رواية كبرياء صعيدي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نور زيزو
رواية كبرياء صعيدي الفصل السادس والعشرون 26 بقلم نور زيزو
رواية كبرياء صعيدي البارت السادس والعشرون
رواية كبرياء صعيدي الجزء السادس والعشرون
رواية كبرياء صعيدي الحلقة السادسة والعشرون
” للعشق حربه الخاصة”
أتسعت أعين “كارما” على مصراعيها بعد أن سمعت بخبر القبض على والدها مع “خضرة” والحفرة التى صنعت بيديها والدها من سقط بها، ترجل “خديجة” من الأعلى مُرتدية بنطلون فضفاض أصفر اللون وعليه قفطان أسود طويل لا يظهر معالم جسدها من وسعه وطقطقة حذاءها العالي ترن فى أرجاء المنزل، ألتفت “كارما” على صوت خطواتها لتقول مُتلعثمة من هول الصدمة:-
_ أنتِ رايحة فين؟
_ رايحة أشوف جوزى يا بنت جوزى، جدمك جدم أسود علينا
قالتها “خديجة” رافعة يديها للأعلى تضع الطرحة الصفراء على رأسها، حاملة حقيبتها فى ذراعها لتغادر المنزل، صعدت “كارما” إلى غرفتها بسرعة جنونية وأحضرت حقيبة السفر وبدأت تجمع أغراضها بخوف من نيران إنتقامها التى أحرقتها …….
_____________________________________
وقف “مصطفى” فى الشرفة الخارجية لغرفة الفندق يتحدث فى الهاتف مع “عيسى” يقول:-
_ هى أصرت أننا نسيبه فى حاله ومنأذهوش بس طبعًا الرجالة زمانهم جايبينه لحد عندِك
تنهد “عيسي” بأريحية من قبضه على “عامر” وأخيرًا سيتكمن من أخذ ثأره من هذا الوغد الذي دهس قلب أخته وكاد أن يتسبب فى فضحها أمام الجميع، سأل بقلق:-
_ أنتوا فين أكدة؟
_ إحنا فى إسكندرية، فيروزة حبت تجعد هنا شوية، تغيير جو السرايا وتبعد عن الناس
قالها “مصطفى” بيما ينظر من خلف زجاج النافذة على “فيروزة الجالسة على الفراش تضم يديها ببعضهم بحزن واضح فى ملامحها رغم طلبها بأستكمال هذا الزواج والبقاء مع “مصطفى” لكن حزنها وخذلان قلبها وعقلها يحتل معالم وجهها ورجفة جسدها، تابع “عيسي” الحديث بجدية صارمة:-
_ ماشي، خليها تغير جو وتريح أعصابها شوية، خلى بالك منها يا مصطفى
أومأ إليه بنعم، رأى “عطر” ارتدت ملابسها وتستعد للنزول إلى والدها الذي ظهر فجأة هكذا دون سابق إنذار فقال بجدية:-
_ أنا هكلمك تاني يا مصطفى
أغلق معه الهاتف وأتجه إلى “عطر” قبل أن تغادر الغرفة يمسك رسخها بينما هي تمسك بمقبض الباب فهتف بقلق:-
_ عطر، خلينى أنا أتكلم معاه
رفعت “عطر” عينيها بزوجها الشامخ الذى يقف أمامها ورغم محاولتها جاهدة فى الوقوف بصمود وهي قد جاءت الآن من المستشفي لكن بشرتها شاحبة وباهتة تهز هذا الصمود فقالت برفضٍ قاطعٍ :-
_ أنت أخر مرة شوفت عمك يا عيسي؟!!
ألتزم “عيسي” الصمت بينما عينيه تحدق بزوجته المريضة وتعافر مقاومة المرض لأجل هذا اللقاء، أخذ بيدها مُساندًا إياها للخارج فتنهدت بقلق مما هو قادم بعد ظهور الغائب ثم قالت بنبرة خافتة:-
_ سيبني أتكلم معاه يا عيسي من غير ما تمنعني
أومأ إليها بنعم، وصلوا للأسفل معًا لترى والدها الذي وقف من مكانه فور نزولهما، توقفت قدمي “عطر” بدهشة من رؤيته مُنقبضة القلب من رجفة اللقاء، مع رؤيته رأت لحظة شجار هؤلاء الرجال معها مطالبين بأموالهم الذي سرقها “ضياء” وهرب، تطلعت بوجهه وعينيه التى تنظر إليها بقوة مُتشبثٍ بها كأنه أدرك للتو أن لديه ابنة وجاء يبحث عنها، تقدمت خطواتها بصحبة زوجها دون أن تبعد عينيها عنه وتتفحصه بحالته التى يرثي لها وملابسه الفوضوي التى تظهر دهس الدنيا له وكأنه كان مع الحياة فى صراع داخل حلبة المصارعة وقد هزمته، أقترب منها بسعادة تغمره يعانقها بينما يلفظ أسمها بدفء:-
_ عطر ، حبيبتي وأخيرًا لاقيتك
لم تشعر بدفء عناقه، بل تملكها شعور الأشمئزاز من هذا العناق فدفعته بعيدًا عنها وتزدرد لعابها من لقاء عينيها مع عينيه فقالت بنبرة جادة:-
_ لاقتني !! دا على أساس انك كنت بدور عليا ، مش كدة؟
هز رأسه بنعم مُجيبٍ على حديثها الذي شعر منه أنها تستهز به، جلسوا معًا و”عيسي” ينظر إليه بصمت ويشعر من تعابير وجهه انه جاء لشيء أخر، عينيه لم تكن مُشتاقة لأبنته واللهفة لم تظهر فى لقاءه بها، أدرك “عيسي” أن “ضياء جاء من أجل شيء خفى لم يبوح به بعد، سألته “عطر” بفضول يقتلها:-
_ أنت عرفت منين أنى هنا؟
_ روحتلك البيت والبواب قالى أن أخر مرة شافك كنت مع راجل بجلابية وعمة وحِنة قالت للجيران أنه جوزك وابن عمك ، عرفت أنك هنا؟ أتجوزتي مين فيهم؟
سألها بفضول شديد بينما عينيه أنتقلت إلى “عيسي” الجالس جوارها يُريد أن يعرف من هو من أبناء أخواته؟ أكمل حديثه بفضول شديد:-
_ نصر ولا عيسي ولا خدتي أخر عنقود العيلة خالد؟
توقع أن تُجيب بمنتهي الأخلاق والأدب كما اعتاد عليها لكنها فجأته بنبرتها الحادة وسخريتها منه فى الكلام قائلة:-
_ عيلة!! أنت تعرف العيلة؟ مش المفروض من باب أولى انك تعرف يعنى اي بنت وأب قبل ما تعرف يعنى أي عيلة
أتسعت عينيه على مصراعيها من جوابها وصدمته جعلته يفقد أعصابه مُنفعلًا حين أنزل قدمه عن الأخر حادقًا بابنته التى تُجيبها هكذا وقال رافعًا نبرته قليلًا:-
_ عطر!! إياكِ تنسي أنى أبوكي ولما تتكلم معايا تتكلمي بأدب، أي قلة الأدب اللى أنت بقيتي فيها دى
كادت أن تُجيب عليه لكن استوقفه صوت “عيسي” الذي تنحنح بجدية وبدأ حديثه قائلًا:-
_ أحم عمي!! كونك عمي أولًا على عيني ورأسي وكونك حمايا ثانيًا مفيش مانع وكونك فى داري ماشي نبلعها لكن أنا لا عاش ولا كان ولا لسه أتخلج على ضهر الأرض اللى يرفع صوته فى مرتي ولا يكلمها بالطريجة دى
حدق “ضياء” بوجه “عيسي” الحاد وعقدة حاجبيه الغليظة التى جعلته يشعر بالخوف قليلًا ربما لأنه لا يعلم حتى الآن من هذا الرجل الذي يجلس أمامه فقال بخنق شديد:-
_ مراتك اللى بتكلم عنها دى بنتي قبل ما تكون مراتك، ولو عايز أكسر رأسها هعمل كدة متتنفخش أوى كدة قصادها
نظرت “عطر” إلى “عيسي” الذي تتطاير شرارة الغضب من عينيه من طريقة حديث “ضياء” معه دون كُلفة وأستفزاز مما جعله يكاد يقف من محله لكن أوقفه يد “عطر” التى تشبثت بيده قبل أن يقف تمنعه من أذي والدها وجد ابنها، نظر إليها بغيظ وكز على أسنانه من الضيق ثم عاد بنظر إلى وجه “ضياء” الذي تبسم من جلوس “عيسي” من جديد بعد دفاع ابنته عنه ومنعه من فتح أبواب العنان للغضب على والدها، تابع “عيسي” الحديث بنبرة تهديدية أرعبت “ضياء” من مكانه على الأريكة:-
_ سألتها أتجوزت مين؟ أنا عيسي الدسوقي وبما أنك متعرفش هى اتجوزت مين؟ يبجى لسه متعرفش برضو مين عيسي الدسوجى، شكلك أكدة جيت من الجطار علي أهنا ومسألتش حد فى البلد فواضح أنك جاهل
رفع يده التى تمسكها “عطر” للأعلي وتابع حديثه بنبرة قوية غليظة:-
_ أفتكر يا عمي أنك لسه بتتنفس دلوجت وجاعد جصادي بفضل اليد الصغيرة دى
تحدثت “عطر” بنبرة خافتة وقد تمكن المرض منها وبدأ جسدها المُنهك يتمرد على رغبتها فى البقاء وقيادة هذا الحديث ورؤية والدها كانت كفيلة بأصابتها بالمرض أكثر فطلبت بهدوء مُستعطفة زوجها بأمال فى قلبه العاشق لها بأنه لن يرد لها طلب:-
_ خلاص يا عيسي، بعد أذنك خليه يطلع يرتاح وأنا كمان تعبانة وعايزة أرتاح وبعدين نكمل كلامنا
قالتها وعيونها الزرقاء ترمق والدها الذي يجلس مقابلها ببرود لا تعلم كيف ومن أين جاء به؟، وافق “عيسي” على طلبها ووقف من مكانه ينادي على “ذهب” مدبرة منزله رغم صغر سنها فقال بجدية:-
_دهب، بت يا دهب
جاءته الفتاة مهرولة إليه بعد سماع ندائه فقال بحزم شديد:-
_ وصل عمي ضياء لأوضة الضيوف اللى فى أخر السرايا وشوفي محتاجة أي وأعملهوله، وجهزوا الوكل اللى تأمر بيه ستك عطر عشانه
أومأت “ذهب” إليه بنعم ونظرت إلى “ضياء” الذي وقف من مكانه وهكذا “عطر” المُنهكة وتضع يدها أسفل بطنها المُنتفخة، دلف “عيسي” إلى غرفة مكتبه بينما صعدت “عطر” الدرج مع والدها وأمامه “ذهب” ترشده للطريق فأستوقفها “ضياء” بمنتصف السلم بعد أن مسك رسخها النحيل وقال:-
_ عطر
نظرت إليه وبدأت تشعر بالقلق من نظراته واستحوذ عليها شعور أن “ضياء” يحمل كارثة فى جعبته أكثر ولم يبوح بها بعد، سألها “ضياء” بهمس حتى لا تسمعه “ذهب”:-
_ فين الفلوس؟
أتسعت عينيها على مصراعيها والفضول بدأ يأكل قلبها وعقلها فسألت بتلعثم:-
_ فلوس أي؟
_ الفلوس اللى جمعتيها عشان تديها للتجار، انا عرفت أنك بعتي جهازك كله عشان تجمع مبلغ كبير وخدتي مقدمة للشقة، فين الفلوس دى؟
سألها بلهفة وحماس كالذي يتنظر فتح صندوق الكنز، تجمعت الدموع فى عينيها من هول الصدمة التى لجمها بها للتو، كانت تعلم أن شخص كـ “ضياء” لن يفهم بعمره معنى الأب جاء لكي يبحث عن ابنته ويطمئن عليها، شخص مثله لن يبالي بزواجها أو حفيده الموجود برحمها، لن يبالي بشيء سوى نفسه فقط ورغباته، أبتلعت لعابها بحسرة أعتصرت قلبها وجعلت الدموع تتساقط من عينيها الزرقاء، لو كان يعلم مدى قيمة دموعها فى قلب “عيسي” لخشي أن ينزلهما، لأجل دموعها مُستعد “عيسي” على هدم السرايا على رأسه ودفنه حي، شهقت من الوجع وقالت:-
_ أنت جيت عشان كدة؟ جيت عشان الفلوس مش عشاني، جيت عشان مصلحتك حتمت عليك تدور عليا عشان تأخذ اللى عايزاه، هو أنت أزاى كدة؟
لم يُجيب عليها فصرخت بوجهه بقوة دون أن تبالي لمرضها أو لوجود الأخرين معهم فى البيت:-
_ أزاى كدة؟ أزاى فى أب بالندالة دى يبيع فى بنته ويدوس عليها ويرميها للناس تأكل فى لحمها
ألتف “ذهب” على صوت صراخها به وجاء “حِنة” من الأعلى على صوتها مثلما خرج “عيسي” من مكتبه يشاهد كالبقية هذا المشهد بأم عينيه، تابعت “عطر” بحسرة مزقتها لأشلاء أمامه:-
_ أنت زى السرطان فى حياتي بتأكل فيا وبس، أنا عمري ما عرفت أكره حد مهما أتاذيت من الدنيا لكن عرفت أكرهك أنت، أنا بكرهك بكـــــرهـــــك
نظر “ضياء” حوله ببرود لا يبالي بشيء ولا للعواطف التي تمزق أبنته للتو فقال بخنق من صوتها العالي:-
_ أتكلمي بأدبي يا عطر ووطي صوتك قصادي
ذرفت دموعها بأنهيار أكثر من بروده الذي يمزقها لجزيئات فقالت مُنفعلة من أستفزازه لها وبروده الحاد الذي نزل على قلبها كالخنجر المسموم:-
_ أدب!! مش بقولك أنت أزاى كدة؟ أنا عرفت دلوقت ليه جدي وأخواته أتخلوا عنك لأن اللى زيك عامل زى الطفيل لازم له إبادة من حياتنا عشان نعرف نعيش فى سلام، أنا كمان هتخلى عنك ومن اللحظة دى أنا أبويا مات
رفع يده لكى يلطم وجهها الباكي ليُصدم عندما مسك “عيسي” يده بغضب سافر قبل أن يجرأ على لمس زوجته، خرجت شهقة قوية من “حِنة” من الخوف بينما وضعت “ذهب” يديها على فمها خوفٍ من جراءة “ضياء” على ضرب “عطر” زوجة “عيسي الدسوقي” وبمنزله، تقابلت عينيه بعيني “عيسي” التي كانت تبث نار مُشتعل ستحرقه، عينيه جعلت “ضياء” يرتجف فى مكانه وقضبته التى أحكمت يده تعتصرها بقوة أرعبته أكثر، تحدث “عيسي” بنبرة خافتة يكز على أسنانه:-
_ خدي ستك عطر لأوضتها
نزلت “حِنة” الدرجات حيث تقف “عطر” وأخذتها من يديها للأعلى بينما وقف “ضياء” فى مواجهة رجلها….
_______________________________________
وقفت “فيروزة” فى محل ملابس رجالة تختار قمصان وتي شيرتات مُختلفة الألوان الزاهية وتضعهم على أذراع “مصطفى” المُندهش من رغبتها فى تغير ثيابه الصعيدية، أخذته إلى غرفة تبديل الملابس وقالت بحزم:-
_ يلا، البس كل طجم زى ما هو
_ بس!!
بتر حديثه ومعارضته فى الحديث وهى تقول بجدية:-
_ يلا يا مصطفى، أنت جولت أنك هتعمل كل اللى أنا عايزاه ، يلا بجى
دلف إلى الداخل بالإكراه لأجلها بينما وقفت “فيروزة” تنظر حولها ربما تختار شيء أخر من أجله حتى مر الوقت وخرج إليها مُرتدي بنطلون جينز أزرق اللون وقميص باللون السماوي الفاتح، ضحكت “فيروزة” بقوة عليه بعفوية مما جعله يشرد فى ضحكتها وصوتها التى يرن في أذنيه حتى توقفت “فيروزة” عن الضحك عندما سمعت سيدة أخر تضحك عليه، أقتربت منه بلطف ورفعت عن رأسه عمامته البيضاء وبعثرت شعره البني الناعم بأصابعها النحيلة ليُدرك سبب الضحك وهو أرتداء العمامة على ملابسه هذه، تبسمت “فيروزة” بلطف وباتت تخشي أن ينظر أحد إليه بنظرة عدم رضا أو أحراج بعد ما عززها “مصطفى”، أقتربت منه أكثر وهمست فى أذنه بلطف:-
_ أبجى دخل الجميص جوا هيبجى أحلى
لم يبالى لكلماتها بقدر أهتمام وفرحته من قُربها هكذا منه، شعر بأنفاسها ورائحة عطر تسللت إلى أنفه، دلف لكي يبدل ملابسه شيئًا فشيء حتى أنهي جولة تبديل الملابس ببنطلون رمادي وقميص أسود، دفع مبلغ وقدره مقابل كل هذه الملابس وذهبوا إلى البحر كما تريد “فيروزة”، كان “مصطفى” لينًا معها لم يعترض على أى طلب لأجلها، نظرت “فيروزة” إليه وهى تحمل المثلجات فى يدها وكان شاردًا بالنظر إلى زوجين يجلسون على الصرخة أمام الشاطئ والزوجة تتبأطأ ذراع زوجها ورأسها مُتكئة على كتفه بأمان، أصابه شعور الآمان الواضح فى وضعهما وتمنى أن تحصل “فيروزة” على نفس القدر من الآمان فى حياتها، فاق من شروده وأمنياته حين شعر بثقل على كتفه ليُدير رأسه بخفة يسارٍ ودُهش حين رأي رأسها تستكين على كتفه بأريحية وسمع صوتها تقول:-
_ عارف يا مصطفى، أنا حاسة أن جوايا فاضي، حاسة أن فى حاجة ضايعة منى والحاجة دى هى أنا، أنا بجيت أحس أن نفسي ضايعة منى، مبجتش أخرج وجطعت علاجتى بكل صحباتي، مبجتش بدخل محل الميك أب وأجعد بالساعات أختار الحاجات اللى بحبها، بطلت أتابع المسلسلات اللى بحبها، كل حاجة كنت بعملها فى يومي ضاعت مع روحي اللى ضاعت، أنا طلبت منك نجعد هنا شوية يمكن أجدر أصلح اللى باظ فيا فى مكان جديد ومع ناس جديد ومعاك
نظر إلى البحر صامتٍ يستمع إليها حتى تنهي فضفضة قلبها وأفكار عقلها الصغير، مُدركًا أنها ما زالت تعاني من الجرح والخذلان، تساقطت دموعها بحزن يمزقها أربًا مُتابعة الحديث:-
_ أنا بحاول أطلع من الضلمة اللى وجعت فيها، بحاول أعيش يا مصطفى، خليك معايا وأستحملني وجدر حزني ووجعي، جدر الكسرة اللى اتكسرتها
تبسم بلطف من طلبها للبقاء معه ثم جمع شجاعته وقرب يده من يدها مُحاولًا إمساكها، نظرت “فيروزة” إلى يده التى تقترب وتبتعد منها فى آنٍ واحدٍ ، متردد فى لمسها وخائفًا من تجاوز الحد معها رغم كونها زوجته ففتحت يدها إليه مُستقبلة راحة يده برحب مما جعله يقدم على ضم يدها إليه، بدأ بعانق يدها الدافئة بين يديه وتمتم بالحديث بنبرة تلعثمية من التوتر مُرتبكٍ من لمسها لأول مرة:-
_ ما عاش ولا كان اللى يكسرك يا فيروزة، أنا وياكِ وفى ضهرك وسندك فى الدنيا، وطول ما أنا بتنفس مفيش حاجة هتكسرك أبدًا يا ست البنات
رفعت رأسها عن كتفه لتتقابل عيونهما معًا فشعرت بعناق أخر أقدم “مصطفى” عليها حين عانقت عينيه عينيها الباكية، أغلقت أناملها الصغيرة على راحة يده المُتشبثة بها، تمتمت “فيروزة” بلطف:-
_ خليك كدة على طول أو الفترة دى على الأجل، طمني يا مصطفى وطبطب عليا ومتسبنيش لدماغي عشان أفكارها مُرعبة وبتخوف جوى
رفع يده الأخري إلى وجنتها يجفف دموعها لتشعر برجفة جسدها من لطفه معها وزادت دموعها فى الذرف من الوجع مُتسائلة إذا كان “مصطفى” نصيبها فلما عشقت “عامر” وتجرعت من كأسه الخيانة والغدر وأصابها الخذلان……
_______________________________________
قدم “عيسي” شيك نقدي يحمل مبلغ إلى “ضياء” قائلًا بنبرة جادة:-
_ مش الفلوس اللى جابت أهنا، أديني بديك الفلوس وتختفى من حياة عطر للأبد
نظر “ضياء” إلى الورقة وأتسعت عينيه على مصراعيها بجشع من هذا المبلغ وقال:-
_ أتنين مليون
_ فلوس الدنيا كلتها متغلاش على عطر وسعادتها، تأخد الفلوس دى ومشوفش وشك تاني يا عمي وألا متلومنيش على اللى هعمله، أنا عمرى ما تغاطيت على حد يرفع عينه فى مرتي واللى عملته انا همحي من رأسي عشان عطر بس..
قالها “عيسي” بنبرة تهديدية أرعبت “ضياء” ليُفتح باب المكتب ودلفت “عطر” على سهو دون سابق أنذار تحمل فى يديها مبلغ من المال لتلقي به على المكتب وهى تقول بحدة:-
-أتفضل الفلوس أهى 300000 جنيه وامشي من حياتي، مش عايزة تفضل فيها تاني
وقف “ضياء” بطمع ورغم ما قدمه “عيسي” إليه لكن أخذ المال الذي أحضرته “عطر” بجشع والمال يسرق عينيه ويفقده عقله مما جعلها تنظر إليه بأشمئزاز وخذلان من كونه والدها….
__________________________________
حل الليل بالبلد وباتت الشوارع هادئة والجميع فى بيوتهم لتتوقف سيارة قرب التَرعة الموجودة بقرب الأراضي الزراعية وترجل منها رجلين ثم فتح احدهما الباب الخلفي للسيارة وسحبوا “نصر” منها غائبًا عن الوعي ووضعه على حافة الطريق وأنطلقوا سريعًا إلى بسيارتهما من حيث أتوا…
أشرقت الشمس وبدأ الفلاحون فى القدوم إلى أراضيهم ليرى احدهم “نصر” وهو مُستلقي على الأرض وناد على البقية ليشاهدون رجل من أعيان البلد بهيئته الفوضوي كالمتسول وغائبًا عن الوعي وبسرعة البرق أنتشر الخبر فى البلد على ألسنة الجميع ……
____________________________________
_ كيف تعملي أكدة يا أمى؟
قالتها “خديجة” غاضبة من تصرف والدتها بينما تجلس “خيرية” معهم فى مكتب الضابط، تحدثت “خضرة” بنبرة خافتة يائسة من الخروج من هنا:-
_ اللى حصل، حصل يا خديجة وخلاص
رن هاتف “خيرية” باسم أخاها “خالد” فأجابت عليه قائلة:-
-أيوة يا خالد …. إحنا عند أمك فى الجسم
أجابها بنبرة غاضبة مما سمعه فى البلد على ألسنة الجميع:-
_ أخوكي ظهر
انتفضت “خيرية بسعادة تغمرها بأريحية من عودة أخاها لتقول:-
_ بجد، فين؟ لا..لا ..لا ، خليك وياه لحد ما أجي أنا عاوزاه ضروري
أجابها عبر الهاتف بنبرة عابسة يهدم كل مخيلاتها بصرامته:-
-متجلجيش هو مبجاش ينفع يروح فى حتة ولا ينفع يفيد حد، بس حولى تيجي بسرعة جبل ما المصحة تأخده
أتسعت أعينيها على مصراعيها من هول الصدمة التى ألحقتها بحديث أخاها الأصغر، وأخذت “خديجة” معها مهرولين إلى “خالد” …..
_________________________________
كان “عيسي” يسير فى حديقة السرايا ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث به فقال:-
_ يعنى خلاص أكدة؟
_ بجول لحضرتك مبجاش ينفع لحاجة واصل، الداكتور جه وعمل اللازم كله ولو في حاجة يجدروا يعملوها أنهم يأخده للمصحة بأيديهم دلوجت
قالها الرجل فى الهاتف ليبتسم “عيسي” من خطة أنتقامه وما فعله “نصر” بزوجته وأعتدائه عليها قد دفع “نصر” ثمنه الآن بلا رحمة كما لم يرحم “نصر” فتاته الضعيفة ومارس عليها قوته ولم يبالي لصرخاتها وطلبها للنجاة، لم يهتم لصوتها بينما تترجاه ألا يفعل بها، ركعت أمامه ترجاه أن يرحمها لكنه لم يبالي لضعفها واستقوى عليها يذلها ويُهينها فى أنوثتها وينتهك شرفها بكل برود مباليًا برغباته فقط……
______________________________________
جلس “مصطفى ” بملل معها فى مكتبة الإسكندرية واضعًا يديه على الطاولة الكبيرة ويضع رأسه عليها بينما “فيروزة” غارقة فى سطور الكتاب التى تحمله في يديها، تأفف بضيق من الملل وهو يجلس هنا لساعات طويلة ووحده من يشعر بمرور الوقت بينما فتاته المشاكسة لم تشعر بشيء، تبتسم للحظة وتدمع عينيها للحظة أخرى، تلمع عينيها بالحُب تارة وتبكي حزنًا تارة أخرى، فهم أنها تعيش شعور الكلمات فى كتابها حتى أنهت الكتاب كاملًا بعد مرور ست ساعات وأغلقته لترى “مصطفى” نائمًا جوارها من الملل، تبسمت على صبره عليها ولم يقاطعها ولو مرة واحدة، انتظر أنت تنهي الكتاب دون أن يتذمر على جلوسه هنا، تبسمت بعفوية على صبره الطويل عليها وتسائلت هل الصبر طبيعة شخصيته التى لا تعرفها جيدًا؟ أم هذا الصبر من رحم الحُب الذي يحمله بين وطياته لها؟، رمقته بعفوية فى نومه تتأمل ملامحه الرجولية حتى رن هاتفه الذي جعلها تخجل من تصرفها وتحاشت النظر إليه سريعًا ويديها أسرعت فى فتحت الكتاب، أعتدل فى جلسته ويفرك عينيه بتعب فلم ينال ما يكفى من النوم حادقٍ بهاتفه وكان اسم “عيسي” ولأول مرة يتجاهل مكالمة من “عيسي” لأجلها…
وقف من مكانه وهو يقول:-
_ أنا هروح أجيبلك عصير
تبسمت “فيروزة” عليه وقالت:-
-ممنوع الوكل والشرب هنا، أنا خلصت خلينا نمشي
وقفت معه ليغادروا الإثنين معًا بينما يمطي “مصطفى” جسده بتكاسل وقال:-
_ مجوعتيش؟
_ جعانة جوى
قالتها ببسمة خافتة فأخذها إلى أحد المطاعم المجاورة….
_______________________________________
أغلق “عيسي” هاتفه بعدما رفض “مصطفى” الاتصال ونظر إلى وجه “عامر” الملأ بالكدمات بعد أن حصل عليه “عيسي” فقال بتهديد صريح:-
_ فيروزة تعفي عنك براحتها عشان وجعها، لكن أنا لا يا عامر، كان لازم تحسبها صح جوى جبل ما تفكر تعمل اللى عملته، وتفتكر أن فيروزة وراها راجل أسمه عيسي الدسوقي واللى يجرب لها ولا ينزل دمعة منها أكله بأسناني، وأنت يا ولد خالتى اللى حكمت علي نفسك بعملتك السودة دى …………..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كبرياء صعيدي)