رواية غرام في المترو الفصل الثامن 8 بقلم ولاء رفعت علي
رواية غرام في المترو الفصل الثامن 8 بقلم ولاء رفعت علي
رواية غرام في المترو البارت الثامن
رواية غرام في المترو الجزء الثامن
رواية غرام في المترو الحلقة الثامنة
تتمدد أحلام علي سرير المشفى في عنبر ملئ بالمرضي المصابين من قسم الطوارئ داخل مشفى حكومي، تفتح عينيها فوجدت عائلتها تحيط بها من كلا الجانبين.
“حمدالله علي السلامة يا ضنايا، حاسة بإيه دلوقتي؟”
كان سؤال والدتها والخوف ينضح من عينيها، تري ابنتها طريحة الفراش من أثر اعتداء زوجها العنيف عليها، نتج عنه كدمات في الوجه و شرخ في الساعد الأيمن، حول رقبتها طوق طبي لتقويم فقرات عنقها.
“أنا فين؟”
أخذت تنظر إليهم بتيه، تجد نظرات الشفقة من شقيقتيها غرام وابتسام والحزن علي ملامح وجه والدتها
اقتربت منها ابتسام التي تحمل ابن شقيقتها، تمسك بيدها تخبرها
“أنتي في المستشفي، جبناكي علي هنا بعد ما جيرانك كلمونا وقالولنا إنهم سمعوا جوزك بيتخانق معاكي و بيضربك وفجأة لقوه خارج من البيت وشايلك بيجري بيكي”
تذكرت ما حدث لها و كم الإهانة التي تلقتها من معايرة ونعت بالألفاظ النابية من زوجها، انتهي كل ذلك بمشاجرة ليست في صالحها ولم تتحمل توابعها من ضرب مبرح وفقدان الوعي.
“هو فين؟”
أجابت والدتها وكانت تكبت غضبها من ضعف شخصية ابنتها الذي جعل زوجها يفعل بها كما يحلو له
“هايكون راح فين، اللهي داهية تاخده مطرح ما يكون، بتسألي عليه بعد اللي عمله فيكي؟!، ده مخلاش فيكي حتة سليمة”
عقبت غرام بسخرية
“وفري كلامك يا ماما، عشان مفيش عقل بيفهم و لا كرامة هتنقح عليها”
اكتفت أحلام بالنظر إلي شقيقتها بعتاب و تكبت دموعها، جاء الطبيب المسئول عن علاجها
“عاملة إيه يا مدام أحلام؟”
هزت رأسها وبضعف أجابت
“الحمدلله”
“هو إيه اللي حاصلها يا دكتور؟”
سألته عزيزة فأجاب الأخر
“ما حبيش عليكم جوزها أول ما جابها الطوارئ كان مغمي عليها و وشها كان مايل للأزرق، كأنها في بداية حالة إختناق و زي ما أنتم شايفين كدمات علي وشها وشرخ في دراعها”
شهقت والدتها
“يا ضنايا يا بنتي، منك لله يا سمير الكلب، كنت عايز تقتلها”
نظر الطبيب إلي أحلام وأخبرها
“جوز حضرتك هو اللي جابك و أول ما خدناكي عشان نعملك الإسعافات فجأة لاقيناه أختفي”
و إذا بصوت جاء صاحبه للتو من الخارج
“أحلام حبيبتي، عاملة إيه يا روحي؟”
نظر إليه الجميع بازدراء وكذلك زوجته، أخبرهم الطبيب
“كويس أنك جيت عشان الظابط مستني برة يحقق معاك”
اتسعت عينان سمير وشعر ببرودة في أطرافه، رأي نظرة شماتة في عينين غرام التي ألتزمت الصمت لأنها تعلم جيداً رد فعل شقيقتها نحو ما فعله زوجها.
ألتفت إلي الطبيب وقال برجاء
“ممكن أقعد مع مراتي دقيقتين؟”
رفع الآخر زاوية فمه جانباً فأشار له علي مضض
“أتفضل، بس ياريت بسرعة عشان الظابط مستعجل”
و ما أن ذهب الطبيب، جلس سمير جوار أحلام، يمسك بيدها يقبل ظهر كفها باعتذار و توسل يثير الاشمئزاز
“أنا آسف يا أحلام، حقك عليا والله أنا مش عارف إزاي ده حصل، أصل مكنتش في وعيي وإحنا بنتخانق، والله أنا ما هقرب منك كدة تاني، حقك عليا و أدي راسك كمان”
قام بتقبيل جبهتها، علقت غرام
“بذمتك مش مكسوف من نفسك، بتتأسفلها علي إيه و لا إيه، أنا كان ممكن كنت خليتك رقدت مكان أختي، بس أنا هاخدلها حقها بالقانون، لما تترمي في الحبس ويا الشمامين و البلطجية اللي زيك”
نظر إلي زوجته ثم قال بصدق غير معهود
“و أنا راضي طالما ده هيرضي أحلام وهيخليها تسامحني”
نظرت إليه وكان داخل عينيها آلاف الكلمات قد أدركها جيداً، عتاب ولوم والكيل قد فاض ما به من هموم وأحزان عاشتها بين يديه، حتي حانت تلك اللحظة أخيراً واختارت الصواب، افترقت شفتيها وتفوه لسانها بالطلب الذي وجب أن يحدث منذ البداية
“طلقني”
تلتقط أنفاسها من الآلام، آلام قلبها و آلام جسدها، صعق الآخر لمطلبها فتابعت
“طلقني لو عايزني أسامحك، و هقول للظابط مش إنك اللي عملت فيا كدة”
“انتي بتقولي إيه؟!، ده يطلقك و رجله فوق رقبته و ياخد جزاءه كمان”
صاحت بها غرام، فنظرت أحلام إليها بقلة حيلة، عقبت والدتها
“طلقها يابني و سيبها في حالها، المرة دي ربنا ستر وراقدة علي السرير، يا عالم المرة الجاية تجيبهالي بعد الشر عليها جثة”
وجد أن لديهم حق وكفي إلي هنا، كم عانت من بطشه و ظلمه لها، لم يبالي إلي حبها إليه يوماً ويمن عليها بإتمام زواجه منها والذنب الذي حدث بينهما هو الذي تسبب فيه عندما كان يحوم كالذئب حول فريسته، استغل ضعفها وطيبة فؤادها من قبل الزواج وبعد الزواج تحول الإستغلال إلي اضطهاد وقهر.
نهض وفي تردد أنتهي بالاستسلام إلي رغبتها
“أنتي طالق”
صاحت كل من غرام وابتسام بسعادة وقاما بمعانقة شقيقتهما
“مبروك يا أحلام، كان زي الهم وإنزاح أخيراً”
كان قول غرام فقابلته أحلام بالصمت وتركت دموعها تقوم بالرد.
و بعد إجراء الضابط التحقيق، أنكرت أحلام أن الفاعل زوجها، و ماحدث لها كان أثر سقوطها علي الدرج، يكفي إنها نالت حريتها من هذا الطاغية سمير.
※ ※ ※
في اليوم التالي كانت تقف ابتسام تنظر إلي لافتة عنوان المركز التعليمي، تخشى الصعود إلي أعلي ومواجهة معلمها الذي فرت من أمامه عندما رأي ما حدث بينها و بين عثمان، و كان أكبر مخاوفها هو أن يخبر غرام لذا قررت أن تتحدث معه وتشرح له الأمر.
صعدت إلي الطابق الثاني حيث قاعة المحاضرة، مرت أولاً علي المساعد وأخبرته بإسمها لكي يسمح لها بالدخول، و إذا به المساعد يقول لها بجفاء
“ممنوع الدخول”
صاحت بصدمة
“ممنوع إزاي؟!، أنا دافعة فلوس حصص الشهر كلها مقدماً حتي إسأل مستر حسن”
“مستر حسن اللي بنفسه مديلي أمر بمنع دخولك و ياريت تشوفيلك مدرس تاني غيره”
أدركت معني رسالته إليها و دون مواجهتها، لم تأبه لقساوة رده ذاك، و ذهبت إلي القاعة يحاول المساعد منعها، صاحت برجاء
“مستر حسن”
ألتفت إليها ببرود
“نعم؟”
تأسر دموعها داخل عينيها، تخبره بنبرة سمع منها كم ما تشعر به من حزن و غصة عالقة في حلقها
“ممكن أتكلم مع حضرتك”
نهض من خلف مكتبه المرتفع علي منصة الشرح، ذهب إليها في الخارج
“عايزة إيه يا ابتسام؟”
لم تستطع كبت دموعها أكثر من ذلك، انفجرت باكية
“حضرتك فهمت غلط، كل اللي ما بيني و ما بين عثمان علاقة جيرة و أصحاب مش أكتر”
كان داخله يشفق علي حالتها المؤسفة لكن تظاهر بعكس ذلك
“و أنا مالي، بتبرري ليه؟!، و لا خايفة أحكي لأختك ووالدتك علي اللي شوفته؟”
ابتلعت غصتها وقالت
“لاء، أنا جيتلك عشان أقولك أنا مظلومة أو.. “
بتر حديثها قبضته التي اعتصرت عضدها يغادر المكان إلي سيارته، يدخلها فجلست وذهب هو ليجلس خلف المقود، قد اشتد غضبه إلي ذروته
“مظلومة إزاي و أنا شايفه مقرب منك ولازق فيكي لاء و كمان كان بيبوسك، أنا مش أعمي و لا ساذج عشان أصدق تمثيلك الرخيص”
ابتلعت ريقها لا تدرك بعد ما وراء غضب معلمها الثائر، تحسب أنه من دافع الخوف عليها لأن شقيقتها قد أوصته عليها
“والله العظيم ما بمثل، أنا بعتبره فعلاً زي أخويا لكن هو لاء”
“أخوكي!”
ابتسم ساخراً وتابع
“و اللي أنا شوفته ده بيحصل ما بين الأخوات؟”
هزت رأسها بالنفي و مازالت تبكي وتحاول الدفاع عن نفسها و لا تعلم لما كل هذا الإصرار لديها
“لاء، بس أنا ما ليش ذنب و لا أقدر أقوله ما تحبنيش، أنا ببعد عنه كل شوية لكن هو متهور و خايفه جنانه يعمل مشاكل ليا ولأهلي عشان معندناش راجل يقف له، مفيش غير أخويا سعيد ولسه صغير”
تبدلت ملامحه من القسوة والغضب إلي اللين
“كان ممكن تحكي لأختك تروح تكلمه و تحطه عند حده أو تكلم أهله، علي الأقل أحسن من مشيك معاه في كل حتة، و لا ركوبك وراه الموتوسيكل بعد ما بتخلصي الدرس”
“عندك حق، أنا معرفتش أتصرف، أنا أصلاً ما بكلمهوش من وقت ما شوفتنا وعملاله بلوك كمان عشان لو حاول يتصل عليا”
لا ينكر السعادة التي يشعر بها حالياً، فأخبرها بجدية زائفة
“كل اللي قولتيه ده ما يخصنيش، أنا اللي أعرفه المفروض سيادتك في تالتة ثانوي وفاضل شهر ونص علي الإمتحانات، يعني تركزي في مذكراتك اللي هاتنفعك، و زي ما قولتلك قبل كدة أي حاجة أنتي محتاجها أنا موجود، و اللي اسمه عثمان لو أتعرضلك تاني بلغيني و أنا هاتصرف من غير ما يوصل الموضوع لوالدتك أو أختك، أتفقنا؟”
هزت رأسها بالموافقة، فابتسم وتابع بنبرة حانية
“متزعليش مني عشان شديت معاكي في الكلام وقسيت، ساعات قسوتنا بتكون دافع من خوفنا علي اللي بنحبهم”
نظرت إلي عينيه وأقسمت داخل نفسها رؤية ما ينبض به قلبه، و كأن كلماته الأخيرة إعترافاً مبيناً.
※ ※ ※
مر يومان وليس بجديد بل كان الحال سيئاً لدي غرام، نفذت لديها النقود و لا تعلم ماذا عساها أن تفعل، كلما تتقدم إلي العمل في متجر أو مطعم يعتذر إليها صاحبه ويخبرها إنه مكتفي بالعمالة التي لديه.
والآن تجلس بقلة حيلة حتي تذكرت أمر البطاقة الورقية والتي يتوسطها
«يوسف رأفت الشريف» بالإنجليزية
※ ※ ※
و بداخل محطة القطار تقف في انتظار هذا القادم نحوها، يبتسم إليها
“كنت متوقع إنك هتكلميني في خلال يومين”
ابتسمت فسألته
“و إيه اللي خلاك واثق أوي كدة؟”
“إحساسي”
أخبرته بتحفظ وجدية
“أنا أتصلت بحضرتك و طلبت أقابلك عشان محتاجة شغل، إن شاء الله حتي لو أشتغل في المصنع أي حاجة”
“فيه شغل بس مش في المصنع، في الشركة عندنا”
“طب هاشتغل إيه، أنا للأسف خرجت من سنة تانية كلية ومكملتش بسبب الشغل و الظروف الصعبة اللي بنمر بيها”
“أطمني كل أوراقك اللي الشركة محتاجها هاتكون جاهزة، و أي حاجة أنتي محتاجها أطلبيها علي طول”
أخرج من جيبه ظرف أبيض قد أخذ محتواه من صاحبه سلفاً ريثما يعود إلي العمل في شركة والده مجدداً.
“أتفضلي خلي دول معاكي هتحتاجيهم”
“شكراً يا يوسف بيه، أنا مش عايزة فلوس، أنا كل اللي محتاجاه شغل و بس”
“يا ستي اعتبريهم سلف لحد ما تشتغلي، الشركة عندنا بتهتم بالمظهر الخارجي للموظف، و هتحتاجي لبس ومصاريف، و بعدين هيكونوا عارفين إنك من تابعي”
شعرت بالحرج والخجل فتابع حديثه
“ما تتكسفيش يا غرام، اللي بعمله معاكي ما يجيش نص وقفتك معانا، ماتعرفيش لما قدرنا نوصل للي بيخسرنا شغلنا فرحنا قد إيه و المكاسب و الأرباح اللي هاتعوض خسارة كبيرة حصلت الأيام اللي فاتت، كل واحد فينا ربنا بعته للتاني عشان يخرجه من المحنة اللي هو فيها”
كم أسعد حديثه قلبها، و ها هي الحياة قد ضحكت من جديد لها وسترى السعادة لاحقاً
※ ※ ※
ترجلت سوزي من سيارة الأجرة أمام البناء المدون عنوانه لديها في الرسالة، وفي الأعلى كان نور منتظراً علي أحر من الجمر، ينظر إلي عقد ملكية الشقة بسعادة، هدية قيمة سيقدمها كعربون محبة ليدلي به لها عن حبه الصادق.
رنين الجرس مثل دقات قلبه التي تخفق للتو، ذهب ليستقبلها بحفاوة
“هاي”
حدق إليها بقلبه وليس بعينيه، سعادة عارمة علي وجهه ومحياه
“ما تتصوريش أنا فرحان قد إيه، خوفت لا ماتجيش”
ابتسمت وليتها ما فعلت ذلك، ابتسامتها أوقعته أسيراً في سحرها
“هو كان صعب عليا، بس أي صعب يهون عشانك”
“لاء أنا مش قدك و لا قد كلامك، أنا يا سوزي خلاص مابقتش قادر أستحمل وأنتي بعيدة عني أكتر من كدة، لازم نتجوز بسرعة، الشقة أهي جاهزة من كل حاجة وعقدها واقف علي إمضتك، دي أول هدية غير هدايا كتير لسه هجيبهالك”
أخذت من يده العقد و لم تصدق ما تراه، كم هو سخي معها نقيض والده الحريص، لذا لا تتركه فهو كنز ثمين عليها أن تغتنمه وتخرج بربح وفير خلال مهلة قصيرة.
“حبيبي يا نور، مش عارفة أقولك إيه، أحليو أجمل هدية”
أخرجت قلم من حقيبة يدها
“و أدي إمضتي أهي”
اقترب منها نور وحاوط خصرها
“عقبال إمضتك علي قسيمة جوازنا”
رسمت ابتسامة زائفة علي شفتيها
“إن شاء الله يا حبيبي”
“طيب مفيش حاجة بمناسبة الهدية اللي عاجبتك؟”
تدرك مبتغاه فتظاهرت بعدم الفهم
“حاجة إيه؟”
اقترب بشفتيه من وجهها
“حاجة زي كدة”
يقبلها بنهم نابع من شوق وعشق لا يعلم إنه سينتهي قبل أن يبدأ عندما تنكشف له الفاجعة.
تحولت قبلاته إلي لمسات تجاوز بها كل الحدود وكاد يتمادي، و إذا استسلمت له سينكشف أمرها بسهولة أمامه، فهو يعلم من بياناتها في الشركة إنها آنسة لم يسبق لها الزواج.
دفعته عنها وتصنعت الخوف والخجل
“نور، كفاية لحد كدة، لما أبقي مراتك أعمل اللي أنت عايزه”
“حبيبتي آسف، حقك عليا، من كتر شوقي ليكي مقدرتش أسيطر علي نفسي، أوعدك مش هقرب منك غير لما نتجوز، بس قولي أنتي الوقت المناسب ليكي”
ابتسمت بدهاء حية رقطاء
“بعد شهرين هاكون دبرت أموري”
“شهرين!، كده كتير”
“معلش استحمل يا حبيبي، هيعدوا بسرعة و هانكون مع بعض، خلاص؟”
أومأ لها بهيام
“موافق، المهم هاتكوني معايا وملكي في الأخر و مش هاسيبك أبداً”
و كم من أمنية يتمناها المرء فتأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غرام في المترو)