روايات

رواية بيت البنات الفصل العشرون 20 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الفصل العشرون 20 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات البارت العشرون

رواية بيت البنات الجزء العشرون

بيت البنات
بيت البنات

رواية بيت البنات الحلقة العشرون

صباح يوم جديد تخللت به أشعة الشمس بناية منزل آل الهلالي، وأمام منزل السيد توفيق الهلالي وقفت كلٌ من بسملة وبسنت أمام والدتهما وجيهة التي أخذت تُملي عليهما أوامرها..
: ملكوش دعوة بحد هناك، من الكلية للشقة ومن الشقة للكلية تركزوا وقت الإمتحان وقبل ما تبدأوا حل تقرأوا المعوذتين والفاتحة وآية الكرسي وتستعيذوا بالله وعلى مهلكم، ركزوا في كل كلمة في السؤال وأوعوا تغشوا وتوكلوا على ربنا ولما يقف معاكم سؤال…
قاطعتها بسملة بتذمر وبصياح لتلك الوقفة التي تتكرر كل مرة يسافرون بها: هندشمل أمه، لو وقف معانا سؤال هندشمل أمه يا ماما.
رمقتها السيدة وجيهة بغيظ وصدح صوت ضحكات بسنت عليهما، تطلعت لوالدتها وتحدثت مطمئنة إياها بكلمات بسيطة: متقلقيش يا ماما، بقالنا أربع سنين بنسافر وبنرجعلِك زي الفل!
رفعت وجيهة سبابتها ترفض هذا الكلام الذي لم يعجبها: ولو، لازم أفكركم بيه..
شهقت بأعين متسعة فزعة وصاحت بهلع وهي تعود للداخل: يلهوي نسيت أديكم الورق اللي الشيخ جابه إمبارح!
قلبت بسملة عينيها بملل ونظرت جانبًا لتؤامها مردفة بعدم تصديق لتلك العقول الساذجة – من وجهة نظرها – : أنتوا برضو لسة مقتنعين بالهبل ده؟؟ يا جدعان إحنا في ٢٠٢٤ يا جدعان!
زفرت بسنت وأجابتها بهدوء تحاول به كسب عناد الأخرى وتحدثت وهي تربت على كتفها: ده مش هبل يا بسملة ده واقع ناس كتير، احمدي ربنا إننا لسة بعافيتنا واننا اكتشفنا بدري وماتنسيش ندى واللي حصلها وإحنا صُغيريين، ده أكبر مثال ليكِ!!
وبدت بسملة غير مقتنعة بما قالته بسنت ولكنها رغم هذا امتنعت عن الرد وفضلت الصمت عن جدال طويل سيدور بينهما، عادت وجيهة تعطي كلَ واحدة ورقة من تلك الوريقات الصغيرة بحجم كف اليد والتي أعطاها لها الشيخ محمد بالأمس بعد أن أتم الرقية الشرعية على الجميع معطيًا إياهم بعض النصائح التي يجب إتباعها لتفادي حدوث أي مكروهٍ.
وأعقبت وجيهة مُحذرة وهي تنظر بسملة على وجه الخصوص لعلمها برأس ابنتها اليابس: تتقرأ كل يوم، فيها كل الأذكار؛ صباح مساء توك صلاة، كل حاجة، لأحسن وربنا يا بسملة تلاقيني نطالِك في السكن وهقفش فيكِ لحد ما تقريها ١٠٠ مرة.
ضحكت تلك المرة بصدق ورفعت الحقيبة الصغيرة أرضًا والتي تحوي ملابسها لتتمسك بمقبضها، عانقت بسنت والدتها وفعلت بسملة المثل وخلال ذلك جاءهم صوت جنى من الأسفل: إنجزوا عشان مانتأخرش!!
ابتعدن عن والدتهم وتحركوا للأسفل بعد تذمر جنى التي تنتظرهما، كانت كل فتاة منهما تأمل أن يخرج والدهم لوداعهم ولكنه حطم آمالَهم فوق صخرةٍ بحرية وألقى بالبقايا في أعماقِ البحر.
بالأسفل تستند جنى على سيارة إبن عمها طارق تتحدث بالهاتف مع جميلة بخصوص العمل، عندما لمحت طيفهما وهما تهبطان السلالم بينما تتمتمان بأحد المواضيع غير مكترثين لتلك التي ينتظرها الكثير والكثير.
رفعت نظارة الشمس فوق رأسها لترميهم بنظراتٍ متوعدة وهي تُنهي مع جميلة: خلاص يا جميلة اقفلي أنتِ دلوقتي، وأنا هوصل الهوانم وأكون في المكتب بإذن الله، وخلي عمرو ينزل الصور اللي صورناها امبارح على البيدج..
وكادت تقفل الهاتف لولا تذكرها لشيءٍ آخر لتضيفه قائلة بإدراك: آآه صح، الناس اللي اعتذرنا ليهم أول إمبارح كلميهم ولو لسة مشافوش حد تاني قوليلهم إننا مستعدين نروحلهم.
أجابت جميلة على الناحية الأخرى بدهشة واستنكار: بس ده كان كتب كتاب يا جنى، أكيد شافوا حد غيرنا ينظملهم!!
تحركت جنى وفتحت حقيبة السيارة لتضع الفتيات الحقائب بها بينما ترد على جميلة على الهاتف: أنا فاكرة إن عمرو قال إن كتب الكتاب يوم الأربع والنهاردة السبت لو سافرنا ليهم بكرة هنخلص إن شاء الله.
انتهت من حوارها مع جميلة والتفت تطالع هاتان الشقيتان اللاتان يضحكان على كلمة ألقتها بسملة، رفعت حاجبها وعقدت ذراعها أمام صدرها: اضحكوا يا حبايبي اضحكوا ما أنتوا مش وراكم حاجة!
توقفت بسملة عن الضحك وردت عليها ببسمة بقت على ثغرها نتاج تلك الضحكة: والله ورانا إمتحان مافتحناش ليه كتاب، ولسة لما نوصل السكن ونرتب المكان، اطلعي أنتِ منها بس عشان ماتزوديش البلة طينة بقرِك ده.
انفجرت جنى ضاحكة وشاركتها بسنت وتركوها تطالهم ببلاهة وعدم فهم لسبب تلك الضحكات، ربتت جنى على كتفها وقالت برجاء وهي لازالت تضحك: ماتقوليش أمثال تاني يا بسكويتة بالله عليكِ!
انتبهوا ثلاثهم لصوتِ أقدام قادمة من خلفهم فالتفتوا على اعتقاد أنه “طارق” – بما أنه صاحب السيارة – ولكنهم تفاجئوا بسامر الذي وقف أمامهم بإبتِسَامة واسعة متسائلًا وهو يهندم ياقة قميصه الأخضر: رأيكم يا تؤبروني في الـ outfit؟!
وكانت بسملة أول مَن أجابت بسخرية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها ببرود: شبه حتة الجبنة الرومي الخامَّة.
قالتها تُشبه لون قميصه بلون قطعة الجُبن الفاسدة فرفع قبضته عاليًا يتصنع أنه سيلكمها: مشكله باخد رأيك أنتِ أصلًا، خليكِ في حتة البيض المسلوق اللي لابساه ده.
ورد يشبه ثوبها بالبيض فصاحت جنى بسرعة تفصل بينهما قبل أن يتشابكا: خلاص، وحياة أبوكوا خلاص منِك ليه!
ابتسمت وهي تلتفت لتلقي نظرة متفحصة لما يرتديه إبن عمها ثم صفقت بإنبهار حاولت به إرضاء الأخير: تحفة يا سامر تحفة! والكوتش الأبيض عامل شغل خطير.
– يخربيت أڨورتِك يا شيخة!
تلفظت بها بسملة فلم يعرها أحد انتباهه، أما سامر والذي كان يرتدي بنطال باللون الأسود أسفل قميصه الأخضر الداكن وحذاءًا باللون الأبيض التفت لبسنت التي كانت تطالعه بإبتسامة صغيرة لم تشعر بها وهي ترتسم على ثغرها وقال بنبرة أهدأ وألين: إيه رأيك يا بوسي؟!
لم يعقب أحد على تدليله لها فهذا أسلوب سامر مع الجميع ولم يَظهر لأي منهم عشقه الجارف لتلك الماثلة أمامه، اومأت وهي تجوب كل قطعة يرتديها بتقييم قبل أن تجيبه برقة: حلو يا سامر، بس لو التيشيرت كان أفتح شوية كان هيبقى ألطف.
التفت يوليهم ظهره بسرعة: طب أنا هطلع في ثانية أغيّره وأرجـ…
قاطعته بسملة صارخة وهي تنظر للوقت بهاتفها: خُد تعالى هنا إحنا فاضيين ياخويا.!! إحنا لسة رايحين لندى والطريق طويل وإحنا لسة هنذاكر.
ضم شفتيه يمنع انفلات لسانه عليها وما كاد يتحدث حتى أكدت جنى هي الأخرى على حديثها: أيوة يا سامر يلا، بعدين ما قولتلك حلو يعم في إيه!
تحركت عيناه لتستقر فوقها بنظرات حزينة لعدم تحقيقه لإقتراحها، وكأنه حُرم من نيل جائزته الكبرى؛ ابتسامتها.
ابتلعت لعابها والتفت متحدثة لجنى بتوتر وهي تصعد السيارة: هنقعد أنا وبسملة هنا صح؟؟
نقل سامر بصره لبسملة التي ابتسمت بإنتصار غير عابئة للسهام التي يلقيها صوبها من عينيه متحركة للجلوس جوار تلك التي تكافح ظهور تلك البسمة فوق ثغرها، وكأن بسمة صغيرك ستفضضح أمرها.!
وبعد دقائق استقر سامر فوق مقعد السائق وبجانبه جنى تراسل جميلة تستعلم منها عن كل صغيرة وكبيرة فيما يخص العمل.
وبداخل وبالطابق الرابع في بيت العائلة الكبير، كانت نرمين تجلس جوار والدتها “منة” التي ترفض الحديث منذ أتت من المشفى، تُطعمها بشرود وهي تفكر تُرى هل والدتها على علمٍ بحالتها ذلك اليوم، هل هي على علم بما فعلته وقالته؟!!
إن لم تكن كذلك فكيف ستخبرها، كيف تقول لها “لقد فقدتِ عقلِك في ذلك اليوم”، كيف تخبرها عن حالة الجنون التي انتابتها وجعلتها تفعل هذا بنفسها؟
تنهدت وأفاقت من شرودها وتيهها عندما وجدت أنها أنهت الطعام في الأطباق أمامها فوقفت تتحرك للمطبخ بعد أن قالت بهدوء: هودي دول المطبخ وأجيبلك مياه.
ولم تتلقى أي رد منها وكأنها مغيبة عن واقعها، سُلبت منها روحها لتوضع في سجن من الأوهام والأفكار، سجن تمتلك هي مفتاحه ولكنه تأبى الخروج.
لا تفكر بأي شيء سوى زوجِها، ذلك الخائن المخادع الذي أخبرها أنه يعمل في الخارج ليصدمها فجأة بتلك المكالمة التي أخبرها بها أنه يشاركها امرأة أخرى، تتذكر أنه قال الكثير والكثير ولكنها لم تستمع سوى لخبر زواجه، توقف عقلها عن العمل فلم تستطع ترجمة بقية حديثه وشيء واحد فقط يظهر أمامها، زواجه.
هي لا تتذكر حتى سوى مقتطفاتٍ صغيرة جِدًّا لما حدث بعد ذلك، لا تتذكر أنها هاجمت ابنتها ولا تتذكر أنها ارتمت أرضًا صارخة، ولا تتذكر حتى أنها قامت بضرب رأسها للدرجة التي تجعله ينزف هكذا.!!
اشتعلت النيران بصدرها، تتخيل آلاف السيناريوهات لزوجها سلطان وهو يلقى حتفه بين يديها، ستقوم بقتـ.ـله والتخلص منه، هكذا أشخاص لا يجب أن يبقوا على قيد الحياة، ستطعنه في قلبه، ستشعل النيران بجسده، ستدس له السم بالطعام، نعم يجب أن يموت بأبشع الطرق!
هكذا حدثت “منة” نفسها، هكذا تمكن منها شيطانها ونفسها الأمارة بالسوء، وهكذا ألقت ضميرها ونفسها اللوامة من فوق الهاوية وصنعت سلالم أفكارها السوداء لذلك الذي يتلبسها ليصعدها محتلًا عقلها ليصير هو المسيطر على جسدها.
أخذت تتمتم في البداية بكلمات خافتة غير مفهومة وبصوتٍ غليظ لا يخصها، حتى ارتفع صوتها تدريجيًا وهي لازالت تغمغم بما لا يُفهم.
التفت نرمين التي كانت تقف أمام رخام المطبخ تنظر ناحية غرفة والدتها بريبة، إنه نفس الصوت الخشن!
ارتجف جسدها ووقع ما بيدها أرضًا ولحسن الحظ كان صحنًا من الإستالس فلم يتهشم كما الزجاج، حركت أقدامها بصعوبة للخارج ووقفت على أعتاب باب الغرفة لترى والدتها تنظر أمامها بأعين جاحظة بينما تحرك جسدها للأمام وللخلف وهي لازالت تقول تلقي بتلك الترهات لخارج فمها.
– مـ … ماما.
نطقت وقلبها يكاد يخرج من مكانها لفرط خوفها وما إن فعلت حتى تخشب جسد منة وتوقفت عن الحديث والحركة لتلف رأسها ببطئ شديد ناحية ابنتها.
ابتلعت نرمين سائل اللعاب بفمها وشعرت بجسدها يرتخي وكأنها ستسقط أرضًا برعب لتلك النظرات التي ترمقها بها منة، عادت للخلف بتمهل وقد تيقنت أن والدتها ليست بوعيها ولكنها لم تكن تعلم كذلك السبب الحقيقي لما يحدث لها.
بعد أن صارت المسافة بينهما كافية للهروب التفت مهرولة صوب باب المنزل لتركض لخارجه بكامل سرعتها، تعثرت كثيرًا وكادت تسقط فوق السلالم ولكن أسعفها حظها حتى وصلت أمام بيت عمها توفيق، ضغطت فوق زر الجرس وعينها مثبتة على السلالم المؤدية للأعلى خشية أن تطل عليها فجأة.
وما إن فتحت لها وجيهة و فتحت فاهها لترحب بها بود حتى أغلقته مرة أخرى بفزع عندما تحدثت نرمين بتعلثم وكلمات غير مفهومة وكامل جسدها يرتعش: طنط … ماما … أنا خايفة!
أدخلتها وجيهة وأغلقت الباب خلفها بينما تدخلها لأحضانها تربت على ظهرها بحنان وقلق في محاولة لتجعلها تهدأ وتستكين: بسم الله الرحمن الرحيم، إسم الله عليكِ يا حبيبتي مالك!
جذبتها نحو إحدى الأرائك لتجلس وهي جانبها لازالت داخل أحضانها، وما إن زال هلعها وخوفها حتى انفجرت في البكاء.
– لا حول ولا قوة الا بالله، اهدي يا نرمين يابنتي مالك بس!
ولم تنطق بكلمة واحدة، دقائق معدودة وانتهت من البكاء فوقفت وجيهة وتركتها متحركة للمطبخ بعد أن قالت: خليكِ هنا لما أقوم أعملك مياه بسكر تهديكِ يا حبيبتي.
فأومأت الأخيرة دون أن ترفع رأسها ولازالت تخرج من بين شفتيها شهقاتٌ صغيرة أثر بكائها، وتركتها وجيهة وتحركت لتنفذ ما قالت وتخبر توفيق بضرورة خروجه ورؤية إبنة شقيقه وما بها.
وبالطابق الثاني (منزل حامد الهلالي)، خرج مَجد من غرفته يتثائب بنعاس ورغبة قوية في النوم، بعد ذلك اليوم الشاق الذي قضاه وهو يتحقق في أمر تلك الصور التي بُعثت لبسملة وقد صُدم بصدق عمر وفي النهاية اتضح أن “أيمن” صديق عمر هو السبب بكل ما حدث.
أمسك أيمن بهاتف عمر وأرسل لنفسه صورة بسملة وبعد ذلك قام بصنع تلك الصور المزيفة والتي ما إن رآها مَجد حتى إبتسم ساخرًا لسذاجة تلك الغبية التي أوهمت نفسها بالخوف والأمر لا يستحق كل هذا.
لقنه مجد درسًا لن ينساه حتى الممات، وتفاجئ كذلك بغضب عمر الذي قطع علاقته بمن كان يظنه صديقه، أخبره عمر بحزنه لإبتعاد بسملة عنه وندمه على ما فعله ولم يكن يتوقع أن يفعل ما فعل.
وثار غضب مَجد عندما تعلل أيمن ذاك أنه أراد أن يُسعد صديقه بعودة الفتاة التي يحبها إليه!
تلاعب بتلك المسكينة وجعلها تعيش ساعات في خوفٍ ورهبة لكي يُرضي صديقه النذل.
كان عمر صادقًا في حزنه وندمه، كان صادقًا في رغبته بعودة بسملة له، يريد أن يجتمع بها اليوم قبل غد ولكنها هي مَن رفضت!
طلب منها مرارًا وتكرارًا أن يأتي ليتقدم لخطبتها ولكنها كانت ترفض في كل مرة متحججة بأختها الأكبر وأنها يجب أن تتزوج هي أولًا.
ولكنّ مَجد لم يهتم لعُمر ولا لحديثه وأخبره بتهديد صريح وواضح أنه إن اقترب منها مجددًا سيحدث ما لا يحمد عقباه، وانتهى ذلك اليوم بالزج بأيمن في السجن بعد أن وجدوا هاتفه ممتلئ بالكثير والكثير من التهديدات لفتياتٍ آخريات.
خرج من المرحاض ليجفف وجهه من ماء الوضوء ثم اقترب من والدته التي تقف بالقرب من الموقد تتابع الحليب فوقه بتركيز ليقول بعد أن ألقى تحية الصباح: مش سامع حِس لسامر يعني يا ماما، راح فين والساعة لسة ٨ الصبح، ده مش بيصحى غير آذان العصر!!
ضحكت شهيرة وأجابت وهي تغلق النار بعد أن ارتفع الحليب حتى نهاية الوعاء والتفت تجيبه: راح مع بنات عمك بعربية طارق، هيوصلهم الجامعة ويرجع، ناولني مَج أبوك.
التفت يعطيها ما طلبت وانشغل عقله بتلك التي لم تفكر حتى بإرسال رسالة صغيرة تطمأن بها عما آلت إليه الأمور.
وتحدثت شهيرة بإبتِسَامة وهي تصنع مشروب الشاي بلبن: حاسة إن أخوك عينه من واحدة من بنات عمك، معرفش مين فيهم بسملة ولا بسنت بس الأحداث بي
بتقول بسملة!
انتبه لما قالت فرفع حاجبه بسخرية وتهكم وهو يعطيها كوب آخر لتصنع له هو الآخر من المشروب: لأ نشلتي غلط المرة دي يا حجة شهيرة، بعدين بسملة وسامر مين!! دول مش هيعمروا شهر على بعضه سوا.!
قال بدهشة وهو يتخيل الوضع بينهما وسرعان ما نفى برأسه بعد أن تخيل الفوضى التي ستحدث في حين ضحكت شهيرة معقبة: والله يابني ولا أسبوع حتى..
وتوقفت عن الضحك مع بقاء بسمة صغيرة على وجهها تابعت بها بإستحسان: بسملة أو بسنت كفاية إنهم تربية عمك توفيق ووجيهة، عيال متربية وعارفة الأدب والأصول كدا مش زي اللي بنشوفهم دلوقتي!
واتسعت إبتسامتها وهي تسكب الحليب بكوب مجد: ولو فعلًا بيحب بسنت يبقى حد دعاله من قلبه الأروبة ده! يكفي رقتها اللي زي العسل على القلب دي.
وكان مَجد بعالمٍ آخر تمامًا؛ كلمات والدته المادحة لبنات عمه جعلته يعيد ترتيب الكثير من حسابته، هو الوحيد الذي يملك سرها الذي إن انتشر سيكون الأمر بمثابة طعنة كبيرة للجميع.
وعاد ليفكر في سؤال واحد فقط لم يترك عقله وشأنه منذ أن راها مع ذلك الشاب؛ لما فعلت هذا؟!!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– بقولك ايه يابت أنتِ، أنتِ هتقعدي تعيطي وتولولي كدا كتير؟؟
صاحت بتلك الكلمات “دعاء” والدة “عصام” توجهها لإبنة شقيقتها “روفيدة” والتي تخلى عنها خطيبها أمير بعد ما حدث بالمطعم بسبب جنى وحديثها.
ردت روفيدة وهي تمسح وجهها بطرف حجابها الذي وضعته بعشوائية ليكشف عن جزء كبير من عنقها ونصف خصلاتها تقريبًا: وأعمل ايه يعني يا خالتي؟ أقوم أرقص وكأن اللي كان ما جرى؟!!!
وعادت لتبكي مرة أخرى وهي تندب حظها: دانا ملحقتش أتهنى بالخطوبة حتى! منها لله، ربنا ياخدها من على وش الدنيا عشان قلبي يبرد.
توسعت عيني دعاء وهي تجلس بالقرب منها لتنهرها بحدة: بلاش غباء يختي..
واستأنفت بغل وهي تبخ سمومها بعقل التي تجاورها: بردي نارِك بحرقِك لقلبها، احرقي قلبها الأول بعدين ادعي عليها يا ناصحة.
مسحت أنفها ونظرت لخالتها بإستغراب وعدم فهم فتطلعت الأخرى حولها تتأكد من خلو المكان قبل أن تقترب منها أكثر متحدثة بنبرة خافتة كفحيح الأفاعي: تتخطبي لعصام وتقهري قلبها وتعرفي الحزين اللي سابك إنه في الجزمة وإنه مش فارق معاكِ، احرقي قلب الجوز، جنى وأمير.
ابتعدت عن خالتها تصيح رافضة لهذا الإنتقام الذي سيودي بها: لأ وألف لأ، عصام مين اللي أتخطبله.
قطبت الأخرى حاجبيها بغضب: وماله عصام يا روح أمك؟!!
ابتلعت ريقها وتعللت بسرعة قبل أن يطولها غضب خالتها: يا خالتي أنا بعتبره أخويا، هو في أخوات بيتجوزوا؟؟!
ربتت دعاء بسخرية على كتف روفيدة التي ترقبت ردها وهي تتمنى الا تقع بهذا المأزق الذي وضعت ذاتها به: لأ يا حبيبتي أنتوا مش أخوات ولا حاجة، وعصام ابني زينة الشباب كلها ومحدش يقدر يقول غير كدا.
وقفت روفيدة تنفض ثوبها بعنف وغضب قبل أن ترفع طرف حجابها تلقي به فوق كتفها لتتحرك صوب باب الخروج وهي تلعن ذاتها لقدومها لهنا بنية الحصول على خطة من خالتها الماكرة لتعيد بها ذلك الأمير لتصدمها بتلك الخطة التي لم تخطر يومََا ببالها، هي وعصام!!!
يالا القرف!
وخرجت من منزل خالتها تعود أدراجها لمنزلها ولكنها تسمرت مكانها وارتفع صدرها بغضب وهي تراها تتحرك أمام مرأى عينيها.
كانت جنى في تلك الأثناء انتهت من زيارة ندى هي وأخواتها فتحركن بسرعة رفقة سامر ليستعدوا للخروج من البلد بأكملها ليتجهوا للقاهرة حيث توجد جامعة التؤام.
كادت تصعد السيارة جوار سامر الذي بادر بتشغيلها ولكنها توقفت عندما ناداها أحدهم، التفت ناحية مصدر الصوت فتفاجئت بوجه روفيدة الذي عكر صفو مزاجها.
اقتربت منها كالأسد الذي يستعد للإنقضاض على فريسته حتى توقفت أمامها تطالعها من رأسها حتى أخمص قدميها: والله عال ياست جنى، تهدي دنيتي وحالي وتعيشي أنتِ حياتِك ولا فارق معاكِ حاجة والضحكة من الودن دي للودن دي.
انكمشت قسمات سامر وهو يخرج رأسها من السيارة: يا ساتر يارب! مالك يا ولية أنتِ إيه القر ده يخربيتِك!!!
ولم تعره روفيدة أي اهتمام ورفعت سبابتها بتهديد صريح وتوعد: مبقاش أنا روفيدة لو موجعتكيش زي ما عملتِ يا جنى، ورحمة أبويا لدوقِك من نفس الكوباية عشان تحسي باللي أنا حساه.
وكانت جنى تستمع لها ببرود وذلك التهديد لا يشكل أي خوف لها، وما إن انتهت روفيدة من الحديث تطلعت لساعتها وتسائلت وهي على عجلة من أمرها: خلصتي؟؟
لم تتلقى رد ففتحت باب السيارة وصعدت ولكن يبدو أن هذا لم يعجب بسملة التي احترقت بسبب كلمات تلك الغريبة التي وجهتها لشقيقتها، ففتحت باب السيارة بإنفعال ووقفت أمامها تصرخ بتهديد هي الأخرى وكأن الأمر يخصها هي ولم تنصاع لرجاء بسنت وتمسكها بها: طب أنا عايزة أشم إنك عملتِ حاجة يا حتة البتنجان أنتِ، والله في سماه لاحطك تحت رجلي وادوس عليكِ رايح جاي زيك زي الأرض اللي واقفة عليها دي لحد ما تقولي حقي برقابتي، على آخر الزمن نتهدد على يد حتة بتاعة زيك كدا.
ارتعبت روفيدة بحق من صراخ تلك الفتاة أمامها وعادت للخلف خطوتين بينما خرج البقية بسرعة من السيارة ليقفوا خلف بسملة التي ربعت يدها تنتظر أي خطأ يصدر من روفيدة لتجذبها من خصلاتها تلقنها مالا تنساه يومًا.
نظرت روفيدة لجنى وقالت تنهي الشجار وهي تتصنع الجرأة والشجاعة: ماشي، ماشي يا جنى.
واعطتهم ظهرها تتابع سيرها بخطوات سريعة في حين رفعت بسملة شفتها تجيبها بصوتٍ عالٍ كي يصل لمسامعها: تك مَشَش يا حبيبتي.
تمسكت بسنت بذراعها تحدثها بصوت مرتجف وخوف عليها: خلاص يا بسملة ادخلي، مكنش ليه لزوم تخرجي أنتِ مش شبه الناس دي!
وقالت جنى من بين أسنانها وهي تفتح باب السيارة لها: ادخلي ياست بسملة، ادخلي يا هانم ياللي هتجيبي أجلي..
دخلت السيارة ومن بعدها بسنت والتف سامر ليجلس في مكانه هو الآخر وفعلت جنى المثل، وما إن انطلقت السيارة حتى صاحت جنى موبخة تلك العنيدة: بتتدخلي ليه، الأشكال دي أنا عارفاها كويس ومش اللي هيسكتوا ويعدوا وطالما شوفتيني طلعت العربية بتتهبي تنزلي ليه؟؟
ردت بسنت بقلق من أن يتفاقم الأمر بينهما: خلاص يا جنى إحنا الـ…
بترت حديثها عندما صدح صوت بسملة تجيب على أختها: وأنتِ ازاي تسكتي أصلا قصاد واحدة كلبة زي دي، بتهددك عيني عينك كدا ومش عايزاني أتدخل!!
وعم الصمت في السيارة بعد كلماتها وفقط صوت أنفاسهم العالية ما كان يُسمع، نظر سامر لها بمرآة السيارة وغمز متمتمًا بهمس: good job.
وكزته جنى بغيظ بعد أن لمحت ما فعل وابتسمت بسنت بخفة وهي تحمد الله على مرور الأمر بسلام هذه المرة.
وبعد دقائق قصت عليهم جنى مَن هي تلك الفتاة وسبب العداوة بينهما وهدأ الوضع قليلًا وعادوا يتسامرون في أحاديث مختلفة وقد تناست الشقيقتان أنهما منذ قليل كانتا تتشاجران.
هكذا هي العلاقة الأخوة، عراكات جمة تصنع ذكريات للمستقبل حيث سيضحكون ويضحكون عند تذكرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– بجد يا دكتور؟؟ دانا ضرسي واكل النوم من عيني من كتر الوجع!
قال تلك الكلمات رجل بسيط يجلس في أحد المقاهي الشعبية وعلى المقعد المواجه يجلس طبيبنا الطبيب “عثمان شريف القاضي” والذي أكد للرجل بعتاب: طب والله زعلت منك ياحج شعبان!
صحح الرجل بضيق: جمال يابني جمال، شعبان مين بس!
كرر عثمان جملته المعاتبة: طب والله زعلت منك ياحج جمال! داحنا عشرة ساعتين ونص وكوبايتين قهوة!!
واستأنف وهو يلتقط الكوب أمامه: وأنا راجل قَد كلمتي، هكشفلَك أنت والعيلة كلها بخصم خمسين في المية، بس نرجع بس لموضوعنا.
اومأ الحج جمال: ايوة الاستاذ توفيق وبناته، بسم الله ماشاء الله حاجة كدا نادرة في الزمن ده، مخلف بنات الواحدة منهم بعشر دكورة، تربية ايه وجمال إيه وتعليم إيه…
فقاطعه عثمان بسرعة وهو يخرج هاتفه: ورقمه إيه؟؟
أملاه الرجل الرقم فابتسم عثمان ونظر له بإمتنان وهو يقف: يسلم أصلك يا حج رجب، سلام عليكم أنا بقى..
وتركه وغادر بينما قطب الحج جمال جبينه بغضب: رجب مين يابني!!
اقترب رجل آخر من الحج جمال وجلس في مكان عثمان الذي تحرك لإحدى الطاولات: عايز إيه منك الواد ده يا حج جمال؟
– أنت تعرفه ولا ايه يا حج غنيم؟؟
– جه قالي إنه دكتور عظام وفضل يسأل عن الحج توفيق وعن بناته وبعدين سابني وجالك!
التفت جمال ينظر لعثمان بتعجب بينما عثمان صافح رجل كان يحتسي القهوة بأمان قبل أن يقتحم ذلك الشاب الغريب خلوته ليقول بعدم تصديق: ايه ده!! حج رمزي، وحشتني يا حج رمزي!
ترك الرجل الكوب من بين يديه ورفع حاجبيه بدهشة وهو يردد: رمزي!!
أنا كمال يابني رمزي مين؟!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بيت البنات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *