روايات

رواية يوميات مراهقة الفصل الأول 1 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الفصل الأول 1 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة البارت الأول

رواية يوميات مراهقة الجزء الأول

يوميات مراهقة
يوميات مراهقة

رواية يوميات مراهقة الحلقة الأولى

على مقعد هزاز في إحدى شرفات المنازل ، كانت تجلس ضامة أرجلها إلى صدرها ، جسدها يتوارى خلف غطاء أسود رقيق به بعض الورود البيضاء الصغيرة التي انعكست على ذاك السواد الذي يحفُها ، من فوقها السماء التي شاركتها في أمسيتها ، وبعض النجوم التي احتفت حول شرفتها ، أبخرة تتصاعد من كوب موضوع على طاولة صغيرة أمامها.

من حين لآخر تمد يدها لترتشف منه القليل ثم تعاود وضعه ، وبيدها الأخرى كتاب تقرأ به ، بتركيز شديد ، وبعد وقت زفرت أنفاسها بثقل وأعينها تبرق بالدموع ، أغلقت الكتاب وضمته إلى صدرها تتحدث داخل عقلها بشرود :

_” ها ايمتى بقى الاقي حب زي اللي بقرأ عنه …فين الاقي الدكتور اللي وقع في حب طالبته ؟ ولا فهد الفهود ده لا بس مش هسمحله يضربني تحت مسمى غيرته المرضية ، ولا زعيم مافيا يعشقني اممم صعبه دي معندناش زعماء مافيا هنا في مصر ، والاقي فين كريم كرمله ده وحبه لـ ليل غواص قد الدنيا ونعيش مغامرات مع عالم الألماس بتاعهم حببوني في البحر أكتر مع إني بغرق على الشط “.

توقفت عن محادثة ذاتها وهي ترفع بصرها نحو السماء المُحلاة بالنجوم الصغيرة والخاطفه للأنفاس ، دعت الله بداخلها أن يرزقها بهذا الحب في القريب العاجل .

انتهت من احتساء مشروبها الساخن وتزامن ذلك مع قرآن الفجر ، ابتسمت في سكينة غمرتها وقالت بعد لحظة صمت:

_” قرآن الفجر بدأ هاقعد بقى لما أصليه بما إني صاحيه “.

وبعد مرور بعض الوقت ارتفع صوت الأذان ، نهضت عن مقعدها متجهة صوب باب غرفتها فتحت الباب ثم سارت باتجاه المرحاض ، أغلقت الباب خلفها ثم توضأت وارتدت إسدال صلاتها وبدأت بالصلاة ، وبعد أن انتهت قفزت إلى فراشها ، وهي تتمسك بالغطاء بيديها ، بينما أعينها تحدق بسقف الغرفة وابتسامه لطيفه طفت على محياها قبل أن تغمض جفونها لتنام.

__________________________

صباح اليوم التالي …..

فتحت أعينها البنية على صوت والدتها تناديها ، فتقلبت على الجانب الآخر من الفراش وهي ترفع الغطاء حتى رأسها ، بينما تغمغم بصوت ناعس :

_” خمسه بس يا ماما وهقوم وراكِ “.

حركت والدتها رأسها بيأس ثم مدت يدها مرة أخرى تنزع الغطاء عنها وهي تقول بنبرة متهكمة :

_” هاله قومي بقولك الساعه داخله على تمانيه”.

هبت من فراشها وهي تطالع والدتها بعيون متسعة من الصدمه بينما تهتف بهلع:

_” يا نهار أبيض يا ماما تمانيه وجايه تصحيني ده أنا هطرد أنا عارفه وهتعاقب على الزفت الطابور ده “.

كتمت والدتها ضحكتها ، وهي تبتعد عن محيط فراش ابنتها ، بينما تسير باتجاه باب الغرفه ، في حين نظرت هاله إلى ساعة منبها وهي تشتمها ، ولكن توقفت فجأة ترمق ظهر والدتها بتهكم أثناء قولها في ضيق:

_” إيه يا ماما هزار البوابين دول ؟؟ الساعه لسه 6 حضرتك مصحياني من سته ليه ؟؟ وتقولي لي تمانيه …استغفر الله “.

وصلها صوت والدتها وهي تتجه نحو المطبخ تقول :

_” مهو انتوا كدا جيل مينفعش معاكم غير ده ، وبعدين هي مش سته بالظبط دي سته ونص حِيلنا بقى عقبال ما الأميرة النائمة تقوم تكون جات تمانيه “.

بداخل غرفة هالة ابتسمت بتهكم وهي تمد يدها إلى الطاولة بجوارها تلتقط هاتفها ، لتصرخ فجأة بفزع عندما طالعت ذاتها في شاشة هاتفها المظلمة حيث كان شعرها مشعث وهائج كأن ماس كهربائي قد تراقص على شعرها ، في حين عينيها كانت متورمه من السهاد ، ألقت هاله الهاتف على غطاء سريرها وهي تقول بحسرة :

_” لا ويقولولك البطله تقوم من النوم شعرها مسترسل وعيونها جوز الهند ومش عارفه إيه …حسبي الله عقدتوا اللي خلفونا “.

نزلت عن الفراش وارتدت خفها المنزلي وسارت وهي تحك شعرها وبيدها الأخرى تتثائب وفي أثناء ذلك قابلتها أختها الكبرى وطن ، التي كتمت ضحكتها بصعوبة ، وهي تطالعها ولم تستطع منع ذاتها من رمي تعليق على مظهر أختها الغير مرتب :

_” شكلك يهبل واثقه إنك هتلاقي فتى أحلامك يا هاله هو أول ما هايشوفك هيتطس في نظره على طول هي دي البطله الناعمه اللي أول ما يتصبح بيها هيقطع الخلف دوغري”.

ألقت هاله المنشفة على أختها وهي تقول بضجر:

_” أنا سيبتني من الروايات الهبله دي على فكره لأنها فظيعه يخربيتهم بحب على روحي بسببهم “.

التقطت وطن المنشفة قبل أن تصطدم بوجهها مردفة بضحك :

_” لا ما هو واضح يا حبيبتي …مش فاكره مروان ابن جيرانا اللي وقعتي في حبه من أول نظرة بس علشان ناولك كشكولك اللي وقع على سلم العمارة ، ولا عن الواد الأهبل منذر اللي لطشتيه قلم علشان جاوب في دورك عند المسيو وجيتي زي الهبله تستخبي فيا وتقولي الحقيني يا وطن منذر هياجي يتجوزني بالغصب ، وهيطلع عيوني؛ لأني ضربته “.

صمتت لثواني ثم أكملت وهي تضحك من بين كلماتها :

_”ولا استني كدا من حوالي أسبوعين حكتي لي عن صياد السمك ده اللي لما جزمتك اتقطعت ساعدك واخدها بنفسه يصلحهالك ومسكك صنارة الصيد بتاعته وفي الآخر كسرتيها وهو كان شاب ذوق لأنه متعصبش منك ولا اتكلم وقولتي إيه ده جان يا وطن ومز يا وطن وشكلي حبيته يا وطن وكلتي ودن وطن معاكِ “.

نظرت لها هاله بطرف عينها مرددة بتهكم:

_” ما قولتلك بطلتها بقى وبقت بقرأ روايات عميقه وهادفة دلوقت …بس مروان هو اللي كان بيهتم بيا وعلقني بيه ، آه هو أكبر مني وفي جامعه زيك بس اهتمامه اللي خلاني أعجب بيه ، الواطي قبل ما يصدمني بخبر خطوبته وأنا مسحته من حياتي يا وطن ولو سمحتي ما تجبليش سيرته بعد إذنك خليني ارمم قلبي اللي انكسر “.

تشنجت وطن وهي تطالع أختها التي تمثل دور المكسورة التي هجرها حبيبها وهرب مع صديقتها ، لتهتف بغيظ :

_” إيه عِيدي كدا قولتي إيه قلبك اللي انكسر …ده أنتِ قلبك ده مخزن عام يسع من الحبايب ألف ده أنا مش ملاحقه على اللي بتحبيهم واللي بتعجبي بيهم واللي بتديهم استماره سته ده أنتِ قلبك ده بياع أوي “.

وضعت هاله يديها أمام وجهها تهتف بدراميه:

_” خلاص يا وطن متقلبيش عليا المواجع كفايه …كفايه ، أنسى اللي كان بيفرح لما يشوف دمعتي أنسى اللي كان حنين غير لي دنيتي “.

ضيقت وطن عينيها بتقول بتهكم:

_” استني لحظه هو ايه ده اللي بيفرح لما يشوف دمعتك ؟”.

توقفت هاله عن الغناء تقول بلامبالاة :

_” معلش أصله كان شمتان أنا اش عرفني هي المطربه بتقول إيه ؟ فصلتيني يا وطن أوف “.

صمتت لثوانٍ ثم تابعت غنائها :

_” أنسى اللي كان بيبكي لما يشوف فرحتي “.

ألقت وطن المنشفة لتصطدم بوجه هاله مرددة بتهكم :

_” آه انسيهم عادي وبعدين بيفرح في عياطك وبيعيط في فرحك ده إنسان منخوليه تبقي عليه ليه ؟ ده سيكوباتي يا هاله “.

جادلت هاله وهي تضحك بخفوت :

_” ولو بحب السيكوباتيين يا وطن ليهم كاريزما كدا تهبل “.

_” تهبل والله ما في حد أهبل منك انسيهم يا هاله ياختي مهو أنتِ كل يوم ليكِ حبيب شكل كوبيهم ورى ضهرك بكرا تلاقي أحسن منهم “.

جارتها هاله في حديثها وهي تهتف بتحسر وتضم المنشفة إلى صدرها :

_” قلبي مش بيطاوعني انساهم يا وطن “.

_” دوسي على قلبك المهزء ده يا حبيبتي هي الحياة هتقف على محمد ولا أسر ولا مالك ولا زين ولا ياسين عادي هتستمر”.

صمتت وطن ثم تقدمت منها ووضعت يدها على كتفها قائلة بحنان بعد أن تخلت عن سخريتها :

_” حبيبتي لما تكبري شوي هتلاقي الانسان اللي من نصيبك الانسان اللي هيكملك بلاش تدخلي نفسك في متاهات من دلوقت ، آه أنتِ مش صغيرة بس بردو مش كبيرة أنتِ يدوب تانيه ثانوي يعدي الترم ده وهتدخلي تالته وعايزين مجموع عالي ركزي في دراستك افضلك “.

طالعتها هاله بعيون حزينة وهي تستمع لحديث أختها فأكملت وطن بهدوء :

_”وأنا هبطل أجبلك روايات بقى ما دام هتتهبلي كدا وتتعلقي بالناس لمجرد أنهم اهتموا بيك وحتى لو اهتمام بسيط ، يعني مروان ده يا هاله بغض النظر إنه أكبر منك بس هو بيعتبرك زي أخوه منذر لأنكم من سن بعض ولما شافك راجعه من الدرس بتعيطي علشان درجة الامتحان وقتها وقعتي كشكولك وقعدتي على سلم العمارة تعيطي وهو كان ماشي على شغله فقعد معاكِ وكلمك وجابلك حاجات بتحبيها بدافع الأخوه وإنك بنت جيرانه وفي مقام أخته لأنه ملهوش أخوات يا هاله هو منذر بس “.

أومأت هاله برأسها مبتسمة ثم قالت بضحك:

_” فاهمه يا وطن يالا بقى لحسن الحجه هتطلع تروقني والحق ادخل الحمام قبل ما يتزحم عارفاني بموت جوه “.

ضحكت وطن على مشاكسة أختها ثم وضعت يدها على شعرها تعبث به فأنزلت هاله يدها واتجهت إلى المرحاض بسرعه.

_______________________

بعد مرور بعض الوقت …

كانت تنزل درج العمارة تحمل على كتفها حقيبتها المدرسية ، وترتدي زي المدرسة الثانوية وحجابها الصغير والذي بالكاد يغطي رقبتها رغم حديث وطن معها بأن تستعمل غطاء رأس أكبر ولكن لا حياة لمن تنادي .

تزامن نزولها مع خروج منذر الذي ما إن أبصرها حتى أدار وجهه بعد أن رمقها بنظرة تهكمية ووصلها صوته يهتف بامتعاض:

_” أعوذ بالله من غضب الله اصطبحنا بوشها ربنا يستر بقى “.

احمرت وجنتيها من الغضب وهي تكور قبضة يدها ، وتجز على أسنانها ، ثم ألقت عليه نظرة متهكمة كالتي رماها بها ثم اتجهت إلى مدرستها وتقابلت مع صديقتها المقربة جنات وفي أثناء سيرهم دار بينهم هذا الحديث

_” مالك قلباهم على الصبح يا أخت هاله ؟”.

شدت هاله على كتف حقيبتها المدرسية وهي تجاوبها:

_” مفيش “.

نظرت لها جنات بعيون متفحصة قبل أن تقول:

_” بقى الوش ده والتنهيدة دي كلها وتقولي مفيش “.

تحدثت هاله وهي تركل بعض الحجارة في الطريق :

_” والله يا بنتي ما فيه حاجه أنا بس قرأت رواية جديدة والبطل عجبني أوي حنين ومتفهم ومتقبل البطله بكل عيوبها ومشاكلها النفسيه …الحب جميل أوي يا جنات وأنا نفسي أعيشه “.

صمتت هاله لثواني ثم تابعت حديثها :

_”أنا عارفه إن إعجابي ده مراهقه وهرتله على الفاضي بس أهي مرحله عمرية ولازم الكل يخوضها ، يعني وطن كانت عماله تسمعني كلام وتنصحني لأني بتعلق بأي اهتمام يقابلني مش عارفه بقى ده هبل ولا إيه؟ مع إني مش مفتقده الاهتمام يعني أهلي بيحبوني ومش حارميني من حاجه أنا بس عايزه أعيش الشعور بأي شكل و …. “.

قاطع حديثها صوت متهكم يصدح بجوارهم بينما يتخطون الشارع :

_” بمشية السلحفاة دي هتوصلي بعد تالته يا فاشله “.

كزت هاله على أسنانها وهي ترمقه بشر وبلا تفكير انحنت تحمل قطعة حجارة من الأرض ، ثم ألقتها عليه ليصدح صراخه المتألم ، حيث أصابته الحجارة في رقبته من الخلف ؛ لتضحك هاله بملىٔ شفتيها وتكتم جنات ضحكاتها ، لأن هاله ماهرة جدا في التصويب ومنذر لا يكف عن مشاكستها .

التف لها منذر وهو يشتم تحت أنفاسه قائلا بغيظ ، بينما يضع يده خلف عنقه حيث أصابته:

_” والله يا هاله لولا إنك بنت كنت علمتك الأدب بس أنا علشان راجل هعديها بمزاجي وتاني مرة يا بلوى ما تميليش في الشارع ، اصبري بس يا حماره إن ما كسحتك في امتحان الكيمياء ما بقاش أنا منذر “.

ضحكت هاله بشدة على حديثه وهي تقول :

_” هأو أو أو يا منذر اللي يطلع معاك اعمله مبنتهددش يا بابا “.

هتفت جنات بصوت خافت:

_” يا بنتي بقى إحنا في الطريق عيب يا هاله “.

نظرت جنات إلى منذر قائلة :

_” منذر مش هينفع وقفتنا كدا فامشي لو سمحت “.

تنهد منذر ثم سار مبتعدًا عنهما ولكن من حين لآخر ينظر إليها معذبة قلبه منذ الطفولة .

بعد رحيله هتفت جنات وهي تكمل السير مع هاله :

_” أموت وافهم بتجري شكله ليه بس ؟ على فكره يا هاله ده مش صح انتوا مبقتوش صغيرين للحركات دي ، أنتِ عارفه البنات بيقولوا إيه عنك أنتِ وهو ؟”.

توسعت حدقة عين هاله بفزع تطالع صديقها بذهول وهي تتشدق قائلة :

_” بيقولوا إيه هما ؟ اصلا إيه اللي يجمعني مع منذر غير إنه ابن جيرانا ومتربيين سوا “.

ابتسمت جنات بتهكم قائلة :

_” بيقولوا إنكم بتحبوا بعض ياختي وإنك بتناكشيه وهو بيسكت ؛ لأنه بيحبك بردو رغم إنك بتعملي فيه بلاوي “.

دق قلب هاله بقوة ولكن سرعان ما نفضت الشعور من داخلها لتلتفت إلى جنات قائلة بسخرية:

_”إيه الهبل ده يا جنات أنا ومنذر عاملين زي الزيت والمايه لا يمكن نركب على بعض أبدا ….. “.

قاطعتها جنات بحديثها وهي تنظر لها بمغزى :

_” اشمعنى اختارتي الزيت والمايه ؟”.

ضيقت هاله عينيها باستغراب وهي تقطب ما بين حاجبيها:

_” مش فاهمه قصدك إيه ؟ عادي يعني هو ده اللي أنا شايفاه بصراحه “.

ابتسمت جنات ولم تعقب ، فنظرت لها هاله بطرف عينها قائلة وهي تطرق على كتفها :

_” بت إيه الابتسامة دي ؟ في إيه انطقي؟”.

ازدادت ابتسامة جنات لتتحول لضحكات مكتومة وهي تضع يدها على فمها :

_” اصل أنتِ اختارتي الزيت والمايه وتشبيهك بدل ما يكحلها عاماها أكتر “.

توقفت هاله ترمقها بضيق شديد وهي تقول :

_” جنات اظبطي في إيه ؟ماله يعني الزيت والمايه ؟”.

مدت جنات يدها لتمسك بخاصة هاله وهي تقول :

_” يالا بس منقفش كدا في نص الشارع وكمان إحنا اتاخرنا يالا قدامي نلحق الزفت الطابور ياما نفسي أهرب منه “.

نزعت هاله يدها من يد جنات قائلة وهي تضيق عينيها بضيق :

_” مش قبل ما تقولي لي ماله الزيت والمايه؟ وليه ضحكتي كدا ؟”.

تمالكت جنات نفسها لتردف بضحك لم تستطع السيطرة على ذاتها :

_” اصل آه الزيت والمايه مستحيل يتخلطوا ببعض بس كمان صعب تفصليهم فهمتي يا ذكيه يعني جربي كدا تفصلي الزيت عن المايه مش هتعرفي وده فعلا اللي بشوفه في علاقتك مع منذر آه انتوا الأتنين مش بطيقوا بعض خالص بس كمان صعب تنفصلوا فهمتي “.

امالت هاله رأسها للأرض وهي تفكر في حديث جنات ثم هزت رأسها بلا اهتمام ، واكتفت بالصمت حتى دخلت من بوابة المدرسه وأثناء ذلك كان هناك أحد الشباب ، الذي أطلق لساقيه الريح ولم يرى أمامه فأوقع هاله بطريقه ، صرخت هاله بألم ؛ عندما جرح جانب ذراعها بينما توقف الشاب معتذرًا وهو يمد يده ليساعدها :

_” أنا أسفه يا آنسه ما آخدتش بالي والله ، أنتِ كويسه ؟”.

رمقته هاله بضيق وهي تهتف بألم:

_” خلاص حصل خير اتفضل امشي “.

أتى منذر في تلك الأثناء والذي كان يراقب ما يحدث بأعين متسعة من الضيق ، الذي جثم على صدره ، ثم وبلا أي كلمة دفع ذاك الشاب والذي يكون بالصف الثالث الثانوي قائلا بتهكم :

_” يالا يا اخينا من هنا اعتذرت وخلصت اتكل على الله بقى وتاني مرة خلي بالك لتدهس حد تحت رجليك وانت ماشي زي الجاموسه “.

طالعه الشاب بعيون غاضبه وهو يدفعه من ملابسه كأنه جرثومة :

_” وأنت مالك أنت بتدخل ليه ؟ واعدل الفاظك يا بني آدم أنت “.

أمسك منذر الشاب من مقدمة قميصه بغضب وهو يهتف بضيق :

_” لا مالي ونص وبعدين نظراتك بقى معجبتنيش بتبصلها كدا ليه أصلا؟ زائد أنا شوفتك بعيوني أنت قاصد توقعها “.

مدت جنات يدها تساعد هاله في النهوض فاستندت هاله على كتف صديقتها وقالت :

_” خلاص يا منذر حصل خير هو مكنش يقصد وما شافنيش زي ما بقولك وبعدين هيوقعني ليه يعني ؟ “.

أكدت جنات على حديثها الذي تزامن مع سماعهم النشيد الوطني مما يعني أن الطابور الصباحي قد بدأ ويجب ألا يتخلفوا عنه :

_” منذر خلاص سيبه احنا داخلين متعملش مشاكل موقف وعدى “.

ختمت حديثها وهي تساعد صديقتها على السير بعد أن أتى بعض الشباب ليفضوا ذاك العراك ، وتركه منذر على مضض واتجه إلى حيث سارت هاله حافظ على مسافة بينهما ثم سألها :

_” أنتِ كويسه ؟ رجلك حصلها حاجه ؟”.

هزت هاله رأسها بالنفي وهي تبتسم بسخرية :

_” رجلي والله يا منذر بتسألني عن رجلي اللي كسرتها يا مفتري “.

وضع منذر يده خلف عنقه وهو يهتف بحرج:

_” مكنش قصدي وقتها ومشوفتكيش “.

طالعته هاله بتهكم وهي تتحدث بحسرة :

_” قعدتني شهر في البيت وضيعت عليا كورسات إسلام يا مفتري وحتى الروتر بوظته قطعت عليا النور والمايه ومبقتش عارفه اتابع كورسات إسلام على النت بسببك ،مش عارفه انت بتعمل كدا ليه يا عدو النجاح أنت ده كله علشان ما اغلبكش”.

كتم منذر غيظه عندما أتت على ذكر ذاك المعتوه إسلام ، والذي لا يكره في الحياة غيره ، ليهتف بضيق شديد:

_” الروتر مليش دعوه بيه هو اتقطع أنا مالي بعدين ما كنت بشرحلك اللي باخده يا نكاره أنتِ عامله زي القطط تأكلي وتنكري “.

حركت هاله رأسها بيأس منه ثم تركهم منذر واتجه ليقف بمكانه مع بقية الشباب ، بينما وقفت هاله في صف الفتيات وجنات أمامها تساندها وفي أثناء مرور المعلمة لاحظت طريقة وقوف هاله وقبل أن تعنفها لاحظت ألمها في عينيها لتردف :

_” هاله مالك أنتِ تعبانه ولا ايه؟”.

ردت هاله بتعب :

_” وقعت وأنا داخله المدرسه ورجلي وجعاني شوي أنتِ عارفه كنت مجبساها من فترة ولسه فاكه الجبس “.

نظرت المعلمة إلى ساعة يدها :

_” على العموم فاضل لسه عشر دقائق تعالي اطلعك فصلك كفايه كدا وأنا هابقى اقول للمدير “.

ابتسمت هاله بامتنان وسارت برفقتها ، تتبعها عيون منذر الولهانه ، ليهمس رفيقه وهو يدفع رأسه لينظر أمامه :

_” أنت لسه بتحبها يابني ؟ “.

تحدث منذر بوله وعيون تخرج قلوب من صفاءها :

_” بحبها إيه بس دي حرقاني يا علاء حرفيا أهلكتني وهي مش حاسه بيا أصلا وبتحب الزفت إسلام ده ياما نفسي اخنقه بأيدي واقوله ملهوش دعوة بيها ده أنا حتى بقت بحضر كورساته الزفت علشان دمي يتحرق بس وأنا شايفها هيمانه فيه ، قد ما قلبي تعبني وتعبت بس أعمل إيه مش قادر أشيلها من بالي وغصب عني بلاحقها من مكان لمكان “.

صمت رفيقه عندما لاحظ نظرات المعلم باتجاههم فهمس بخفوت :

_” نبقى نكمل بعدين هنتنفخ من أستاذ سلامه اسكت يخربيتك “.

_______________________

_” وكدا المعادلة انتهت وهنزلكم بقيت الأسئلة على الجروب ، وهايكون عليها درجات أعمال سنه ياريت تحلوها وآه صح كل شخص منكم أسئلته هتكون مختلفه عن التاني أنا مجهز كل حاجه مفيش مجال للغش فاهمين “.

وبهذه الكلمات ختم معلم الفيزياء حديثه معلنًا عن انتهاء الحصه ، لتزفر هاله بضيق وهي تقول :

_” أوف مستر بدوي مش بيرحم إيه كميات الإجزام دي “

وافقتها جنات وسهام في حديثها وتحدثت سهام وهي تضع يدها أسفل ذقنها بينما تستند على حافة الطاولة أمامها والخاصة بمقعدها :

_” عندك حق بس اختبارته حلوه بصراحه وبتساعدنا المهم يا شباب قبل الفسحة حد منكم رايح الدرس بتاع مستر عمرو بتاع الأحياء ولا هتهببوا إيه النهارده ؟”.

أرجعت هاله ظهرها على مقعدها متحدثة بكل استرخاء :

_” أنا عن نفسي بفكر اطنش إلا لو إسلام هيكون موجود هروح أكيد “.

تحدثت جنات بضجر وهي تضع كتابها في حقيبتها وأثناء ذلك تقابلت عينيها مع عيون منذر التي تبدو غاضبه وبشدة ، لتبتلع لعابها ببطء بينما تعاود النظر إلى رفيقتيها متحدثة بهمس:

_” بقولكوا ايه تعالوا نتكلم برا أحسن وأنتِ – نظرت إلى هاله – خفي صوتك شوي الكل عرف إنك معجبه بالاستاذ إسلام “.

قلبت هاله أعينها بلا اهتمام وهي تنهض متجهة للخروج ووقعت عينها على منذر ، الذي يحدق بها بضيق كالمعتاد فابتسمت في وجهه بسماجه وهي ترفع أصابعها مشيرة بها بعلامة الوداع قبل أن تغيب عن ناظريه وتلحقها كلا من جنات وسهام .

____________________

توقفت هاله فجأة عن السير وهي تشعر بتشنج في قدمها من الأسفل ، لتستند على السور خلفها الذي يطل بدوره على ساحة المدرسة الكبيرة :

_” بقولكوا ايه يا بنات أنا مش هقدر أنزل الكانتين معاكم هقعد هنا وانتوا هاتولي أي حاجه معاكم وخلاص “.

وافقت جنات وذهبت معها سهام ، وبقت هاله بمفردها تنظر من السور على الفتيات والشباب بعدم اهتمام قبل أن تجبر قدميها على السير حتى عادت إلى فصلها ، وأثناء ذلك اصطدمت بصدر أحدهم وكادت ترتد للخلف إلا أنها بلا وعي تمسكت بقميصه بكلا يديها وهي تغمض عينيها بعنف ، تتنفس بسرعة وقلبها يُطرق بقوة ، بينما توقفت أنفاس منذر وهو يطالعها من هذا القرب ويديه تمسكانها من كتفيها قبل أن يحمحم ويبتعد عنها يستغفر ربه ، لتهتف هاله بضيق من إن أبصرته:

_” لا كدا كتير أنت عايز تقتلني يا منذر ؟”.

_” أنتِ اللي قتلتيني يا هاله ومن زمان “.

همس بها منذر بداخل عيونه قبل أن يستعيد رباطة جأشه يقول:

_” اقتلك إيه يا حماره أنتِ ، أنتِ اللي عامله زي الطور الهايج ماشيه تخبطي في الناس يالا غوري من وشي “.

لكمته هاله على صدره بغضب تدفعه عنها وهي تسير ببطء نحو مقعدها :

_” غارة تاخدك يا عدو النجاح أنت ..صفي هنا يا منذر شوي ويمكن ربنا يكرمك “.

كانت تتحدث وهي تشير إلى قلبها وتضحك بسخرية ، هز منذر رأسه بيأس منها ثم خرج من الفصل وهو لا زال عالقًا بتلك اللحظة ، حينما كان لا يفصل بينهما سوى بضع انشات بسيطة ليجد نفسه يبتسم بلا وعي .

_” لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..الواد اتجنن”.

كان هذا صوت صديق منذر المقرب ، لتسقط ابتسامه منذر ويطالعه بملل أثناء قوله :

_” في إيه أنت التاني ؟”.

_” يابني أحسن لك فوق من الوهم ده هتهلك نفسك وهي ولا على بالها يا منذر بعدين اكيد ده مش حب …”

قاطعه منذر وهو يردف بتعب :

_” يمكن تحس بيا يا علاء … أكيد هياجي يوم وتحس بيا وبعدين ده مش حب ده عشق ليها ، هي بس مشاعرها مش متظبطه ولسه صغيرة وأنا مش هاسيبها ولا هسمح لحد يقرب منها خطوه هاله خط أحمر “.

تنهد علاء وهو يضع يده على كتف منذر :

_” بس انت كدا بتأذيها متعرفش الكل بيتكلم عليكم ازاي ومفكرين أن فيه حاجه بيناتكم ؟ أنت لو هتلاحظ هاله مبتتكلمش إلا معاك أنت ولا بتسمح لحد يقرب منها خطوه غيرك وغير ده كله خناقكم مع بعض كل شويه وفي الدروس واقفين لبعض على الكلمه “.

_” اللي يجيب سيرتها على لسانه اقطعهوله الكل هنا عارف إنها بنت حتتي ومتربيين سوا وإن أنا بعتبرها …”.

صمت منذر وهو يشعر بصعوبة الحروف على لسانه ، ليقول علاء بحزن لأجله :

_” هي مش أختك وصعب تكون يا منذر .. ومش هقولك غير ربنا يحنن قلبها عليك “.

أومأ منذر وهو يدعو الله بأن يرق قلبها عليه .

_______________________

كانت هاله شاردة الذهن عقلها لا يفتأ يعيد لها مشهد اصطدامها مع منذر كل ثانية وأختها ، بدأت أولى المشاحنات بداخلها ، لتهز رأسها بعنف تطرد تلك الأفكار من بالها ، انتبهت على صديقتها تلقي باتجاهها إحدى الأكياس المملوءة بالمقرمشات ولكن قبل أن يصطدم بوجهها كانت هناك يد سريعة أمام وجهها التقطته سريعًا ثم بابتسامه قال:

_” من يد ما نعدمها يا لوله “.

ضربت هاله على المقعد أمامها مبتسمة بشر وهي تقول :

_” منذر خلي يومك يعدي وهات كيس الشيبسي بتاعي “.

استرخى منذر في جلسته بلا مبالاة بحديثها ثم فتح الكيس وأخذ يتناول منه بنهم وهو يصدر أصوات من فمه تعبر عن استمتاعه الشديد .

مسحت هاله على المنطقة ما بين عينيها وهي تتنفس بعنف ثم استدارت إليه قائلة بتهكم :

_” اشبع بيه يا معفن “.

نظرت إلى رفيقتيها متحدثة بشر :

_” هو ده بس اللي جبتوه فين الأكل ؟”.

اجابتها سهام وهي تلوي شفتيها بضيق :

_” اللي عرفنا نجيبه ده تحت موت يا هاله “.

همست هاله بغيظ وهي تطالع منذر بتهكم:

_” يعني إيه هفضل جعانه كدا ؟”.

أخرج منذر قطع الشوكولاتة خاصته وسار باتجاهها ثم ناولها إياها وهو يبتسم بحرج :

_” أنا مش بحبها وصاحبي جابها خديها بدل الشيبسي “.

نظرت هاله لعينيه لثواني قبل أن تخفضها صوب يده ثم أخذتها منه وهي تردف :

_” رغم إني مبقبلش العوض بس علشان جعانه بس يكون في معلومك يعني “.

ابتسم منذر ثم وضع يده خلف عنقه كما هي عادته دوما عندما يشعر بالحرج ، قبل أن يمد يده بأخرى للفتيات ولكن انتزعتهم هاله من يده قائلة بعفوية :

_” دول ليا أنا بس هما معاهم أكلهم “.

بلا وعي همس منذر :

_” طبعا دول ليكِ أنتِ زي زمان فاكره كنتِ بتحبيها اوي خصوصا النوع ده وبردو كنتِ بتعملي نفس الحركه دي لو جيت عطيت لحد من البنات كنتِ بتاخديها منهم وتقولي لهم دول جايبهم منذر ليا وبس”.

أومأت هاله برأسها ثم تابعت تناول الشوكولاتة حتى انتهت ،وبدأ الطلاب بالدخول إلى الفصل يتبعهم المعلم وانغمروا معه في الشرح ، وكانت هناك معضلة وضعها المعلم أمامهم وأعطى مدة لهم لحلها ، انتهت هاله تزامنا مع رفع منذر ليده فأعطاه المعلم الإشارة للتحدث فأخذ منذر يشرح إجابته بأسلوب سهل ومنمق ، أثنى عليه جميع زملاؤه والمعلم أيضًا ، كورت هاله قبضة يدها عندما ألقى عليها منذر نظرة تشفي وهو يخرج لها لسانه خفية .

همست هاله بغيظ لذاتها :

_” على فكره بقى نفس طريقة حلي بس علشان أيدي وجعاني لما انجرحت كنت زماني خلصتها قبلك “.

وللعجب تفهم منذر نظراتها وهو يعلم داخله أنها كتبت نفس إجابته وما آخرها سوى يديها .

_________

انتهى اليوم الدراسي أخيرًا وكانت هاله تلملم أشيائها استعدادًا للذهاب ، عندما وجدت منذر أمامها وهو يضع كتاب ما على مقعدها نظرت إلى الكتاب بأعين متسعة وتلقائيًا انفرجت شفتيها معربة عن ابتسامه لطيفه وهي تطالع عينيه :

_” منذر …ده ليا “.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يوميات مراهقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *