روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت العاشر

رواية نعيمي وجحيمها الجزء العاشر

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة العاشرة

أمام مراَتها كانت تمرر الفرشاة على وجهها وهي تضع في مساحيق التجميل المتعددة ببطء وتمهل، متجاهلة عن قصد دوي هاتفها بمجموعة هائلة من الإتصالات التي كانت تنظر لها باستخفاف ثم تعود لما تفعله بعدم اكتراث للوقت أو مايتبعه من عواقب في التأخير، ركزت بدقة على كل تفصيلة بوجهها غطتها وجملتها بحرفية عن خبرة سنوات؛ لما تفعله منذ أن تخرجت من المعهد مع زهرة ، ثم انتقلت للعمل بالمحلات كبائعة او المطاعم كنادلة، فاكتسبت خبرة في الإحتكاك والتعامل مع جميع اصناف البشر ، عكس ابنة خالها التي ظلت محتبسة البيت بعد تخرجها، معتمدة اعتمادًا كليًا على خالها الذي كان يُحاوطها برعاية وحمائية مثيرة للإستفزاز قبل أن تأتيهم الفرصة معاً في الإلتحاق بالعمل مع كاميليا بشركتها، وتساوت الرؤوس بينها صاحبة الخبرة والممارسة العملية وبين ابنة خالها المحظوظة والتي خرجت من منزلهم على مقعد السكرتارية مباشرةً؛ فلم ينل منها تعب المناهدة مع الزبائن في المحلات أو تتوجع اقدامها من الوقوف طوال اليوم كنادلة في المطاعم الرخيصة، انتبهت هذه المرة على صوت اَخر لجرس المنزل، توقفت قليلًا تستمع لبعض الأصوات التي تداخلت مع صوت والدتها التي فتحت الباب، ثم تفاجأت بها بانعكاس صورتها في المراَة وهي تقف خلفها بوجه متجهم وعابس:
– انتِ لسة واقفة قصاد المراية وبتتمكيجي ياغادة ؟ مش واخدة بالك ياهانم من الساعة ولا بالتأخير اللي اتأخرناه ، دا انا بقالي ساعة برن عليكي وانتِ حتى مكلفتيش نفسك تردي عليا؟ يعجبك كدة عمايلها البت دي ياعمتي؟
– يرضيني بقا ولا مايرضنيش، هاعملها ايه انا بقى ؟ اهي قدامك اهي؛ اتصافوا مع بعض .
قالت إحسان وكأن الأمر لا يعنيها، ثم تحركت تخطو للخارج بهدوءٍ غريب اندهشت له زهرة، ثم انتبهت على قول غادة التي تحدثت هي الأخرى ترد عليها :
– ياستي مرة في التاريخ تتحسب فيها مجيتك ليا عشان تستعجليني عالشغل زي ما بعمل انا كل يوم ، وبتحمل كلام رقية وتريقتها من غير ما اشتكي .
– مجية ايه وهباب ايه ؟ في ايه يابنتي احنا متأخرين بجد والله، اخلصي الله يخليكي مش عايزة اخدلي كلمتين من جاسر الريان لو اتأخرت .
لوت ثغرها وهي تغمغم أمامها :
– ايوة بقى عايريني بالشغل الجديد والترقية ، ماانا عارفه وفاهمة لوحدي مش محتاجة تفكريني يعني .
– أفكرك بإيه يابني أدمه انت بقولك متأخرين، دا وقته كلامك ده؟
هتفت بها زهرة حانقة نحوها، ردت غادة وهي تدنوا نحو على الأرض :
– ثواني طيب هالبس الجزمة بتاعتي
صرخت زهرة بعدم سيطرة :
– كمااان، لسة هاستناكي على ما تلبسي الجزمة؟ دا شكلي انا اللي هالبس النهاردة وانول غضب هولاكو!
…………………………
بعد مايقارب الساعة كانت زهرة تقف على أعصابها بجوار غادة في مصعد الشركة وهي تنظر للساعة كل دقيقة ، تتمتم بقلق :
– يا نهار اسود المواصلات عكت معانا وزودت التأخير، مصيبة بقى لو كان وصل هو قبلي ، دا مش بعيد يطرني اصل انا عارفاه دا بيتلككلي .
مصمصت غادة بشفتيها تردف لها بصوت مسموع :
– ياسلااام ، على أساس بقى ان الراجل حاطك في دماغه ؟ هو فاضي يفتكرك اساسًا ؟
لم ترد زهرة وتجاهلت تهكمها للتندمج في النظر نحو العداد الإلكتروني في انتظار الوصول لطابقها، حتى اذا توقف المصعد خرجت سريعًا وخلفها غادة التي تقابلت عيناها فور خروجها بهذا الرجل ثقيل الظل الأسمر ، يغمز لها بعيناه قبل ان يدلف لداخل المصعد في الجهة الأخرى تقبلتها بتكشيرة بوجهها أمامه، ولكن عقلها تيقظ فور ان تذكرت انه حارس جاسر الريان الشخصي ، نظرت نحو زهرة التي كانت تهرول مسرعة بالرواق الطويل ، فومضت برأسها فكرة خبيثة، لتنفذها بدون تأخير؛ وبحركة مفاجئة صرخت على زهرة توقفها :
– اَه ، الحقيتي يازهرة .
استدارت اليها زهرة مجفلة على صوتها فوجدتها متكورة على نفسها بجانب الحائط ، واضعة كفها على رأسها ، تأن بألم :
– اللحقيني يازهرة، حاسة نفسي مش قادرة اكمل .
ارتدت عائدة اليها تسألها بخوف مختلط بالأندهاش وهي تقترب منها :
– مالك يابنتي ؟ ايه اللي حصل ماكنتي كويسة.
ردت غادة متصنعة الألم :
– مش عارفة يازهرة، فجأة كدة حسيت بدوخة جامدة اوي ، ااه ، دا بابنه ضغط دا ولا إيه ؟ انا حاسة نفسي هاقع اسنديني يازهرة .
– طب يعني اروحك دلوقتِ ولا اعمل معاكي ايه بس ؟
قالت زهرة بتوتر وهي تسندها بيديها الاثنتان، تشبثت بها غادة أكثر تجيبها ، لا يازهرة انتِ بس وصليني مكتبي ، ولا اقولك وصليني على مكتبك اقرب ، اخد نفسي بس الاول وبعدين نشوف .
– طب تعالي بقى وربنا يستر .
أذعنت زهرة توافق على طلبها على مضض وهي تعود لساعة يدها كل دقيقة تحتسب الدقائق التي تمر على تأخيرها عن ميعادها وهي تسير بخطواتِ بطيئة مع غادة التي تتحامل بثقل جسدها عليها .
حينما وصلت للغرفة الواسعة توقفت على مدخلها بأعين جاحظة من الخوف ، وهي تراه أمامه متكئ بجسده على طرف مكتبها وكأنه في انتظارها ، بوجه متجهم عاقد حاجبيه المقلوبان وهو ينظر نحوها بتحفز ، ابتلعت ريقها الذي جف على الفور من الخوف فقالت لغادة وهي تتركها :
– استني هنا ماينفعش تدخلي دلوقتِ .
حاولت غادة التفوه بكلمة ولكن زهرة لم تعطيها فرصة وهي تخطو بتردد وخوف نحوه ، حتى اذا وصلت قالت بأدب :
– صباح الخير يافندم .
رفع حاجبه الشرير يجيبها بنبرة مريبة باعثة للخوف أكثر بقلبها:
– صباح الخير!! دا على أساس انك واصلة في ميعادك مش قريب على ادان الضهر .
– أدان الضهر ازاي بس يافندم الساعة لسة ماتمتش تسع……
قالت ببرائة لتنتفض فجأة على مقاطعتهِ لها بصحية قوية جعلت جميع جسدها يهتز مرتدُا لخلف .
– وليكِ عين تقوليها كمان قدامي ، بعد ماسبتيني انتظرك بالنص ساعة .
ارتعشت شفتها وتلعثمت وهي لا تقوى على تجميع كلمة مفيدة أمامه :
– ممم ماهي بنت عمتي…
دوى صوت غادة من ناحية الباب تردف له متصنعة اللهاث:
– هي ملهاش ذنب يا جاسر باشا، انا اللي أخرتها لما تعبت ودوخت فجأة وهي كانت بتسندني .
انتبه لها فرمقها بنظرة مخيفة قبل أن يصيح بصوتِ جهوري اهتزت له أركان المكتب :
– ارجعي على مكتبك يا اَنسة ولو تعبانة روحي على ببتكم، معنديش انا وقت للكلام وللتفسير .
فغرت غادة فاهاها ببلاهة وعدم استيعاب فهدر عليها بقو اكبر:
– بسرعة يالا.
انتفضت تهرول بجزع أمامهم، متناسية ادعاءها المرض، فعاد جاسر يومئ بسبابته لزهرة نحو اثرها :
– هي دي اللي كانت تعبانة وبتسنديها ؟
صمتت زهرة لا تقوى على جداله ، فخاطبها يجز غلى أسنانه :
– موضوع التأخير ده ما يتكررش تاني، اوصل انا المكتب الاقيكي في انتظاري، فاهمة .
اومأت برأسها بألية وتابع هو :
– انا داخل مكتبي، عشر دقائق والاقيكي داخلة بملفات مصنع الأسمنت.
اومأت مرة أخرى وهي لم ترفع عيناها اليه فذهب لغرفة مكتبه لتسقُط هي على مقعدها مطلقة السراح لدماعاتها التي كانت تهطل بغزارة ، وهي تكتم شهقاتها وتفعل ما أمرها به بقهر .
…………………………….
في وسط الحارة التي تقطنها زهرة علقت اعقاد الزينه والمكبرات الصوتية وانتصب الخشب في التحضير لحفل زفاف احدى فتيات الحارة ، كان محروس جالسًا مع احد اقارب العروس بتابع الاستعدادت حينما اتى فجأة فهمي ليلجلس بجواره يحيه :
– عم محروس ازيك ياحبيب قلبي وحشني .
– اهلًا يافهمي ماتشوفش وحش.
قال محروس على مضض امام الرجل الذي انسحب بزوق من جوارهم :
– طب عن اذنكم ياجماعة انا رايح اشوف البنات حضروا الغدا ولا لسة .
قالها الرجل وهو يذهب متهربًا من الجلسة معهم ، نظر في اثره فهمي يردد من خلفه بسماجة :
– اذنك معاك ياعم عادل ، ربنا يتمم جواز بنتكم بخير يارب.
نكزه محروس بكف يده ليسأله:
– عايز ايه يافهمي ؟ بعد ما قطعت قعدتي مع الراجل واحنا بنتفق على الفلوس اللي بقيالي عنده من جهاز بنته؟
اصدر صفيرًا بصوته فهمي يردد :
– أوعى أوعى بقى ، ورجعنا اهو لجهاز العرايس كمان، دا انت بشبشت معاك ياعم بقى وزهزهزت
– بشبشت وزهزهت ايه انت كمان ؟ دا انا عاملهم بالتقسيط ، يعني هايطلع عين امي على ما اخلص حسابي معاهم، انت جاي تقر بقى ولا ايه ،
رد فهمي ضاحكًا :
– اَقر دا بس ياعم ، دا انت الخير اللي بتحط في عبك كانه اتحط في عبي على طول ، انا وانت واحد ياابو نسب ولا انت نسيت ان انا السبب في دا كله ؟
شدد على كلماته الأخيرة فرد محروس بتوتر :
– ياعم منستش والله فلوسك ، بس اديك شايف بنفسك اللي خدتهم منك باليمين راحوا في تسديد الديون القديمة وشرا قطن وقماش اشتغل بيه ، هي الورشة اتحركت شوية ، بس بقى فايدتها عايزة صبر .
– ههههه
صدرت منه بسخرية فااكمل :
– انا مالي بالهليلة دي كلها يابرنس ، انا اديتك الفلوس على اساس انها مهر البت ، يبقى ليه التعب بقي في شرح مأساتك ؟
تعرق محروس وانعقد لسانه عن الرد بعد أن ذكره هذا الملعون باتفاقهم.
– سكت ليه يا قلبي ماترد ؟
سأله فهمي بخبث فرد محروس بتلجلج :
– يااافهمي ..مماانا قولتلك.. ان البت هي اللي رافصة
– وانا قولتلك ماليش فيه.
هتف بها بقوة اجفلت محروس وتابع رافعًا حاحبه المقطوع بنصفه:
– انا ساكت يامحروس وصابر عشان انت تميل دماغها ، مش عايز أذيك عشان عيلة عقلها طاقق ، ماتعرفش مصلحتها ولا مصلحة والدها فين ؟ دا انا قاطعت صنف النسوان ياجدع يجي من ٣ اشهر دلوقتي في انتظار البطل….
– عيب يافهمي كلامك البارد ده ، انت بتتكلم عن بنتي.
قالها محروس بمقاطعة حادة لم تؤثر في فهمي الذي اردف بسماجته :
– خلاص ياعم ماتبقاش حنبلي ، انا بس عايزك تحس بيا وتفهم؛ ان البت فارقة قوي معايا ، واخد بالك انت ، فارقة ومعششة في نفوخي .
اومأ له محروس برأسه وقد عصفت بعقله الأفكار ، بعد تورطه مع رجل كفهمي هذا.
………………………
– ادخل .
اردف بها مقتضبة وهو منكفئ بتركيز على مجموعة من العقود أمامه ، دلفت اليه لتضع الملفات التي أمرها بها على سطح المكتب أمامه قائلة بعملية :
– الملفات يافندم اللي انت أمرت بيها .
تناولها وقبل ان ينظر بهم، رفع رأسه اليها فقطب يسألها :
– انت معيطة ؟
نفت تهز برأسها بقوة وكذب مفضوح:
– لا حضرتك انا مكنتش بعيط .
اعتلت وجهه ابتسامة وقد ترك من يده كل الاوراق وفرغ اليها قائلًا بتسلية :
– ولما انت مش معيطة، شكل وشك بقى كدة ليه ؟
– مالي وشي يافندم ؟
ردت بدفاعية جعلته ينهض ليقف مقابلها ، مقربًا المسافة بينهم ليشرح :
– عنيكِ دبلانة اوي عكس ما شوفتها من شوية، الحمار اللي انتشر في بعض مناطق وشك بزيادة ، دا غير كمان مناخيرك اللي بقى شكلها يضحك .
– انا شكلي يضحك ؟
سألته تومئ بسبابتها نحوها فردد هو :
– انا بقول مناخيرك .
اخفضت عيناها صامتة بتوتر من وقوفه بهذا القرب أمامها، وهو يدقق بوجهها وكأنه يحفظها، فقالت بجدية:
– طب انا أمشي دلوقتي يافندم ولا استنى حضرتك على ما تمضي على الأوراق ؟
تحمحم يعود لرشده بعد اندماجه في تفاصيلها ، وعاد لمقعده يتصنع الجمود :
– على العموم تمام يعني لو مش عايزة تعترفي ، بس المهم دلوقتِ بقى انا عايز انبه عليكِ ان في تأخير النهاردة عشان في اجتماع لرؤساء المجموعة ومديري الأقسام ، يعني تعملي حسابك .
– اعمل حسابي ازاي يافندم ؟ هو انتوا هاتتأخروا لإمتى بالظبط؟
سالته فمط شفتيه قائلًا بهدوء :
– مقدرش احدد بالظبط امتى، بس احنا اجتماعتنا بتبقى بالساعات يعني ممكن نجر لبعد تسعة كمان.
– نهار اسود ازاي بقى؟ دا كدة ستي ممكن تطين عيشتي .
دلفت بكلماتها بعفوية اثارت بداخله ابتسامة مستترة، جاهد لعدم إظهارها، فقال متصنعًا الحزم:
– الأمور العائلية دي مش في الشغل يازهرة، خلي بالك من كلامك، واتفضلي بقى عشان انا هاراجع في الملفات قبل ما امضي .
اتم جملته ودنى برأسه ليعود لعمله وينشغل عنها، تحركت هي بتردد ثم استدارت عائدة اليه تهتف بتصميم :
– يافندم معلش بقى حتى لو هاتقولي امور عائلية ، بس انا ماينفعش اتأخر النهاردة بالذات .
التفت اليها يسألها بحدة واهتمام :
– ليه بقى ياست زهرة ماينفعش النهاردة بالذات ؟
فركت أمامه بكفيها وأجابت بتوتر :
– بصراحة بقى النهاردة عندنا فرح في الحارة، ودا بيبقى فيه شرب وحاجات كدة ، وانا اخاف اعدي عالشباب هناك وهما بحالتهم دي، انا مضمنش الظروف.
– وانتِ عرفتي منين انهم بيشربوا؟
سألها مضيقًا عيناه ، اجابته على الفور دون تفكير:
– خالي خالد هو اللي كان بيقولي كدة ، وكان بيمنعني اروح اي فرح غير وانا معاه ، وهو دلوقتِ مش موجود يبقى انا اخلي بالي من نفسي بقى.
ظل صامتًا يحدق بها بغموض ، فسألته هي بنفاذ صبر :
– قولت ايه يافندم بقى ؟ اروح على ميعادي ؟
نفى برأسه قائلًا بإصرار :
– لا يازهرة مش هاتروحي على ميعادك .
اصابها الإحباط فهمت تجادل ولكنه أوقفهًا مردفًا:
– بس انا هاتصرف واخلي السواق والحارس بتاعي يوصلوكي لحد باب البيت، مبسوطة كدة؟
اومأت برأسها صامتة بجمود قبل أن تنصرف من أمامه ، بداخلها تود الصراخ بوجهه والرفض بشكل قاطع ، ولكنه لا يترك لها فرصة بجبروته، ومن الناحية الأخرى وصله اعتراضها مرتسمًا على ملامح وجهها المتجهمة ، التي تفضح مابداخلها حتى لو هي اظهرت العكس ، كم ود لو يطيل حديثه معها فتفصح أكثر عن عائلتها وعن حياتها، تنهد بثقل وهو يهز برأسه ليتسفيق الى عمله ، والذي ما ان اتجه اليه تذكرها ، فرفع رأسه يتمتم بداخله:
– عايزالك دارسة لوحدك يازهرة .
………………………….
طرق بخفة على باب غرفتها وحينما لم ترد ، دلف للداخل يتطلع بأرجاء المكان وهي غير موجودة فيه؛ ابتسم بداخله وهو يرى الديكورات الحديثة وقد اتخذت الطابع الانثوي بها ، اصدر صفيرًا إعجاب على زوقها الرفيع في انتقاء المقاعد العصرية والتفاصيل الصغيرة التي زينت بها الاركان، مكتبها الجديد الذي تراصت عليه إطارات الصور والاقلام الملونة؛ كان مرتب بعناية ، تقدم بفضول ليجلس محلها فتناول الصور ليتأملها ، الصورة الأولى كانت بزي التخرج من الجامعة ، يبدوا ان التفوق كان حليفها دائمًا وليس الاَن فقط ، الثانية لرجل عجوز من رسمة عيناه ولونها البني خمن انه أباها ، أما الأخرى فهى لشاب وسيم يضمها بذراعه بحميمية مع فتاة أصغر في الجهة الأخرى .
انتبه فجأة على فتح الباب ودلوفها اليه قاطبة الحاجبين بدهشة ، سبقها في الحديث سائلًا ببرود :
– حلوة اوي الصورة دي ، دا خطيبك؟
فغرت فاهاها تسأله بعدم استيعاب
– استاذ طارق ، حضرتك قاعد على مكتبي وانا مش موجودة!
– اه صحيح ، معلش بقى مخدتش بالي .
قال بتصنع وهو ينهض من أمامها ويترك المكتب ، حتى وقف أمامها واردف :
– بصراحة انا كنت جاي اشوفك لو محتاجة حاجة او في أي شئ ناقصك ، بس انشديت بقى للديكور الجديدة ونسيت نفسي وانا بتفرج عالصور .
اومأت برأسها بتفهم حتى تنهي الجدال :
– تمام حضرتك ، والف شكر طبعًا انك كلفت نفسك وجيت تسألني من غير ما اتكلم.
– مافيش داعي للشكر ياكاميليا ، احنا خلاص بقينا زملة ، هو انتِ كنتِ فين صح ؟
أجفلها بسؤاله الفضولي فتماسكت تجيبه بضبط نفس
– حضرتك انا كنت بعمل جولة في المكان عشان استكشف حركة العمل وشغل العمال .
قال بإعجاب :
– ماشاء الله مابتضيعيش وقت انتِ ، تعجبني الروح العملية، عالعموم انا تحت أمرك في أي سؤال لو حبيتي .
اومأت بموافقة دون ان تعزم ولو بالمجاملة عليه بالجلوس ، تحمحم هو ليستأذن ولكنه توقف فجأة :
– صحيح انتِ مجاوبتيش على سؤالي .
هزت رأسها اليه باستفسار:
– سؤال ايه يافندم معلش ؟
– الشاب الوسيم اللي سالتك عنه في الصورة ؟
قال بابتسامة غريبة اثارت استفزازها ، أجابته بابتسامة صفراء :
– دا اخويا حضرتك ، والبنت اللي معانا تبقى اختي الصغيرة .
– امممم .
تفوه يردف بابتسامة متوسعة وهو يهم بالخروج :
– حلوين ماشاء ربنا يحفظهم ، بس انتِ أحلى .
اومأ غامزًا بوجنته كالمرة السابقة ثم خرج بأناقة من امامها، جعلها تنظر في اثره بمزبهله لحظات و مشدوهة من جرأته .
……………………………..
والى زهرة التي كانت تتحدث برجاء مع جدتها التي كانت تمطرها بالسباب في الهاتف .
– شغل ايه دا يابت اللي بيأخر لتسعة؟ ماتباتي برة أحسن .
– ياستي افهميني بقى ، انا قاعدة اساسًا غصب عني، يعني ارحميني والنبي .
– وايه اللي غاصبك ياختي ؟
اجابتها على الفور بصوتِ خفيض:
– الراجل المفتري صاحب الشغل، قال ايه عامل اجتماع ، طب وربنا انا اترجيته ان امشي واتحايلت بيكي لكن برضوا مرديش.
زامت رقية قليلًا ثم سألتها باعتراض :
– طب وهاترجعي ازاي ياناصحة وتعدي عالرجالة اللي هاتترشق في الشارع تسكر وتشرب في الفرح ؟
ردت زهرة :
– ما انا قولتله عليها دي كمان وقالي انه هايخلي السواق والحارس بتاعه يوصلوني لحد البيت يعني ما تقلقيش ان شاء الله.
صمتت قليلًا رقية قبل ان تردف لها على مضض
– ماشي يازهرة اما نشوف اخرتها ايه الشغلانة المهببة دي
فور انهائها المكالمة وقبل ان تعود لعملها جيدًا وجدت عامل البوفيه يدلف اليه ملقيًا التحية قبل ان يضع أمامها علبة عصير ومعها شطائر لحم على سطح المكتب .
– ايه دا يابلال ؟ ساندوتشات بورجر !
سألت وهي ترمق الشطائر بذهول ، اجابها الفتى بابتسامة :
– جاسر بيه هو اللي أمر بالطلب زي امبارح .
القت نظرة ممتعضة على باب غرفته قبل ان تعود للفتى قائلة:
– خدهم يابلال ، بدل ما يترموا زي اللي فاتوا .
اتسعت ابتسامة الفتي وهو يتحرك بأقدامه للخلف قائلًا :
– اسف يازهرة ، انا اللي عليا اني اجيب وبس، وانتِ بقى حرة في انك تاكليه أو ترميه.
عبست بوجهها وهي تعود لعملها وتتمتم بغيظ :
– جايبلي ساندوتشات لحمة فاكرني مفجوعة وما هاصدق، والنعمة ما مقربة منهم ، ان شالله اموت حتى من الجوع .
– زهرة حبيبتي .
تأففت بسأم وهي ترفع رأسها لصاحبة الصوت التي أتت فجأة :
– عايزة ايه ؟ مش خفيتي بقى وجريتي زي الحصان اول اما زعق فيكِ البيه ، ولا اكنك كنتِ عيانة اساسًا.
ردت غادة بصوت ملهوف وهي تجلس أمامها:
– والنعمة كنت عيانة صدق مش تمثيل ، بس اعمل ايه بقى؟ جاسر الريان لما شخط فيا واكنه وحش وهاياكلني ، القوة هبت فيا ان اجري منه هربانة بجلدي لحد اما وصلت مكتبي واترميت عليه زي الجثة ، لولا البنت زميلتي ما قامت بالشغل بدالي وجابتلي برشام يرفع الضغط ، ماكنت ابدًا هارفع راسي ولا اقدر اخطي برجلي واجيلك هنا واكلمك .
استمعت لها زهرة ثم لوت ثغرها تتجاهلها دون رد وهي تعود لعملها ، خرج صوت غادة بأسف :
– لا تكوني زعلانة مني يازهرة عشان أخرتك النهاردة ، بس والنعمة ياشيخة ماكنت اعرف ان كل دا هايحصل ويطلع رئيسك شديد قوي كدة .
– واديكِ عرفتي .
تفوهت بها مقتضبة زهرة ، فسألتها غادة بتردد :
– هو عمل معاكي ايه ؟ اداكي جزا ولا خصم منك ؟
رفعت اليها رأسها ترد بحدة :
– عمل اللي عمله ياستي ، اديني خدت اللي فيه النصيب وخلاص .
عضت غادة على باطن وجنتها بغيظ بعد ان الجمتها بكلماتها، وهي التي كانت تتحرق شوقًا لتعلم العقاب الذي نالته زهرة.
– ماشي يابنت خالي زي ما تحبي، الا صحيح هي سندوتشات البرجر دي بتاعة مين .
سألت الاَخيرة وهي تلعق شفتيها في النظر نحوهم ، اجفلتها زهرة قائلة :
– بتاعة اللي بتاعته بقى ، كُليهم يا غادة وعلى مسؤليتي .
– بجد ، انا فعلًا تعبانة وعايزة حاجة تقوتني.
اردفت بلهفة بها وهي تتناولهم بنهم وشهية مفتوحة .
رمقتها زهرة غير مبالية قبل ان تعود لعملها ولكنه أجفلها باتصاله، يباغتها بقوله الغريب :
– مابتكليش ليه ؟
اردف بحزم جعلها تنتبه تلقائيًا نحو الكاميرا الملتصقة أمامها في أعلى الحائط ، ردت بتحفظ أمام غادة :
– عادي يعني يافندم ، مش مشكلة .
– مش مشكلة ازاي وانت هاتقعدي اليوم كله في الشغل ، دا غير اني مش هاسمحلك بالبريك النهاردة يازهرة عشان الشغل المتكوم قصادك .
قال بنبرة حادة تلقتها هي بعند وهي تنظر نحو الكاميرا وترد بهدوء عكس ما بداخلها:
– تمام يافندم برضوا مش مشكلة .
اتاها الرد وهو يجز على اسنانه غاضبًا:
– ماشي يازهرة انتِ حرة .
……………….. …………..
وعودة الى الحارة
كان فهمي يستمع الى اصوات الغناء العالية الصادرة من السماعات الكبيرة وهو مندمج ، يلوح بيداه ويميل بجسده على ألحان الموسيقى الشعبية، يراقب بعيناه افراد من صبيانه الذي يعملون معه بالقرب منه منتشرين بين الشباب ، يوزعون المواد المخدرة بأثمانها المرتفعة، اجفل فجأة على دوي هاتفه برقم غريب، نظر الى الشاشة مرددًا بدهشة :
– رقم دولي ! ودا من مين دا كمان ؟
– الوو مين معايا ؟
اتاه الصوت الغاضب :
– دا انا يافهمي ، اوعى تكون نستني ياراجل.
قطب قليلًا ثم اصدر ضحكة ساخرة يردد:
– خالد باشا! لا انساك ازاي ياغاي دا انت حبيبي ، مكلف نفسك وبتتصل بيا دولي ، لدرجادي انا وحشتك؟
هدر خالد بصوت قوي :
– اسمع ياض انت ، انا معنديش وقت للوع بتاعك ، ولا عندي طاقة عشان اهددك انك تبعد عن زهرة اللي افتكرت انها بقت لقمة سهلة بعد خالها ماسافر، انا بس ببلغك بردي اللي هاتشوفه دلوقتي حالاً ، عشان تتاكد ان بنت اختي تحت عنيا وتحت رعايتي حتى لو فرقت مابينا بلاد ، ونجوم السما اقربلك منها .
– يعني ايه مش فاهم ؟
اردف فهمي فجاءه الرد من خالد :
– اقفل دلوقتِ وانت تفهم .
قالها وانهى خالد على الفور المكالمة ، جعل فهمي ينظر دقائق للهاتف بعدم استيعاب حتى انتبه على اصوات الصراخ العالية وربكة في قلب الحارة مع سيارات باللون الكحلي تدخل بكثافة تطارد صبيانه، حتى توقفت واحدة أمامه وخرج منها الرجال الأشداء يردف أحدهم بسخرية على وجهه المتجهم :
– فهمي باشا ممكن تنورنا بحضورك .
غمغم فهمي بغضب:
– ياولاد ال…….. طب وديني ما انا سايب حقي .
………………………………..
على الطاولة الكبيرة والمستطيلة ، كانت توزع نسخ من ملف الاجتماع على اعداد الحاضرين والمفترض حضورهم ، تتحرك بألية وقد انهكها التعب ، وضعف تركيزها مع الصداع واحساسها الشديد بالجوع .
– ايه مالك ؟ تعبانة ولا جعانة بقى؟
رفعت رأسها وجدته أمامها يهندم في سترته التي يرتديها ، فتابع وهو ينظر لها بغيظ:٠
– ابعتي جيبالك حاجة تاكليها بدل ماتوقعي في نص الأجتماع ، انا مش ناقص عطلة.
– لا شكرًا .
اردفت بها فجعلته يستشيط غضبًا ، نفث من انفه
دخان وهو يشير للنادل الذي كان يوزع هو الاَخر زجاجات المياه على الطاولة بعدد الحضور .
– انت يابني روح جيبلها حاجة تاكلها.
– يافندم مش جعانة، انا بس اللي عندي شوية صداع .
كذبت بإصرار وحرج فسبقه الفتي في الرد بعفوية :
– انا عارف طلبك يازهرة ، انت اكيد مصدعة عشان ماخدتيش طلب القهوة باللبن بتاعتك زي كل يوم ، تحبي انزل اروح اجيبلك؟
انشق ثغرها بابتسامة جميلة نحو الفتي اثارت غضب الاَخر :
– متشكرة يابلال ربنا يخليك ، مش عايزة اتعبك .
– لاتعب دا ايه؟ دا انت تؤم………..
– ماتخلص تشوف شغلك ولا تجيبلها اللي هي عايزاه ، انت لسة هاترغي .
قال بحدة مقاطعًا الفتي الذي انتفض من صيحته وهرول من أمامه على الفور ، فرمقها بنظرة مخيفة وهو يجلس محله على رأس الطاولة ، زفرت بداخلها بيأس من هذا الرجل الغريب وأفعاله الأغرب.
– مساء الخير يازهرة ،
قال مديرها السابق وهو يخطو نحو الطاولة ، بابتسامة ودودة، استجابت تبادله ابتسامته وهي تردد خلفه التحية وتضع امامه ملف الاحتماع :
– مساء الخير يااستاذ مرتضى ، ربنا يخليك .
– عاملة ايه بقى في شغلك الجديد ، دا المكتب ضلم من غيرك .
– لدرجادي ! لا طبعًا المكتب دايمًا منور باصحابه.
– زهرة .
هتف بها بحزم ، فتحركت على مضض تقترب منه :
– نعم يافندم عايز حاجة ؟
اشار لها بكف يده فدنت تقترب برأسها منه ، لتجده يردف لها من تحت أسنانه :
– بطلي توزعي في ابتساماتك كدة في الرايحة والجاية ، احنا في اجتماع مهم ، مش حفل تعارف .
اومأت له بابتسامة صفراء وهي تعتدل مستقيمة، غمغمت بغيظ وهي تبتعد عنه :
– اعوذ بالله منك يااخي ، دا انت مش بني أدم طبيعي ، ياسااااتر .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *