رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع 7 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع 7 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت السابع
رواية نعيمي وجحيمها الجزء السابع
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السابعة
اهتز جسدها بصيحته دون ارادتها، كما ازداد جزعها وهي تنظر اليه بعدم فهم، تردد وكأنها تتحدث إلى رجل فاقدًا لعقله .
– مممالهوش صفة والله، دا دا زميلي وبس ، يعني مش خطيبي ولا جوزي عشان يبقالوا صفة
ضيق عيناه متحدثًا بنبرة منخفضة مثيرة للشك:
– ولما هو مش جوزك ولا خطيبك ولا ليه أي صفة غير انه زميلك وبس، بيتكلم ويهزر معاكي ليه؟ وانتِ تتقبلي هزاره وتتجاوبي معاه ليه؟
توسعت عيناها تنظر اليه بصدمة لما وصل الى ذهنها من فحوى كلماته اليها فردت بأعين غائمة تأبى السكوت عن اتهامه :
– حضرتك انا كنت واقفة باحترامي مستنية الكمبيوتر بتاعي يصلحه زميلي في العمل ، وان كان على ابتسامة ولا حتى ضحكة صدرت مني فدا شئ عادئ بيحصل بين الزملة ، وعماد شخص في منتهى الاحترام …….
قاطعها بحدة هادرًا :
– وايه كمان ياأستاذة؟ ماتقولي فيه شعر احسن.
انعقد لسانها عن الرد تمامًا، وهي تجزم بداخلها ان هذا الرجل فاقدًا لعقله حقًا وليس تخمين ، فما فائدة الجدال مع رجلٍ كهذا؛ لا تجد لأفعاله معها تفسير، حل الصمت بينهم وهو ينظر اليها بأعين مشتعلة وملامح وجهه المعقدة بغموض، تونبئُها بحجم تطرفه وهي تبادله النظر بخوف على أمل ان يتزحزح من أمامها ويتركها تُدخل نفسًا طبيعيًا داخل صدرها وقد شعرت بانسحاب الهواء من حولها في قلب الغرفة بحضوره، ولم يضل سوى الرائحة الطاغية لعطره فيها.
– في حاجة ياجاسر بيه؟
دوت قريبًا من ناحية باب الغرفة الخاصة بمديرها الذي استمعت لسؤاله وكأنه النجدة التي أتت اليها من السماء، التف جاسر يبعد انظاره عنها ويستدير ببطء نحو الرجل ليجيبه وكأن شيئًا لم يحدث منذ قليل واضعًا يديه بجيبي بنطاله بهدوء:
– كنت عايز حسابات الشركة عن السنة اللي فاتت كلها يامرتضى.
قطب الرجل قليلًا بدهشة قبل ان يرد مرحبًا به رغم غرابة الموقف يشير اليه بيديه:
– انت تؤمر يافندم، تعالى جوا شرف مكتبي المتواضع وانا اجهزهم حالًا قدامك.
– لا انا مش داخل، انا جاي ابلغك وبس .
اردف بها وانسحب مغادرًا على الفور دون استئذان جعل الرجل ينظر في اثره لفترة مندهشًا قبل ان يعود بنظره الى زهرة التي تسمرت محلها بوجهٍ مخطوف وأعين جاحظة، وهي مازالت لا تستوعب ماحدث
………………………….
– بيضطهدني وحياة النعمة الشريفة بيضطهدني،.
تمتمت بها زهرة وقد تمالكت نفسها اَخيرًا وهي واقفة بجوارر كاميليا في الطرقة المؤدية الى حمام النساء، في انتظار غادة التي كالعادة تعيد الإهتمام بزينتها قبل ان تغادر معهن الشركة ، رددت كاميليا مستنكرة رغم تعجبها هي الأخرى :
– اضطهاد وكلام فارغ ايه بس اللي بتقوليه ده يازهرة ؟ هو احنا في عهد العبودية يابنتي؟
رفعت اليها عيناها قائلة بغضب:
– لا ماهو جاسر الريان هايرجعه تاني ياكاميليا ماتقلقيش، الراجل مش طايقلي كلمة، وكل مايشوفني يطلعلي بتهمة شكل، طب تقدري تفسريلي كدة اللي قولتهولك انا من شوية دا معناه ايه؟
كاميليا وقد انتابها الشك هي الأخرى ولكنها حاولت ان تصرف هذه الأفكار عن رأسها والعودة لتحليل الأحداث بمنطقية كعادتها
– بصراحة انا معرفش تفسيره ايه؟ بس هو اكيد اتعصب يعني من عماد وافتكره بيهزر في شغله، ودا واحد دايمًا وقته زي السيف وما يقتنعش بهزار ولا ضحك اثناء العمل .
– طب وانا ايه دخلي يابنتي ؟ بيشخط فيا ويوقف قلبي ليه؟ دا بني غريب، كتر خير اهله عليه في البيت ويكون في عون الست اللي هاتتجوزا دا هايطلع عليها عقده ويكرهها في نفسها
تبسمت كاميليا قائلة:
– لا من النحيادي اطمني، اصله متجوز بنت خالته اللي ابوها يبقى الوزير ، وعلى فكرة هي عايشة حياتها بالطول والعرض.
– حقها تعيش وتضربها بالجزمة كمان، ودا راجل يتعاشر ده، بقولك ايه ياكاميليا البت غادة جاية علينا اهي، اوعي تبلغيها والنبي بالكلام اللي بقولهولك ده ، دي بت خفيفة وانا مضمنش أي رد فعل منها.
قالت زهرة وهي تومئ بعيناها بذكاء نحو غادة التي خرجت اليهم تتمختر بخطواتها، تمتمت كاميليا بصوتٍ خفيض قبل ان تصل اليهم.
– مش محتاحة وصاية يازهرة، انا اكتر واحدة عارفة غادة والظن اللي هاتظنه في الكلام ده.
– هاي اتأخرت عليكم .
قالت غادة بزهو فور ان وصلت اليهم ، ردت زهرة ترمقها بدهشة:
– انتٍ عيدتي على وشك بالمكياج من تاني وغرقتي نفسك بالريحة على مشوار المواصلات؟
مطت غادة بشفتيها قائلة :
– ولو خارجة من باب البيت عالشارع بس، لازم برضوا اتمكيج والبس نضيف، دا اسمه اهتمام بالنفس ياماما؛ انت أكيد متعرفهوش.
أومأت لها زهرة تتجاهل سخريتها بعدم الرد ، اما كاميليا فقالت لها بيأس :
– ماشي ياست البرنسيسة انتِ ، ممكن بقى نمشي في يومنا ده ولا لساكي هاتعيدي تاني على ميكاجك ولبسك .
– لا ياقلبي انا كدة فل خالص، بينا يابنات .
قالت غادة وتقدمت تسبقهم في الخطوات، تبادلت زهرة وكاميليا النظر فيما بينهم بيأس كالعادة ثم لحقنها بالسير.
……………………….
وفي مكانٍ اخر
بداخل دكان محروس الذي عاد العمل فيه مرة اخرى بشكل جدي، بعد ان توفرت المتطلبات الأساسية لإنجاز الأعمال المتراكمة من مواد خام وغيرها من الأشياء.
– نننعم! سمعني تاني كدة يامحروس بتقول ايه؟
تفوه بها فهمي بحدة اربكت محروس فجعلته يردف بتلعثم :
– اايه دا مش كلامي انا يافهمي، دا كلام البت وستها، إنما لو عليا انا اجوزهالك من الليلة، ما انت عارف معزتك عندي.
رد فهمي رافعًا حاجبه المقطوع بنصفه:
– وانا مالي بمعزتي عندك ولا حتى موافقتك، مدام انت راجل ملكش كلمة على بنتك .
هتف محروس غاضبًا وقد اصابته الكلمات السامة في كرامته،
– ماتقولش الكلام دا يافهمي انا مش راجل هفية عشان اقبل بيه .
أكمل فهمي في بخ سمه:
– لا هفية، مدام جاي بالفم المليان كدة تقولي ان البنت هي اللي رافضة وانت ملكش حكم عليها.
استشاط محروس غاضبًا فقال بأعين تقدح شررًا :
– انا مش عايز اغلط فيك يافهمي عشان انت هنا في منطقتي وفي دكاني، انما والنعمة الشريفة لو كررتها تاني لاكون شاقق بطنك نصين وملكش عندي دية، طب ماهي البت مكدبتش لما قالت عليك بتاع نسوان وبتبيع برشام، دا غير انك اكبر منها ب١١ سنة على الاقل، في ايه يابا انت هتعيش عليا.
ضغط فهمي بأسنانه على شفته يكبح خروج الكلمات النابية من فمه، بعد ان شعر فقد سيطرته على محروس .
صمت يخرج سيجارة من جيبه ويشعلها لينفخ منها قليلًا امام محروس الذي ينتظر رده بتحفز ، اجفله فهمي بعطيه السيجاره التي في يده، واخرج هو واحدة اخرى لنفسه، ثم قال بهدوء :
– انا مقدر ان كلامي وجعك يامحروس بس انا مش عايز اخسرك .
ساله باستفسار :
– يعني ايه مش فاهم؟
اومأ له فهمي بصوت خبيث :
– قصدي ان هابلع تهديدك ولخبطتك في الكلام كأني ماسمعتش الحوار كله من بدايته، يعني عشان ماتتعبش نفسك في التفكير، تعمل قرد وتجوزني البت يامحروس ، يااما من غير حلفان هاتشوف مني الوش الوحش اللي انت اكيد عارفه، عشان انا ماهسكتش عن حقي في الفلوس اللي شغلت بيها الدكان ولا الكيف اللي بتبلبع فيه بقالك سبوع ببلاش .
………………………………
بعد قليل وحينما عادت زهرة وهي تحمل اكياس الخضروات والفاكهة التي ابتاعتها في طريق عودتها للمنزل ، تسمرت واقفة فور دلوفها لمدخل البناية التي تقطنها حينما وجدت من يقف أمامها في وسطه، تبسم بسماجة يلقي اليها التحية:
– حمد الله السلامة، اَخيرًا وصلتي ياعروسة.
تنهدت قانطة تستغفر ربها قبل ان تهم لتجهله وتخطيه ولكنه تصدر امامها يمنع تقدمها :
– طب حتى ردي السلام، ولا انتِ مكسوفة مني.
دفعته بيدها الحرة على صدره قائلة بعنف:
– ابعد عن طريقي ياجدع انت، لاحسن وديني الم عليك اهل الحارة وافضحك هنا في العمارة .
رد بتشدق:
– تفضحيني ليه بقى؟ واحد وجاي يقابل عروسته فيها حاجة دي ؟
رفعت شفتها قائلة بازدراء :
– عروسة مين يا برشامجي ياخرفان انت؟ في ايه يافهمي ؟ هو انت فاكرني بقيت لقمة سهلة بعد خالي ماسافر، لأ فوق لنفسك يابابا، خالي اللي سففك التراب زمان لما حاولت تتعرضلي، اقدر في دقيقة اخليه يرجعلك من تاني .
انشق ثغره بابتسامة مردفًا بمكر:
– طبعًا فاكر العلقة يازهرة، بس فاكر اللي قبلها اكتر ، انتِ بقى فاكرة؟
ارتدت اقدامها للخلف بفزع وهو يتقدم نحوها يلوح لها بأبشع ذكرياتها ، فتابع يشير بأبهامه :
– فاكرة يازهرة هنا تحت بير السلم ، لما كنتي جاية من الدرس بلبس المدرسة اللي كان هاياكل منك حتة وانت لسة خراط البنات خارطك جديد ، بشعرك اللي كان مغطي ضهرك وجسم….
– انت راجل مش محترم
قاطعته صارخة تتخطاه صاعدة الدرج بسرعة، غير قادرة على تحمل سماع الباقي ولكنه لم ييأس ، جذبها من مرفقها لتلتف بجذعها اليه ، فاردف متابعًا بفحيح:
– بتجري ليه مش انتِ اللي فكرتيني بالعلقة؟ شكلك انت كمان لسة مانستيش. الحضن ولا الب……..
– اوعي سيبني ياحيوان
صرخت تنتزع ذراعها منه وتصعد بسرعة من أمامه وكأنها تهرب من الموت، حتى اذا وصلت اخيرًا لشقتهم، فتحت الباب بخفة ثم وضعت أكياس الخضروات والفاكهة على الأرض بحذر حتى لا تشعر بها جدتها الجالسة في الصالة تشاهد التلفاز ومعها صفية، تحركت زهرة على أطراف أصابعها حتى دلفت لغرفتها، تغلق الباب عليها جيدًا قبل أن ترتمي على التخت وتشهق اخيرًا باكية، ترتجف وقد أعاد اليها هذا الرجل الكريه الذكرة التي خلفت بداخلها ندبة مازالت تؤلمها حتى اليوم، حينما كان عمرها لا يتعدى الخامسة عشر وكان هذا الرجل صديقًا جديدًا لأباها، في كل مرة رأته فيها لم تريحها أبدًا نظراته المريبة لها، ولكن صغر سنها لم يمكنها من تفهمها، حتى جاء هذا اليوم حينما كانت عائدة من دراستها التي استمرت لبعد صلاة العشاء بفضل مجموعات التقوية التي حضرتها أيضًا، رأته بالصدفة على الدرج أمامها كان هو نازلًا وهي صاعدة :
“”- ازيك يازهرة عاملة ايه؟
خاطبها وهو متصدر بجسده أمامها ، اضطرت لرد التحية له على مضض، حتى تتخطاه وتصعد لجدتها وخالها.
– اهلًا ياعمي، انا كويسة والحمد لله
قال مداعبًا :
– ايه يازهرة؟ هو انتِ شايفاني قد ابوكي عشان تندهيلي بعمي، بصيلي كويس كدا انا لسة في بداية شبابي دا انا مجيش قد خالك حتى.
رفعت عيناها اليه مندهشة من كلماته، فتقابلت بعيناه وهذا الوميض الغريب بها ، أومأت له برأسها دون اقتناع .
– حاضر تمام، عن اذنك بقى.
تخطته لتصعد ولكنها تفاجاءت بصرخته فور ان أعطته ظهرها، استدارت اليه فوجدته ملقى على الأرض ممسكًا بقدمه:
– اااه ، اللحقيني يازهرة، انا رجلي باينها اتكسرت من سلمكم المكسور
رددت بخوف :
– طب انا هاعملك ايه؟ هاروح اندهلك خالي .
صرخ بصوت أعلى :
– قبل ماتندهي خالك تعالي بس ساعديني اقوم بجسمي من عليها الأول، بدل الكسر مايتضاعف معايا، اااه، بسرعة يازهرة .
همت لتتجاهله وتصعد ولكن مع ازداياد انينه وتألمه اضطرت لتنزل اليه وقبل ان تقترب هتفت :
– طب اروح لندهلك حد من الشارع
صرخ ضاربًا بقبضته على عتبة الدرج:
– انت لسة هاتدوري وتندهي، يازهرة بقولك عايز ازيح تقل جسمي بس ، مش طالب منك حاجة تاني
أذعنت تقترب منه على حذر وهو يقبض على ذراعها بقوة حتى نهض متصنعًا الألم يتأوه:
– ااه يارجلي ااه.
تململت لتنزع قبضته من ذراعها :
– طب ثواني كدة وانا هاروح اندهلك خالي .
رفع رأسه اليها بنظرة لن تنساها ابدًا، وفاجأها بوقوفه على القدم السليمة والتي ظنت انها مصابة أيضًا ، وقبل ان يخرج السؤال من فمها وجدته يحط بذراعها على خصرها والأخرى كممت فاهها فسحبها بسرعة البرق في الزواية المظلمة اسفل الدرج ، صرخت بصوت مكتوم وقاومت بكل قوتها الجسد الضخم ، فما كان منه الا ان زاد بضغطه يمرر شفتيه على وجنتيها ويتلمسها بوقاحة،
حينها ظهر خالها من العدم ، وفلته عنها بلكمة اطارت سن من مقدمة فمه، ممطره بوابل من الشتائم والالفاظ النابية وهو يسحبه كالبهيمة في وسط الشارع يوسعه ضربًا حتى كاد ان يزهق روحه
لن تنسى ابدًا رائحته الكريهة ، انفاسه الساخنة التى كانت تحرق بشرتها، قوة كفه التي كانت تقبض على فمها حتى كادت ان تشعر بانسحاب روحها، في بضع لحظات لا تتعدى الدقائق القليلة، لكنها كانت كافية لتضع الخوف بقلب زهرة مهما مر من السنوات ومهما تطورت بحياتها .
………………………………
في المساء
وبعد أن استرخي قليًلا في حمام من الماء الدافئ ليصفي ذهنه ويزيح عن جسده قليلًا من ارهاق اليوم ، خرج من حمامه بالسروال التحتي فقط يجفف شعر رأسه بالمنشفة الصغيرة، ولكنه انتبه يرفع رأسه على صوتِ صفير من الخلف، فتفاجأ بانعكاس صورتها أمامه في المراَة، جالسة بميل على طرف تخته مرددة بإعجاب :
– واوو جسم رياضي فعلًا زي ماقال الكتاب .
التف اليها برأسه ورمقها من تحت اجفانه قبل ان يعود ليصفف شعره قائلًا من تحت أسنانه :
– هي بقت عادة ولا ايه ؟ انا مش منبه عليكي، الأوضة دي ماتعتبيهاش تاني .
استقامت تنهض عن جلستها فوق التخت لتُظهر طول منامتها القصيرة وفتحاتها التي كشفت عن معظم جسدها، تتمايل بخطواتها امام نظراته الثاقبة في المراَة، حتى اقتربت لتجفله بوضع كفيها على عضلات ظهره من الخلف تتلمسها ببطء وهي تردف بصوتٍ ناعم:
– ممكن تسيبني اللمسهم؟ اصلي بصراحة عندي رغبة غير طبيعية اني اشوف قوتهم .
تركها تفعل دون ان يرفض، فاعتبرته استجابة لتكمل بكفيها حتى ذراعه ثم استقرت على العضلات الأمامية بتركيز ، خرج عن سكوته يسألها باقتضاب وعيناه نحو انعكاسها في المراَة:
– عجبوكي؟
همست بأعين تملؤها الرغبة:
– أوي، اصل اَخر مرة لمستهم فيها مكانوش بالقوة دي.
ضيق عيناه ليلتف نحوها يسألها بتفكير:
– هي إمتى كانت اَخر مرة بالظبط ؟
اجابته بصوت يحمل في طياته العتاب:
– من كتير، كتير أوي يا جاسر، تقريبًا يجي أكتر من سنة.
– اممم
زام بفمه الذي اطبقه واخفض عيناه عنها بتأثر شجعها لتردف سائلة:
– طول الفترة اللي عدت دي كلها ياجاسر ، ماوحشتكش فيها ولا يوم ؟
ارتفعت عيناه اليها ، تتحرك شفتاه وكأنه يبحث عن اجابته ثم مالبث ان يجيبها بكل بساطة:
– لأ
وكأن دلوًا من الماء البارد سقط فوق رأسها وافاقها من غفوتها، رددت بعدم تصديق :
– انت بتقول ايه؟
– بقولك لأ
اردف بها مرة أخرى واستدار ليكمل تصفيف شعره بكل برود ليجعل نيران الغضب تشتعل داخلها ، فقالت بشراسة:
– هو انت فاكر نفسك ايه؟ لتكون فاكرني دايبة في دلال حضرتك وهاتعيش الدور عليا ، لأ فوق ياجاسر ، انا ميرا .
قالت وهي تلوح له بسبابتها جعلته يعود اليها مردفًا بابتسامة اعتلت فمه:
– ايوة بقى يابرنسيس ميرا، طب انا برفض كل محاولاتك معايا من يجي أكتر من سنة ، باقية ليه انتِ عليا ورافضة الطلاق ؟
قالت جازة على أسنانها :
– عشان انا عاقلة كويس قوي، ومقدرة حجم الكوارث اللي هاتوقع فوق راسك وراس والدك لو انفصلت المجموعة.
رد غامزًا بعيناه:
– انا متقبل وراضي بالكوارث، بس انتِ وافقي ومايهمكيش .
زفرت تخرج من أنفها انفاسًا حارة كالدخان وهي تنظر اليه تود لو إحراقه حيًا، ثم مالبثت أن تذهب ضاربة الأرض بقدميها من الغيظ، التف هو ينظر للمرأة يكمل مايفعله بلا اكتراث .
………………………………
في اليوم التالي
بداخل الشركة وفي وقت استراحة الموظفين التقت زهرة في طريق ذهابها الى الكافتيريا الخاصة بالشركة ، بعماد الذي كان عائدًا منها ممسكًا بيده فنجانان من القهوة الساخنة، قال بابتسامته المعهودة:
– صباح الورد ورائحة الزهورة، رايحة فين؟
بادلته ابتسامته قائلة:
– صباح الفل ياسيدي، انا رايحة الكافتيريا اشربلي حاجة سخنة.
– والحاجة السخنة دي بقى، تبقى قهوة باللبن .
قال وهو يناولها احدى الفناجين التي بيده، تناولته منه ضاحكة :
– ايوة بس كدة اللي كان طالبه منك هايزعل لما يلاقيك
راجع من غير طلبه.
– وانتِ مين قالك اني جايبه لحد غيرك؟ انا جايبهولك انتِ أساسًا .
رد ببساطة اثارت دهشتها، فسألته غير مصدقة:
– ايوة ازاي يعني ؟
ارتشف من فنجانه قليلًا ثم أجابها بابتسامة:
– اصل انا بقى عارف كويس اوي ان دا طلبك في كل مرة بتدخلي فيها الكافتيريا، فقولت في نفسي بقى اوفر عليكي المشوار وبالمرة ابقى خدت الثواب.
بابتسامة واسعة انارت وجهها بادلته مزاحه:
– لا بصراحة كتر خيرك يااستاذ عماد، حضرتك وفرت عليا مشوار كنت هاتعب فيه قوي.
اكمل بمزاحه :
– لا داعي للشكر يازهرة، الحاجات البسيطة احنا بنعملها عشان ربنا يبارك في صحتنا.
– كمان !
اردفت بها وضحكت من قلبها معه .
……………………
وعند كاميليا التي كانت مندمجة في عملها بتركيز كالعادة، شعرت بظل طويل بالقرب منها، رفعت رأسها فوجدت امامها رجل وسيم بابتسامة
الأنيقة خاطبها :
– صباح الخير، جاسر موجود جوا .
خلعت نظارتها تعتدل في جلستها وردت بعملية
– صباح الفل يافندم ، جاسر باشا موجود فعلًا بس حضرتك يعني بتسأل في ميعاد مسبق ؟
نفى بتحريك رأسه قائلًا بابتسامة:
– لا بصراحة مافيش، بس انا هاقابله برضوا
خبتئت ابتسامتها من رده الغريب فتابع قائلًا :
– ايه يا اَنسة اتخضيتي كدة ليه؟ اتصلي وبلغيه باسمي وريحي نفسك .
ردت بغيظ وهي تتناول هاتف المكتب تسأله :
– تمام يافندم، اسم حضرتك ايه بقى عشان ابلغه بحضورك .
رد متسليًا لرد فعلها:
– قوليلوا طارق ، طارق وبس.
اردفت من تحت أسنانها
– وبس !
ردد خلفها بابتسامة مرحة
– وبس!
…………………..
وفي الداخل
وامام الشاشة الكبيرة التي تأتي بصور الكاميرات لمعظم أنحاء الشركة، تركزت انظاره نحو الصورة التي اتت بصورتها وهي تبتسم بمرح مع الشخص الواقف امامها، وقد علمه هو من وقفته، كان مستندًا بوجنته على اطراف أصابعه متابعًا بتركيز ، والكف الأخرة تطرق بالقلم الذهبي على سطح المكتب، حينها اتاه اتصال كاميليا بحضور صديقه ، امرها بإدخاله على الفور.
– جاسر باشا.
اردف بها صديقه وهو يفتح باب المكتب على مصراعيه، نهض جاسر يستقبله بحفاوة:
– طارق الوكيل، اتفضل ياعم انت محتاج عزومة.
دلف صديقه مهللًا :
– مش حكاية عزومة ياكبير، بس انت راجل مهم والواحد لازم يستأذن قبل مايدخل عندك .
تصافح الاثنان بحرارة قبل ان يُجلسه امامه.
واردف طارق مازحًا :
– دي مديرة مكتبك كان هاين عليها تاكلني أكل عشان بس نطقت جاسر حاف من غير باشا.
رد جاسر بدعابة :
– تاكلك ايه بس ياعم بحجمك ده ؟ هو انت مش شايف نفسك
اطلق طارق ضحكة مجلجلة بمرح :
– هههههه يخرب عقلك ياجاسر ، لما تفك شوية كدة بيطلع منك درر .
حينما هدأت ضحكات طارق سأله جاسر بجدية:
– وايه اخبار المشروع الجديد بقى معاك؟ كويس كدة ولا لسة فيه عقبات بتواجهك.
– لا ياسيدي الحمد لله المشروع تمام، بس بقى مهلك جدًا، دا انا بالعافية فضيت نفسي النهاردة عشان بس ازورك بعد مازهقت.
رد جاسر وهو مستند بمرفقيه على سطح المكتب يفرك بالقلم بين كفية بتفكير وعيناه تتنقل كل ثانية نحو الشاشة :
– الله يكون في عونك وانت فعلًا مش متعود على الشغل الكتير والمسؤلية، تحب اجيبلك حد يساعدك ؟
………………………..
– انا يافندم معقول الكلام ده ؟
تفوهت بها كاميليا بفرحة لا تصدق ماسمعته ، اردف لها بتأكيد وهو يمضي على بعض الأوراق
– ايوة انتِ ياكاميليا، مش مصدقة ليه؟ انتِ مجتهدة وتستاهلي كل خير.
– ايوة يافندم بس انت بتمسكني مسؤلية كبيرة قوي.
رفع رأسه اليها مردفًا بعملية
– يابنتي صدقي بقى انت قدها، انا خلاص مضيت القرار .
– بالسرعة دى كمان مضيت القرار ؟ طب احنا هنلاقي امتى حد ياخد مكاني في الشغل هنا دلوقتي؟
اعتدل في كرسيه يجيبها بهدوء:
– لا ماانا مش هاجيب مديرة للمكتب، انا عندي كارم المدير بتاع المجموعة بيسد معايا في كل حاجة، انا بس هحتاج لسكرتيرة .
ردت كاميليا بلهفة:
– كويس اوي يافندم ، انا مستعدة اعمل مسابقة وحضرتك تختار بقى السكرتيرة اللي تعجبك وتريحك قبل انا ما اسيب مكاني .
أجفلها برده الهادئ وهو يهتز بكرسيه :
– لا ماانا مش هاعمل مسابقة لسة واوجع دماغي، انا سألت رؤساء الاقسام هنا ورسيت على اسم سكرتيرة لواحد فيهم، وخلاص بقى اصدرت قراري الاداري .
لوح بالورقة الكبيرة امامها على سطح المكتب فتناولتها بسرعة ولهفة قائلة:
– يارب اكون اعرفها………
قطعت جملتها حينما صعقت من رؤية الأسم، زاغت عيناها في النظر نحو الورقة ونحوه بصدمة بعدم تصديق، شفتيها تتحرك باضطراب، وهو ينظر اليها بتحدي ، حتى غمغمت مع نفسها :
– يانهار اسود ، دي كان عندها حق بقى
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)