رواية هواها محرم الفصل الثلاثون 30 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم الفصل الثلاثون 30 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت الثلاثون
رواية هواها محرم الجزء الثلاثون
رواية هواها محرم الحلقة الثلاثون
تظن أنه يعاقبك ولكنه يعيدك إليه ، يعيدك من حيث يعلم جيدًا أنك ستعود حتمًا .
تظن أنه يكرهك ولكن من صميم ظنك ستجد محبته
يعلق قلبك وروحك بشيءٍ يعلم جيدًا أن غيابه سيؤلمك وأن الألم سيشفيك .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
جلست تنتظر رده على اتصالها ، تفرك أصابعها بتوترٍ ولكنها اتخذت القرار ، ستعود قوية وتسترد حقوقها من الحياة وهذا وعد ، لقد ذاقت من كأس المر حتى ارتوت والآن حان وقت الراحة .
أجاب متلهفًا لسماع صوتها بنبرة تحمل بين طياتها السعادة لاتصالها به :
– أميرة ؟ ، إيه المفاجأة الحلوة دي ؟ ، معقول إنتِ اللي بترني عليا ؟ ، أنا مش مصدق نفسي .
تنفست كي تستدعي ثباتها بعدما أخجلتها كلماته ثم تحدثت بتريث :
– أزيك يا يوسف ، عامل إيه ؟
– أنا زي الفل بعد ما سمعت صوتك .
لمَ كل هذا الخجل يا أميرة ولمَ يتعمد هذا الرجل الإطراء بكِ دومًا .
تحمحمت وتابعت مجددًا بثباتٍ زائف :
– أنا قلت أعرفك إني خلاص هرجع بكرة ، نارة ومحمد بيه كلموني وفيه مكان قريب من الشركة هقعد فيه فترة علشان أكون قريبة من الشغل وهو قال إن رجالته هيكونوا معايا ومأمنني كويس بسســــــــ .
أنصت لها قليلًا ثم تساءل بترقب وانشراح :
-بس إيه ؟
تحدثت بنبرة هادئة تخفي بين طياتها الاحتياج :
– لو ينفع تيجي ؟
ابتسم وتنفس براحة وطمأنينة وشعر بإحساس الثقة ينبعث من بين أحرفها لذا أجابها بكل تأكيد وبنبرة مبطنة بالدعم :
– أكيد طبعًا من غير ما تقولي هكون معاكي .
تنفست بعمق وراحة ثم تحدثت بالقليل من التوتر المصحوب بالخجل :
– تمام ، هجهز نفسي واستناك بكرة .
شعر بقلقها حيال العودة لذا أراد بث الكثير من الطمأنينة مع رشة ثقة وحبة أمان ورائحة الحب تفوح :
– أوعي تقلقي ، أنا مش هتخلى عنك أبدًا وكل اللي أذاكِ هيدفع التمن وإنتِ راجعة علشان تنجحي وتعرفيهم مين هي أميرة العدلي .
تفاقمت داخلها المشاعر الخاصة به وتحدثت بارتياح غلف قلقها :
– بإذن الله يا يوسف ، تصبح على خير .
كان يريد أن يستمر في التحدث معها ، لِم هي سريعة الإغلاق هكذا هو لا يريد سوى سماع صوتها تحكي وتسرد حتى لو ستسرد له قصص الألف ليلة وليلة .
تنفس بقوة وتحدث مجبرًا بحب :
– وانتِ من أهل الخير .
أغلق معها واتجه يتمدد على فراشه لينام بسعادة باتت تغلف حياته مؤخرًا بعد أن بات يعيش على أمل حبها وقربها .
❈-❈-❈
تجلس على فراشها تضع رأسها بين ساقيها وتلف ذراعيها حولهما وتبكي .
هذا ما تفعله منذ أن غادر ، باتت حزينة واهنة ومجهدة وحتى أن ملامحها باتت ذابلة بسبب عدم تناولها للطعام بشكلٍ جيد .
أدخلت نفسها في بالون حزنٍ وساعدها في ذلك تقلبات حملها الكثيرة بالإضافة إلى أحداث غزة .
والآن تشعر أنها تحاملت عليه ، تؤنب نفسها كلما أدركت حدتها معه ولكن اليوم زادت حدتها عن حدها وبرغم أنه يعلم حرمانية ما قام به وبرغم أنه يعلم جيدًا أنها ستحزن إلا أنه فعلها ومع ذلك هي حزينة على تصرفها معه .
رفعت رأسها ليظهر وجهها المتورم والقاتم من شدة البكاء وعينيها المنتفختين ثم بحثت بهما عن هاتفها لتجده بجوارها على الكومود لذا ثبتت أنظارها عليه وفكرت هل تهاتفه وتطلب عودته فهي بحاجته .
لا تستطيع المكوث بمفردها هنا ليلًا يكفيها غيابه نهارًا ، تشتاقه وتشتاق عناقه برغم مشاعرها المتخبطة إلا أن الأمان في بعده يرحل والخوف في غيابه يستوطن قلبها .
مدت يدها بعد تفكير دام لثوانٍ تلتقط الهاتف وبأصابع مرتعشة ضغطت على رقمه تطلبه ولكن تفاجأت بأن هاتفه مغلق لذا اعتصرت عينبها فسقطت دموعها المعلقة وهي تتكور على نفسها وتترك هاتفها وتنسدل للأسفل لتحاول النوم فمن المؤكد أنه سيهدأ ويعود وحينها ستتحدث معه بتريث وتعاود شرح حرمانية الوشوم له .
❈-❈-❈
ولكنه لن يعود بل سار بتخبطٍ و عاد إلى مكتبه بعدما غادر الجميع .
عاد ودلف يغلق الباب ويرتطم بقوة على الأريكة الجانبية بعدما خلع سترته وألقاها بعنف ثم تنفس صعودًا وهبوطًا دون هوادة ، يستعيد نظراتها وكلماتها وتوبيخها له كأنه طفلًا صغيرًا تعاقبه والدته .
ابتسم ساخرًا بألم وهو لا يتذكر حتى ملامح والدته ، لقد كان صغيرًا جدًا حينما ألقاها ميشيل بكل قسوة خارج القصر بل ويبدو أنه قتلها ، لم يتذكر سوى أنه ركض نحوها ولكنهم سحبوه بعنفٍ يوصدون الباب خلفها بقوة حطمت قلبه آنذاك .
منذ تلك اللحظة ولم يرها بل ظل يركض ويركض في دائرة حول القصر إلى أن وجد مخبأً وسكن فيه وحده يبكي بنحيب يدمي القلب ليذوق بعدها من القسوة أنهارًا برغم كم البذخ الذي كان يغرق فيه ، بحث عن عناقٍ ولم يجد .
دار بين زوايا القصر بحثًا عن يدٍ تربت على ظهره وتحثه على التقدم حتى لو كان تقدمًا في الشر مثلما رأى أولاد عمومه ولم يجد ، سافرت عيناه في الأرجاء عثورًا على نظرة حبٍ فلم يجد إلى أن أتت عمته مارلين وابنها للعيش معهم وبدأت تطالعه بالنظرة التي كان يبحث عنها .
أتى صقر ليختبئ في نفس المكان الذي اختبأ فيه ويبكي كما بكى ليصبح من بعدها رفيق دربه داخل القصر ويمتنعان سويًا عن البكاء بل تعاهدا ألا يبكيان مجددًا ولأنه كان ابن ميشيل فكانت لديه صلاحية الاقتراب من صقر .
مر شريط حياته من أمامه الآن ، مر وهو الذي سعى ليقطعه قطعًا ولكنه عاد إليه .
لم يجد في سنينه شيئًا يدعو للفخر ولا التباهي إلا بعد أن احتلت عرش قلبه فبات يتباهى بحبها ، بات يفتخر بالزواج منها ، بات يمشي في الأرض مرحًا بعدما حصل عليها ولما لا وهي ملاكه وهداه ، بات لا يريد سواها ، وبعد أن حملت في صغيره حاول التعبير عن فرحته فأسرع دون تفكير لوصم اسمه على وتينه .
كانت أكثرهن حنانًا عليه وأكثرهن مراعية لمشاعره وأكثرهن عطفًا عليه لذا حينما ظهرت تقلباتها لم ينزعج بل تقبلها بترحاب لكل ما يصدر عنها وهو على يقين بعودتها ولكن ما قالته الليلة كان قاسيًا على قلبه الذي تعلق بها ، أتخبره أنه لا يحبها ؟
نظر إلى مرمى بصره ليجد كومودًا يرتكز على يسار مكتبه فتلاعبت الشياطين في رأسه وهو يتذكر تلك الزجاجة الذي أهداها له عميلًا أجنبيًا حينما كانوا يعقدون صفقة واضطر لقبولها ، زجاجة نبيذ عتيق تعد فريدة من نوعها لذا احتفظ بها بعدما أغوته ولكنه لم يخلف بوعده لخديجة منذ أن أخذها بل تركها هنا وتناساها .
والآن يتلاعب بعقله صوتًا بعيدًا يحثه على تذوقها فهو في حالة غضبٍ مكبوتٍ وهي ستسحبه من تلك الحالة .
نهض بخطواتٍ مترددة حتى وصل إلى الكومود فانحنى يفتحه ثم مد يده يتمسك بالزجاجة ويخرجها .
اعتدل في وقفته ورفعها أمام عينيه يطالعها وبعينين ثاقبتين و كلماتها وصوتها يدوران حوله و يخبرانه ألا يفعل ، تخبره أنه وعدها وأن ما بداخل هذه الزجاجة لن يحل مشكلته بل سيؤزمها أكثر وأكثر ، تخبره أنها ستحزن منه .
أغمض عينيه كأنه يخبر الأصوات في رأسه أن تتوقف وبات مغيبًا ومغلفًا بالأفكار السلبية لذا عاد يبصر بملامح خائبة ثم انتشل كوبًا زجاجيًا من فوق طاولته ثم فتح الزجاجة بصعوبة ووضع في الكوب القليل منها ووضعها جانبًا ليرفع بعدها الكوب ويلوحه أمام عينيه ويفكر مجددًا في حديثها .
أخبرته أن هذه محرمة وأن شربها إثم وتأثيرها مضر والوثوق بها ذنب فليتوقف ولكن تغلب عناده وشيطانه ونفسه الضعيفة فجأة ليرفع الكأس في لمح البصر ويرتشف محتواه دفعة واحدةً وقد انكمشت تعبيرات وجهه حيث لم يتذوق المشروب منذ أشهر ولكن ما إن وضعه في فمه حتى عاد لوعيه وكأنه شخصًا آخر لذا أسرع نحو الحمام الملحق وتحرك نحو المرحاض يحاول استفراغ ما شربه ونجح في ذلك بالفعل .
لم يعد يستطع تذوقه ، يبدو أن لسانه ومعدته أصبحا يكرهانه لذا تحرك نحو حوض الغسيل وفتح المياه يغمر منها ويغسل وجهه تارة ويتمضمض تارةً أخرى حتى تنفس بقوة واعتدل يطالع هيأته في المرآة ويفكر ، يجب أن يهدأ ، لقد أخبرته مسبقًا أن الغضب لن يحل مشكلة بل يزيدها سوءًا لذا فليحاول أن يتروى خاصة إذا تعلق الأمر بشيءٍ يحزنها .
اندفع بعدها للخارج نحو الأريكة ثم رطم نفسه عليها وتمدد كليًا يجبر عيناه على الإغلاق فهو لم يعد يحتمل صراعه الداخلي وصراعه معها ، هذا كثيرًا على قلبه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا
استيقظ عمر واستعد للمقابلة وتعمد الخروج باكرًا أثناء نوم مايا حتى لا تتعلق به وتصمم على الذهاب معه .
لم ينم بشكلٍ جيد بسبب تفكيره في هذا اللقاء ، يحاول تجميع ما سيقوله حينما يراها ويحاول التفكير فيما ستقوله هي .
استقل السيارة وقاد إلى وجهته بعدما علم العنوان من صقر ، يقود بملامح خالية من أي تعبير ولكن لسان عقله لم يهدأ أبدًا منذ أن انطلق .
كيف شكلها ؟ ، وماذا ستفعل حينما تراه ، وكيف سيكون اللقاء ؟ .
كان قد وصل وتوقف بالسيارة جانبًا ينظر للبيت القديم بتعمق ويود لو عاد من حيث أتى وفقد ذاكرته وانمحى منها ما عرفه ولكن تبقى هناك حقيقة مؤكدة وأن من تمكث وراء هذه الجدران هي والدته .
ابتلع لعابه وتنفس بقوة وترجل يغلق الباب ويخطو بخطواتٍ حذرة نحو المنزل .
توقف أمامه وتضخم صدره بعدما حبس أنفاسه ورفع يده يطرق الباب طرقتان نزلتا على قلبها كأنها استشعرت وجوده حولها .
لقد كانت تستعد للذهاب للعمل في الوكالة ولا تعلم لما كل هذا الصخب داخل قلبها من مجرد طرقتين على الباب ، ربما كان أحد الجيران بالرغم من أنها لم تعتد زيارتهم صباحًا .
ربما كان عابر سبيل أو أي شخصٍ في هذا الكوكب وليس هو .
تحركت نحو الباب تفتحه لتتجمد ويغلفها الصقيع وهي تناظره ، ظاهرًا أمامها بوضوح ، لحمًا ودمًا وليس من وراء شاشة .
لا تعلم متى سبقتها الدموع وأسرعت ترحب به بدلًا عنها ولكنه ساكنًا فقط يطالعها وقد علم أنها هي ، نظراتها كفيلة لتخبره وتجيبه على عدة أسئلة .
فقدا النطق لثوانٍ مرت كسنوات حتى قطعته هي وتحدثت بنبرة هامسة خرجت مجبرة :
– عمر ، تعالى ؟
كانت تخشى عليه حتى من صوتها ، تحاول التعامل بحذر كأن هناك وحوشًا في غابة قلبها لا تريد ظهورهم ، أفسحت له المجال ليمر وهي خائفة من أي حركة تفعلها فيتبخر كأنه دخان ولكنه ظل على حاله يطالعها فقط لذا عادت تكرر بنبرة تحمل التوسل والحذر :
– تعالى .
كانت يداها تساعدها في استقطابه للداخل لذا وعى لنفسه وابتلع لعابه مجددًا ثم تحرك معها نحو الداخل لذا أسرعت قبله نحو الأريكة تنفضها بيديها وتهيؤها لاستقباله قائلة بسعادة ليس لها مثيلًا وهي تشير على المنطقة المنفضة :
– اتفضل .
تعجب عمر من حركاتها المبالغ فيها ولكنه التزم الصمت وجلس حيثما أشارت وشبك كفيه ينظر أرضًا يبحث عن الكلمات التي جمعها ليجدها تبعثرت من فوق لسانه ليظل ناظرًا أرضًا لذا انحنت كأنها تسهل عليه النظر لها وقالت بملامح واهنة ولكنها منفرجة من شدة سعادتها وبنبرة تحمل التوتر والتخبط من الموقف برمته :
– تشرب إيه ؟ ولا تحب تفطر !.
رفع نظره يحدق بها متعجبًا من هذا الود الغير مناسب بالنسبة له وتحدث بنبرة هادئة كان يريدها قاسية :
– أنا جيت علشان أشوف الست اللي رمتني زمان ، جيت أشوف الست اللي هي المفروض أمي ، ليه عملتي فيا كدة وليه دلوقتي بتحاولي تحسسيني إنك بتحبيني ؟
عادت الدموع تتسارع داخل مقلتيها وتحدثت بثقلٍ وقلبها يعتصر ألمًا وهي تشرح باستفاضة والكلمات تقفز سريعة من شدة توترها :
– بس أنا بحبك ، بحبك أد الدنيا كلها واللي عملته زمان ده كان غصب عني ، غلطة عمري اللي مش ندمانة عليها علشان إنت دلوقتي في المكان اللي تستحقه ومع الناس اللي تستحقهم .
يحدق بها ويحاول التعرف أكثر على شخصيتها دون أسئلة ، يحدق بملامحها التي تحمل جمالًا ذابلًا ولكنه لم يزُل برغم العجز الظاهر عليها ، تشبهه !
عادت تسترسل حديثها حينما وجدته صامتًا وتساءلت ببشاشة وودٍ لا تعلم مصدرهما :
– مراتك عاملة إيه ؟ ، كل شوية بشغل فرحك هنا واتفرج عليك وعليها ، خد بالك منها دي بتحبك أوي .
داخله يريد المغادرة والنفور منها ولكن شيئًا ما لا إراديًا يخبره بالبقاء وكأن عينيها تحمل قوة جذبٍ لذا تحدث متحيرًا :
– ليه كنتِ بترقبيني طول السنين دي وليه محاولتيش ولا مرة تظهري قدامي؟ .
هزت رأسها مرارًا وتكرارًا تخبره بصدقٍ :
– علشان أنا ماكنتش عايزاك تتعرف عليا يا عمر ، إنت أحسن مني ومنه وتستاهل حياة تانية غير حياتي اللي كلها هم وفقر وغُلب ، بس قلبي ماقدرش يبعد عنك .
شعر بالضيق يتوغله لذا زفر بقوة وتحدث بجدية أجفلتها :
– أنا مش جاي اسمع أي حاجة عن البني آدم ده ، أنا جيت اشوفك وبس .
برغم قسوة حديثه إلا أنها سعدت كثيرًا بكلمته الأخيرة وتحدثت بحبٍ وعيون لامعة :
– ده النهاردة يوم سعدي وهنايا يا عمر ، أنا كنت عايشة مستنية اللحظة دي يابني ، سامحني يابني ، سامحني .
ظل صامتًا حينما انهمرت دموعها لذا استرسلت تخبره بتخبطٍ وقد خرجت الكلمات منها دون ترتيب أو تريث :
– أنا روحت للست أم طه وطلبت منها تديك حقوقك ، الست دي طيبة وعندها ضمير
وما بتكلش حق حد .
قطب جبينه ولم يستوعب حديثها لذا كرر باستفهام :
– حقوقي ؟
توغلها الحماس وتابعت :
– أيوة حقوقك يا ضنايا ، إنتِ ليك حق كبير زيك زي أخوك وكمان البيت ده أنا كتباه ليك بعد ما أموت .
هاج جسده ونهض يطالعها بغضبٍ وتحدث يبصق الكلمات :
– حقوق إيه اللي روحتي تطالبي بيها ؟ ، أوعي تفكري إني ممكن أقبل مليم واحد سواء منك أو من أي حد ، يظهر أني غلطت لما جيت .
اندفع بعدها نحو الخارج ليجن جنونها وتسرع خلفه تردف بتوسل ودموع وندم :
– استنى يابني أنا ماقصدتش أزعلك حقك عليا .
لم ينتظر بل انطلق يستقل سيارته ويغلق الباب قبل أن تصل إليه ليجدها تتوسله ألا يغادر ولكنه حقـًا لم يعد يحتمل المكوث هنا ، يشعر بثقل يجتاحه ، لقد أتى ليراها ولكنه لم يحتمل ، يريد المغادرة بأسرع وقت لذا زفر بقوة وأسدل الزجاج يطالعها وهي تبكي وتقول بتوسل :
– خلاص حقك عليا هروح تاتي للست أم طه وأقولها تنسى كلامي ومش هعمل أي حاجة تزعلك تاني أبدًا بس ماتمشيش .
حدق بها ثم تحدث وهو يدير المحرك ويخفي عينيه عنها ناظرًا للأمام حتى يحجب تأثّره بها عنها :
– هجيلك تاني .
انطلق بعدها ووقفت تتبع أثره بخليطٍ من الدموع والسعادة وعدم التصديق ، هل أتاها عمر ؟
❈-❈-❈
تجلس على سجادتها تصلي وتبكي ، لم تنم بالرغم من محاولاتها كلها .
توقعت كل شيءٍ إلا أن ينام ليلةً خارج المنزل، حاولت مهاتفته مراتٍ أخرى دون جدوى .
ربما ما حدث شغل عقلها عن متابعة أحداث غزة قليلًا وباتت تفكر كيف نام وأين نام ولمَ لم يتفهم حدتها كما تفهمها من قبل ، لم يتخذ من الابتعاد سبيلًا لا تستطيع هي مواكبته فيه مهما أظهرت من قسوة ولكن الحقيقة هي لا تستطيع بدونه ليلة .
رفعت يدها تدعو ربها أن يرشده إلى طريقه ، تعلم أنها لن تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء له الهداية ويرغب في التوبة لذا تناجي ربها من صميم قلبها أن يحدث أمرًا يجعله هو من يشاء ويرغب من قلبه الهداية ، تحبه ومهما أظهرت من حدة ونفور ولكنها تحبه للدرجة التي جعلتها تجافي النوم في بعده ، تحبه للدرجة التي تجعلها تهمل نفسها لحزنه ، لقد أظهر طوال الأشهر الماضية أنه يستحق حبها ولكن مجيئه بالوشم هكذا فجأة شرخ جدار الثقة بينهما لذا لم تحتمل ما فعله .
انتهت ونهضت تخلع إسدالها ثم فكرت أن تتحرك نحو المطبخ لتطهو وجبةً يفضلها ربما عاد جائعًا .
ولكن قبل أن تغادر غرفتها حملت هاتفها وقررت الاتصال على نارة برغم الخجل الذي يعتليها ولكن ليس أمامها سبيلًا فهي تريد أن تطمئن عليه فقط .
أجابتها نارة التي كانت ترضع الصغيرة على فراشها ويجاورها صقر يقبلها تارة ويقبل الصغيرة تارةً أخرى ، حيث أجابت الأولى بنبرة هادئة لينة :
– السلام عليكم ، صباح الخير يا خديجة .
تنهدت خديجة تجيبها بنبرة حزينة مرهقة يغلفها الهدوء:
– وعليكم السلام ، الحمد لله كويسة ، إنتِ عاملة إيه وأخبار نيللي إيه ؟
نظرت نارة لابنتها وانحنت تقبل جبينها ثم أجابتها وهي تحاول الابتعاد بوجهها عن شفتي صقر الذي أصبح عابثًا :
– بخير يا حبيبتي الحمد لله ، إنت كويسة ؟
تحمحمت خديجة بحرج وقررت سؤالها حتى تغلق سريعًا :
– هو ممكن تسألي صقر على خالد ؟ ، بحاول أوصله بس موبايله مقفول .
نظرت نارة نحو صقر وأبعدت الهاتف تسأله بصوتٍ هامس فأومأ لها يخبرها بنبرة مماثلة أنه في الشركة وهذا ما علمه أمس من رجل الأمن .
أخبرتها نارة بذلك قائلة بنبرة متوترة بعدما علمت أن بينهما خطبٍ ما :
– أيوة يا خديجة صقر بيقول إن الأمن بلغه إن خالد رجع الشركة بليل ، تحبي تتكلمي ؟
اختنقت في دموعها وتحشرجها وأسرعت تقول قبل أن يُكتشف أمرها :
– تسلمي يا نارة شكرًا ، عن إذنك .
أغلقت معها وحاولت ألا تبكي ولكنها بالفعل عادت للبكاء والتنهيد بقوة شاعرة أن أنفاسها ثقيلة جدًا وها هي تعاود الوصول إليه ومجددًا يعطيها بأنه مغلق لذا تنفست بقوة تحاول أن تهدأ ، تتعجب من نفسها فهي مؤخرًا أصبحت كثيرة البكاء والكآبة وهي لا تفضل هذه الحالة .
❈-❈-❈
في طريقهما إلى المدينة .
تجاوره ويقود بسعادة استحوذت على أفكاره بل وأصبح ينسج خيوط المستقبل معها .
خلفهما سيارة الحراسة تؤمنهما كما طلب صقر بينما هي لا يشغلها سوى القلق حيال المواجهة مع أهلها وخاصة شقيقها ياسين .
تطمئن برفقة يوسف ولكنها تخشى العواقب أو إصابة إحداهما بمكروه ، أخرجها يوسف من شرودها بسؤاله المترقب قائلًا :
– تحبي نروح أي مكان نتغدا فيه ؟
هزت رأسها بلا موضحةً :
– بلاش يا يوسف ، الأفضل أروح على الشقة أسيب الحاجة هناك وبعدين أطلع على الشركة علطول .
التفت يحدق بها قليلًا ثم عاد ينظر أمامه ويفكر في المفاجأة التي أعدها لها مسبقًا بالاتفاق مع صقر وشقيقته حنان .
دقائق ووصلا إلى وجهتهما فصف يوسف السيارة وترجل وكذلك هي تنظر نحو البناية المرتفعة ثم تنفست تعزز رئتيها بينما اتجه يوسف يفتح الباب الخلفي ويسحب حقيبتها منه ثم تحرك مجددًا نحوها وتحدث يحثها على التحرك :
– يالا تعالي .
توترت من صعوده معها ولكن من المؤكد سيوصلها بالحقيبة ، التفتت تنظر نحو الحرس الذين ترجلوا وتوزعوا حول المكان كأنهم يعلمون جيدًا ما عليهم فعله لذا تنفست مجددًا وتحركت مع يوسف .
وصلا أمام الشقة بعد دقيقتين وأخرج يوسف المفتاح من جيبه ثم ابتسم لها ومد يده يفتح الباب قائلًا بابتسامة عاشقة :
– اتفضلي .
دلفت وتبعها هو فالتفتت تطالعه بتوتر قائلة وهي تمد يدها لتأخذ منه الحقيبة :
– متشكرة جدًا يا يوسف بس لو سمحت تمشي .
– حمدالله على السلامة يا ميـــــــــــــــرو .
انتفضت حينما سمعت هذا الصوت يأتي من خلفها لتلتفت وتتفاجأ بحنان تقف في وسط الصالة تطالعها بابتسامة عريضة ثم أسرعت تركض نحوها وتعانقها دون مقدمات ، ذهلت أميرة ولكن سرعان ما بادلتها العناق بسعادة وتساءلت مستفهمة بتعجب بعدما ابتعدت وهي توزع نظراتها بينها وبين يوسف :
– حنان ! ، بتعملي إيه هنا ؟
نظرت حنان نحو يوسف وتحدثت بودٍ :
– يوسف اللي جابني هنا وقالي أطبخ لحد ما تيجوا ، ماوحشكيش أكلي ولا إيه ؟
قالتها حنان بمرحٍ ليتحدث يوسف مشاكسًا بنبرة خبيثة :
– أكيد ماوحشهاش بس مضطرين ناكلوا علشان جعانين .
لكزته حنان وأسرعت تلتصق بأميرة وتتأكد منها وهي تحركها نحو الأريكة قائلة بمرحٍ معتاد :
– طب بالذمة يا ميرو أنا أكلي وحش ؟
بدأت أميرة تندمج معهما سريعًا وتحدثت بالقليل من الراحة :
– لا طبعًا أكلك وحشني جدًا يا حنان وأنتِ وحشتيني جدًا .
– كبسة .
نطقتها حنان وهي تناظر شقيقها من خلف ظهرها بتشفي وجلستا على الأريكة لتتنهد أميرة وتطالعهما وتتحدث وهي على وشك البكاء :
– بجد شكرًا على كل اللي عملتوه ده .
أسرع يوسف يخلع جاكيته ويلقيه على الأريكة وأردف ليخفف من وطأة الضغط عليها قائلًا وهو يتجه نحو المطبخ المفتوح على الصالة :
– لا إنتوا هتقعدوا ولا إيه يالا قدامي على المطبخ أنا ما أكلتش من إمبارح وجعان .
ابتسمت أميرة لحنان ونهضتا تتبعانه ووقفتا في المطبخ تستعدان لمساعدته في إعداد الأطعمة التي أحضرها مسبقًا وتعمدت حنان الذهاب إلى الحمام كي تتركهما بمفردهما يجاوران بعضهما ويحضران الطعام هو في قمة سعادته وهي في قمة توترها مما يحدث والخوف من القادم ولكنها تحاول الاستمتاع خاصةً وأنها تعلم أن يوسف يجيد الطهي وتحضير الطعام وقد اشتاقت لرؤيته وهو يطهو ، اشتاقت سرًا لكل أفعاله وليت قارب الزمان يعيدها إلى تلك الأيام ولكن في النهاية تذكرت حديث المعالجة لها وأن ما يحدث معنا من ذكريات سيئة هي دروس قيمة تعلمنا كيف نتعامل مع الحياة جيدًا .
❈-❈-❈
بدأت الشمس تغفو عن هذا اليوم وخديجة تجلس تنتظر عودته وما أصعب الانتظار وأمرّه خاصةً إن كان انتظار الحبيب .
جهزت كل ما يحبه ويفضله من أطعمة وانتظرته وهاتفته ولكن كالعادة لم يأتِ ولم يفتح هاتفه .
لم تعد تحتمل حتى أنها لم تخبر والدتها التي هاتفتها منذ قليل تطمئن عليها بل قررت ألا تفصح لأحدٍ عما بها إلا بعد أن تتحدث معه لتقرر أخيرًا الذهاب له في الشركة .
نهضت تصعد لجناحها لتبدل ثيابها بأخرى مناسبة وتذهب لتراه ويعودان سويًا إلى هنا فمن المستحيل أن تتحمل النوم هذه الليلة أيضًا بدونه ومن المؤكد أنه مثلها ولكنها ستجبره على إزالة ذلك الوشم أولًا .
بعد قليل تجهزت وتحركت خارج الفيلا تستقل سيارتها وتغادر بحذرٍ متجهة نحو الشركة .
❈-❈-❈
لم يعُد عمر إلى الفيلا بعد رؤيته لوالدته لعلمه جيدًا أن مايا لن تتركه وستظل فوق رأسه وهو يريد الاختلاء بنفسه قليلًا لذا قرر الذهاب إلى الصالة الرياضية التي عاد يعمل بها بعد زواجه .
هاتفته فأخبرها أنه سيخبرها بكل ما حدث عند عودته لذا انتظرته على قدمٍ وساق وفضولها يتآكلها لمعرفة ما حدث .
وها هو ينتهي من عمله ويعود إليها لتستقبله بحماسٍ كعادتها وتعانقه ولهذا بات يعشق عودته إلى المنزل .
لم تخجل يومًا من التعبير عن حبها له لا أمام والدتها ولا حتى الحراس بل تسرع إليه كطفلة عاد والدها الحنون من عمله .
ابتعدت تعانق بيدها يده وتسحبه خلفها حتى جلسا على الأريكة التي تحتل منتصف البهو وتساءلت وهي تتمسك بكفه :
– يالا احكيلي إيه اللي حصل ؟
حدق بها ثم ابتسم وتحدث بنبرة ماكرة تحمل الفرار بين طياتها :
– مايا أنا جاي جعــــــــان ، خلينا ناكل الأول ولما نطلع فوق هحكيلك كل حاجة .
تملكها الضيق وانتفضت معترضة بتذمر :
– لاء يا عمر احكيلي بسرعة وبعدين ناكل أنا مستنياك من بدري علشان أعرف عملت إيه هناك .
رفع كفه يحاوط وجنتها ثم تحدث بلطفٍ ودهاء بعدما بات يعرف ثغراتها :
– حبيبي ماينفعش نتكلم هنا براحتنا ، لما نطلع أوضتنا هحكيلك ، يالا بقى أنا جعان .
زفرت ثم طالعته بعيون حانقة ليغمزها ويبتسم لذا تنهدت ووقفت تردف بقبولٍ على مضض:
– تمام ، هروح اجهز الأكل وانت نادي على ماما من أوضتها ، بس بعدها هنطلع علطول .
قالتها وهي تحذره بسبابتها ليومئ بطاعة لذا تحركت تحضر الطعام طواعية وتركته يزفر وينهض ليغسل يديه ثم ينادي السيدة آسيا التي كانت تتحدث مع نارة وتخبرها أنها ستذهب إليها بعد قليل لأنها اشتاقت للصغيرة كثيرًا فهي لم ترَها منذ أمس .
❈-❈-❈
وصلت إلى الشركة وصفت سيارتها وترجلت تخطو نحو الداخل لتراه .
خطواتها متمهلة وتفكر كيف سيستقبلها وهي التي تأتي هنا للمرة الأولى لذا فالبعض لا يعرفها إلا بعدما تفصح عن هويتها .
صعدت إلى مكتبه لتجد مديرته تجلس خلف مكتبها لذا ابتسمت لها بهدوء قائلة بترقب وتوتر وملامح مجهدة باكية وواضحة للعيان :
– مساء الخير ، ممكن أقابل خالد ؟
تساءلت مديرة المكتب بتعجب وشكٍ من هيأتها :
– مين حضرتك ؟
– أنا المدام .
انشرحت ملامح السيدة ونهضت ترحب بها قائلة وهي تشير :
– أهلًا وسهلًا يا خديجة هانم اتفضلي ، خالد بيه في اجتماع مهم وهيخلص كمان ربع ساعة .
أومأت لها خديجة بهدوء وتحدثت :
– تمام أنا هدخل أستناه جوة بس ياريت ماتبلغيهوش إني جيت لإنها مفاجأة .
ابتسمت السيدة برقي وأومأت وتحركت تفتح الباب لخديجة التي دلفت المكتب تطالعه بتفحص بعدما أغلقت الباب واتجهت تجلس على المقعد الجانبي للمكتب .
تنفست بعمق وهي تفكر كيف سيقابلها وهل سيفرح أم لا ، كيف لا من المؤكد سيفرح كثيرًا وتكاد أن تجزم أنها ترى بعين عقلها الآن كيف ستكون ملامحه حينما يراها وهذا نابع من ثقة حبها .
حاسوبه يرتكز على يسار المكتب وأغراضه ومقعده وكل متعلقاته هنا .
رغبة هاجمتها في لمس ورؤية أغراضه فقد اشتاقت له كثيرًا منذ أمس لذا نهضت وتحركت خلف المكتب تجلس على مقعده وتتلمس أغراضه بحبٍ كانت سطوته على قلبها قوية ودومًا جعلتها تغفر له وتثق بأنه سيتغير للأفضل ، تثق بأنه يحاول .
باتت فضولية على غير عادة وامتدت يديها تتفحص محتوياته كأن قلبها دليلها لتتفاجأ برفٍ أسفل المكتب ترتكز فوقه ….. زجاجة مشروب ! .
تهاوى قلبها وتجمدت للحظات قبل أن تمد يدها لتتفحصها وتجدها بالفعل تم فتحها ، تعالت أنفاسها بصخبٍ وهي تحاول كتم الصوت الذي صدح بداخلها يخبرها أنه أخلف وعده لتهاجمه مرددة أنه لا يمكن أن يكون تذوقها ، ربما شخصًا آخرًا وليس هو ، أصيبت بالبلاهة والتخبط وهي تتفحص الزجاجة ثم أسرعت تتركها مكانها بتقزز من لمسها ونظراتها جاحظة لثوانٍ بصدمة جعلتها تشعر بالاختناق .
جلست تضع رأسها بين كفيها على المكتب وتفكر بغير هدى ، لا لا لا هو لم يخدعها ، هو صادقٌ في وعده لن تجعل هذه الزجاجة تخرب بينهما ستنتظره حتى يعود وتسأله ، ولكن أي سؤال وهي هنا ترتكز على رف مكتبه ؟ ، كيف ستكذب عينيها وتصدقه ؟ .
ليصدح فجأة حاسوبه النقال بصوت رسالة ردًا على رسالته التي أرسلها قبل أن يذهب إلى الاجتماع ، لقد أرسل لبنك سويسرا أن يحول له بعض النقود على حسابه في البنك المصري وجاء الرد بنجاح تحويل المبلغ المطلوب بالإضافة إلى تقرير بالمبالغ المتبقية ، أراد ذلك المبلغ ليشترى منزلًا يهديه لصغيره حينما يأتي .
رسالة مشفرة ولكن رمز البنك السويسري جعلها تمد يدها وقد انحبست أنفاسها كليًا فباتت تتنفس من ثقب إبرة وهي تحاول فتح شفرة رسائله والتي توقعتها في المرة الثالثة بعدما كتبت ذكرى ميلادها وكتبت ذكرى زواجهما والاثنين كانتا خطأ فقد كان تاريخ أول لقاء بينهما والذي لم تنسه أبدًا .
فتحت محتوى الرسالة وقرأتها بحسرة ، أموالًا طائلة يحتفظ بها بعيدًا في بنك سويسري حتى لا تعلم ، إنها أموال عائلة موراكو التي جاءت من القتل وسفك الدماء ، تعيش مع ذئبٍ بشري ظنته حملًا وديعًا ووثقت به كل الثقة .
لم تشعر بأطرافها بل لم تعد تشعر بأي شيء ، وكأنها شلت بالكامل ، تعيد قراءة الرسالة مرارًا وتكرارًا وتبحث عن إيجاد ثغرة تصدقه بها ولكن باءت محاولاتها بالفشل ولم تجد سوى ما يدينه فقط ، خدعها وخذلها وكذب عليها من البداية .
ولكن لتجد مهربًا قبل أن يأتي ، لتنطلق بأقصى سرعة إلى اللا عودة فهو لن يتركها تذهب إذا رآها وهي ستكره نفسها إن ظلت هنا ثانية .
نهضت بصعوبة ولم تعد تبكِ أو تنهار بل تخلت عنها كل المشاعر لتغلق كل ما رأته وتتحرك خارج المكتب وتمر كأنها لم ترَ ولم تسمع إحداهن تنادي عليها بل وكأنها منومة مغناطيسيًا .
❈-❈-❈
منذ أن بدأ يقرأ القرآن الكريم بتدبر وهو لم يتوقف ، يقرأ تارة ويبحث عن معاني الآيات التي تستوقفه تارةً أخرى ، هذه المرة يبحث ليفهم وليس ليهاجم ، يريد أن يعرف الحقيقة التي تجعل من هؤلاء المظلومين راضيين وصابرين ومرابطين .
لم ينم إلا قليلًا حتى أنهى قرآته والآن هو عاجزًا عن استيعاب ما يراه وما عمله ، يبحث ويدقق في آيات الإعجاز العلمي والإعجاز الهندسي والرقمي والتي كانوا يستعملونها في الشبهات من قبل ضد الإسلام .
كمثال في الآية الكريمة
– قال الله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاْءِ وَهِيَ دُخَاْنٌ) فصلت : 11
أُلقِيَت هذه الآيات في المؤتمر العلمي للإعجاز القرآني الذي عقد في القاهرة وحينما سمع البروفيسور الياباني (يوشيدي كوزاي) تلك الآية نهض مندهشًا وقال لم يصل العلم والعلماء إلى هذه الحقيقة المذهلة إلا منذ عهد قريب بعد أن التَقَطِت كاميرات الأقمار الاصطناعية القوية صورًا وأفلامًا حية تظهر نجمًا وهو يتكون من كتلة كبيرة من الدخان الكثيف القاتم.
ثم أردف قائلًا إن معلوماتنا السابقة قبل هذه الأفلام والصور الحية كانت مبنية على نظريات خاطئة وقال بهذا نكون قد أضفنا إلى معجزات القرآن معجزة جديدة مذهلة أكدت أن الذي أخبر عنها هو الله الذي خلق الكون قبل مليارات السنين .
وأيضًا
قال الله (وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً كَأَنَّمَاْ يَصَّعَّدُ فِيْ السَّمَاْءِ) الأنعام : 125
و الآن عندما تركب طائرة وتطير بك وتصعد في السماء بماذا تشعر؟ ألا تشعر بضيق في الصدر؟ فبرأيك من الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك قبل 1400 سنة؟ هل كان يملك مركبة فضائية خاصة به استطاع من خلالها أن يعرف هذه الظاهرة الفيزيائية؟ أم أنه وحي من الله تعالى ، وهذا تحديدًا ما كان يشعر به دومًا ، لقد جرب هذا الشعور بنفسه حقًا لذا هو الآن يبكي بكاءً يعجز عن مواساته بشرًا وكلما تعمق أكثر بكى بحرقة وندمٍ أكثر ولكن هذه الدموع عند الله فرحة ، لقد عاد طه .
أكمل بحثه حيث وجد أيضًا في آيات الإعجاز العلمي الكثير والكثير من ضمنها
قال الله: (وَالْجِبَاْلَ أَوْتَاْدَاً) النبأ : 7
و قال الله: (وَأَلْقى فِيْ الأَرْضِ رَوَاْسِيَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ) لقمان : 10
بما أن قشرة الأرض وما عليها من جبال وهضاب وصحاري تقوم فوق الأعماق السائلة والرخوة المتحركة المعروفة باسم (طبقة السيما) فإن القشرة الأرضية وما عليها ستميد وتتحرك باستمرار وسينجم عن حركتها تشققات وزلازل هائلة تدمر كل شيء .. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث.. فما السبب ؟
لقد تبين منذ عهد قريب أن ثلثي أي جبل مغروس في أعماق الأرض وفي (طبقة السيما) وثلثه فقط بارز فوق سطح الأرض لذا فقد شبه الله تعالى الجبال بالأوتاد التي تمسك الخيمة بالأرض كما في الآية السابقة، وقد أُلقِيَت هذه الآيات في مؤتمر الشباب الإسلامي الذي عقد في الرياض عام 1979 وقد ذهل البروفيسور الأمريكي (بالمر) والعالم الجيولوجي الياباني (سياردو)، وقالا ليس من المعقول بشكل من الأشكال أن يكون هذا كلام بشر وخاصة أنه قيل قبل 1400 سنة لأننا لم نتوصل إلى هذه الحقائق العلمية إلا بعد دراسات مستفيضة مستعينين بتكنولوجيا القرن العشرين التي لم تكن موجودة في عصر ساد فيه الجهل والتخلف كافة أنحاء الأرض) كما حضر النقاش العالم (فرانك بريس) مستشار الرئيس الأمريكي (كارتر) والمتخصص في علوم الجيولوجيا والبحار وقال مندهشًا لا يمكن لمحمد أن يلم بهذه المعلومات ولا بد أن الذي لقنه إياها هو خالق هذا الكون، العليم بأسراره وقوانينه وتصميماته) .
وأيضًا
قال الله تعالى (وَ أَرْسَلْنَاْ الرِّيَاْحَ لَوَاْقِحَ) سورة الحجر : 22
وهذا ما أثبته العلم الحديث إذ أن من فوائد الرياح أنها تحمل حبات الطلع لتلقيح الأزهار التي ستصبح فيما بعد ثمارًا ، فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بأن الرياح تقوم بتلقيح الأزهار؟ أليس هذا من الأدلة التي تؤكد أن هذا القرآن كلام الله ؟؟؟
وأيضًا
يقول : “خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ / الطارق: 6 – وهذه الآية تحديدًا أقاموا عليها شبهاتٍ كثيرة واتهموا القرآن بالعبث والآن وجد الإجابة السليمة
هذه الآية الكريمة عباره عن إعجاز علمي كشفه العلم الحديث بعد أكثر من 1400 عام من نزول كلام الحق.
بدايةً : الرابط الأول الذي وضعه صاحب الشبهة ينسف افتراءه وكذبه لأن الرابط يوضح أنّ المقصود ب( الماء الدافق ) هو المني المقذوف والآية الكريمة تقول أن الماء الدافق يخرج (من بين ) وليس ( من ) الصلب والترائب ! وفِي ذلك فرقًا كبيرًا جداً ، فالآية لا تعني أن المني المقذوف يخرج من عظام الظهر ( صلب ) وعظام الصدر ( ترائب ) .
وإنما تعني أن عظام الظهر والصدر لها علاقة وتأثير على المني المقذوف وقت الجماع وهو ما ذكره المفسرون وأكده العلم الحديث .
فقد تبين أن العظم يؤثر على إنتاج المني في الخصيتين عن طريق إفراز هورمون الأوستوكالسين
والذي بدوره يؤثر على إنتاج الهورمون الذكري “توستسترون ” اللازم لإنتاج المني في الخصيتين
إضافةً إلى ذلك ، فقد أسفرت الأبحاث عن الكشف عن علاقة عظام الظهر ( الصلب ) وأضلاع الصدر ( الترائب ) بقذف المني أثناء الجماع الجنسي ، ذلك لأنه توجد في الحبل الشوكي الموجود داخل فقرات الظهر ( الصلب ) بؤر عصبية مهمتها ضبط وتسيير عملية قذف المني أثناء ممارسة الجنس ، وهي مسؤولة عن ضبط المعلومات الحسية والحركية القادمة من الدماغ ومن أعصاب منطقة الحوض وإحداث عملية قذف المني عن طريق تحفيز ” العصب الخثلي ”
وهو عصب ينزل من الفقرة الصدرية العاشرة إلى الفقرة القطنية الثانية وهناك يتفرع ويتخذ طريقه حتى الخصيتين
وللتلخيص : العظم يؤثر على إنتاج المني وكذلك داخل فقرات الظهر ( الصلب )تتواجد مراكز عصبية تتحكم وتضبط عملية قذف المني بالاشتراك مع عصب مصدره من أضلاع الصدر ( الترائب ) .
أغلق بحثه فلم يعد عقله قادرًا على تحمل ما قرأه وليس هذا فقط بل هناك الكثير والكثير من الإعجاز في صحف القرآن ، سيجن بل بات يعض شفتيه بندمٍ وبكاءٍ حاد ، لا يعلم كيف سيغفر له ربه ما فعله ، لقد كفر عنادًا بكل هذه المعجزات ولأجل ماذا ؟
هل استحقت معاناته الكفر ؟ ، لقد وجد نفسه ضئيلًا جدًا بجانب معاناة أهل العزة ليوقن أنه مخطئ مضل ومذنب .
كيف يتطهر من هذا الذنب العظيم ، كيف يتوب إلى ربه ويطلب سماحه ورحمته وهو الآن في قمم خجله وقهره على ما فعله بنفسه وبعدة شباب ، ويا حسرتــــــــاه .
الآن فقط لم يعد يبالِ بتلك الجماعات أبدًا حتى ولو قتلوه يكفيه أن يتقبله الله مجددًا ويغفر له ولكن كيف يتوب وكيف يحاول إصلاح أخطائه .
❈-❈-❈
يقود ويحاول الوصول إليها بعدما أعاد تشغيل هاتفه ، لقد أخبرته مديرة مكتبه أنها أتت لزيارته ولكنها غادرت قبل أن تراه .
تعجب ولكن انشرح فؤاده من علمه بمجيئها فقد أتت خديجة لتراضيه وهذا بالنسبة له كافٍ جدًا ولكن لمَ غادرت قبل أن تراه ، كاد أن يحتد على السيدة لأنها لم تخبره بمجيئها فورًا ولكنه تذكر أمر زجاجة المشروب لذا أسرع داخل مكتبه ليراها وما إن رآها في المكان الذي تركها به حتى زفر براحة ولكن عاد الشك ينهش قلبه ، هل يمكن أن تكون قد رأتها ؟ والآن تمنى لو كان قد وضع كاميرات مراقبة في مكتبه ليرى ماذا حدث معها .
اندفع للخارج ومنه للأسفل ليلحق بها وهو يحاول الاتصال عليها ولكنها الآن هي التي لا تجيبه .
❈-❈-❈
ما إن دلفا غرفتهما وأغلقا بابها حتى نطقت بنبرة متلهفة متفاجئة :
– يالا بقى يا عمر احكيلي شوفتها ؟ ، شكلها إيه وقالتلك إيه ؟ ، فرحت صح ؟
مد يده يسحب رأسها ويعانقها بقوة حنونة وهو يعض شفتيه منها قائلًا بغيظ :
– الصبر يا آخرة صبري ، الصبر .
قهقهت من حركته التي يفعلها معها دومًا وحاولت القيام بحركات دفاعية ولكنها ظهرت بهلوانية وهي تقول بنزق :
– استنى بقى عليا علشان إنت بتستقوى عليا بعضلاتك دي .
كانت تلكمه بقبضاتها وهو يضحك كأنها تدغدغه مما أثار حنقها لذا جمعت قوتها في قبضة ولكمته في فكه ليتألم ويجحظ ناظرًا لها بصدمة وهو يتحسس بيده فكه ووقفت تطالعه بذعر وندم بعدما أدركت أنها آلمته ليقول بنظراتٍ متوعدة :
– بتضربيني ؟ ، إنتِ قد الحركة دي ؟
اتجهت إليه تناظره بندم ورفعت يدها تتحسس فكه قائلة بحنان وهي تعود لطبيعتها :
– حقك عليا يا عمر ماقصدش أوجعك .
وجدته ساكنًا يحرك عضلات فكه ليزول الألم فانكمشت ملامحها وتابعت بترقب :
– بص خد حقك واضربني في نفس المكان بس براحة .
نطقتها وهي تقف أمامه تستعد لضربته ليزفر وتتجه يده لظهرها يربت عليها ويتحدث معها كأنها طفلة :
– خلاص بقى يا مايا حصل خير يالا أنا هدخل آخد شاور .
تحرك خطوة لتوقفه وتسرع تقابله مجددًا وتنظر في عينيه قائلة بتصميم :
– لا أبدًا لازم تاخد حقك مني .
– بلااااااش .
نطقها محذرًا بعيون ضيقة ولكنها صممت بنظراتها فتنفس بقوة ثم كور قبضته وبخفة متناهية تمامًا لكم فكها ليذعر من صرختها وهي تتمسك بفكها وتنحني باكية كأنه مثلًا كسر عظامها .
وقف يطالعها بصدمة وينظر نحو يده ليتأكد من قوة ضربته الذي هو بالأساس متأكدًا منها لذا عاد إليها يردف باستنكار :
– نصابة رسمي .
تحرك نحو الحمام وتركها فدبت الأرض بقدميها بغيظ لقد ظنت أنه سيصالحها خاصة بعدما أتقنت تمثيل الألم ولكنه لم يبالِ بها .
تحركت خلفه نحو الحمام لتجده تخلص من معظم ملابسه لذا تلقائيًا تصبغت ملامحها بالحمرة فهي إلى الآن تخجل منه ومن عضلاته ووسامته العالية ولكنها ادعت الثبات قائلة بنزق :
– على فكرة وجعتني بجد .
التفت يطالعها بخبث ثم تقدم منها حتى التصق بها وقال وهو يرفع يديه ويحاوط خصرها :
– أصالحك ؟
نطقها بنبرة هامسة دلت على استيقاظ مشاعره لتقول ببعض التوتر الذي ظهر فجأة في نبرتها :
– يعني بردو مش هتحكيلي اللي حصل ؟
– هنا ؟
نطقها بدهشة متعمدة لتومئ له ولكنه قال ويده ترتفع لتخلصها من ثوبها بلمساتٍ كانت كفيلة لتدخلها في دوامة العشق :
– هصالحك الأول .
جردها من فستانها الصيفي وانحنى يقبلها قبلة رومانسية أنستها كل الكلمات وسبحت في نهرٍ من المتعة وهو بات يتفنن في ذلك ليفصل قبلته ويتجه نحو فكها هذا الممثل العظيم ويقبله بروية كي يراضيه ويديه تسافر في رحلة لا يفضل الذهاب لغيرها أبدًا ومن بعدها لم يعد أيًا منهما يشعران بشيءٍ سوى نفسيهما فقط .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
لا تعلم كيف عادت للفيلا فقد كانت طوال الطريق تعيش داخل كهف صدمتها في من أحبته وآمنته على نفسها ، حاولت ألا تبكي ولكنها لم تستطع ألا تختنق ، لم تستطع حل وثاق قيود الخيبة والخذلان من حولها فباتت مقيدة بقسوة من قبل الوحيد الذي وثقت به وتعلق قلبها به .
وجمعت أغراضها وقررت الرحيل
لن تبقى بعدما فعله ، لقد حذرته مسبقًا حينما يخذلها سترحل ولن تعود
وها هي تقرر الرحيل بصغيرها الذي يسكن أحشائها خوفًا عليه من هذا الأب الذي لن يتغير أبدًا ولن يتوقف عن عبثه وفوضويته وخداعه .
تخطو وتجر خلفها حقائب الخيبة والقهر والاستسلام ، كانت مخطئة بل أخطأت خطأً فادحًا في حق نفسها وحق أهلها وحق طفلها وأولًا وأخيرًا في حق دينها الذي تفتخر به
تسبقها دموع الندم والقهر وتتبعثر مع حركتها وهي تتجه نحو سيارتها لتغادر قبل أن يأتي فلن تتراجع عن قرارها مهما كان .
ستبتعد بالقدر الذي يجعل بينهما سدًا لن يستطيع تجاوزه أبدًا ، لقد هدم جدار الثقة بينهما وانقلبت حياتهما رأسًا على عقب .
وضعت حقيبتها في السيارة بصعوبة وتحركت للجهة الأخرى تستقلها ثم أغلقت الباب وقبضت على الطارة بقوة تنظر للأمام ثم انهارت وتعززت دموعها بشكلٍ أغرق ملامحها والآه في صدرها مكتومة تزيد من علو ضغطها وكتم أنفاسها .
حاولت التقاط أنفاسها كي تغادر قبل أن يأتي وبالفعل أدارت المحرك وتحركت تغادر تحت أنظار الحرس الذين رؤوها ولم يعترضوا فلا يحق لهم .
تحركت تسير بسيارتها في الطرقات بغير هدى برغم أنها تقصد منزل والدها ولكنها حقًا مشتتة كأنها ضلت الطريق ، ضلت كل شيء ، لقد خدعها ، أوهمها أنه تنازل عن نقود عائلته ولكنه كاذب .
أوقاتها معه كذب ، حبه لها كذب ، تغييره للأفضل أكبر كذبة كادت أن تصدقها .
زادت دموعها وهي تدوس وتقود بتخبطٍ واضح لا تصدق ما رأته في مكتبه منذ قليل لتطرق الخيبات رأسها دون رحمة .
❈-❈-❈
كان يقف في شرفة الشقة يتحدث مع والدته التي توبخه محذرة :
– لاء يا يوسف مش هيحصل ، أختك تجيبها وإنت راجع وكفاية أوي إني سمحتلها تيجي معاك .
تنفس بقوة يستجمع صبره ثم حاول مجددًا أن يستعطفها لأجل أميرة قائلًا :
– يا ماما ماتقلقيش أميرة لوحدها تمامًا والشقة أمان جدًا والحرس تحت مأمنين المكان ومافيش خوف ، بس خليها تنام معاها النهاردة ويونسوا بعض ، إنتِ قلقانة من إيه بس ؟
اغتاظت منه كثيرًا ونطقت موبخة :
– أنا مش عارفة إنت أصلًا إزاي تقبل إن أختك تنام في مكان تاني غير البيت ، يوسف اتكلم عدل ، كل ده علشان خاطر أميرة هانم ! .
تنفس بقوة ثم التفت ينظر خلفه خشيةً من مجيء أميرة وسماعها لكلام والدته ثم عاد يقول مستسلمًا :
– تمام يا ماما ماشي ، بس على فكرة حنان اللي قالت لي أكلمك وهي اللي حابة تقعد مع أميرة النهاردة ، على العموم شوية وهنيجي ، يالا سلام .
أغلق مع والدته وتحرك يعود إليهما حيث كانتا تتسامران مع بعضهما بعدما تناولا الطعام .
اتجه يجلس مجاورًا لحنان ويقول وعينه مثبتة على أميرة :
– أظن مابقاش ينفع تنزلي الشركة النهاردة ، والأحسن تستني لما محمد بيه يبقى موجود ، ارتاحي النهاردة والصبح هجيلك ونروح .
نظرت له بامتنان مصحوب بالتوتر وتحدثت بنبرة لطيفة :
– مالوش لزوم تتعب نفسك يا يوسف الشركة بعد شارع واحد من هنا .
– لاء مهو أنا من هنا ورايح هكون معاكِ جوة الشركة.
قطبت جبينها ومالت قليلًا برأسها تتساءل بترقب :
– يعني إيه مش فاهمة ؟
نظرت لشقيقته التي هي الأخرى تنتظر توضيحه ليعاود النظر إلى أميرة ويتحدث موضحًا :
– أنا بقيت محامي الشركة ، محمد بيه عرض عليا اشتغل معاه وأنا قبلت .
فرحت حنان كثيرًا وتحدثت بحماس :
– ألف مبروك يا يوسف ده خبر حلو أوي وأهو تبقى قريب من أميرة علطول .
أومأ لها وعاد يحدق بأميرة التي أسعدها هذا الخبر كثيرًا لدرجة أنها لم تعد تشعر بالقلق ولكنها اعتادت ألا تظهر المبالغة في الفرحة لذا تحدثت بهدوء مع ابتسامة ناعمة تزيدها جمالًا :
– مبروك يا يوسف .
بادلها الابتسامة ولم يجبها بل سرح في جمالها لتتوتر وتخفض نظرها عنه لذا تحمحم ونظر لحنان التي تبتسم عليهما بخبث وتحدث :
– يالا يا حنان ؟
– مش اتفقنا أبات عند أميرة يا يوسف ؟
نطقتها حنان بطفولية لتسرع أميرة قائلة بتروٍ حتى ترفع الحرج عن يوسف بعدما فهمت ذلك من نظراته :
– معلش يا حنان بلاش النهاردة ، طبعًا أنا نفسي نسهر، سوى ونحكي للصبح بس الأفضل تتكلمي مع عمو وطنط مشيرة الأول علشان ماتفكرش إننا تجاهلناها .
تنفست حنان بعمق وأومأت بقبول بينما نظر يوسف للمرة التي لم يعد يحصيها نحو أميرة وتحدثت عينيه بامتنان وحب مئة كلمة وكلمة فهمتهم أميرة دون عناء .
نهض يوسف وحنان يودعانها واضطر للمغادرة وقدميه تتمنى لو تجمدا هنا ، ود لو لم يغادر مسكنها أبدًا ولكن صبرًا يا يوسف صبرًا .
❈-❈-❈
وصل أمام الفيلا ففتح له الحارس البوابة ودلف بسيارته ولكن حين لاحظ عدم وجود سيارتها فتح نافذته ونظر للحارس متسائلًا بقلقٍ :
– المدام فين ؟
تحدث الحارس باحترام :
– المدام طلعت من شوية يا خالد بيه بس كانت بتعيط وكان معاها شنطة كبيرة .
قطب جبينه بتعجب وخوفًا نهش قلبه وكاد أن يعنفه ولكن هذا ليس وقت التعنيف الآن لذا عاد يقود للخلف ليذهب ويرى أين ذهبت وماذا حدث معها ولما غادرت مكتبه دون أن تراه ولم تبكِ .
رفع هاتفه يطلب رقمها وينتظر ردها ولكنها لم ترد عليه ، شعر بقبضة قوية تهاجمه وتعتصر قلبه ، هل يمكن أن تكون رأت شيئًا ما لا يجب أن تراه ؟ ، هل رأت زجاجة المشروب ؟
تعالت وتيرة أنفاسه وهو يسرع ليلحق بها ويعاود الاتصال عليها .
كانت تقود وتستمع لرنينه بقلبٍ متهالكٍ يحتضر ، خسرت معركتها ورفعت رايات الاستسلام والحسرة ، ماذا ستخبر جنينها وكيف ستواجهه حينما يأتي ، كيف ستصمد بعدما عاشته طوال هذه الفترة القصيرة ولكنها مرت كسنين على روحها وقلبها ، كيف ستتعافى من حبه الذي غلف قلبها بل أعماه وأعمى عقلها عن رؤية الحقيقة ؟ .
لم يتوقف الهاتف عن الرنين لذا تملكها الغضب ومدت يدها تجيبه قائلة بحدة وقهر :
– عايز إيه ؟
تعجب من نبرتها ولكنه تساءل بترقب ولهفة حينما أجابت :
– بتئملي إيه يا خديجة ؟ ، آخدة شنطتك ورايهة ألى فين ؟، فيه إيه هصل ؟
اعتصرت عينيها ثم عادت تبصر بنظرات مشوشة وهي تقود وتحدثت ببطءٍ شديد :
– محصلش حاجة ، طلقني يا خالد .
تجمدت أطرافه لثوانٍ قبل أن يردف بعلو :
– ماذا ؟ ، هل عادت إليكِ هرمونات الحمل مجددًا .
هزت رأسها مرارًا واشتعلت داخلها براكين الغضب وهي تراه يسخر منها ولا يشعر بأي ذنب لذا بدون عمدٍ لم تنعطف يمينًا للطريق المؤدي إلى منزل والدها بل أكملت سيرها بشكلٍ مستقيم على الطريق الصحراوي وباتت في حالة تشتت ودموعها لم تتوقف واندفعت تفصح عما في قلبها بقهرٍ وصراخٍ استهدف قلبه قائلة :
– هرمونات ؟ ، دي مش هرمونات ده ندم ، ندم إني اختارتك واتجوزتك ، ندم أني دخلتك حياتي ، ندم على كل الحب اللي اديتهولك ، ندم اني حملت من انسان زيك وهجيب طفل مالوش أي ذنب إنك تبقى باباه .
شعورٌ مفجع سيطر عليه وتأكد من شكوكه ولكنه تساءل وكأنه يريدها أن تنكر :
– إيه اللي هصل خديجة ؟ ، ليه بتقولي كدة ؟
بصقت الكلمات بصراخ لتسقط على أذنه كرصاصاتٍ مسمومة :
– اللي حصل إنك كذاب ، كذبت عليا وقلت اتنازلت عن فلوس عيلتك وإن الفيلا إيجار ، كذبت عليا وقلت إنك بطلت تشرب ، حياتك كلها عبارة عن كذبة ، إنت بتسحبني لسكتك وأنا مستحيل هبقى معاك يوم واحد بعد النهاردة .
– حسنـًا خديجة ، اهدئي وتوقفي جانبًا وأعدك سأصلح كل شيء .
هكذا نطقها بتوسلٍ ورعبٍ كاد أن يزهق روحه ولكنها هزت رأسها مرارًا وتحدثت بعدما تمكن منها الصداع وتشوشت رؤيتها أكثر :
– كداب ، مبقاش عندي ذرة ثقة فيك .
يحاول اللحاق بها ويبحث بعينيه عن سيارتها ويده تعبث بلوحة التتبع لها ليرى أين هي الآن وهو يقول بنبرة لينة علها تستجيب :
– أعدك سأصلح كل شيء ، ولكن توقفي أنا بالقرب منكِ .
حينما علمت أنه قريبٌ منها أغلقت الخط وأسرعت في قيادتها لتنظر حولها لتجد أنها بالفعل ضلت الطريق .
تنتحب وتبكي كطفلة صغيرة تائهة وتقود بتشتت لازمها لتبدأ تدرك أنها تجاوزت المنعطف المنشود لذا توقفت قليلًا وزاد بكاؤها وتخبطها ثم بدأت مجددًا تلف طارتها بدون تركيز لتعود من نفس الاتجاه وما إن أوشكت سيارتها على الدوران بزاوية منفرجة حتى تفاجأت بشاحنة نقلٍ تأتي من خلفها مسرعة وتطلق زامورها وتنير لتبتعد عن طريقها ولكن قضي الأمر وتجمدت خديجة ، توقف نبضها واتسعت عيناها تطالعها وهي على بعد إنشًا منها قبل أن تصطدم بمقدمة سيارتها وتزيحها من أمامها للجهة الصحراوية من الطريق وتمر كأنه لم يحدث شيء .
كان يلاحظ تحرك سيارتها على مسارٍ مستقيم ولكنه فجأة لاحظ توقفها ليشعر بنغزة قوية كسهمٍ حادٍ مسموم استهدف قلبه .
وضع كفه على قلبه الذي نغزه بقوة وتجهمت ملامحه وتملكه ذعرًا مضاعفًا وهو يسرع قيادته ليلحق بها ويردد اسمها على لسانه .
دقيقتين ووصل إليها حيث بات يقود كأنه في مكوك فضائي وليس سيارة ، لتجحظ عينيه مما يراه ، مقدمة سيارتها عبارة عن كومة حديدية ملقاة على جانب الطريق .
توقف بسيارته يطالعها بأنفاسٍ شبه معدومة ثم ترجل يركض بغير هدى متجهًا إليها وهو يهز رأسه استنكارًا لما يراه ويقول برفضٍ قاطعٍ للواقع :
– لا لن يحدث ، لن يحدث .
وصل إلى السيارة ليراها في داخلها غارقة في دمائها وفاقدة لكل معالم الحياة ، قبضتين هاجموه إحداهما نزعت قلبه والأخرى نزعت عقله ليجن جنونه ويصارع الموت وهو يصرخ ويحاول فتح باب السيارة الملتوي ويردد :
– لن يحدث هذا ، لن تموتي ، لن تتركيني ، هيـــــــا أيها اللعــــــــــين
نجح في فتح الباب بيدٍ وحشية وانحنى داخل السيارة يحاول انتشالها بصعوبة بالغة حيث كانت قدميها مكبلتين ولكنه بالأخير نجح في إخراجها وسقط بها أرضًا فلم تعد تحمله قدماه وهو يتحسس نبضها وملامحها ويحاول إزالة الدماء عن وجهها قائلًا بجنون وجحوظ ورفض :
– هيا ، هيــــــــا افتحي عينيكِ ، لن يحدث ، لن أسمح لكِ ، لـاــــــــــــــــ ، لا ، لا ، لا لن يحدث ، عاقبني أنــــــــــــــا ، لا تعاقبني فيها أرجووووووك .
صرخ بعلو واعتصر عينيه لتسقط دموعه بغزارة وهو يرفع رأسه عاليًا ويحتضنها ويحاول إفاقتها وهي هامدة بين يديه فبات يصرخ مستنجدًا كطفلٍ تائهٍ تحتضر أمه أمامه ويردد :
– لا ليست هي ، أنا المذنب أرجووووووووك ، أنا الذي أخطأت لا تأخذها هي أتوسل إليك .
يتابعها وينتظر المعجزة ها هو يدعو فلتحدث المعجزة الآااااااان ، ها هو يدعو لمَ لا تستيقظ ؟ ينتظرها أن تفتح عيناها وتخبره أن ما يحدث مزحة ، يهز رأسه بجنون وتشتت ويداه تفتح جفنيها ليرى عينيها ولكنها هامدة ، يتطلع إلى ملامحها ويبكي بكاء الأسف والحسرة ويداه تملس على وجهها قائلًا بهستيرية جعلته يفقد عقله وتتجمد أفكاره :
– لن تموتي ، لن تتركيني .
عاد يرفع رأسه عاليًا وينظر إلى السماء ويردد بجسدٍ متهالك :
– لن تأخذها ، أنا أحتاجها أرجـــــــــــــــــــوك ، لا تعاقبني فيها .
رن هاتفه لينتشله من جيبه ويجد مكالمة من صقر فيجيب وكأنه أراد أن يفصح عن جزءٍ من غضبه :
– خديجة يا صقر ، أقسم إن حدث لها مكروه سأحرق الجميع ، سأحترق يا صقر ، قلبي يحترق .
صدم صقر وتساءل بقلقٍ :
– ماذا حدث .
تحدث وهو يتطلع حوله بتشتت كأنه لم يعد يعرف أين هو وما عليه فعله ثم استقر عليها يحدق بها ويشرح كطفلٍ صغير :
– صدمتها سيارة ، هي أمامي غارقة في دماءها وعينيها مغلقة .
– أين أنت .
هز رأسه بتشتتٍ وتحدث وهو يبكي بنشيج ويعتصر عيناه :
– لا أعلم .
– حسنًا أحملها جيدًا إلى أقرب مشفى في الحال ، هيا الآااااان ودع البكاء لاحقًا .
أغلق الهاتف وألقاه وعاد يلتفت ناظرًا في جميع الاتجاهات كأنه يبحث بعيناه عن أقرب مشفى بعدما فقد ذاكرته عن وجود سيارته من هول ما وقع على عقله وهو يصرخ مرددًا :
– مـــــــــــــاذا أفــــــعـــــــــل الآاااااان .
اتجهت أنظاره نحو رحمها فمد يده يتحسسه ويبكي أكثر وأكثر وهو يومئ قائلًا حينما تذكر صغيره للتو :
– أنت تعاقبني فيهما ، نعم أنت تعلم أنهما نقطتي ضعفي لذا تريد أن تأخذهما مني أليس كذلك ؟ ، أرجوك لا تفعل ، أرجووووووووك .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)