روايات

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الثاني 2 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الثاني 2 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق البارت الثاني

رواية كواسر أخضعها العشق الجزء الثاني

كواسر أخضعها العشق
كواسر أخضعها العشق

رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة الثانية

كان الأمر أشبه بسفينة عادت إلي شطها مهزومة ، مُثقلة بـ تصدعات وشروخ خلفتها عواصف وأعاصير رحلة مُضنية مع القدر. وحين لاحت بوادر الإتيان إلي ديارها. لم تواتيها الجرأة على معانقة مرساها أو الاستكانة بين أحضان مرفأها فظلت عائمة تتقاذفها رياح الهوى غير عابئة بجراحها. يُذكرها تأرجحها بين جنبات المياه الضحلة بأن ترياق أوجاعها أمرًا بعيد المنال مهما بدا قريبًا ، و أن ما خفى كان أشد وأقسى ..

نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
” ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟؟”

صعقة قوية أصابت الجميع حين سمعوا ذلك الصوت الجهوري الغاضب، الذي لم تخطئه الآذان أبدًا، فقد كان مميزًا كصاحبه الذي ما أن وقعت عليه أعينهم، حتى تجمد الجميع بمكانه وتشابهت الوجوه جميعًا لتبدو بنفس الهيئة؛ أعين جاحظة، شفاه مُتدلية للأسفل، ملامح مشدوهة، وأنفاس محبوسة في الصدور، فكان المشهد وكأنهم تماثيل نُحِتت من الحجر يحيط بها صمت مطبق لم يطيقه أكثر، فزأر بقوة:
فليجيبني أحد؟ ماذا يحدث هنا؟
” فراس ولدي”
كان أول من استفاق من حالة الصدمة المخيمة على المكان هي جليلة النعماني والدته، التي هرولت إليه تحتضنه بقوة وهي تبكي وتتمتم بكلمات غير مفهومة عن كونها غير مصدقة أنها تراه، أما عنه فقد كانت جميع حواسه وعلى رأسها عينيه مسلطة على تلك التي لا زالت متيبسة بمكانها تطالعه بنظرات جامدة وبيدها قلم!!
” اختفي الآن يا أشرف”
هكذا تحدث زين بصوت خفيض نفذ إلى مسامع أشرف، الذي ما أن فطن لما يحدث حتى شعر بالذعر يسري في دمائه، حتى قدماه لم تطاوعه لتنفيذ ما قاله زين، الذي لاحظ جمود أشرف فصاح بقوة وهو يندفع نحو فراس الذي اسودت ملامحه أكثر وبدت عينيه قوس يطلق سهامًا مشتعلة تجاههم
” فراس.. هل أنت هنا حقًا؟ يا إلهي.. إنها معجزة “

لحظة خاطفة مرت على الجميع؛ ليتنبهوا لما يحدث، وفجأة تبدل السكون إلى جلبة كبيرة إذ اندفع الجميع يعانقون ذلك القادم من الموت، وسط صيحات دهشة وتهليل لم تنجح في إخراجها من صدمتها، فقد ظلت بمكانها تراقب ما يحدث وكأنها في عالم آخر، وما يحدث لا يعنيها وليس واقعًا ملموسًا تحياه.
” لقد عدت من الموت يا فراس هل هذا حقيقي؟”
هكذا تحدث ساجد شقيقها إلى فراس، الذي تبدلت ملامحه كليًا لتبدو أكثر شراسة من ذي قبل، فمن الواضح أنه خابر أيام عصيبة انطبعت على قسمات وجهه، التي أصبحت خشنة ولونه الذي دكن فأصبح مائل للسمرة، وقد استطال شعره كثيرًا وكذلك لحيته، وتعمق تجويف عينيه التي كانت الشيء الوحيد الذي لم يتغير به، فما زالت شمسها حارة متوهجة بلونها العسلي المدجج بخيوط حمراء توحي بمقدار غضبه، الذي لون ملامحه وهو يراقبها جالسة بمكانها دون حراك، وذلك القلم الذي لا يزال بين إصبعيها.

” نعم لقد عدت من الموت.. ولحسن حظي فأنتم تقيمون حفلًا!”
قست عينيه أكثر وهو يبصق الكلمات من فمه تجاههم:
ترى هل شعرتم بعودتي أم ماذا؟
عاد الصمت مرة أخرى، ولكنه كان مشحونًا بأنفاسهم الملتهبة والمترقبة لما سيحدث، ولكن لم يدم الأمر طويلًا، فقد تدخلت فريال قائلة بوقار:
أهلًا بعودتك يا فراس.. تعال لنجلس ونتحدث قليلًا.
أجابها بقسوة:
وهل يعقل أن أتحدث قبل أن أسلم على زوجتي؟ التي من الواضح أنها لم تتجاوز صدمتها بعد!
كانت محاولة واهية منها لصرف نظره عن تلك التي ما زالت قابعة بمكانها، ولكن تبدلت صدمتها إلى ذعر كبير جمدها بأرضها، فبداخلها صوت يتوسل إليها بالهروب وآخر يخبرها بأن ما يحدث حلم، بل كابوس وسينتهي سريعًا. فحتمًا لم يعد .. هو ليس موجود، تلك العينين لابد وأنهما قدمتا من الجحيم لإخافتها فحسب.
تشاجرت أنفاسها وازدحمت بداخل صدرها، وكذلك أخذت دقات قلبها تدق بعنف آلمها، حين سمعت كلماته التي تحوي الوعيد بين طياتها وهي تراه يقترب منها، إلى أن وقف أمامها مباشرة، ودون أن تعي وجدت نفسها تقف على ساقٍ هلامية بالكاد تحملها وعينين مرتعبتين وقعت أسيرة لأخرى غاضبة، تشبه يديه الخشنة التي امتدت تحيط بذراعيها محدثة رجفة قوية في سائر جسدها، فظلت أمامه للحظات بدت دهرًا، قطعها صوته القاسي حين قال:
أهلًا يا زوجتي الصغيرة .. ألم تشتاقي لي؟
كان ما يحدث أكبر من قدرتها على الاحتمال، وفوق مستوى تفكيرها فلم تستطع شفاهها سوى أن تهمس بخفوت:
ف.. فراس ..
دارت الأرض من حولها وأشفق عليها جسدها واستجاب لهوة سوداء أغرته بالهرب من بين براثن الأسد، الذي قست عينيه أكثر حين شاهدها تهوي مُغشيًا عليها، فقامت يديه بإمساكها وحملها بسهولة، فيما أحدث فستانها صوت خشخشة بفعل بطانته السميكة وتموجات القماش وكأن ما يحدث لم يكن يكفي ليجن جنون غضبه، حين لاحظ فستانها الجريء والمبهر! والذي ارتدته لأجل …
شهقات خرجت من أفواه الجميع خلفه حين لاحظوا سقوطها، ولكنه تجاهل كل شيء وتوجه بها إلى الدرج، فهرولت فريال خلفه تقول بجزع:
سأحضر الطبيب ليفحصها.
كل شيء يحدث منذ أن وطئت أقدامه باب القصر يقوده إلى الجنون، ولكنه يتمسك بآخر ذرة صبر لديه، حتى لا يحرق الجميع في الجحيم الخاص به، لذا صاح بقسوة وهو يتابع صعوده بها:
استدعي الطبيب لأجلكِ، فأنت من ستحتاجينه قريبًا وليس هي.
شهقات مرتعبة خرجت من أفواه الجميع رعبًا مما يحدث، فقد عاد فراس بعد سنة ونصف من تلك الحادثة التي أعلن فيها موته! فقد احترقت طائرته بكل من فيها وقد أخرجت الجثث منها متفحمة فكيف حدث ذلك؟
” هل يعقل هذا؟ هل عاد بالفعل؟ إنها معجزة”
هكذا تحدثت ناريمان وهي تنظر إلى والدها زين، والذي لا يزال تحت تأثير الصدمة التي جعلته يقول دون احتراز:
بل المعجزة في التوقيت الذي عاد فيه.. لقد عاد في أكثر توقيت خاطئ.

قاطعته جليلة بقسوة:
تقصد أصح توقيت يا زين.. لقد عاد قبل أن تحدث الكارثة.. تلك الجريمة التي كنتم سترتكبونها بحق ولدي وطفله.
اندفعت فريال بقسوة أطلت من عينيها أولًا:
أي جريمة تقصدين يا جليلة؟ هل زواج أرملة مضى على موت زوجها سنة ونصف يُعد جريمة؟ هل تعتنقين دينًا آخر لا نعرفه؟
توجهت جليلة بخطٍ شامته وعينين أطلت منهم السخرية التي كانت تقطر من حروفها حين قالت:
لا يا عزيزتي لا اعتنق دينًا آخر، ولكنِ أؤمن بأن الوفاء هو سمة النبلاء.. اعذريني أن ظننت بأن كل النساء مثلي.

خربشت كلماتها ركنًا خاصًا بقلب فريال، التي امتقع وجهها لثوان قبل أن تسيطر على نفسها وتقسو ملامحها ونبرتها حين قالت:
لا ليست كل النساء مثلك، وهذا من رحمة الله.. وإن أردتِ الحديث عن الوفاء فيجب عليكِ أن تعرفي بأنه خيار وليس فرضًا.
جليلة بحدة:
ماذا تقصدين؟
ارتسم الاستمتاع على ملامح فريال، التي قالت بتهكم:
يعني الوفاء هو أن تختار المرأة البقاء على ذكرى زوجها الراحل بكامل إرادتها، لا أن تجبر على ذلك نظرًا لأنه لم ينظر إليها أحدهم من الأساس.
جليلة بإنفعال:
كيف تجرؤين؟؟
” توقفا عن العبث أنتما الاثنتين ”
هكذا تحدث زين بصراخ ليوقف معركة دامية على وشك أن تنشب بين المرأتين، ثم تقدم يناظرهم بحنق تجلى في نبرته حين قال:
نحن بصدد حدوث مجزرة إن فطن فراس لما كان يحدث منذ قليل وأنتما تتشاجران كالأطفال هنا.
تدخل ساجد بلهفة:
اعتقد أنه لم يلاحظ، فقد اختفى أشرف ومعه الشيخ قبل أن يعلم ماذا يحدث.
تدخلت زينات في الحديث ساخرة:
أحمق يا ساجد.. لقد فطن فراس لما يحدث منذ أن وطئت أقدامه باب القصر .. يا بني هذا فراس.. فراس النعماني. ولن أكون زينات النعماني إن لم يهدم القصر فوق رؤوسنا، وذلك بعد أن يقطع عنق أشرف الرشيد وينهي نسله من الوجود.
اغتاظت فريال من حديث زينات الذي يحمل الكثير من الصواب، ولكنها حاولت التماسك حين قالت بتقريع:
أخبريني يا زينات أين هو ابنك المبجل؟ ألم يكن يعلم بعودة صديقه حتى يأتي وينبهنا؟
امتقع وجه هدى حين ذكرت فريال أمر زوجها، الذي لا تعلم أين هو ولا متى سيأتي، فقد أوضح رأيه القاطع في تلك الزيجة، وأنه لن يحضر زفاف زوجة أخاه وابن عمه وصديقه الراحل .. لن يحتمل حدوث ذلك أمام عينه، وبالتأكيد إن كان يعلم لكان أوقف كل ذلك، ولكنها كعادتها اختارت الصمت، ولكن زينات لم تفعل مثلها أبدًا، فقد ردت على هجوم فريال بآخر مضاد حين قالت بجفاء:
ابني لم يكن موافقًا على ما يحدث، لذا لم يحضر والحمد لله أنه فعل.
تدخلت جليلة تثني على حديث زينات قائلة بتشفي:
والله إنه رجل بحق.. لم يستطع أن يشارك في تلك الخيانة بحق صديقه الوحيد.

تعاظم حنقها من أولئك الأفاعي اللائي لن يتركن ما حدث يمر دون أن يبثوا سمومهم للنيل منها، ولكنها لن تسمح بذلك لذا قالت بسخرية:
والله لقد أفرحني اتحادكن بتلك الطريقة وأتمنى أن يدوم ذلك للأبد.
لم يجيبها أحد وغرق كل واحد منهم بأفكاره، والتي كانت جميعها تصب في الأعلى تحديدًا عند تلك الغرفة المغلقة، التي من وجهة نظر الجميع ستشهد معركة دامية غير متكافئة بين ذلك الأسد الغاضب وبين تلك العصفورة الصغيرة، التي بدأت تستعيد وعيها شيئًا فشيئًا بعد أن ظلت قرابة الساعة فاقدة للوعي؛ لتبدأ بالعودة إلى الواقع المرير الذي تمثل في رجل لا يعرف الرحمة ولا تعرف أي السبل قد تسلك معه حتى تنجو من بين براثنه؟
تململت في نومتها وهي ترفرف برموشها، حتى استطاعت فتح عينيها، لتجد الغرفة من حولها غارقة في الظلام الذي يخترقه شعاع خافت لضوء القمر المنعكس على جسد ضخم يقف أمام النافذة مُعطيًا إياها ظهره، فشعرت بقلبها يهوي بين قدميها وتزاحمت الأنفاس بصدرها فلم تعرف كيف تخرجها، وتجاوز الألم حدود احتمالها فحاولت الاعتدال لتصبح نصف جالسة، وقد علا صوت تنفسها ليصل إلى مسامعه فعرف أنها استفاقت.
سمعت نفسه القوي الذي خرج من جوفه، قبل أن يخترق مسامعها صوته القاسي وهو يقول:
كيف أصبحتِ الآن؟
لم يكن حلمًا ولا كابوسًا، بل إنه واقع مرير، وضعتها الأيام تحت رحمته وتركتها فريسة له، ولذلك الضخم الذي تعلم أنه سينتهي بها الحال هالكة بين يديه.
” بخـ . بخير”
هذا كل ما استطاعت قوله؛ لتضرب جسدها رجفة قوية حين وجدته يستدير بسائر جسده لينظر إليها نظرة شملتها كليًا بل أحرقتها.. فقد شعرت بلهيب نظراته على الرغم من أن هناك عدة خطوات تفصله عنها، ولكن كان هناك تيار كهربائي يغزو الهواء حولهما.
” ألن تُسلمي علي؟ ”
لم تكن ترى ملامحه بسبب الظلام، ولكنها شعرت بخيط من السخرية يتخلل نبرته وقد ضاعف ذلك من خوفها، فقد كان يلاعبها كما يلاعب الأسد فريسته قبل التهامها، وقد كانت حرب الأعصاب تلك أكبر من قدرتها على الاحتمال، لذا قالت بنبرة مرتجفة:
حمد لله على سلامتك.
سمعت ضحكة خافت أفلتت من بين شفتيه، والتي حتمًا لن تكون ضحكة مرح بالتأكيد أنه يسخر منها.
اختنق الهواء حولها وأصبح محترقًا وهي تراه يقترب منها ويجلس بثقله على السرير بجانبها وعينيه تحاصرها بنظرة قوية مشتعلة يشوبها خطوط حمراء قادمة من الجحيم، الذي كان يستعر بداخله ولكنه تجاهل كل شيء، وقال بصوت هامس محتقن:
حين كنت أصارع الموت كاد أن يهزمني مرات ومرات، وبكل مرة كانت صورتك تطفو على ذاكرتي فتمدني بقوة كانت أكثر من كافيه لجعلي اهزمه.. وبالنهاية انتصرت، وعدت.
صمت لثوان قبل أن تقسو عينيه وتظلم ملامحه حين أردف:
وهذا هو السبب الوحيد الذي يمنعني من قتلك الآن.

شهقة خافتة خرجت من جوفها يتبعها سيل من العبرات الغزيرة، التي حفرت وديان الألم فوق خديها، فامتدت أصابعه الخشنة تزيل عبراتها وهو يقول بهسيس مرعب:
هششش.. لا تبكي، لا تفسدي صورتك الجميلة.
طافت عينيه فوق ملامحها ومفاتنها التي أبرزها ثوبها الرائع فتبدلت نظراته إلى أخرى غامضة وأردف بخشونة:
تشبهين كثيرًا تلك الصورة التي تخيلتك عليها حين أعود، بل تتفوقين عليها.. فأنتِ أروع مما تخيلت.
لم يكن غزلًا بالمعنى المتعارف عليه، فقد كان مروعًا في أثره على نفسها.. تشعر وكأنها تريد تمزيق وجهها الذي يثني عليه بتلك الطريقة المرعبة، التي لم تكن تحتملها فهمست بشفاه مرتجفة:
فراس، أنت تخيفني.
لم تتبدل ملامحه، إنما امتدت يديه تحيط بوجهها وأخذت أنامله تعبث في خصلات شعرها برقة تتماشى مع كلماته الهادئة، التي كانت تحمل الوعيد بين طياتها:
في الواقع يجب عليكِ أن تخافي يا صغيرتي.. فالقادم مُرعِب بحجم جمالك الأخاذ هذا.
أخذت ترتجف بين يديه كورقة شجر باغتتها رياح خريفية مفاجئة أوشكت على اقتلاعها من غصنها، فترنحت بين يديه التي امتدت لتحاوط خصرها وأحكمت جسدها بين أحضانه فيما اقتربت شفاهه من أذنيها، قائلًا بهسيس مرعب:
هل اقترب ذلك الرجل من أملاكي؟
هبت بإندفاع:
أقسم لك بأنه لم يقترب مني أبدًا.
ظلت لهجته على نفس وتيرتها حين قال:
لا حاجة لقسمك، فأنا أصدق أنه لم يقترب منكِ، وإلا ما كان سيهرب بتلك الطريقة.
خربش الفضول قلبها فقالت بإرتجاف:
كيف؟ كيف تعلم؟
تبدلت لهجته إلى أخري خشنة حين قال هامسًا:
من تذوق نعيم الجنة لا يغادرها أبدًا بمحض إرادته ، ويهلك حين يطرد منها، فأنا أكثر من يعلم ذلك.

من فرط خوفها لم تكن تلحظ المعاني المستترة خلف كلماته فقد بلغ التعب مبلغه منها ورغمًا عنها وجدت نفسها تستند برأسها على كتفه، الذي احتوى عبراتها الغزيرة وامتص شهقاتها التي تردد صداها بقلبه بصورة لم يعهدها مسبقًا، ولكنه بدا جامدًا لا يتأثر كذلك كانت نبرته حين قال:
عودي للنوم، غدًا لدينا يوم طويل.
لم تصدق ما سمعته أذناها، ورفعت رأسها تناظره بصدمة تخطاها وهو يقف ناصبًا عوده الفارع متجاهلًا استفهام كان يطل من عينيها، ولم تقدر على قمعه حين هبت بإندفاع:
ما الذي تنوي فعله بهم؟
توقف بمكانه والتفت يناظرها بأعين مشتعلة تشبه لهجته القاسية حين قال:
من تقصدين؟
نور بلهفة:
أمي والجميع؟
ضنت شفتاه بالحديث وقال بإختصار بلهجة كافية لإنهاء الحديث:
ما يستحقونه.

****

كانت أفعالهم كهجوم إرهابي كاسح على قرية جميع سكانها عُزل فلكم أن تتخيلوا بشاعة ما فعلوه.

نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ترتجف بردًا أو قلقًا لا تعلم، ولكن جل ما تعلمه أنها غير مرتاحة فقد تأخر الوقت كثيرًا وهو لم يعد .. لا تعلم لما شعرت بأنها تريد أن تنتظر عودته اليوم، لم يتغلب عليها الإرهاق ككل ليلة بل تغلب عليها القلق، حتى سلب النوم من عينيها وتزاحمت الأفكار برأسها وهي تتفقد ساعتها بين الفينة والأخرى وسرعان ما تعود تتعلق بمدخل القصر علها تلمح طيفه يأتي، حتى تستطيع الخلود إلى النوم براحة.
لم يكن من عادتها انتظاره فهو دائم التأخر وهي كثيرة الانشغال تقضي اليوم بأكمله تركض بين أطفالها ومهامها في القصر كزوجة الابن الأكبر لزين النعماني وزينات المالكي، وما أدراك ما زينات المالكي؟ امرأة أرستقراطية من الطراز الرفيع، مسيطرة لأبعد الحدود، متسلطة تهوى التحكم بالبشر من حولها وتريد جعل الجميع نسخة منها من فرط اعتزازها بنفسها، وقد كانت هي أكثر من يعاني مع طباعها الحادة لمدة عشر سنوات إلى أن أصبحت وجهًا آخر لها يشبهها في كل شيء، حتى طريقتها في ارتداء الملابس التي لم تكن تتناسب مع سنوات عمرها التسع وعشرون، وأيضًا طريقة تصفيفها لخصلات شعرها التي التزمت بها بناءً على تعليمات زينات، والتي بررتها بأنها تعطيها وقارًا وهيبة تليق بكنة عائلة النعماني! وكونها شخصية مسالمة هادئة الطباع، لم تكن تجادل كثيرًا حتى ولو لم تكن راضية يكفيها أن يمر كل شيء بسلام، حتى ولو كان نقيضه بداخلها.
دقائق مرت وهي شاردة حتى رأت وميض سيارة قادمة من الخارج، عرفتها على الفور فهي سيارة زوجها “شاهين النعماني ”
زفرت براحه قبل أن تتراجع خطوتين إلى الخلف لتغلق باب الشرفة، ولكنها توقفت حين التقمت عينيها خطواته المبعثرة وهو يترجل من سيارته، فهالها أن تراه بتلك الطريقة وهوى قلبها حين ظنت بأن مكروهًا قد أصابه، لذا تراجعت بلهفه للخلف وسحبت مئزرها تحيط به جسدها وتوجهت للخارج بخطٍ حافظت على هدوئها، لتجده يغلق باب القصر خلفه وهو يترنح بطريقة مريبة فتوقفت في منتصف الدرج إثر صراخه الهستيري حين رآها:
اها.. هل زوجتي المصون تنتظرني أم أنني أعاني من هلوسات بصرية؟

اغتاظت هدي من سخريته وخاصةً حين أدركت أنه كان مخمورًا، فتابعت هبوطها الدرج وهي تقول بتقريع:
اخفض صوتك رجاءً فالجميع نيام هنا، ولا داعي لأن يستيقظوا على صراخك.
تململ بوقفته وأخذ يهز رأسه بملل، قبل أن يقول وهو في حالة من اللا وعي:
اممم، أنتِ محقة يكفيني رؤية وجوههم المُكفهرة في الصباح، لا داعي لأن أراهم الليلة حتى لا أصاب بالكوابيس المفزعة.

اغتاظت من مظهره وقالت بحنق:
وهل حالتك تلك ستجعلك ترى الأحلام مثل باقي الناس؟ لا تقلق فالخمر سيغيب عقلك ليومين على الأقل.
زفر بحنق وصاح دون وعي:
يا إلهي! من أين ابتُليت بتلك المرأة؟ إنها لا تكف عن إزعاجي، حتى الخمر لا يفلح معها.
حوافر كلماته لامست جوانب قلبها فخدشته، مما جعلها تقول غاضبة:
تأتي مخمورًا في منتصف الليل تترنح يمينًا ويسارًا، ثم تشكو مني! ماذا أفعل أنا هل أصيح وأولول على حظي العاثر مع رجل مثلك؟
لم يكن غائبًا عن الوعي للحد الذي يجعله لا يفطن لمعاني كلماتها، والتي أغضبته وأشعلت فتيل الانتقام بداخله، لذا قست نظراته وكذلك نبرته على الرغم من أنها لم تخلو من السخرية حين قال:
تعلمين سأعطيكِ أسباب أكثر فاعلية للصياح والولولة.. خذي تلك المفاجأة السارة يا زوجتي، فاليوم كان زفافي على أخرى.
شعرت بنصل حاد ينحر صدرها بوجع غير مسبوق جراء تلك القنبلة التي ألقاها بوجهها، والتي لم يكن عقلها قد استوعبها، فهمست بنبرة فاقدة لكل معاني الحياة:
ما.. ماذا تقول؟
هدر بصوت أجش به عنف مكبوت:
لقد تزوجت عليكِ اليوم.
” شاهين ”
كان هذا صوت زينات التي استيقظت من النوم على صوت صراخ ولدها، الذي كان أصعب ابتلاء مر عليها في حياتها.
” أهلًا أمي.. تعالي وانضمي إلينا، فقد كنت أزف أخبارًا سارة إلى هدى وأود أن أشاركك إياها.”
تخبطت سحبها فأمطرت ألمًا فاض به قلبها، الذي لم يتخيل يومًا أن يحدث معه هذا.
” انظر إليّ أيها الأحمق، كف عن ثرثرتك الآن واذهب إلى غرفتك، ولتكف عن أسلوبك الساخر هذا، فزوجتك ستصدقك.”
قهقهة مدوية خرجت من جوفه على حديث والدته، ثم صاح بملء صوته:
اه يا سيدة زينات، لا تصدقين حديثي وتدعيه بالحماقات، وتخشين أن تصدقه زوجتي النسخة الأسوء منكِ.. إذن سأثبت لكِ.
أنهى جملته وسط نظرات متبادلة بين كل من زينات التي تتمنى لو أنه يهذي، وهدى التي كانت كالشاة المذبوحة غدرًا
” هيا انظرا”
هكذا قالها شاهين، وهو يضع الهاتف الخاص به أمامهم لتظهر صورته بجانب حسناء ترتدي ثوب أبيض خلاب وهو بجانبها يحيط بخصرها، فشعرت بقلبها ينشق إلى نصفين كلاهما يتمنى الموت في تلك اللحظة وفجأة برقت عينيها حين شاهدت …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *