رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي عشر 11 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي عشر 11 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت الحادي عشر
رواية نعيمي وجحيمها الجزء الحادي عشر
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الحادية عشر
تشعر برأسها على وشك الإنفجار؛ رغم ارتشافها لفنجانها المفضل القهوة باللبن والذي أتى به عامل الكافتيريا بلال؛ نجدة لها في اَخر لحظة قبل بدء الأجتماع ، تجاهد في التركيز على مناقشات العذاب وهي جالسة على يمينه ، تعمل بربع طاقتها في تدوين محضر الاجتماعات وملاحظاته التي لا تنتهي ، تزفر بداخلها كل ما وقعت عيناها على ساعة يدها، الشئ الوحيد الذي كان يبعث بالطاقة داخلها ويحثها على الإستمرار، هو رؤية صديقتها وهي تعمل بينهم كفرد منهم، تناقش وتجادل برأيها الحر دائمًا بثقة وقوة، ما أجملها بهية الصورة وعزيزة النفس كاميليا .
– طب انا بقول كفاية بقى، ونأجل الباقي على المرة الجاية.
انتبهت لمقولته التي ألجمت الجميع عن مواصلة النقاش وجعلتهم يضبون أغراضهم للمغادرة، كادت ان تصرخ مهللة بالنصر فرحة بانتهاء الإجتماع على الثامنة وليس التاسعة كما توقعت ، تتمنى الهرولة بحرية أمامهم حتى تصل الى باب الشركة ومنه تطير الى جدتها وحصن الأمان منزلهم.
– إنتِ يااا
قطبت زهرة وهي تنظر الى ناحية الصوت لتجد امرأة ثلاثنية بشعر اصفر وبشرة برونزية على عينان باللون العسلي تخاطبها :
– حضرتك بتكلميني؟
اومأت لها زهرة بسبابتها نحو نفسها تسألها ، أشارت المرأة الصفراء بعنجهية :
– هاتيلي منديل من العلبة اللي قدامك دي .
– العلبة مش بعيد عنك يامرفت، طلعيلك منديل لوحدك.
تفاجأت زهرة بصوته الخشن ورده السريع من قبل حتى ان تفتح هي فاهاها، مما احرج المرأة فجعلها تفعل على الفور دون مجادلة .
– طب انا كدة بقى خلصت ، عايز مني حاجة تاني يافندم؟
سألت زهرة بلهفة، أجابها صامتًا بنظرة مسيطرة كالعادة وهو يتناول دفترها وينظر به ، زفرت داخلها وهي جالسة في انتظار قرار افراجه عنها قبل إن تتنقل بأنظارها نحو صديقتها التي كانت تخاطبها بعيناها من قريب، فانشق ثغرها لها بابتسامة كادت ان تطيح بعقله بجوارها ، وقد غفل عن المدون بالدفتر وتركزت عيناه على وجهها المضئ بإشراق، مع هذه الغمزة الموجودة أسفل ذقنها والتي زادتها روعة ، لأول مرة يراها هكذا عن قرب لفترة طويلة من الزمن، كان بامكانه مدها أكثر ولكنه أشفاقًا عليها أنهى الأجتماع قبل موعده .
من تتبعه لنظراتها انتبه على صديقه الذي أتى يقترب منه بصحبة كاميليا التي ذهبت تلاقئيًا اليها من الناحية الأخرى .
– ايه ياعم ؟ مش الإجتماع خلص برضوا ولا انا ييتهيألي .
قال طارق بمرح كعادته ، استجاب جاسر مرددًا له :
– خلص ياسيدي ، بس انا لازم كدة اديها نظرة اخيرة ولا انت مش عارفني .
– عارفك طبعًا ياكبير ياجامد انت، لكن قولي مرفت دي تبقى صاحبة مراتك صح ؟
سأل طارق الاَخيرة بصوتٍ خفيض وهو يشير بعيناه نحو المرأة وهي تخرج أمامهم مغادرة من غرفة الإجتماعات
أجابه جاسر بنظرة غير مبالية تفهمها الاَخر فتابع قائلًا :
– طب مش كفاية شغل بقى، الساعة ٨ دلوقتي ، يعني يدوب تروح وتاخدلك شاور تريح بيه جسمك شوية.
اومأ له جاسر وقبل ان يرد تفاجأ بهتافها بإسمه :
– جاسر باشا.
– نعم في ايه؟
قال بجديه عكس ما يشعر به من دغدغة جميلة بأذنه فور سماع اسمه بصوتها لأول مرة ، اردفت له بلهفة :
– انا خلاص مروحة مع كاميليا ، يعني خلاص مش عايزة السواق ولا الحارس يوصلوني .
– ليه ؟ هي كاميليا في طريقك ؟
سأل قاطبًا باستفسار ، أجابته كاميليا :
– لا طبعًا يافندم، بس انا فرحانة بعربيتي الجديدة بقى وقولت اوصل زهرة معايا، ما انا كدة كدة رايحة الحارة النهارة على فرح واحدة كانت جارتنا زمان .
اومأ لها قائلًا بصوته الأجش:
– الف مبروك ياستي عالعربية وفرح قريبتك ، بس برضوا زهرة مش هاتروح معاكي.
– ليه بقى؟
هتفت معترضة ، أجابها بتفكه غريب عنه:
– إيه نسيتي العيال اللي بتشرب في الحارة ؟ ولا انتِ عايزة خالك خالد يزعل منك؟
أخفضت زهرة عيناها عنه بخجل وقد اكتسى وجهها بالحمرة ، اما كاميليا فانفغر فاهاها بدهشة مما تراه من تغير بجاسر الريان لأول مرة، كما فعل طارق بالظبط .
……………………….
بعد قليل وبداخل سيارة جاسر الريان كانت جالسة في الخلف مع غادة التي كانت لا تصدق نفسها وهي تتأمل كل ركن وكل تفصيلة بالسيارة الفارهة .
– يالهوي يابت يازهرة ، دا انا حاسة قلبي هايوقف من الفرحة والنعمة.
قالت غادة هامسة بصوت خفيض لزهرة التي كانت تنظر لها بجمود مكتفة ذراعيها ، وتابعت :
– رغم اني كنت هاموت النهاردة واركب مع كاميليا في عربيتها الجديدة بس تتعوض بقى، هو كل يوم الواحد هايلاقي توصيلة بعربية جاسر الريان .
حينما ظلت زهرة على صمتها هتفت غادة :
– ماتردي يابت مبلمة ليه كدة ؟ ولا يكون مش قادرة تستوعبي انتِ كمان زيي ، لا عندك حق بصراحة .
جذبتها فجأة زهرة من ذراعها تهمس بغيظ في أذنها:
– اهدي بقى الله يخرب بيتك وبطلي فرك ، الرجالة اللي قاعدين قدام دول مراقبين وشايفين كل حاجة ، ماتخليهمش يضحكوا علينا .
شهت رافعة شفتها باستنكار :
– يضحكوا على مين ياما؟ هو احنا قرود قدامهم ، طب خلي واحد فيهم يعملها كدة عشان كنت اعرفه مقامه صح.
– منورين يااَنسات .
انتفضت الفتيات على الصيحة التي أتت من صوتٍ جهوري في الأمام .
فهتفت غادة نحو الرجل وهي واضعة يدها على قلبها :
– يخرب بيتك فزعتني ، مش تدي اشارة الأول بدل ماتوقف قلبنا بصوتك الغريب ده .
– ههههههه
ضحك الرجل بسماجة اثارت حنق غادة ودهشة زهرة ، تدخل السائق عابس الوجه دائمًا :
– بطل غلاستك دي ياإمام ، خلينا نخلص في يومنا .
اردف إمام بمشاكسة وهو يغمز لها بالمرأة :
– بلاها غلاسة عشان القمرات، انت تؤمر ياعُبد ، اه ياني ياما، ياما نفسي اتجوز
مالت زهرة بوجهها تخبئ بكفها ابتسامة متسلية وقد فهمت مقصد الرجل من وجه غادة الذي تميز غيظًا حتى اصبح شكلها كالشخصيات الكرتونية
…………………………..
والى جاسر الذي استقل سيارة صديقه وجلس بجواره في الأمام ، ينظر بعيناه الى الخارج من نافذة السيارة، غير منتبه لحديث طارق ولا بغناءه خلف مذياع السيارة، فقد فشرد عقله بصاحبة الإبتسامة الرائعة بندرتها ، يستعيد بذهنه كل احداث يومه معها ، رقتها ، خوفها منه طوال الوقت ، خفة ظلها وعفويتها في إلقاء الجُمل بدون تفكير ، تذكر حديثه معها منذ لحظات حينما خرجت معه من باب الشركة تتوجه نحو سيارته لكي تستقلها مع حارسه الشخصي والسائق فوجد هذه الفتاة ثقيلة الظل قريبتها منتظرة بجوار السيارة:
– زهرة .
هتف بحزم فالتفت عائدة اليه تجيبه بطاعة :
– نعم يافندم، عايز حاجة قبل ما امشي ؟
اومأ بعيناه نحو غادة يسألها:
– البنت دي مستنية هناك ليه؟ وايه اللي أخرها اصلًا عن ميعاد انصرافها .
أجابته زهرة.
– يافندم البنت دي تبقى بنت عمتى وانا اللي طلبت منها تستنى عشان تروح معايا .
– ياسلااام .
اردف بها ساخرًا وتابع :
– وانتِ بقى بتعزمي عليها من قلبك تركب عربيتي من غير ماتقوليلي ؟
احتدت عيناها فقالت باعتزاز :
– انا معزمتش فسحة يافندم ، لا حضرتك، انا طلبت منها ترافقني عشان مااقعدتش مع اتنين رجالة في عربية لوحدي، وانا ايش ضمني؟
كتم ابتسامته حتى لا يحرجها فتابعت :
– وعلى العموم لو انت مش موافق ، ناخدها من قصرها وحمد لله عربية كاميليا موجودة أهي مامشيتش…..
– امشي يازهرة .
– نعم حضرتك
تابع مرددُا بصرامة وهدوء:
– بقولك امشي يازهرة على العربية بسرعة وخدي قريبتك معاك ، الوقت اتأخر
همت لتجادل معترضة ولكنه أوقفها بنظرته الحادة والمسيطرة ، فاستدارت نحو السيارة مذعنة لأمره ، ابتسم خلفها بتسلية قبل ان يذهب الى سيارة صديقه.
– ااه ، ايه دا الله يخرب عقلك هببت ايه ؟
تفوه بها جاسر بفزع يستفيق من شروده بعد ان اندفعت رأسه بقوة للأمام وارتدت في نفس الثانيه بفضل حزام الأمان ، رد طارق وهو يسرع بمحرك السيارة :
– اعملك ايه بس ياصاحبي كان لازم افوقك ؟ اصلك سرحان ومش معايا خالص .
– تفوق مين يابني ادم انت ؟ ماكنت اعمل بينا حادثة احسن بهزارك السخيف ده .
قال جاسر بغضب قابله طارق بابتسامة باردة يردد:
– اسف ياروحي، بس انا بغير لما الاقيك تنشغل عني ولا تفكر في حد غيري .
– ياربي عليك يااخي لما تطلب معاك غتاتة، ياساااتر.
أردف جاسر مغمضًا عيناه باشمئزاز اثار ضحك الاَخر :
– حبيبي ياجاسر والله ، واحشتني قعاداتك وهزارك ياجدع، ماتيجي تسهر معايا النهاردة .
– وانت هاتسهر فين بقى ؟
– ايه دا ؟ هو انت هتوافق بجد تسهر معايا؟
سأله طارق بعدم تصديق، أومأ له جاسر بعيناه فهلل الاَخر بترحيب :
– ايوة بقى ياجسورة ، واحشتني بجد ليالك.
……………………………
حينما وصلت السيارة الفارهة ذات الماركة العالمية في المنطقة الشعبية الفقيرة ، واخترقت قلب الحارة، كل الرؤس التفت حولها ، حتى ان بعض البشر تركت الفرح ، كي تتبع وجهة السيارة الغريبة بحارتهم .
هتفت غادة بلهفة :
– شايفة يازهرة ، الناس في الحارة كلهم هايتجننوا على العربية .
أومأت لها زهرة بصمت وقد نفذت طاقتها حتى عن الكلام .
– اوقف هنا يااًنسات قدام العمارة القديمة دي ؟
، سألها السائق ، وأجابته زهرة :
– ايوة ياحضرت ولو على اول الشارع تمام برضوا.
– لا تمام ايه ؟ انتِ لازم تنزلي من العربية على باب البيت عدل ، دي تعليمات جاسر بيه .
قال الحارس، وأومأت له زهرة برأسها فالتمعت اعين غادة بالحماس حتى اذا توقفت السيارة وترجلت زهرة منها ، خاطبت غادة السائق :
– كمل بقى طريقك ، عمارة بيتنا في الشارع اللي جاي ده.
– لحد كدة وخلصت ، انا الباشا أمرني بتوصيل الاَنسة بس ، ماحدش جاب سيرتك انتِ
اجفلها السائق برفضه بصلف وقلة زوق فهتفت عليه غاضبة :
– جرا ايه ياجدع انت؟ هما الخطوتين دول هايتعبوك ولا يبوظوا العربية لو كملتهم
اردف السائق بحدة وهو ينظر لها في مراَة السيارة:
– ماليش فيه الكلام دا انا، اتفضلي يااَنسة عشان عايز اللف واخرج بالعربية من حارتكم .
– وحد قالك ان احنا اللي ماسكين فيك بلاخيبة ، روح ياخويا في ستين داهية تاخدك بلاقرف .
بصقت بكلماتها وهي تترجل من السيارة ، صافقة الباب بعنف لم يؤثر في السائق الذي خاطبه الحارس بتصنع الغضب وهو يترجل من السيارة خلفها:
– اما انت قليل زوق صح ياعبده ، هي دي برضوا معاملة الاَنسات؟
هرولت تطقطق بكعب حذائها على الأرض امام نظرات الجيران الفضولية ، وتتبعها هو حتى صار يسير معها :
– ماتزعليش ياقمر ، هو كدة الواد عبده ، جلف وما يعرفش يعامل النسوان الحلوة.
لفت نظرها بتشديده على حروف كلمته الاَخيرة ، فتوقفت في اقرب شرع مختصر ترمقه بنظرة نارية وهي تجز على أسنانها تردف:
– هو في إيه بالظبط يا أخينا انت؟ كل ما تشوفني تغمزلي بعيونك ، يااما تلقح قدامي بالكلام ، اعرفك منين انا عشان تاخد عليا بالشكل ده؟
أجابها يبتسم ببرود وهو يتلاعب بحاجبه :
– وهو لازم يبقى تعارف شخصي ياعسل، دي حاجة كدة اسمها تااَلُف ارواح .
اشارت بسبابتها مرددة بازدراء :
– تااَلُف ارواح! وانت تقصد بزكاءك الخارق، ان روحي انا ممكن تاخد على روحك انت ؟ دا على كدة بقى تلقيحك قي العربية كان بقصد ؟
برقت عيناه الواسعة وهو يردف لها بتفكه :
– أييييوة، خدتِ بالك انتِ لما طلعت من قلبي بحرقة كدة وانا بقول اَااه يامٌا، ياما نفسي اتجوز ؟ هاموت عالحلال والنعمة.
فردت ظهرها ومدت بذقنها اليه بتعالي تردف :
– الحلال بتاعك ده ياشاطر تدور عليه مع واحدة من مستواك، مش انا اللي يناسبها حلالك ده يابابا.
– بلاش الحلال ، طب يناسبك الحرام ؟
أجفلها بوقاحته في الرد ، مما جعلها بدون تفكير ترفع يدها اليه كي تصفعه، متناسية فرق الطول الهائل بينهم ، مما جعله يتلقف كفها ببساطة ، فضغط عليها حتى كاد ان يسحق عظامها بين قبضته القوية وقال :
– طب مش تخلي بالك ياحلوة وانتِ بتطلقي إيدك كدة في الهوا ، لا تروح منك وماترجعش تاني.
صرخت بألم مكتوم :
– سيب إيدي يابني أدم انت ، بدل ما اصرخ والم عليك الحارة كلها ، والبسك فضيحة تضيعك شغلك .
ضغط على شفته المنفرجة بابتسامة وهو ينظر إليها باستمتاع ثم تركها فجأة تركض هاربة منه نحو منزلها بخوف ، تابعها مضيقًا عيناه بتفكير وهو يحٌك بطرف ابهامه على وجنته الخشنة قبل ان يستدير مغادرًا وهو يتمتم بتسلية .
– شرسة شرسة يعني ، وانا انسان مريض بتستهويني جدًا الأنواع دي .
…………………………..
والى زهرة التي انتظرت قليلًا بمدخل العمارة ، حتى أتت اليها كاميليا بعد ان تتبعتهم بسيارتها .
– اتأخرتي ليه ؟
هتف بها زهرة فور رؤيتها ، ردت كاميليا وهي تخطو اليها بسرعة :
– مش على ما قدرت الاقي مكان اركن فيه العربية ياقلبي .
– ايوة ياعم عربيتي والكلام الفاضي ده ، اتقنعري علينا ياختى اتقنعري
قالت متصنعة الحقد ، جذبتها كاميليا بمزاح ثقيل من ذراعها وهي تسحبها نحو الدرج قائلة :
– يخرب عقلك، هي غادة بهتت عليكي يابت ولا ايه ؟ قولي يابت وطلعي السواد اللي جواكي ناحيتي قولي .
ضحكت زهرة مقهقهه وهي تصعد معها الدرج ، اردفت كاميليا :
– بس الفرح برة ايه؟ يجننن ، صحيح انا شوفت عربية نوال في المكان اللي ركنت فيه عربيتي .
– نوال خطيبة خالي ، معقول !
قالت زهرة قاطبة جبهتها بدهشة .
…………………………
حينما دلفن الفتيات لداخل المنزل هللن بمرح ترحيبًا بنوال الجالسة على الأرض تتناول مع رقية وجبة عشاءها .
– ياهلا ياهلا ، الأستاذة نوال بحالها في بيتنا وبتاكل عالأرض كمان .
قالت زهرة ورددت خلفها كاميليا بمزاح :
– لأ وكمان قاعدالك ياختي بالبيجاية والنص كوم في بيت خطيبها ، فين الحياء ولا التربية ، ايه قلة الأدب دي ؟
– لا ما احنا خلاص قلعنا برقع الحيا ولغينا التربية فاضل بس نبقى قلالاة الأدب .
ردت نوال وهي تنهض عن الطعام بضحك مستجيبة لمزاحهم قبل ان تعانقهم الاثنتان باشتياق ، ترحب بهن ويرحبن بها .
– بس غريبة يعني مااتصلتيش بيا ولا قولتي ان جاية .
سألتها زهرة فجاوبتها نوال :
– لا ماهي الزيارة النهاردة كانت بسبب مفاجأة ليكِ ياقمر .
– مفجأة ليا انا ؟
سألت زهرة بدهشة فرددت شقيقتها صفية :
– يالهوي ياابلة دا اللي حصل النهاردة في الحارة ولا افلام السيما ؟
سألت كاميليا من ناحيتها هي الأخرى :
– ايه اللي حصل ؟
– حصلش ولا محصلش ، اتنيلي انتِ وهي اطفحوا اتعشوا الأول وبعدين احكوا براحتكم .
– صدقتي يا ستي ، والنعمة دا انا هاموت من الجوع .
قالت زهرة وهي تجلس بجانبهم تتناول الطعام ، وهتفت كاميليا وهي ترتمي على رقية تحضنها.
– ستي حبيبتي ، وحشتيني ياقلبي .
– وحشك عفريت، توك ما افتكرتي يابت الجز…….، اقطعلك شعرك اللي انتِ فرحانة بيه ده ها؟
قالت رقية وهي تلكزها بقبضتها والأخرى مقهقه تتقابل تعنيفها المحبب .
………………………..
والى جاسر الذي دلف مع صديقه طارق لداخل الملهى الليلى ، يتلقى الترحيب من رواده والعاملين به بحرارة بعد فترة انقطاع كبيرة .
– عملت ثورة انت النهاردة في المكان ياكبير بمجيتك .
قال طارق وهو يجلس على طاولة خصصت لهم، جلس امامه جاسر قائلًا باتزان:
– طبعًا يابني هو انا أي حد ؟
– لا ياعم مش أي حد دا انت جاسر باشا، بقولك ايه بقى احنا عايزاين السهرة النهاردة تبقى صباحي ، نسوان ومشروب و……
– حيلك حيلك بس اوقف عندك على كدة .
اردف جاسر مقاطعًا صديقه، وأكمل
– من اولها كدة، انا اَخري مشروب معاك وبس ، لاعندي دماغ لنسوان ولا الكلام الفاضي ، لو انت عايز اسيبلك انا الطرابيزة ؟
هتف طارق على مضض:
– خلاص ياعم بلاها ، هو انت بتيجي كل يوم يعني؟
قال جاسر بابتسامة مشاكسة :
– طب افرد وشك طيلب ، عشان بس ماحسش اني تقيل عليك ولا حاجة .
رد طارق بابتسامة صفراء ، قابلها جاسر بضحكة مجلجلة اثارت دهشة الاَخر فقال مداعبًا :
– هل هلالك ، الضحكة دي بقالي سنين ماسمعتهاش منك ياعم ياجاسر ، ايه جرا في الدنيا ؟
لم يجيبه جاسر فتابع بجدية :
– طب معلش بجد بقى ماتزعلش مني ، هو انت فعلًا قاطعت النسوان وزهدت فيهم .
– مين قال كدة ؟
سأله جاسر باقتضاب ، وأجاب الاَخر :
– أنت ، بتصرفاتك وفعلك ، مراتك وكأنها عدوتك، اني اشوفك في علاقات عابرة او حب حقيقي ، مافيش خالص ، يبقى ايه بقى ؟
– حب حقيقي !
سأله جاسر بتفكير وهو يتلاعب بأطراف أصابعه على على شعر ذقنه النابت حديثًا ، رد طارق بتأكيد:
– اه حب حقيقي ياسيدي ، مدام مش عايش الحب مع مراتك اللي بالأسم دي ؟ يبقى تدور انت بنفسك على اللي تسعدك .
سأله جاسر :
– طب انت جربت الحب الحقيقي؟
اجابه طارق وهو يهز برأسه :
– مش عارف والله ياصاحبي ، انا بنجذب لستات كتير اوي ، اللي من لون عنيها ، اللي من شعرها ، واللي من …..
توقف عن الكلام يصف معبرًا بكفيه ، فنهره جاسر بقرف :
– دا مااسموش حب ، دا اسمه حاجة تانية .
– ياعم عارف بس بهزر معاك .
رد طارق وتابع بجدية :
– واصلني والله اللي تقصده وحاسوا اوي كمان ، خصوصًا اليومين دول .
سأله جاسر باستفسار :
– اه، ليه بقى خصوصًا اليومين دول ؟
صمتت قليلًا طارق محدقًا به، ثم أجابه بتردد:
– بصراحة بقى انا منجذب ومشدود أوي لكاميليا معرفش…….
قطع جملته متأثرًا بنظرة محذرة من جاسر الذي رفع له سبابته بتهديد :
– ايااك ياطارق ، انا بحذرك عشان مقلبش عليك .
– ياعم يكفينا شر قلبتك ، انا مقصدش حاجة وحشة والله ، انا بس بقول مشدود ليها ، لكن مش بغرض وحش .
اكمل طارق بتبريره وجاسر يحذره بتهديد حتى انتبه على مدخل الملهى خلف طارق وتسأئل:
– دي ايه اللي جابها دي ؟
– هي مين ؟
سأل طارق قبل ان يستدير بجذعه فعاد اليه هامسًا :
– يانهار ابيض دي مراتك !
…………………………….
– ايوة ياخالي ، ربنا يخليك يارب ومايحرمني منك .
قالت زهرة وهي تحادث خالها في الهاتف ، بعد ان علمت من نوال الخطة التي رسمها ونفذتها هي بحرفية بالإتفاق مع شقيقها ، ظابط المباحث ، في القبض على فهمي واعوانه.
وصلها صوته المحبب :
– بس يابت، بطلي شغل الشحاتين ده؟ هو انا عملت ايه يعني ؟ بس لو حابة تعملي الواجب اشكري الأستاذة نوال عندك .
– الأستاذة نوال اه ، دي بترسم يابابا عشان تتبت رجلها عندك .
قالت زهرة بمشاكسة في نوال الجالسة أمامها على الكنبة الخشبية تبتسم بسعادة وبجوارها كاميليا ورقية وصفية يتابعن باهتمام، وصلها رد خالد عبر مكبر الهاتف:
– هي لسة هاتبت ، ماهي تبتت ياختي وانتخت من زمان ، هو انا لسة هاقولك يابن اختي ، ادهاني ادهاني .
انطلقت الضحكات من الجميع ونهضت نوال تلوح لها بيداها كي تتناول الهاتف ، هتفت زهرة بغضب مصطنع :
– اخص عليك بعت بنت اختك وحبك القديم اخص .
جذبت الهاتف نوال مرددة لها :
– انت بنفسك قولتي حبه القديم، يبقى الجديد هو اللي يكسب ، ايوة ياخالد اخبارك ايه ؟
سألته بنعومة وهي تغلق المكبر مخرجة لسانها لهم قبل ان تتابع وتتحرك تاركتهم .
– الصوت هنا مش كويس باينه من الشبكة ، ثواني هاكلمك من اؤضة ستي، دقيقة واحدة .
هتفت كامليا من خلفها :
– كمان هاتكلميه من الاؤضة ؟ دي احتلت البيت بقى .
– عقبالك انتِ كمان لما تحتلي بيت جوزك .
خاطبتها رقية بمداعبة استجابت لها كاميليا بابتسامة ، فقال زهرة بحالمية :
– بحب قوي قصة حبهم الغريبة دي ، رغم التعب والصبر اللي فيها ، لكنهم مازالوا متمسكين ببعض وماحدش فيهم خان العهد .
تابعت خلفها كاميليا :
– سبحان الله عندك حق ، شوف قعدوا كان سنة بنفس المكتب شغالين مع بعض ، وماحدش فيهم عنده الجرأة يعترف ، ولما حصل طلعت معاهم مشكلة ابوها اللي عايزلها شقة برا الحارة .
– عنده حق ياكاميليا برضوا ، اي حد في الدنيا بيبقى نفسه يربح بنته ، واحنا العمارة هنا زي ما انتِ شايفة ،ايلة للسقوط .
– بس انت خالك حلو ويتحب .
قالت كاميليا بشقاوة فلكزتها رقية بقبضتها جعلتها تتأوه ضاحكة :
– اه ياستي خلاص كفاية والنبي، هو انتِ النهارة مستلماني ولا ايه ؟
– اه ياختي مستلماكي وعايزاكي تقري النهاردة ، مدام جيتلي برجلك .
ردت رقية مصطنعة العزم ، وهتفت كاميليا :
– يانهار ابيض ياانا وقعت في الفخ بقى؟ انا ايه اللي خلاني النهاردة بس ، والغي مشوار الفرح .
قالت صفية :
– القعدة الحلوة ياابلة هي اللي خلتلك تلغي مشوار الفرح ، زي انا كدة ما سايبة المذاكرة وقاعدة جمبكم .
– اه ياناصحة وخلي القعدة تنفعك في اَخر السنة .
قالت زهرة فهتفت رقية :
– بت ياصفية قومي من هنا وروحي زاكري .
– بس ياستي .
– اخلصي يابت .
نهضت صفية مغادرة الجلسة على مضص بعد اصرار رقية التي خاطبت كاميليا :
– قوليلي بقى ياحلوة واعترفي ، ايه اللي مخليكي بترفضي في العرسان ومش عايزة تتجوزي .
– ازاي بس ياستي ؟ والنعمة عايزة بس النصيب .
– نصيب في عينك، برضوا بتلفي وتدوري ومش تقري .
– اه
تأوهت صارخة من قبضة أخرى على ذراعها فهتفت باستسلام :
– هاقر والله وهاقول .
قالت وصمتت قليلًا معهم قبل ان تتابع امام نظراتهم المتفحصة .
– بصراحة بقى انا مقدرش اسلم واحد قلبي وجسمي غير وانا متأكدة مية في المية اني بحبه ، وانه هايصوني ومايخونيش مع اي واحدة غيري .
– ودا هاتجيبيه منين بقى؟ هاتفصليه ؟
قالت رقية بسخرية ضحك على اثرها الفتيات ، قبل ان تردف كاميليا .
– خلاص بقى يبقى ماتلموش البنت لما تتأخر ولا ماتتجوزش خالص ، مدام المسألة صعبة قوي كدة .
– يخرببتك .
تفوهت بها رقية بعد أن ألجمتها كاميليا بردها.
………………………..
– جاسر، ياجاسر ، استنى ياعم .
هتف طارق من خلفه وهو يلاحق خطواته االسريعة في البحث عن سيارته في موضع السيارات، توقف الاَخر يرد بغصب :
– بتنده ليه؟ مش خلاص السهرة انفضت وانا قولتلك ماشي؟
اقترب طارق يرد عليه بلهاث :
– يابني مش عايزك تفهمني غلط ، والله ما اعرف انها بتيجي هنا، انا اصلًا بقالي فترة مابجيش هنا.
تنهد جاسر يردف له :
– خلاص ياطارق، اللي حصل حصل ، مافيش داعي للاعتذار وانا مسامحك خلصنا .
أومأ طارق ببعض الإرتياح ثم مالبث ان يتحدث بجدية :
– بس الصراحة ، انت كسفتها ياطارق ، كون انك تخرج من المحل بمجرد ماهي دخلت ، اي حد هايفهمها دوغري .
– خلي اللي يفهم يفهم بقى وياريت هي تحس على دمها لحد كدة .
قال جاسر بعدم اكتراث ، حدق به طارق قليلًا يتمتم :
– دا انت بقيت بتكرها فعلًا ياجاسر .
– اكرها ولا احبها حتى ، خلاص بقى خليني اروح .
قال وهو يلوح بكفه ذاهبًا من امام صديقه ، حتى اذا وصل الى سيارته وجلس فيها ، اخرج هاتفه على الفور يطلب رقمها بدون تفكير.
– الووو….. ايوة يازهرة .
وصله صوتها المتردد بقلق :
– الووو .. ايوة يافندم ، هو في حاجة حصلت ؟
اربكه سؤالها له على الفور ، فقال متحججًا :
– لااا انا بس كنت بطمن عليكِ بعد ماوصلتِ .
شعر بغباء قوله من صمتها فغير بفكرة اتته على الفور.
– زهرة هو انت معاكي حساب على الفيس بوك ؟
قطبت تجيب عن سؤاله الغريب .
– لا طبعًا ، انا معنديش حساب في أي حتة ، انت بتسأل ليه ؟
ردد بمكر .
– لا يعني ، اصل في واحدة دخلتلي على الخاص بنفس الأسم ، افتكرتها انتِ
هتفت غاضبة بتشنج:
– لا طبعًا حضرتك ، مش انا اللي اعمل كدة ولا انا بالأخلاق اللي تسمحلي اعمل حاجة قليلة الأدب زي دي .
صمتت بعد ان وصل الى أسماعها، اصوات غريبة مكتومة ، فتابعت تسأله بقلق.
– حضرتك هو في إيه عندك ؟ وانت مابتتكلمش ليه ؟ هو انت حصلتلك حاجة.؟
بسؤالها الاَخير ابعد السماعة ولم يستطيع الأكمال، حتى لا يصل اليه اصوت ضحكه الذي لم يقدر على كبحه ولا توقفه .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)