روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الخمسون 50 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الخمسون 50 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت الخمسون

رواية ديجور الهوى الجزء الخمسون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الخمسون

-ازيك يا كمال عامل ايه؟!.
تمتم كمال باندهاش هل اتصل بكر في هذا الوقت ليسأله عن حاله؟!!!.
-الحمدلله، هو في حاجة ولا ايه؟!…
قال بكر بنبرة متوترة:
-أنا مش عايزك تقلق بس يعني لازم تعرف أن امك في المستشفى…
تحت نظرات فردوس الناعسة له بعدما جلست في نصف جلسة على الفراش تراقب تعابير وجهه المصدومة، المُبهمة، القلقة جدًا بعدما تلقى الخبر….
تمتم كمال بارتباك واضح:
-ليه حصل ايه؟!..
جاءه صوت بكر يقول بتوضيح:
-في انسداد في الشرايين ومشاكل في الكبد، والسكر والضغط والدهون وكذا حاجة عليت مع بعض في نفس الوقت، هي في المستشفى احنا مقولناش لحد لسه غير ليك أنا كلمتك علشان اقولك اني هحجز ليكم أول طيارة علشان تيجوا…
ابتلع كمال ريقه محاولًا قول أي شيء:
-طب الدكتور قال ايه؟!.
هنا نهضت فردوس وأقتربت منه ولكنها لم تجرأ على سؤاله حينما وجدته بتلك الحالة على الأقل ينهي استفساره ووقتها يخبرها بما يحدث…
اخترق صوت بكر اذنيه وهو يفسر له:
-احنا نقلناها الفجر اللي قولته ليك ده يعتبر اللي واضح لغايت دلوقتي بس لسه هيعملوا اشاعات وتحاليل تانية ورسم قلب وهينتظروا الدكتور الاستشاري لما يجي..
سأله كمال بتردد:
-طب حالتها هي ايه؟!! وايه اللي حصل أصلا.
عقب بكر على حديثه بتفسير:
-شيماء اول من قالتلنا انها لاحظت تغيير فيها وكانت في حاله مش طبيعية ولا مركزة بس لما جينا المستشفى كانت تعتبر فايقة وحالتها أحسن هي في العناية نامت شوية لما ندخل ليها وتصحى هخليها تكلمك احنا والله لسه ما قولنا لداغر ولا لحد حسيت أنه أنتَ لازم تعرف..
تمتم كمال بنبرة شبة هادئة:
-خير، خير ان شاء الله انا هحضر الشنط وهستنى منك اتصال تقولوا حجزتوا امته او ممكن اتصرف انا..
-متقلقش يا كمال انا هتصرف وان شاء الله نحجز ليكم في أقرب فرصة سلام دلوقت.
-سلام.
انتهت المكالمة بينهما لتتحدث فردوس بارتباك وقلق يفوقه فهي تقف منتظرة لمعرفة ما يحدث:
-في ايه يا كمال؟! ايه اللي حصل…
-امي في المستشفى..
انهى كلمته وجلس على المقعد بجسد هزيل ومتوتر، يبدو أن والدته لم تتحمل كل الصدمات التي تتابعت واحدة بعد الأخرى، لم تتحمل هذا كله..
لكنها لم ترغب أبدًا في جعل أحدهم أن ترك همومه ويلتفت لها يكفي ما يقع على أعتاقهم…
هل أخطأ لأنه للمرة الأولى أراد الرحيل؟!
الرحيل لمدة أيام دون التفكير في أي شيء؟!
رُبما لم يكن عليه الذهاب كان عليه البقاء في مكانه..
رُبما كان اهتم بها بشكل أكبر او حتى كان هناك بدلا من معرفة هذا الخبر وهو هنا…
تمتمت فردوس بقلق حقيقي:
-ليه حصل ايه؟!.
رد كمال عليها بنبرة فاترة:
-تبعت وعندها انزيمات الكبد وكذا حاجة عليت لسه مش عارفين بالظبط بس احنا لازم نحضر الشنط ونستنى لغايت ما عمي يكلمنا ويعرفنا حجز لينا امته يارب يلاقي حاجة ترجعنا النهاردة..
قالت فردوس مقدرة ما يمر به:
-خير ان شاء الله يا حبيبي، هتقوم بالسلامة، متقلقش ان شاء الله خير..
لا تعلم هل كلماتها قد تواسيه أم أنها ليس لديها مفعول؟!
هي ليست جيدة في فن المواساة..
أسترسلت حديثها بنبرة مرتبكة وهي تجده لا يعطي أي رد فعل:
-أنا هروح احضر الشنط وألم الدنيا علشان نحضر نفسنا…
_______________
اخـتـبـار…
كانت ليلة مليئة وحافلة بالاختبارت في كل لحظة وكل ثانية، كان حبه الشديد لها يجبره أن يتمهل بشكل أكثر من الطبيعي، يتفهم خوفها، تراجعها اللحظي التي تعود عنه، تخشبها في بعض المواضع، كان هذا اختباره السيطرة على الوضع بقدر الإمكان…
أما كان الاختبار الحقيقي بالنسبة لها هي أن تسمح لمشاعرها بأن تفوز بالنهاية على مخاوفها، وأن تنسى تجربة ألمتها وبشدة..
لكن لا شيء يقارن بين التجربتين…
كان الفارق هو، والفارق مشاعرها الناضجة التي جعلتها تعلم الفارق بين مشاعر لم تكن شيء مقارنة بما تشعر به تلك الأيام وتحديدًا ليلة أمس، لم تصدق أبدًا بأن هذا الشيء قد حدث..وأنها هي من طلبت منه..
أحبته وبشدة كانت تريده ليلة أمس كما يريدها وكان هذا الذي جعلها تتخلى عن كل شيء…
استيقظت بين أحضانه لم تنم طويلًا مثله، لكنها مستمتعة بدفئه وحنانه وهو يحاوطها، حنانه الذي يناقض تذمره المستمر وأحيانًا تقلباته المزاجية العنيفة…..
تأملته بملامح حالمة وسعيدة، نعم هي سعيدة بعد أن قامت بإلغاء السعادة منذ زمن من قاموسها…
لا تصدق بأن رُبما السعادة كانت تنتظرها وتتواجد طوال عمرها أمام عيناها، كان هناك رجل تتمناه أي فتاة أمام عينيها لكنها عشقت أخر، أو ظنت ذلك، كان عقلها مختلف، مشاعرها مختلف، مشاعر المراهقة ليس لها علاقة بمشاعرها كامراة ناضجة الآن…
انتظرت طويلًا ان يستيقظ لكنه لم يفعل حتى خرجت من بين أحضانه بهدوء شديد، وذهبت إلى غرفة فهد وجدته مازال نائمًا في سبات؛ تركت قُبلة على وجنتيه ثم دثرته بالغطاء جيدًا وعادت مرة أخرى إلى غرفتها لتنام بأحضانه، أحضانه علاج، ومداوة حتى دون أن ينطق بكلمة، هو ليس جيدًا في الحديث هو نفسه معترفًا بهذا…
استيقظ بعد وقت لا يعلم هل لأنه نام بعمق بعد ليلة تمناها لسنوات، ام أنه يخشى أن يستيقظ ليجد أن هذا كله من نسخ خياله ولم يحدث!!
حتى بعد موافقتها على أن تستكمل حياته معه لم يكن يشعر بأنه سيحدث شيء بينهما أو أنها ستقوم بتنفيذ قرارها وكأنها سوف تتراجع، كان يخشى أن تشعر بأن مشاعرها ما هي إلا امتنان له لا أكثر، لكن ليلة أمس أكدت ما هو عكس ذلك..
هل استيقظ لأنه أخذ حاجته من النوم أم حركتها بين أحضانه وأنفاسها المضطربة الغير مستقرة هي من جعلته يفتح عينه وينظر لها، بادلته نظراته…
ليشعر بالضياع لمدة ثواني هل هي هنا بين أحضانه حقًا؟!…
عقبت أفنان بنبرة هادئة وخافتة لا تصل إلا للرجل الذي تنام بين أحضانه:
-صباح الخير، أنا صحيتك ولا أيه؟!!
قالت كلماتها الأخيرة بندم أن تكون هي سبب استيقاظه..
غمغم داغر بنبرة مُبهمة لم تفهمها:
-هي الساعة كام؟!.
تمتمت أفنان بتلقائية:
-تقريبًا خلاص الظهر قرب يأذن..
ترك قُبلة على جبهتها وغمغم بنبرة مختلفة لكنها مشرقة بكل تأكيد:
-صباح النور..
تحيته التي ردها متأخر جعلتها تظن بأن الإرسال يصل له متأخرًا رُبما، ابتسمت له برقة وخجل…
ضمها إلى أحضانه لعل العناق يخبرها بما لا تستطع قوله!!
حاول أن يبحث في عقله عن أي كلمات يستطع قولها قد تصف ما يحدث بداخله ويصف ساعدته لكنه فشل….
غمغم داغر بنبرة صادقة، صدق بها في مشاعره:
-مفيش كلام يوصف اللي أنا حاسس بيه..
(وأنا)..
هذا ما تشعر به بالفعل…
بادلته احتضانه بعمق وحب كبيران؛ حتى شاء صوت الهاتف أن يفصل هذا العناق، ابتعد عنها داغر بمسافة ليست بعيدة لكنها تسمح له بأن يمد يده إلى الكوميدنو ويأتي بهاتفه ليجد أن المتصل هو (توفيق)..
أجاب داغر عليه:
-ألو..
ألقى توفيق عليه التحية ثم سأله بنبرة غريبة:
-أفنان موبايلها مقفول ليه؟!.
صوته وصل إلى أفنان لأن الهاتف كان قريب منها نظرًا لوضعها بين أحضانه، تمتمت أفنان بنبرة خافتة:
-واضح انه فصل شحن وهو مع فهد امبارح بليل لما كان سايب موبايله في الشاحن هتلاقيه خلص على موبايلي أنا كمان، هو في حاجة ولا أيه؟!..
كان لها الخبر بعد سؤالها..
بأن والدتها في المستشفى……..
_____________
” المستشفى ”
أفنان كانت في حالة انهيار..
منذ أن أتت وعلمت حالة والدتها…
حاول داغر وتوفيق، حتى بكر أن يقوموا بتهدئتها ولكنها كانت تتحدث بنبرة غير مفهومة:
-أنا السبب، انا السبب في اللي هي فيه، ولما رجعت حسيت انها تعبانة بس هي قالتلي انها عادي، بس كان باين عليها كان المفروض مسكتش..
قبل أن يتحدث داغر كان توفيق يسبقه قائلا بنبرة صارمة:
-أفنان، مش وقتك ومش وقت كلامك ولا وقت عتابك وكلامك اللي ملهوش لازمة؛ مواعيد الزيارة هي ساعة في اليوم، هتيجي تشوفيها وتكوني متماسكة قصادها تعالي مش هتعرفي تسيطري على نفسك خليكي في بيتك، دي حالة أمك من سنين واحنا بنتعامل معاها وأي مضاعفات كان شيء متوقع خصوصا في الفترة الأخيرة.
ابتلع ريقه ثم استرسل حديثه بنبرة واضحة:
-مش بقولك متزعليش على امك بس الأوقات اللي زي دي العياط والانهيار مش هيعملوا حاجة، لأن كل واحد وراه هم وبيفكر في امك وصحتها مش بيفكر هيواسي حضرتك ازاي…
نظر بكر إلى والده بـعتاب لكن لم يعبأ توفيق بنظراته، كان يرغب في وضع حد، هي على وشك قول كل شيء أمام بكر وأمام فهد من كثرة انهيارها الوضع لا يحتمل تساؤلات او استفسارات او زيادة عدد الأشخاص الذين يعرفون الحادثة..
كان فهد يجلس بجانب والدته على المقعد الحديدي بينها وبين توفيق، يمسك بكفها، غمغم داغر بنبرة مكتومة ومنزعجة من حديث توفيق معها لأنه عنفها حتى لو بصورة طفيفة..
-قومي ننزل نشرب اي حاجة تحت ونطلع تاني.
استمتعت أفنان إلى حديثه ونهضت من مكانها وسارت معه ومعهما فهد….
_____________
ذهبت برفقة والدتها وجدتها إلى القاهرة…
كانت رحلة طويلة..
شعرت بالقلق والملل..
رُبما هذا نابع من الترقب…
هذه ليست المرة الأولى التي تخرج بها من البلدة متجهة نحو القاهرة فعلتها العديد من المرات منذ سنوات حينما قامت بـتقديم اوراقها في جامعة القاهرة….
لكنها المرة الأولى التي تذهب فيها من أجل أن تخطو خطوة حقيقية نحو هلال..
استقبلهما هلال من بداية الطريق بعدما جعل نرمين تصطف بسيارتها في أحد الأماكن العامة، وأخذهما في سيارته متوجهين صوب المتجر لشراء الشبكة إلى بشرى وكانت هناك تنتظرهم والدة هلال..
الحيرة تمتلكت بشرى عند رؤية الكثير من الأشياء أمامها من الذهب، والألماس، كان الجميع يحاول مساعدتها حتى هلال نفسه التي شعرت بذوقه الرفيع واهتمامه بالتفاصيل بشكل كبير وبالرغم من انه كان يقترح عليها هو ووالدته ، عائلتها؛ إلا أن الجميع في النهاية ترك لها حرية الاختيار، ما اختارته كانت قطع مختلفة نصفها تقريبًا من الذهب ونصفها من الألماس، كانت تشعر بالحيرة من الاستقرار على شيء واحد لذلك قررت الجمع بينهما ولم يعترض أحد على قراراها..
أشترت والدة هلال لها عُقد هدية منها هي وزوجها الذي ينتظرهم في المنزل، كانت هديتها مختلفة وبعيدة عن الشبكة وشكرتها بشرى بخجل كبير، تلك المرأة حقًا تخجلها حتى في حديثها وودها، أمرأة حنونة وعطوفة إلى حد كبير، أكثر من أي أمرأة رأتها في حياتها..
او رُبما لأنها لم تأخذ حنان كافي من والدتها…
بعد شراء الشبكة توجه الجميع صوب منزل عائلة هلال، كان المنزل جميلًا ولطيفًا أغلب أثاثه قديم وعتيق، يعود إلى سنوات طويلة فترفض والدة هلال الانسياق الدائم وراء صيحات الموضة التي جعلت جميع البيوت تقريبًا تشبه بعضها، فهي لا تقوم بتغير الاثاث بل تحافظ عليه وعلى عراقته إلا حينما يحدث أي شيء يجعل شيئًا ما ينكسر أو يحدث له شيء لا تستطيع معالجته…
كان البيت دافئ وحنون بتفاصيله وكانت جدتها ووالدتها قد انسجما في الحديث مع والد هلال وزوجته كان هناك بعض المواضيع المشتركة بينهما..
استأذنت بشرى لتجيب على هاتفها وذهب إلى الشرفة التي لم تكن تبتعد بمسافة كبيرة عن مكان جلوس الجميع بل يستطيعون رؤيتها من مكانهما، حينما ولجت إلى الشرفة الكبيرة لاحظت الكثير من الزهور والنباتات التي تقوم والدة هلال بزرعها ابتسمت حينما رأتها تلك المرأة جميلة بالفعل وانيقة ويبدو أنها سيدة منزل من الطراز الأول وهذا شعرت به من مذاق الطعام الرائع والشهي..
أجابت بشرى على صديقتها ملك دون مقدمات أو تحية:
-دي المكالمة الواحد وخمسين النهاردة يا ملك اديني حتى فرصة اروح وانا هحكي ليكي كل حاجة اصورلك الشبكة واعملك كل اللي تعوزيه اديني فرصة..
ثم تمتمت بنبرة ساخرة:
-ثم مدام أنتِ مهتمة وفيكي الحماس ده كله مجتيش ليه؟! ما قولتلك تعالي قولتي لا..
جاءها صوت ملك عبر الهاتف متمتمة بغيظ:
-قولتيها عزومة مراكبية مقولتهاش من قلبك كده..
قالت بشرى بعدم تصديق:
-أنا؟!.
“ايوة انتِ”.
تمتمت بشرى بنبرة خافتة لكنها ساخرة:
-دي عادتي معاكي يعني يا ملك ودايما بتكوني أنتِ الطرف الأكثر حماسًا واليومين اللي فاتوا انا كنت مضغوطة ومخنوقة، وأنتِ قولتي لا واتحججتي بأبوكي أنا صدقتك مع أن كان نفسي تكوني معايا.
“خلاص ياستي بلاش جو الصعبنيات ده أنا جبلة أصلا ومش بزعل بس اعملي حسابك وقولي لابوكي اللي مش طايقني ده اني هاجي أبات عندكم ٣ ايام قبل الخطوبة واني بأكل أربع مرات في اليوم”.
ضحكت بشرى رغمًا عنها ثم غمغمت:
-حاضر ياستي..
“خلاص يلا روحي شوفي بتعملي ايه عقبال ما اخلص الغداء وكلميني فيديو كول لما تنزلي من عندهم وتروحي اسليكي في الطريق علشان في موضوع عايزة احكيهولك”.
-ماشي سلام.
-سلام.
هكذا أنتهت المكالمة بينهما وحينما أستدارت بشرى تستعد للمغادرة وجدته واقفًا عاقدًا ساعديه وعلمت بأنه علم مع من تتحدث حينما غمغم مداعبًا أياها:
-واضح أن ملك جزء أساسي من الجوازة أنا بقول نعملها اوضة في شقتنا..
بدون التفكير لـثانية واحدة هل هذا الحديث المرح بينها وبين صديقتها يصح قوله أمامه كانت تتحدث مؤكدة وجهة نظره:
-هي فعلا عاوزة كده.
ضحك هلال من قلبه هي لن تتحكم في لسانها مُطلقًا.. على وشك أن يفقد الأمل بأن تتغير، هي لا تعلم حقًا لما يحدث هذا دومًا معه؟!..
مع أنها أكثر شخص لا يحب الحديث وكتوم لكنه يقوم بتغيير المعادلة ببساطة، توقفت ضحكاته حينما عقدت بشرى ساعديها هي الأخرى متمتمة بنبرة جادة:
-صحيح في حاجة أنا كنت حابة أتكلم معاك فيها، مجتش فرصة طول اليوم..
عقب هلال على حديثها ببراءة وكأنه يبدو كالأبلة معها:
-لو حابة تعرفي طريقة أي حاجة في الأكل أنا معنديش خبرة، غير في الشوي بس، لو حابة ألفلك ورق عنب وكفتة والشيش وأنتِ مروحة تمام، لأني لاحظت أعجابك بيهم..
نظرت له باستغراب!!
هل كان يراقبها؟!
من بين الكثير من الأصناف التي كانت موضوعة أمامها كان الثلاث أطباق من نالوا إعجابها…
ما الذي؟!!
صدقًا هذا الرجل مخيف لمشاعرها العذرية..
مخيف جدًا..
أصابها بالخجل..
حاولت الحديث بطريقة عادية وكأنها لم تسمع شيء:
-لا في حاجة عايزة أتكلم معاك فيها بجد…
رفع هلال حاجبيه وتحدث باهتمام ونبرة مختلفة:
-اتفضلي..
قالت بشرى بتردد:
-أحنا لسه على البر..
سألها هلال بتركيز:
-يعني بمعنى أيه؟!.
تمتمت بشرى بنبرة جادة جدًا ومجروحة:
-يعني لو حاسس بأي احساس غريب أو أي تردد، أو حاسس اني منفعش ليك مش مناسبة ليك بأي شكل من الأشكال قبل ما نتخطب ياريت تقولي نفركش..
قال هلال بعدم فهم:
-أنا مش فاهمك، أحنا لسه شاريين الشبكة النهاردة وتقوليلي لو حاسس اني مش الانسانة المناسبة؟! مش حاسة أنك بدأتي المشاكل والكلام اللي بيتقال بعد الخناقة بدري أوي ده أحنا لسه متعرفناش على بعض بالشكل الكافي حتى..
هتفت بشرى بجدية وهي تصرح بجزء بسيط جدًا من مخاوفها:
-عادي ممكن متكنش مقتنع بيا مئة في المئة؛ او في أي سبب اللي خلاك تعوز تخطبني أي أن كان ايه هو، ويمكن من جواك مش مقتنع، بالتالي هتلتزم وتحس بالاحراج فيما بعد أنك تفركش زي ما في ناس كتير بتعمل وده هيتبني عليه علاقة فاشلة..
سألها هلال بملل:
-أنتِ ليه بتتعاملي معايا كأنك بتتعاملي مع عيل صغير او حد مش عارف هو عايز أيه؟!!
حاولت بشرى المرح ولكنها لم تخرج منها الكلمات بتلك النبرة ابدًا، كانت نبرتها عاطفية وهشة:
-مش القصد بس يعني حضرتك محامي مش محتاجة اقولك عن حالات الطلاق والرجالة اللي فجأة بعد الجواز بتصحى من الغيبوبة بعد سنين كأنها كانت في تنويم مغناطيسي وتحس أنها اختارت غلط..
عقب هلال بنبرة عادية:
-لو هنتكلم على منطقك في ستات برضو بعد سنين جواز بتكتشف كده مش بس الرجالة وبتكون حياتها كويسة وفجأة تكتشف برضو انها غلطت في اختيارها..
أبتلع ريقه وغمغم بجدية:
-أي علاقة عاطفية بين اتنين خطوبة او جواز، أو حتى علاقة صداقة، علاقتك بملك فيها احتمال أنها تفشل، مفيش حد ضامن نجاح علاقة للأبد إلا لو كان ساحر، بالنسبة للناس اللي بتفوق بعد سنين دي علشان عقلية البني ادم واهتماماته بتختلف كل ما بيكبر وبيعدي بيه العمر، في منهم اللي بيتقبل اختلافه واختلاف شريك حياته وبيكمل علشان في مودة ورحمة وحب وفي اللي بيهد حياته في لحظة وبيندم بعدين زي ما في دول فيه دول…
تمتمت بشرى بارتباك:
-أنا كنت بتكلم في نقطة معينة مكنش له لازمة الدخول في التفاصيل دي كلها، يعني لو في أي لحظة حسيت انك مش مرتاح عرفني أفضل يعني نكون صُرحه مع بعض، طلبت كتير انا يعني؟!.
أردف هلال بنبرة هادئة وهو ينظر لها نظرات ثاقبة:
-زي ما بتقولي الكلام لازم تسمعي الرد عليه، وبعدين انا لو مش مرتاح مش هكمل زي ما انتِ لو مرتحتيش معايا في أي لحظة مش هتكملي أحنا مش مجبورين، لازم تفهمي النقطة دي محدش بيتجبر على حاجة خصوصًا في وقتنا ده، وبعدين أنا شكلي هفضي الموضوع من النهاردة لأني كل قعدة بنقعدها مع بعض احنا بنتناقش في حال المجتمع بدل ما نشوف اللي احنا داخلين عليه..
استرسل حديثه بنبرة جادة:
– اجلي احاديثك الشيقة عن المجتمع وعن العلاقات بين البشر يمكن نحتاجها في المكتب؛ لأن اكيد مش لما اشوفك واقعد معاكي او نقعد قعدة عائلية هنتكلم عن الرجالة اللي بتكتشف انها غلطت بعد كام سنة..
فركت بشرى أصابعها متمتمة بحرج:
-معاك حق…
تمتم هلال بنبرة عادية وكأنه لم يكن على وشك أن يقوم بـكسر رأسها بسبب أفكارها منذ ثواني معدودة:
-عجبتك الشبكة؟! لو في حاجة حسيتي أنك اتسرعتي أننا نجيبها ممكن تبدليها على العموم لسه في وقت…
غمغمت بشرى بهدوء:
-لا أنا مقتنعة بيها وبكل حاجة جبتها، اه كنت محتارة وانا بختار بس يعني حسيت لما جبنا الحاجة انهم لايقين عليا وشبهي.
-وده المطلوب انك تكوني مرتاحة وعاجبينك..
ابتسمت له بحياء ليُردف هلال بنبرة جادة:
-على العموم أنا لسه عندي عرضي اني ألف الكفتة وورق العنب..
عقبت بشرى بتلقائية:
-والشيش طاووق اوعى تنساه؛ بس متبينش يعني لح عليا انك تعمل كده قدامهم.
ضحك ليغمغم بجدية:
-ماشي مش مشكلة هتحايل عليكي قدامهم تأكليهم وانتِ مروحة لأن طريقكم طويل..
ثم أسترسل باقي حديثه باستفسار:
-أنتِ متأكدة من أن مامتك هتقدر تسوق تاني النهاردة وتروح بيكم؟! لو حابة أنا ممكن ارجع معاكم أنا واخد على طريق السفر والسواقة..
هزت بشرى رأسها بإيجاب:
-لا متقلقش مفيش لزوم تتعب نفسك..
لم يقتنع ولكنه قرر أن يعرض الأمر على والدتها؛ عقب هلال بنبرة عادية:
-المرة الجاية اعزمكم في بيتي بعد الخطوبة وتشوفي المكان بالمرة…
رددت بشرى بتوتر يصاحبها فلقد طال حديثهما:
-ان شاء الله..
لاحظ ما ينتابها فأردف هلال برُقي:
-ادخلي يلا علشان تدوقي التراميسو اللي ماما عملاه..
غمغمت بشرى وهي تسير بضعة خطوات:
-أنا بجد بطني مبقاش فيها مكان..
سار خلفها متمتمًا بداعبة:
-تدوقيه ونلفه مع الكفتة برضو وهلح عليكي، بس اهم حاجة متأكليش كميات زي ملك صاحبتك أنتِ حلوة كده لأن واضح انها من الناس اللي مش بيبان عليها أكل…
أستدارت بشرى فجأة مغمغمة باعتراض:
-قصدك ايه اني لو تخنت هيكون عندك مشكلة؟!.
قال من بين ضحكاته هي مزيج عجيب بين الجراءة والخجل، التوتر، هو معجب بها رغم غرابة أطوارها، تروق له وبشدة لم يكن يصدق يومًا بأنه سيتحمل أمرأة بطباع بشرى المترددة والتي تسعى لاثبات بأن علاقتهما فاشلة..
هو دومًا كان يظن بأن الفتاة التي سيرتبط بها بالتأكيد عاقلة، ناضجة، راشدة، تعرف ما تتفوه به، تحسب كلماتها قبل أن تخرجها من فمها، هادئة ولطيفة، بشوشة لكنها جاءت عكس مقاييسه العقلية ولكنها ناسبت مقاييسه العاطفية التي يكتشفها لأول مرة:
-ده كل اللي جه في بالك تغلطيني؟!
______________
” بــنــي ســويــف ”
في الثالثة بعد منتصف الليل كانت زينب تجلس على الفراش كان اليوم مُرهق على صحتها، وعلى أمرأة في سنها لكنها أرادت أن تسعد بشرى يكفي غياب منير…
بعدما خلعت ملابسها وأخذت حمامها صعدت إلى فراشها ويبدو أن الجميع مر بتلك المراحل مثلها…..
كان منير قد اتصل بها أثناء طريق العودة وأخبرها أن تتصل به فور عودتها ضروري دون أن تخبر بشرى أو نرمين..
شعرت بالقلق…
لذلك رغم تأخر الوقت إلا أنها التقطت هاتفها وقامت بالاتصال به ليجيب عليها بعد ثواني، فهو كان يحمل الهاتف بين يديه وينتظر اتصالها بفارغ الصبر…..
-ألو يا ماما..
غمغمت زينب بقلق كبير:
-في ايه يا ابني قلقتني؟! ايه اللي حصل أنتَ كويس؟! صحتك كويسة؟!.
أتاها صوته بنبرة مغتاظة:
-أنا صحتي كويسة لغايت دلوقتي..
قالت زينب بحيرة:
-ما تقول في ايه يا ابني، أنتِ هتجنني معاك؛ أنا مبقتش حمل أي حاجة أمك كبرت…
أردف منير باختصار:
-انا عايزك تجيلي إسكندرية محتاج أتكلم معاكي يا امي، في موضوع مهم ومش هينفع اقوله في التليفونات، في أقرب فرصة تعالى لو تعرفي تيجي بكرا هبعتلك حد يجيبك لغايت هنا..
-أنتَ بتقلقني ليه يا منير، وقعت نفسك في ايه يا ابني؟!.
والدته تحدثه وكأنه طفل من وجهه نظره..
أما من وجهه نظرها هي تعلم بأنه يفتعل الكوارث ولا يقوم بتصليح حياته أو حتى كسب ود زوجته وأولاده، مهما تحدثت معه، لا يُجدي نفعًا..
-صدقيني يا امي الموضوع مينفعش في التليفون، هتقدري تيجي بكرا؟! هبعتلك أيمن..
رغم الإرهاق البادي عليها من السفر إلى القاهرة والعودة في اليوم نفسه إلا أنها غمغمت من شدة القلق الذي انتابها..
-ماشي.
أسترسل منير حديثه مؤكدًا الأمر:
-اهم حاجة بشرى ونرمين ميعرفوش أنك جاية عندي حاولي تلاقي أي حجة تقوليها قصادهم..
-حاضر يا ابني..
-سلام.
سلام.
انتهت المكالمة لكنها ظلت مكانها تشعر بالقلق الشديد..
بينما كان هناك في المنزل نفسه غرفة يشوبها القلق، كان هناك غرفة اخرى تختبر السعادة من نوع أخر…
نامت بشرى بجانب مقتنياتها، نامت بسعادة لا تستطيع أن تنكرها؛ هي منجذبة بشكل كبير لهذا الرجل وسعيدة لأنها تخطو خطوة معه؛ بغض النظر عن عُقدها في الزواج والانجاب أطفال قد يعانون مثلها، لكنها سعيدة، وهناك بذرة من الثقة أو حتى الأمان بدأت تنبت في قلبها…
_____________
في اليوم التالي..
جاء كمال وفردوس من السفر..
لم يكن هناك أي حجوزات خالية في اليوم نفسه انتظرا حتى صباح اليوم التالي…
كان أصعب انتظار هو الوصول من القاهرة إلى الشرقية كان طريق يغضبه ولا يتحمله كل الانتظار السابق كان لا يضاهي تلك المدة حتى كادت فردوس أن تقسم بأنه على وشك أن يتشاجر مع الجميع حتى في إجراءات السفر العادية في المطار كان غاضبًا إلى أقصى درجة..
حمدت ربها حينما وصل إلى المستشفى برفقة فردوس وكان فهد يجلس أمام العناية برفقة داغر، كانت أفنان بالداخل عند والدتها…
تزامنًا مع وجود كمال في نهاية الرواق، كانت أفنان تغادر من غرفة والدتها تعطي المجال لأي شخص يطمئن عليها تحديدًا بأن الوقت قارب على الانتهاء…
حينما وجدت كمال أمامها ركضت حتى توجهت صوبه، احتضنته، توفيق يجبرها على التماسك وإدارك الموقف، وهي ترغب في ضمة حنونة، وعلى الرغم من رغبة كمال في رؤية والدته إلا أنه لم يردها ولم يبعدها بل على العكس ضمها في أحضانه وترك قُبلة على رأسها تاركًا لها تفعل ما تريده حتى أنه شعر بدموعها تبلل ملابسه، ابعدها عن أحضانه بعد مدة، مسح دموعها بأنامله قائلا بكلمات يحاول اقناع نفسه بها منذ ليلة أمس..
-ان شاء الله خير وهتقوم بالسلامة.
قالت أفنان بنبرة هامسة:
-يارب.
عقب توفيق بنبرة هادئة:
-حمدلله على سلامتكم.
لم يعقب كمال، بل قالت فردوس بنبرة لا تعلم ماهيتها هي نفسها تلك المرة الأولى التي ترى بها أفنان بعدما علمت الحقيقة كاملة:
-الله يسلم حضرتك..
كان خلال هذا الوقت كمال ترك الجميع وولج إلى الداخل لتلحق به فردوس دون إضافة حرف واحد..
“بداخل الرعاية”.
كان كمال يحتضن والدته تارة ويُقبل يدها تارة أخرى غمغمت منى بعدم رضا:
-ايه اللي رجعكم يا ابني بس، ما كنتم فضلتوا هناك وانبسطوا شوية…
غمغمت فردوس بعفوية:
-هو في اغلى منك؟! مين هجييله نفس ينبسط وحضرتك في المستشفى…
قالت منى بسخط:
-هما السبب مكنش ينفع يقولولكم، وبعدين هما الدكاترة والمستشفيات دايما يحبوا يكبروا الدنيا الواحد يجي عندهم سليم يروحوه تعبان..
نظر لها كمال بعدم رضا، والدته لن تكف عن جعل صحتها أمر لا أهمية له!!
مهما بلغ وضعها من السوء تحاول جعل الصورة هينة أمامهم، تمتم كمال بنبرة جادة:
-ماما أنتِ مكنتش بتاخدي علاجلات السكر والضغط ولا علاجاتك بانتظام؟!..
قالت منى باعتراف:
-ايوة مكنتش باخدهم بالنتظام انا زهقت شوف أنا باخد كام برشامة في اليوم، العلاج ده يتعب الواحد اكتر….
غمغم كمال مجادلًا ومنفعلًا بعض الشيء:
-ولما حضرتك وقفتيه وضعك اتحسن؟! وبعدين فين ام شيماء من الحوار ده كله لما اشوفها..
قاطعته منى بنبرة صارمة:
-شيماء ملهاش دعوة هي بتتحايل عليا وهي اللي بتخدمني وبتعملي كل حاجة، لكن انا مش عيلة صغيرة علشان حد يغصبني اخد علاج لو انا مش عايزة، حسك عينك تعمل مشكلة معاها او تقطع بعيشها بسببي دي بقالها سنين في بيتنا وواحدة مننا…
تمتمت فردوس متدخلة في الحوار:
-يا طنط كمال مش قصده حاجة هو قلقان عليكي لو في دواء معين بيضايقك نعرف الدكتور، في أدوية بتهمد الجسم وأدوية بتتعب المعدة ممكن نخلي الدكتور يغيره..
قالت منى بانزعاج:
-كتر الأدوية عموما بيضايقني يا بنتي ربنا ما يكتبها على حد أنه ياخد كمية العلاجات دي ولا تشوفوا المرض…
قاطع كمال تلك الدعوات بإصرار:
-يارب ياست الكل بس لازم تعرفي انك مش هتطلع من المستشفى غير لما نطمن عليكي ولما نروح البيت هتلتزمي على العلاج..
غمغمت منى بنبرة ساخرة لكنها لا تخفي إرهاقها الواضح في نبرتها وصوتها وكانت بالفعل غاضبة فهي لا تحب الجلوس في المستشفى:
-عاقبني كمان لو ماخدتهوش وبعدين أنتم واقفين هنا بتعملوا ايه؟! مش الساعة عدت تلاتة وميعاد الزيارة خلص، يلا امشوا مدام عايزني اقعد في المخروبة دي، التزم بتعليماتها بدل ما أنادي حد يخرجكم…
___________
” الإسكندرية ”
-أنتَ بتهزر يا منير، بتهزر أكيد، قول انك بتهزر يا ابني وانا هعتبر نفسي مسمعتش أي حاجة…
بعد رحلة طويلة ومُرهقة لامرأة في عمرها من بني سويف إلى الإسكندرية مرت بها، تحديدا بعد ذهابها وعودتها من وإلى القاهرة ليلة أمس، فهي ليست معتادة على هذا المجهود…
وما أن جاءت لم يكن لديها من الصبر ما يجعلها ترتاح من عناء السفر بل طلبت فورًا من منير تفسير وما سمعته لم تستوعبه؟!!.
كيف تظهر تلك المرأة بعد سنوات؟!
عن أي ابنه تتحدث؟!
تمتم منير بقهر وغضب شديد:
-أنا مش عارف اعمل ايه..
صرخت زينب في وجهه بغضب جامح:
-يعني ايه مش عارف تعمل ايه؟! يعني ايه؟!!.
غمغم منير بتوتر وحرج كبير:
-يمكن تكون بتكدب عليا مهوا مش طبيعي وانا مش مصدق الحوار ده..
صاحت زينب بانفعال شديد:
-اعمل زفت تحليل في مكان نثق فيه أنتَ لسه هستنى..
قال منير بنبرة غامضة:
-انا خايف متطلعش بتكدب أنا بدعي أنها تكون بتكدب يا امي كلامها ده لو حقيقي هتكون كارثة، كارثة..
غمغمت زينب بامتعتاض وثورة:
-من امته جه من وراك غير وجع القلب والمشاكل، هي كارثة كارثة فعلا د شكلنا قدام الناس، وعلى نرمين وبشرى لو الكلام ده حقيقي..
من انفعالها وغضبها قالت رغمًا عنها:
– لكن أنتَ ربنا ما يسامحك يا ابني على المصايب اللي اتحدفت علينا بسبب رمرمتك في النسوان دي اللي جابت لينا واحدة لا نعرف أصلها ولا فصلها سرقتك وهربت وجاية بعد سنين تلبسنا في الحيط..
يجلس أمام والدته يتركها توبخه كـ طفل يبلغ من العمر عشرة أعوام، تمتمت زينب وهي تنظر له بسُخط:
-اول ما نصحى بكرا نروحلهم أنتَ سامع مش هنستنى لما ترفع علينا قواضي ونتفضح بين الناس هتخلي الناس تجيب في سيرتنا بعد العمر ده كله..
-أنتِ قولتي ليهم في البيت أنك رايحة فين؟!
تمتمت زينب بغيظ:
-قولت ان ليا واحدة قريبتي رايحة ازورها علشان تعبانة بس محدش اقتنع، مش مشكلتنا اتنيلت قولت ليهم ايه خلينا في اللي احنا فيه…
_____________
في اليوم التالي…
عرف مضمون ما حدث من سوسن..
لأن السيدة شمس لا تجب على اتصالاته منذ أيام مما جعله على وشك أن يُصاب بالجنون من أنها ترفض الحديث معه….
هو يفتقدها بشكل يزعجه ويغضبه…
يخبر نفسه ألف مرة في اليوم أنها راقصة..
لعله لا يفكر بها، يكرهها..
تخرج من رأسه..
لكن كل هذا لا يحدث أبدًا بل يستشاط غضبًا بعد كل اتصال لا تجب فيه عليه، حتى أنه كاد أن يقسم بأنه لن يتحدث معها مرة أخرى، لكن قبل ذلك تلقى منها اتصال تخبره بأنها سوف تنتظره في المكان القديم الذي يجمعها، النادي الذي يتواجد قُرب النيل، كان المكان والميعاد تلقاه منها عن طريق رسالة إلكترونية مختصرة جدًا…
حاول كثيرًا أن يتجاهلها كما فعلت معه، لكن لا يستطيع..
هو أشتاق إلى رؤيتها لن ينكر حتى أمام نفسه، يشعر بمشاعر قوية للشخص الخطأ، في الوقت الضائع……
ها هو يجلس قبالتها طلب قهوته، وهي طلبت عصير البرتقال وظل الاثنان في مرحلة صمت غريبة، حتى أنه اشعل سيجارته وهو ينظر إليها نظرات مُبهمة ولم تختلف هي عنه في شيء..
تحدث شريف أخيرًا مقتحمًا الأجواء:
-ايه اقوم امشي واجي بكرا طيب علشان تلاقي حاجة تقوليها؟! علشان عدينا النص ساعة قاعدين ومسمعناش صوتك..
رددت شمس على حديثه ببرود:
-ما أنتَ كمان منطقتش يعني.
أردف شريف ساخرًا:
-والله مش انا اللي باعت رسالة وقولت عايز اقابلك.
أجابت عليه شمس بكبرياء وهي تعقد ساعديها:
-معتقدش اني عملت كده إلا علشان اخلص من زنك انتَ بقالك كذا يوم مبطلتش رن عليا، مش ملاحظ أن تصرفاتك عكس كلامك.
كز على أسنانه وهو يتمنى أن تكون بينهما لما لا يكن من رابطة أكلي لحوم البشر لعله تخلص منها منذ مدة!!!.
شعرت بأنه على وشك أن ينفجر بها من نظراته التي اشتعلت اكثر مما كانت عليه فغمغمت شمس على مضض:
-كنت محتاجة اشوفك يمكن اهدى، الأيام اللي فاتوا كانوا أصعب أيام عدت عليا، ومكنتش عايزة أرد عليك علشان متشمتش فيا..
رفع حاجبيه مرددًا كلمتها باستنكار:
-أنا بشمت فيكي؟!.
قالت شمس بنبرة ساخرة:
-لو مش بتعتبرها شماتة فهي تريقة عليا ودي حاجة مش بسطاني مثلا..
أجاب عليها شريف بنبرة جادة من الدرجة الأولى:
-بتريق عليكي اه ساعات لكن مش شماتة تفرق.
هي التي ترغب في قتله، كلاهما يرغب في قتل الأخر، لكن من منا في الحب لا يموت؟! تستنفذ مشاعره، تارة يشعر بأنه في النعيم وتارة أخرى في الجحيم، الحرب والحب ما بينهما راء وهي متذبذبة بينهما ليست مستقرة أبدًا في حالتهما، لكن لا شك بأن الحرب والحب وجهان لعملة واحدة..
تمتم شريف بصوت هادئ يحاول أن يسمعها فهو ليس جيد في سماع مشاكل النساء عمومًا لكنه معها يحاول أن يغير من شخصيته:
-ايه اللي حصل؟!.
قالت شمس بفتور:
-أنتَ عرفت كل حاجة من امي اكيد واكيد عرفت الحوار انتهى على ايه ومن ساعتها مسمعناش صوته..
عقب شريف على حديثها بأكثر نبرة عاطفية سمعتها منذ أن عرفته:
-عرفت بس حابب اسمعك أنتِ..
أنهى حديثه وبعدها بثواني كانت شمس اجهشت في البكاء، انهمرت دموعها بشكل مُريع وتلك المرة رغب في أن يضمها إلى أحضانه يمسح دموعها بأناملها..
أراد مواساتها كما أراد المواساة لنفسه في بضعة ليالي عجاف مرت عليه، لكنه بقى في مكانه وكأنه فقد قدرة على الحركة…
تحدثت شمس من وسط بكائها:
-هتقول عليا عبيطة، هتقول عليا متخلفة هتقول اللي هتقوله أنا كنت عايزة احس اني انسانة طبيعية ليا عيلة، أنتَ مجربتش شعور انك تكون طول حياتك منبوذ فاكر ان ابوك ميت واهله مش عايزين يعترفوا بيك، فترضى تعيش أي عيشة لأن ده مقامك بعد ما أقرب الناس اتخلوا عنك..
ابتلعت ريقها وتحدثت بكلمات منقطعة لا تتحدث بصورة سليمة ولكنه يفهمها والأهم أنه يشعر بها:
-كنت حاسة اني ممكن اكون اخدت فرصة، وممكن كل اللي سمعته واللي حصلي علشان امشي في الطريق الصح وأعرف اهلي، وابويا يعرفني وهحس بكل حاجة وانه هيعوضني..
حاول شريف الحديث بمنطقية لعلها تفكر قليلًا بالعقل بدل من تلك المشاعر المُرهفة:
-الصدمة برضو مش سهلة عليه لازم تديله مساحته أنه يستوعب الموضوع ويعني أكيد هيكلمكم تاني او هيجي ويحاول يعمل التحليل ويتواصل معاكم استحالة انه يعمل نفسه مسمعش حاجة..
هتفت شمس بجدية ساخرة إلى أبعد حد من نفسها:
-حتى لو جه وعمل التحليل وحتى لو اعترف بيا الراجل ده مش هيحسسني باللي كنت عايزة حاسة، هيديني اسمه وبس ده لو عملها..
كيف يخبرها بأن يبدو أن هذا الأمر من طِباع الرجل..
تمتم شريف بنبرة حاول جعلها عادية:
-أنا حاسس أنك مكبرة الموضوع شوية وانه كل شيء بيتحل مع الوقت، لازم ترجعي تفكري بعقلك شوية يا شمس علشان مترجعيش زي ما كنتي ولا تفكري في حاجات مستحيلة وتحاولي تستفيدي من كل شيء حواليكِ حتى في أوحش الظروف.
قالت شمس بنبرة جليدية:
-كل اللي في بالك اني مرجعش زي الاول.
-لنفسك مش ليا.
ابتلع ريقه ثم قال بنبرة عادية:
-ولازم تقدري موقفه اكيد هيتغير لو عمل التحليل وعرف الحقيقة.
تمتمت شمس بفتور وملل:
-معتقدش انه ممكن يغير موقفه أنا محسيتش تجاهه اي حاجة عكس ما كنت متوقعة، والموضوع مش موضوع صدمة وبس حساه مش هيتقبلني او ده طبعه معرفش.
هل هي ترغب في أن يضمها بمجرد أن يعرف الخبر وبمجرد أن يراها امامه سيشعر من أنها من دمه؟!!
هذا يحدث بتلك السرعة في الأفلام فقط…
-هو مجبر يقبلك يا شمس علشان هو مش قد ان سمعته تتهز أو يترفع عليه قضية..
رددت شمس كلمته بوجع استطاع الشعور به:
-مجبر!!
غمغم شريف باعتذار وقح يشبهه:
-مش قصدي يا شمس، قصدي تركزي على المهم يعني أنه يعترف بيكي وحياتك تستقر..
تمتمت شمس بسخرية:
-هتشغلني ساعتها ايه وزيرة؟!.
هل هي ترغب دائمًا تذكيره بماضيها؟!
يا ليته ينساه للحظة واحدة حتى..
-أنتِ مُصرة تعصبيني؟! وتخرجيني عن شعوري وترجعي تزعلي تقوليلي انتَ لسانك طويل و مش بتراعي شعور اللي قدامك.
غمغمت شمس بنبرة عفوية:
-أنتَ محبتنيش يا ثائر اللي بيحب حد بيحبه بكل عيوبه وبكل ماضيه بالعكس أنا حبيتك في كل الأحوال حبيتك وأنتَ ثائر اللي بيتجوز كل كام يوم بتتجوز واحدة وبعد كده ترميها؛ حبيتك وأنتَ في أوحش صورة لكن أنتَ مش عايز تتقبلني رغم اني بتغير…
هتف شريف بنبرة مقتضبة:
-دي غير دي..
قاطعته شمس بجدية:
-لا كله واحد بس هو الراجل عمره ما بيسامح وينسى عكس الست لما بتحب بتنسى كل حاجة..
تمتم شريف بنبرة ساخرة من الوضع:
-صدقيني نصيحة ليكي احنا وضعنا ولا فيه ذكورة تنفع ولا نصايح الفيمنست تنفع، وبعدين انا هسلم نفسي متتوقعيش مني حاجة…
كادت أن تعترض لكن وجدت هاتفه الموجود على الطاولة يصدع صوته، فأخذه وأجاب على فهد:
-ألو يا حبيبي عامل ايه؟!.
يبدو أن فهد قال به شيئًا فغمغم شريف بارتباك ووجدته ينهض من مكانه:
-ده حصل امته؟! وهي عاملة ايه؟!!!!!!..
نهضت شمس هي الأخرى متمتمة:
-في ايه يا شريف..
أبعد الهاتف عن أذنيه ليغمغم بشرود:
-امي في المستشفى انا لازم امشي..
امسكت شمس يده تحاول منعه بعدما تحرك من مكانه متمتمة بارتباك طفيف فهي لا تعلم كيف يرغب في الذهاب:
-ازاي تروح يا ثائر مش غلط عليك؟!.
-غلط عليا بس لازم أروح وانا روحت قبل كده لما كانت تعبانة مينفعش مكنش جنبها..
قالت شمس بعفوية تحاول قول أي شيء من خوفها عليه:
-طب كلم أي حد الاول.
-أنا مش هكلم حد، أنا رايح روحي أنتِ مش هعرف اوصلك.
غمغمت شمس بتهور:
-لا مش هروح انا هاجي معاك.
صاح شريف بنبرة منفعلة:
-تيجي معايا فين؟! هو انا رايح اتفسح..
قالت بإصرار مميت:
-هاجي معاك..
صرخ في وجهها بصوت جهوري:
– قولت لا..
_______________
” الـشـرقـيـة ”
اصطف بالسيارة أمام المستشفى…
بعد ان اتصل بأفنان وتشاجر معها بعد مكالمة فهد لأنها لم تخبره؛ حاولت كثيرًا أن تجعله يعدل عن قراره ولا يأتي لكنه لم يسمع منها عرف ما يريده وهو اسم المستشفى هذا كل ما يهمه..
كل ما استطاعت أفنان أن تفعله معه بأن يأتي بعد ذهاب الجميع على الأقل فحذرها الجميع من معرفة شريف بالأمر ولكن الشكر لطفلها الحبيب…
يجلس في السيارة وبجانبه تجلس شمس عاقدة ساعديها تحدث بغضب من نفسه قبل أن يكن منها:
-أنا أصلا مش عارف انا ازاي سمعت كلامك وجيبتك معايا، أنا ناقص مصايب..
غمغمت شمس بسخرية:
-معلش زيادة المصايب خيرين، وبعدين أنا غلطانة اني جاية معاك اونسك وعلشان متسوقش بسرعة، علشان اكيد هتخاف عليا وخوفت فعلا..
تحدث شريف كاذبًا:
-انا طبيعتي مش متهور في السواقة عادي الطبيعي بتاعي انتِ اللي مسكتي فيا وعايزة تيجي، أنا هنزل وأنتِ هتقعدي في العربية قافلة الازاز مش هتأخر ولو اتاخرت هبعتلك رسالة واقولك هتعملي ايه..
صاحت شمس بجدية واستنكار:
-أنتَ لو اتأخرت اكتر من تلت ساعة انا هطلع اشوفك افرض حصلك حاجة..
-انا اللي هيحصلي حاجة بسببك فعلا؛ أنتِ متتحركيش من مكانك ولا تنزلي ولا تتحركي أنتِ سامعة؟!..
هزت رأسها في إيجاب متمتمة بطاعة:
-حاضر مش هتحرك بس متتاخرش عليا علشان مقلقش عليك..
صاح شريف باستنكار:
-هو أنا ابنك؟!
انهى حديثه وهبط من السيارة وأغلق الباب خلفه، ثم توجه صوب المستشفى وبعد رحيله أخذت شمس تراجع المعلومات التي سمعتها، اسم والدته، المكان المحجوزة به، فهي تشعر بالقلق الشديد عليه وسوف تتصرف إذا تأخر…
” داخــل المستشفى ”
بعد مدة استطاع أن يقنع أحد العاملين في المستشفى بأنه يرغب في رؤية والدته وتعاطفت معه الممرضة واستطاعت ادخاله رغم أن وقت الزيارة انتهى ورحلت العائلات..
كان يجلس على طرف الفراش ممسكًا بكف والدته يقوم بتقبيله وكانت هي تقوم بلومه وتشعر بالقلق الشديد:
-يا ابني مفيش فايدة فيك، مكنش ينفع تيجي ابدًا..
قال شريف وهو يرتدي تلك القبعة والنظارة الشمسية التي اقنعته شمس بشرائهما لا يعلم حقًا لما استمع إليها، ولما أتى بها معه تلك المرأة المجنونة:
-مينفعش يا امي اعرف انك في المستشفي ومجيش، كفايا السنين اللي فاتت كنتي بترفضي تشوفيني…
ثم استرسل حديثه معاتبًا:
-متهمليش في صحتك أرجوكي ولا تشغلي بالك بينا وبيا أنا تحديدًا أنا خلاص موضوعي هيخلص وهسلم نفسي..
هبطت دمعة من عين منى متمتمة بنبرة مختنقة:
-وأنتَ فاكر اني فرحانة أو مطمنة ان ابني هيدخل السجن؟! ولو مدخلش هيعيش عمره كله هربان ووضعه هيكون أسوء، فاكر أن ده ممكن اكون متقبلاه.
-ده نصيب يا امي وانا مش ندمان فارجوكي الحاجة الوحيدة اللي هتزود همي الفترة دي أنك تتعبي وتهملي في نفسك وفي علاجك بسببي…
قالت منى باستسلام:
-حاضر يا ابني قوم امشي بقا بقالك كتير هنا، وأنا خايفة عليك قوم امشي وارجع مكان ما كنت…..
نهض وترك قُبلة على جبهتها وعلى كف يدها للمرة التي لا يعرف عددها فهو منذ أن ولجت أحتضنتها وقبل كف يدها الموضوع فيه الكانولا الطبية
-هكلمك في التليفون اطمن عليكي وبلاش تهملي في علاجك يا امي..
عقبت منى برفق حتى يطمئن باله:
-حاضر يا حبيبي خلي بالك أنتَ بس على نفسك…
-حاضر مع السلامة….
-مع ألف سلامة.
غادر العناية وسار بضعة خطوات وكان على وشك أن يخرج من الرواق ليسمع صوت انثوي استوقفه، رُبما قد نساها لكن قوتها وصيحتها دون أن يستدير جعلته يعلم صاحبتها التي لم تكن سوى فردوس….
-شــريــف…..
-شـــريف أنتَ اتأخرت اوي الحمدلله افتكرت أنك حصلك حاجة….
تلك الكلمات خرجت من فم شمس التي أصبحت أمامه مر وقت طويل ولم يأتي…
كان الصراع في أوج حالاته…….
والانفاس متسارعة بشكل مخيف…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *