رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت التاسع عشر
رواية نعيمي وجحيمها الجزء التاسع عشر
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة التاسعة عشر
بطرقة خفيفة دفعت الباب لتلج لداخل المنزل وخلفها ابنتها وهي تردد بصوت تدعي بيه الفرح :
– انتوا فين ياأهل البيت؟ انا جاية أبارك واهني.
انتبهت زهرة عليهم بداخل المنزل وهي تعطي الدواء لجدتها التي التوى ثغرها بامتعاض وهي تشيح بوجهها عنهم .
– اهلًا ياعمتي ، اتفضلي هو انتِ محتاجة عزومة؟
قالت زهرة بعد أن انتصبت بظهرها وخطت لترحب بهم ، التقطها إحسان من نصف المسافة تطبق عليها بجسدها البدين داخل أحضانها وهي تقبلها بوجنتيها بقوة :
– ياختي ياقمر انتِ، كبرتي يازهورة وبقيتِ عروسة تشرح القلب وتملي العين ، هاتي بوسة تاني يابت خليني أشبع منك قبل ما يخطفك العريس مننا.
هتفت من خلفهم رقية من تحت أسنانها :
– براحة على البت ياإحسان، دي مش حملك .
أطلقت ضحكة رنانة تدعي تقبل الهزار وهي تترك زهرة ، لتندفع نحوها مرددة:
– الله ما انا فرحانة يامرات عمي بيها ، مش غلاوتها من غلاوة بنتِ برضوا ، عاملة انتِ إيه بس ياغالية؟
صافحتها رقية على مضض بابتسامة متكلفة ، وفي الناحية الأخرى اقتربت غادة هي الأخرى من زهرة تبارك لها بالأحضان والقبلات وتردد:
– عندك حق والنبي ياما ، الف مبروك ياحبيبتي ، ربنا نصفك اَخيرًا بعد سنين الغلب والشقا.
أومأت لها زهرة بشبه ابتسامة ترد عليها :
– الله يبارك فيكِ ياغادة ويسعدك ، تعالي اتفضلي تعالي
استجابت لها غادة وهي تسحبها كي يجلسن على المقاعد المواجهة لرقية والتي جلست بجوارها إحسان تقول :
– والنبي يامرات عمي وماليكِ عليا حلفان دا انا من ساعة ماسمعت بالخبر وانا قلبي كدة بيرفرف من الفرحة ، بقى يا اخواتي الباشا ابن البشوات عايز يتجوز زهرة؟ حقا دا ولا في الأحلام، بس إيه بقى ، احنا بنتنا قمر وتستاهل ، اه امال ايه ، ولا انتِ إيه رأيك يازهورة ؟
اومأت لها زهرة بابتسامة باهتة كسابقتها :
– تشكري ياعمتي ربنا يخليكِ
نكزت رقية إحسان بقبضتها كي تلهيها عن حفيدها :
– منورة ياإحسان بعد غيبة ، ياختي بقالك ست اشهر ماحدش شافك ولا عتبتي البيت .
ضرب إحسان بكفها المنفرجة الأصابع على صدرها :
– يوه يقطعني هما كملوا ست اشهر ، يالهوي عليا وعلى الوقت اللي بيجري بسرعة ، بس يكون في علمك يامرات عمي ، والنبي انا ما ليا ذنب ، المدعوق جوزي هو السبب ، من ساعة ما خرج عالمعاش وهو قاعدلي في البيت كدة زي قرد قطع ، شيلي ، حطي ، اعملي شاي ، حضريلي غدا، ياختي لما طفشني في عيشتي الله يجازيه.
ضحكت ساخرة رقية تقول :
– حتى دي بتشيليها لجوزك يا إحسان ، هو المنيل ده ، لساتوا برضوا على حاله ؟
أخفت إحسان غيظها من رقية ولسانها السليط واتجهت لزهرة تسألها :
– ها بقى ياروح عمتك ، حددتوا امتى ميعاد الفرح ؟
– لا لسة طبعًا محددناش حاجة
ردت زهرة فجذبتها غادة من الناحية الأخرى تسألها:
– طب مقالكيش هايجيبلك إيه؟
سألتها زهرة بعدم فهم :
– بجيبلي إيه بالظبط مش فاهمة ؟
شهقت غادة مرددة :
– ياهبلة يعني مقالكيش ان كان هايسكنك في فيلا ولا شقة عادية؟ والشبكة بقى هاتكون دهب عادي كدة ولا حاجة تانية من اللي بنسمع عنهم ؟ وشغلك صحيح هاتكملي ولا تسيبيه؟ اقولك احسن سبيه ، بلاشغل بلاقرف ، واسكني يا حبيبتي كدة في حتة كويسة وعيشيليك هانم بومين .
– يومين !
تفوهت بها زهرة بعدم فهم قبل أن تُفاجأ بهتاف جدتها الحازم :
– زهرة ، قومي يابت اعملي عصير ولا اي حاجة لعمتك ولا بنتها .
نهضت زهرة مذعنة لأمر جدتها التي اللتفت للأثنتان بوجه محتقن تقول :
– منورين .
رددن خلفها بارتباك من هيئتها :
– دا نورك انتِ ربنا يخليكِ
……………………………….
على كرسي قهوته كان يدخن بشيشته وعيناه على مدخل البناية التي تقطنعها ، ينفث دخان من أنفه خارجًا من أعماق نيرانه في الداخل ، لايصدق ماحدث ، بعد أن شعر باقتراب حلمه بالوصول اليها بعد سنين طوال كانت بالنسبة اليها كالمحرمات بفضل هذا المتعجرف خالد الذي كان يطوقها بحمائية مبالغ فيها ، عقله لا يزال لا يستوعب، بداخله يساوره الشك ان تكون لعبة من محروس؛ و الذي خرج منذ قليل متبخترًا بزهو ، يرمقه بنظرة مستعلية ، هذا التافه الذي كان ينتفض من مجرد النظر اليه ، حتى مزاجه الذي كان يتحكم به ، أصبح الاَن يتصرف من جهة أخرى غير رجاله، تمتم بسبة وقحة عليه قبل أن يلتفت لهذه السيارة السوداء التي توقفت بجوار بنايتها وترجل منها رجل ضخم بحلة سوداء محملًا بالعديد من الأكياس والعلب المغلفة والتي تبدوا كهدايا، غمغم بحنق مرددًا :
– هي الحكاية جد حقيقي ولا إيه
……………………………..
وفي الأعلى كانت زهرة مازالت في المطبخ تجهز لهن العصير ، حينما صدح صوت الجرس القديم المزعج فانتفضت غادة متحججة بفتح الباب كي تهرب من نظرات رقية التي توجهها بحدة نحوها هي ووالدتها التي تعرقت مرتبكة من ردود رقية الجافة معها في الحديث بالإضافة لتعليقاتها اللاذعة على الدوام.
– ايوة أيوة ياللي بترن الجرس .
تفوهت بها قبل أن تصل الى الباب لتفتحه فتفاجأت بهذا الغليظ وابتسامة عريضة بوجهه أظهرت أسنانه البيضاء مرددًا لها :
– دا إيه الصدف اللي زي العسل دي ، تصدقي بالله انا كدبت وداني لما سمعت صوتك .
تأففت تضرب بكفها على إطار الباب :
– قال ياقاعدين يكفيكم شر الجاين ، هو انا اخلص من خلقتك في الشركة ، عشان اَجي الاقيك هنا في وشي ؟
رد ببرود :
– بس إيه رأيك بجد؟ انتِ مش شايفة ان الطرق بتاعتنا دايمًا موصلة لبعض؟
زفرت مرة أخرى تهتف بحدة:
– في إيه ياجدع انت؟ ماتظبط كدة واوزن كلامك ، لاحسن وديني لاكون لامة عليك أهل الحارة كلهم.
– في إيه يابت عندك ؟ وبتتخانقي مع مين ؟
أتى الصوت من الداخل ، استدرك نفسه إمام منعًا للمشاكل ، فانحنى بسرعة يتناول الهديا مرددًا بجدية وصوت عالي غاب عنه الهزل :
– انا كنت عايز الاَنسة زهرة ، ممكن تروحي تندهيها؟
زاغت عيناها نحو العلب المغلفة والأكياس المدون عليها اسماء الماركات الفاخرة.
مدت ذراعيها لتتناولهم بلهقة مرددة :
– هاتهم وانا هادخلهم لها .
أرتد بأقدامه للخلف مبتعدُا عنها يقول بلهجة رسمية :
– اَسف يااَنسة ، لازم أوصلهم لزهرة هانم بنفسها.
– زهررة هاانم !
رددت بها جازة على أسنانها قبل أن تهتف للداخل بصوت عالي :
– يازهرة ، تعالي شوفي اللي جايلك يازهرة .
أتت على النداء مجفلة ، لتجد إمام الذي تقدم نحوها يعطيعا الأكياس والعلب المغلفة بالتناوب وهو يقول لها :
– اتفضلي ياهانم ، جاسر بيه باعتهم ووصاني اسلمهوملك في إيدك .
تناولتهم زهرة مرتبكة ولكنها لم تغفل عن شكره ودعوته للضيافة :
– متشكرة قوي ياإمام ، تعالي طب اتفضل معانا.
أومأ لها إمام يرد بلطف :
– الف شكر لزوقك ياهانم ، معلش بقى انا يدوب اللحق أروح مع عبده ، سلاام بقى يابنت الأصول .
قال الاَخيرة بمغزى نحو غادة التي بمجرد انصرافه اغلقت الباب على الفور ، تختطف الأشياء من زهرة دون استئذان وهي تهرول للداخل :
– تعالي جوا نشوف فيهم إيه؟
دلفت خلفها زهرة بيأس من أسلوبها ، والأخرى بمجرد وصولها الى وسط صالة، أمام والدتها ورقية التي سألتها :
– إيه اللي جايباه وداخلة بيه دا يابت؟
بحركة سريعة التفت برأسها اليها دون الرد ، وهي تتناول أول شئ خرج بيدها من أحد الأكياس لتشهق منبهرة:
– يالهوي ياما عالجمال ، دا نفس الدريس اللي شوفته امبارح عالفاشينستا اللي متبعاها على الفيس وهي لابساه.
– فيشة إيه يابت ؟
هتفت بها رقية نحوها ، فتجاهلتها كالمرة السابقة ، تفتش في باقي الأشياء وقد انضمت اليها والدتها وهي تصرخ بعدم سيطرة:
– يالهوي ياما عالجزمة ولا المكياج دول كلهم ماركة أجنبي .
هتفت بالاَخيرة نحو زهرة التي تسمرت محلها تشاهد صامتة ، فصاحت رقية غاضبة :
– في أيه يامنيلة انتِ وهي ماتفهموني ؟
أجابتها زهرة بخجل :
– دول الحاجات اللي بعتها جاسر ياستي ؟
ارتفعت اليها انظار غادة بنظرة نارية قبل أن تتدارك نفسها و قد انتبهت للنظرة المحذرة من والدتها ، لتفرد وجهها.
– ولما هو كدة ، مش ما تجيبي خليني اشوفهم .
صاحت بها رقية بصوت غاضب جعل إحسان تنهض بالأكياس التي اختطفتها من غادة التي على وشك الإنفجار:
– اهم يامرات عمي ، هو احنا يعني هانسرقهم، دي البت بس بتتفرج عليهم .
تناولتهم منها رقية سريعًا وهي تهتف على زهرة :
– قاعدة بتتفرجي على حاجتك زي الغريب ، مش تقربي انتِ كمان وتشوفي اللي جايبه عريسك ياخايبة .
ردت زهرة بصوت خفيض، محرجة من الهيئة الغريبة لغادة التي ظلت محلها جالسة على الأرض
– ماشي ياستي هاشوفهم، بس هي طارت يعني ؟
قالت رقية غير مبالية :
– كدة طب خدي ياختي حطيهم في اؤضتك ، وبعدين اتفرجي عليهم براحتك .
همت لتعترض زهرة ولكن رقية لم تعطيها فرصة :
– خدي يابت اخلصي .
أذعنت زهرة تتناولهم رغم حرجها حتى أجفلت على هتاف غادة :
– ايه ده ؟ دا في علبة صغيرة نسينا مانشوفها .
نهضت سريغًا لتخطفها من زهرة وفتحت غلافها سريعًا ، لتجد ورقة كبيرة ملتصقة فوقها .
– دي باينها علبة شيكولاته و باعت معاها جواب .
اختفطفت منها رقية الورقة قائلة بلؤم :
– بصي على العلبة وشوفيها بتاعة ايه ياغادة ، لكن الورقة ياحبيبتي ملناش دعوة بيها، عيب ؛ دا كلام خطاب يابنتي ، خدي يابت .
وجهت الاَخيرة بحزم نحو زهرة التي كانت تموت من الحرج من فعل جدتها ، أما غادة فكان جسدها يهتز حرفيًا رغم ادعائها التماسك مع النظرات المحذرة من والدتها، خرج صوتها اَخيرًا تخاطب زهرة :
– دي علبة شيكولاتة سويسري زي اللي بيعلنوا عنها في التليفزيون.
لم ترد فقد اندمجت في قراءة السطور الأنيقة بالورقة ذات الرائحة العطرة
” يارب يكون عجبتك الهدايا، انا بعتلك جزء بسيط ، عشان الأهم خليته في انتظارك لما توصلي بيتك ، دوقي بقى الشيكولاتة دي هاتعجبك قوي على فكرة ”
غادة والتي لم ترفع عيناها عن زهرة بكل ماتحمله من مشاعر الحقد نحوها؛ وضعت غيظها في سحب القطع الصغيرة من العلبة تتناولها بنهم يساعدها الطعم الخرافي لهذا الصنف الجديد والذي لم يسبق أن تذوقته في حياتها ، رمقتها رقية بذهول فانتبهت والدتها تجرها مستئذنة للخروج ، قبل أن تفضحها وتفسد كل مخططاتها .
……………..
في اليوم التالي
كانت زهرة منكفئة على عملها في المكتب ، حتى سقط منها القلم ، فدنت برأسها للأسفل تتناوله حتى شعرت بظل أحدهم ، رفعت رأسها فتفاجأت به أمامها وأظهرت تعابير وجهها الأندهاش كالعادة ، ولكنها هذه المرة لم تلحق أن تشهق، فضحكته المجلجة جعلتها تتماسك، حتى قال لها بصوته الأجش:
– هو انتِ كل ماتشوفيني هاتتخضي؟
تبسمت له قائلة بحرج وهي تنهض عن مقعدها :
– حمد الله عالسلامة.
صمت عن الضحك وقد أطربته الجملة التي كانت تقطر كالشهد من فمها ، وجهها الصبوح جعله يندم على مرور الأيام السابقة بسفره دون أن يراها فيهم، كانت تجول عيناه على ملامح وجهها المحببه اليه؛ وهو يطبق على كفيه داخل جيبي بنطاله ، يكبح الرغبة الملحة بداخله والتي تدعوه لاحتضانها كي يبث إليها أشواقه التي لم يسبق في حياته أن شعر بها نحو أيًا كان من البشر وأيًا كانت معزتهم في قلبه، بعد فترة من الصمت رد اَخيرًا :
– الله يسلمك ، عاملة انت إيه بقى؟
أومأت برأسها قائلة بصوت كالهمس :
– الحمد لله كويسة .
تنهد مطولًا وقلبه يضرب داخل صدره بقوة فرحًا برؤيتها، قبل أن يقول:
– طيب جهزي بقى الملفات وأي حاجة متأخرة وهاتيهم ورايا المكتب.
أومأت برأسها وتحرك هو يجر أقدامه مجبرًا نفسه لتركها والذهاب إلى مكتبه.
……………………………..
أثناء مرورها للذهاب الى كافتيريا الشركة تقابلت عيناها بعماد الذي كان اَتيًا منها ، فابتسم لها كالعادة وهو يلقي نحوها التحية ، اومأت له بابتسامة متكلفة حتى ومض عقلها الشيطاني بتذكرها لما يكنه عماد نحو زهرة ، على الفور توسعت أبتسامتها تدعي المودة نحوه حتى اقتربت منه توقفه :
– صباح الخير ياعماد، عامل إيه النهاردة؟
رد عماد بابتسامة مشرقة رغم دهشته من سؤالها وهو يلوح لها بفنجانه:
– صباح الفل ياست الكل ، عامل قهوة ياستِ تشربي؟
ردت غادة :
– لا ياخويا انا محباهاش قوي يعني، هي اللي بتحبها صحيح زهرة بنت خالي ، دي بتعشقها.
أكمل على قولها:
– فعلًا ، بس زهرة بقى مزاجها في القهوة المخلوطة باللبن، دي بتحبها قوي .
– اه صحيح عندك حق، دا انت حافظ مزاجها كمان ياعماد ؟
قالت بمكر ، فاستجاب هو بابتسامة مخفضًا عيناه عنها يرد:
– زي مابتقولي كدة يعني بتعجبني شخصيتها رقيقة كدة وواضحة قوي .
أخفت امتعاضها من تغزلها بزهرة ثم قالت بتأثر :
– هي على كدة بقى عجباك، دا انا كمان كنت ملاحظة ان الشعور متبادل مابينكم .
لاحظت اشراق وجهه بعد سماعه لكلماتها ثم استطردت بخبث:
– بس ياخسارة .
قطب يسألها باستغراب :
– خسارة ليه بقى ؟
مصمصت بشفتيها ترد بتنهيدة كبيرة:
– كان نفسي قصتكم دي تكمل ياعماد، بس بقى زهرة اتقدملها واحد غني أوي وهي وافقت بس عشان والدها اللي أصر عليه.
– انت بتقولي إيه؟
هتف عماد بوجه مظلم نحوها فقالت هي:
– والله زي مابقولك كدة، اصل زهرة شخصيتها ضعيفة وما بتعرفش كدة تتمسك بالحاجة اللي بتحبها أو عايزاها، بصراحة الصفة دي مضياقني أوي فيها ……
اشتعلت عيناه وتسابقت انفاسه قبل أن يعطيها فنجان القهوة باستئذان :
– معلش يا غادة ممكن تاخدي ده، وشوفي بقى ان كنتِ هاتشربيه ولا ترميه في الزبالة .
تناولته منه وذهب هو مغادرًا من أمامها بسرعة، تسبقه شياطينه، نظرت في أثره بابتسامة متوسعة ، ترتشف من الفنجان الذي أصبح بيدها بتلذذ
……………………………..
دلفت لداخل مكتبه ولكنها تفاجأت بخلو مقعده ، وقبل ان تبحث بعيناها سبق هو بهتافه عليها:
– انا هنا يازهرة .
التفتت على الصوت وجدته جالسًا بأريحية على الإريكة الجلدية في الجانب،الاَخر من الغرفة، فتقدمت نحوه مرددة :
– طب انا كنت جايبالك الملفات عشان تمضيهم .
تناولهم منها وسحبها لتجلس بجواره قائلًا :
– هاتي الملفات ياستي وخليهم جمبي ، بس خلينا بقى في المهم .
– إيه هو المهم ؟
سألته باستفسار قبل أن تفاجأ بالعلبة المخملية التي تناولها من سترته ، يخرج لها خاتمًا مزين بفص كبير من الألماس ، سألته مذهولة :
– إيه ده ؟
– دا خاتم شبكتك يازهرة .
أردف بها وهو يتناول كفها التي نزعتها على الفور معترضة:
– لا ماينفعش البسه .
سألها باستغراب يشوبه الريبة :
– ليه لأ يازهرة ؟
صمتت قليلًا ثم خرج صوتها بحرج :
– معلش متزعلش مني ، بس انا بصراحة مش عايزة أي حاجة تتم غير لما اَخد موافقة خالي، انا مقدرش اعمل أي حاجة وانا حاسة كدة انه زعلان مني .
تنهد بيأس وهو يعود بظهره للخلف ثم رد :
– طب اعمل ايه انا أكتر من كدة ؟ دا انا روحتلوا البلد اللي بيشتغل فيها مخصوص واترجيته ، اعمل ايه تاني عشان يقبل؟
أطرقت زهرة رأسها بحزن مردفة:
– دا حتى بطل مايرن زي عوايده ، انا خايفة ليكون غضبان عليا ، ودي حاجة لو حصلت انا لا يمكن اسامح نفسي عليها.
اومأ لها متفهمًا :
– لا اطمني طبعُا هو أكيد مش غضبان عليكِ ، هو بس بيقرص عشان يعرف معزته عندك .
رفعت رأسها إليه قائلة بتمني :
– يارب ياجاسر يكون كلامك صح .
قالت بعفوية التقطها هو يميل برأسه إليها قائلًا بمكر :
– حلو أوي وطالع كدة من بقك زي العسل .
حركت رأسها تسأله بتفسير:
– هو إيه اللي زي العسل ؟
– جاسر ، ياقلب جاسر انتِ .
قال بمرح غامزًا بعيناه ، جعلها تخفض أنظارها بخجل منه، فقال يزوم بحماس :
– اممم انا لو فضلت اكتر من كدة ، هاخطف خالد من البلد اللي موجود فيها واعملها قضية دولية .
اعتلي ثغرها ابتسامة رائعة كادت أن تطيح بعقله ، قبل أن يستدرك نفسه مخرجًا من جيب سترته شيئًا اَخر يعطيه لها :
– دا بقى مالكيش حجة انك ترفضيه .
تناولت منه الهاتف ذا اللون الذهبي باستغراب مردد :
– ايه ده كمان ؟
– دا تليفون يازهرة ، بدل اللي انتِ ماسكاه في إيدك .
اردف جاسر وعيناه نحو الهاتف الصغير الذي خبئته زهرة من أنظاره على الفور لتعترض :
– ايوة بس انا ماينفعش ……
قطعت جملتها على أثر نظرة محذرة وهو يومئ لها بسبابته قائلًا بسيطرة :
– في دا بالذات بقى مااسمعش صوتك ، انا حطيت الخط وسجلت اسمي ، عشان لما ارن عليكي منه تردي على طول فاهمة.
أومأت برأسها بخوف من هيئته التي تذكرها بجاسر القديم، اما هو فالتوى فمه بابتسامة قبل أن يرد :
– حلو ، تعالي بقى عشان اعلمك بيتفتح ازاي ؟ واعرفك بالتطبيقات اللي عليه واعرفك كمان بتشتغل ازاي ؟
…………………………………..
خرجت من مكتبه تحمل بيدها عدد من الملفات التي طلب مراجعتها والأيد الأخرى كانت تُمسك بالهاتف الذي أعطاه لها، وقد تولى مهمة تعليمها على استخدامه وفتح التطبيقات به، حتى أنه أنشأ حسابًا لها على موقع التواصل بالفيس بوك، تبسمت بارتياح وقد فاجأها بالجانب الجديد من شخصيته في الصبر على تعلمها هذه الأشياء الجديدة عليها، وقعت عيناها بتعجب على من يقف أمامها بوسط الغرفة متخصرًا ، متجهم الوجه ، بهيئة لم تعهدها منه سابقًا طوال المدة التي عرفته بها .
– في حاجة ياعماد ؟
سألت وهي تقترب من المكتب واضعة عدد الملفات على سطح المكتب وفوقهم وضعت الهاتف الذي لفت نظر الاَخر فاقترب يمسكه مشيرًا به:
– دا الكلام طلع بجد بقى .
تناولت الهاتف من يده سائلة بدهشة:
– هو إيه اللي بجد ؟
مال برأسه نحوها قائلًا بحدة:
– انك قبلتي تبيعي نفسك وتتجوزي الراجل الغني عشان ترضي والدك.
ارتدت للخلف بأقدامها وقد صدمتها كلماته تردد :
– إيه اللي انت بتقوله ده ؟ ومين قالك الكلام ده أصلًا؟
تقدم منها أكثر وهو يهتف بغضب :
– هو دا اللي هامك؟ عرفت منين؟ ومش هامك انك
تتنازلي عن نفسك وكرامتك لما تتجوزي بس ارضاءًا لأهلك ، حتى لو كان شوال فلوس.
– اومأت بسبابتها نحوها ترد بعدم استيعاب:
– إنت تقصدني انا بالكلام دا ياعماد؟
واصل تقدمه نحوها يهدر وهي ترتد للخلف:
– أيوة اقصدك انتِ طبعًا ، امال اقصد الحيطة اللي وراكي مثلًا؟ انتِ ازاي كدة اصلًا ؟ ازاي تبقي جميلة ورقيقة وبنفس الوقت تكوني شخصية مهزوزة وضعيفة؟ ليه ما تعترضيش وتصري على اختيارك ..
صمت قليلًا قبل ان يتابع تقدمه نحوها وهي ترتد حتى التصقت بالحائط ، فاقترب منها مائلًا برأسه يقول بلهجة مترجية :
– ليه ماقولتليش ولا حتى لمحتي يازهرة عشان اقف جمبك او اقف في وش البني اَدم ده اللي عايز يشتريكي بفلوسه؟ ليه لما شوفتك في الكافتيريا وسألتلك على اللي مزعلك انكرتي وماتكلمتيش ليييه؟
قال الاَخيرة بصرخة نحوها وهو يضرب بقبضته على الحائط بجوار رأسها ، جعلها انتفضت محلها برعب ، قبل ان يختفي من أمامها فجأة بقبضة قوية على فكه أطاحته أرضًا بعيدًا عنها ، ضربت بكفها على فمها بصدمة حينما رأت صاحب القبضة والذي واصل هجومه برفع عماد عن الأرض من تلابيب ملابسه ، يباغته بعدة ضربات عنيفة على وجهه وجسده والاَخر يصرخ بأسمه :
– استنى ياجاسر بيه ، اسمع مني الأول وافهم .
دفعه نحو الحائط بعنف جعل الاَخر يصرخ من ألم ظهره ، فقال جازًا على أسنانه :
– بتتعرضلها ليه ؟ مالك ومالها ؟
صرخ عماد :
– والله ما بتعرضلها ولا كنت عايز أذيها ، انا بس كنت بسألها عن حاجة تخصني وتخصها.
هدر جاسر وهو يرجه بقوة ، رغم تماسكه واصراره على عدم قتله :
– إيه هو اللي يخصك ويخصها عشان يخليك تتجرأ عليها بالشكل ده؟
هتف عماد :
– لو سمحت ياجاسر بيه، دي حاجة ما بيني وبين زهرة ، يعني ماينفعش اقولك عليها.
كمطرقة من الحديد الساخن ضربت رأسه بقوة فجعلته يلتف برأسهِ اليها ، وعيناهُ تطلق شررًا من جحيم استعر بداخله ، فسألها :
– انت صح في مابينك ومابين الواد دا حاجة ماينفعش يقولي عليها .
نفت برأسها ووجها المغرق بالدموع :
– والله مافي مابيني وبينه أي حاجة ، غير المودة اللي بتبقى مابين الزملا وبس في مكان العمل.
– ولا أي حاجة يازهرة!
هتف بها عماد بعدم تصديق قبل أن يدفعه جاسر بقوة نحو على الأرض صائحًا :
– تخرج من هنا وعلى باب الشركة حالًا ، ماشوفش وشك تاني .
نهض عماد ينفض ملابسه ، وعيناه تنظر نحو زهرة بألم وخيبة أمل، لا يصدق فعلتها وانكار ماتحمله بداخلها نحوه .
– اخلص بقولك ياللا .
صرخ بها جاسر وهو يتابعه بنفاذ صبر، متحديًا جمع الموظفين الذين أتوا على أصوات الشجار فوقفوا يتابعون خلف الغرفة ، منهم غادة التي كانت تراقب مايحدث كباقي الموظفات و مرفت صديقة ميرهان والتي كانت تقف بجانب وحدها، خرج اَخيرًا عماد ، فهتف جاسر نحو موظفيه بصوت هادئ يحمل في طياته الوعيد :
– دقيقة واحدة بس ، ولو لمحت أي موظف ولا موظفة بعيد عن مكتبه دلوقتِ ، ها يحصل اللي خرج دلوقتِ حالاً.
سريعًا هرول الموظفين من أمامه، ليعودا لأماكنهم ، وقبل أن تتم الدقيقة كانت الساحة خالية الا منه ومنها فقالت مخاطبة له بخوف :
– كداب في كل كلامه ياجاسر و…..
شهقت قاطعة جملتها حينما رأته مندفعًا نحوها بصمت، ليسحبها من كفه يدخلها معه داخل المكتب الذي أغلق بابه جيدًا.
……………………………
تذرف الدمعات على وجنتيها كالسيول دون توقف ، وهو واقفًا كالجبل أمامها لا تهتز له شعرة ولا حتى يظهر وجهه التأثر ، يحدجها فقط بالنظرات النارية التي تزيد بداخلها الخوف، حتى خرج صوتها بارتعاش :
– صدقني ياجاسر والله مافي أي حاجة مابيني ومابينه .
– امال هو جايب الثقة اللي بيتكلم بيها دي منين ؟
سألها بحدة ، أجابت بانهيار:
– والله مااعرف، هو كاان بس……اا
اقترب منها يسأل مضيقًا عيناه بريبة:
– كان بس إيه؟
– كان مجرد تلميحات منه، وانا مافيش مرة رديت بكلمة أو نظرة حتى .
قالت بسجيتها فهدر صارخًا :
– بس عشمتيه، ودي ألعن ، لو كنتِ وقفتيه عند حده من أول مرة مكانش ساق فيها .
هتفت بدفاعٍ عن نفسها:
– ساق في إيه ؟ دا كان كل كلامه مرسل ، يعني ممكن يعدي عادي مع أي واحدة.
– لا مش أي واحدة يازهرة، الواد ده كان كل تصرفاته واضحة معاكي ، بس انتِ اللي بتنكري .
صرخته جعلتها تتوقف عن البكاء ناظرة الى وجهه الذي تغيرت ملامحه وانفاس صدره الحادة تصعد وتهبط بسرعة ، قبل أن يرد اَخيرًا بلهجة هادئة مريبة :
– عايزك تروحي وتجهزي نفسك، تشوفي ايه اللي ناقصك وتدونيه في ورقة عشان مافيش وقت.
– مافيش وقت لإيه ؟
سألت ولم يجيبها بل استطرد متابعًا :
– النهاردة بالظبط هابعت لوالدك نحدد ميعاد الفرح في خلال يومين أو تلاتة بالكتير.
– ازاي يعني ؟ طب وخالي؟
صاحت بها ، رد هو غير مبالي :
– هو حر ، انتِ عندك ولي شرعي؛ اللي هو أبوكي ودا اللي يهمني انا وخلاص .
قال والتف يوليها ظهره فهتفت خلفه :
– يبقى هارفض ياجاسر ، عشان انا قولتك مش هاكمل حاجة من غير خالي .
استدار اليها سريعًا بوجهه الغاضب يهدر :
– كلام الدلع ده كان في الأول، كان عندك فرصة تقولي اَه او لأ، لكن دلوقتِ لا يازهرة ، عشان مش جاسر الريان اللي هايقبل بعيلة صغيرة تلعب بيه فاهمة ولا لأ.
صمتت بقهر وقد ألجمتها حدته عن الرد أو المجادلة في الدفاع عن حقها ، وكيف يصح لها الكلام معه الاَن؟ وقد عاد الى هيئته القديمة أو حقيقته التي غفلت عنها هي مؤخرًا ، جاسر الريان مديرها المخيف.
…………………………….
فتح باب استراحته التي سكن بها منذ أن أتى الى هنا واستلم وظيفته في هذا المكان الغريب عنه، عائدًا من ورديته المسائية يجر أقدامه المتثاقلة بصعوبة من التعب ، ليرتمي بحذائه على سريره الحبيب، وقد أهلكه الاجهاد حتى عن خلعه،
أغمض عيناه يبتغي الراحة للحظات قبل أن ينهض ليتحمم ويجهز عشاءه ، لقد ضغط على نفسه كثيرًا هذه الايام بمضاعفة العمل بزيادة وردياته؛ حتى يرحم عن رأسه بالتفكير ، بداخله رغبة لو استسلم لها لطار على الفور عائدًا لبلده كي يتقبل الصلح معها ويقف بجانبها ، ولكن أين يذهب بوجع كرامته وقد اَلمه ان تتناساه وتختار والدها في شئ مهم كهذا ، أنست تاريخ أباها المظلم لما حدث معها قديمًا وأدى لوفاة والدتها ؟ أم أنها اختارت حياتها غافلة عن من ضحى بسنوات شبابه من أجلها .
تنهد بثقل قبل أن يتناول هاتفه وينظر به لسجل المكالمات كعادته منذ الأزمة التي حلت بينهم ، ليرى ان كانت تتذكره بالإتصال أم أنها يأست ونسته لتعيش حياتها.
قطب مندهشًا تسجيلها لرسالة صوتية ، فهذه ليست من عادتها ، مط بشفتيه مستغربًا قبل أن يفتح التسجيل ليسمع منها .
” كدة برضوا ياخالي هونت عليك ؟ هانت عليك زهرة بنت عمرك زي ما كنت بتقول دايمًا؟ طب انت عارف اني عمري ما اتحمل جفاك عني ، يبقى تتقل عليا كدة ليه؟ اعمل ايه عشان تصالحني واشوفك او اسمع صوتك من تاني؟ اعمل ايه عشان اترجاك توقف جمبي وتبقى سندي؟ ياخالي ابويا اتفق مع جاسر على ميعاد الفرح في خلال يومين ، يرضيك ياخالي اتجوز من غير ما اشوفك ، طب يرضيك ان ابويا اللي كان سبب اصلي في موت امي ، يبقى هو وكيلي ؟”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)