روايات

رواية لولا التتيم الفصل الخامس عشر 15 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل الخامس عشر 15 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم البارت الخامس عشر

رواية لولا التتيم الجزء الخامس عشر

لولا التتيم
لولا التتيم

رواية لولا التتيم الحلقة الخامسة عشر

ثلاثة أيام مروا على آخر ما حدث.
ثلاثة أيام شكلوا فارقًا في حياة الجميع على النحو التالي..
“لليان وبدر”
استقرت حياتهما بشكل لم يتوقعاه بعد كل ما مرا بهِ، بعد ما حدث ذلك اليوم بالمستشفى وما اتفقا عليهِ حدث بالفعل حين قررا البدأ من جديد بنحو أفضل مما سبق.
ازالت قطرات العرق من فوق جبينها وهي تغلق باب الفرن الكهربائي بعدما لفحتها حرارته، ابتسمت بانتصار زاهي حين رأت جمال وشهية ما فعلته بيدها لأول مرة، قررت اليوم أن يأكل من صنع يدها لتجلب أحد الوصفات على الانترنت لتنفذ كل ما رأته به، فخرجت الوصفة بشكل مرضي للغاية.. استمعت لصوت باب الشقة يُغلق لتهرول للخارج حين أدركت عودته من المحل، وقفت أمامه مبتسمة باشراق يقسم أنه لم يحظى يومًا باستقبال أروع مما اعتادت عليهِ هذه الأيام..
ابتسامة ساحرة زينت ثغره حين رآها أمامه بابتسامتها تلك، مرر نظره على مظهرها الفاتن بقميصها الأملس الذي انسدل على جسدها بنعومه كالحرير، ويبرز لعيناه الكثير من مفاتنها المهلكة، واكتملت اللوحة الرائعة ببروز بطنها الذي ظهر بوضوح في هذا القميص الذي ترتديه، اقترب منها بخطى متريثة حتى أصبح أمامها تمامًا فأحاط خصرها بكفيهِ وهو يتمتم بهمس محبب:
_ غزال بيستقبلني!
ضحكت بدلال أفتك بعقله وأردفت حين ارتفع ذراعيها لتحيط عنقه:
_ تعرف إن كان وحشني دلعك ليَّ اوي.
اقترب منها أكثر ليلامس أنفها بأنفه بمرح وهو يسألها عابثًا بخبث خفي:
_ دلعي ليكِ بس!
أدركت سوء نواياه فحدقته بنظرات جادة وهي تبتعد عنه متجهه للمطبخ ليتبعها وهو يسمعها تهمس:
_ لسه قليل الأدب زي ماهو.
_ سامعك على فكرة.
عقب بهدوء وهو يستند على طاولة المطبخ المفتوح، لترفع كتفيها بلامبالاة:
_ عارفة على فكرة.
ارتدت القفاز وفتحت باب الفرن لتخرج الصينية منهُ لتضعها على الطاولة التي يستند “بدر” على طرفها لتردد بفرحة كطفلة صغيرة:
_ بص يا بدوري عملت ايه.
رفع حاجبيهِ باعجاب ثم مرر أنفه على الصينية من بعيد ليهمهم بلذة مغمضًا عيناه، ثم فتحهما ليراه تناظره بابتسامة واسعة وأعين تلمع فرحًا:
_ ايه ده؟ الريحة تجنن والشكل تحفة.. اومال مرة اشوف مكرونة بشاميل ريحتها مفحفحة كده.
قطبت حاجبيها بعدما اختفت ابتسامتها لتعقب:
_ مكرونة بشاميل ايه! دي لازانيا.
رفع حاجبه الأيسر بدهشة وهو يردد:
_ امم؟ والله يا حبيبتي هم كلهم شبه بعض يعني.. عمومًا تجنن، تسلم ايد الحلوين.
أنهى حديثه جاذبًا كفها ليقبله بخفة وعيناها المتأثرة بما يفعله، ابتعد يفرك كفيهِ ببعضهما بحماس وهو يقول:
_ هروح اغير هدومي عشان ندوق العظمة دي بقى.
_ بسرعة.
عقبت بحماس مماثل وعيناها تتابعه حتى اختفى من أمامها.
اسرعت ترتب المائدة ووضعت الطعام فوقه بانتظام واكواب العصير الطازج الذي أعدته، ووقفت بانتظاره حتى يعود لها.
_________________
دلفت غرفتهما لتجده يقف أمام المرآة يرتدي واقٍ للرصاص، لتتسع عيناها بفزع لِمَ تراه هل عاد لعمله مرةً أخرى؟! منذ كثير لم تراه بهذه الثياب الخاصة بالمعارك الدامية، سراوله الأسود الداكن الذي علق بهِ أحزمه خاصة بالأسلحه، وقميصه القطني ذو النصف أكمام بنفس ذات اللون، والذي ارتدى فوقه الواقي، ابتلعت ريقها بقلق وهي تهتف باسمه:
_ آدم!
التفت فجأة كمن لدغه عقرب ليبتلع ريقه هو الآخر ما إن رآها تقف أمامه ولكن بتوتر، واحتفظ بصمته حتى اقتربت هي بأعين غير مصدقة تضع وليدتها “شغف” فوق الفراش التي بالكاد اتمت الشهر، وقفت أمامه تناظره بنظرة معاتبة قبل أن يتحدثا حتى، وخرج صوتها خافتًا تسأله:
_ ليه اللبس ده؟! أنتَ رايح فين؟ أنتَ وعدتني إنك مش هترجع للش..
قاطعها وهو يحيط كتفيها بذراعيهِ:
_اهدي يا حبيبتي، أنا مرجعتش لشغلي، بس موضوع على السريع كده هخلصه وخلاص.
قطبت حاجبيها تسأله بقلق:
_موضوع ايه!؟
أجابها بتروي:
_ ابن دكتور يوسف الي مخطوف.. قدرنا نعرف مكانه وخططنا كويس الأيام الي فاتت للحظة دي عشان ننقذ الولد.
وكأنها أدركت الأمر للتو لتهمس باستيعاب:
_ يونس!
رفعت صوتها قليلاً لتسأله:
_ وليه أنتَ تتدخل؟ ليه مكلمتش حد من الفرقة هم الي المفروض يتدخلوا في حاجة زي دي!
_ طبعًا على تواصل معاهم، بس لازم الأول انا اشوف الوضع ايه عشان لو المكان مفيهوش الولد وعرفوا ان في شرطة في الموضوع هيبقى في خطر.
لم تعقب على حديثه فقط همست بضعف:
_ أنا خايفة عليك.
ابتسم بمرح ليزيل توترها وهو يقول:
_ في ايه يا حبيبتي ليه محسساني إني كنت شغال محاسب! حتى لما بعدت عن شغلي اشتغلت حراسات يعني برضو قريب من المجال وبنشوف كتير فيه.
هزت رأسها بلامبالة:
_ معرفش بقى.. حاسه قلبي مقبوض المرة دي.
اقترب منها طابعًا قبلة عميقة على جبينها وقال:
_ متقلقيش يا حبيبي مفيش حاجة وحشة هتحصل ان شاء الله… بعدين فين حصني المنيع ينفع يبقى هو مصدر قلقي!
مازحها بالاخير لتتذكر تلقيبه لها دومًا بأنها “حصن” لتبتسم بهدوء وهي تضع رأسها على صدره بتنهيده أدرك هو أنها تحاول الخروج من تلك الحالة الغريبه التي انتابتها من خوف غير مبرر بالنسبه لوضعهما ليستمع لصوتها بعد ذلك يقول:
_ ربنا ما يضرني فيك أبدًا.
اشتد على احتضانها مغمغمًا:
_ ويديمكوا ليَّ.
_______________
واما عن “عاصم وريهام”
دلف شقته فاتحًا الباب بمفتاحه الخاص، لينظر في أرجاء الشقة بترقب فلم يجدها، أغلق الباب بهدوء وكاد يكمل طريقه للداخل لكنه انتفض بخفة على صوت صدح من خلفه:
_ اقلع.
التف ليراها تقف خلفه مستنده على حافة باب الحمام وأمامها دلو ملئ بالماء، غير أنها ترفع أرجل سروالها لقبل ركبتيها، وتربط شعرها بشئ يتذكر أنهم يتلقون عليهِ “قمطة!” تحيطه بحجاب صغير بعشوائية، قطب حاجبيهِ بعدم فهم مصطنع يسألها:
_ اقلع ايه!؟
رفعت جانب شفتها العليا بسخرية:
_ هتقلع ايه يعني! اقلع الجزمة انا بمسح.
ضغط على اسنانه بغيظ قبل أن يخلع حزائه بضيق واضح وتركه جانبًا وكاد يدلف للداخل لتوقفه ثانيًة بصوتٍ عالٍ:
_ استنى هنا، ما تحطه في الجزامه، ولا مفيش نظام خالص كده!
التفت لها بأعين غاضبة ليردف بضيق حقيقي:
_ اتكلمي عِدل.
ابتلعت ريقها من نظرته الغاضبة لكنها أصرت على موقفها وقالت:
_ ماهو لما تسيبها كده المطلوب مني اشيلها يعني! ما تدخلها أنتَ.
رفع كتفيهِ ببرود وهو يجيبها:
_ سبيها.
انهى حديثه ودلف للداخل غير مستمعًا لحديثها والذي كان:
_ عاصم استنى هنا… انا مش الفلبينيه الي جايبها!
ابتسم بهدوء وهو يغلق الباب خلفه خالعًا قميصه متذكرًا ذلك اليوم منذ ثلاثة أيام حين قام بطردها حرفيًا، وحين هدأ واستعاد ما حدث شعر بأنه بالغ كثيرًا في رد فعله.. على الأقل لم يكن عليهِ طردها! فعاد لشقته ناقمًا على نفسه يتلبسه الحزن لإدراكه أنها بالطبع ذهبت.. لكنه تفاجئ بها مازالت موجودة وحين نظر لها بنظرة استفسارية كانت تردف دون النظر له
” مش أنتَ الي هتقولي امشي ولا اقعد، الشقة دي ليَّ فيها زيك، مش عاجبك أنتَ مع السلامة إنما أنا مش ماشية”
وللعجب انشرح قلبه لحديثها حينها وود لو يحتضنها مقبلاً إياها على أعظم وأصوب قرار أخذته، لكنه تماسك وهو يطالعها بلامبالاة كأنه غير مهتم دالفًا للداخل دون كلمة واحدة.. لكنها كانت قد رأت نظرة الفرح والراحة في عينيهِ مما جعلها توقن أن قرارها كان صوابًا.
استغرقت ساعة كاملة تقريبًا بعدما تركها وذهب تفكر فيما عليها فعله، هل تخضع لرغبته وتترك له المنزل وهي تقسم أنها إن فعلت ستكون نهاية لحياتهما سويًا، أم تتخذ من السماجة أسلوبًا وتظل بشقتها كي تحافظ على علاقتهما قدر استطاعتها.. وأتت بذكرياتها من البداية حتى هذه النقطة.. لتجد دوافعها للاستمرار أعمق من دوافعها للاكتفاء لهنا.. لذا قررت أخيرًا أن تبقى، وبقت..
فتحت باب الغرفة بغتًة وهي تردد بصوتٍ بدى عليه الانزعاج:
_ أنتَ بتسبني و….
قطعت جملتها صارخة صرخة صغيرة ملتفة لتواجه الحائط المجاور للباب بعدما رأته يبدل ثيابه التي لم يرتدي بدلاً عنها بعد..
_ ان.. انا… سوري مكنتش اعرف انك بتغير.
تمتمت بها بلجلجة واضحة وهي تشعر بأنفاسها تتسارع لرؤيتها له بهذا الشكل.. رغم أنها ليست اول مرة، ولكن ربما بُعدهم لسنوات ثم لأشهر صنع فجوة ما بينهما.
ابتسامة خبيثة ارتسمت فوق ثغره وهو يتجه ناحيتها بعدما اكمل ارتداء سرواله الداخلي فقط.
شعرت بأنفاسه تضرب عنقها ليتوتر جسدها وتحاول التحرك جهة الباب للخروج، لتجد يده قد سبقت خطوتها مغلقًا الباب في سرعة جعلته يضرب ظهرها بصدره فاصطدمت بالحائط.. وجلت أنفاسها أكثر وهي تشعر بذاتها قريب منه لهذا الحد بعد أشهر من الجفاء التام، أغمضت عيناها غير قادرة على ثوران مشاعرها أكثر لقربه، ووجدت ذاتها تهمس بضعف:
_ عاصم!
استمعت لهمسه المماثل لكن بنبرة ثقيلة يقول:
_ بصيلي.
التفت ببطء فاتحة عيناها لتواجهه.. وهنا كانت اللحظة الفاصلة، كان ينوي مضايقاتها ومناغشتها قليلاً ليس إلا، ولكن ما إن التقت عيناها بعيناه وسحرته نظرتها الناعسة التي تفيض بالمشاعر التي لطالما رآها في تلك الأيام التي سبقت الآن بأعوام.. تلك الأيام الخوالي التي كان فيها هو بطلها الوحيد، وكما بعثرها قربه.. حدث المثل معه.. فوجد ذاته يردد دون وعي:
_ هنفضل لامتى كده؟
حتى هي أدهشها سؤاله الجادي، فقد ظنت أنه ينوي اللعب على وتر مشاعرها ليس إلا، لكنها جاوبت بحزن لاح على صفحة وجهها:
_ اسأل نفسك.. أنتَ بجد متعبتش من البعد؟
لامها بنبرته ونظرته وهو يقول:
_ فضلتِ ٤ سنين تحاسبيني على حاجه محصلتش، اتحملت كل ده، واتحملت ذُلك وكل البهدلة الي شوفتها وراكِ، واحساسي بأني بهين نفسي ومشاعري من كتر رفضك ليَّ، اتحملت الطعنة الي ادتيهالي يوم ما خطفت أختك وكان ممكن اموت فيها، وبعدها سنة كاملة جواز مشوفتش فيهم لحظة حلوة معاكِ، تجاهل، وكره، وعدم تقدير لمشاعري، كل ده اتحملته، عشان في الآخر اكتشف إن السبب في كل ده كدبه سخيفة.. أنتِ متخيلة احساسي!؟
ادمعت عيناها وهي تستمع لحديثه، تشعر أنها الآن فقط أدركت فداحة ما فعلته، حاولت التحدث لتجده يبتعد عنها متجهًا للخزانة لاستكمال ارتداء ملابسه بجسد ظهر تشنجه بوضوح.
لتقف في حيرة هل عليها إنهاء هذا الموضوع برِمته الآن دون اكتراث للنتيجة، أم الانتطار سيكون حلاً أفضل؟!
_________________
جلس جوارها فوق الاريكة التي تحويها، ليمسد بكفه على ظهرها بتردد لرد فعلها وهو يقول:
_ ممكن اعرف بتعيطي ليه دلوقتي؟ آدم كلمنا وطمنا أنه هيكون بخير، ليه القلق ده؟
رفعت عيناها الحمراء الباكيه له وهي تقول:
_ أول مره احس بغلاوة يونس كده.
حاول ممازحتها ليقول:
_ يعني مكنتيش تعرفي انه غالي!
هزت رأسها نافية ببكاء:
_ كنت عارفة.. بس مكنتش اعرف انه للدرجادي، لو كنت عرفت قيمته بجد كانت حاجات كتير اوي اتغيرت، لو كنت حسيت بقيمة وجوده في حياتي مكناش وصلنا لكل ده.
قطب حاجبيهِ استفسارًا يسألها:
_ قصدك ايه مش فاهم؟
حاولت التحكم في بكاءها، وبعدما نجحت كان أول ما فعلته هو قول واتبعها فعل أدهشاه..
والقول كان جملة ” أنا آسفة”
والفعل كان عناقًا قويًا منها له، عناقًا كان أشبه بأنها تسحقه بين ذراعيها!
والدهشة ربما كانت لعدم فهمه لكل هذا جملةً واحدةً، والأكثر عدم فهمه السبب وراء فعلتها!!!!…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *