روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت السادس عشر

رواية نعيمي وجحيمها الجزء السادس عشر

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السادسة عشر

ممسكًا بقنينة العطر التي جلبها معه بغرض إفاقتها؛ وأنفاسه الهادرة مازالت لم تهدأ بعد ، يجاهد للسيطرة على شيطان نفسه التي لم يشفي غليلها حتى الاَن بما احدثه لهذا الرجل ، مغيبة عن الواقع ولا تشعر بالنار المشتعلة بصدره، هي لا تعلم بحجم الخوف الذي انتابه وقت أن ولج بأقدامه الى مكتب هذا البدين البغيض وسمع صرخة استغاثتها من داخل الغرف ، كم ود في هذا اللحظة أن يقتلع اعين هذا الرجل أو أن يطبق بكفيه على عنقه فلا يرفعهم سوى بإزهاق روحه، كم ود أن يذيقه بأس قبضته التي لو نفذ وفعلها لكانت أطاحت بفك وجه هذا الرجل دون تردد ، لقد كلفه ضبط النفس لحفظ سمعتها وسمعته الكثير ، الكثير جدًا ،
قرب الزجاجة من أنفها وصبر لعدة لحظات حتى شعر بحركة لعضلات وجهها تثبت بداية إفاقتها ، رمشت بعيناها قليلًا حتى انفتح جفناها ليكشف عن عيناها الجميلتان وهي تتحقق من الكون حولها ، تطوف بأرجاء المنزل الغريب عنها بعدم إدراك حتى انتبهت لوجهه وجلسته على الإريكة بجوارها ، كادت أن تفلت منه ابتسامة متسلية رغم غضبه الشديد منها وهو يرى توسع عيناها بذعر والمرافق لانسحاب الدماء من وجهها قبل أن تنتفض جالسة بجذعها واقدامها تضمها اليها في اَخر الاَريكة تصيح بجزع :
– انا فين ؟ وانت ازاي جمبي كدة؟
– أمال عايزاني أبقى بقى فين وانا بفوقك ؟
قال بنبرة متهكمة ، مما جعلها تصمت قليلًا لتستعيد ذهنها فتذكرت ماحدث لتصرخ عليه :
– انت خليت إمام يكسر إيد الراجل ، وانا سمعت صوت العضم لما اتكسر ودا اللي خلاني اسورق صح ؟
قالت الاَخيرة بعدم تحمل وصوت صراخ الراجل مازال يتردد بأذنها ، مال بوجهه أمامها قائلًا وهو يجز على أسنانه:
– إحمدي ربنا اني خليت إمام هو اللي يكسرها عشان لو كنت اتدخلت انا بنفسي وإيدي طالته مكنتش هاكتفي بكسر واحد أبدًا، ولا حتى روحه كانت هاتكفيني.
انزوت على نفسها أكثر لتضم اقدامها بيدها تلتصق باَخر الاَريكة، مرتعبة من هيئته المخيفة ، تود الهرب ولا تقوى على الحركة أمام حصارها لها ، واستطرد هو سائلًا :
– ايه اللي خلاكي تدخلي مع الراجل ده مكتبه لوحدك ؟
صمتت لا تريد الإجابة كما تود الصراخ بوجهه معترضة على السؤال والتدخل في شؤنها ، فهدر عليها ضاربًا بقبضته على ذراع الاَريكة من خلف ظهره:
– ماتردي عالسؤال ساكتة ليه؟
أجابته سريعًا بخوف
– روحت اسد قسط شقة خالي واترجاه يستنى عالباقي عشان الفلوس اتسرقت مني ، مكنتش اعرف انه هايستغل الموقف ويقفل باب الاؤضة عليا معاه.
قالت الاَخيرة مترافقة مع سيل دماعاتها التي انطلقت مع تذكرها للموقف وما كان يود فعله هذا الرجل البغيض معها ، تنفس بعمق يكبت غيظه وصوت بكاءها الحارق يكاد أن يمزق نياط قلبه ، خاطبها بلهجة رقيقة نسبيًا :
– هو دا السبب اللي خلاكي عايزة تسحبي السلفة؟
اومأت برأسها دون صوت فتابع لها :
– طب خلاص اهدي وبلاش عياط، أنا عصبيتي معاكي سببها بس الخوف عليكِ .
رفعت عيناها وتوقفت عن البكاء وقد انتبهت على الجملة فسألته وهي تمسح بأطراف أصابعها الدموع العالقة على وجنتيها :
– هو انت إيه اللي عرفك صحيح ؟ وإيه اللي خلاك تيجي مع إمام بالظبط في الوقت ده ؟
مط بشفتيه يجيبها بغموض :
– عرفت وخلاص ، هو انتِ لازم تعرفي يعني؟
كبتت غيظها من طريقته وإجابته المبهمة لها فانتقلت بعيناها عنه لتجوب المكان مرة أخرى والذي كان عبارة عن صالة كبيرة تشبه برفاهيتها الأماكن التي تراها في التلفاز، فسألته بدهشة :
– هو انا فين بالظبط ؟ وازاي جيت هنا أصلًا ؟
– أنا اللي جبتك .
اردف بها وتابع أمام نظراتها المذهولة :
– بعد ما أغمى عليكِ شيلتك وجيبتك معايا في العربية وبعدها جيت بيكِ على هنا عشان افوقك .
صاحت مرددة بأعين متوسعة
– شيلتني بإيديك وحطتني في عربيتك؟
كبت ابتسامته بصعوبة وهو يردد على أسماعها بتسلية :
– وشيلتك برضوا من العربية وجيت بيكِ على هنا في بيتي.
– بيتك !
صرخت بها وهي تنهض منتفضة عن الاَريكة بذعر حقيقي لتهتف:
– انت ازاي تعمل كدة ؟ وازاي تجيبني على بيتك من الأساس…….يامصيبتي .
رددت الاَخيرة بإدراك وهي تتفحص حجابها وتنظر إلى الملابس التي ترتديها جيدًا ، مما جعله يفقد السيطرة ويضحك مقهقًها ، أثار انتباهها فتوقفت عما تفعله لتنظر اليه بغضب، وبعد أن هدأت ضحكاته الرجولية الصاخبة خاطبها ملطفًا:
– خلاص يازهرة اهدي كدة وفكري كويس، انتِ بعد ما أغمي عليك كنت عايزاني افوقك فين بالظبط ؟ اروحك على بيتكم مثلًا عشان أهلك يتخضوا عليكِ ؟ واديكِ ياستي اتأكدتي بنفسك ، انا حتى حجابك مقربلتوش .
اومأت برأسها مقتنعة نسببيًا قبل ان ترد:
– طب أنا عايزة اروح بيتنا، الباب من فين بقى؟
نهض ليقابلها ويرد بهدوء:
– اصبري شوية يازهرة على ماتشربي حاجة كدة تهديكِ هاكون انا كلمت السواق ياخدك يوصلك لحد باب بيتكم .
– انا مش عايزة سواق يوصلني، انا هاخرج وادورلي على أي مواصلة، هي فين شنطتي ؟ ولا انت نسيت ماتجيب شنطتي معايا؟
سألت وهي تبحث بعيناها على الاَريكة وما حولها من مقاعد ، أجابها واضعًا كفهِ في جيب بنطاله بكلماتِ هادئة وحازمة :
– قولتلك اصبري يازهرة ، ان كان على شطنتك ، هاجيبهالك من العربية وان كان على التوصيل ماهينفعش تروحي لوحدك، عشان مكان الفيلا هنا بعيد عن المواصلات العامة والأوبر بياخد وقت على مايجي .
سقطت على الاَريكة خلفها قائلة بإحباط :
– يعني إيه بقى ؟ انا كدة ستي هاتقلق عليا .
– مش هاتقلق ان شاء الله عشان مش هاتتأخري كتير ، انا هاغيب دقيقتين بس وراجعلك تاني .
قال كلماته وذهب على الفور دون أن يعطي لها مجالًا للنقاش، تنهدت وهي تريح وجنتها على قبضة يدها التي استندت بها على ذراع الاَريكة، مستسلمة للحيرة التي تأكل رأسها بالتفكير فيما حدث وما يفعله هذا الرجل معها، أجفلت ترفع رأسها نحو الفتاة الخادمة ذات الرداء المحكم والقصير ، وهي تتقدم اليها بابتسامة رقيقة تضع أمامها على الطاولة الزجاجية وهي تقربها منها بكل زوق، طبقين من الجاتوه ومعهم فنجانين لم تتبين مابداخلهم بعد.
– انتِ جايبة طبقين الجاتوه دول لمين ؟
سألت زهرة الفتاة التي لم تجيبها بل اومأت برأسها بابتسامة مستفزة تردد بلكنة أجنبية:
– تهبي هاجة تاني هانم ؟
– هاااانم !
تفوهت بها بدهشة قبل ان تومئ لها بيدها مرددة:
– روحي الله يسترك روحي، بلاهانم بلا نيلة
………………………
– يعني هي قالتلك كدة بالمفتشر، خلي ابوكِ يسلفني يابت؟
سالت إحسان ابنتها وهي جالسة معها على طاولة السفرة يتناولون طعامهم، فاأجابت غادة وهي تتناول ملعقة أرز من الطبق الذي أمامها :
– ايوة يامًا ماهي بتقولي قال إيه، انها هاتعمل جمعية وهاتسدهم كاملين ؟
– والنبي إيه؟
اردفت بها إحسان تتابع وهي تمصمص بشفتيها بامتعاض:
– اهو انا مايكدنيش في الدنيا دي كلها غير القنعرة الفاضية ، الراجل قال لها هاديكي الفلوس وعليها ٥٠ الف زيادة بس انت توافقي عالجواز ، ايه هو ده ؟ ماتوافق وخلاص، هي هتلاقي فين أساسًا راجل زيه يكايلها كدة بالفلوس، ولا هي مفكرة يعني ان لو جالها افندي ولا شاب عادي من بتوع اليومين دول هتلاقي اللي يجهزها؟ ان كان محروس اللي كل فلوسه رايحة عالكيف ولا خالها اللي متغرب دا عشان يتجوز المحروسة بتاعته بلا خيبة .
ردت غادة على كلمات والدتها:
– هدي اعصابك انتِ بس يامًا ليجرالك حاجة. بنت اخوكي مش هاتنفعك ساعتها .
تنهدت إحسان بعدم رضا تردد:
– اعمل ايه بس يابنتي ما انا شايلة همها؟ ابوها جاني امبارح وحكالي عشان اروح اقنعها بدال وجع القلب دا كله، فهمي شاطر وبيعرف يجيب القرش من بوق الأسد ومش كبير يعني عليها بكتير ، دا يدوبك ٣٧ سنة ، ماترضى بقى وتشيل هم من على ضهر ابوها .
– هي مين اللي تشيل هم من على ضهر ابوها؟
تفوه بها زوجها والد غادة وهو يجلس ليتناول الطعام معهم ، أجابته زوجته من تحت درسها :
– اتنيل وكل ساكت ، مالك انت بالأمور العائلية؟
اومأ الرجل بعدم اكتراث ، يتناول طعامه وكأنه لم يسمع شيئًا فقالت غادة لوالدتها:
– طب وانت هاتعملي ايه بقى ؟ هاتكلميها ياما؟
هتفت إحسان:
– ياختي وانا مالي، ناقصة بقى اكلمها عشان تهب فيا زي ماعملت مع ابوها، وافقت ما وافقتش هي حرة، دي مفكرة اللي يكلمها على مصلحتها يبقى عدوها ، خليها لحد ماتروح منها كل الفرص وساعتها بقى يبقى خالها ينفعها؛ لما يتجوز بكرة الغندورة بنت المستشار ويشغلها هي خدامة عنده وعند مراته.
اومأت غادة برأسها موافقة :
– عندك حق ياما كلامك حكم، بنت اخوكي مش باصة لحالها ولا عارفة مصلحتها فين، ربنا يستر بقى وماتعسنش وهي عايشة كدة في الوهم كدة !
……………………………..
تزفر بضيق وهي تهزهز أقدامها بعصبية في انتظاره وانتظار السائق الذي سوف ياتي ليقلها إلى منزلها كما قال، ولكنه قال دقيقتين وسوف يعود وهي تشعر بمرور الوقت عليها الاَن وكأنه دهرًا ، لا تعلم مر من الزمن، ولا تعلم سر افعاله العجيبة معاها ، لقد أعطته رفضها صراحةً على موضوع زواجه في السر معها، إذن لما هذا الاهتمام وقد أخبرها باحترام رغبتها وعدم الضغط عليها ، رفعت رأسها فجأة حينما لمحته وهو خارج من إحدى الغرف بقميصه الأبيض وبنطاله الأسود، يتقدم بخطواته السريعة حتى وصل ليجلس على المقعد المقابل لها تمامًا .
– مابتكليش ليه ؟ الجاتوه مش عاجبك؟
سألها وهو يتناول إحدى الأطباق ، ردت زهرة بزوق:
– متشكرة يافندم ماليش نفس ، انا عايزة بس أروح .
قدم لها الطابق يردف بحزم:
– ماهو مافيش مرواح غير لما تاكلي يازهرة، انتِ اغمى عليكِ وانا قولت اجيبلك حاجة مسكرة تفوقك شوية .
تناولت الطبق على مضض وهي تردد بمجاملة :
– الله يحفظك يافندم انا كويسة، معلش بس والنبي انده للسواق ياخدني عايزة امشي .
– وانا قولت مافيش مشيان يازهرة غير لما تاكلي ، هاتكلي الحاجة الخفيفة دي ولا انده لكرستين تحضرلك عشا، اختاري .
اردف بلهجة مهددة جعلتها تتناول الطبق وتغرز بالشوكة قطعتها لتأكل منه مجبرة، ابتسم يتناول الطبق الاَخر مرددًا :
– وانا كمان هاكل زيك .
تناول من طبقه قطعة كبيرة وضعها داخل فمه بلهفة شديدة وكأنه اول مرة يتذوق شئ جميل مع فرحته بحضورها المنزل ومشاركتها له ، تناولت هي قطعة صغيرة حتى لم تتبين منها الطعم فهمت لتضع الطبق على الطاولة ولكنه اوقفها بنظرة محذرة :
– وبعدين بقى في شغل العيال ده ، اخلصي يازهرة خلصي طبقك عشان تروحي.
عضت على باطن وجنتها من الغيظ فعاودت تتناول منه على مضص ولكنها أجفلت على الطعم الجميل حينما تناولت قطعة جيدة جعلتها تتلذذ بالطعم داخل فمها للحظات ، راقبها وهو يتناول من طبقه بشغف يكاد أن يفضح ما بداخله نحوها، لولا خجلها الذي يمنعها دائمًا من النظر اليه، خرج من شروده فجأة على صوت هاتفه فنهض وتركها فور أن رأى اسم المتصل يردد لها :
– المرة دي ثواني بس وراجعلك يازهرة ، كملي طبقك واشربي فنجان القهوة باللبن اللي قدامك اهو.
همت لتهتف بإسمه ولكنها توقف تعيد الطبق لمكانه بإحباط وهي تتمتم مع نفسها:
– اللهم طولك ياروح، هو انا مش هاخلص النهاردة بقى؟
لكن هذه المرة صدق بوعده وأتى على الفور بخطواته السريعة ليضع حقيبتها اليدوية أمامها وتناول كفها فجأة يضع بها السلسال ، شهقت بفرحة حينما رأته بيدها تردد:
– دي سلسلة أمي…..
قطعت جملتها بعد أن استدركت امرها فخرج سؤالها بدهشة:
– بس إنت جبتها ازاي ؟
لم يجيبها عن السؤال ولكنه أخرج من تحت الحقيبة ملف يعطيها له وهو يخاطبها:
– عايزك تبصي في الملف ده يازهرة .
أذعنت رغم دهشتها تتناول الملف تلبيةً لطلبه وتنظر به ، ولكنها صُعقت وتوسعت عيناها حينما قرأت المضمون:
– إيه ده ؟ دا عقد مخالصة بكل الشهور المتبقية لشقة خالي .
رددت بعدم فهم قبل أن ترفع عيناها إليه بتساؤل
– بس ازاي ؟
صمتت قليلًا والصورة تتضح أمامها فسألته بريبة :
– جاسر بيه ، هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟
أجابها هذه المرة :
– تفتكري ايه اللي بيحصل يعني يازهرة ؟ ما انتِ لو اتكلمتِ من الصبح ، كنتِ وفرتي على نفسك وعليا التعب دا كله .
أسقطت الملف والسلسال أمامها على الطاولة وظلت صامتة للحظات قبل أن تسأله بتوجس:
– طب الصبح كان عرض سلفة استثتائي؟ دا بقى أسميه عرض إيه؟
أجابها ببساطة:
– دا مش عرض لأي حاجة يازهرة ، اعتبريه هدية مني ليكِ
هتفت منفعلة:
– هدية ايه بالظبط اللي بالمبلغ ده كله عشان افهم ، حضرتك انا كنت شايلة هم السلفة اللي كانت ٥٠ الف ، دلوقتِ مع المبلغ الكبير دا بقى هاتنيل اسدده امتى ؟
– ما انا قولتلك مش عايز حاجة يازهرة .
قال بهدوء فهتفت هي بتأكيد:
– لا حضرتك الكلام دا مايخشش عقل عيلة صغيرة ، وانا مش عيلة صغيرة ، جاسر بيه انت عايز إيه بالظبط؟
– عايز اتجوزك.
قالها على الفور واستطرد وهو يتقرب بمقعده منها :
– اقبلي واتجوزيني يازهرة باختيارك ومن غير ضغط ، انا لا بهددك ولا بستغلك، انا بحاول بس اخفف عنك .
اغمضت عيناها وهي تشيح بوجهها عنه وقد أربكها مطلبه الملح قبل أن تعود أليه قائلة :
– طب ازاي هايبقى باختياري وانت بتقول في السر ، انا ماينفعش اعمل أي حاجة في السر ، لا يمكن هاعرف اعيش معاك وانا حاسة طول الوقت اني بعمل حاجة غلط وخايفة الناس تكشفني، خالي دا اللي مربيني تفتكر هايبقى تصرفوا ايه لما يعرف ان شقته كانت تمن جوازي في السر، دا مش بعيد يتبري مني ويقاطعني العمر كله.
– يعني انتِ المشكلة عندك هي في خالك دلوقت؟
سألها وهو يتنفس بعمق، أجابته وهي تنهض وتتناول الحقيبة فقط ، تاركة السلسال وملف العقد أيضًا:
– مش خالي بس، دا خالي وابويا وستي وقرايبي كمان، الكل لازم يعرف، على العموم الف شكر ياجاسر باشا على معروفك النهاردة معايا ، بس انا مش هاقدر اقبل الشقة ولا حتى السلسلة، وخالي بقى ربنا يعوض عليه .
همت لتتحرك ولكنه أوقفها قائلًا:
– الكلام لسة مخلصش يازهرة .
التفتت اليه مرددة:
– انا مش هاقدر اغير موقفي ياجاسر باشا عشان يبقى في كلام تاني .
– تمام .
اردف بها وهو يومئ برأسه واستطرد :
– أنا سمعت منك دلوقت وفهمت وجهة نظرك ، فاضل بقى انك تسمعيني مني كمان وتفهمي وجهة نظري بس خليها بقى بعدين ، عشان الوقت اتأخر، إتفضلي معايا عشان اعرفك السكة ، إمام والسواق مستنينك برا.
تخطى يتقدمها بالخطوات ثم التفت فجأة قائلًا بحزم يذكرها :
– ماتنسيش ميعاد الشغل بكرة ، مش عايز تأخير
… ……………………..
– ها في أخبار جديدة ولا برضوا لسة؟
سألت كاميليا بلهفة لاهثة بعد أن أتت اليهم مسرعة ، اومأت لها صفية برأسها صامتة وهي متكتفة الذراعين لتدخل ، خطت كاميليا للداخل ، لتجد رقية التي انتبهت عليها وهي تتحدث في الهاتف :
– ايوة يابني زي مابقولك كدة ، هي قافلة التليفون بس عشان نامت مصدعة وانا مش عايزة اصحيها واقلقها ياحبيبي ……….. يابني بقولك كل حاجة تمام ، انت قلقان ليه بس عليها ؟ عشان حصلت مرة يعني ومردتش على تليفونك ؟
اغمضت رقية عيناها وهي تسمع صراخ ابنها عبر الاثير القلق على ابن شقيقته ، بعد ان هاتفها عدة مرات على هاتفها المغلق منذ ساعات ، ردت رقية تكذب مرة أخرى لتهدئته :
– طيب ياخالد ، انا هاخليها تكلمك بنفسها وتطمنك بس شوية كدة يابني بعد ماتقوم من نومتها بقى………… فلوس اه اه الفلوس وصلت ياحبيبي وسددت زهرة بيهم الأقساط .
وقفت كاميليا عدة لحظات تراقب رقية التي تكذب على ابنها حتى تطمئنه ، رغم قلقها وجزعها على حفيدتها التي غابت منذ العصر ولم تعد ، فور ان انهت رقية المكالمة التفتت لها :
– شوفتِ ياكاميليا الغلب اللي انا فيه ، البت لساها غايبة وقافلة تليفونها من ساعة ماخرجت، وخالها بيتصل وهايتجنن عشان يسمع صوتها ، ياترى راحت فين بس ياربي؟ ياترى راحت فين؟
ازدرت كاميليا ريقها وهي تجلس بجوارها تردد:
– اطمني ياستي ان شاء الله خير ، هي أكيد في حاجة عطلتها يعني والغايب حجته معاه .
رددت خلفها رقية
– يارب ياحبيتي يسمع منك وما يجبش حاجة وحشة ، بس انت يابنتي مروحتيش بقى على عنوان الراجل السمسار دا وسألتي ليكون هي راحت عنده ؟
– هاااا ؟ لا ياستي انا جيت على هنا على طول بعد اتصالك، وملحقتش اعدي عليه بصراحة؟
أجابت كاميليا كاذبة هي الأخرى ، حتى لا تقلق رقية بالأخبار التي سمعتها من حارس البناية الذي أخبرها بتعدي بعض الرجال على الرجل السمسار وخطفهم لفتاة تشبه بمواصفاتها لزهرة التي خرج بها رجل منهم يحملها على ذراعيه مغيبة عن الواقع .
– يارب استر يارب .
تمتمت بها بداخلها قبل أن ترفع رأسها متفاجئة بدلوف زهرة اليهم :
– مساء الخير ياجماعة؟
– مساء الخير ! توك ما واصلة يازهرة ؟ عايزة تموتيني ناقصة عمر يابت ؟
صرخت بها رقية فور أن رأتها أمامها ، أما كاميليا فاأغمضت عيناها بتعب تتنفس براحة اخيرًا بعد ساعة من القلق كادت أن توقف قلبها ، هتفت صفية من الجهة الاخرى :
– كدة برضوا ياابلة زهرة تقلقينا عليكي بالشكل ده ؟
اومات بكفها صامتة وهي تقترب بخطواتها حتى وصلت الى رقية ترتمي بأحضانها وتلقفتها الأخرى بجزع :
– مالك يابت فيكِ إيه ؟ جرالك إيه يامنيلة ؟
………………………….
بداخل غرفتها وبعد ان تحايلت على رقية كي تصفح عنها وادعت اغلاق الهاتف بسبب نفاذ شحن البطارية، وخلقت لها قصة من وحي عقلها، جلست تحكي الحقيقة وماحدث باستفاضة مع كاميليا التي تسمرت لعدة دقائق تستوعب جيدًا قبل أن تسألها ببلاهة وعدم تصديق :
– كسر إيد الراجل وطلبك للجواز من تاني ؟
اومأت لها برأسها صامتة وهي تحتضن وسادتها ورأسها مستندة على قائم السرير ،وتابعت زهرة :
– شوفتِ بقى صاحبتك واللي بيجرا معاها؟
هزت كاميليا رأسها بحركة غير مفهومة قبل ان تردف :
– انا كدة بقيت اقلق على فكرة يازهرة ، كون انه يدفع الأقساط اللي باقية من شقة خالك دي كلها ، لا وكمان يرجعلك سلسلتك بعد ما بعتيها ، لا دا بقى متابعك وحاطك في دماغه بجد يعني ؟
– عرفت والله ياكاميليا من قبل ماتقولي، ودا اللي تاعبني ومخلي دماغي هاتتفرتك .
قالت زهرة بتعب فتنهدت لها كاميليا تردد بحيرة :
– انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟ الراجل بعد اللي عمله اكيد يستاهل الشكر رغم انها حاجة غريبة طبعًا ، لكن كمان انه يجدد طلبه في الوقت ده ، دا معناه انه صياد ماهر وبيعرف يرمى صنارته كويس قوي وامتى بالظبط عشان يحقق هدفه ودي طبيعة جاسر ريان على فكرة ، انا اشتغلت معاه وعرفاه ، بس اصراره عليكِ بقى دا اللي مجنني ؟ مش قادرة احدد ان كان حب حقيقي ولا دا تحدي من راجل عجبته واحدة ومُصر انها توافق عليه بعد هي مارفضته .
رددت زهرة وكأنها تحدث نفسها:
– تمام انا معاكي في كل ده ؟ انا كدة بقى اتبسط ولا اضايق ؟ عشان بصراحة الصورة غلوشت قدامي ومعدتش شايفة كويس ، ولا عارفة الصح من الغلط ، ارفضه بقى واخسر شغلي وشقة خالي وريحة أمي في السلسة بتاعتها ، ولا اوافق بالجواز منه وساعتها بقى أخسر نفسي .
تلجمت كاميليا تفرك بأطراف أصابعها على جبهتها وتعيد في شعرها للخلف مع تفكيرها في المعضلة الشائكة قبل ان تحسم أمرها اَخيرُا بردها :
– شوفي يازهرة؛ انا مش عايزاكي تقطعي كدة فجأة ، هو مش قالك استني واسمعيني ، يبقى خلاص يابنت الناس ، اسمعيه وشوفي إيه أخرتها معاه .
اومأت زهرة برأسها موافقة قبل ان تغير مجرى الحديث بسؤالها :
– تفتكري رقية صدقت اللي اتحججت بيه قدامها عشان التأخير ؟
ردت كاميليا بابتسامة ساخرة :
– تصدق ايه ياعبيطة انتِ ؟ اذا كانت مخالتش عليا انا نفسي ؟ قال ايه ، قابلت واحدة صاحبتي من ايام المعهد وعزمتني في بيتها على العشا ، واتعشيت وانا ناسية ان التليفون مقفول عشان اطمن عليكِ، هو انتِ كنتِ بتزوري صحباتك في الدراسة من الأساس عشان تزوريهم بعد مااتجوزا ؟
استجابت لها زهرة مبتسمة تردد :
– هو انا مكشوفة قوي لدرجادي ياجدعان قدامكم ؟.
– جدًا ياروح قلبي، دي رقية اساسًا بتهاودك دلوقتِ عشان انت تعبانة ، لكن وغلاوتك عندي مش هاتسبيك غير لما تقررك وتعرف اللي حصل ، ولا انتِ تايهة عن ستك ؟
– لا طبعًا هاتوه عنها ازاي بس ؟ ربنا يستر بقى والاقي حجة مناسبة تقنعها .
قالت زهرة بقلق حقيقي، رددت خلفها كاميليا :
– ان شاء الله ياقلبي ، أسيبك انا بقى عشان يدوب أروح قبل ما اهلي يقلقوا عليا انا كمان
جذبتها زهرة فجأة من كفها توقفها :
– كاميليا، انا محتجاكي اليومين دول، ماتسبنيش في الحيرة دي لوحدي والنبي .
– عمري ما هاسيبك يازهرة ، عشان انت مش صاحبتي وبس انتِ اخوتي الصغيرة .
اردفت بها كاميليا بثقة قبل تحتضن صديقتها بمحبة صادقة
…………………………….
مستلقي بجسده على الاَريكة التي ضمت جسدها هي سابقًا، يلقي بالكرة المطاطية على الحائط أمامه فترتد بمهارة اليه ليعيد الكرة مرات أخرى، من وقت أن تركته وعقله يعمل دون هوادة ، يعيد بذهنه كل كلمة قالتها بالتأني جيدًا في معناها ، مازال يستشعر دفء جسدها وهو يحملها بين يديه ، رقتها ونعومتها رغم سذاجتها احيانًا وعنادها الدائم معه، رائحتها الطبيعية الخلابة والممتزجة ببرائتها ، لقد اتخذ القرار ولن يتراجع أو يتنازل عنه ، زهرة ستصبح زوجته ولن تكون لغيره ابدًا، بحياته لم يخض حربًا وخسرها ، لقد حسم القرار وانتهى.
توقف فجاة يتناول سلسال والدتها الذهبي كما علم منها اليوم ، رفعه أمامه ينظر بالقلب المتدلي بأوسطه ، دقق النظر جيدًا في النقوش القديمة به ، ليجد اسمها في الوسط ، إعتلى ثغره بابتسامة مرحة وهو يردده باستمتاع :
– زهرة
…………………………..
في اليوم التالي صباحًا .
ذهبت زهرة لعملها بالشركة رغم ترددها وتخوفها من القادم ، كانت تعمل على حاسوبها وملفات العمل بجدية ونشاط ، رغم تعجبها من تأخره والساعة تقترب من العاشرة ، حتى تفاجأت بحضور كارم لها فجأة ، يردف بدماثة وابتسامته المعهودة :
– صباح الخير يااَنسة زهرة ؟ عاملة ايه النهاردة ؟
بادلته ابتسامته بتردد وهي ترد على تحيته:
– صباح الخير ياكارم ، متشكرة جدًا على سؤالك ، بس على فكرة جاسر بيه لسة ماوصلش لحد دلوقتِ .
– ما انا عارف .
اردف بها واستطرد أمام دهشتها :
– وهو اللي باعتني على فكرة عشان اخدك واوصلك عنده.
– توصلني فين ؟
تسائلت مستنكرة ، اجاب هو بكل هدوء :
– انا مش هاخرجك برا الشركة ، جاسر بيه موجود هنا على فكرة ، بس هو في اَخر دور، دا اللي بيقابل فيه الناس المهمين والوفود الأجنبية .
قطبت تسأله بدهشة:
– وهو بيعمل ايه بقى في الدور اللي فوق ؟ عنده مقابلة جديدة يعني ولا إيه ؟
اجابها كارم بسؤال:
– احنا هانفضل نسأل كدة كتير ؟ ماتتفضلي يازهرة وتعالي معايا وشوفي بنفسك؟
زفرت بضيق قبل أن تنهض عن مقعدها وتتبعه في الذهاب للطابق الاَخير ، والذي تفاجأت برفاهيته العالية والتي تليق بالاستقبالات الخاصة مع خلوه من زحمة الموظفين والعاملين في باقي طوابق الشركة، فتح أمامها إحدى الغرف ، ولكنه توقف يومئ لها لتتقدم للداخل وحدها ، تنهدت بداخلها قبل أن تخطوا لتلج بداخل الغرفة الضخمة ، وقعت عيناها عليه على الفور ، جالسًا بأريحية على اَريكة عصرية ضخمة يبتسم لها بثقة ، وبجواره من الناحية الأخرى رجل…….
تجمدت محلها بصدمة وهي تنظر بأعين جاحظة نحو صاحب الجسد الهزيل وهو ينهض بسعادة نحوها يردد باسمها :
– زهرة ، ياحبيبة قلب ابوكِ انتِ.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *