روايات

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الرابع 4 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الرابع 4 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق البارت الرابع

رواية كواسر أخضعها العشق الجزء الرابع

كواسر أخضعها العشق
كواسر أخضعها العشق

رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة الرابعة

تلك الطعنات النافذة بأعماق روحي لم تأتِ من عدوٍ يمقتني، بل جاءت من حبيب أدرت له ظهري، وقد ظننت بأنه خير من يحفظني فكان أسوأ من قتلني، فلم يجهز على الروح وحسب! بل أذاقها ويلات الخذلان، فكان الألم مزدوجًا من ناحية هلاكِ ومن ناحية أخرى غدرك بي، وهكذا انقطع بيننا درب الغفران ليصبح هوة عميقة تُقصينا للأبد.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
انزع من قلبك كل ما يؤلمه حتى ولو كان عزيزًا، أطلقت من جوفها ثاني أكسيد الوجع الذي فاض به القلب وذرفته مقلتاها على هيئة أنهار من العبرات التي أغرقت صدرها ولم تفلح في إطفاء نيرانه، فقد كُسِر قلبها دون رحمة على يد من توجته على عرشه ملكًا فبغى وأفسد، وكانت هي أول ضحاياه.
لم يكن قلبها هو الضحية الوحيدة في الأمر، بل كبرياءها أيضًا نال حقه، فقد فضل أنثى أخرى عليها ووشمها باسمه لتصبح زوجته،
حقيقة مرة وواقع مؤلم وأسوأ ما قد يحدث لامرأة أن يتزوج عليها زوجها، ولم يكتفِ بذلك بل دهس بشاحنة اعترافه على جراحها دون أن يهتز له جفنٍ من الرحمة.
أي وحش هذا الذي عشقته واختارته زوجًا لها من دون الرجال؟
أطلقت آهات الألم من بين شفتيها التي تشققت من فرط البكاء وأخذت عيناها تنزف الوجع على هيئة أنهار لا تنضب أبدًا.
_ هل تنوين قضاء الباقي من عمرك في البكاء؟!
هكذا تحدثت “راوية”، والدتها التي تقطعت نياط قلبها حزنًا على رؤية ابنتها الوحيدة بهذه الحالة، ولكن لسوء الحظ فهي لا تملك أي شيء قد يخفف عنها عذابها.
_ اتركيني وحدي يا أمي.
“راوية” بحزن:
_ لا أستطيع تركك وأنتِ في هذه الحالة.
ارتجفت نبرتها من فرط الألم حين قالت:
_وما الذي سيحدث لي أسوأ مما حدث؟!
احتوت كتفاها بين ذراعيها وأسندت رأسها بجانب رأس ابنتها، قبل أن تقول بخفوت:
_هوني عليكِ يا حبيبتي.. لا شيء في العالم يستحق دموعك أبدًا.
تلوت أضلعها بداخلها من فرط الألم الذي كان يقطر من بين حروفها حين قالت:
_تلك الدموع ليست بشيء؛ فهناك جرحٍ غائرٍ بمنتصف قلبي ينزف دمًا.
امتزجت عبرات الأم وابنتها التي كانت ترتجف من فرط الألم الذي ينخر عظامها، فأخذت “راوية” تشدد من عناقها وهي تقول بلوعة:
_لا، لا، رجاءً توقفي عن قول هذا، فقلبي لا يحتمل رؤيتك هكذا.
شهقات متتالية، وعبرات غزيرة، وكلمات متقطعة كانت تخرج من بين شفتيها، فقامت “راوية” بالاعتدال وامتدت يديها تحاوط وجه “هدى” وهي تقول:
_اهدأي حبيبتي، كل شيء سيكون على ما يرام، أعدك.
جفت ينابيع الأمل بداخلها فقالت بمرارة:
_بالله عليكِ يا أمي ما الذي سيكون على ما يرام؟ هل ما زلت طفلة قد تضحكين عليها بمثل هذه الكلمات؟!
“راوية” بحنان ممزوج بالوجع:
_أجل، أنتِ بعيني طفلة لا تكبر أبدًا.
STORY CONTINUES BELOW
“هدى” بقهر يلون معالمها:
_كبُرت! تضاعف عمري حتى أصبحت أشعر بأني امرأة مسنة من فرط الوجع.
_يجب أن تتغلبي على هذا الوجع قبل أن ينهيك يا “هدى”، أعلم كم أن قلبك يؤلمك، الخيانة بشعة ووجعها لا يحتمل، ولكن يجب أن تكوني أقوى لأجل نفسك فهي تستحق.
هكذا قالت “راوية”، فأجابتها مغلولة:
_وجع قلبي ستتكفل به الأيام يا أمي، أما عن وجع كبريائي وكرامتي المهدورة فلن يهدأ ما دمت زوجة ذلك الحقير.
ناظرتها “راوية” بصدمة لم تتخطَ حدود شفتيها، فأردفت “هدى” بحزم بعد أن مسحت أناملها خط العبرات الذي لم ينقطع فوق وجنتيها:
_سأطلب الطلاق، وسأنفصل عن هذا الخائن في أسرع وقت ممكن.
_على جثتي أن يحدث هذا الأمر.
انتفضت المرأتان على ذلك الصوت الغاضب القادم من أمام باب الغرفة، والذي كان ل”رؤوف الوالي” والد “هدى”، التي هبت من مقعدها تناظره بصدمة انبثقت من بين شفتيها على هيئة حروف مبعثرة:
_ ما هذا الذي تقوله يا أبي؟!
تقدم إلى منتصف الغرفة بملامح متجهمة تشبه نبرته حين قال:
_ما سمعتِ، الطلاق أمر مرفوض بشكل قاطع، وعليكِ أن تُقصيه من عقلك.
اخترقت كلماته القاسية مسامعها مرورًا بقلبها الذي انتفض ذعرًا من تلك القساوة التي تنبعث من نظرات أقرب الناس إليها، فهمست بقهر:
_هل ستجبرني أن أكمل حياتي مع رجل خائن يا أبي؟
لم يتأثر خارجيًا ولم ترتخِ ملامحه قيد أنملة، إنما تابع بجفاء:
_لم يخنك، لقد تزوج على سنة الله ورسوله، ثم إن هذا الخائن كان من اختيارك وقد حذرتك سابقًا أن له تاريخ غير مشرف مع النساء ولكنكِ لم تهتمي، والآن لن أتحمل نتيجة سوء اختيارك، ولن أقبل أن تحمل ابنتي لقب مطلقة أبدًا، هل فهمتِ؟!
تزاحم الشعور بداخلها بعد أن تزايدت جرعات الخذلان في قلبها الذي لم يحتمل كل هذا القهر فتهدلت أكتافها وشيعت والدها بنظرات قاتلة تحمل الخيبة والألم معًا، فتجاهل ما شعر به من تأنيب ضمير تجاهها وواصل حديثه الجَدي:
_لقد هاتفني زين منذ قليل يخبرني بأنه سيأتي ليأخذك مساءً ولم أمانع، أما بخصوص زوجك المحترم فباستطاعتك أن تؤدبيه وأنتِ معززة مكرمة بمنزلك، أن تتركِ المنزل وتطلبي الطلاق ليس حلًا.
اختتم كلماته وغادرتها عينيه، حتى لا يرى وقع حديثه عليها، وتوجه بأنظاره إلى “راوية” التي كان العتب ينبعث من نظراتها، فلم يبالِ إنما قال بجفاء:
_أعيدي عقلها إلى مكانه وأخبريها كيف تتعامل مع زوجها، الذي بالمناسبة هو فقط من عليها إرضاءه.
قال كلمته الأخرى بحنق لم يفلح في قمعه، ثم غادر وسط أنظار “هدى” التي برقت عيناها من جملته الأخيرة، فالتفتت إلى والدتها تقول بصدمة:
_هل ما أسمعه حقيقي؟ هل يريد مني إرضاءه بعد ما فعل بي؟
تشابهت عينيها مع لهجتها حين قالت بحنان:
_لا يا حبيبتي لا يقصد ذلك، إنما والدك منذ فترة وهو غير راضي عن…
توقفت ولم تدرِ كيف تصيغ كلماتها فتضاعف الفضول بداخلها، وقالت تحثها على الحديث قائلة:
_ أكملي يا أمي، ما هو الذي لا يرضى عنه والدي؟!
_مظهرك يا هدى.
انكمشت ملامحها بصدمة:
_مظهري! وما به مظهري؟
“راوية” بسخرية:
_ أتسألين؟ انظري إلى نفسك وإلى تسريحة شعرك التي تشبه امرأة في الستين من عمرها وأيضًا ملابسك التي لا تشبهك أبدًا ولا تلائم عمرك، سأخبرك أمرًا فقد تنبأ والدك بما حدث منذ فترة، وأخبرني نصًا أن شاهين قد يفعلها ويتزوج على ابنتك إن لم تلتفت إلى مظهرها قليلًا.
أفقدتها الصدمة القدرة على الحديث لثوان، ثم انفلتت ضحكة ساخرة من بين شفتيها قبل أن تقول باندهاش:
_هكذا إذن، هل مظهري مريع إلى هذه الدرجة؟ ثم إن مظهري هذا يعجب كثيرًا السيدة زينات والدته، التي لم يقف لمرة واحدة أمامها ليحميني من بطشها وسموم كلماتها.
راوية بحنق:
_لهذه تحديدًا أخبركِ والدك بأن زوجك هو من عليكِ أن تطيعيه، لا والدته.
هدى بانفعال:
_ آه، هذا ما تقولينه أنتِ؛ لأنك لا تجلسين وجهًا لوجه معها أكثر من اثنا عشر ساعة في اليوم، وإن رأتك بشكل لا يعجبها . نظراتها فقط قادرة على جعلك تتمنين الموت محترقة أفضل لكِ.
_وها أنتِ احترقتِ، أين هي الآن؟
استفهمت راوية بغضب، فلم تستطع أن تجيبها هدى، فتابعت قائلة بتقريع:
_اخترت الاتجاه الخاطئ يا هدى، وقد نبهتك قبلًا ولم أخبرك عن السبب، ولكن شاهين قد تحدث معي وأخبرني بأنه لا يجدك، دائمًا منشغلة إما مع الأولاد أو مع والدته وقد أغضبه هذا كثيرًا.
صاحت بكل ما يعتمل بداخلها من قهر:
_أمي هل تخلقين له الحجج والمبررات لفعلته النكراء معي؟
راوية بلهفة:
_ لا أبدًا، ولكنِ أخبرك بما حدث، نعم هو مخطأ وخطأه لا يغتفر، ولكن واجبي أن أخبرك بخطئك أنتِ أيضًا.
اجتاح قلبها ألم هائل أفقدها القدرة على الحديث، فأردفت راوية بتعقل:
_الزواج أساسه العفة، أن تعفي زوجك في كل شيء فلا يلجأ لأخرى، رأيت بعيني كم أن زوجك يعاني وأخبرتك سابقًا، وحاولت لفت انتباهك، ولكنك اعتمدتِ علي حبه الكبير لكِ سابقًا ولم تبالي، ولكن الرجال يختلفون عنا؛ تبرد عواطفهم مع البعد وكثرة الإهمال.
لم تحتمل الصمت أكثر فأطلقت العنان لصرخاتها تملأ المكان:
_غير صحيح، لم أهمله بإرادتي؛ لقد كنت أهرول هنا وهناك مع أولاده، حتى أجعلهم شيئًا يفتخر به، إضافة إلى مهامي كزوجة الابن الكبير لزين النعماني والتي لا تنتهي وهو شاهد على طباع والدته الحادة وتسلطها، ولم يتدخل مرة للوقوف بجانبي أو التخفيف عني، الآن أصبحت أنا المذنبة والزوجة المهملة التي هرب منها زوجها وتزوج عليها؟! بالله عليكِ أي تجبر هذا الذي ترتكبونه في حقي؟
قالت جملتها الأخيرة بصراخ نابع من قهر كبير يستوطن خلايا قلبها، فاقتربت منها والدتها تحاول أن تخفف عنها وتهدئ من روعها قليلًا إذ قالت بحنو:
_ اهدأي حبيبتي رجاءً، نحن نقدر ما تشعرين به ولا نقصد التجبر عليكِ أبدًا، ولكن..
قاطعتها بانفعال:
_ولكن ماذا؟ كل هذا لأجل ألا اطلب الطلاق وتحمل ابنتكم لقب مطلقة، وكأنني ارتكبت ذنب عظيم، حسنًا يا أمي، قبلت، لن أتطلق سأقبل القهر والذل حتى لا تتأثر سمعة عائلتكم النبيلة.
حاولت راوية تهدئتها إذ قالت برفق:
_من فضلك اهدأي، لن يحدث إلا ما تريدينه، أعدك.
لم تسعفها الكلمات للحديث، فتهدلت أكتافها بقهر، وأراحت رأسها على كتف والدتها بتعب تقطر من عينيها على هيئة أنهار من العبرات، التي تروي حكاية وجع امرأة أسلمت روحها ذات يوم لرجل، فرشت له قلبها بالورد ظنًا منها أن الوفاء طبعه، ولكنها نست أن بعض الظن إثم! وأن للورد أشواك انغرست بقلبها دون رحمة، والذي كان خطأه الوحيد أنه أعطى الأمان لخائن.
**********
هب شاهين من مقعده، وهو يصيح باندهاش:
_ماذا؟!
تجاهل صدمته قائلًا:
_لم تكن تريد الخلاص مني فحسب، بل أرادت الخلاص من “لورا” أيضًا حتى تمحو جميع الدلائل خلفها.
شاهين بعدم فهم:
_على رسلك يا رجل، لقد أرسل مخي إشارات تعجب، لم أستطع استيعاب ما تقوله، كيف تأكدت من ذلك؟
توجه إلى النافذة يراقب الأجواء الشتوية في الخارج، وهو يجيبه بخشونة:
_قبل السفر بيوم أتتني لورا في الفندق، فقد كانت تعلم باجتماعي مع رؤساء المجموعة، وحاولت إغوائي وحينها وضعت جهاز تتبع بملابسها يمكنني من معرفة جميع تحركاتها و..
صاح شاهين يقاطعه بحماس:
لحظة، لحظة، لحظة.. أنت تفوت عليّ أهم الأحداث. قلت إنها جاءت لإغوائك، ثم قفزت إلى جهاز التتبع اللعين ذلك، أين ما حدث قبل أن تضع هذا الجهاز وكيف وضعته؟ هل ضاجعت تلك الحسناء؟
التفت يناظره بسخط تجلى في نبرته حين قال:
_بالله عليك كف عن التفاهة، فأنا قضيت أكثر من سنة ونصف أصارع الموت في تلك الجزيرة القاحلة وأنت هنا تسأل عن مضاجعة تلك اللعينة!
هب شاهين من مكانه قائلًا بحنق:
_ لا تحاول والله لن أتزحزح، ولا بد أن أعلم هل ضاجعتها أم لا؟
ابتلع غضبه الحارق قبل أن يقول بتوعد:
أعطيتها ما تريد على طريقتي، أنا لا أضاجع العاهرات، وإن سألت عن أي شيء في هذا الأمر أقسم سأبدأ بك الآن.
شاهين بامتعاض:
_اللعنة عليك، هل فوت تلك الفرصة؟ وماذا سأنتظر من رجل بليد مثلك.
اكفهرت معالمه وقست نبرته حين قال متوعدًا:
_هل ستصمت أم أكسر أنفك هذه المرة؟
تجاهل وعيده وقهقه بتخابث، قبل أن يقول مازحًا:
_أعتقد أن تلك المرأة ماتت مشلولة من برودك.. هيا أكمل ماذا حدث بعدما وضعت جهاز التتبع؟
تجاهل مزاحه وتابع بجفاء:
_أخبرت فريال بما حدث وعن أمر تلك السفرية، بعدما أخبرتها أن الجميع يعلم أنني مسافر إلى الهند وبناءً على ذلك اقترحت فريال عليها السفر برفقتي، وإيقاعي في شباكها حتى تستطيع تخليص ابنتها مني.
صاح شاهين بصدمة:
_ هل جنت تلك المرأة أم ماذا؟ كيف تخلصها منك وهي من كادت أن ترقص فرحًا حين طلبت يد نور للزواج.
أكمل بلهجة محتقنه:
_وقد نالت مرادها بالزواج، وإنجاب الوريث، فما حاجتها إليّ بعد الآن؟
شاهين بصدمة:
_لقد أرادت أخذ كل شيء، اللعنة كم أنها امرأة ساقطة.
فراس بوعيد أطل من عينيه التي كانت مشتعلة بنيران الانتقام:
_نعم ساقطة، تريد أن ترد الصاع وتنتقم لما حدث في الماضي، ولكن أقسم سأجعلها تندم.
شاهين بقسوة:
_هذا هو تحديدًا ما يجب أن يحدث، هيا أخبرني خطتك.
فراس بقسوة:
_سنبدأ بالحرب الباردة، فأنا أهوى تعذيب فريستي أولًا، لا أحب النهايات التي تأتي سريعًا.
شاهين ببسمة مستمتعة:
_لقد اشتقت للعب يا صديقي.
غزت ملامحه ابتسامة مخيفة تشبه نبرته حين قال:
_ستلعب حتى تمل، لا تقلق.
*****
_ استمع إليّ جيدًا يجب أن تغادر البلاد هذه الفترة حتى تهدأ الأجواء وسأطلعك بكل جديد لا تقلق.
هكذا همست فريال وهي تتحدث في هاتفها الخاص، فجاءها صوت أشرف المختنق رعبًا:
_هل أنتِ مجنونة؟ كيف أسافر في هذا التوقيت؟ أنتِ تعلمين وضع الشركة إنها على مشارف الإفلاس.. إن غادرت الآن يعني أنني انتهيت.
حاولت فريال طمأنته قائلة:
_اهدأ عزيزي لن يحدث ذلك، فأنا سأساعدك أقسم، عودة ذلك الوغد أفسدت كل مخططاتنا، ولكني لن أتركك لتسقط، أمهلني بعض الوقت.
صاح منفعلًا:
_كم من الوقت؟ أحتاج إلى المال حتى إن سافرت.
فريال بلهفة:
_سأعطيك، ولكن أرجوك غادر، فأنا لا أضمن هذا المتوحش، فهو حتمًا لن يتركك بعد ما حدث.
داهمته حوافر الخوف حتى جرحت ثباته، فأذعن لاقتراحها وقال بسخط:
_حسنًا سأغادر مساء اليوم إلى هولندا، ومن هناك إلى إيطاليا حتى لا يستطيع تتبعي.
فريال باندفاع:
_جيد، فقط استخدم الهاتف الآخر حتى أستطيع التواصل معك وأغلق هذا مع جميع حساباتك، فهذا الرجل خطير ولا يستطيع أحد أن يعرف بماذا يفكر.
أشرف بنفاد صبر:
_حسنًا، حسنًا فهمت، سأغلق الآن لقد سئمت من ثرثرتك.
أنهى المكالمة وقامت فريال بغلق الهاتف، ثم ألقته على السرير خلفها وهي تقول بحنق:
_اللعنة عليك فراس النعماني، اللعنة على كل تلك العائلة.
******
حاوطت صغيرها بذراعيها وكأنها تحتمي به من وحشة ذلك الشعور بداخلها، والذي كان عبارة عن مزيج من الحزن والغضب والخيبة، التي لونت ملامحها الجميلة فبدت واهنة ذابلة تشبه حياتها كثيرًا، فقد أمضت اليوم بأكمله برفقته، تنشد الهدوء والراحة هاربة من هذا الضجيج في الخارج.
_ أمي هل أنتِ بخير؟!
هكذا استفهم إياد فحاولت رسم ابتسامة هادئة على ملامحها، قبل أن تجيبه برقة:
_نعم أنا بخير، لا تقلق.
الطفل ببراءة:
_كنت أظنك ستكونين سعيدة، لقد عاد أبي من الجنة، وأنا سعيد للغاية، ألستِ سعيدة؟
كان سؤالًا لا تملك إجابته، فهي لا تعلم هل هي فرحة بأنه ما زال على قيد الحياة أم حزينة؟
شعور غريب داخلها استنكر الاحتمال الأخير، فحتمًا هي لا تتمنى له الموت بالرغم من معرفتها بأمر خيانته الذي كان قاس للغاية ومرير، حتى ولو لم تكن تعشقه، ولكن الخيانة أمر مريع لا تتحمله أو تقبله أي أنثى، وقد انتوت أن تستمع إلى كلمات والدتها وأن تأخذ ثأرها على طريقتها.
_هل سؤال إياد يحتاج إلى كل هذا التفكير؟!
شهقت متفاجئة حين وجدته يقف خلفها بطلته المخيفة وهيبته الطاغية ويداه تتشابك خلف ظهره، بينما كانت ملامحه كما عهدتها قاسية بل أقسى من ذي قبل وعينيه متوهجة مشتعلة وكأن الشمس اختارتها مسكنًا لها.
_منذ متى وأنت هنا؟!
كان استفهامًا خافتًا مرتجفًا من قبلها، مما جعله يتقدم خطوتين تجاهها وهو يعيد سؤاله بطريقة أخرى:
_منذ أن طرح إياد سؤاله عليكِ، ألستِ سعيدة بعودتي؟
التقت الأعين بنظرة طويلة بعثت الرهبة في أوصالها، فحاولت الهرب بعينيها منه حين قالت ويديها تلهو بخصل شعر إياد:
_وهل يمكن ألا أفعل؟
لم تهتز نظراته أو تفارقها، إنما قال بخشونة موجهًا حديثه إلى الصغير:
_إياد هيا لتناول عشاءك فالأنسة “ملك” تنتظرك بالأسفل.
تحرك الطفل وهو يقول بامتثال:
_حسنًا يا أبي.
كانت فرصتها الوحيدة للإفلات من بين براثن الأسد، فهبت خلف إياد قائلة:
_ انتظر سآتي معك.
ما كادت أن تمر به حتى اجتذبت قبضته الغير رحيمة خصرها، وبيده الأخرى أغلق الباب خلف الصغير، لتجد أنها وقعت في الفخ المنصوب تمامًا
_ إلى أين؟!
رجفة قوية ضربت سائر جسدها الذي كان ينتفض بين يديه، بطريقة جعلت الدهشة تخيم عليه للحظات قطعها صوتها المرتجف حين قالت:
_سأذهب مع إياد لأساعده في تناول طعامه.
فراس بفظاظة:
_وما دور المربية إذن؟
عاندته بخفوت:
_أنا والدته ويجب عليّ الاطمئنان على كل شيء يخصه.
اختصر حديثه في كلمات بثت الرعب في قلبها خاصةً حين أصبحت لهجته خافته مخيفة:
_في وقتٍ لاحق، والآن ألن تبرهني على سعادتك بعودتي؟
خفقة قوية ضربت قلبها الذي كان يدق بعنف دوى طنينه بأذنيها، ولكنها تذكرت كلمات والدتها حين أخبرتها بأنه لن يؤذيها، فقط أن تعرف كيف تتعامل معه؛ لذا حاولت أن تجعل نظراتها صافية براقة وهي تناظره، ورققت لهجتها حين قالت:
_وكيف تريد مني أن أبرهن على ذلك؟
غزت نظراتها تلك شيء ما داخله، فشعر بنبضة قوية تتعثر داخل قلبه، فاشتدت يديه حول خصرها لا إراديًا وتفرقت نظراته بين شفاهها المغوية وعيناها اللتان لا تقل إغواء عنها، وقال بخشونة:
_ استفهامك يتنافى مع تلك النظرة التي تطل من عينيك، ولكن باستطاعتي تجاهل ذلك التناقض وإخبارك.
أنهى جملته واقترب منها ينوي اقتناص شفاهها، ولكنه فوجئ بكفها الذي لا تعلم كيف وضعته على فمه تحول بينه وبين نيل مراده، فارتسم استفهام غاضب في عينيه، جعل الخوف يجتاحها ولكنها حاولت الثبات قدر الإمكان إذ قالت بخفوت:
_لا أستطيع.
اكفهرت ملامحه وزوى ما بين حاجبيه قبل أن يخرج استفهامه حادًا كنصل السكين:
_لم أفهم، كيف لا تستطيعين؟!
ابتلعت أكبر قدر ممكن من الأكسجين داخلها حتى تهدئ قليلًا، ورطبت شفتيها الجافة في حركة كانت في توقيت أكثر من خاطئ، فقد أشعلت نيرانًا هوجاء بداخله حاول التحكم بها قدر الإمكان، وقد لاحظت تبدل نظراته وذلك العرق النابض في عنقه، ولكنها لم تفهم السبب بل أجابته بنبرة خافتة:
_لم أستطع التأقلم على عودتك بعد، كما أنني أشعر بأنني متعبة ومشوشة كثيرًا لذا أرجوك لا تضغط عليّ.
أقبح عذر كان يمكن أن تقدمه له، خاصةً بتلك الطريقة التي كانت تغزو ثباته بوحشية إن انصاع لها سينال من كبريائه اللعين الذي يحول بينه وبين التهامها في تلك اللحظة، وبشق الأنفس استطاع أن يجعل عقله يستجيب له، وأومأ ببساطة قبل أن يقول بجمود كان جزءًا لا يتجزأ منه:
_كما تريدين.. فقط أخبريني عندما تكونين مستعدة.
برقت عيناها من تلك البساطة التي يتحدث بها، فقد ظنت أنه سيهدم الغرفة فوق رأسها حين يسمع كلماتها التي اختارتها بعناية كي ترسله إلى الجحيم جراء خيانته لها، وقتله لأبيها ولكن انقلب السحر على الساحر، وها هي من تحترق في جحيم الغضب حين تركها بتلك السهولة، وكأن قربها من عدمه واحد ولا يشكل فارقًا بالنسبة له ، و هذا يتنافى مع حديث والدتها ولكنها تجاهلت ما يدور بداخلها وتحدثت بهدوء
_حسنًا، سأذهب لرؤية إياد.
خرجت من الغرفة بهدوء يتنافى مع ضجيج أفكارها، وأغلقت الباب تاركة خلفها أسدًا غاضبًا للحد الذي جعله ينفث النيران من فمه وهو يخاطب أحدهم في الهاتف قائلّا بوحشية:
_موعدنا الليلة أريد ارتشاف الدماء بدلًا عن النبيذ.
***********
_حبيبي ماذا حدث لوجهك؟!
هكذا تحدثت هناء بذعر وهي تناظر وجه شاهين الذي كان يزينه كدمة كبيرة باللون الأزرق فوق شفتيه التي نالت نصيبها من آثار الضربة القوية التي وجهها فراس إليه فقد تورمت كثيرًا مما جعله لا يكُف عن لعنه طيلة الوقت.
_تذكرين ذلك الصديق الذي أخبرتك أنه مات وأني احزن كثيرًا على فراقه وأفتقده؟!
هكذا استفهم بلهجة ممتعضة فأجابته هناء على الفور:
_نعم أذكره، ما به؟!
لونت السخرية معالمه قبل أن بجيبها بجفاء:
_إن أخبرتك بأنني افتقده مرة ثانية فاصفعيني.
هناء بصدمة:
_ ماذا؟!
أجابها مغلولًا:
_ ذلك الضخم قد عاد من الموت وأول ما فعله هو لكمي حتى كُسِر أنفى وتورمت شفتاي كما ترين.
شهقة قوية خرجت من جوفها إثر سماعها كلماته اتبعتها قائلة باهتمام بالغ:
_آه يا حبيبي، سلامتك، إن هذا الرجل وحش بمعني الكلمة، كيف يتجرأ ويؤذي صديق رائع مثلك؟!
شاهين بسخرية:
_وغد ذو فم كبير، لا يقدر قيمة الأصدقاء الرائعين أمثالي.
طافت عيناها على ملامحه التي ولدت رغبة عارمة بالشغف داخلها فاقتربت منه تحاوط عنقه بأنامل رقيقة تعرف جيدًا أين تدق وأجابته بلهجة تقطر دلالًا:
_أنا وحدي من يعرف قيمتك يا حبيبي، فمن يملك شخصًا مثلك بحياته يجب أن يقضي الباقي من عمره يحمد الله.
أصابت كلماتها وترًا حساسًا بداخله وروت تربته القاحلة التي لا تحتاج سوى الاهتمام والدلال لذا لمعت عيناه بنظرات توحي بمدى تأثره حين التفت إليها قائلًا بلهجة خشنة:
_لي موعد اليوم مع تلك الشفاه الرائعة سأخبرها عن مدي امتناني لهذا الشهد الذي يقطر منها.
تشابهت عينيها مع نبرتها التي تتضور رغبة حين قالت:
_ أتحرق شوقًا لذلك الموعد.
لم يكد يجيبها حتى اخترق صوت الهاتف خلوتهما فأطلق سبة نابية من فمه وهو يلتقط الهاتف ليجيب على والده الذي ما أن فتح الخط حتى صاح بغلظة:
_ أريد رؤيتك والآن ولا أريد أي أعذار يا شاهين، الأمر لا يحتمل التأجيل.
تجهمت ملامحه وكذلك نبرته حين قال:
_لدي عمل سيستغرق ساعتين ثم سأعود إلى البيت.
زين بصراخ اخترق آذانهم جميعًا:
_لن أنتظرك لأكثر من نصف ساعة، لقد تحدثت مع والد هدى وهو ينتظرنا لنذهب ونراضيها وستأتي معي وإلا سأتبرأ منك ليوم الدين.
لم يهتز لتهديد والده وقد كانت هناء بجانبه تحترق غيظًا، نجحت ببراعة في تجاوزه وهي تشير إليه بالموافقة فانكمشت ملامحه بحيرة قبل أن يقول بإذعان كان نادرًا بالنسبة إليه:
_حسنًا أنا قادم.
أنهى المكالمة ونظر إليها بحنق تجلى في نبرته حين قال:
_لمَ كنتِ تشيرين برأسك كعروس الخيوط؟!
فرصة ذهبية لإبراز محاسنها وجعل صورتها لامعة بعينيه:
_لم أرد أن تحزن والدك، فهم من المؤكد يفتقدون الأطفال وأنتَ أيضًا لهذا كنت أشير إليكَ بقبول ما يطلبه منك.
كل ما بها يشير إلى صدق حديثها ولكن اهتزاز حدقتاها عند الحديث كان يشير إلى العكس ولكنه تجاهل كل شيء قائلًا بجفاء:
_ نعم أفتقدهم ولكن هذا أفضل بكثير للجميع
لم تفلح في إخفاء الحماس في صوتها حين هبت مندفعة:
_هل نويت أن تطلقها؟!
غافلته الكلمات وخرجت مندفعة من قلبه:
_بالطبع لا، ولكن كنت أريدها أن تهدأ قليلًا عند والدها فأنا أعلم أنها كلما تراني ستسوء حالتها أكثر.
كلماته كانت الشرارة التي أشعلت فتيل غضبها وخرجت عن ثوب المثالية الذي لا يليق بها وصاحت مغلولة:
_هل أنتَ خائف على شعورها لهذه الدرجة؟!
لم يعجبه حديثها ولم تعجبه الإجابة التي أعلنها قلبه فقال بفظاظة وهو يدير محرك السيارة:
_ ليس من شأنك، هيا لأوصلك إلى المنزل.
********
أن تنثر بذور الأمل في طريق أحدهم ثم تجنيها صبارًا قاسيًا تنغرز أشواكه في قلبك دون رحمة فـتنزف العين ألمًا ويحترق الخَلَد قهرًا وأنت مُكبلًا بأصفاد الكبرياء الموقدة التي تسلب روحك المذبوحة حقها أن ترفرف وهي تنازع أنفاسها الأخيرة… فتبدو من الخارج صلبًا… شامخًا لا تتأثر بينما داخليًا تحتضر بصمت، فقارب نجاتك اتضح بأنه مثقوب وبيرق العشق انكسرت رايته من موضع ثقة اندثرت أمام خذلان عظيم لم تتوقعه يومًا.
تستمر القصة أدناه
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
أتاها الخذلان من أكثر مواطنها أمنًا فلم يؤذيها إلا أولئك الذين وضعتهم بالقرب من قلبها وعلى قدر قربهم جاءت طعناتهم إلى قلبها نافذة فتألم كل ما بها وأعلنت روحها الحداد على أجمل أيام عمرها التي قضتها زوجة لهذا الرجل الذي كان بيوم من الأيام سبب سعادتها في هذه الحياة واليوم هو السبب الوحيد لبؤسها.
_هل انتهيتِ حبيبتي؟!
هكذا تحدثت “راوية” وهي تطل برأسها من باب غرفة “هدى” التي كانت تلملم أشياءها قبل أن تغادر مع زين.
_نعم.
اقتربت “راوية” تعانق “هدى” بقوة وكأنها تعتذر لها بشدة عن كل ما طالها من أذى وألم كان يلون ملامحها بوضوح ويتساقط من عينيها على هيئة أنهار من الدمع الذي سئمته كما سئمت من كل شيء.
_هيا لا نجعله ينتظر أكثر.
هكذا تحدثت بجفاء وهي تتوجه إلى الخارج تحاول قمع ألمها وذلك الوجع الهائل الذي يجعل خطواتها ثقيلة وأنفاسها حارقة ولكنها خبئت كل ما تشعر به في ركنًا ما بداخل قلبها وخطت إلى داخل غرفة الصالون قائلة بجفاء:
_لقد استعديت والأولاد للمغادرة.
التفت إليها كلًا من زين ورؤوف الذي كان الذنب يقرضه من الداخل حزنًا وقد لام نفسه لمرات ومرات على قسوته معها ولكن بالنهاية نجح في إقناع نفسه بأن هذا هو الصواب للجميع.
_وأنا أنهيت قهوتي للتو، هيا إذن.
أنهى جملته تزامنًا مع دخول الأولاد الثلاثة إلى الغرفة ليث وباسل والصغيرة لين صاحبة الثلاثة أعوام والتي ما إن رأت زين حتى هرولت إليه تحتضنه بشوق كبير وكذلك فعل باسل البالغ من العمر خمسة أعوام فعانقهما زين بشوق كبير ثم نظر إلي ليث صاحب السبع سنوات الذي يقف بجمود يتنافى مع صغر عمره ولكنه كان النسخة المصغرة من عمه فراس لا يظهر مشاعره قليل الكلام بدرجة تستفز زين كثيرًا.
“من الواضح أن أحدهم لم يشتاق إلي.
هكذا تحدث زين بحزن مفتعل فتأثر الصغير ولون الحزن معالمه، فأجبر نفسه على التقدم من جده وقال بتحفظ:
‘مخطئ فأنا اشتقت إليك كثيرًا ولكني غاضب وبشدة.
فوجئ زين فقال مستفهمًا:
_لماذا أنتَ غاضب يا ليث؟؟
ليث بجفاء:
_لأن أمي حزينة وأبي من أحزنها؛ لهذا أنا غاضب، فأمي لا تستحق أن تحزن أبدًا، إنها أجمل أم في الوجود.
خربشت كلماته جراحها ولامس دفاعه عنها أوتار قلبها الذي ارتج حتى تناثرت عبراته من مقلتاها فقد كبر طفلها وأصبح رجلًا يدافع عنها.
_تأدب يا ليث، لا تحادث جدك هكذا.
كان هذا صوت رؤوف الغاضب فالتفت ليث قائلًا بلهجة أهدأ قليلًا:
_لم اخطئ في حديثي ولم أخاطب جدي بقلة احترام ولكني أدافع عن والدتي وبالمناسبة أنتَ أيضًا أحزنتها وقضت الليل بأكمله باكية بسبب صراخك عليها.
كلماته كانت طلقات نارية في صدر رؤوف الذي لم يجد ما يقوله فلجأ للغضب فصاح معنفًا:
_اخرس يا ولد.
هرولت هدى تحتضن طفلها لتحميه من بطش والدها في الوقت الذي تدخل فيه زين قائلًا بحزم:
_توقف يا رؤوف، ليث لم يخطئ ولم يقلل احترام أحد، إنه يدافع عن والدته وهذا حقه.
شددت هدى من عناقها لطفلها وتبلور التحدي في نظراتها الموجهة إلى والدها لأول مرة بحياتها… فأردف زين يهدئ من حدة الموقف:
_لقد قامت هدى بتربيته جيدًا حتى أصبح رجلًا يقف ويدافع عنها، يجب عليك أن تفخر به.
التفت زين إلى ليث الذي كان يحتضن والدته بحماية وقال بفخر:
_أنتَ رجل جيد يا ليث وأنا فخور بك، ووالدتك ابنتي وأنا من سيأخذ حقها ممن أحزنها، لا تقلق، فقط ثق بي.
قال جملته الأخيرة وهو ينظر إلى “هدى” التي تبلور الألم بعينيها ولكنها كانت تثق في هذا الرجل أكثر مما تفعل مع أي شخص فلطالما كان الوحيد الذي يدافع عنها من بطش زوجته ويطيب خاطرها إذا ما رآها حزينة.
_هيا بنا إلى السيارة.
توجهت “هدى” مع أطفالها ثم أجبرت نفسها على الالتفات إلى والدها قائلة بجمود:
_عن إذنك يا أبي.
حوت نظراتها عتابًا قاسيًا عرف طريقه إلى صدر رؤوف الذي اهتزت ملامحه قليلًا فتوجه يعانق الأطفال ثم اقترب من ليث قائلًا بجانب أذنه:
_أنتَ الأقرب إلى قلبي، لا تغضب مني، وكن جوار والدتك دائمًا أنا أؤمنك عليها.
رقت نظرات ليث قليلًا وهو يومئ برأسه موافقًا على حديث رؤوف الذي التفت إلى ابنته فوجدها تودع والدتها ثم خرجت دون أن تلقي نظرة واحده عليه، كان يعلم بحزنها منه الذي انفطر له قلبه ولكنه كان يظن بأن هذا أفضل للجميع وأولهم هي.
توجه الجميع إلى السيارة التي قادها زين صامتًا إلى أن توقفوا أمام إحدى الحدائق الخاصة بالأطفال وقام بالالتفات إلى المقعد الخلفي موجهًا حديثه إلى الثلاثي القابع في الخلف:
_ما رأيكم بقضاء وقت ممتع أيها الأولاد الرائعين؟!
ابتهج الأطفال كثيرًا وهرولوا إلى الحديقة تحت أنظار كلاً من زين وهدى التي قالت بجمود:
_ لمَ فعلت هذا؟!
زين بهدوء:
_ أردت الحديث معك ولم أرد أن يسمعنا الأطفال وخاصةً ليث.
اختصرت حديثها قائلة:
_ أسمعك.
يعلم مقدار الألم الذي يتبلور في عينيها وينطبع على ملامحها الشاحبة وذلك التجويف الذي يحيط عينيها فيجعلها كبلورة رائعة وسط بحيرة من السواد الذي يحكي مرارة ما خابرته في اليومين الماضيين.
_أعلم جيدًا مرارة ما تشعرين به الآن، ولكن كم تحتاجين من الوقت لتجاوزه والمضي قدمًا بحياتك؟
انكمشت ملامحها بسخرية مريرة تجلت في كلماتها حين قالت:
_ حياتي! وهل تبقى لي حياة لأعيشها، لقد حُكِم علي بالإعدام ما دمت حية.
رق قلبه لحالها فهتف بتأثر:
_ لا تقولي هذا رجاءً.
_ولمَ؟! أعلم أنك تتألم لأجلي ولكن الحقيقة دائمًا تؤلم، وهذه الحقيقة المؤلمة أنا أحياها بكامل تفاصيلها.
كانت عيناها تغلي من الحزن حتى فاضت العبرات تحرق بسخونتها وجنتيها وخرجت الحروف من فمها جريحة كحال قلبها المُشجب:
_أنا شخص حُكِم عليه بالإعدام طوال حياته، فها هو ذلك الرجل الذي اخترته من بين جميع الرجال خذلني وطعنني في قلبي والرجل الآخر الذي هو من المفترض أن ألجأ له ليحميني تبرأ مني وأرسلني لقاتلي كبضاعة فاسدة لا نفع منها.
كتمت شهقاتها بداخل قلبها وفاضت مياه عينيها بغزارة بينما همسات بقهر:
_أتعلم شيئًا، لقد تذوقت أقسى شعورين في هذا الحياة بيوم واحد، الخذلان والقهر، والأقسى منهما أن من فعل هذا بي أقرب الناس إليّ.
اخترقت سهام كلماتها قلبه الذي كان يئن ألمًا وحزنًا على حال تلك الفتاة التي يعتبرها مثل ابنته والآن يراها تموت من فرط الوجع وهو عاجز عن فعل شيء، هنا تنبه عقله وقال بلهجة قوية:
_وهل ستقضين الباقي من عمرك تعانين بسبب ما فعلوه؟!
انكمشت ملامحها بحيرة من حديثه وقالت بيأس:
_ وهل أملك خيارًا آخر؟!
هتف بقوة:
_نعم تملكين، ذلك الوغد الذي هو زوجك يجب أن يندم ويعرف قيمتك ويأتي راكعًا يطلب السماح.
سخرت بمرارة:
_شاهين النعماني يركع لأحد طالبًا السماح! هل تسخر مني؟!
زين بحدة:
_هل تريني عجوز أخرق لأسخر منكِ في أمرًا كهذا؟!
شعرت بالحرج من كلماتها وحزنت أنها أغضبته فقالت بندم:
_أعتذر يا عمي.
قاطعها بقوة:
_لا أطلب اعتذارًا ولكن أريد أن أرى امرأة قوية تأخذ ثأرها وتجعل من أحزنها يعض أصابعه ندمًا.
أحيانًا يكُن الألم عظيمًا للحد الذي لا تستطيع الأحرف وصفه فنلجأ للصمت الذي يؤلم أكثر مما يفعل البوح، ولكنه في النهاية يبقى السبيل الوحيد لحفظ ماء وجه القلوب التي أضناها الأنين.
لم تستطع الحديث ولم تملك ما تقوله فما بداخلها أقوى من قدرتها على الاحتمال؛ لذا لجأت للصمت، فأردف زين بنصح:
_حين أخبرتني بألا أجلب شاهين معي لأخذك شعرت بمدى ألمك وكرهك لرؤيته ولكن الهرب ليس حلًا.
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها من كلماته وتشكلت غصة صدئة بحلقها فخرجت حروفها محملة بالأنين:
_لم أهرب من رؤيته، إنما شعرت بالخزي حين يعلم بموقف والدي مما حدث، شعرت بالذل أن يراني عائدة إليه كلقيطة ليس لها من تلجأ له من بطشه.
في تلك اللحظة شعر بأنه يكره ولده الغبي ويكره والدها المتجبر ولكنه تجاهل شعوره وقال بحدة:
_لا تقولي مثل هذا الكلام مرة أخرى، أنتِ منذ اللحظة مسؤولة مني وستستمعين لما أقوله أفهمتِ؟!
ناظرته بعدم فهم تبعه سؤالها الواهن:
_ماذا تريد مني أن أفعل؟!
زين بهدوء:
_تلك الفتاة التي أوقعت ذلك الوغد منذ أكثر من ثماني سنوات أريد رؤيتها مرة أخرى.
أوشكت على الحديث فقال بحدة:
_لا أريد سماع أي جدال، فما أقوله ستقومين بتنفيذه.
أومأت بإذعان فتابع بحنق:
_تلك الفتاة التي تزوجها هذا الغبي لن تسعده أنا أعلم ولن يجد عندها ما كان يفتقده بحياته؛ لذا اتوقع بأنه قريبًا سيمل منها ويطلقها.
تحولت كرات دمها إلى جمرات محترقة بفعل الغضب الذي تجلي في نبرتها حين قالت:
_ماذا تقول يا عمي؟! ليس أنتَ أيضًا، هل تبرر له فعلته؟! بماذا قصرت معه أخبرني؟!
زين بهدوء:
_لا أبرر له فعلته، ولا لن أخبرك أيضًا، هو من سيخبرك هذا، ولكن أقترح عليكِ أن تبحثي بداخلك لتعرفي ووقتها أتمنى أن تأتي إلي وتخبريني بأنكِ جاهزة لتلقينه درسًا قاسيًا.
طمس الغضب جميع الحقائق بعينيها فالتفتت تنظر أمامها متجاهلة منحنى الرد ليردف زين بلهجة معاتبة:
_أعلم أنكِ ذكية ولكن الغضب يعميكِ الآن لهذا خذي وقتك في التفكير بروية، واعلمي أمرًا أنني ما أعدتك إلى المنزل لأجل الأطفال بل لأجلك أنتِ أولًا فأنتِ ابنتي، واعلمي أيضًا أن حمايتي لكِ تشمل الجميع، والقادم سيكون مختلفًا كثيرًا عما مضى.
تعلم ما يرمي إليه جيدًا ولكن ألمها كان يطغي على كل شيء؛ لذا اكتفت بإيماءة صغيرة من رأسها وابتسامة خافتة تعبر عن امتنانها، ثم التفتت تنظر أمامها وقلبها يناجي خالقه بأن يترأف بحالها.
***********
مر يومين لم يحدث بهم جديد ولم يقترب منها للحد الذي أدهشها فقد كانت ترتعب من حلول الليل حتى لا يأتي ويطالبها بما لا تستطيع منحه إياه ولكنه لم يأتِ وما زاد من دهشتها أن هناك شعور بالغضب بدأ يتسلل إلى قلبها مع كل يوم يمر وهو لا يأتي إليها،
الأسئلة تطن برأسها كالذباب، ترى هل بحياته أخرى تشبع متطلباته كرجل؟ وكل تلك المدة كيف قضاها وهل قضاها وحيدًا؟ رجل مثله لا يمكنه البقاء طوال تلك المدة من دون امرأة فهي أكثر من يعرفه لقد كانت زوجته لسنتين وتعلم مدى قوته وعنفوانه.
سرت قشعريرة بجسدها وهي تتذكر أوقات خاصة جمعتهما، لا تنكر أنه كان يشعرها بسعادة لا مثيل لها، ولكن سعادة مؤقته سعادة خالية من المشاعر لا تمس القلب فقد سعادة جسدية تنتهي بانتهاء لقائهما وقد تأقلمت على ذلك؛ حتى أنها نحت قلبها جانبًا من حياتها التي كانت جامدة تشبه جموده الذي كان جزءًا لا يتجزأ من شخصيته.
زفرت بقوة وهي تحيط وجهها بيدها قبل أن تلتفت وتحتوي بكفوفها كوب القهوة الخاص بها لترتشف منه بتلذذ تحاول أن تصفي ذهنها قليلًا وتخرجه من تفكيرها، الذي أصبح ينصب عليه بطريقة باتت تضايقها؛ لهذا وضعت الفنجان على الطاولة ومدت يدها تلتقط الجريدة لتلهي نفسها قليلًا عن التفكير به، أخذت أناملها تلهو بين صفحاتها إلى أن توقفت عند كلمات جعلت نبضها يصل للمليون بلحظة وهبت من مقعدها وهي تصيح:
_ يا إلهي، هل هذا معقول؟!
_ماذا حدث يا نور؟!
التفتت علي سؤال والدتها التي دخلت لتوها إلى الغرفة لتتفاجئ بصياح نور فهوي قلبها رعبًا و وواجهتها نور بصدمه لا تعلم بماذا تجيبها فمدت إليها الجريدة لتقع عيناها على تلك الحروف المدونة المتبوعة بتلك الصورة التي مزقت قلبها تمزيقًا فصرخت دون وعي:
_لا.
اقتربت نور منها تحاول تهدئتها قائلة:
_اهدأي يا أمي، لم يمت يقولون إنه مصاب.
تلمست يديها الجريدة بقلب ممزق وعينان تقطران ألمًا على أشرف الذي كانت صورته مشوهه إثر تعرضه لاعتداء قاسي على يد مجهولين بهولندا مما أدى إلى دخوله إلى غيبوبة وحالته سيئة للغاية.
_ يا إلهي، لا أستطيع أن أصدق.
هكذا همست فريال التي كان وقع الأمر عليها محيرًا من جانب نور التي قالت باستفهام:
_أمي اهدأي لمَ أنتَ متأثرة بتلك الطريقة المبالغ بها؟!
جاءها سؤال نور كجرس إنذار دوى طنينه في عقلها مما جعلها تحاول لملمة جأشها وحاولت أن تشحذ ثباتها حين قالت:
_لقد صُدِمت وتأثرت كثيرًا إنه بريعان شبابه وقد كان قاب قوسين أو أدنى.
هنا ضربت عقلها حقيقة مرة بأن من فعل به هذا هو ذلك الوغد لذا خيم الغضب على ملامحها وتابعت مغلولة:
_لقد كان قاب قوسين أو أدنى من الزواج بك، وطبعًا لم ينجُ من عقاب زوجك المحترم.
انكمشت ملامحها بصدمة تجلت في كلماتها حين قالت:
_ما هذا الذي تقولينه؟! ما دخل فراس؟!
هنا تذكرت كلماته حين أخبرها بأنه ينوي إعطائهم ما يستحقونه وهنا تشعب الغضب إلى أوردتها وقد ضاقت ذرعًا بما يحدث وجاءت كلمات فريال لتصب الوقود على نيران غضبها المستعر.
_أرأيت ما أقصد؟! يذهب هو هنا وهناك و يعرف امرأة تلو الأخرى ثم يأتي ويحاول قتل الرجل الوحيد الذي كان يعشقك، مع أنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، فقد أراد حمايتك بالزواج منك، الآن علمتِ أي الرجال هو زوجك؟!
انخفضت نبرتها قليلًا و لكنها تضمنت قدرًا كافيًا من البغض حين قالت
” هل صدقتني الآن حين أخبرتك بأنه قاتل ؟”
نجحت كلماتها في التعزيز من غضبها والمُطعم بالألم خاصةً عِندما ذكرتها بأمر مقتل والدها فنزعت الجريدة من يدها وخرجت تتشاجر مع خطواتها إلى أن اقتحمت مكتبه بأقدام غاضبة وخطٍ تتخبط بين دروب الوجع الذي تبلور في عينيها ونبرتها حين صاحت بانفعال:
_أنتَ من فعلت به ذلك، أليس صحيحًا؟!
قالت كلماتها وهي تضع الجريدة أمامه فجرت عينيه على ما هو مدون عليها بجانب تلك الصورة ثم رفع رأسه قائلًا بفظاظة:
_ما دخلي؟! اقرأي باقي العنوان، يقولون الاعتداء بهدف السرقة.
_كلانا يعلم أن الأمر غير صحيح، أنتَ من فعلت به ذلك؟!
هكذا صرحت بغضب تجاهله بشق الأنفس ثم قال بقسوة:
_ ما دمتِ تعلمين لمَ السؤال إذن؟!
احتارت بأي الصفات البشعة تصفه ولكن لم تسعفها الكلمات جل ما استطاعت قوله:
_لماذا؟! ما هي جريمته؟!
كان صوته بارد النبرة على عكس عينيه المشتعلة بنظرات تشملها كليًا حين قال:
“هذا عقابه لتجرأه علي ما يخصني.
تلوت أضلعها بداخلها من فرط الألم والذنب فقالت مغلولة:
_إذن لماذا لم تعاقبني أنا أيضًا؟!
احتدت نظراته أكثر وهو يجيب بجفاء:
_أعلم أن الأمر لم يكن برضاكِ.
هدرت بقوة لا تعلم من أين واتتها:
_مخطئ لقد كنت موافقه ومُرحِبة بالأمر.
نجحت في إشعال نيران ستكون هي أول ضحاياها وقد أدركت ذلك حين شاهدت عينيه العاصفتين ثم صوته القاسي حين قال:
_هل تختبرين صبري؟! أم أنكِ اشتهيت الموت؟!
شيطان لعين كان قد تلبسها فقد تذكرت حديث والدتها وأيضًا شعورًا قويًا بالذنب كان يكتنفها فلم يكن عقلها يعمل بشكل صحيح لذا قالت بحدة:
_لا هذا ولا ذاك، أخبرك بحقيقة ما حدث.
أبحرت عيناه عليها بطريقة أربكتها بينما عيناه تتلقفان كل حركة تصدر منها بنظرات بدت غامضة وقد لاحظ ارتجافها فتفنن في إخفاء مشاعره خلف جدار من الثلج فبدا جامدًا لا يتأثر أبدًا حين قال بصوته الخشن:
_تغيرتِ يا نور أم أقل كبُرتِ وصرتِ توافقين وتقررين، كم أن الأمر مثير للاهتمام.
كلماته تحوي استخفاف مبطن آثار حنقها فأجابته مُشدِدة على كل حرف يخرج منها:
_نعم كبُرت، وأصبحت أتحكم بحياتي فهي ملكً لي.
تحديها السافر أشعل بجوفه نيرانًا مُستعِرة ينبثق منها شعور غريب فهناك نبتة صغيرة نمت بقلبه على استحياء ظنها إعجاب بشخصيتها الجديدة أو هكذا كان يتمنى… ولكن مظهرها وذلك التحدي الممزوج بالخوف الذي يُغلف عينيها وينطبع بداخله يحجم جميع حواسه فلا يجرؤ على عقابها كما هو مطلوب بل يريد الاقتراب منها أكثر لتلبية نداء قوي بداخله يشتهيها بقوة لم يختبرها مُسبقًا فتقدم منها ناصبًا عوده الفارع وكفوفه مخبأه بين جيوب بنطاله.
_تقصدين ما قبل عودتي أليس كذلك؟!
هكذا تحدث بلهجة هادئة خطرة فبالنسبة إليها هدوءه كان يحمل الضدين الخير والشر معًا ولكنها تمسكت بالأول وأخذت قرارها ولن تتراجع وليحدث ما يحدث… فأجابته بنبرة قوية على الرغم من أنها لم ترتفع:
_لا. حياتي ملكي بوجودك أو بغيابك، وقد قررت أن لا مكان لك.
قاطعها يده التي امتدت للقبض على رقبتها فبلحظة وجدت نفسها تلتصق به، أنفها الرقيق مقابل أنفه الذي يطلق نيرانًا ملتهبة وعيناها الفيروزية مقابل عينيه المُشتعلة، وشفتاه تبتعد عن خاصتها بإنشات قليلة مكنته من الحديث بهسيس مرعب:
_استمعي إلي…
أظلمت عيناه أكثر وهو يتابع:
_لا تملكين في هذا الحياة سوى أنفاسك.
تقاذفت دقات قلبها بشكل فاضح عري خوفها الكبير منه وقد تلاشى ثباتها وراح أدراج الرياح خاصةً ويديه تقسو على عنقها وكذلك لهجته حين أردف:
_حتى هذه يمكنني أن أسلبها منك في لمح البصر؛ لذا لا تُعيدي هذا الحديث مرة أخرى، فهمتِ؟!
غدرت بها إحدى قطراتها التي تسللت من طرف عينيها
تحكي قهرًا وقعت تحت سطوته فقد كان مهيمنًا على الوضع بطريقة مُفزِعة أوحت لها بمدى خضوعها تحت سلطته حتى أن أنفاسها كانت تتعثر بصدرها خاصةً حين فوجئت بأنامله تمتد لتمسح تلك العبرات الهاربة بحنو يتنافى مع قسوة قبضته على عنقها وكذلك جاءت لهجته الخافتة:
_فهمتِ أم أعيد ما قلت بطريقة أكثر فاعلية؟!
_ فهمت.
هكذا أجابته هامسة فكان الوضع في الخارج مستقرًا بينما داخله يوجد زوبعة من الأعاصير التي تجتاح صدره مسببة فوضى عارمة؛ فعبراتها سقطت على قلبه بدلًا من خديها وشفتاها اللتان ذمتهما بطريقة مغوية أشعلت بجوفه نيران الشغف وبداخله تسلل شعور غريب بالندم لقسوته معها ولكنها الغيرة والغضب حين يجتمعان معًا يتولد طوفان غاشم لا يستطيع أحد مقاومته أو الوقوف في وجهه.
كان ماهرًا في تجاهل كل ما يشعر فتجاهل نيرانه المستعرة ورغبته الجامحة وقال ساخرًا:
_فتاة جيدة، تستحقين مكافأة.
باغتته نبرة الألم في صوتها حين همست:
_اتركني.
غافلته يداه وتركتها فشيعته بنظرات الخسة قبل أن تلتفت تنوي المغادرة فأوقفتها كلماته حين قال بفظاظة:
_هل ما زلتِ غير مستعدة بعد؟!
ودت أن تصرخ في وجهه وتخبره أن يذهب إلى الجحيم ولكنها لسوء حظها لا تستطيع أن تفعل ذلك فالتفتت قائلة بحنق وكأنها تبصق الكلمات من فمها:
_نعم.
طافت عينان عليها بنظرة شمولية اهتز لها جسدها قبل أن يلتفت متوجهًا إلى مقعده يتابع أعماله متجاهلًا وجودها فتمتمت بغضب:
_أتمنى أن تحترق في الجحيم.
ارتفع أحدي حاجبيه وهو يقول بتلذذ
” أعيدي ما قلته مرة أخرى !”
تجاهلت تلك الغصة التي مررت حلقها و تبلور التصميم في نظراتها حين أجابته بلهجة جافة
” أريد أن اعمل في الشركة ..”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *