روايات

رواية حان الوصال الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال البارت الخامس

رواية حان الوصال الجزء الخامس

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة الخامسة

حينما سألها قاصدا معرفة المستوى التعليمي لها
ظلت صامتة ولم تجيبه على الفور حتى انه عاود الكرة مرة اخرى ليأتي الرد هذه المرة بنبرة مستنكرة:
وايه لزوم السؤال ده يا فندم؟
حقا تعجبه جرأتها :
– وهو لازم يكون له لزوم عشان تجاوبي يا بهجة ؟
يسأل ببساطة بجهل تام منه عن حجم الحرج الذي ينتابها في هذا الموقف كلما سألها احدهم تكره ان ترى نظرة الاشفاق منهم ,او الحزن على ما وصل اليه حالها كما تفعل بعض النساء معها .
– ثانوية عامة يا فندم، مكملتش جامعة.
– وليه بقى مكملتيش جامعة؟
مطت شفتيها بابتسامة ليس لها معني ترد بامتعاض وقد ضجرت بالفعل من إلحاحه:
– ظروف حضرتك، ودي بتحصل في كل العائلات كنت هتجوز…..
اعتدل عن جلسته مقاطعًا لها:
– واتجوزتي بقى يا بهجة؟
– انكتب كتابي.
– يعني اتجوزتي؟
– دا غبي دا ولا ايه؟
تمتمت بالجملة من داخلها، وقد نفذت طاقتها:
– يا فندم بقولك كنت، وكان كتب كتاب، يعني اتفسخت خطوبتي، واتحسبت مطلقة على الورق زي ما اتجوزت على الورق، ممكن بقى استأذن، عشان انا بدأت اقلق على نجوان هانم .
قالتها والتفت تغادر دون انتظار رده، ولكنه اوقفها على الفور بحزمه:
– لكني برضو مخدتش منك رد نهائي عن موضوع الشيفت الزيادة .
عادت اليه بحسم لا يقبل النقاش:
– انا مستمرة في شغلي في المصنع والشيفت الاضافي بتاع مدام نجوان هنا، كمساعدة لدادة نبوية، بإستثناء اليومين دول بس في تعب الدادة، ممكن امشي بقى يا افندم؟
اومأ لها بذقنه للأمام، لتخرج على الفور، تدخل بعض الهواء لصدرها، بعدما انتهت من اثقل الأحاديث على قلبها.
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة داخل المنزل حتى وصل الى غرفة والدته دفع الباب دون انتظار بقلقه، ليجفل المرأة التي رفعت راسها عن المسبحة تطالعه بتساؤل .
فيجلس هو على الفور بجوارها يسألها بتفحص:
– ايه اللي حصل يا أمي؟ حاسة نفسك تعبانة ولا النوبة رجعت تاني؟
خرج رد المرأة باندهاش:
– تعبانة ليه يا حبيبي؟ ما انا كويسة قدامك اهو، وبتفرج ع الشاشة والسبحة في ايدي .
– امال كنتي بتسالي عليا ليه وانا برا في الشغل ؟
– انا كنت بسأل عليك؟ مين قال كدة .
– سامية هي اللي قالتلي .
قالها شادي وارتفعت ابصار الاثنان نحو مدخل الباب الذي وقفت واستندت على إطاره المذكورة، لتبرر على الفور:
– ايوة يا عمتي سألتيني عنه امال ايه؟ هو انتي لحقتي تنسي لما كنتي كل شوية تقوليلي اتأخر عن ميعاده، اتأخر عن ميعاده.
شردت المرأة تعصر عقلها قليلًا، ولما يأست من التذكر ، لطفت على الفور حتى لا تحرجها:
– جايز يا بنتي جايز انا برضو عقلي مبقاش بيركز اوي اليومين دول….. استني صحيح…… مش انتي باين اللي كنتي بتسألي عن ميعاد رجوعه عشان يوصلك وانا قولتلك، هو كل يوم بيجي بدري عن كدة، اكيد كان معاه حاجة مهمة النهاردة خلته يتأخر.
قالتها المرأة بسجيتها لتفحمها دون قصد منها، فيبصرها شادي بحنق شديد، يكشف كذبها، ولكنها كالعادة لا تغلب في ايجاد المبرر:
– اه يا عمتي فعلا انا سألتك، بس دا عشان ادوقه من طبق المهلبية اللي عملتهولك من شوية، قوليلو بقى هو عجبك قد ايه؟
اومأت والدة شادي برأسها توافقها بحماس:
– ايوة طبعا دا عجبني قوي، بنت عمتك نفسها حلو اوي قي الحلويات يا شادي، هي جابت لنا طبق كبير، انا خدت منه يدوب معلقتين عشان متعبش، سيبتلك انت الباقي، يستاهلوا بُقك يا حبيبي .
سمع من والدته، لينقل بأبصاره منها إلى هذه المراوغة ، بعدما اوقعت قلبه منذ قليل، وأفسدت عليه لحظة الصفاء مع محبوبته، ليكتشف الان كذبتها بشكل واضح، ووالدته الطيبة، بلعت كالعادة طعمها والاَن تغطي على فعلتها، والعجيب انها تبادله النظر الاَن بوقاحة وكأنها لم تفعل شيء.
– انا رتبت البيت كله يا شادي، ووضبت المطبخ، حكم دا كان متبهدل اوي، طبعا بقى ما هي شقة عازب، بس انت الله يكون في عونك، محدش يلومك.
زفر بداخله يجاملها بامتعاض:
– كتر خيرك يا سامية، بس رحمة اختي الله يباركلها كل يومين تلاتة بالكتير بتيجي هنا تروق كل حاجة، وانا بعمل على قد مقدرتي وماشية، يعني مش محتاجة تعب منك .
تلقفت قوله ترد بنعومة:
– تعبكم راحة يا شادي يا ابن عمتي، هو انا ليا اعز منكم عشان اجي واطل عليكم واعمل بأصلي، شوف بقى انت تقوم دلوقتي، تغير هدومك ولا تتشطف على ما احضر انا الغدا، بالمرة اتغدى معاكم، حكم الوقت خدني، ونسيت اكل من الصبح .
لم تعطيه فرصة للاعتراض، لتختفي من امامه على الفور، عازمة على ما انتوت عليه، لينقل بغضبه نحو والدته:
– البت دي ايه اللي مقعدها لحد دلوقتي ياما هنا؟ ما تروح على بيتهم، ولا تتنيل تكمل قعدتها عند اخوها وعيال اخوها، مالها بأكلنا ولا شربنا؟
ضغطت والدته على شفتيها، تحذره بهمس:
– وطي صوتك يا شادي يا بني، لتسمعك وهي في المطبخ جوا وتحرجها.
– ودي بتتحرج، ولا تتكسف اصلا ياما…..
قطع متأثرا هذه المرة بضغطها على قبضة يده، لتعود مشددة:
– متكملش يا شادي وتزعلني منك، مش بعد ما تعبت في توضيب البيت من الصبح، تكون دي جزاتها مننا ، سامعني؟
ازعن لرغبتها، كابتا امواجًا من الغضب والانفعال بداخله، فوالدته الحنونة، وبرغم علمها جيدا بغرض ابنة اخيها، إلا انها لا تخرج ابدا عن حدود الذوق معها، وتجبره ايضا على مهاودتها، وكأن الطيبة خلقت لها ولشقيقها الراحل، اما الخبث والمكر، فقد طمع بهم الشقيق الاخر له وحده، والد سامية وزوج درية المرأة المتسلطة .
❈-❈-❈
اما عن صبا والتي دلفت بحنقها الى داخل المنزل، تغمغم بالحديث والسباب مع نفسها ، حتى لفتت انتباه والدتها والتي كانت تطوي بكوم الملابس الجافة بعد غسلها ، لتعقب ساخرة على حالتها:
– اسم الله عليكي يا حبيبتي، من دلوك بتكلمي نفسك.
بعبس لم تخفيه:
– ومكلمش ليه نفسي بقى؟ والبت الزفتة اللي اسمها سامية، جفلت الباب في وشي، انا ياما تجفل الباب في وشي؟
– طب حيلك حيلك.
رددت بها زبيدة تلوح بيدها لها:
– فهميني الاول باب مين اللي اتجفل في وشك.
خرج ردها سريعًا بكلمات غير مترابطة من فرط انفاعلها:
– سامية الزفت بنت خال شادي، انا كنت عايزة ادخل معاه، بس خوفت من تحذير ابويا اللي مانعني ادخل بيته نهائي، طب انا عايزة اطمن على حماتي دلوك، اعملها ازاي؟
– يا بت انا مش فاهمة منك حاجة، ثم مالها حماتك كمأن؟ ما انا دخلت عليها الصبح واطمنت عليها .
رددت خلفها بتشتت:
– يعني حماتي مفيهاش حاجة، امال الزفتة دي بتعمل عندهم ايه اصلا ؟
ضربت زبيدة كفيها ببعضهما، وقد فاض بها من هذيان ابنتها:
– لا حول ولا قوة الا بالله، عمالة تهرتلي بالكلام وانا مش فاهمة منك حاجة، ما تجيبي يا بت من الاخر، انت عايزة ايه بالظبط؟
وكأنها كانت في انتظارها، خرج ردها على الفور برجاء:
– عايزاكي تروحي تطمني على خالتي ام شادي، وبالمرة تروحي تشوفي الزفتة دي بتعمل عندهم ايه؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعدما بدل ثيابه لأخرى عادية للمنزل، ليتفاجأ بوالدته خارجة من غرفتها تتأبط ذراع ابنة خاله ساميه والتي انتبهت عليه لتعلق بابتسامة سمجة:
– كويس انك لحقت بسرعة وغيرت، الاكل سخن ومش محتاج انتظار.
تقدم يتناول ذراع والدته منها قائلا بضيق:
– مخرجاها ليه طيب من الاوضة، ما احنا بنجيبلها الاكل لحد عندها.
شهقت بمبالغة:
– يا نهار اببض، وتوسخ الفرشة من تحتيها، لا طبعا يا شادي، كدة احسن ع الاقل تفرط رجليها في الخطوتين دول.
لا ينكر صحة حديثها، ولكن الخوف هو ما يمنعه دائما عن تنفيذ ذلك، كما يحدث الاَن، مع ارتعاش جميع جسد والدته في كل خطوه تخطوها، فيه.
– انا فاهم كلامك بس برضو الامر ما يسلمش، تعالي يا ماما اقعدي.
قال الاخيرة يجلسها على مقعد السفرة الصغيرة، وجلست هي بلهفة تدعوه:
– ياللا بقى انت كمان معانا، تلاقيك راجع هلكان من الجوع.
دا انا جايبة محشي ورق عنب حكاية، جيبت طبقين واحد طلعته لبيت اخويا والتاني جيبته هنا.
رفض عرضها السخي بابتسامة صفراء:
– متشكر اوي يا سامية على زوقك، بس انا للاسف اكلت فعلا قبل ما اجي .
– كلت فين يعني؟ في الشغل ولا برا الشغل؟
خرجت منها بانفعال جعلته يرد عليها بالمثل:
– اكلت مطرح ما أكلت بقى، المهم اني شبعان وخلاص، كلو انتو بالهنا والشفا.
همت ان تزيد عليه ولكن منعها صوت جرس المنزل الذي دوى فجأة ليذهب اليه فجأة ويرى من الطارق، ليزداد داخلها الغيظ حينما لمحت وجه هذه المرأة السمراء والدة الملعونة صبا التي تكرهها، يتلقاها هو بترحاب مبالغ فيه:
– خالتي زبيدة، اتفضلي الف اهلا وسهلا.
– اهلا بيك يا حبيبي، انا جاية اطمن على حبيبتي الغالية الست الوالدة ، هي صاحية ولا نايمة.
اشار لها بيده نحو والدته التي تبسمت لها ، لتهلل زبيدة برؤيتها جالسة بعيدة عن فراشها:
– وه وه بسم الله الله اكبر عيني باردة عليكي يا غالية .
تقدمت للداخل تتبادل معها المزاح والحديث الودي، اما شادي فقد توقف على مدخل المنزل ، بابتسامة متسعة وعيناه الى الخارج، ليثير فضول ابنة خاله التي شعرت بعدم الراحة بوقفته هذه واعطاءها ظهره، لتميل برأسها حتى تحققت من الجهة التي يتطلع اليها، تلك الملعونة خطيبته تقف على مدخل الشقة المقابلة لهم، تتوعد له وتحذره وهو ييتسم لها بملئ فمه، بوجه مشرق، مستمتعًا بحنقها، وكأنه عاد مراهقًا يشاكس ابنة الجيران.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام التي كانت تجمع الاسرة ، يجلس على رأسها خميس ، يتناول طعامه بنهم كعادته ، وزوجته لا تكف عن تقديم المزيد من اصناف اللحوم في طبقه، برعاية تجيدها في أرضاءه:
– كُل يا خميس، دا انت بتشقى وتتعب.
ليتمتم لها بفم ممتلئ:
– ربنا يخليكي ليا دودو ، هي البت سامية فين؟ مش قاعدة معانا ع السفرة يعني؟
– راحت تقضي يوم مع ولاد اخوها وبالمرة تقعد شوية مع عمتها، ما انت عارف بنتك بتحبها قد ايه
اوما بهزة من رأسه ليأتي تعقيب سامر مستنكرًا:
– اه طبعا وتلاقيها هتقعد تتركن هناك ،،ما انا عارفها وعارف اللي في دماغها.
– هو ايه اللي في دماغها يا واد انت،؟ انت هتتكلم بالالغاز، عندك حاجة قول.
زفر سامر بعجز عن الافصاح عما يدور بخلده، وما يعلمه عن تهور شقيقته، وحزم ابن عمته الباتر في كل ما يخصه، ليصمت مجبرا واضعًا همه بطعامه.
وتدخل سمير يغير مجرى الحديث.
-،شوفت بت اخوك يا حج، امبارح راجعة قريب الساعة واحدة بالليل، والهلف اخوها واقف مستنيها على ناصية الحارة.
– ومدام الهلف اخوها كان واقف مستنيها، يبقى هعملها ايه انا بقى؟
تفوه بها خميس في رد مباغت لابنه، ليتوقف الطعام بفمه بصدمة، جعلت بعض من الانتشاء يتسرب الى زوجته التي طالعته بشماتة لم تخفى عليه، لينفعل مبررًا بحماقة لم يحسب لها حسابا؟
– ازاي يعني مالناش دعوة؟ هي دي مش تخصنا برضو، بنت اخوك اللي طايحة دي لو غلطت، العيبة هتلبسك انت يا عمها.
توقف خميس عن الطعام ليطالعه بأعين تلونت بالاحمرار معنفًا له:
– انت بتبرطم بتقول ايه ياض؟ مين دا اللي يتجرأ ويجيب عليا العيبة؟ دا انا كنت ادفنه مطرحه، مش بناتنا احنا اللي يتجاب سيرتهم، انا رايح لها البت دي .
قال الاخيرة وأزاح بجسده المقعد للخلف بعنف يهم بالنهوض إلا ان صيحة زوجته كانت هي الاسبق:
– اقعد يا خميس مطرحك وكمل أكلك .
تطلع لها بتردد لكنها اعادت عليها حاسمة تأمره:
– بقولك اقعد يا خميس، وسيبك من هطل ابنك.
اذعن الرجل لأمرها يعود لجلسته وطعامه، وجاء الاعتراض من ابنها:
– انا اهطل ياما، بقى راجل كبير زيي ، يتقال عليه اهطل ياما.
– وستين اهطل كمان، عشان بتنبش ف اللي ملكش فيه، وعايز تعمل مشاكل احنا في غنى عنها .
رددت بها درية بتصميم وتقريع، وغمغم سامر بسخرية، دون ان يرفع عيناه عن الطعام:
– بتجيب التهزيق لنفسك.
– لم نفسك يا سامر بدل ما احط كل غليلي فيك دلوقتي.
قابل الاخير انفعاله بابتسامة سمجة مستخفة، ليأتي الرد من زوجة الاخر وهي تنهض عن الطعام بغتة:
– الحمد لله انا شبعت.
قالتها بحدة لفتت ابصار الجميع نحوها وهي تذهب نحو باب المنزل مغادرة نحو شقتها، لتعلق والدته من خلفها:
– عاجبك كدة يا بوز الاخص؟ هتطفش مراتك منك بعمايلك السودة .
اضاف سامر على قولها :
– والله عندك حق ياما ، البت ساكتة ساكتة لكن في الاخر هتنفجر في وشه.
– تنفجر ولا تغور في داهية ، انا لا طايقها ولا طايق عيشتها.
– صاح به والده بغضب:
– امال طايق ولا عايز مين يا ابن الكلب، ما هي مشكلتك انك مفضوح قدامنا كلنا وعارف كويس
ان الموضوع منتهي، ومع ذلك بتحرب على خراب عشك ولا حاسس ان جايلك عيل في السكة .
تجهم سمير بوجه ممتقع من الغيظ والغضب المكتوم، يوزع بنظرات الاتهام نحوهم دون ان يقولها صراحة، ولكنها لم تخفى على والدته ، والتي عبرت عنها مدافعة:
– بلاش بصاتك دي يا واد، وافتكر كويس انها هي اللي باعتك لما حطت شرط ورث ابوها في الوكالة، قبل جوازها منك، وهي اساسا ملهاش ورث.
سامر والذي لم يقوى على كبت فضوله هذه المرة:
– بس بهجة دايما بتتكلم ان معاها الحق، انتوا متأكدين ياما ان ملهاش ورث؟
سعل خميس والطعام في فمه، لتلحقه زوجته بالماء، ثم تربت على ظهره، تلقي باليوم على أبناءه:
– اسم الله عليك يا خويا، اشرب اشرب، خليتو ابوكم شرق وكان هيروح في شربة مية جاتكو الهم .
ظل على وضعه لحظات امام ترقبهم، حتى التقط انفاسه ليردف بلهجة مضطربة:
– انا عمري ما اكل حق حد، وربنا العالم انا عملت ايه مع المرحوم، بس كله عند ربنا ، انا مش هتكلم .
لتهتف من خلفه بتأييد يلجمهم كالعادة:
– صدقت يا اخويا، واللي عند ربنا ما بيروحش، كُل كُل وهدي نفسك ، بلا هم.
❈-❈-❈
مساءًً
حينما غادرت منزله، كان هو ما زال قابعًا في غرفة مكتبه ولم يغادره بعد ، أنهى جميع الاعمال المطلوبة منه، بذهن شارد بالكاد يكفيه للمراجعة او القراءة السريعة في اعماله، لتعود صورتها وتحل امامه على الفور،
ثم يأتي الاَن ويقف خلف الجدار الزجاجي يراقبها وهي تغادر ، وعيون الحراس والعاملين أينما مرت تذهب معها، بها شيء لا يفهمه،
جميلة ولا ينكر ذلك، ولكن يوجد الالاف من الجميلات، ولكن هي بها شيء مميز لم يصل إليه بعد؟
حتى طريقة سيرها بهذه العباءة الفضفاضة بمبالغة، حديثها بعزة ولغة راقية بعيدة تمام البعد عمن تعامل معهم من العاملين.
ثم يظل هذا الشيء الاروع، وهو عيناها وذلك الصفاء بخضارها يذكره بنقاء الطبيعية وسحرها،
زفر انفاس خشنة ليعود الى جلسته خلف المكتب ، محدثًا نفسه بتساؤل:
– منذ متى لم يلتفت نحو امرأة او تشغله بهذه الطريقة، يبدو ان تأثير بهجة سوف يستمر معه طويلا هذه الايام حتى تنصرف من عقله او ربما يجد له الحل.
❈-❈-❈
هذه المرة اتخذت احتياطها وخرجت باكرا عن اليوم السابق، وقد افنت يومها في مجالسة نجوان فلم تتركها الا بعدما اخلدت للفراش، لتعود الاَن والساعة تعدت العاشرة فقط.
نزلت من سيارة النقل العام التي كانت تقلها الى منطقتها، وقد رفضت اليوم عرض العم علي في توصليها، تجنبًا للتساؤلات ووجع رأس هي في غنًى عنه، ولكن منذ متى حدث ما نبتغيه؟
– جاية منين يا بهجة؟
جاءها السؤال بغتة من خلفها، لتلتف نحو مصدر الصوت، وتفاجأ بابن عمها الأصغر سامر، مضجعًا على سيارته، التي اصطفها خارج الحارة، وكأنه كان في انتظارها، وقد بدا هذا واضحًا من وقفته، مكتفًا ذراعيه اعلى صدره،
– افندم يا عم سامر انت كمان، اخوك معاك بقى؟ ولا انتو مقسمينها بالدور؟
تهكمت بها في رد واضح على رفضها لتدخله، ولكنه كان اذكى من ان يتحامق معها مثل اخيه، لذلك جاء رده بهدوء :
– لا يا بهجة مش مقسمينها ولا لينا حق نسألك طبعًا، بس يا بنت عمي لما الاقيكي بتغيبي عن بيتكم لحد الساعه دي، دا غير اني لما سألت عنك في شغلك، عرفت انك معتبتيش المصنع من اساسه، يبقى حقي انشغل.
– كمااان روحت المصنع وسألت عني، دا اخوك متجرأش يعملها يا سامر؟
تمتمت بها بحالة من الدهشة والغضب تعتريها، ليقابل ردها بمهادنة وكلمات ذات مغزى:
– انا غير اخويا يا بنت عمي، هو كان غبي ومعرفش يحافظ عن النعمة اللي في ايده ودلوقتي بيبكي عليها بعد ما راحت منه، انما انا الامر عندي غير، انا راجل واعرف اصون اللي معايا كويس، ولما اقرر محدش يقدر يرجعني عن قراري، وف الاول وف الاخر انا سؤالي نابع بس من الخوف عليكي، مش شك ولا اي شيء يزعلك.
ضاقت عينيها وافتر فاهها تطالعه بتفكير وتفحص، لتحسم الجدال معه:
– حاسة كلامك رايح لسكة مش عجباني يا سامر، لذلك انا هنهي معاك من اولها، عشان لو حاطط اي فكرة في دماغك شيلها من اولها عشان انا قافلة الباب بالضبة والمفتاح مع الكل…. وخصوصا انتو .
زفر يطرق برأسه سريعًا ثم يرفعها متطلعا اليها بابتسامة لم تصل لعيناه:
– براحتك طبعا، رغم اني شايف ان الكلام مش وقته، بس انا هرجع وانبهك على موضوع الرجوع بالليل عشان بس سمعتك في الحارة والكلام اللي انتي عارفاه، عشان انا يوم ما هيوصلني نص كلمة بس هولع في الكل ومش هيهمني لا كبير ولا صغير.
– كتر خيرك يا ابن عمي. بس انا مش محتاجة نصيحة ولا دفاع من حد ، واهل الحارة اللي انت بتقول عليهم دول ، هما اكتر ناس عارفين مين بهجة؟ وانا مش محتاجة حماية من حد .
قالتها والتفت ذاهبة نحو وجهتها، دون ان تكلف نفسها بالنظر نحوه ولا بمعرفة تأثير حدتها عليه، فلديها من الهموم ما يكفيها، ولا ينقصها منه هو الاخر .
❈-❈-❈
داخل غرفة أمنية؛ والتي كانت منكفئة مع شقيقتها في حصر الايرادت والمصروفات وكل ما يخص العمل عبر الهاتف ، انتبهت لقدوم والدتها، لتظل واقفة محلها بصمت وترقب، حتى اذا انتهت امنية التفت إليها تخاطبها بفراسة :
– نعم يا ماما، وقفتك والسكوت كدة ، بيقول ان في بوقك كلمتين، قولي انا سمعاكي.
تشجعت نرجس، ثم تقدمت لتجلس على طرف التخت ، تلقي بنظرها نحو الاوراق والدفاتر التي تبعثرت على الفراش بإهمال ، لتعقب ساخرة:
– اللي يشوف الكراريس والكشاكيل يقول عليكي رجعتي تاني للجامعة…..
مصمصمت بشفتيها لتكمل بضيق:
– حسرة عليكي، الشغل الهباب بقى واخد كل وقتك ، حتى الساعتين اللي بترجعيهم راحة للبيت مش مرحومة من الحسابات والهم التقيل ، كان مالك بس بالهم والقرف ده؟
صمتت امنيه لبرهة من الوقت تطالعها دون تعليق، فبمعرفتها الجيدة لها، تعلم ان خلف كلمتها يوجد شيء آخر:
– وماله ياما الشغل والهم ، ما هو حالنا ومالنا، حمد لله احنا مش بنشتغل عند حد ، المهم بس انتي جيبي من الاخر ، عشان انا متأكدة ان دي مقدمة اللي بتبدي بيها دايما.
– اا ما انا فعلا عايزاكي في حاجة .
تمتمت بها نرجس بتلعثم، تدور مقلتيها باضطراب ، مما جعل ابنتها تظل على صمتها في انتظار الآتي، لتردف لها بعد لحظات من التردد :
– بصراحة بقى انا مش هقدر ما تكلمش، ابن عمتك محاكمته قربت، وكنت عايزاكي تتنازلي عن اللي في دماغك بقى وكفاية عليه لحد كدة.
رفرفت بأهدابها امنيه قليلا من الوقت، لكن سرعان ما استوعبت لتزفر وتشيح بابصارها عنها ، تستجدي من الله الصبر ، لتواصل نرجس دفاعها:
– ما تلفيش بوشك عني وتعملي نفسك مش سمعاني، عشان كذا مرة اتحايل عليكي وانتي راكبة دماغك، خالتك مقطعة نفسها وانتي ولا حاسة، وابن خالتك هيضيع مستقبله حرام عليكي.
– حرام على مين؟
صرخت بها بوجهها ، لتواصل بعدم تحمل :
– كام مرة هقولهالك، دا قتل ابويا ، يعني دا جزاته الاعدام ، مش انتي تبكي على مستقبله ، وتنسي حق جوزك ولا بناتك اللي اتيتموا بسببه.
تلجمت قليلًا بحرج منها، لكنها عاودت بعد ذلك :
– الحي ابقى من الميت، وانتي ما شوفتيش بعينك، بتقولي سمعتي، لكن ابن عمتك قال بعد كدة انه كان بيهرتل عشان يغيظ المدعوقة شهد، يعني ما قتلهوش.
– اه بقى وانتي صدقتي؟ يا سلام على طيبتك يا ماما.
عقبت بها بسخرية مريرة ، لتلتف بعد ذلك نحو مدخل الغرفة، وعودة شقيقتها الصغرى والتي اجفلها مشهدهم:
– ايه مالكم؟ شكلكم بتتخانقوا صح.
زمت نرجس فمها بضيق، ليأتي الرد من امنية:
– تعالي يا رؤى وشوفي الست الوالدة، اصلها مازالت زعلانة على ابن خالتك اللي ظلمناه وهنضيع شبابه .
ولعلمها التام برأي ابنتها الأخرى وتشددها، زفرت بقوة لتنهض من جوارهم مغمغمة:
– اتريقوا براحتكم ، ما انتوا خلاص كبرتوا ومبقاش حد مالي عينكم، هروح انا فين فيكم؟ وانا ست غلبانة.
توقفتا الاثنتنان بفاه منفرج لعدة لحظات لا يصدقن منطق والدتهم وتعاطفها مع من قتل زوجها ويتم بناتها، لتعلق رؤى اخيرا :
– تصدقي بالله يا امنيه، انا طول عمري اعرف ان امك سلبية، دلوقتي بس اتأكدت ان معندهاش شخصية ولا تعرف تحكم ولا تحدد رأي، خالتك سميرة تعيطلها حبتين تيجي هي تقلب الدنيا علينا،
اكتفت امنيه بالصمت، فما تحمله بداخلها من غصة وندم على ما قد فات ومرت به من اخطاء بسبب هذا المعتوه، حينما كانت كالدمية بين يديه، حتى انها تتمنى لو تمحي هذه الفترة من سجل ذاكرتها الى الابد. وياليتها تستطيع.
❈-❈-❈
دلفت بهجة لداخل المنزل، بعد أن فتحت بمفتاحها، لتدخل باكياس الأشياء التي تحملها ثم تضعها على الارض، لتبحث بعيناها عن اشقاءها، ولكن؛ وقبل ان تهم بالنداء عليهم وصلها صوت نقاشهم من داخل اقرب الغرف الى الباب، غرفة شقيقها والذي لم يكن موجود ف هذا الوقت لعلمها بمواعيد تحصيل دروسه،
– يا بنتي بقولك هزقته، بيسأل ويطقس، هو ماله اصلا.
– بجاحة يا حبيتي، بس انتي برافو عليكي يا عائشة، انك وقفتيه عند حده، عشان يعرف كويس اننا مش ساهلين ليه ولا لأهله .
طلت عليهم بهجة تردد سائلة:
– هو مين اللي احنا مش ساهلين ليه؟
انتفضتا الاثنتان بجلستهما على الفراش، ليرددن بمرح وجزع وقتي:
– حرام عليكي يا بهجة خضتينا.
قابلت قولهم بابتسامة ضعيفة تشاركهم الجلسة على تخت شقيقهم:
– اولا ايه اللي مقعدكم على سرير ايهاب، ثانيا وهو الاهم عايزة اعرف بتتكلمو على ايه؟
ردت رحاب:
– قاعدين في اؤضة ايهاب عشان رتبناها، والكلام خدنا واحنا بنرغي.
أضافت على قولها عائشة:
– اصلنا كنا بنتكلم على ابن عمنا سمير يا ست بهجة، انا مش فاهمة انتي ازاي كنتي هتتجوزيه ده؟ ازاي مكنتيش حاسة بتقل دمه ولا رزالته.
بابتسامة بالكاد تخفيها:
– ما انا مكنتش ناصحة وقروبة زيك يا ست عائشة، ابويا قالي هتتجوزي ابن عمك مقدرتش اعارضه، وبرضوا هو مكانش وحش اوي كدة، او يمكن انا مكنتش فاهمة الدنيا كويس ولا عارفة طبيعة البشر اللي عايشين وسطيهم.
قالت الأخيرة بغصة مررت حلقها، لتجفلها عائشة بقولها:
– بس انا النهاردة ادتهولك على دماغه، عشان يحرم يدخل في اللي ملهوش فيه.
– ليه هو عمل ايه؟
تكفلت بالرد هذه المرة جنات:
– بيسألها عن رجعتها امبارح الساعة واحدة بالليل ، وانتي عارفة طريقته بقى المستفزة.
قالت الأخيرة بحرج فهمت منه بهجة على مقصد الاخرى، لتتنهد بغيظ مكتوم متمتمة:
– يعني انا هلاقيها منه دا كمان ولا من اهله، هما لا يرحموا ولا يسيبوا رحمة ربنا تنزل
صمتت برهة لتكمل بما يعتريها من قهر:
– خنقة من جميع الجهات.
لطفت شقيقتها الوسطى جنات:
– معلش يا بيبو، دا اكيد من اهميتك يا حبيبتي، ولإنك غايظة الكل بعزة نفسك .
قالتها لتضيف عليها عائشة بفخر:
– ايوة يا بيبة، وانا فخورة بيكي، ان كنتي شغالة في مصنع ملابس، او حتى جليسة لست عجوزة، واي حد يتكلم نص كلمة بديلو على دماغه.
استطاعت بعفويتها ان ترسم ابتسامة على وجه شقيقتها ، لتفتح ذراعيها اليها وتضمها بقوة:
– وانا بقى لو هبقى فخورة بحاجة واحدة بس في حياتي، يبقى انتي يا عين اختك، بلسانك الطويل ده، وعقلك اللي سابق سنك ، بتخلي الكل يعملك الف حساب، ياريتني كنت زيك.
جنات ضاحكة هي ايضًا:
– اه والله، انا نفسي لما اتعرض لاي موقف في الجامعة، بقول ياريتك يا عائشة كنتي معايا، قوية ولسانها مبرد ع الكل .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وعلى غير عادته، فضل تناول الافطار هذه المرة على مائدة تجمعه مع والدته، والتي جلست امامه بصمت واعين مترقبة، لا تقترب يدها من الطعام، ليعلق هو مخاطبًا لها بسخرية:
– ايه يا ست الكل، مش قادرة تاكلي وانا قدامك ، طب اداير وشي لتكوني بتتكسفي من الاكل معايا.
لم تظهر له اي استجابة، بل ظلت على وضعها وهذا الغموض الذي تحاوط نفسها به، حتى يشعر بالعجز عن قراءة ما يدور بعقلها:
– اموت واعرف انتي بتفكري في ايه؟ انا واثق ومتأكدة انك فاهماني يا ماما.
زفر بحنق حينما يأس منها، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يشيح بوجهه للجهة الاخرى، وقد ذهبت عنه شهيته، ف اصطدمت عيناه بها .
وهي تدلف اليهم ، وقد تخلت هذه المرة عن العباءة السمراء، وترتدي الاَن ملابس شبابية تناسب عمرها، على قدر بساطتها ولكنها تظهر الجانب الرقيق بها ، مهما حاولت من اخفاء او تقليل، تظل راقية رغم انفها .
– صباح الخير.
القت التحية موزعة ابصارها عليه وعلى والدته التي نهضت فجأة لتلتصق بها، بفعل على قدر ما اصابه بالضجر، ولكنه ايضًا تفاجأ به، لثقة والدته بهذه الفتاة، في هذه الفترة القصيرة، ليعلق:
– يااه يا بهجة دي شكلها ادتك الامان اكتر من ابنها .
ربتت بهجة على ساعدها لتهدئتها قبل ان تلتف اليه قائلة بحرج:
– لا العفو يا فندم مين قال كدة؟ اا انا بستأذنك بس تخلي عم علي يوصلنا للدكتور بتاعها ، انا عرفت من دادة نبوية ان النهاردة ميعاد الزيارة الشهرية.
– اااه
تمتم بها بتفهم، ليتمتم بفراسة:
– عشان كدة بقى انتي، غيرتي العباية السمرا النهاردة،
ابتلعت ريقها بخجل لانتباهه وتعليقه على هذا الأمر، لتوميء برأسها ردًا له، فخرج رده مفاجئًا لها:
– تمام يا بهجة، انا هاخدكم بنفسي ع الدكتور.
– حضرتك بنفسك هتروح معانا ؟
قابل تساؤلها بابتسامة مبررًا:
– مش والدتي يا بهجة، يعني من حقي اطمن عليها، ولا انتي شايفة غير كدة .
نفت بهز رأسها، وذهنها يستعيد تعليمات الدادة نبوية بخصوص ذلك الامر، حينما اخبرتها عن المسؤلية الجسيمة في الحذر من أفعالها، في كل مرة كانت تخرج بها وحدها، لا يرافقها سوى الحراس وسائق السيارة .
انتشلها من شرودها، جذب نجوان لها من ملابسها ، لتشير بالرفض بسبابتها، يبدو أنها لا تريد مرافقته، ليأتي الرد منه بعمليه، وهو يتحدث عبر الهاتف:
– ايوة يا كارم، معلش يا حبيبى، ممكن تنوب عني النهاردة كام ساعة كدة، اصلي خارج بالست الوالدة ع الدكتور واحتمال اتأخر شوية….
قطع مع محدثه، لينقل بعيناه نحو الاثنتان مخاطبًا لها بأمر:
– مستنية ايه؟ روحي ياللا لبسيها ، خلينا نحصل ميعاد الدكتور، ياللا يا بهجة مش عايزين تأخير .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *