى الكُرسي مش عايز يقعدها عليه! ليه! خايف توسّخه بـ لبسها اللي مش مقامُه؟ لما الفكرة دي جات في بالها حسِبت بـ نغزة في قلبها و بـ غصة في حلقها، مسح هو على وشُه بعُنف، و بص لحالتها المُزرية و قال بصوت خشن:
– جهزتي الفلوس؟
رفعت راسها ليه، و مافيش في دماغها غير سؤال واحد، ليه؟ هل شخص زيه هيبقى فارق معاهم شوية ملاليم زي دول؟، إلا إنها قالت بصوت خافت:
– لاء!
– أومال جاية ليه؟!
قال بجمود، فـ قالت بنفس الخفوت:
– جابة أطلب منك تصبُر عليا شوية بس! و أنا هشتغل بدل الشغلانة تلاتة .. لحد م أجهزلك فلوسك!
بصلها ساخرًا و قال:
– إنتِ معاكي شهادة؟
قالت بهدوء:
– كلية تربية إنجليزي!
مافيش تعبير ظهر على وشُه، وقال بنفس السُخرية:
– يعني محتاجة أقل حاجه خمس شهور عقبال ما تعرفي تجيبي المبلغ ده!!
نفت براسها و قالت بصوت ضعيف:
– هشتغل أكتر من شغلانة!
– و يا ترى هتشتغلي إيه؟
قالها مُستنكرًا الجملة اللي عادتها للمرة التانية، فـ قالت بضعف:
– أي حاجه .. إن شالله أشتغل في البيوت، بس ممرمطش جدتي!
بصلها للحظات، و فتح دُرج مكتبُه و خرج من علبة فخمة سيجارته البنية، و أشعلها بـ قدّاحة من دهب، و بصلها بيتأمل ضعفها اللي أغراه بشكل مش طبيعي، فـ إنزوت شفتيه بإبتسامة خبيثة و قال:
– تشتغلي عندي .. خدامة في قصري!!
رفعت عينيها و بصتلُه مصدومة، و قالت بخوف:
– مينفعش .. مستحيل!
– ليه!
قالها بإستنكار! فـ قالت:
– ميصحش أشتغل خدامة في بيت راجل قاعد لوحده!
– أنا مش لوحدي! أمي معايا و في زيك خدَم كتير في القصر، إحنا مش في فيلم دُعاء الكروان هنا!!
حسِت بوجع رهيب في رجليها، يمكن من وقفتها لمدة كبيرة عليها، بصِت لـ رجليها اللي غزاها اللون الأزرق و اللي بان من جزمتها، و محسِتش غير بـ غمامة سودا بتبلعها، فـ إستقبلتها الأرض في حُضنها بينما راقب إغمائها بـ برود مُتناهي!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضراوة ذئب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *