روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت الثامن والأربعون

رواية ديجور الهوى الجزء الثامن والأربعون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الثامنة والأربعون

” الـشـرقـيـة ”
من حسابها المزيف كانت إيمان تقوم بمراقبتها بعد أن قامت فردوس بحظرها تقريبًا من كل المواقع..
لكن لا بأس هي تمتلك حساب أخر لا تعلم فردوس عنه شيء، راقبتها منه وكانت الصدمة بأنها قامت بتغيير صورة ملفها الشخصي بصورة تجمعها بـكمال وهو يضع قُبلة على وجنتيها ويحاوط خصرها بأحدى ذراعيه ويبدو أن احدهم ألتقط لهما الصورة، كانت فردوس مبتسمة بشكل لم تراه قبلًا، خلفهما برج خليفة التي لم تراه في حياتها سوى في التلفاز وفي الصور، ما الذي يحدث؟!!!
كيف؟!!
تكاد أن تجن من التساؤلات التي تتواجد في عقلها، بعدما علمت الحقيقة كلها كيف تستمر بزواجها من كمال وكيف هو يفعل؟!!
لا تصدق هذا الهراء..
هي لن تترك الأمر..
لن تترك الجميع يعيش في سعادة بينما هي حياتها على المحك حتى نظرة والدتها لها تغيرت….
____________
” الوقتُ معكِ، يمضي برقةٍ، كرقَّة فراشةٍ حطَّت على حقل بنفسج”.
#مقتبسة
” دبـــي ”
كالعادة استيقظت متأخرة…
لكنها تناولت الفطور معه وبعدها أخبرها بأنه سيرحل لمقابلة أحد اصدقائه وسيأتي ولن يتأخر…
نامت بعد رحيله أيضًا لم تكن ترغب الجلوس بمفردها ورُبما لحاجتها إلى النوم لا تعلم لما تشعر بالخمول طوال الوقت هل جسدها بحاجة إلى الراحة بعد سنوات لم تنم فيها مرتاحة البال أم أن المنوم مازال يعطي تأثيره بها لا تعلم حقًا…
استيقظت بعد مدة وأخذت ترتب الغرفة قليلًا ومازالت حقائبها مكانها لم تفتح إلا الكبيرة تخرج منها الملابس التي تريدها فقط لم تفرغها، أخذت حمامها ثم جلست وأخذت تقوم بمشاهدة بعض المقاطع على الهاتف أعجبها المقاطع التي ظهرت لها عن (skydiving) التجربة كانت مثيرة للاهتمام بشكل كبير….
جاء كمال بعد وقت وهو معه علبة من الشيكولاتة اللذيذة التي أهداه أياها صديقه من أحد المحلات الشهيرة هنا بصنعها، أعطاها أياها لتتذوقها وجلس الأثنان سويًا مما جعل كمال يسألها بلُطفٍ فيما ترغب أن تفعله اليوم فهو يريد تعويضها عن الأحزان التي أحتلتها لمدة طويلة حتى نست ماذا تعني السعادة….
-حابة نعمل ايه النهاردة؟!.
تمتمت فردوس بجدية وحماس:
– بص هو اكيد الحاجات دي بتتحجز من قبلها او مش عارفة ايه رأيك skydiving حساها هتبقى تجربة جديدة ومغامرة كده…
نظر كمال إليها مذهولًا مما جعله يتفوه بتهكم وعدم استيعاب:
-أنتِ بتهزري صح؟! أنتِ عايزة تنطي من فوق في الهواء والكلام ده أنتِ بتهزري؟!!!.
عقبت فردوس على حديثه بجدية شديدة:
-لا مش بهزر ايه المشكلة يعني؟! هو أنا أول واحدة هعمل كده؟! وبعدين فكر في المتعة اللي هنكون فيها..
استعمل كمال حديث والدته الشهير أو حديث أغلب الأمهات:
-اسكتي يا فردوس، بطلي هطل أحنا جينا اتنين وهنروح اتنين ان شاء الله، قال skydiving أنتِ يوم ما شطحتي نطحتني؟! أنتِ عايزة تنطحي من السحاب بجد…
ألتقطت فردوس هاتفها متحدثة بجدية وهي تحاول اقناعه بعدما أتت بأكثر من مقطع يظهر له المتعة والإثارة، روح المغامرة الذي يتحلى بها الأشخاص عند فعلهم هذا الأمر وصراخهم الذي يعبر عن المتعة الحقيقة والمقاطع التي نالت إعجاب الملايين…
تحدث كمال مستوقفًا هذا الهراء:
-لا يعني بعيدًا عن الفكرة نفسها اللي هبت منك على الآخر عايزاني اسيبك تطيري من فوق بعيدا عن الخوف وعن كل حاجة، لا تنزل ووراكي واحد واخدك بالحضن فردوس هتخليني اقولك الفاظ مسمعتهاش مني طول حياتك معايا…
أردفت فردوس مدافعة عن نفسها:
-بيكون في ما بينهم حاجة اللي بيلبسوه ده بيكون فاصل ما بينهم وبعدين مش واخدينهم بالحضن ولا حاجة أنتَ مكبر الموضوع ده شغلهم
-أيه اللي بينهم ده حيطة يعني ولا ايه؟!..
قالت فردوس محاولة الاستمرار في محاولة بائسة في اقناعه:
-في فيديو شوفت واحدة ورا البنت..
تمتم كمال رافضًا النقاش في هذا الأمر:
-فيديو واحد في الغالب هما رجالة، فردوس بالله عليكي اطلبي حاجة منطقية ومعقولة..
صمتت لثواني وأخذت قطعة شوكلاتة تناولتها باختناق ثم خطرت فكرة أخرى على بالها بعد عدة دقائق انشغل فيهم في هاتفه:
-خلاص انا عايزة اعمل حاجة جديدة، اية رأيك اصبغ شعري؟!.
تمتم كمال وهو يردد كلماتها مستنكرًا:
-تصبغي شعرك!!!!
عقبت فردوس بانزعاج طفيف:
-وايه المشكلة يعني؟! دي مفيهاش مخاطرة ولا هنطح من السحاب ولا غيره ولا راجل..
هتف كمال بهدوء:
-بس أنا واخد على شعرك أسود من يوم ما شوفتك، وسواد شعرك مميز مش متخيل أني ممكن اشوف شعرك بلون تاني أنا حابه كده..
تمتمت فردوس بإصرار:
-وأنا حابة اغير لونه..
عقب كمال بنبرة هادئة محاولًا تلافي الشجار:
-فكري في الموضوع كويس وخلينا نفكر ممكن نعمل ايه النهاردة وبس..
قالت فردوس بنبرة لا تقبل النقاش:
-ننزل نتغدى واشوف مكان اصبغ فيه شعري وتسيبني هناك أنا شوفت فعلا امبارح مكان قريب من هنا لمحته وأحنا راجعين يعني ممكن ترجع الفندق وأنا اجي لما اخلص شعري.
-اه عايزاني اسيبك في بلد غريبة…
قاطعته فردوس بجدية:
-المكان قريب جدًا من هنا هوريهولك أنا مش صغيرة يا كمال وبعدين هما عملوا الموبايلات ليه؟!.
____________
‘ القــاهـــرة ‘
رحل شريف دون قول كلمة واحدة إلى شقيقته لم يكن في حالة تسمح له بسماع أي ملحوظات أو نصائح، أو حتى عتاب، هو فقط رحل بعد أن أخذ هاتفه ومفتاح سيارته..
كانت أفنان جالسة على الأريكة وهي عاقدة ساعديها بملامح غاضبة ومنزعجة جدًا، ليست من أجل شمس أو أنها حتى رأت مقاطع عنها ولكنها تخشى أي شيء قد يؤذي شقيقها أو سيره في طريق ليس من المفترض أن يسير به ولكنها عادو شريف لن تنكر، أن يفعل ما يريده دون الاهتمام بنصيحة أي شخص..
هي لا تستطيع أن تعطي رأيها في أموره حتى في زيجاته السابقة لم تكن تتقبل بأن يقوم بخداع أمرأة على أنه شخصية تُدعى ثائر بالنهاية هو يتزوج وكأنه شخصية أخرى غير شخصيته…
ولا كانت تحب زواجه المشروط ومن دون أن يفكر الاستمرار به، لكنه لم يكن يقبل نصائحها ولم تكن تمتلك الجراءة حتى للرفض الدائم في النهاية حياته تدمرت بسببها لا تعلم متى ستتخلص من شعورها بالذنب تجاة هذا الأمر، لا تظن بأنها ستتخلص منه ابدًا حتى الممات……
جاء داغر وجلس بجانبها متمتمًا بنبرة هادئة:
-ايه قاعدة كده ليه؟!..
نظرت إليه ثم صمتت وكانت نظرتها كافية أن تخبرها فيما معناها بأنه قد رأي كل شيء لا يحتاج إلى تفسير منها عن سبب انزعاجها…
أعاد داغر كلماته أمامها:
-شريف حُـر يا أفنان ولازم تتقبلي ده وتفصلي دماغك عنه..
عقبت أفنان رغمًا عنها:
-أنتَ مش فاهم حاجة يا داغر ولا فاهم فين المشكلة أصلا.
تمتم داغر ببساطة شديدة:
-ومش حابب أعرف لأنه شيء ميخصنيش ده أولًا وثانيا شريف حر في حياته واكيد هو عارف هو بيعمل ايه مش صغير حتى لو تصرفاته متهورة أنا معاكي في ده بس في النهاية هو عارف بيعمل ايه برضو.
حديث داغر مسكن مؤقت لقلقها وشعورها بالذنب ويبدو أنه محقًا لذلك صمتت..
تحدث داغر بهدوء مقررًا أن يشغل عقلها ويا ليته ما فعل:
-قومي كملي الأكل علشان فهد يصحى بقا ونأكل مدام شريف مشي..
-أيه؟!
قالتها أفنان بذهول مما جعل داغر يعقب بعدم فهم:
-ايه اللي قولته محتاج يتعاد؟! أو مش مفهوم؟! بقولك قومي كملي اللي اخوكي سابه علشان نأكل أنا جعان جدًا وفهد نام كتير اوي هصحيه.
تمتمت أفنان بارتباك طفيف هي لا تريد أن تكن في موضع المرأة الفاشلة أمامه في صنع الطعام:
-انا بس مليش في الكشري اوي بشوفه غلبة ودوشة ومجربتش أعمله..
قال داغر ببساطة:
-معتقدش باقي كتير العدس والرز يستوا بس يعني شريف عمل أغلب الحاجة…
شعر بنظراتها المرتبكة ليقول بهدوء مسترسلا حديثه:
-خلاص نطلب أكل..
تمتمت أفنان رافضة:
-مبحبش فهد يأكل من برا كتير..
ضيق داغر عيناه وهو يقول مقترحًا:
-خلاص شوفي حاجة تانية تعمليها..
هتفت أفنان بـتبرير:
-الجو تلج مفيش حاجة هتلحق تفك من الفريزر.
سألها داغر بجدية وسخرية:
-اومال أنتِ عايزة ايه يا أفنان أما كل الحلول مش عجباكي؟ نروح نأكل عند الجيران يعني..
أردفت افنان بتهكم طفيف وهي ترفع يدها وتشيح بها في الهواء:
-وبعدين هو أنتَ ليه بتكلمني كده؟! المفروض يكون عندك خبرة في المواضيع اللي زي دي مش كنت عايش لوحدك وفي الغربة كل الرجالة اللي في الغربة المفروض يكون عندهم فكرة…
فتح داغر عيناه بذهول ليقول:
-يعني المشكلة بقت عندي؟! أنا كنت باكل جبن او اي حاجة معلبة مكنتش بعمل كشري..
هتفت أفنان بنبرة باردة تناقض غيرتها المشتعلة:
-عندك حق ومعلش أصلي نسيت كمان أن كان عندك اللي يطبخلك حقك عليا…
نظر لها داغر غير مصدقًا تعليقها على هذا الأمر، وتكرارها أياه..
قاطع الأمر فهد الذي جاء بأعين ناعسة، وأول ما تفوه به كان:
-ماما أنا جعان، خالو خلص الأكل؟!.
…بـعـد وقـت…
“أسهل طريقة كشري وكله في حلة واحدة انسى بقا الكركبة والزحمة والحلل الكثير هيبقى أسهل مرة في حياتك تعملي كشري وهتدعي لفوزية، أهم حاجة فعلوا زر الجرس واعملوا لايك وشير للفيديو”
الثلاثة يجلسون على الأريكة بعدما أقترح داغر بأن يأتي بأحد المقاطع وتطبق خطواتها..
تمتمت أفنان معترضة على المقطع:
“داغر، أصلا كل حاجة معمولة في حلة لوحدها جوا مش هنيجي نخترع احنا”..
ليأتي داغر بمقطع أخر..
“أحلى كشري هتأكلوه، وأحلى من بتاع المطاعم كمان كل اللي هيأكله هيقولك بعد كده اعملهولي تاني، عملته لسفلتي من اسبوعين وبعتهولها وقالت لجوزها أنها هي اللي عملته فروحت أنا قولت قدام جوزها ان انا اللي عملته فراحت سابت البيت ومن ساعتها….
أغلق داغر الحاسوب وهو يتنهد بعنف وانفعال طفيف لا يتحمل تلك الثرثرة مما جعل أفنان تتحدث بعفوية:
-ما كنت سيبها نعرف سلفتها عملت ايه…
تمتم داغر موجهًا حديثه لها:
-أنتِ تسكتي خالص وبعدين تبقى تشوفي حوار سلفتها مع نفسك…
ثم وجه حديثه إلى فهد الذي يجلس بينهما:
-هاتلي تليفوني من جوا نشوف اقرب مكان لينا ونطلب أكل…
كادت أن تعترض مما جعل داغر يقول بخفوت:
-مش هيجرى حاجة يا ست الحريصة لو مرة كلنا من برا، الواد شوية هيغمى عليه بس من قلة الأكل…..
________________
…في السيارة…
السماعة تتواجد في أذنيه أثناء قيادته، مما جعله يصرخ بسبب عدم اجابتها عليه، تمتم شريف بانفعال واضح:
-يعني انا متفق معاكي على ايه؟! يعني أنتِ مش عارفة أن بنتك متهورة وهتروح أول ما تعرف اي معلومة يعني…
قالت سوسن بجدية:
-صعبت عليا وحاولت أريحها..
-المرة دي الحنية ظهرت…
ثم أسترسل حديثه غاضبًا:
-والله لاوريكي يا شمس.
اخذ يفكر لثواني فعل أي شيء مدام هاتفها ليس مغلق بالتأكيد سوف ترى إذا أرسل لها رسالة صوتية…
“شمس ردي عليا وعرفيني أنتِ فين أنا وامك جايين، امك قلقانة عليكي ردي علينا وعرفينا أنتِ فين ومحدش هيعارضك بس طمنينا عليكي وعرفينا ناوية على ايه”.
كانت تلك الرسالة الصوتية التي أرسلها وبعد ثواني كانت ترسل له شمس الرد في رسالة كتابية مختصرة جدًا:
-ملكش فيه.
تبًا لها فهو بالفعل يرغب في قتلها..
هي تستفزه بشكل لم يعهده من قبل..
ما الحل؟!
ما الحل مع تلك المرأة المجنونة؟!!
أخذ يحاول التفكير….
لثواني هل يبتزها عاطفيًا؟!
ماذا يفعل معها؟!!.
أخذ القرار..
“شمس اقسم بالله العظيم وأنا صادق في قسمي لو مقولتيش أنتِ فين لغايت ما نجيلك أنا مش هعرفك تاني بقية عمري اقسم بالله تاني ما هتشوفي وشي”.
أرسل تلك الرسالة الصوتية بنبرة مهددة وجادة إلى أقصى حد، هو لا يتراجع في قسمه مهما كلفه الأمر…
كان الرد منها هو رابط يخبره مكان تواجدها وموقعها.
يبدو أنها لم تهورها لم تغامر في خسارته استخدم أكثر الطرق فعالية على ما يبدو معها….
______________
الإسكندرية عروس البحر المتوسط..
في المطعم تضع الفتاة ثلج على وجهها، تجلس في مطعم بالقُرب من مطعم والدها كما تعلم وكما عرفت من والدتها وبعض المعلومات التي استطاعت جمعها عن سلسلة المطاعم عبر الصفحات الخاصة بهم على مواقع التواصل الإجتماعي وحينما ذهبت وقبل أن تتفوه بحرف أخبرها العامل بأن المطعم مازال مغلقًا وشعرت بالارتباك وقتها ولم تستطع فعل شيء ظنت بأنها ستتحلى الجراءة ولكن الأمر كان صعبًا جدًا…
هي حتى لا تعلم شكله، بحثت كثيرًا ولم تجد صورة تخصه هو، أغلبها كانت الشباب والرجال العاملين في المطبخ الخاص بالطعم..
قبل أن تفكر كثيرًا فيما تفعل، كانت تسير بضعة خطوات واصطدمت بدراجة نارية كانت تأتي بسرعة رهيبة جعلتها تسقط أرضًا ونتج عن تلك الحادثة كدمة قوية في وجهها وذراعها..
كانت في الوقت نفسه تعبر الطريق فتاة شابة في منتصف العشرينات من عمرها قادمة لبدأ العمل في المطعم الصغير التي افتتحته مع شقيقها، ولكنه مريض لا يهبط إلى العمل في تلك الأيام، بعد موت والدتها اتحدت هي وشقيقها لفتح هذا المطعم وفي هذا المكان المتميز ومرت فقط بضعة أسابيع على الافتتاح ولكنهم حتى الآن لم يصلا إلى شهرة المطاعم المجاورة..
فتحت الفتاة لها المطعم وأخذتها إلى الداخل بعد أن أغلقت باب المطعم وأخذت تحاول تنظيف جروح تلك المرأة التي أشفقت عليها بعدما مرت وحالة البكاء الهستيرية التي طرأت على شمس أثناء تجمع الحشد حولها ومنهم من كان يرغب في أن يصطحبها إلى المستشفى ولكنها رفضت رفض تام، وافقت فقط أن تأخذها تلك المرأة إلى مطعمها…
خلعت شمس حجابها عبائتها السوداء التي ترتدي أسفلها سترة شتوية وبنطال اسود حينما لاحظت أن المطعم مغلقًا وأخبرتها الفتاة بأنه لا يتواجد أي شخص غيرها لتخلع ملابسها حتى تستطيع تنظيف جروحها وأنها ستذهب إلى الصيدلية لشراء بضعة أشياء لها…
وأثناء ذلك جاءتها رسالة شريف فأجبرت بأن تخبره مكانها تحديدًا في حالتها تلك..
كانت شمس تبكي وبشدة لا تعلم هل من الألم الذي تشعر به أثر سقوطها أرضًا أو الكدمات التي باتت بها أم من الظروف التي تمر بها لم تكن يومًا فتاة كئيبة كما هي الآن…
غمغمت الفتاة بنبرة هادئة وهي تنظر إلى جرح يديها وبعدها أخذت تحاول تنظيف رأسها محاولة طمأنتها:
-الجرح سطحي مش محتاج خياطة الحمدلله.
نظرت لها شمس متمتمة بعدم فهم:
-عرفتي منين؟!.
ابتسمت لها الفتاة مغمغمة تثرثر كعادتها وهي تمرر القطنة التي وضعت عليها أحد السوائل المطهرة التي أتت بها من الصيدلية:
-أنا كنت شغالة ممرضة لمدة كام سنة بس سيبت الشغل وفتحت أنا واخويا المطعم ده، صحيح الناس كلها قالت عليا أني غبية وليه اسيب شغلانة زي دي دخلها ثابت واروح افتح مطعم مع اخويا وغالبًا شكله هيفشل بالذات لوجود أكتر من مكان جنبنا معروفين من سنين طويلة…
أسترسلت حديثها بهدوء:
-بس أنا شغفي كان في الطبخ واخويا خريج سياحة وفنادق وهو برضو شغفه فيه، ورثنا الموضوع عن امنا الله يرحمها كانت بتعمل اكل بيتي وتبيعه وكده يعني..
خرجت منها ضحكة مرحة وهي تغمغم:
-معلش أنا رغاية اوي، أصلا دي صدفة اني اجي الاقيكي المطعم كان اجازة وقافلينه النهادرة اخويا تعبان في البيت هيعمل عملية بكرا ومش هيقدر ينزل يشتغل كنت جاية أتأكد أن كل حاجة تمام لما خطر على بالي انزل واضح ان كان ليا نصيب انزل واساعدك، أنتِ اسمك ايه صحيح؟!.
أردفت شمس بشرود:
-اسمي شمس.
عقبت الفتاة بعفوية شديدة وود:
-أنا اسمي قمر ايه الصدفة الحلوة دي..
ابتسمت لها شمس كانت الفتاة ظريفة جدًا..
انتهت من تضميد وتنظيف جرحها ثم جلست على المقعد أمامها..
حاولت قمر المرح معها قائلة:
-لو كان اخويا هنا كان خف وبقى زي الحصان هو لما ببشوف بنات حلوة..
نظرت لها شمس بارتباك طفيف فغمغمت قمر بهدوء:
-أنا بهزر معاكي على فكرة، أنتِ شكلك حلو اوي ما شاء الله يعني من غير العباية والطرحة شكلك مألوف وزي الناس اللي بتطلع في التلفزيون كده كل حاجة فيكي بالمسطرة، أنتِ اسكندرانية؟!
تمتمت شمس بتردد:
-لا أنا من القاهرة، كنت جاية هنا زيارة بس مستنية والدتي تيجي..
لم تفهم قمر مغذى الحديث لكنها سألتها باستغراب:
-انتِ ليه مرضتيش تروحي المستشفى يعني مع أن باين أن شكلك كان خايف اوي وقتها، حتى مرضتيش تعملي لصاحب الموتوسكيل محضر؟؟
أردفت شمس بارتباك واضح:
-هي حادثة ووارد تحصل ملهوش لزوم كل ده واعمله مشكلة..
-بس هو كان غلطان الناس كلها قالت كده.
غمغمت شمس باختناق:
-كلنا بنغلط..
ثم استرسلت حديثها بامتنان حقيقي:
-المهم شكرا على اللي أنتِ عملتيه، انا عموما مش هعطلك اكتر من كده هقوم امشي..
أردفت قمر بنبرة هادئة:
-خليكي أنا مش هروح دلوقتي كنت هروح اشتري شوية حاجات وخلاص واتمشي لأن صحاب اخويا جم في البيت يزروه وأنا مش بكون هناك طول ما هما هناك هروح لما يروحوا..
هتفت شمس بنبرة صادقة:
-ربنا يخليكم لبعض واضح أنك بتحبيه اوي..
ردت عليها بهدوء:
-الطبيعي اني احب اخويا مش العكس ده الشيء الطبيعي واكتر حب مفيهوش أي مصلحة، كنت أنا وهو سند بعض من بعد موت امي اللي كانت كل حاجة في حياتنا.
سألتها شمس ببطئ:
-ووالدك؟!.
ضحكت قمر بوجع ثم غمغمت:
-اتجوز من سنين طويلة عليها، وهي مرضتش تطلق علشانا ومع ذلك مكناش في الحسبة بقا حياته كلها مراته التانية ولا مصاريف بيصرف علينا ولا غيره وامي كانت ست غلبانة حتى القواضي مكنتش عايزة ترفعها عليه علشان متوقفناش في المحكمة، وهو عايش حياته مبيفكرش يتصل بينا غير لما يعوز حاجة غير كده هو بالنسبة لينا ميت.
قالت شمس مغيرة الموضوع:
-اخوكي عنده كام سنة؟!
تحدثت قمر بهدوء وهي تحاول نفض حزنها:
-ثمانية وعشرين الفرق بينا سنة وكام شهر أحنا زي التوأم عموما حتى شكل بعض..
ثم استوعبت نفسها وهي تغمغم بسخرية طفيفة:
-مش عارفة مالي النهاردة نازلة ناقص احكي قصة حياتي واعلنها بث مباشر على التلفزيون..
هتفت شمس مواسية أياها:
-يمكن نفسك تتكلمي ولما صدقتي لقيتي الفرصة ساعات بنحب نحكي قصتنا قدام الناس الغريبة اللي ممكن متشوفناش تاني علشان القريبين مننا بيجرحونا لما يعرفوا نقطة ضعفنا..
قالت قمر بنبرة خالية من المرح:
-واضح أنك معبية كتير اوي..
ابتسمت لها شمس ثم أردفت:
-يعني كل واحد بيكون شايل هم مختلف من نفسه أو من اللي حواليه بس النتيجة واحدة احنا مليانين هموم، يمكن لو حد جه قالي من كام سنة اني هكون بقول الكلام ده كنت هكدبه انا كنت عايشة حياتي بالطول والعرض.
تمتمت قمر بنبرة جادة:
-يمكن، وبعدين ياست شمس مين دول اللي مش هيشوفوا بعض تاني؟! يعني انا بعد تاريخ حياتي ده اللي عماله احكيه مش هتخليني اشوفك؟! ده انا كنت لسه هاخد رقمك ونبقى صحاب…
-اكيد..
ثم أسترسلت حديثها محاولة تغيير الموضوع وهي ترمق المكان بلطف:
-المطعم شكله حلو وكل تفصيلة فيه حلوة اوي..
ضحكت قمر بعجز:
-يعني احنا صرفنا اللي ورانا واللي قدامنا عليه لدرجة ان معناش اللي يخلينا نعمل دعاية تنافس الاماكن اللي جنبنا..
-أنتِ شكلك جدعة وبنت حلال ان شاء الله ربنا هيوفقك أنتِ واخوكي ويطمنك عليه.
-يارب.
ثم أسترسلت قمر حديثها بحماس:
-خلاص مدام بقينا صحاب يعتبر لازم تدوقي المكرونة بتاعتي اقوم اعمل ليا وليكي أنا مكلتش حاجة من الصبح..
قالت شمس بحرج كبير:
-أنا مش عايزة اتعبك معايا ملهوش لزوم صدقيني انا هقوم امشي كفايا اللي عملتيه لحد كده.
-مش هتمشي غير لما والدتك تيجي مش بتقولي جاية ليكي؟! يبقى نأكل مع بعض وبالمرة اكون بعمل زبون كل ما تيجي إسكندرية تعدي علينا…
تمتمت شمس بتردد:
-أنتِ بتثقي في الناس بسهولة، يعني سايباني في مطعمك أنا وأنتِ لوحدينا وقافله الباب مش خايفة ان مثلا ا…
قاطعتها قمر بمرح:
-لا معتقدش ليكي في الاغتصاب أو القتل ولا التحرش..
أسترسلت قمر حديثها برفق:
-على الله الولايا لازم يساعدوا بعض ويساندوا بعض يمكن معاكي حق أنا بثق في الناس بسهولة بس أنا بعامل زي ما بحب اتعامل لو في موقف زي موقفك الاقي اللي يساعدني والحمدلله مفيش ولا مرة غير وربنا وقف معايا في أبشع الظروف والأيام..
____________
بعد مرور وقت تناولت فيه الطعام برفقة قمر وبعدها الشاي ووقت قضته تثرثر أمامها قمر بدت أمامها أمرأة منكسرة وغاضبة تريد اخراج ما يتواجد بداخلها ختمت قمر حديثها بتهكم طفيف:
-وبس ياستي رميت الدبلة في وشه، اصل كل شوية كان يقولي اصل دي بنت خالتي، دي بنت عمتي، دي جارتي، دي اختى في الرضاعة، دي واحدة معدية في الشارع ومقدرش اختصر علاقتي بيها، دي ودي في الاخر قولتله مع السلامة..
تمتمت شمس بصدق رغم الوقت القليل الذي جمعهما:
-ربنا يعوضك باللي أحسن منه.
-يارب.
طرقات غاضبة على الباب الزجاجي، جعلت قمر تنهض من مكانها فتحت الباب لتجد امامها أمرأة في نهاية الاربعينات من عمرها تقريبًا وشاب على وشك أن يخرج من عينه شرار، غمغم شريف بنبرة غاضبة إلى أقصى حد:
-شمس فين…..
جاءت شمس بعدما ارتدت العباءة التي لم تغلق أزرارها وهي تضع الطرحة فوق رأسها بعشوائية:
-أنا هنا..
صرخت سوسن بمجرد أن رأت هيئتها تلك وأخذتها في أحضانها بقلق حقيقي تشعر به لأول مرة ثم ابعدتها عن احضانها بعد وقت:
-ايه اللي حصلك يا بنتي بس؟!..
قال شريف بجنون:
-ما تقولي مالك ومال وشك أنتِ نشفتي دمنا.
صاحت قمر مستنكرة:
-متزعقش ليها في ايه يعني؟!! مين أنتَ؟! وبراحة على البنت عملت حادثة في موتوسيكل خبطها..
غمغم شريف بغضب هو الأخر:
-وأنتِ مين أنتِ كمان وبتحسابيني بتاع ايه؟!
ردت عليه قمر ببرود:
-بحاسبك علشان انتَ واقف في محلي وبتزعق لضيفتي….
تحدثت سوسن بهدوء موجهة حديثها إلى شمس وهي تحاوط وجنتيها بكفيها التي لم تشعر بهما بالحنان يومًا:
-أنتِ كويسة يا بنتي؟! نوديكي المستشفى…
كان رد شمس عليها فاتر:
-ملهوش لزوم يا امي…
عقب شريف بصوت غاضب إلى أقصى حد:
-تعرفي يا شمس النهاردة اليوم الوحيد اللي اتمنيت فيه تكوني تخصيني..
سألته شمس بسخرية واستنكار باتت تعلم بأن الإجابة لن تروق لها:
-ليه؟!.
صاح شريف مستنكرًا وغاضبًا:
-علشان كنت اديتك قلم تحلفي بيه بقية حياتك كلها تعيشي صوابعي معلمة على وشك..
قبل أن تتحدث شمس تفوهت قمر بجنون:
-أنتِ بلطجي ولا شكلك كده؟!! بتاع مين أنتَ علشان تكلمها بالشكل ده وأنتِ ساكتة ليه أنتِ وامك؟!! اشك أنها كانت هربانة من وشك..
هتفت شمس بتردد:
-متعصبيش نفسك يا قمر علشان خاطري متدخليش أنا بجد مش عارفة أقولك ايه شكرًا على كل اللي عملتيه أنا مضطرة امشي وان شاء الله ربنا يكتب لينا لقاء تاني..
قالت قمر بجدية وهي ترمق شريف بنظرات غاضبة:
-لو الراجل ده بيهددك بيبتزك عرفيني وملكيش دعوة، البلد دي فيها قانون مهما كان هو مين او ابن مين هو مين ما كان هجيبلك حقك انا جوز خالتي محامي عُقر.
تمتم شريف ببرود:
-يا استاذة متقلقيش اللي معاكي دي مفيش حد بيقدر عليها غير ربنا، وبعدين لما تحبي تحطي خطة ياريت متخليش الطرف التاني يسمعها لانها اكيد لو انا بهددها مش هتتكلم قصادي يا جنكيز خان.
ثم أسترسل حديثه بجفاء إلى شمس:
-ظبطي هدومك واطلعيلي..
أنهى حديثه ورحل مما جعل قمر تهتف مستنكرة:
-مين الراجل ده هو ده اللي هربتي منه وجيتي هنا؟!.
غمغمت شمس بارتباك:
-انا مش هربانة منه يا قمر وبعدين ده الراجل اللي انا بحبه وانا اللي قولتله على مكاني علشان يجي علشان حالتي، احنا بس طريقتنا مع بعض طريقة غبية شوية لكن هو ولا بيهددني ولا حاجة.
مطت قمر شفتيها بضيقٍ ثم أردفت بعدم اقتناع:
-ماشي بس خدي رقمي لو في اي حاجة كلميني بس وانا هوريه..
لا تدري شمس حقًا من أين أتت تلك الجسارة في هذه الفتاة التي تبدو بسيطة جدًا، ولكنها تمتلك من الشهامة ما لا يمتلكها الكثير من الرجال…
ابتعدت قمر لتجيب على هاتفها مما جعل سوسن تتحدث بتوتر رهيب تملكها منذ وصولها إلى هنا:
-مين دي وبتتكلم كأنها صاحبتك كده ليه؟!!!
بعد وقت…
انتهت شمس من تعديل ملابسها، وعرضت إلى قمر أن تدفع ثمن طعامها وجلوسها والعلاج التي أتت به، لكن غضبت قمر وأخبرتها بأنها اعتبرتها صديقة وأخت لها وأن هذا ليس يوم من ايام عملها لتتقاضى أجرًا هي فعلت هذا محبًا بها ورغبة في المساعدة..
خرجت شمس برفقة سوسن ثم صعدت إلى سيارة شريف وجلست بجانبه وفي الخلف جلست سوسن مما جعل شريف يسألها سؤال بسيط:
-مين اللي كانت عمالة تناطح فيا دي؟!.
غمغمت شمس ببرود:
-دي واحدة شافتني لما الموتوسكيل خبطني ولما لقتني مصرة مروحش المستشفى اخدتني عندها المطعم وجابتلي مسكن ونظفت الجرح هي كانت ممرضة قبل كده…
تمتم شريف بصوت جهوري بعد أن أغلق نوافذ السيارة كلها بضغطة واحدة على زر من الأزرار المتواجدة في الباب الخاص به:
-يعني بعيدًا عن أنك كسرتي كلامي وعملتي اللي في دماغك، جيتي طريق سفر من غير بطاقة من غير اي حاجة، ومن غير ما تاخدي رأي حد، قولنا ماشي نشفتي ريق اللي خلفوني علشان تردي علينا..
ابتلع ريقه ليقول بجنون وغضق جامح يحرق الأخضر واليابس:
-واخرتها وشك ادشمل، لا مكتفتيش بكل ده روحتي تقعدي مع واحدة في منطقة غريبة ومكان غريب عليكي متعرفيش ايه اللي مستنيكي جوا ولا تعرفي هي بنت حلال ولا بنت حرام ولا ايه نيتها وقاعدة وقافلين الباب عليكوا…
غمغمت شمس بتردد وتوتر:
-هي قالتلي ان المكان فاضي ومكنش في نيتها اي حاجة وهي فعلا ساعدتني..
سألها شريف بصوت مُريب:
-ومسمعتيش عن أي حادثة بدأت بالكلام ده واللي حصل بعدها كان حاجة تانية خالص؟.
تمتمت شمس بجنون وغضب:
-أنتَ بأي حق تحاسبني أصلا، أنا مش صغيرة وأنتَ مش وصي عليا ومكنش له لازمة تعمل دور البطولة ده وتيجي، سيبني ايكش اولع اموت ملكش فيه…
نظر لها نظرات قاتلة وبادلته هي نظرات بأخرى لا تقل عن نظراته حدة وغضب مما جعل سوسن تتحدث أخيرًا محاولة أن تنقذ الأمر:
-أنا اللي قولتله يجي معايا، ثائر بيساعدنا ومش قصده حاجة.
صاحت شمس مستنكرة تصرفات والدتها:
-هو لازم نعتمد على حد علشان يخلص لينا أمورنا ما نعتمد على نفسنا أحنا مش محتاجين مساعدة من حد علشان تروحي تجري عليه…
تمتمت سوسن بانزعاج شديد:
-على أساس أنك رديتي عليا؟! انا مروحتش ليه غير لنا يأست أنك تردي عليا وتعبريني..
أدار المقود في صمت تام وتوقف الاثنان عن الحديث حتى ابتعد مسافة مناسبة واصطف بالسيارة في احد الشوارع الجانبية لتقول شمس بجدية موجهة حديثها إلى الاثنان:
-أنا مش هتراجع عن اللي جيت علشانه أنتم سامعين؟!
رغم ضيقه وحزنه على هيئة وجهها والكدمة الظاهرة بوضوح إلا أنه غمغم ببرود أجاده:
-تسلم ايده ياريت كان قص لسانك او خد فص من فصوص مخك الخربانة…
-ملكش فيه ارجع محدش طلب منك تيجي….
وقبل أن يجيب عليها كانت سوسن تتحدث بارتباك طفيف:
-ثائر ممكن ننزل نتكلم..
كان رده عليها هادئ جدًا:
-يلا…
أردفت شمس بنبرة ساخرة:
-ما تتكلموا قدامي ولا أنتم في بينكم أسرار ده انتم مش طابقين بعض حتى..
عقب ثائر بنبرة منزعجة:
-فيه كلام واضح أننا مش عايزينك تسمعيه فياريت بلاش تطفل..
كتمت غيظها وعقدت ساعديها ناظرة إلى الناحية الآخرى ليهبط من السيارة وتلحقه سوسن ويبتعدا عن السيارة بضعة خطوات مناسبة قد تسمح لهما الحديث أما شمس كانت تراقبهما من المرأة التي تتواجد أمامها..
لكنها لن تستطع أن تسمع شيئًا..
تمتمت سوسن بتردد:
-شمس مصممة.
غمغم شريف بجدية:
-ده حقها، واعتقد خلاص الموضوع خلص لغايت كده.
هتفت سوسن بنبرة مختنقة:
-والمفروض أعمل ايه يا ابني؟!.
نظر لها شريف بدهشة لتسترسل حديثها بتردد جدية شديدة:
-يمكن أكون في نظرك ست ضعيفة اتعودت يكون في حد معاها ويمكن ده حقيقة، بس أنا شايفة فيك حد مختلف حد بيبص لشمس نظرة عمر ما حد بصها ليا، نظرتك مختلفة عن اي راجل يا شريف علشان كده أنا بتسألك أعمل ايه أنا خايفة من المواجهة أنا سرقته ومشيت وعدت أكتر من ثمانية وعشرين سنة…
عقب شريف بجدية:
-أنا شايف أنه مفيش رجوع روحي وواجهية بكل حاجة بس ادخلي عليه أنتِ شوفي انطباعه الأول، واحنا هنكون هنا في العربية..
-أنا خايفة أوي..
وهو خائف من فكرة السجن لن ينكر..
قال شريف بخفوت شديد وكأنه يخاطب نفسه:
-كل ما بنتاخر في خطوات معينة كل ما الموضوع بيصعب علينا تقبله وأنتِ هتعملي كده علشان شمس اتشجعي علشانها علشان بنتك يكون ليها نسب ونعرف تكمل حياتها الجاية.
ثم أسترسل حديثه ببطئ وهو يتذكر فهد رغم اختلاف الأمر كليًا:
-مفيش أصعب من أن حد يحس أنه ملهوش نسب ولا اي معترف بيه وده سبب المفروض يخليكي تعملي كده الموضوع انتهى…
أردفت سوسن بنبرة مكتومة وهي تفرك يديها يتوتر رهيب:
-وأنا هروحله فين؟! ما له كذا فرع والله اعلم هو موجود هناك دلوقتي ولا لا؟! ويمكن هو في بيته أصلا وانا معرفش شقته فين اللي اعرفه انه باع شقته القديمة دي اخر حاجة عرفتها عنه..
رد شريف عليها وهو يلتقط هاتفه من جيبه قائلا:
-هتكلميه في الموبايل هناخد رقمه وتكلميه الأول…
____________
أنتِ أول امرأةٌ أمنحها أصدق مشاعري أول امرأةٌ أشعر
معها بالحُب الشديد أول أمرأةٌ تدهشني بكلماتها وبكل شيء بها، أول امرأةٌ أشعر معها بأنني شخصًا آخر
مُختلف كثيرًا، أحبكِ وبقربكِ فقط شعرت
وكأنني لم أذق مر الأيام شعرت وكأنني خلقتُ
من جديد .
#مقتبسة
‘ دبـــي ‘
“خلصتي؟!”
“قربت”…
ليعود متصلًا مرة أخرى يسألها بهدوء:
“خلصتي؟!”.
“والله خلاص قربت”.
كان يجلس في الفندق ويتصل بها كلما تمر عدة دقائق ولا يدري لما يشعر بهذا القلق وكأنه يتعامل مع طفلة ليست أمرأة بلغت الثلاثين من عمرها..لكنه يحاول تفسير قلقه بأنهما في بلد مختلفة لا تعرف بها شيئًا حتى ولو بلد عربي…
وافق في النهاية على مضض في رغبتها بعدما رأى صالون التجميل الذي كان بالقُرب من الفندق وافق لرُبما هي ترغب في التغيير ولأنه يقدر بأن فردوس ترغب للتغيير ولكن ما مرت به وما رأته حسب وصفها رغم أنها لم تفصح له كل شيء إلا أنه ادرك أن الأمر تخطى أمر أفنان فقط…
فأرادها أن تفعل ما يحلو لها وتدلل وتفعل ما تريده حتى ولو سوف تتخلى عن شعرها الأسود كسواد الليل الذي يحبه وأعتاد عليه…
بعد وقت فردوس…
سارت من صالون التجميل التي قضت به وقتًا طويلًا من أجل العناية بأظافرها وتغيير لون شعرها والكثير من الدلال والعناية حتى بالبشرة، تلك المرأة التي تتحدث الإنجليزية التي كانت تقوم بصبغ شعرها انزعجت من اتصالات كمال المتكررة حتى اخبرتها بلغتها الانجليزية والعربية الغير سليمة بأن زوجها رُبنا يعاني هوسًا بها فضحكت فردوس كما لم تضحك من قبل ولم يعكر صفوها سوى رسائل من حساب مجهول ولكن الرسائل كانت كفيلة بأن تقلب كيانها..
“فردوس انتِ بلكتيني ومش عايزة تعرفيني تاني ومدتنيش فرصة حتى نتكلم واقولك اللي جوايا ولا اديتني فرصة تسمعي مني، مفيش حد أضرر قدي يا فردوس وأنا حبيتك كأخت ليا، ومش بعد العمر ده كله والسنين اللي ضاعت هدر انك تشليني من حياتك كأني مكنتش فيها ومعلش يعني لو مش قادرة تسامحيني اني خبيت عليكي قدرتي تسامحي جوزك وتسافري معاه وكأن مفيش حاجة حصلت”.
قرأت الرسالة اللعينة والمستفزة كانت على وشك أن تقوم بتكسير الهاتف تمالكت أعصابها، ولكنها لم تتمالك دموعها ولم تسيطر عليها منذ أن خرجت من الصالون وحتى وقوفها أمام الغرفة بعد أن أخرجت الكارت ووضعته في المكان المخصص له في الباب لتفتحه وتدخل جلست على الفراش دون أن تخلع أي شيء من ملابسها غير حذائها تقريبًا كانت تسمع صوت خرير الماء من الحمام الخاص بالغرفة فعلمت بأنه رُبما يأخذ حمامه أو يتوضأ ثم تذكرت بأن مر وقت طويل على أذان العشاء…
تبًا لها ايمان التي تبخ سمها وتنشره حولها دون التفكير حتى ولو لثواني..
توقف صوت المياة وبعد دقائق فُتح باب المرحاض وخرج منه كمال الذي ما أن أبصرها قال بنبرة هادئة:
-أهلا وسهلًا أخيرا خلصتي كنت خلاص على تكة وهجيلك…
أقترب منها ليجد ملامحها شاحبة وعيناها تظهر بوضوح بأنها قد بكت تمتم كمال بنبرة متوترة وقلقة:
-في ايه يا فردوس مالك؟! في حاجة حصلت ليكي وأنتِ راجعة؟!.
لم يجد منها رد مما أصابه بالغضب أكثر متمتمًا:
-فردوس اتكلمي…
كانت أجابتها مرتجفة بشكل لم يعهده من قبل إلا في الآونة الأخيرة:
-احضني..
لا يعلم كم من الوقت مر وهي بين أحضانه صامتة، صامتة بشكل يفزعه، صمت أمرأة كـ فردوس ليس شيئًا طبيعيًا أبدًا، كانت متوقفة عن البكاء ولكنها صامتة ورغم أنها ترتدي ملابس ثقيلة نوعًا ما ومازالت بحجابها إلا أنه شعر بارتعاشة جسدها مما جعلة يخفض المكيف ثم يعاود أن يحتضنها..
وكان أول شيء تفوهت به بصوت متعب اختفى به الحماس الذي كان يتواجد بها في الصباح:
-أنا بقيت كويسة الحمدلله مفيش حاجة..
رفع رأسها إليه وحاوط وجهها بكفيه حينما ابتعدت قليلا عن أحضانه الدافئة:
-فردوس أيه اللي حصل؟!.
قالت فردوس بيأس ونبرة واهنة:
-مفيش حاجة يا كمال..
تنهد وهو يسألها دون ملل ولكنه مهتم إلى حد لا تستوعبه هي:
-فردوس ايه اللي حصل؟ مش من الطبيعي تنزلي معايا متحمسة وعايزة تجربي كل الحاجات المجنونة اللي في الكون وفجأة ترجعي معيطة…
تمتمت فردوس بصوت ميت:
-ايمان بعتتلي رسالة..
خرجت من بين شفتيه كلمات بذيئة لم يستطع كبحها وهو يقول:
-وأنتِ مخلياها عندك لغايت دلوقتي ليه؟!
بفتور شديد كانت فردوس تجيب عليه:
-أكيد بلكتها يا كمال بس هي عملت اكونت فيك وبعتتلي…
قاطعها كمال بوضوح:
-بسيطة يا فردوس امنعي أي حد غريب يبعتلك رسائل..
تحدثت فردوس باستخفاف:
-تفتكر يعني لو عملت كده المشكلة هتتحل؟! ما أنا مسيري ارجع واشوفها ولازم هتقابل و…
قاطعها كمال للمرة الثانية:
-خلاص لما نرجع انا هتصرف معاها ومع أهلها…
تمتمت فردوس برفض شديد ورجاء صادق:
-كمال ارجوك متدخلش في الحوار لا من بعيد ولا قريب أنا كفيلة أحله معاها لما أرجع انا مش صغيرة وأنا عارفة هتصرف ازاي…
قال كمال بجدية:
-فردوس مبقاش في العمر باقية أنك تسمحي لحد ينكد عليكي عيشتك أو يجبرك على شيء مش عايزاه حتى لو كنت أنا..
غمغمت فردوس ببطئ:
-تأكد اني مش هسمح لحد يضيع سنين عمري ولا يستغفلني تاني..
ساد الصمت بينهما ليقتحمه كمال هذه المرة بنبرة جادة:
-بعبدًا عن سيرة ايمان الـ**** مش ناوية توريني شعرك يعني؟!..
اعتدلت قليلًا وهي تخرج الدبوس التي تثبت به الحجاب وخلعته ثم خلعت ما ترتديه أسفله وحررت خصلاتها المصففة بعناية بالغة، خصلاتها بنية اللون كالبندق وبها بعض الخصلات الشقراء كانت رائعة، جميلة مُلفتة بشكل كبير وأزداد طول خصلاتها بعدما تم القضاء على تلك الموجة بسبب تصفيقه بالمكواة ذات درجة الحرارة العالية، لم يتوقع بأنها ستكون رائعة إلى هذا الحد، كانت فاتنة كما أعتاد أن يراها أو رُبما الحب الذي يتواجد بينهما يجعله يراها في أغلب الأحيان بأنها أجمل نساء الأرض..
سألته فردوس بنبرة متلهفة رغم أن الرد على سؤالها ظاهرًا في عينه بوضوح:
-ايه رأيك؟!.
-حلو، حلو اللون عليكي فعلا، أنتِ حلوة في كل حالاتك يا فردوس..
ابتسمت له بحياء وهي تسأله بنبرة هادئة:
-عملت ايه بقا من ساعة ما رجعت من غيري؟!.
أجابها كمال بتفسير:
-أبدًا كنت قاعد مبعملش حاجة قولت افضي شنطتك اللي مفتوحة ونصها في الأرض والمنظر مكنش عاطفي، لسه فاضل وقت لينا وكل ما تيجي تعوزي تطلعي حاجة هتفضلي تقلبي الدنيا وتكركبي الدنيا لأن كله فوق بعضه ومش هتشوفي حاجة على الأقل وهما في الدولاب هتكوني شايفة كل حاجة قصاد عينك…
قالت فردوس بنبرة هادئة:
-مكنش له لزوم تتعب نفسك انا كنت عملتها لما اجي…
ثم توقفت عن الحديث تمامًا وهي ترمق الحقيبة الصغيرة الخاصة بدعاء مفتوحة ويبدو أنها فارغة وتم وضعها فوق الأريكة..
رأى أين توجه نظراتها فأجابها بصوت هادئ:
-اه انا فضيت الشنطتين..
تحدثت فردوس بنبرة حمقاء:
-دي مش حاجتي و..
قاطعها كمال بسخرية واضحة:
-اعتقد للمرة الثانية لو حاولتي تنفي الحاجات دي وتلبسيها لحد غيرك هتبقى حركة في منتهى الغباء وأنا مش واخد عليكي غبية با حبيبتي.
عقدت ساعديها بخجل لا ترغب في أن تواجه بنظراتها ليسترسل هو حديثه بهمق وهو يتحدث ببراءة لا تليق به:
-خصوصًا أنهم كانوا الدولاب مدفونين لمدة طويلة وجم الوقت اللي يشوفوا النور..
رفعت رأسها سائلة أياها بغباء:
-وأنتَ ايه عرفك ولا شوفتك فين هناك أنا كنت مخبياهم كويس…
عقب كمال مداعبًا أياها:
-واحد بيفهمك من نظرة عينك ومن شكلك اعتقد مش صعبة عليه يشوف أنتِ مخبية ايه في دولابك اللي كنت بفتش فيه..
-ومش مكسوف من نفسك أنك كنت بتقتحم خصوصيتي؟!
هز كمال رأسه نافيًا وهو يؤكدها ببساطة شديدة:
-لا مكنتش مكسوف.
ثم أقترب منها هامسًا بجانب أذنيها:
-ولا كنت مكسوف لما كنت ببوسك وأنتِ نايمة بقالي سنين، ودي الحاجة الوحيدة اللي اشكر عليها المنوم كان مديني راحتي وأنتِ نايمة اكتر من وانتي صاحية..
قالت فردوس بخجل واضح وعدم استيعاب:
-ايه؟!!.
-مش هنضيع الوقت في ايه دلوقتي أنا اخترت ليكي حاجة على ذوقي….
___________
” الاسكندرية ”
” الرقم اهو عرفيه أنك عايزة تقابليه بس متجبيش سيرة أبدًا جيبتي الرقم منين لو يعني سألك”
الرقم أخذه من هلال بعد مكالمة طويلة بينهما ولم يجد هلال سوى أن يعطيه الرقم محذرًا أن يذكر اسمه…
تقف سوسن بخارج السيارة تتأمل الرقم المكتوب في الشاشة أمامها على الهاتف..
..بداخل السيارة..
يقوم شريف بشرب مشروبه الغازي وبجانبه تتواجد بضعة أكياس بها مشروبات غازية ومقرمشات وكعك ومياة معندية.
هتفت شمس بانفعال وهي تراقب والدتها من المرأة، كانت تجلس المقعد المجاور لمقعده:
-انا مش طايقاك..
ارتشف من المياة ما روى جوفه ثم غمغم ببرود:
-شعور متبادل من القلب للقلب رسول..
صاحت شمس مستنكرة بجنون وهي تشير ناحية الاكياس الممتلئة:
-يعني أنتَ مفكرتش حتى تعزم عليا بحاجة..
عقب شريف بنبرة جادة:
-أكيد انا مش جايب كل ده لنفسي، بس أول ما دخلت العربية وجيت انطق قولتي مش عايزة اسمع صوتك وصرختي ولولا أن وقتها كان ازاز العربية مقفول لكانت الناس افتكرت اني خاطفك..
تمتمت شمس بتهور:
-هو معنى اني قولتلك اني مش عايزة اسمع صوتك يبقى متكلمنيش؟!..
قال شريف بفتور أجاد صُنعه وهو يمتنع بصعوبة عن ضحكة كانت على وشك الظهور:
-اومال ايه؟! هبعتلك اللي عايز اقوله بالحمام الزاجل؟!.
غمغمت شمس بانزعاج جلي:
-والله أنتَ قليل الذوق.
-وأنتِ غلاطة ولسانك طويل وبجحة وقصري معايا في الكلام أحسن…
خـارج هذا الصراع العاطفي وخارج السيارة..
كانت سوسن تضع الهاتف على أذنيها بأيدي مرتعشة ولم تمر ثواني وكانت تسمع صوته مخترقًا طبلة أذنيها رغم خفوته ورزانته..
-ألو..
لم تجد سوسن رد تقوله وكأن لسانها قد تعقد..
-ألو مين معايا؟!!!..
لم يجد منها رد فأغلق الهاتف، وشعرت سوسن بحماقتها فأعادت الاتصال لتجده يجيب عليها مرة أخرى:
-ألو..
تحدثت أخيرًا خرج صوتها مهزوزًا:
-ألو.
جاءها صوته الهادئ:
-مين معايا؟!!.
ما المشاعر التي يجب أن تنتاب شخص حينما يتحدث مع رجل كان يومًا يراه حبه، يجده خلاصه، حلمه الحقيقي والوحيد وفجأة غدر به، وبعدها هي فعلت الأسوء وقامت بسرقته…
“أنا سوسن”
كيف تخبره أياها….
كرر منير سؤاله بفتور وملل:
-مين معايا!!!..
فجرت القنبلة وخرجت منها بصوت خافت جدًا:
-أنا سوسن..
سألها منير كـالأبلة:
-سوسن مين؟!.
قالت سوسن باختناق وشعور رهيب بالخجل والخزى يلاحقها:
-أنا سوسن يا منير، سوسن طـليـقـتـك……
شعر منير بالصدمة..
سوسن تتصل به بعد تلك السنوات!!
السنوات التي تخطت الثمانية وعشرين عامًا!!
تتصل به؟!…
أجابها بصوت فاتر وغضب اشتعل في ثواني ونسى الصدمة التي كانت تحل عليه:
-عايزة ايه يا سوسن؟! بتكلميني بعد العمر ده كله ليه؟! وجيبتي رقمي منين؟!.
عقبت سوسن على حديثه بقلق:
-اللي يسأل ميتوهش، جيبته زي ما جيبته، المهم اني عايزاك في موضوع مهم.
جاءها صوت ضحكة ساخرة منه فهي تتحدث معه وكأنها انفضلت عنه أمس:
-موضوع ايه المهم اللي جاية تكلميني فيه بعد السنين دي كلها؟! وبعد ما سرقتيني وسايبة رسالة تعرفيني بكل بجاحة اللي عملتيه….
عقبت سوسن بصوت حرج:
-موضوع أهم من ده كله ولازم اشوفك، أنتَ فين دلوقتي..
غمغم منير ببرود:
-معتقدش ان في موضوع مهم ممكن يكون بيني وبينك يا سوسن، ومش علشان مبلغتش عنك زمان متخيلة اني هكون ناسي غدرك بيا.
قالت سوسن بجدية:
-لازم اشوفك الموضوع أهم مما تتخيل..
أردف منير بسخرية:
-هاتي جوزك وتعالى اعزمكم عندي وبالمرة نشوف ايه اللي محتاجة تتكلمي فيه معايا..
ردت سوسن بارتباك:
-أنتَ عرفت منين اني اتجوزت؟! وتعرف ايه عني..
ببساطة كان يعقب على حديثها بهدوء:
-كنت بدور عليكي اكتر من خمس سنين بعد طلاقنا لغايت ما حد من السجل المدني عرفني أنك اتجوزتي وعايشة في القاهرة ومن وقتها محبتش أعرف تفاصيل أكتر من كده..
-ده بس اللي تعرفه؟!.
غمغم منير بتهكم طفيف:
-وأنتِ عايزاني أعرف ايه عنك اكتر من كده؟!!.
-منير لازم نشوف بعض.
أجابها بجفاء:
-أنا مش فاضي ليكي.
تمتمت سوسن بانفعال:
-لازم نتكلم ونتقابل أنا كنت حامل يا منير لما طلقتني لو حابب تعرف ايه اللي حصل تعالى القاهرة وهبقى ابعتلك عنواني..
أتاها صوته صارخًا:
-أنتِ بتقولي أيه؟! حمل ايه اللي بتتكلمي عنه أنتِ بتخرفي…
ردت سوسن بارتباك طفيف:
-بقول اللي أنتَ سمعته هبعتلك العنوان في رسالة لو حابب تيجي هستناك..
وقبل أن تسمع رده أغلقت المكالمة وبعدها الهاتف كله وسارت بسرعة ناحية السيارة وفتحت الباب وركبت في المقعد الخلفي وهي تحاول التنفس بصعوبة مما جعل شمس تسألها بلهفة:
-ها عملتي ايه؟! هيجي دلوقتي..
تحدثت سوسن باختناق شديد:
-امشي يا ثائر امشي من هنا….
قاد شريف (ثائر) السيارة وسار بضعة خطوات وسوسن تبكي كالأطفال صوت شهقاتها ألم شمس وبشدة وهي تقص عليهما محتوى المكالمة وعلى الرغم من ضيق شمس من بكائها إلا أنها هتفت بانفعال شديد:
-يعني كنتي مكسلة تكملي المعلومة وتقوليله الحقيقة وتخليه يجي ونتنيل نشوفه..
صاح شريف مستنكرًا:
-يعني الست بتعيط قدامك ومتوترة والمواجهة بالنسبة ليها مش سهلة زي ما حضرتك متخيلة خلاص متجلديش فيها، ومدام رمت له الطعم هو مش هيبطل يتصل…
تمتمت سوسن بارتباك:
-بس أنا قفلت الموبايل كمان..
غقب شريف ببساطة:
-ده أحسن خليكي قافلاه لغايت بكرا وافتحي ابعتيله العنوان واقفليه تاني ومن غير ما تتطقي هو هيجي بعد اللي قولتيه…
ثم وجه حديثه إلى شمس بغضب طفيف:
-وأنتِ اهدي على الست استنيني كل ده مجتش من يوم او يومين تستعيد هي طاقتها وترجع زي الأول علشان تعرفوا تقفوا للراجل لما يجي..
صاحت شمس مستنكرة أفعاله:
-وأنتَ بتعمل ايه؟!.
صاح هو الاخر بنبرة متهكمة:
-أنا مش عارف أنتِ عايزة ايه؟! ادخل مش عاجبك اسيبكم تتصرفوا لوحدكم مش عاجبك أومال ايه اللي هيريحك..
تمتمت سوسن وهي تضع يديها على أذنيها وكأنها تهزى:
-اسكتوا، اسكتوا شوية….
______________
‘ القــاهـــرة ‘
يقف داغر في الغرفة التي باتت غرفته هي وأفنان أثناء مكوثهما هنا وأمامه حقيبة سفره مفتوحة وبها بعض الاغراض وها هو يقوم بوضع ملابسه بها وكانت أفنان تمر في الرواق في الوقت نفسه..
وجدت هذا المشهد فذهبت إلى فهد الذي يشاهد أحد أفلامه الكرتونية المميزة، وضعت أمامه طبق الفاكهة التي قامت بتقطيعه لأجله وعبثت في خصلاته ثم عادت مرة أخرى بخطواتها وتوجهت صوب الغرفة التي يتواجد بها داغر مغمغمة:
-بتعمل ايه يا داغر؟!.
عقب داغر ببساطة وهو يشير إلى الحقيبة وملابسه:
-زي ما أنتِ شايفة بحضر شنطتي وياريت تحضري هدومك أنتِ وفهد علشان بكرا هنتحرك..
عقبت أفنان بتردد:
-بالسرعة دي؟!.
-اكيد احنا مكناش جايين نقعد وقت أكتر من امتحاناته..
تمتمت أفنان بوضوح:
-وشريف؟!..
قال داغر بنبرة واضحة:
-شريف مش صغير ومش هنتكلم في نفس الشيء ولو تلاحظي من ساعة ما وافقتي تكملي حياتك معايا واخواتك وكل اللي حواليكي بدأ يتعامل معايا اني جوزك بالفعل وده كان السبب اللي خلى اخوكي يسيب لينا الشقة فأعتقد من واجبي كزوج تسمعي كلامي وتبطلي اعتراض وقلق ملهوش لازمة، مكانك هو جنبي مدام مفيش شيء يستدعي لغير كده.
صدمها برده، ولم يتوقف بل أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-ومتقلقيش هو في الطريق أنا كلمته من شوية يعني هتشوفيه قبل ما نسافر…
_____________
في اليوم التالي…
‘ القــاهـــرة ‘
استيقظت سوسن من نومها أو لتكون صادقة هي لم تنم من الأساس…
وبمجرد أن دقت الساعة التاسعة صباحًا أرسلت له رسالة نصية بها العنوان ورقم البناية، ورقم الشقة…
ثم أغلقت الهاتف مرة أخرى…
بعد الظهيرة دق جرس الباب وكانت شمس جالسة في غرفتها بينما والدتها في الخارج…
وما ان سمعت صوت الجرس توجهت صوب الباب وفتحته لتجده أمامها، منير الذي لم يتغير كثيرًا سوى خصلاته البيضاء والتجاعيد التي ظهرت في وجهه..
اما هي لم تتغير كثيرًا سوى بعض العلامات الطفيفة التي طرأت على وجهها..
حاول منير تخطي حاجز الصدمة متمتما بانفعال:
-ممكن افهم ايه الجنان اللي قولتيه في التليفون ده؟!
قالت سوسن بنبرة متوترة:
-ادخل اكيد مش هنتكلم من قدام الباب.
ولج إلى الشقة فأغلقت الباب خلقه مما جعله يصيح بنبرة غاضبة:
-ممكن افهم ايه اللي خلاكي تظهري تاني وحمل ايه اللي بتتكلمي فيه..
جاءت شمس من الداخل وسمعت تلك الكلمات فعقبت بنبرة مرتجفة ومتوترة تحت أنظار منير المذهولة:
-بتتكلم عني انا..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *