روايات

رواية يوميات مراهقة الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الفصل الثالث 3 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة البارت الثالث

رواية يوميات مراهقة الجزء الثالث

يوميات مراهقة
يوميات مراهقة

رواية يوميات مراهقة الحلقة الثالثة

من الغريب أن يعشق المرء هلاكه ولكن هي هلاكي وأنا بها متيمُ.
نورهان ناصر
_______________________
وقف منذر خلف الباب يضم الكتاب إلى صدره وهو يزفر أنفاسه مغمغمًا بحزن :
_” ايمتى تحسي بيا يا هاله ؟”.
وضع يده على جرح رأسه وتلقائيًا ابتسم بخفوت، لو طالعه أحدهم لولى منه فرارًا ظنًا منه أنه مختل ؛ لأنه سعيد بهذا الجرح وكأنها قد اعترفت بحبها له ولكن هو أدمن تلك الهــالــــه وكل أفعالها وحتى همساتها بمثابة بلسم لروحه وسيكون أكثر من سعيد بأي ذكرى تجمعه بها حتى لو تجرع فيها الألم وسالت على يديها دمائه .
فتحت والدته الباب تطالعه باستغراب حيث كان يحتضن الكتاب وعلى ثغره ابتسامه واسعه بينما يغمض عينيه ، كانت والدته تحمل كوب من الماء فـ بلا تفكير كعادة ساكني هذه العمارة ، ألقت الماء على وجهه ، ليفتح منذر عينيه بهلع وهو يسارع بإبعاد الكتاب ، بينما يتفحصه بعناية فائقة ، التقط أنفاسه ما إن لاحظ أن الكتاب بخير وأن قطرات الماء كانت قليلة في الكوب وفقط وجهه من تبلل ليهتف منذر بتهكم:
_” إيه يا ماما ده ؟؟ كنتِ هضيعي مستقبلي “.
لوت والدته شفتيها متمتمة بحنق:
_” مستقبلك … أي ده يا واد اللي على رأسك أنت اتبطحت؟”.
مسح منذر على وجهه ثم تخطاها ودلف إلى باب شقتهم وهو يقول :
_” ايوه يا أمي ارتحتي “.
ضربته والدته على صدره مصدرة شهقة عاليه إلى حد ما بينما تقول :
_” وهو أنا راحتي يا قليل الادب في اذيتك؟”.
وأعقبت حديثها بأن ضربته على رأسه ليصرخ منذر بضيق :
_” ارحموني بقى مش شايفه رأسي يا أمي يعني ؟ “.
تشدقت والدته بسخرية :
_” هاله اللي بطحتك كدا يا موكوس؟ “.
تمتم منذر بلامبالاة وبسمة غبية :
_” عادي يعني أنتِ مصدومه ليه ؟ ما أنا كسرتلها رجلها دي ولا حاجه “.
أنهى حديثه وهو يختفي خلف باب غرفته ، لتتنهد والدته مردفه بحزن :
_” لايمتى يا ابن بطني هتفضل متعلق بأحبال دايبه”.
_________________
جلس منذر على الفراش وهو يفتح الكتاب لتقع عينه على الإهداء الذي كتبه خصيصًا لها بكل حب يزخر به فؤاده لها ، وهو يتنهد بتعب وأما بخصوص ذلك الحرف فهو وضعه للتمويه لا أكثر ، ثم فتح نصف الكتاب ، لتقع عيناه على تلك الرسمة والتي تعود لـهـالـته الخاصه ومكتوب أسفلها ، اعترافه الذي جهزه مئات المرات ليتحطم كل ذلك ، بوقوع تلك الورقة بيده قبل شهر ونصف ، طالع الرسمة والإهداء بعيون دامعة شغوفة وهو يرددهم بشفاه مرتعشه :
“أنتِ وطني ، بين عينيكِ سكني ، في رحابكِ أحيا ، أنتِ ملاذي ، منبع أماني ، في وجودكِ جنتي وفي غيابكِ جهنمي”.
“هــالــتي الحُلوة ، معذبة فؤادي من تمثل لي الكون ، أغلى على قلبي من كل البشر ، أحبكِ كلمة من أربعة أحرف لا تعبر عما يكنه قلبي لكِ فأنا عاشق لكِ ولظلكِ لكل همسة تصدرها شفتيكِ أنا متيمٌ بكِ فمتى تحني على فؤادي ؟”.
” هاله أنا بحبك لا أنا بعشقك وبحب كل حاجه منك كفاية عندي إنها منك بس “.
” كنتُ على حافة الهاوية اليوم ؛ عندما حاصرتني هـالتكِ الخاطفة لأنفاسي ، توقف الزمان عندي حينها ، عجز لساني عن التعبير ، وخفق فؤادي بقوة معلنًا الحرب بداخلي ، كم تمنيت في تلك اللحظة لو ضممتكِ لصدري ، لو نعمت ولو لبعض الوقت بطيفكِ من حولي ، تمنيت لو استطاع لساني أن يبوح بما يكنه لكِ فؤادي ، ولكن ألم تلاحظي نظراتِ ألم تخبركِ عيناي كم تطوقان لـِنظرة تقذفها عينيكِ تجاهي ، بسمة حانية ترد السلام على قلبي ، حاوطتني هـالـتـكِ لبضع ثوانٍ فشعرت أني قد ملكت العالم بأسره ،ولكن كل ذلك تلاشى لأشعر بالبرد يضرب أوصالي ، عندما غادرتني وقتها أحسست أن فؤادي قد تم وئده”.
انتهى منذر من كتابتها بجوار أخواتها حول لوحة الرسمة التي تقبع بها هاله ، ثم وضع القلم بعد أن أدخله في غطاءه ، ثم نهض واتجه لتبديل ملابسه ليذهب إلى الدرس وهو يشعر بالفتور لأنها لن تذهب .
___________________
أطلقت زفيرًا قويًا وهي تستمع لحديث صديقتها قبل أن تردف بعدم انتباه حيث كان عقلها مشغولًا بما عرفته عن منذر :
_” ها يا سهام بتقولي إيه؟”.
ردت سهام من الطرف الآخر من الهاتف بتهكم:
_” يا ختي أنتِ مش معانا خالص المهم بقولك خطبة منه بكرا هتروحي “.
نفخت هاله بملل أثناء قولها:
_” مش عارفه أنا مش صحبه أوي معاها معرفش بقى ..بقولك إيه انتوا مشيتوا على الدرس ولا لسه ؟”.
نظرت سهام إلى ساعتها مردفة:
_” داخله على سته وربع أنا لابسه ومستنيه جنات “.
اتجهت هاله إلى خزانتها قائلة :
_” طيب بقولكوا إيه ما تكسبوا ثواب وتستنوني هلبس في مينت غيرت رأيي هروح معاكم”.
هتفت سهام وهي تمط شفتيها :
_ ” طيب بس حاولي متتأخريش آه صح هاتمشي بعكازك ؟”.
تمتمت هاله بقلة حيلة :
_” اعمل إيه مضطره متشغليش بالك أنتِ”.
أغلقت هاله معها ثم أخرجت إحدى ثيابها فستان طويل لونه لافندر مع حجاب أبيض متوسط الطول ثم ارتدتهم سريعًا وحملت متعلقاتها وأخذت ثمن الدرس من والدها الذي قال عندما لاحظ عكازها :
_” أنتِ رجعتي للعكاز تاني ليه ؟”.
_” اعمل إيه وحشته بقى يا بابا مقدرش يستغنى عني”.
ابتسم والدها على حديثها الساخر ثم قال :
_” ما تمشيش هشوفلك الواد حموكشه يوصلك وهابعته يجيبك ، كان داير بتوكتوكه على الشارع “.
_” مفيش داعي يا بابا معايا جنات وسهام …”.
أخرج والدها هاتفه وهاتف المدعو بـ حموكشه وانتظر حتى رد عليه ثم حدثه بما يريد وأغلق معه ثم التفت إلى ابنته قائلا :
_” شوفي صحباتك بقى علشان يركبوا معاكِ اتصلي عليهم يالا “.
أومأت هاله برأسها ثم هاتفة كلا من جنات و سهام .
______________________
وبعد مرور بعض الوقت كانوا ثلاثتهم مستقرين بتلك العربة المسمى ” التوكتوك ” ، وجالت بينهم أحاديث عدة حتى وصلوا إلى مركز السنتر ، ترجلوا سويًا وجنات تساند هاله وبجوارها سهام تحمل حقيبتها ، دلفوا من باب السنتر ومروا على السكرتيرة أعطوها التذكرة الخاصه بهم ثم دلفوا واستقروا بمقاعدهم.
وكانت عيني هاله تبحثان عن تلك التي تدعى نرمين وهي تزفر بتهكم حتى أبصرتها أمام باب القاعة تحادث أحدهم وهي تضحك على شيء قاله لها فضولها دفعها ، لتنهض وترى من يحادثها ولكن قدمها منعتها فقبضت على مسند المقعد بغيظ وعندها تناهى على مسامعها صوتها وهي تهتف من بين ضحكاتها :
_” مكنتش أعرف إن دمك خفيف كدا يا منذر ، سلام أشوفك بعد الدرس “.
شعرت هاله بالضيق فجأة وجعدت جبينها بغير رضى منذر لها وحدها وليس لأحد غيرها هو صديقها بمفردها هذه أول مره تراه يضحك مع أخرى غيرها ، ولكن هل هو صديقك بمفردك هل ستحتكرينه لأجلك فقط ؟ تواردت تلك الأسئلة على عقلها لتزفر بملل وهي تقول بلا وعي :
_” بس كفاية “.
طالعها الجميع بعيون متسعة فـ حمحمت بحرج ثم انتبهت لدخول المعلمة البديلة وتابعت الدرس بشرود وكل دقيقه تظهر أمام عينيها صورتها وهي تصطدم بصدر منذر وخفقان قلبها السريع وقلبه أيضًا الذي كان هائجًا ، حيث كانت يديها موضوعه على قلبه .
وبعدها صورتها وهي تقرأ تلك الكلمات في كتابه ، والتي شعرت كما لو أنه كتبها لها وحدها وليس لفتاة غيرها ، بلا شعور انسابت دمعة من عينيها ، تفاجئت بها ، لتتساقط على ظهر يدها ، أيعقل أن تحب منذر ؟ ولما لا هو يهتم به ويرافقها على الدوام ويفعل كل ما يجلب السعادة لقلبها ويكفي أنه يتحمل كل تصرفاتها بصدر رحب .
عند هذه الفكره وهزت رأسها بالنفي ثم نفضت التفكير في الموضوع وحاولت التركيز على الدرس أفضل .
________________________
لململت هاله اشيائها وأمسكت بعكازها تنتظر رفيقاتها ريثما يصورون أشياء طلبتها المعلمة مجده ، وفجأة دخل منذر عندهم ولكن هذه المرة لم يتجه إليها كعادته ، بل توجه إلى نرمين وأخرج لها قطعة الشوكولاته ، لم تستطع هاله السيطرة على أعصابها فنهضت على حين غفلة ، الأمر الذي جعلها تفلت عكازها وتترنح لتقع على الأرض تلعن تحت أنفاسها .
هرع منذر نحوها سريعًا وهو ينحني لمستواها يهتف بقلق بالغ:
_” هاله أنتِ كويسه ردي عليا ؟ “.
صرخت هاله ببكاء وهي تدفع يده بعيدا عنها :
_” لا مش كويسه وكله بسببك أنت أنا بكرهك امشي من هنا أنت السبب في اللي أنا فيه “.
تراجع منذر خطوه للخلف وهو ينظر لعينيها الباكيتان بوجع أثناء قوله في همس خافت كأن قلبه من يتحدث:
_” هاله أنتِ أكيد ما تقصديش كلامك ده صح ؟ “.
رفعت هاله عينيها له تهتف بحرقة :
_” لا قاصده كل كلمه يالا امشي ومتورنيش وشك تاني “.
ختمت حديثها وهي تبكي بقوة ، لمعت عينيه بالدموع وهو يراها تتألم على الأرض بسببه يعلم أنها لا تقصد حديثها هذا فقط من غضبها ، فاقترب منها أكثر قائلاً بحنان :
_” هاله “.
أغمضت هاله عينيها بعنف وقلبها يطرق بقوة تهمس بصوت مختنق من الدموع :
_” امشي “.
رفض منذر وهو يمد يده ليساعدها ، عندما وصل إلى مسامعهم أصوات زملائهم يهتفون كلا على حدة ومما وصل إلى آذانهم :
_” مش قولتلكم يا شباب أكيد هنلاقي منذر هنا استنوا بس هعملكم فصل في الواد ده “.
تقدم ذلك الشاب وهو يطالع هاله المسطحه على الأرض فنهض منذر يسد عليه رؤيته بغضب وهو يدفعه من صدره :
_” واقف تبص على إيه يالا امشوا من هنا “.
رد له الشاب دفعته تلك وهو يهتف بسخرية :
_” أهدى يا وحش الكون احنا هنساعد معاك “.
لكمه منذر بقسوة بجانب فكه وهو يردف بغضب شديد:
_” احترم نفسك ياض أنت بدل ما أقل منك هنا “.
مسح الشاب الدماء عن فمه ثم رد له اللكمة وهو يهتف بضيق شديد:
_” تقل من مين يا ابن الـ ……”.
تعالت الأصوات المتداخله بينهم في حين انزوت هاله في ركن في زاوية الغرفة ، وهي تجر قدمها وتبكي بشدة ، دفع منذر الشاب عنه بغضب شديد بعد أن لكمه عدة لكمات متتالية .
وصرخ بهم ليخرجوا وساعدته نرمين أيضًا التي استدعت السكرتيرة وقامت بطردهم خارج القاعة حتى خلت على وجود منذر و هاله ونرمين فقط ، اقترب منذر منها ومد يده لها .
فرفضت هاله إمساكها وتحاملت على ذاتها لتنهض بمفردها ولكن ما إن استقامت حتى سقطت مرة أخرى ولكن هذه المره أمسكها منذر قسرًا رغم دفعها له إلا أن منذر تجاهل محاولتها تلك ، وحملها بين يديه ونرمين أمسكت بالعكاز الخاص بـ هاله وحقيبتها تزامن ذلك مع تقابلهم بـ جنات و سهام الذين أتوا مهرولين من عند مكتبة التصوير إلى صديقتهم ليتصنموا بأرضهم ، عندما وقعت أعينهم على هذا المشهد ، منذر يحمل هاله وهي تحاول دفعه لينزلها ولكنه لم يسمح لها هتفت جنات بعد أن استعادت نفسها :
_” هاله في إيه ؟”.
صرخت هاله وهي تضرب منذر بغيظ :
_” نزلني بقى بقولك صحابي موجودين أنا هامشي “.
هتف منذر بغيظ وهو يشدد من احتضانها بلا وعي :
_” هاله اسكتي ولا كلمه احنا هنروح المستشفى شكل رجلك هتتجبس تاني أنتِ مش شايفه حالتها يعني مش هتقدري تمشي عليها افهمي ولا عايزاها تتكسر أكتر”.
_” ما هو ده كله بسببك أنت”.
طالع منذر عينيها بأسف :
_” وقولتلك إني آسف يارب عربية تخبطني علشان ترتاحي مني يا هاله لو ده هيرضيك ياستي أنا راضي “.
قوست هاله شفتيها متمتمة بحنق وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
_” يبقى أحسن وهتكون أكبر راحه “.
ابتسم منذر بسمة لم تصل لعينيه وهو يردف بألم بائن على نبرته :
_” حاضر هريحك مني يا هاله اطمن عليك بس ومش هاتشوفي خلقتي يا ستي “.
____________________
نظر إلى الطبيبة قائلا بينما يتجنب النظر إليها :
_” حالتها إيه ؟ “.
أجابته الطبيبة بعملية بحته :
_” رجلها فيها التواء بجانب إنها كانت مكسورة وهي اتسرعت في فك الجبس لأنها مريحتهاش كفاية “.
سألها منذر بقلق :
_” هتحتاج تتجبس يعني ؟”.
_” لا في الوضع الراهن لأ انا هلفهالها بالرباط الطبي وتريحها فترة كدا علشان منهلكش الأعصاب”.
أومأ منذر وشكرها ثم قال لجنات:
_” جنات زي ما سمعتوا كدا راحه تامه خلوكم معاها “.
كانت هاله تنظر للجهة الأخرى من الغرفه وهي تبكي بصمت ، وفجأة شعرت بعطره يجتاح أنفها وبيديه تحملانها ، همست هاله بضيق تنظر لصديقاتها :
_” امال انتوا لازمتكم إيه معايا ؟ جايين تتفرجوا عليا “.
رفعت سهام كتفيها بقلة حيلة بينما هتفت جنات بصوت خافت:
_” هاله لازمك راحه عديها بقى اصلا التاكسي برا أهو والموضوع خلص “.
كل ذلك ومنذر لم ينبس بحرف حتى وصل إلى التاكسي فتحت جنات الباب ، أنزلها منذر برفق ثم ساعدها في الدخول ووضع العكاز بجوارها وصعدت جنات وسهام ، ثم اتجه هو إلى السائق وجلس بقربه مضت دقائق وترجلت سهام بعد توديعهم وتلتها دقائق أخرى ونزلت جنات ، نظرت هاله من نافذة السيارة بشرود لم تفق منه إلا على صوت منذر وهو يحاسب سائق التاكسي ثم اتجه ناحيتها فتح لها الباب وهمست هاله بخفوت :
_” هطلع لوحدي “.
وافق منذر وأخرج هاتفه تحدث فيه لبضع ثوان ثم رأت والدها ينزل الدرج مهرولا وهو يتفحصها بقلق شديد فابتسمت على حنية والدها وارتمت في حضنه تبكي بينما تركهم منذر واتجه إلى شقتهم .
__________________
انحنى والدها يحملها بين يديه ثم صعد بها الدرج حتى وصل إلى باب شقتهم حيث تنتظره زوجته ، أدخلها والدها غرفتها لتستريح ، بينما أغمضت هاله عينيها المنفطرة بالبكاء عندما بدأ عقلها باسترجاع تلك المشاهد ودعاء منذر على ذاته وردها الأحمق عليه ، كم آلمها قلبها لتنفجر في نوبة بكاء حاد وهي تخفي وجهها بكلا يديها.
وخارج الغرفة :
سألته والدتها عن ابنتهم:
_” منذر مقالكش إيه حصل طيب ؟”.
جلس زوجها على المقعد أمامها ، وهو يزفر أنفاسه مغمغمًا بهدوء :
_” مقالش أكتر من إنها وقعت مرتين انهارده ورجلها اتلوت والأفضل ماتمشيش عليها لفترة ادخلي شوفيها تكون محتاجه حاجه “.
نهضت زوجته واتجهت إلى غرفة ابنتها تقول بحنان :
_” كفايه يا حبيبتي عياط عيونك هتوجعك ، حاسه بإيه ؟؟”.
هتفت هاله بعيون باكيه ونبرة ضعيفه :
_” حاسه بنار يا أمي “.
لم تكن تشعر بألم في قدمها الألم الحقيقي كان بداخل قلبها ، ما الذي يحدث لها هذه الأيام ، لما تضايقت من معرفتها بأن منذر له حبيبه ؟ ولما أحست بالغيرة عليه عندما تحدث إلى نرمين ؟ ، عجزت شفتيها عن البوح بما جال في عقلها لتكتفي بالبكاء بصمت وحينها عانقتها والدتها تربت على ظهرها وهي تهمس بصوت عذب :
_” سلامتك من النار يا قلب ماما ، احكي لي حصل إيه ووقعتي تاني إزاي ؟”.
ابتعدت هاله عن محيط والدتها وهي تمسح دموعها بإصبعها :
_” مفيش عصايتي وقعت وأنا اختل توازني أنا أحسن دلوقت هنام شويه روحي ارتاحي يا ماما”.
قبلتها والدتها بحنان ثم جذبت الغطاء عليها وتركتها.
__________________________
ومن أسفل الغطاء كانت هاله تعض على يدها وهي تكتم بكاءها كلما تذكرت مظهره وهو يدعو على نفسه أمامها ، وهي ردت بكل غباء بأنها ستكون الراحه الكبرى إن تخلصت منه ، وصراخها بوجهه أنها تكرهه وهي بعيدة عن ذلك كل البعد ، منذر يحتل موقعه بقلبها منذ زمن .
هل يعقل أن يصيبه شيء سيء لا لا هي لا تتخيل حياتها من دونه ، ستعتذر له عن حماقتها تلك ، وبالتأكيد سيسامحها ، هي لا تفهم ما الذي أصابها عندما ذهبت إلى السنتر ورأته يضحك مع تلك الفتاة بل ويعطيها من الشكولاته الخاصه بها ، فقط شعرت بالغيرة تتأجج بداخلها .
أخرجت هاتفها وحاولت الاتصال به ولكن نفذت البطارية ، شتمت تحت أسنانها والقت الهاتف بملل ، وفجأة سمعت طرق على باب غرفتها وصوت شقيقتها :
_” لوله أنتِ نمتي منذر باعتلك الكتاب ده !”.
نزعت هاله الغطاء وهتفت بلهفه :
_” تعالي يا وطن ادخلي “.
دخلت وطن وناولتها الكتاب والذي كان عنوانه “أحببتكَ أكثر مما ينبغي ” أخذته منها وهي تبتلع لعابها ببطء ثم قالت :
_” هو اللي جابه بنفسه ؟”.
أومأت وطن بهدوء ، ثم أمسكت يدها مردفة بحنان :
_” كان شكله مضايق أوي أنتِ عملتي له إيه؟” .
غزت الدموع عينيها تحجب عنها الرؤية وهي تقول بوجع:
_” قتلته بإيدي يا وطن انهارده “.
ضمتها وطن إلى صدرها وهي تربت على شعرها :
_” مش فاهمه منك حاجه يا هاله إيه اللي حصل ؟”.
ابتعدت هاله عنها قائلة بدموع :
_” هحكيلك كل حاجه من الأول …..”.
وبعد أن انتهت هتفت بضياع :
_” أنا مش عارفه إزاي قولتله كدا ؟ بس كنت مضايقه أوي يا وطن ومشوفتش قدامي أصلا إزاي يعمل كدا يضحك معاها بتاع إيه ويديها شوكولاتي ويتجاهلني؟ “.
كوبت وطن وجهها بين كفيها وهي تمسح بإبهامها دموعها قبل أن تردف :
_” بصي يا هاله اللي عملتي ده غلط وأنا عارفه إنك عارفه ، بعدين هو منذر ده ملكك أنتِ يعني مش من حقه يكون صداقات وكدا ….”.
قاطعتها هاله بدموع وهي تقول باندفاع:
_” أنا موجوده أهو مش كفايه “.
قالت وطن وهي تضيق عينيها بشك :
_” هاله أنتِ غيرانه عليه ؟”.
أبعدت هاله يد أختها عن وجهها تهتف بتهكم:
_” بس بقى انتِ كمان أغير إيه أنا بس مش متعوده يعني أبقى موجوده ويتجاهلني كدا …بس ولأن جنات كلمتني في نفس الموضوع إن البنات والشباب في المدرسه والدرس مفكرين إني أنا ومنذر بنحب بعض فكله جه مع بعضه ولقتني بدعي عليه بس قلبي واجعني أوي يا وطن متخيلش حياتي من دونه أو إن يعدي يوم وما شوفهوش فيه ، أموت بجد وهو قالي إنه هيطمن عليا ومش هيوريني وشه تاني “.
_” لا منذر مش هايعمل كدا أبدا أنتِ عارفه قد إيه هو متعلق بيكِ هو بس زعل شوي وهتصالحوا تاني متقلقيش “.
ختمت وطن حديثها وهي تميل على جبهتها تقبلها ثم ابتسمت في وجهها وقالت :
_” هتقعدي تقراي ولا اطفي النور ؟”.
قالت هاله بهدوء :
_” لا هنام شويه حطي لي تلفوني على الشاحن يا وطن واطفي النور معاكِ”.
أومأت وطن ببسمة :
_” تمام أحلام سعيدة يا حبيبتي”.
_______________________
صباح اليوم التالي:
نزعت الغطاء عنها وهي تتململ بضجر ما إن هاجمتها ذكريات ليلة أمس ، لتعتدل على الفراش تجذب هاتفها نظرت إلى الساعه كانت تشير إلى الثامنة والنصف وهي لديها امتحان لمادة الكيمياء اليوم وللأسف لم تتمكن من المراجعه ، زفرت أنفاسها في ضيق شديد ثم رفعت هاتفها وبحثت عن اسمه حتى عثرت عليه ضغطت على زر الإتصال ، ظل الهاتف يرن وما من مجيب ، اخفضت الهاتف تطالعه بصدمه هذه أول مرة تهاتفه ولا يرد .
ومض على عقلها كلماته البارحه ، لتهز رأسها بعنف وهي تبكي تطرد ذلك التخيل من رأسها هي لا تتخيل حياتها بدونه ، أنزلت قدميها عن الفراش وانتعلت خفها المنزلي ثم أمسكت بالعكاز واتجهت خارج غرفتها تقابلت مع والدتها التي هتفت بنبرة هادئة:
_” صباح الخير يا حبيبتي عامله ايه انهارده ؟” .
اجابتها هاله بخفوت :
_” صباح النور ..بخير الحمدلله أحسن من انبارح “.
ابتسمت والدتها براحه ثم أكملت رص أطباق الطعام وهي تقول:
_” ادخلي بقى اغسلي وشك وصلي ، وتعالي افطري قبل ما تمشي على الدرس ولا هتعتذري ومتروحيش أحسن لو كدا اخلي أبوك يتصل على الأستاذ ويعتذر منه “.
قاطعتها هاله ببسمة خفيفه :
_” مفيش داعي أنا حاسه نفسي كويسه أنا بس عايزه اغير ولو سمحتي يا ماما قولي لـ منذر ياجي يراجع معايا ؛ لأن عندنا امتحان كيمياء وأنا من وقت ما راجعتها حاسه إني مش فاكره حاجه “.
أومأت والدتها بهدوء وهي تتجه إلى باب الشقه بينما اختفت هاله خلف باب المرحاض .
__________________
خرجت من المرحاض تجر قدميها جرًا وتوضأت بصعوبه وما إن وصلت إلى غرفتها وسوس لها الشيطان بأنها متعبه ومن الأفضل أن تصلي عندما تكون قادره على الوقوف ، وكادت تنجرف وراء حديثه ، عندما ومض على عقلها حديث أو قول منسوب للإمام الشافعي ، رأته على إحدى الجروبات الدينيه التي تتابعها على مواقع التواصل .
( سيروا إلى اللَّه عرجى ومكاسير ولا تنتظروا الصحة فإن انتظار الصحة بطاله ).
لذا نفضت عنها وسوسة الشيطان وهي تبدأ بالصلاة حتى انتهت وجلست ترتل بعض الآيات القرآنية مع جملة من الأذكار والأدعية.
قاطع ما تفعله صوت والدتها تقول من خلف الباب :
_” منذر مش في البيت يا هاله “.
تركت هاله المسبحه من يدها ونهضت تفتح الباب وقلبها يخفق بشدة تسأل والدتها عن صحة ما قالته :
_” مش في البيت إزاي ؟ قصدك إنه مشي على الدرس ؟ بس لسه بدري ؟ “.
_” لا هو انبارح ابن عمته جه اخده عنده يقعد معاه يومين “.
ازداد خفقان قلبها تطالع والدتها بعيون متسعة تهدد بالبكاء وهي تقول بصوت مختنق :
_” طب ودروسه ؟”.
_” وأنا إزاي سابني”.
همست بتلك الجملة داخل عقلها لتجيبها أمها وهي ترفع كتفيها قائلة:
_” مش عارفه بقى هو بيت عمته هنا في وسط البلد مش بعيد يمكن هيقعد معاه وياجي على الدرس مثلا المهم أنتِ ما دام مش مراجعه حاجه متروحيش وابقى روحي يوم تاني مع أي مجموعه تانيه وأنا ….”.
أمالت هاله رأسها تهتف بغصه :
_” لا أنا هروح لسه قدامي ساعتين إن شاء الله الحق أراجع فيهم وبابا هيوديني الإمتحانات على الأبواب وأنا كنت مأجزه شهر ونص مش هينفع أأجز اكتر من كدا “.
_____________________
طوال الوقت كانت عينيها شاردة تترقب ظهوره بفارغ الصبر ولكن انتظرت وانتظرت ولم يأتي حتى بدأ المعلم بتوزيع الورق عليهم ، وعند اللحظة الأخيرة اخترق عطره أنفها ، لترفع رأسها وتطالعه بعيون دامعة ، بينما هو لم ينظر لها من الأساس فقط تمتم بضع كلمات يعتذر بهم عن تأخره ثم استلم ورقته الخاصه وسار متخطيًا إياها وجلس في آخر الصف قرب نرمين وجماعتها .
هدد الضغط الذي جثم على قلبها بإيقاف مجرى تنفسها ، لتبدأ بالسعال بشدة حتى أدمعت عينيها ، أحضر لها المعلم كوب من الماء أمسكته من يده ، وما كادت ترتشف منه حتى سقط الكوب من يدها متهشمًا لمئات القطع ، فزعت هاله ورفع الطلاب أعينهم التي كانوا يدفنونها فوق الورقة الخاصه بالإمتحان ينظرون لها بدهشة ، أخرجهم صوت المعلم يسألها وهو يلاحظ توترها ونوبة بكائها التي تكبح جماحها بصعوبة :
_” هاله انت كويسه لو كدا روحي أصلا والدك كلمني وقالي على وضعك أنتِ من الطلاب الأذكياء والمتميزين عندي وهضايق جدا لو تقديرك قل وعلشان نفسيتك أنا هابقى احطك في مجموعه تانيه هتمتحن الاسبوع الجاي ودلوقت اتصلي بوالدك ياجي ياخدك “.
همست هاله بصوت بالكاد خرج من حلقها:
_” بس أنا حليت وقربت أخلص ….”.
قاطعها وهو يقول بهدوء :
_” حتى لو بردو أنا شايف حالتك أنتِ تعبانه يالا روحي “.
أومأت هاله برأسها بحزن ثم بدأت بلم أشيائها وسمعت إحدى صديقاتها تهتف :
_” يا مستر أنا ينفع ابقى امتحن مع هاله في المجموعه التانيه أصل والدها في الشغل دلوقت وهايبقى صعب ياجي ياخدها فأنا هروحها…..”.
قاطعتها هاله تردف ببسمة لم تصل لـ عينيها :
_” مفيش داعي يا جنات أنا هاستنى برا أما تخلصي “.
وبهذه الكلمات أنهت هاله النقاش وهي ترتكز على عكازها وتسير ببطء للخروج من القاعه .
وأما بنهاية القاعه من الداخل :
كان منذر في حرب بينه وبين قلبه ، منذ أن وقعت عينه عليها وقلبه يؤلمه لتوجعها وللوضع الذي هي فيه بسببه ، وعندما لاحظ نظراتها صوبه كان سيضعف ويحادثها كما هما متعودان ولكن تذكر حديثها فوئد ذلك الشعور بداخله ولكن عندما أوقعت كوب الماء واستمع إلى نبرة صوتها هاج قلبه بداخله يعنفه ولم تمر سوى دقائق منذ مغادرتها حتى وقف منذر قائلا :
_” أنا خلصت يا مستر ممكن أخرج “.
تعالت الهمسات من حوله فلم يهتم منذر بهم وخرج من القاعه يبحث عنها وهو ينوي مصالحتها فهو يعلم أنها لم تقصد ، كما أنها بدت حزينه على ما حدث بينهم وقد أمسك نفسه بصعوبه عن الرد على اتصالها صباح هذا اليوم عندما هاتفته وأيضًا سؤالها عنه ، وقد قرر أن هذا يكفي فقلبه لا يتحمل تجاهلها أكثر من ذلك ، وبينما هو يبحث بعينيه حيث تجلس وقعت عينه على ذاك المشهد الذي أفقده كل ذرة من ثباته .
كانت هاله تجلس على مقعد وهي منفطرة في البكاء بينما تقول بشهقات عاليه :
_” مش عارفه ايمتى حبيتك ولا إزاي ولا ده إعجاب مش عارفه.
ابتسم إسلام ابتسامه واسعه وهو يردف بفرحه بدت ظاهره بعينيه :
_” وأخيرًا يا هاله اعترفتي تعبتي قلبي عقبال ما اعترفتي “.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يوميات مراهقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *