روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الثامن

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الثامن

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الثامنة

على الكرسي الخشبي القديم الخاص بجدتها كانت جالسة بالشرفة الإسمنتية ومرفقها مستند على السور، تتأمل بزوغ اشراق الصباح، وزحف الأشعة الذهبية للشمس نحو الأرض والأبنية، ثم سرب الحمام الخاص بجارهم العم سعيد مصطف بخط مستقيم على طول سور المبني المجاور أمامها، تتنهد بسأم وقد عادت مرة أخرى لروتينها اليومي الممل من وقت أن تركت الدراسة، وكأن الثلاثة أشهر التي قضتهم في العمل الجديد بمرح ونشاط هو حلم وكان لابد من انتهائه، طموحها الذي بنته في خيالها للتقدم والتدرج الوظيفي، سعادتها بقبض الراتب في أول الشهر والتسكع مع الفتيات لتبتاع ماتحتاجه وتمنته .كله حلم وانتهى بفضل هذا الرجل الكريه، زفرت من انفها بغيظ تعيد بذهنها هذه اللحظة التي اخبرها فيها رئيسها بالخبر المشئوم
” – نعم ! حضرتك يافندم بتقول ايه معلش؟
اردفت بها بوجه شاحب اللون انسحبت منه الدماء على الفور، تحدق بالرجل الذي تبسم لها ظنًا منه ان ذلك من فرط فرحها.
حركت رأسها بعدم الإستيعاب او الفهم ، مازالت حتى الاَن لا تصدق ماسمعته من الرجل أو على الأصح هي تكذب أذنها.
– مرتضى بيه، ممكن والنبي تقول من تاني ، اصل انا بايني سمعت غلط.
ازداد اتساع ابتسامة الرجل قائلًا بتفكه:
– وانتِ من امتى بس كانت ودانك تقيلة يازهرة ؟ يابنتي بقولك اترقيتي وبقيتي سكرتيرة جاسر بيه، يعني اكبر راس في الشركة ، دا انتِ حظك من السما.
اومأت بسبابتها نحوها بصدمة وهي شاعرة بأن الأرض بدأت تميد بها وقد تأكدت من الخبر المشئوم :
– انا حظي من السما؟!
– طبعًا يابنتي حظك من السما ، انتِ يدوبك متعينة هنا من كام شهر قليلين وحتى كمان ملحقتيش تثبتي رجلك كويس، قوم كدة الحظ يضرب معاكي وتبقي سكرتيرة جاسر بيه مرة واحدة، ماشاء الله يعني عشان ماحسدكيش، بس انتِ أكيد امك دعيالك صح؟
تبسمت بزواية فمها ابتسامة ساخرة، تومئ برأسها دون رد فتابع هو :
– شوفي رغم زعلي انك هاتسبيني بعد ماعرفتي نظامي وريحتيني في الشغل، لكن انا برضوا اتمنالك الخير.
ابتعلت الغصة بحلقها وخرج صوتها برجاء:
– لكن انا عايزة افضل هنا، بصراحة لقيت راحتي في المكان ده .
تبسم الرجل لها بمودة قائلًا :
– يابنتي ماانا بقولك فراقك على عيني ، بس اعمل ايه بقى، دا ألأمر الإداري صدر خلاص ،لكن الصراحة بقى، انت لازم تشكري اللي دلوا عليكي
فاقت من صدمتها تسأله بحدة:
– ومين اللي دله عليا بقى ؟
اجاب رئيسها يحرك كتفاه :
– بصراحة معرفش، بس هو لما طلبك مني ، قالي ان في ناس شكرتلوا فيكي وفي شطارتك، ياللا شدي حيلك بقى عشان تبقي زي كاميليا ، ماهي اترقت هي كمان، امال انتِ هاتبقي مكانها ازاي ؟
عادت زهرة لواقعها تعض على شفتيها بغيظ، نحو من تسبب في قطع عيشها واثار الفتنة بينها وبين صديقتها التي تشاجرت معها ، تصب عليها جام غضبها وكأنها المتسببة فيما حدث، تمتمت زهرة تستغفر ربها، ثم عادت برأسها للخلف تتسائل مع نفسها:
– هلاقي فين شغل تاني بس ياربي؟ دا انا مصدقت!
صدح صوت جرس المنزل وبعده اتى صوت رقية التي هتفت عليها من داخل غرفتها :
– شوفي مين اللي عالباب يازهرة .
نهضت زهرة على مضض لتتحرك نحو باب المنزل ، فتفاجأت بها أمامها :
– صباح الخير يازهرة، ممكن ادخل .
تفوهت كاميليا بابتسامة جميلة مثلها ، بادلتها زهرة بابتسامة شاحبة.
– صباح النور ياكاميليا، طبعًا تدخلي ، دا البيت بيتك .
دلفت كاميليا خلفها لداخل المنزل تغلق الباب وهي تخاطبها :
– افردي وشك شوية، وقدري اني قاطعة المسافة البعيدة دي كلها وصاحية بدري كمان عن ميعادي رغم خناقتك الهبلة وهلفتك بالكلام معايا يامجنونة.
اشارت اليها زهرة لتجلس على احد المقاعد قائلة بحرج :
– ماانا كان لازم احط غلبي في حد بقى وقتها ولقيتك في وشي، معلش سمحيني .
جلست كاميليا على مضص مردفة لها :
– يابنتي والله مسمحاكي، وعارفة ان حالتك وقتها مكنتش طبيعية، بس دلوقتي بقا خلينا في المهم، واللي حصل ده نستغله لمصلحتنا مش نخاف ونقعد في البيت .
اتسعت عيناها وانفغر فاهاها تستوعب الكلمات فهتفت حانقة :
– نهار اسود؛ لتكوني جاية تكلمني في موضوع الشغل تاني ياكاميليا ؟
اومأت لها برأسها بتأكيد:
– ايوة يازهرة جاية اكلمك في الشغل تاني، عشان ارجعك لعقلك ياماما، لهو انتِ فعلًا ناوية تسبيه؟
– وماسيبهوش ليه بقى؟ اشحال ان ما كنت حكايالك قبل كدة وقايلالك على عمايل الراجل ده معايا، وانا متأكدة انه عايزني سكرتيرته عشان يكرهني في عيشتي ويخليني اطفش بخاطري من الشغل ، وعلى ايه بقى؟ اخدها انا من قاصرها احسن .
ردت كاميليا تحادثها بالمنطق:
– زهرة ياحبيبتي، خدي الأمور كدة بعقل وبلاش العصبية دي، انت حكيالي وانا مبكدبكيش على فكرة، بس احنا ليه نسبق الأحداث، انتِ لما تمسكي هاتتحسبي سكرتيرة لرئيس الشركة ودي في حد ذاتها حلوة اوي في ال cv بتاعك، يعني لو حط عليكي وطفشك زي مابتقولي، يبقى ليكي فرصة ان شاء الله في شركة غيرها ، لكن قطع رزقك كدة من الباب للطاق ماينفعش ياماما.
صمتت زهرة وعلى وجهها ارتسمت الحيرة فتابعت كاميليا :
– قومي يازهرة البسي هدومك واستهدي بالله تعالي معايا بلاش دلع .
– ياكاميليا والله مادلع، الراجل ده بخاف منه فعلًا؛ يبقى ازاي بقى اشتغل معاه واتحمل اوامره ليا وزعيقه فيا لو حصل وغلطت مثلًا ، دي حاجة صعبة اوي والنعمة.
تفوهت بها زهرة من خوف حقيقي نبع بقلبها، تبسمت لها كاميليا قائلة بتحفيز :
– وايه في الدنيا مش صعب، كل حاجة في حياتنا دي صعبة وخصوصًا في لقمة العيش، انتِ مجربتيش المرمطة ولا البهدلة يازهرة عشان خالك ربنا يحفظه كان دايمًا محاوط عليكِ من النسمة الطايرة، ودي تعتبر اول فرصة تثبتي فيها نفسك لوحدك ، زيحي من دماغك حكاية الخوف دي وجربي ولو مارتحتيش يبقى خلاص بقى .
– مش هاقدر
همست بها وهي تحرك رأسها تردد
– حقيقي بجد مش هاقدر ياكاميليا
همت لتتكلم كاميليا ولكنها توقفت على نداء رقية من الداخل وصوت جرس المنزل من الناحية الأخرى .
– قاعدة مع مين يابت بقالك ساعة وسيباني لوحدي؟ مخبية على ستك ايه يا مقصوفة الرقبة ؟
انشق ثغر كاميليا بضحكة مرحة تردف لزهرة:
– روحي انتِ شوفي مين، وانا هادخل لرقية جوا اسلم عليها .
فعلت زهرة وفتحت الباب لغادة التي هتفت حانقة :
– وبعدين بقى، تاني برضوا بلبس البيت واحنا متأخرين اساسًا، في ايه ياما؟ ليكونش ناوية تغيبي النهاردة كمان ؟
ردت زهرة وهي تدلف معها للداخل :
– عادي يعني لما اغيب تاني كمان، اصلي لسة حاسة بتعب .
– والنبي! لتكونيش فاكرة انها شركة ابونا ياست زهرة ؟
– من غير قلة ادب، انا بقولك تعبانة يبقى تقدري بقى، على العموم اهي كاميليا قاعدة جوا عشان تلاقي حد تمشي معاه .
اردفت بها زهرة وهي تسبق للداخل، غمغمت غادة خلفها:
– ودي ايه اللي جابها عالصبح عندك ؟
…………………………..
في الداخل
عند رقية والتي كانت تغازل في كاميليا الجالسة بجوارها على كنبتها تتلمس شعرها وثيابها :
– ياختي عليكِ وعلى حلاوتك يابت ياكاميليا، دا انت بقيتي ولا الهوانم يامضروبة الدم، ايشي اللبس الحلو ولا الشعر الملولو، لحقتي امتي تلولويه كدة يابت ؟
ضحكت كاميليا تردد لرقية :
– عجبك ياستي اعملك انتِ شعرك ؟
برقت عيناها رقية والتمعت بالحماس وقبل ان ترد سبقتها غادة وهي تدلف اليهم :
– طب اعمليلنا احنا شعرنا الأول وبعدها فكري في الست الكبيرة .
– كبيرة في عينك قطع لسانك قليلة الحياة
هتفت بها رقية مسرعة وتابعت مخاطبة كاميليا التي لم تتوقف عن الضحك.
– عايزاكي يابت تفضي في يوم كدة وتيجي تعمليلي شعري
– حاضر ياستي.
أومأت لها كاميليا مقهقهة وهمت لتقف مغادرة ولكن رقية جذبتها من ملابسها تسألها :
– الاقوليلي يابت، ماتجوزتيش ليه لحد دلوقتي؟ هي الرجالة عميت؟
اجابتها كاميليا بمسكنة :
– النصيب ياستي، اعمل ايه بقى وانا ملقتش نصيبي ؟
لوحت لها رقية بكفها امام نظرات غادة المحتقنة :
– هتلاقيه ياختي وهايبقى لازقلك كدة ليل نهار زي ضلك، هو في حد برضوا يبقى معاه الحلاوة دي ويسيبها، دا يبقى مفغل !
……………………….
في وقتٍ لاحق
خرجت زهرة لتبتاع بعض الخضر والبقالة من السوق لسد احتياجات المنزل، وعلى إحدى درجات السلم في الطابق أسفلهم توقفت ، حينما اصطدمت عيناها برؤية أبيها وهو خارج من باب شقتهم، في ميعاد ذهابه الى عمله الى ورشته، ترددت قليلًا قبل أن تحسم أمرها لتلقي التحية عليه ثم تكمل طريقها في المغادرة:
– صباح الخير .
انتبه محروس يرفع انظاره اليها ثم انطلقت ضحكة مستخفة منه نحوها يردد:
– ياصباح الهنا والسرور على الحلوة اللي سابت شغلها ورجعت تبلط من تاني في البيت..
رمقته زهرة مصدومة من شماتته وهمت لتخطيه وتجاهله ولكنه تصدر يقف أمامها متابعًا :
– ايه يادلوعة خالك، كدة بسرعة صرفوكي واستغنوا عنك لدرجادي انتِ خايبة، طب كنتِ قلدي غادة بنت اختى، اهي بت زي الوحش وتسد في أي موضوع؛ مش خايبة وهبلة زيك .
خرجت عن صمتها هاتفة بوجهه:
– وانت مين قالك اني سيبت الشغل أساسًا؟ عشان توقفني وتضحك من قلبك كدة على خيبتي زي مابتقول، دا بدل ما توقف جمبي وتقويني لو كان حصل فعلًا :
رفع شفته قائلًا لها:
– واقف جمبك ليه بقى؟ عشان تتنقعري وتشوفي نفسك عليا بزيادة، ما انتِ لو كان قلبك على ابوكي وبتسمعي كلامي مكانش ربنا جزاكي بعملك .
هبت صارخة متناسية وقفتها على الدرج بعد ان فقدت السيطرة على غضبها :
– انا عملتلك ايه ياعم عشان ربنا يجازيني؟ أذيتك في أيه انا عشان تطلع السواد اللي قلبك دا كله من ناحيتي.
– زهرة ياحبيبتي، هدي اعصابك شوية كدة الجيران هاتتلم على خناقكم واحنا مش ناقصين فضايح .
صدرت من سمية زوجة ابيها برجاء بعد أن أتت من داخل المنزل على أصوات شجارهم .
سمعت قولها زهرة وهمت للذهاب وترك اباها والشجار معه ولكنه اوقفها يقبض على رسغ يدها يقول:
– اسمعي يازهرة، انا بقالي يومين سايبك تفكري براحتك، واهي جات من عند ربنا اهي عشان تعرفي بقى مصلحتك، فهمي راجل كسيب ومشتريكي ، دا بيقولي لو طلبت نجوم السما هاجيبهالها، واديكي شوفتي بنفسك، دلع خالك ليكي خلاكي خبتي في كله، بلاش كمان تخيبي وتضيعي منك فرصة هاتخليكي هانم على حق.
– هانم مين ياعم اوعى سيب .
هدرت بها وهي تنزع رسغها من قبضته بعنف، ثم ركضت للعودة للمنزل وتركه .
وفي الأعلى وبعد أن صعدت زهرة لمنزلها مرة أخرى، تلقي حقيبة الخضروات الفارغة بعنف وغضب مما حدث .
– ايه اللي رجعك من تاني يازهرة ؟ وشك مقلوب كدة ليه يابت .
هتفت بها رقية بجزع وهي تنظر لحفيدتها التي اصطبغ وجهها باللون الأحمر القاني من الغضب وانفاسها تتلاحق بصدرها الذي يصعد ويهبط بسرعة وكأنها على وشك الإنفجار، لم ترد زهرة على جدتها بل بادلتها النظر فقط حتى التفتت رأسها بحدة على فتح باب المنزل ودلوف سمية وخلفها شقيقتها صفية؛ التي هتفت صارخة عليها زهرة بحدة :
– انت برضوا اللي تعمليها ياصفية؛ وتروحي تبلغيه اني سيبت الشغل عشان يفرح فيا.
دافعت صفية تنفي بقوة:
– والله ماانا، والله ما قولتله حاجة، انا معرفش هو عرف منين أساسًا .
– ياسلااام ، يعني انتِ اللي بتسألي كمان؟ على اساس اني مسمعة حد تاني غيرك انتِ وستي، اللي مابتخرجش من البيت ولا بتشوفه أساسًا .
جاء الرد من سمية على اتهام زهرة وشكها :
– والله ما صفية يابنتي، دا البت منى اختها الصغيرة، كانت جاية تاخد من عندكم شوية بهارات للأكل وسمعتك بالصدفة وانتِ بتقولي لستك، فنزلت بلغتنا واكنه خبر الموسم واحنا بناكل ، ما انتِ عارفاها لسانها فالت ومابتبلش في بقها فولة .
سمعت منها زهرة وانتقلت عيناها التي اغشتها الدموع نحو شقيقتها التي اطرقت رأسها بحزن، ثم خطت لتسقط على الكنبة الخشبية بجوار جدتها تبكي بحرقة ، جذبتها جدتها من قماش بلوزتها لتضمها اليها داخل أحضانها تسألهم :
– هو في ايه بالظبط؟ وماله محروس دا كمان بزهرة ؟
جلست سمية هي الأخرى بجوارهم تربت بكفها على ظهر زهرة:
– معلش يابنتي سامحينا ، بس دا ابوكِ بقى وانتِ عارفاه.
هتفت رقية بنفاذ صبر ونشيج بكاء حفيدتها يصل بحرقة لأسمعاها :
– ماله الزفت ابوها ماتقلولي عمل ايه معاها بالظبط؟ عشان يجبلي البت مقطعة نفسها كدة من البكا
أجابتها صفية بتأثر هي الأخرى:
– عايرها بقعدتها من الشغل وزن عليها تاني في موضوع جوازها من فهمي .
– عايرها بإيه؟
صرخت بها رقية وتابعت بلهجة قوية :
– هو ليه عين دا كمان يعاير ويستعبط عالبت؟ ليه هو مش حاسس بنفسه ولا بالخيبة اللي هو فيها؟ ونعمة ربنا يا سمية جوزك لو ما لم نفسه عن البت ليشوف مني الوش التاني هو عارفه كويس وجربه ، إلا زهرة ياسمية، فاهمة، إلا زهرة .
ردت سمية بقلة حيلة :
– وانا ايه اللي في إيدي بس ياخالتي ؟ ما انت عارفاه البرشام لحس عقله، والزفت فهمي اليومين دول بقى مغرقه بيه، دا غير الفلوس الكتير اللي بقيت اشوفها معاه ، وانا متأكدة انها برضوا منه…
هدرت رقية مقاطعة :
– ماليش فيه الكلام دا انا ياسمية، انتِ تنبهي عليه وخلاص .
– حاضر ياخالتي، حاضر هاقول.
اومأت لها سمية بطاعة، وظلت بجوارها هي وصفية ثم استأذنوا للمغادرة، وحينما هدأ بكاء زهرة قليلًا نزعتها جدتها من أحضانها تنهرها بقوة:
– فوقي يابت كدة واصحي، انتِ مش ضعيفة ولا قليلة عشان تنهاري من كلمة خايبة قالها ابوكي، ابوكي دا بالذات لازم تبقي قوية قصاده عشان مايحطش ولا يجي عليكِ ويستغلك فاهمة ولا لأ.
رفعت اليها زهرة انظارها تسألها برجاء :
– ستي، هو ابويا ممكن يعملها ويغصبني على جوازي من فهمي، والنعمة دا كنت اموت نفسي لو حصل .
– وتموتي نفسك ليه يابت ال………
ردت رقية بسبة بذيئة اخجلت زهرة وهي تتابع خطابها لها بغضب:
– لا ابوكي ولا أي حد في الدنيا يقدر يغصبك على حاجة، خليكي قوية وماتخافيش من حد، الدنيا دي ياما هاتشوفي منها، ان ماكنتيش تواجهي وتدافعي عن حقك، هاتتفعصي بالرجلين ومش هاتحققي اي حاجة نفسك فيها، فاهماني .
اومأت لها زهرة برأسها وكلمات المرأة مازالت تترد بداخل عقلها بصخب، تستوعب معانيها وتعيها جيدًا .
أجفلت من شرودها على صوت هاتفها بمكالمة برقم دولي، امسكت به سريعًا ترد بلهفة ولهجة باكية
– الوو ايوة ياخالي… ازيك ياحبيبي وحشتني اوي
رد خالها من جهته بصوت رجلِ انتابه القلق .
– الوو يازهرة…..مالك ياحبيبتي؟ انتِ تعبانة ولا إيه؟
تدراكت نفسها فقالت نافية بالكذب:
– لا ياخالي مافيش حاجة، دا بس عشان انت وحشتني .
وصلها لهجته الحازمة :
– بلاش تكدبي عليا يابت، انت عارفاني، قوليلي ايه اللي مزعلك وخلاكي مفلوقة كدة من العياط؟
تلعثمت تنفي مرة أخرى وخالد من جهته يهتف بحزم وصوت جهوري يصل لجدتها التي جذبت الهاتف من يدها تختطفه منها قائلة بملل :
– اقولك انا ياخالد، بنت اختك معيطة عشان ابوها بيزن وعايز يجوزها من فهمي البرشامجي، عرفت بقى هي معيطة ليه؟
– فهمي تاني برضوا ، طب وحياة امي لاربيه
قالها بصرخة عبر الاَثير افزعت زهرة التي اختطفت الهاتف من جدتها تسأله بخوف:
– هاتعمل ايه ياخالي وانت في الغربة دلوقتي؟ انا مش عايزاك تأذي نفسك.
رد بلهجة هادئة نسبيًا مطمئنة :
– لا مش هأذي نفسي ياعين خالك، انا هاوقفه عند حده هنا من مكاني، دا ديته سهلة أساسًا!
……………………
في صباح اليوم التالي .
حسمت امرها زهرة بعد ليلة طويلة من السهر والتفكير فيما حدث ومافعله اباها معها مما جعل نوعًا جديدًا من التحدي لمواجهة الخوف ينبت بداخلها لخوض التجربة، وذهبت لتستلم مكانها الجديد في شركة الريان، بعد أن حفظته لها كاميليا مدعية غياب زهرة لسبب قهري ، خلف المكتب وأمام الحاسب الاَلي ، وقفت بجوارها كاميليا تشرح طريقة العمل وملفات العمل المطلوبة والمؤجلة، وهي مندمجة معها بكل تركيز؛ حتى شعرت بخطوات سريعة تقتحم الغرفة الواسعة؛ توقفت فجأة أمامها .
هتفت كاميليا لتقف على الفور وجذبتها هي من مرفقها معها تردد بتحيته:
– صباح الخير يافندم .
وصل لأسماعها صوته برد التحية على كاميليا وهي ترفع عيناها الخجلة اليه بتردد، فاصطدمت بعيناه المتصيدة ، بابتسامة جانبية يردف لها بصوته الأجش:
– ياهلًا بالسكرتيرة الجديدة .
همست مرددة :
– ياأهلًا يافندم، حضرتك تؤمر بحاجة؟
– علي صوتك .
اردف بها فرفعت عيناها اليه باستفسار على جملته المقتضبة ، أكمل هو :
– اتعلمي ترفعي صوتك شوية وانتِ بتكلميني .
اومأت برأسها فتابع وهو يخطو نحو مكتبه :
– شوية كدة وخليها تدخلي بالملفات ياكاميليا بعد ماتفهميها النظام .
فور أن اختفى داخل مكتبه شهقت تدخل بعض الأكسجين لصدرها:
– ياساتر يارب، هكمل ازاي انا معه ده؟
قالت مخاطبة كاميليا التي تسمرت محلها في التفكير لحظات قبل ان تردد لزهرة:
– طب ماهو كويس يابنتي أهو، مش وحش معاكي يعني للدرجة اللي انتِ بتوصفيها.
– والنبي ايه؟ ماخدتيش بالك انتِ بقى لما قرص على كلامه وهو بيقولي علي صوتك وانتِ بتكلميني
– بس ابتسم ، ودي حاجة نادرة اوي لجاسر الريان على فكرة.
انتبهت زهرة على جملة صديقتها ببعض الحيرة قبل أن تنتفض على صيحة انثوية بالقرب منهم .
– هي دي بقى الترقية الجديدة ياأبلوات ؟
– يخرب بيتك وبيت صوتك ياشيخة.
اردفت بها كاميليا وهي تقترب سريعًا من غادة التي كان جسدها يهتز من فرط غضبها وعيناها وكأنها بداخلها براكينِ مشتعلة.
– بقى بتخبوا عليا، ياخاينة انتِ وهي ياقلالاة الأصل .
صمتت زهرة عن الرد، فهي ليست بحاجة لزيادة التوتر والخوف بداخلها ، أومأت لها كاميليا نحو عدد الملفات الموجودة بركنٍ وحدهم على سطح المكتب وهي تضع كفها على فم غادة :
– خودي انتِ الملفات ودخليهم لجاسر بيه وانا هاتفاهم مع البت دي .
اذعنت زهرة لطلب كاميليا متجاهلة غضب غادة وهي تزوم نحوها ببعض الكلمات القاسية، وتحركت ببطء تمارس تمارين التنفس في إخراج الشهيق والزفير، قبل أن تطرق بخفة على باب مكتبه ، فوصلها صوته الأجش:
– ادخل.
فتحت لتدلف متحاشية النظر نحوه رغم شعورها بنظراته التي تخترقها وهو يهتز بكرسيه بغير عمل، اقتربت لتضع الملفات امامه :
– اتفضل يافندم، دي مستندات مطلوب فيها امضتك .
– قولتلك علي صوتك .
اردف بها وهو بنفس جلسته على كرسيه، تنهدت بداخلها تناجي من ربها الصبر وهي تكرر ماقالته سابقُا بنبرة أعلى، رد هو متجاهلًا ما قالته :
– غيبتي وماجتيش ليه من اول يوم ؟
اجفلها بسؤاله فرددت الحجة التي ذكرتها لها كاميليا سابقًا :
– ستي كانت تعبانة اوي، وانا ماقدرتش اسيبها لوحدها.
– اممم
زام متنهدًا يتناول قلمه الذهبي من فوق سطح المكتب، فخاطبته هي تستأذن :
– طب اخرج انا يافندم ولو عوزت حاجة تندهلي .
استدارت تنوي المغادرة سريعاً، ولكنه اوقفها هاتفًا من خلفها.
– زهرة
ضغطت تعض شفتيها بغيظ قبل ان تستدير عائدة اليه قائلة بأدب ولطف .
– نعم يافندم تؤمر بإيه ؟
عاد بظهره للخلف مستندًا بأريحيه على كرسيه قائلًا بتسلي :
– عايز اشرب ..
احتدت عيناها سريعًا قبل ان تتدارك نفسها ، تتمنى داخلها لو اطلقت نحوه السباب وافراغ غضبها المكبوت منه، فقالت بزوق عكس مايدور بعقلها :
– تحب اجيبلك حاجة معينة تشربها يافندم ؟
هز رأسه قليلًا قبل أن يشير اليها بسبابته على احدى اركان المكتب .
– التلاجة اللي هناك دي، جبيلي منها علبة عصير.
تحركت على مضض نحو المذكورة، وقبل ان تخرج له واحدة من المجموعة المكدسة أمامها سمعته يهتف:
– عصير مانجة..يازهرة .
هذه المرة استغلت بعد المسافة وغمغمت بسبة عليه قبل ان تلتف اليه عائدة متصنعة الإبتسام .
– اتفضل يافندم .
قبض الزجاجة بكفه التي ما ان لمست كفها نزعتها بسرعة انتبه لها ، فوجدته يتكلم بحزم ارعبها :
– تاني مرة مافيش غياب غير بإذن مني انا شخصيًا ولا أي حد يجي وبهزر معاكي طول مدة العمل ، حتى لو في البريك
اردفت بعدم تصديق .
– نعم !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *