رواية نفق الجحيم الفصل الأول 1 بقلم ريناد يوسف
رواية نفق الجحيم الفصل الأول 1 بقلم ريناد يوسف
رواية نفق الجحيم البارت الأول
رواية نفق الجحيم الجزء الأول
رواية نفق الجحيم الحلقة الأولى
قاعده فمكانها المفضل علي كرسي فالبلكونه بتاعة بيتها واللي عتطل على شارع رئيسي كبير.. مايله بجزعها علي السور الحديد بتاع البلكونه وعتتفرج عالناس اللي رايحه وجايه.. وتشوف البياعين المتجولين وهما عينادوا علي بضايعهم المتنوعه.. وعينها رايحه وجايه مع العربيات اللي معتتقطعش ابداً من الشارع.. كل دا عتراقبه كل يوم من ساعة مااتنقلت للمكان دا وبتحس بنفس عدم الانتماء ونفس الغربه فوسط المجتمع اللي لغاية النهاردة متعودتش عليه ولا علي وجودها فيه.
مع أنها بقالها سنين طويله عايشه فيه،وعتحاول بكافة الطرق التاقلم والانصهار فيه
لكن للاسف كل محاولاتها كانت نتايجها الفشل.. لان روحها هي اللي رافضه التأقلم.. روحها اللي لساها هناك ساكنه في المكان اللي كبرت واترعرعت فيه.
غمضت عيونها واتبسمت براحه وحنين مع نسمة هوا هبت علي وشها، فكرتها بنسايم الهوا اللي كانت عتداعب روحها هناك.. لكن طبعاً مع اختلاف النقاء والروايح اللي حملاها النسايم.. واللي مختلفه كل الاختلاف.
بدأت تسافر بالذاكره وتجوب اودية الذكريات السحيقه وتطوي السنين طي. وتضرب بجناحات الحنين فضا المسافات البعيده.. وأخيراً وقفت علي حدود بلدها الحبيبه.. وشافت اشجار المانجه العاليه واشجار التين العتيقه،
وشافت روحها عتتنطط من شجره للتانيه كيف القرود وتقطف من طرحهم كل اللى تشتهيه عيونها وتطيب عليه نفسها. وتضحك من قلبها وتسرق لحظات سعادة معدوده رغم أنوف الجميع.
فضلت هناك لحد ماقلبها وعقلها وروحها استكانوا وحست براحة جميله عتسري جواها، كأنها راحت رحله تهدي فيها اعصابها..لكن اللحظات الجميله دايماً عمرها قصير.
فتحت عيونها ببطئ علي صوت نفير عربية متواصل كان صاحبها عيحث اللي قدامه انه يتحرك قوام ويفتحله الطريق، عاودت من رحلتها البعيده، ورجعت تتامل الشارع مره تانيه وتراقب الناس اللي كيف النمل رايحين جايين شايلين قوتهم ومونة بيوتهم من غير تعب ولا كلل وتسأل حالها:
ياتري كل واحد فيكم ايه نوع الهم اللي شايله فقلبه وماشي بيه واللي يشوفه من بعيد يقول عليه خالي.. ماهي من واقع خبرتها في الدنيا طول ال٥٣ سنه اللي عاشتهم فيها.. أن مفيش حد عايش علي وشها مش شايل هم ولا عنده مشاكل.. مع اختلاف النوع والحجم طبعاً، بس الاكيد.. أن الكل تعبان.
واثناء ماهي غرقانه بفكرها وتفكيرها في الناس قطع شرودها صوت عتعشقه وتعشق سماعه.. صوات قطرات المطر وهي عتنزل من السما.
بصت لفوق وضمت حواجبها بغرابه وهي واعيه السما اتلبدت فجأة بالغيوم.. كيف وميته متعرفش.. مع ان في بداية قعدتها كانت فيه شمس خفيفه في المكان وبدالها ان اليوم هيكون مشمس ودافي.. لكن سبحانه مغير الاحوال.
طلعت تليفونها من جيب البالطوا بتاعها وبصت فيه، وشهقت وهي شايفه الساعه بقت كام واكتشفت ان الوقت سرقها كالعادة وهي فقعدة تأملها اليوميه.
هبت من قعدتها واقفة وهي عتهمس لنفسها:
والله لو ماعاودوا ولقوا الوكل جاهز لهيخلوا يومك اسود من قرن الخروب ياحزينه.. وابقي لما يسألوكي معملتيش وكل ليه قوليلهم سرقني الوكت واني قاعده في السهرايه عشان متخلصيش من لسان اصغر قرد فيهم.
كانت عتهرول وهي عتهمس لروحها بالكلام دا، موقفتش غير فنص مطبخها قدام التلاجه.. ففتحتها وطلعت منها المكونات اللازمه للطبخه اللي هتطبخها، واكيد حرصت انها تكون وجبه سريعه عشان تلحق تخلصها قبل رجوع عيالها من مدارسهم، اللي عيرجعوا بوشهم عالوكل زي مايكونوا معاودين من حرب ضاريه خاضوها لطلب العلم.
معدتش غير ساعه وحده وكانت واقفه قدام الاكل اللي عملته وهي راضيه تمام الرضى عنه، واتنفست بارتياح بعد ماخلصت مهمتها، وعاودت بعدها وهي مرتاحة البال قعدت قبال البلكونه بتاعتها مره تانيه عشان تتمتع بأكتر الاجواء حباً لقلبها.. اجواء الشتا والمطر ونسايم الهوا الباردة، اللي بدات تداعب ستاير البيت
وتزحف بهدوء وتلفلف جسمها النحيل، بس كالعادة السقعه مش عتاثر غير علي اطرافها اللي عيتجمدوا طول الشتا وكأنهم مش من باقي جسمها.. ضمت اديها لبعض وبدأت تنفخ فيهم عشان تحس بشوية دفى فيهم وتحس ان فيهم حياة،وبرضوا مع ذلك هتفضل عاشقه للشتا والمطر حتي لو اتجمدت من السقعه.
بعدت اديها عن وشها وبدات تفركهم ببعض عشان يتولد الدفي فيهم، وفجأة وقفت اللي بتعمله وهي عتتامل الجرح العميق اللي فيدها، واللي برغم إنه شفى كلياً،، الا انه لساه سايب اثر واضح علي ايدها وجوا روحها وقلبها، والاثر دا استحاله ينمحي مهما عدت عليه السنين.
ضمت يدها قوام عشان تخبي الاثر قبل ماتهاجمها الذكريات المرتبطه بيه.. وقد ايه هي شاطره فإخفاء الندوب والجروح والتظاهر بالقوه وانها بخير مهما كان اللي فيها واللي عتحس بيه.
قامت ودخلت جوا اوضتها بعد ماقفلت البلكونه..وقعدت فوق سريرها تتامل ندبة يدها من جديد من بعد مانجحت الذكريات السيئه فإنها تهاجم عقلها وعيونها، وبدات تسأل روحها السؤال المعتاد..أي ذنب عملته عشان اتعاقب عليه بالقسوة دي وعقابه يسيب الاثر دا علي جسمي..أيه اللي عملته فحياتي كلها عشان تسير علي النحو اللي سارت عليه؟ أيه اللي زرعته عشان احصد منه كل الظلم اللي شوفته فحياتي؟
فجاوبت نفسها بنفسها:
ماارتكبتيش ذنوب، وكل اللي شوفته فحياتي وسألت روحي عيحصلي باي ذنب كانت الإجابه بتاعته واضحه وضوح الشمس.. لأني اتخلقت في بيئة ذكورية بحته.. حيث الراجل هو الآمر الناهي، الحاكم والجلاد.. هو الملك اللي بيده قلائد الحكم وجميع النساء اللي في محيطه سبايا وجوارى”
اتنهدت بوجع وقلة حيله، ورفرفت برموشها عشان تطرد دمعة هددت بالنزول..لان ديه مش وقت البكا..هي متعودة ان كل حاجه ليها وقت وميعاد.. حتي الحزن والدموع.. ودول بالتحديد خصت بيهم جوف الليل عشان محدش يسمع انينها ولا يشوف ضعفها اللي اتعلمت انها متبينهوش غير بينها وبين نفسها، ولا تخلي حد يحسه حتي اقرب الناس ليها.
دارت بعيونها في الاوضه شويه وبعدها هربت من كل افكارها وذكرياتها للحاجه الوحيده اللي عترتاح فيها وتحس انها الوسيله الوحيده لتضييع شعورها بالوحده اللي متأصل جواها برغم كل الضجيج اللي حواليها”تليفونها”
فتحته وفضلت تقلب فيه وتتنقل بين برامج الشوشيال المختلفه.. لغاية مااستقرت في الاخر على اقربهم لقلبها واللي مستعده تقضي عليه ساعات من غير ماتحس بنفسها..وهو برنامج “الواتباد”
وابتدت تكمل في الروايه اللي بدأتها أمبارح ومقرتش منها غير المقدمه.. واللي جذبها ليها الأسم.. قرت منها فصل والتاني والتالت واتوقفت مقدرتش تكمل قراية من صدمتها فمحتوى الرواية!
دي مش بس اتصدمت دي حست بالاختناق من اللي قرته.. واللي كان خيالي مليون في الميه ولا يمت للواقع بأي صله.. جايز لو الموضوع ميمسهاش هي شخصياً ولا عاشت احداثه وهي اكتر وحده في العالم متاكده ومستعده تقسم أن الواقع غير اللي انكتب في الروايه.. جايز كان عدى ومر على عقلها مرور الكرام.. لكن الموضوع دا هو محور حياتها واللي عاشت تعاني منه طول عمرها.. وحرمها من حياة طبيعيه منذ نعومة اظافرها كيف ماعيقولوا.. واللي هو موضوع “الاغتصاب”
وكد ايه ضحكت بوجع وهي عتقرا ان البطل حب البطله بعد مااغتصبها واللي دخلها فنوبة ضحك كانت على وشك انها توقف قلبها.. أن البطله هي كمان بدأت تبادله نفس المشاعر وانها حبته بعد كل اللي عمله فيها.
حزفت الروايه من المكتبه وابتدت تتصفح الروايات اللي على الموقع وللصدفه قابلتها كذا روايه تحمل نفس الاسم ونفس المعنى.. وعشان كانت مهتمه تدور مابينهم على حاجه معينه بين سطورهم حملتهم كلهم على التطبيق..
وبدأت تدور فيهم كيف المظلوم اللي عيدور على حقيقه من سطرين وسط كومة كلام.. وللأسف طلع فالاخر كله كلام فاضي.
حزفت كل الروايات اللي حملتها وقررت اني مش هقرا اي روايه تحمل الاسم دا مره تانيه.. لكنها في المقابل اتولدت جواها رغبه ملحه بانها تعرف الكل الوجه الاخر لعملة الاغتصاب.
وبدون تفكير دخلت لصفحة كاتبه قريتلها كذا روايه واسلوبها عجبني وكان يشدني لدرجة إني ممكن اخلص روايه من رواياتها فيوم واحد أو اتنين بالكتير مهما كانت طويله..الكاتبه دي بالذات كنت حاسه بألفه غريبه ناحيتها مش عارفه ايه سرها..
دخلتلها علي الخاص.. وبدأت حديتي معاها كالآتي:
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آسفه على تطفلى.. عارفه انك متعرفنيش.
– وممكن مترديش علي رسالتي من الاساس.
– بس مش عارفه ليه انتي الوحيده اللي حبيت إني اقولها كل اللي جوايا واحكيلها حكايتي وقصة حياتي وحياة ناس تانيين.. واتمني إنك انتي بالذات اللي تكتبيها.
– مش عارفه ليه حاسه إنها هتطلع من تحت يدك انتي كيف ماحوصلت بالظبط وهتعرفي توصفي كل احساس مريت بيه وتخلي الناس تحسه بالمظبوط.
– اني عقولك اكده عشان سبق وحسيت بكل كلمه كتبتيها فرواياتك اللي قريتهالك.. وإحساسك كان عيمس قلبي.
عموماً لو حالفني الحظ وشفتي رسايلي.. فآني حابه إنك تكتبي حكايتي عشان البنات الصغيرين يقروها ويتعظوا ويشوفوا الدنيا بشكلها الصحيح، والصوره المقلوبه لقصص الاغتصاب و الحب تتعدل فعيونهم ويشوفوها واضحه وضوح الشمس..انتي صعيديه وهتفهمي كل عاداتنا وتقاليدنا ومش هحتاج اشرحلك كل كلمه اقولها.
القصه بدأت في قريه من قري الصعيد، ولكن قبل الحدث الكبير اللي عتدور حواليه كل احداث القصه.. فيه تفاصيل كتيره عرفتها عن لسان اصحابها ذات نفسهم لازمن تعرفيها فلاول.. خليني احكيلك من البدايه خالص..
ضغطت علي زر الارسال بعد ما انهت كتابة رسالتها، وبصت للفراغ وهي عتحاول تحدد تبتدي منين الحكايه.
من اول الحادثه ولا من المرحله اللي قبلها؟
وقررت أخيراً أنها تبدأ من البداية خالص.. من بداية الامر.. وتوصف للكاتبة تفاصيل صغيره، هي متأكدة انها هتفرق جداً معاها
غمضت عيونها وراحت تبحث جوا عقلها عن بداية الخيط اللي هتبدأ من عنده.. وفتحت عيونها بعد ثواني وابتدت تكتب بعد ماعرفت هتبدأ من فين بالظبط..وحكت الحكايه من مكان ماابتدت.
**************
– شام.. انتي ياقزينه روحتي وين؟ يابوي منك ياشام ومن جلعك وتنطيطك..والله مانتي نافعه.
بسيمه.. بسيمه.. خدي اختك وشوفو العجين خَمر ولا لسه وإن كان خمر هاتوهولي قدام الفرن علي ماأجيب الحطب والقش واحميها.
أما شام فكانت واقفه فوق سطح البيت المسقوف بأفلاج النخل وجريده وعفت عليه السنين لغاية مااتهالك ويادوب قادر يشيل نفسه.. وعماله تتمايل شمال ويمين بقدها المياس..
وتدور تحت حبات المطر فاردة دراعاتها للمطر بمحبه كيف حبيبه عتستقبل حبيبها بعد غياب،
رافعة وشها لفوق عتتلقىَ المطر فوقه كقبل مشتاق.
وتضحك مع كل قطره وصوت ضحكتها يقتل صوت السكوت.
وبمجرد ماسمعت أمها صوت ضحكتها وعرفت موطرحها صرخت عليها بعلو صوتها:
انتي يامجذوبه.. انزلي ياقزينه وبطلي الجنان بتاعك ديه، الناس تقول عليكي ايه وانتي طولك طول النخل وعقلك عقل صخل!
انزلي هتوقعي علينا سقف البيت اللي ساترنا وحامينا..انزلي ياشام السقف دايب لحاله ممتحملش.
وكالعادة كلام الأم ولا أثر في شام وفضلت زي ماهي تلف وتدور وتستمتع بالمطر والجو اللي عتعشقه عشق..
بالعكس دا كلام امها خلاها تزيد في الضحك وترفرف أكتر بجناحاتها كيف فراشه حره طليقه..
وعلي صوت ضحكتها اتفتح شباك اخضر وطل منه اللي خلي الفراشه تبطل حوم وتقف خجلانه ميتحركلهاش ساكن.
ومع إبتسامته الجميله وبصته المتفحصه ليها واللي خلت شام حست انها الشمس اللي قشعت كل الغيوم.. اتسمرت شام اكتر كيف ماتكون عيونه ربطتها بخيط خفي..
وما هي الا دقايق معدودة قضتها الفراشة وهي مقيدة برباط الخجل، ومن بعدها بدأت تستعيد حركتها وتتحرر ضحكتها من تاني، وترجع ترفرف بجناحاتها مرة تانيه تحت انظاره المستمتعه بفراشته الجميله والوانها اللي تخطف عيون الناظر.
كانت صاحبة بشره بيضه كيف الحليب وعيون وساع عسليات يشبهوا لون الشمس وكت الشروق وجسد ممشوق وضفيرتين كيف سنابل القمح متدليه من تحت ربطة راسها وعيتمايلوا شمال ويمين مع اقل حركه تتحركها..
ومن بين جنونها واستمتاعها بالاجواء والمطره اللي عتعشقها، وحبات اللؤلؤ النازله من السما تغسل روحها قبل بدنها.. وتحسسها بإنتعاش عيفضل معاها من العام للعام، وتتجدد إبتسامتها كل ماتتذكر اللحظات دي..
اتوقفت عن الدوران وهي عتسمع الصفاره العاليه اللي معتقدرش ابداً تتجاهل صاحبها.. فهرولت لسور البيت واتسندت عليه في انتظار قدومه من بعيد، وأهي شافت مقدمته الضخمه لاحت في الافق من بعيد.. فضحكت بسعاده وابتدت تشاورله بأديها التنين وتتنطط بفرحه..
ومكانش اكتر من مجرد قطر لنقل المسافرين.. واللي وقعت في غرامه من أول مره عدي فيها قدامها علي خط السكه اللي اتعمل قدام دارهم مباشرة ميفصلهمش عنه غير الشارع.. واللي باتت تعرف مواعيده من خلال تغيير مواضع الشمس عالحيطان، وتستناه بلهفه وشوق.
وكد أيه كانت جواها رغبه وأمنيه أنها تركب جواه وتشوف شكله من الداخل وتبص عالدنيا من شباكه..
ولكنها خابره زين إنها أمنيه صعب تتحقق.. دا إن مكانتش مستحيله.. اصلهم ملهمش قرايب فأي بلد تانيه.. ولا حد فيوم من اهلها وقرايبها غادر البلد وهملها.. فبالتالي محداهاش سبب تركب القطر علشانه
قرب القطر عالبيت، وبمجرد مابقي قصاد البيت.. فضلت شام تتنطط وتشاور بأديها للقطر فإبتدا سواق القطر أو المساعد بتاعه يزمر بصفارة القطر كذا مره متتاليين عيرد علي مشاورتها ليه.. بالظبط كيف مايكون عيردلها التحيه.. فضحكت شام بفرحه وفضلت تشاور للقطر لغاية ماإختفي عن عنيها..
واول ماإختفي القطر برقت عنيها بخوف بمجرد ماإنتبهت للي عيملته، والغلطه الشنيعه اللي غلطتها.. لانها سبق وعطت وعد للي واقف وراها في الشباك أنها مش هتعمل إكده مره تانيه؛ لأن مشاورتها لسواق لقطر عتخلي نار الغيره تشعلل في قلبه وكذا مره يقولها إن الحركه دي عتدايقه، ومهما حلفتله قبل سابق إنها عتشاور للقطر ذات نفسه مش لسواق القطر معيصدقهاش.. فأضطرت إنها توعده وعد كداب هي عارفه زين إنها مهتنفذهوش ولا هتقدر تلتزم بيه.. انها مهتشاورش للقطر مره تانيه.. واهي خانت الوعد قبال عينه بمجرد ماشافت صاحبها العملاق ابو وش حديد ومقدرتش متستقبلهوش بحفاوه وفرحه كيف كل مره.
لفت شام بشويش وهي عتمطق فريقها اللي جف من خوفها وهي عتستعد لمواجهة براكين صابر الثايره اللي هتكون علي هيئة شتايم ونظرات غاضبه..
لكن اللي كانت تتوقعه محصلش؛ لانها ملقتش صابر واقف في الشباك من الأساس، ولا لقت الشباك مفتوح اصلاً، فعرفت إن غضبه عدي مجرد العتاب وعرفت إن عقابه النوبادي هيعدي مرحلة الشتايم ومجرد الزعل لانه اتوكد إنها معتجيبش معاها اي نتيجه.
قضت بعدها كام دقيقه وهي قاعده تحت المطر ساكنه وعتحاول تخمن ياتري أيه هيكون نوع عقاب صابر ليها النوبادي.. هل هيكون خصام؟
ولا ممكن يوصل العقاب للضرب.. ماهو عصبي وهي خابره إنه لما يتعصب قوي معيشوفش قدامه.. والخوف ليكون العقاب اشد واقوي وهو قلع جدور المحبه اللي ليها فقلبه.
قطع السكون بتاعها والتفكير حس ابوها حبيب قلبها وهي عينادم عليها.
فنست صابر وزعله وخوفها منيه.. وهبت واقفه ونزلت علي السلم بسرعه عشان ترد علي حبيب روحها.
وابوها شافها نازله بسرعه عالسلم المبلول من مية المطره وابتدا يزعق عليها ويحذرها بخوف، ويقولها تتمهل في النزول عشان رجليها متزلقش في الطين وتقع.
لكن شام مكنتش سامعاله واستمرت تنزل بسرعه لغاية ماكملت السلم واترمت فحضن أبوها الدافى.. وهو ضمها بحنانه المعتاد وإبتدا يمسد عليها ويتحسس خلجاتها المبلوله وهمسلها معاتب:
مش عقولك ياواش ياواش ياشام وانتي نازله، مش خايفه رجلك تزلق وتنكسر كفاله الشر وساعتها تقعدي شهور في الجباير محبوسه،، بذمتك تتحملي التجبير انتي وتقدري ماتتنططيش كيف فرقع لوز!!
وكمل عتابه ليها وهو حاسس بجسمها اللي بقي كيف قالب التلج من مية المطره فشهر طوبه :
إكده ياشام كلك بقيتي تلُجى ميه فالشتا ديه،، يابتي خافي علي روحك وعلي صحتك هبابه احسن تعيي انتي مش صغيره.
بعدت شام عن حضنه ودارت حوالين نفسها دوره كامله وهي عتقوله:
آني مبرداناشي يابوي اني عحب الشتا والمطر،، عحب ريحة الطين وريحة الهوا المتحمل بريحة الأرض والزرع،، عحب الريحه اللي تخلي الروح تنتعش وتفرح داي..
وقبل مايرد عليها أبوها سبقته أمها في الرد وهي طالعه من جوا الحوش وشايله حزمة حطب بين أديها وصرخت فشام:
عشان حلوفه معتحسيش، وبصت لعبد الصمد اللي إتبلت خلجاته من حضنته لشام وصرخت فيه بنفس الصوت الغاضب:
إكده ياعبصمد تبل خلجاتك انت كمان فعز الشتا ديه!
طيب شام وبصمنالها بالعشره انها مجنونه وناقصه عقل، إنت عاد ياكبير ياعاقل تعمل إكده ليه؟
إتبسم الأب وهو عيتطلع لشام بفخر كأنه عيقولها إنه عاشق بته وعاجبه جنانها.. وعارف إنها وارثه الجنان ديه منيه هو.. عشان في صباه كان مجنون ومتهور زيها إكده بالظبط.. وعشان إكده ممستغربش عمايلها ولا عيلومها عليها.
ولكنه سكت ومرضيش يقول أي كلمه من اللي عتدور فخُلجه عشان ميجيبش لروحه الكلام من دهب مرته، ويواجه نوبة غضب منها ممكن توصل لانها تكسر حزمة الحطب اللي فيدها علي دماغه.. وديه لانه خابر هي متغاظه من شام وفطفطتها وجنانها وعصبيتها وعندها..ودايماً تقولهاله فوشه.. إن كل طبع عفش فشام ورثته منه هو وهو السبب فيه، وأنه فرحان بيها وعيحبها ويميزها عن باقية إخواتها للسبب ديه.. وغير الطبع كمان شام ورثت منيه جمال الشكل.. لان عبد الصمد يعتبر أوسم سكان القريه بلا منافس والكل عيشهد بحلاته وملامحه المخطوطه خط ومرسومه كيف لوحه جميله ميشبعش منها اللي يبصلها.
وبرغم إن عبصمد فضل ساكت الا إن سكوته ديه مأخفاش عن دهب مرته اللي عيدور فخُلجه.. عشان هي عتقدر تقراه وتقرا افكاره وكل اللي عيدور جواه من قبل حتي ماينطق ومن غير مايتحدت.. فهزت راسها بقلة حيله وبعدت من قدام البت وابوها ومنطقتش بكلمه وحده عشان خابره زين إن الكلام مع التنين دول بالذات ضايع في الهوا وممنوش أي فايده..
لكنها فضلت تبرطم مع نفسها بإن جلع عبد الصمد لبته هو اللي خارب طبعها، وإنها مش هيتصلح حالها غير لما تتجوز وتروح لبيت جوزها وتبعد عن أبوها ودلاله الزايد وجلعه الماسخ ليها.
وبمجرد ما وصلت حدا الفرن رمت حزمة الحطب من طول دراعها قدام مَحمى الفرن وإبتدت تولع النار جوا الفرن عشان تسخن مسافة مالعجين يخمر.
وفي الأثناء دي طلعو اتنين بنات من أوضه من اوض البيت، وهما حاملين ماجور العجين بين أديهم.. وإتقدموا بيه وحطوه جار الفرن وغطوه وهملوه عشان يكمل خُمره في دفى اللهيب.. وبعدوا هما التنين عن لسان اللهب لكنهم قعدوا قريبين من الفرن مستأنسين بالدفى اللي طالع منها.
دهب : بسيمه هاتي الطُراحه والبشكور، وأنتي يابشاير هاتي الفوده وأغسليها وغيري ميتها..
ردوا البتين في حس واحد :
حاضر يمه..وإتحركوا قوام ينفذوا أوامر أمهم بدون تأخير.. وشويه وسخنت الفرن وبدأو البتين وحده في تقريص العيش على الطراريح والتانيه تفرد وتحط لامها عالمطرحه وامهم تدخل العيش الفرن وتكمل سواه.
أما شام فكانت قاعده علي مسافه منهم وإبتدت تمشط شعرها من مية المطر بعد مابدلت خلجاتها وجابت لابوها هو كمان غيار جديد غير الخلجات اللي بلتهمله ودخل عشان يبدل.. وشويه وطلع الاب من الاوضه وهو مبدل وقعد جار شام، وسألها وهو عيتطلع لأمها وإخواتها اللي عيخبزوا:
مش ناويه تتعلميلك حاجه من شغل البيت تنفعك زي اخواتك البنات اكده ياشام؟
قوليلي لما تتجوزي وتروحي لبيت اهل جوزك ويقولولك قومي اخبزي ولا اطبخي هتقوليلهم ايه وكتها،، ولا تطلعينا بسواد الوش قدامهم وانتي خيبانه ويقولولك مكنتيش فبيت ناسه عياكلوا ويطبخوا كانوا علموكي!
بصتله شام واتبسمت وهي عتقوله:
هتعلم يابوي وهشرفك متخافش لساه الوكت بدري علي الحديت ديه اني لساتني صغار.
ولأول مره شام تشوف إعتراض ابوها علي شى تقوله او تعمله وهو عيهز راسه يمين وشمال برفض ويرد عليها:
له ياشام مانتيش صغار،، انتي حداكي ١٨ سنه واللي كدك فاتحين بيوت ومخلفين عيل وتنين كمان،، ولو كنت تَبعت خُطابك كان زمانك زيهم اكده قاعده فبيت جوزك دلوك وعيالك عيتنططوا حواليكي،، بس عشان انتي متجلعه مرضيتش اتعجل فجوازك واخليكي تتحملي مسئولية البيوت بدري، وقولت اسيبك تشبعي جلع فبيت ابوكي، والجواز والبيوت والمسئوليه قاعدين ولاحقين عليهم.
لكن بذياداكي اكده عاد ياشام مهنضيعوش العمر في اللعب والتنطيط،، من النهاردة تتقربي لخدمة البيت والبهايم مع امك واخواتك البنات،، وفي خلال ٦ شهور تاجي تقفي قدامي إهنه وانتي متعلمه الطبخ والنفخ والخبز والحلب وتديني التمام وتقوليلي.. آني بقيت جاهزه يابوي.
بعدت شام المشط عن شعرها وإتطلعت لابوها وهي حاسه بإستغراب من كلامه ديه وسألته بحيره:
جاهزه لأيه بالظبط يابوي، وأشمعنا بعد ٦ شهور بالذات!
فتبسم الأب ومال عليها لغاية ما اصبح وشه جار ودنها وهمسلها بصوت فرحان:
عشان بعد ٦ شهور هيكون جوازك يانن العين وبكرية القلب.
قالها ومسك خصله من شعرها وبعد وشه وهو عيتأمل خيوط الدهب المتجسده فشعرها وكمل:
الفوله جالها كيالها، وسبيكة الدهب المكنونه جالها الجواهرجي بتاعها اللي عارف قيمتها زين وهيقدر غلاها..
خلص جملته وبص لعيونها العسليه المفتوحين علي آخرهم من الصدمه عشان يشوف تأثير الكلام عليهم.. وإتبسم وهو شايف حركة نن عينها اللي عيتحركوا بلا هواده، ودي حركة دايماً شام عتعملها لما تخاف من شى لدرجة الرعب.. فكمل كلامه بسرعه عشان يهدي خوفها اللي خابر زين هو نابع من أيه:
متخافيش ياشام دا صابر مش حد غريب
شام بمجرد ما سمعت الاسم حست بقشعريرة عتسري بطول عمودها الفقري وأن ضربات قلبها أختلفت وتيرتها واتبعترت دقاتها بعشوائيه.. ونكست عنيها للأرض بخجل وعطت المجال لأبوها عشان يكمل حديته فواصل الاب:
صابر واد جلال صاحبي وأخوي اللي عارفه وعارف اخلاقه وطباعه زين،، وخابر انه الانسب ليكي من بين كل الخلايق.. الواد عاشقك ياشام من صغر سنه ومن سنين كل هبابه يفتح معاي موضوع خطبتك واني أأجل واقوله لسه بدري،
ومن خوفه احسن حد ياخدك منه مكانش يغيب حاجه و يعاود يفتح الموضوع من تاني واني اطمنه فكل مره انك ليه ومش لغيره..وخصوصي واني خابر ان قلبك انتي كمان ميال يابت عبصمد.
بس النهارده واني داخل البيت من هبابه لقيته اعترض طريقي ووقف قبال يتنفض كيف الملبوس وقالي،، بص ياعم عبصمد هما ٦ شهور هصبرهم علي شام وبعد اكده هتجوزها.. عشان لا آني حداي موانع ولا انتوا يبقي ايه لزوم التأخير عاد؟!
واني بصراحه استحيت أأجل اكتر وقولتله آمين،، والدهب والمشيه بعد سبوع من النهارده، والجواز بعد الست شهور،، وعشان اكده عقولك اوعاكي ياشام تقصري رقبة ابوكي فبيوت الناس الغريبه وتخليهم يقولوا بت عبصمد ناقصه ربايه وناقصه علام.. عايزك دايماً فعيون الكل كامله مكمله يابتي، واياكي فيوم تندميني علي جلعي ليكي.
هزت شام دماغها لأبوها بموافقه وطاعه وقامت من جاره ورمحت علي أوضتها دخلتها وردت الباب وراها؛ عشان تتخبي من ابوها وتداري خجلها اللي بان علي وشها وخلاه اشتعل من شدة الخجل..ودي أول نوبه شام تحس بالخجل قدام أبوها.
وكيف متخجلش وابوها عيحدتها فموضوع جوازها ومهما كانت درجة قربها منه الا إن الخجل والمستحى في الموقف دا بالذات ساد وسيطر علي كل ذره فكيانها.
وبمجرد ماقفلت شام باب أوضتها علي حالها فضلت تدور حوالين روحها بفرحه.. وليه لا واللي عتعشقه وتتمناه من صغرها إتقدم لخطبتها وخلاص هتكونله وليفه وأم لعياله ومفيش حاجه هتفرقهم من إهنه وطالع..
ووقفت عن الدوران فجاة وهي عتقول لحالها:
طيب وعمل أيه فزعله مني؟
آني خابره إنه واخد علي خاطره مني بالقوي.. ولازمن اراضيه وأطيب خاطره.. أصل مفيش خطبه عتتم بين اتنين متخاصمين.
وفضلت هبابه قاعده فأوضتها تفكر، وبعدها هبت واقفه وطلعت من أوضتها بعد ماخدت ربطة راسها وحطتها فوق دماغها وطلعت تهرول لبره البيت بعد مابصت علي ابوها ملقتهوش، فقالت لامها إنها رايحه البندق تقعد مع صاحباتها البنات كيف كل يوم..
وطلعت جري من غير ماتاخد حتي الموافقه من إمها ولا تستني ردها حتي.. ورمحت عالبنات اللي عيتجمعوا كل عصريه في” البندق”المكان الواسع ديه اللي علي اطراف البلد وهو أشبه بساحة حرب واسعه وإتسمي بالبندق عشان فيه مدفع قديم عيضروب في رمضان ويعلن عن ميعاد إفطار الصايمين.
وكالعادة دهب الأم متملكش من أمر شام حق الرفض لخروجها، فشام واخده موافقه مسبقه من أبوها إنها تطلع لوين ماتريد، وكت ماتحب مادام الخروج والرجوع قبل أذان العشا وفوكت ونسة اهل البلد اللي كلهم حراس لعرض بعض، وكلهم راعيين لبن
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نفق الجحيم)