روايات

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل السادس 6 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق الفصل السادس 6 بقلم نورهان آل عشري

رواية كواسر أخضعها العشق البارت السادس

رواية كواسر أخضعها العشق الجزء السادس

كواسر أخضعها العشق
كواسر أخضعها العشق

رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة السادسة

حين يزورك الحنين فقط تذكر،
تذكر تلك الكلمات القاسية التي أزهقت روحك وظل صداها يتردد كسهام مشتعلة بين جدران قلبك،
وتلك العبرات الغزيرة التي كنت تحاول كتمانها أمام نظراتهم الشامتة بعد أن أقسمت لهم يومًا بأنه مختلف، ورائحة الدموع التي تفوح من وسادتك كل صباح لتُعلن كم كانت ليلتك مُروعة،
حينها فقط ستخلد إلى النوم حاملًا ذلك الحنين بقلبك تُخبئه بين طياته حتى لا تُضيف أوجاع جديدة إلى حقيبة جراحك النازفة.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
صُعِقت زينات من كلماتها وسرعان ما تحولت صدمتها إلى غضب حارق أعماها فلم تتماسك نفسها إذ قامت بجلب كوب من الماء الموضوع على المنضدة أمامها وقذفته في وجهها وهي تبصق الكلمات من فمها:
_أيتها الحقيرة كيف تجرؤين على قول ذلك؟!
صاعقة أصابتها حين ألقت زينات المياه فوقها بتلك الطريقة المُهينة فتسمرت قدماها في الأرض للحظات قبل أن ينتفض جسدها وكأن المياه التي سقطت فوقه تحولت إلى نيران فأظلمت عيناها وتحول جمودها إلى ثوران كاد أن يطيح بتلك المرأة لولا ذلك الصوت الذي جاء صارمًا ليحول بينها وبين ارتكابها لجريمة قتل.
_ما الذي يحدث هنا؟!
لم تكن الصدمة من نصيب “هدى” فحسب ولكن زينات أيضًا فوجئت من فعلتها وكيف أنها لم تتحكم في غضبها وارتعبت من ظهور “زين” في هذه اللحظة واستفهامه الذي لا تعرف كيف تجيب عليه وخاصةً حين رأت عيني “هدى” اللتين تجمع بهما غضب العالم أجمع لذلك هتفت باندفاع:
_أبدًا لقد وقع كوب المياه من “هدى” وأغرق ملابسها أليس كذلك يا “هدى”؟!
ألقت استفهامها بنبرة يشوبها التهديد الذي انبثق من نظراتها وقد كانت تعلم بالرغم من غضب “هدى” إلا أنها سترضخ فهي لطالما كانت مسالمة لا تحب المشكلات.
_لا ليس هكذا، بل أنتِ من ألقيتني به.
هكذا تحدثت “هدى” بغل لون ملامحها وقهر انبعث من عينيها فخرجت زمجرة قوية من فم “زين” الذي قال بانفعال:
_هل هذا صحيح يا “زينات”؟!
لم يكن يتخيل أن تبلغ “زينات” تلك الدرجة من الوقاحة ولكنها تجاوزتها بكثير إذ صاحت بتبجح:
_ما هذه الوقاحة؟! كيف تتهميني اتهامًا بشعًا مثل ذلك؟ أجننتِ؟!
صرخت “هدى” بحدة:
_إذن تعترفين أنه اتهامًا بشعًا، والأبشع من ذلك أن تنكري ما حدث وأنتِ تنظرين إلى عيني.
صرخت “زينات” بغضب:
_كم أنكِ وقحة.
تدخل “زين” بصرامة:
_ “زينات” توقفي.
التفتت “هدى” تناظره وهي تقول بغضب:
_أقسم لك بأنني لا أكذب وقد حدث هذا بالفعل.
“زينات” بتبجح:
_كاذبة.
“زين” بصراخ:
_يكفي، سأعرف من منكن التي تكذب وأقسم سأعاقبها عقابًا مُريعًا.
انقبض قلبها ذعرًا وارتجفت نبرتها حين قالت:
_وكيف ستعلم؟!
STORY CONTINUES BELOW
داخله كان يشعر بأنها تكذب فقد رأى القهر والألم بعيني “هدى” ولكن كان لا بد له أن يقطع الشك باليقين ويملك دليلًا ليحاسبها عليه.
_هل نسيتِ أن المطبخ به كاميرات مراقبة يا ترى؟!
لم تتمالك شهقتها التي شقت جوفها وتوقف تنفسها للحظة كيف نسيت ذلك؟! كيف تركت الغضب يتمكن منها لتلك الدرجة؟! ماذا ستفعل الآن؟! كانت التساؤلات تطن برأسها كالذباب وهي ترى “زين” الذي أحضر حاسوبه ليفرغ الكاميرات تحت أنظارها المرتعبة وأنظار “هدى” التي كانت الشماتة تلون ملامحها مع ابتسامة ساخرة تغزو ثغرها فانضم الغضب إلى الخوف في ساحة قلبها الذي كاد يقف من فرط الانفعال، كان “زين” يتابع الحديث بينهما على شاشة الحاسوب إلى أن توقف عند تلك اللقطة حين حملت “زينات” كوب المياه وألقت به في وجه “هدى” التي امتقع وجهها ولأول مرة منذ سنين كادت أن تبكي.
_إذن يا سيدة “زينات” فالآن علمنا من المخطئ الكاذب.
علا تنفسها وازداد توترها وآثرت قلب الأمور إذ صاحت بانفعال:
_لا أسمح لك يا “زين” لقد حاولت أن أخبئ الأمر عنك؛ حتى لا تغضب منها حين تعلم ما فعلته.
“زين” بقسوة:
_أيًا كان ما فعلته لا يجعلك تفعلين هذا، لقد أخطأت وتماديت في الخطأ واتهمتها بالكذب، ألا تخجلين؟!
شعرت وكأن دلوًا من الماء قد انسكب فوقها جراء إهانات “زين” لها أمام “هدى” التي كانت تتابع ما يحدث باستمتاع… فتلك المرأة لطالما كانت تتجبر عليها وعلى الجميع، والآن أتى دورها لتتجرع بعضًا مما كانت تفعله بهم.
_”زين” استمع إليّ أنتَ لا تعرف ماذا حدث.
نهرها بقسوة:
_ولا أريد معرفة أي شيء، والآن اعتذري من “هدى” فقد أهنتها عمدًا واتهمتها بالكذب دون خجل.
بهتت ملامحها وتدلى فكها للأسفل من فرط الصدمة، هل ما سمعته لتوها صحيح؟! هل طلب منها الاعتذار لتلك المرأة وهي حماتها؟!
_كيف تقول هذا الكلام؟! أنا والدة زوجها، كيف؟!
صاح بتهكم:
_ أخبريني ما هي السلطات التي يعطيها لكِ هذا اللقب يا ترى؟!
ما زالت تحت وطأة الصدمة حين قالت:
_هل تسخر مني؟!
تشابهت عينيه مع نبرته القاسية حين قال:
_لا سمح الله أن أسخر من السيدة “زينات النعماني”! ولكن أتعلمين الأمر يدعو للسخرية فعلًا.
قال جملته الأخيرة وهو يطلق ضحكة ساخرة خشنة، ثم أردف بجفاء:
_إن ظننتِ أن كونك والدة زوجها هذا يعطيكِ الحق في إهانتها فأنتِ مخطئة، الإلزام الوحيد لها تجاهك هو الاحترام فقط و هذا لا تستحقيه ما دُمتِ لم تحترميها، ضعي هذه الكلمات في رأسك .
قست لهجته أكثر عند جملته الأخيرة ثم التفت إلى “هدى” قائلاً بلهجة مغايرة تحمل اللين والود:
_أنا أعتذر منكِ يا “هدى” عن كل ما حدث نيابة عن زوجتي وعن كل العائلة.
شعرت بالانتشاء في هذه اللحظة من موقف “زين” وحديثه معها وتولد بداخلها شعورًا عارمًا بالندم كونها رضخت لتجبر تلك المرأة سابقًا.
_لا عليك يا عمي فأنتَ لم تفعل لي شيئًا، ولكن أنا شاكرة لمحاولتك النبيلة في مراضاتي.
كانت المرة الأولى التي تتلقى الإهانة بها طوال حياتها فلم تسعفها الكلمات ولم تطاوعها يداها في خنق تلك الفتاة التي يلون الاستمتاع ملامحها فوجود “زين” منعها من فعل الكثير ولكنها حتمًا لن تمرر ما حدث على خير هكذا كانت تفكر وهي تطالعهما ببغض لم تحاول إخفاءه ثم لاذت بالفرار من أمام أعين “هدى” الشامتة.
**************
_بالله عليكِ “لينا” أريد الاطمئنان عليه.
هكذا تحدثت “فريال” بتوسل عبر الهاتف ولم يعجبها الجواب، فصاحت بانفعال:
_لا تخبريني هذا الكلام فأنا أحاول منذ ثلاثة أيام محادثته وهو يرفض، ما ذنبي بكل ما حدث؟! هل أنا من جلبت هذا الشيطان من الجحيم ليعود ويخرب حياتنا مرة أخرى؟!
أخفضت رأسها و زفرت بتعب وهي تستمع إلى عبارات المواساة على الطرف الآخر من الهاتف فضاقت ذرعًا من الكلمات التي تسمعها كل يوم منذ أن استفاق “أشرف” من غيبوبته؛ لذا قالت بتوسل:
_أرجوكِ أخبريه بأنني لن أتركه أبدًا وسأخذ بثأره ولن أمرر ما حدث وذلك الوحش سيعاقب على فعلته أقسي عقاب قد يتخيله.
طرقات على الباب جعلتها تسرع في إنهاء المكالمة ثم أمرت الطارق بالدخول فأطلت “نور” من الباب وهي تحمل صينيه الطعام كما هي عادتها منذ أن مرضت ثم توجهت لتضعها على المنضدة أمام السرير والتفتت قائلة باقتضاب:
_هل تريدين شيئًا آخر؟!
تبدلت نبرتها التي لطالما كانت قاسية ولانت نظراتها قليلًا وهي تقول:
_ تعالي يا “نور” أريد الحديث معك قليلًا.
فوجئت “نور” من تبدل حال والدتها إلى النقيض فقد نالت منها جفاء وقسوة طوال الأسبوع الماضي يكفياها لباقي عمرها، ترى ما الذي بدل حالها هكذا؟
لم تفصح “نور” عن تساؤلاتها إنما اقتربت بهدوء من السرير الذي ترقد عليه “فريال” التي قالت بابتسامة هادئة:
_اجلسي بجانبي.
تعاظمت دهشتها ولكنها لم تجادل إنما أطاعتها بهدوء ينافي ضجيج استفهاماتها التي لم تفصح عينيها في كتمانها ولم يخفى ذلك على “فريال” التي حادثتها قائلة:
_أعلم كم كنت قاسية معك طوال الأيام الفائتة ولهذا أردت الاعتذار منكِ.
برقت عيناها من فرط الدهشة وتدلى فكها إلى الأسفل فبدا شكلها مضحكًا وهذا ما حدث فقد ابتسمت “فريال” على مظهرها وأردفت بمزاح نادرًا ما يخرج منها:
_أغلقي فمك سيدخل به الذباب.
تنبهت “نور” إلى نفسها ولكنها لم تستطع تجاوز أن والدتها تريد الاعتذار منها، لم تكن تتخيل حتى بأحلامها أن تلك المرأة الوقورة الجادة القاسية أحيانًا والتي لم يجمعها بها يومًا حديث شيق ولا علاقة متفهمه كعلاقة الأم مع ابنتها الآن تريد الاعتذار.
_هل سأظل أتحدث مع نفسي طوال الوقت؟!
قالتها “فريال” بنفاد صبر فتحمحمت “نور” قبل أن تقول بخفوت:
_عذرًا، لم أقصد.
“فريال” بهدوء:
_ لا عليكِ، أرجو أن تعذريني؛ فقد كنت متعبة وكنت أخرج غضبي بكِ، فكما تعرفين أنا أكره العقاقير والأدوية ولا أحب الالتزام بتناولهم وتعليمات الطبيب أثارت غضبي.
ابتهج قلبها من كلمات أمها وتجاهلت صدمتها وحزنها في الأيام السابقة وقالت بلهفة ظمآن يتوق لبعض قطرات المياه كي تروي عطشه:
_ لا عليكِ يا أمي، المهم أنكِ بخير الآن.
“فريال” بلطف:
_الفضل يرجع إليكِ وإلى اهتمامك بي طوال الأسبوع المنصرم.
لونت البهجة معالمها وتحدثت بلهفة:
_لا لا لم أفعل شيء.
“فريال” بابتسامة لم تصل إلى عينيها:
_دائمًا كعادتك حانية ومسالمة.
أنهت جملتها وهي تتابع ملامح “نور” حين تابعت بتخابث:
_ولكن للأسف العالم مكان قاسي للغاية والبشر أصبحوا سيئين وأنا أخشى عليك كثيرًا.
انطفئ شهب عينيها الدافئ وتبدلت ملامحها المبتهجة إلى أخرى يخيم عليها الحزن الذي تجلى في نبرتها حين قالت:
_لمَ تقولين هذا الكلام؟!
سارت على نهج خطط له عقلها المسموم فقالت بتخابث:
_واجبي كوني والدتك أن أنبهك، أعلم أن العلاقة بيننا لم تكن وطيدة في السابق ولكن أنا أريد تعويض ما فاتنا.
لم تعرف بما تجيبها فقد خيم الحزن والحيرة على ملامحها ولكنها أومأت بالقبول فتابعت “فريال” تدق على الحديد وهو ساخن:
_لم يتبقَ لي الكثير وأريد أن أصلح أخطائي وأترك لأولادي وخاصةً أنتِ ذكريات جميلة حين أموت.
_لا تقولي هذا أرجوكِ، أدامك الله فوق رؤوسنا.
هكذا اندفعت الكلمات من فم “نور” فابتسمت “فريال” وبدا الارتياح على ملامحها وهي تقول:
_إذن هل نبدأ صفحة جديدة؟!
_بلى يا أمي، فأنا أفتقدك كثيرًا.
أشعلت كلماتها نيران الذنب بقلبها ولكنها سرعان ما نفضت عن قلبها ذلك الشعور وقالت بجمود:
_ من الآن وصاعدًا لن تفتقديني، والآن لدينا أمرًا هامًا يجب أن نتحدث به.
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت:
_ تحدثي، أسمعك.
“فريال” بترقب:
_هل بدأتِ بوضع خطة من أجل ثأرنا؟!
**********
الهرب ليس سيئًا في بعض الأحيان، فحين يكون الواقع مؤلم للحد الذي يُشعِرك بأن العالم كله لا يتسع لشخص مثلك فحينها يُمكنك الهرب دون أن تهتم ما إن وصفك أحدهم بأنك جبان، ولكن الأهم من ذلك هو إلى أين يمكنك الهرب؟ وأنت منبوذ من أقرب الأماكن إلى قلبك.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ضاقت ذرعًا بنظرات الشفقة التي تطل من أعين جميع العاملين بالمنزل الذي بالرغم من اتساعه فقد شعرت بأنه ضيق حتى كادت جدرانه أن تخنقها فأرادت الاختباء في غرفتها من ذلك الوزر الذي لم ترتكبه ولكنها تدفع ثمنه من كبريائها وكرامتها التي هُدِرت على يد الشخص الوحيد الذي أسلمت له قلبها ولكنه على قدر قربه منها جاءت طعنته نافذة بخنجر الخيانة المسموم الذي يسري سمه في أوردتها فلا هي تقوى على تحمله ولا هو يقتلها، بل يدعها تتألم بصمت هذا هو حال كل امرأة فضل زوجها أخرى عليها.
صعدت درجات السلم بوهن وعينان تغلفها عبرات مشتعلة شوشت الرؤية أمامها فلم تلحظ نظرات الأفاعي من حولها ولكنها سمعت فحيحها جيدًا حتى اخترق قلبها المكلوم:
_اهدئي يا أمي واعذري “هدى” أيضًا لقد ألقى بها زوجها وتزوج أخرى حتي أنه لم يلحظ غيابها عن المنزل أو لنقل لم يهتم.
هكذا تحدثت “ناريمان” بصوت مرتفع قليلًا ليصل إلى مسامع “هدى” التي كادت أن تقع أرضًا من فرط الألم الذي تضاعف حين سمعت كلمات “زينات” القاسية:
_لا تلومي على أخيك فهو محق فمن الرجل الذي يحتمل امرأة مثلها؟؟ انظري إليها إنها تشبه المعلمة العانس.
“ناريمان” بتأثر زائف:
_أمي رجاءً لا تقولي مثل هذا الكلام عن “هدى” فهي امرأة امممم لنقل هادئة.
“زينات” بسخرية:
_ بالله عليكِ لا تقولي امرأة، أحمد الله أن “شاهين” قد وجد امرأة تليق به جميلة، متعلمة، ذكية، وها هو الآن يقضي شهر عسله معها.
شهقت “ناريمان” بسعادة وهي تقول بصوت مرتفع قليلًا:
_لا تقولي أن “شاهين” الآن مع زوجته يقضون شهر العسل؟ لمَ لم يخبرني؟!
“زينات” بتهكم:
_الحيطان لها آذان يا حبيبتي وولدي يخشى أن تنقلب رحلته السعيدة إلى مأتم من تلك العينين الكبيرتين التي قد تفلق الحجر.
تآزر بها الوجع للحد الذي جعل جسدها يرتجف فقد أصابوا بكلماتهم القاسية قلبها وكبريائها الأنثوي في الصميم، نجحوا في إغراقها في وحل الإهانة والتحقير من شأنها بالقدر الكافي لجعلها تتمنى الموت حتى ينتهي هذا العذاب الذي يجيش بصدرها، لا تعلم كيف وصلت إلى غرفتها فتوجهت إلى المرحاض لتقف بثيابها أسفل المياه وهي تبكي بل تنتحب وعلت شهقاتها حتى دوى طنينها في الجدران من حولها ولكن أي بكاء قد ينفع مع روح مزقها الألم وقلب أحرقته أفعال البشر التي نست أن الله تعالى يُمهِل ولا يُهمِل وأن لكل منا نصيبه من أفعاله وجزائه على أخطائه وأن ظننا أن حديث اللسان يُنسي فهذا ضلال… فالكلمة ما إن تخرج من بين شفاهنا حتى تدون في صحائفنا ليسقى كل ساقٍ بما سقى.
أفرغت ما بجوفها من ألم على هيئة عبرات غزيرة تركت عينيها كبركة من الدماء المحتقنة وقامت بلف المنشفة حول جسدها وهي تخرج من المرحاض لتتوجه بآليه إلى طاولة الزينة تجلس على المقعد أمامها، وعيناها تطوفان على ملامح وجهها التي كانت باهته حزينة لا تشبه المرأة التي كانت عليها في السابق، كيف وصلت إلى هذه الحالة؟! كيف تركت نفسها تشيب قبل تقدم عمرها؟!
إجابة قاتلة أضاء بها عقلها حين أخبرها بأنهم محقون، أنتِ بالفعل لستِ امرأة، تقمعين جمالك وكل ما هو أنثوي بكِ في هذه الثياب التي تليق بمن هم أضعاف عمرك وخصل شعرك الثائرة التي تقمعيها بتلك الدباييس اللعينة التي تخنق جمالها في تسريحة قبيحة تجعلها بالفعل كما أطلقوا عليها المعلمة العانس.
_ هل يراني هكذا؟!
سؤال مؤلم وإجابته أكثر ألمًا وهي لم تعد تحتمل؛ لذا هبت من مقعدها وهي تلتف إلى الطاولة بجانب السرير تلتقط هاتفها لتجري مكالمة وحين أتاها الرد همست بألم:
_”نور” أحتاجك كثيرًا الآن.
لم تحتج إلى قول أكثر من ذلك وسقط الهاتف من يدها وكذلك سقطت هي فوق مخدعها ترتجف من فرط بكاء يذرفه قلبها دمًا،
دقائق وجيزة لم تشعر بها حين وجدت باب غرفتها يفتح و”نور” تطل برأسها منه ثم أغلقت الباب وهرولت إليها تحتضنها بقوة وهي ما زلت مرتميه على السرير وما أن شعرت ب”نور” التي عانقتها بقوة حتى علت شهقاتها في شكوى مريرة لا تفلح الكلمات في صياغتها:
_ هل أنتِ أفضل الآن؟!
هكذا تحدثت “نور” بعد مرور أكثر من نصف ساعة و”هدى” تبكي إلى أن هدأ بكائها شيئًا فشيئًا ولكنها لم تستطع الإجابة على سؤال “نور” فأومأت بموافقة حزينة صامتة، فهمست “نور” بحزن على حالها:
_لا أحد في هذا العالم يستحق كل هذه الدموع صدقيني.
لم تجِبها ولكنها اعتدلت حتى أصبحت تجلس أمامها، ثم قالت بصوت مبحوح من فرط البكاء:
_ أعلم، ولكني لا أبكي عليه ولن أفعلها، أنا أبكي على نفسي وعلى ما أوصلتها إليه.
تأثرت “نور” من حديثها فقالت تواسيها:
_ إذن لا تجهزي عليها فهذا الحزن قد يقتلك يومًا إن لم تقتليه أنتِ.
تشابهت عينيها مع نبرتها حين قالت بجمود:
_ أعلم، ولا تقلقي لقد قتلته، ذرفته وسط تلك العبرات المريرة وتخلصت منه، والآن أريد استعادة نفسي القديمة والأخذ بثأرها.
بهتت ملامح “نور” من حديث “هدى” وقالت باستفهام:
_عذرًا لم أفهم، أي ثأر هذا؟!
تجاهلت سؤالها وهي تهب من مكانها تتوجه إلى غرفة الملابس لتخلع عنها المنشفة ثم قامت بدس جسدها في أحد المآزر قبل أن تقوم بجمع كل تلك الملابس الباهتة التي تشبه سكان هذا المنزل وتقدمت إلى منتصف الغرفة وقامت بإلقائها أرضًا ثم عادت وجمعت الباقي وأعادت ما فعلته مرة أخرى وسط أنظار “نور” المندهشة:
_”هدى” ما هذا الذي تفعلينه؟!
_ أتخلص من كل هذه القمامة.
أنهت جملتها وتوجهت إلى الباب وقامت بفتحه والنداء على إحدى الخادمات التي هرولت إليها، فقالت “هدى” آمرة:
_هذه الثياب لكِ يا سيدة “مديحة”، هيا خذيها.
ابتهجت الخادمة كثيرًا وشكرتها بعمق وتوجهت تلتقط الثياب وهي تخرج من الغرفة فرحة، فأغلقت “هدى” الباب خلفها ثم التقطت الهاتف لتقوم بإجراء مكالمة هاتفية وما أن أتاها الصوت على الطرف الآخر حتى قالت آمرة:
_ جهز لي السيارة سأخرج بعد عشر دقائق.
ضاقت ذرعًا بما يحدث فهتفت بنفاد صبر:
_هل لي أن أعلم ماذا تفعلين؟! وإلى أين أنتِ ذاهبة؟!
أجابتها “هدى” بسلاسة:
_ سنذهب للتسوق.
*****************
_لمَ لا تجيب على اتصالاتي أيها الوغد؟!
هكذا تحدث “فراس” وهو يترجل من سيارته قاصدًا باب القصر الداخلي بعد رجوعه من عمله، فأجابه “شاهين” ساخرًا:
_هل هكذا تخبرني أنك اشتقت لي أيها الدب ذو الفم الكبير؟!
“فراس” بفظاظة:
_لا تثرثر كثيرًا فلا طاقة لي باحتمال سماجتك.
واصل سخريته قائلًا:
_سماجتي أفضل بكثير من رياء تلك الأفاعي التي تسكن معها.
زفر بملل قبل أن يقول بجفاء:
_كلاكما أسوأ من بعض، هيا أخبرني متى ستعود؟!
“شاهين” بلهجة خيم عليها التعب:
_لا أعلم ولا أريد العودة من الأساس.
فراس بصرامة:
_ ثلاث أيام وأجدك أمامي، الخميس القادم ستقيم والدتي حفلًا في القصر وستكون أول الحاضرين.
صاح “شاهين” بنفاد صبر:
_لمَ أنتَ حقير إلى هذه الدرجة؟! أي حفل هذا الذي سأحضره؟!
“فراس” بتوعد:
_سأريك مدى حقارتي إن لم تأتِ في الموعد المُحدد، هذا الحفل يجب أن تجتمع به العائلة بأكملها وللأسف أنتَ فرد منها.
“شاهين” بامتعاض:
_هذا من سوء حظي.
قام بخلع قميصه وهو يقول ساخرًا:
_إذن سنعلن تبرأنا منك في الحفل؛ لذا لا تفوت العرض.
قهقه “شاهين” على كلماته ولم يكد يجيبه حتى أغلق “فراس” الهاتف وهو يتوجه إلى غرفة الملابس وما إن اختفى داخلها حتى دلفت “نور” إلى الداخل وعلى الفور قامت بخلع حذائها وإلقائه بتعب؛ فقد قضت أكثر من سبع ساعات في التسوق مع “هدى” حتى بلغ منها التعب ذروته، فألقت الحقيبة التي بيدها أرضًا وارتمت على السرير بكامل ثقلها؛ حتى ترتاح قليلاً قبل موعد العشاء، فلم تلحظ رنين هاتفه الذي جعله يقوم بجذب ملابسه متوجهًا إلى الخارج، فإذا به يرى ذلك الجسد الصغير يتمدد براحة على السرير فتوقف لثوانٍ طافت عيناه بهم بروية على تقاسيمها المغوية قبل أن تأخذه خطواته المهيبة إليها، فدار حول السرير ليرى وجهها الذي بدت معالمه هادئة مستكينة فجثى على ركبتيه أمامها ليصبح بالقرب الذي يمكنه من التمتع بمطالعة حسنها، فجرت عيناه عليها بنظرات مظلمة تولد بها الشغف والرغبة معًا… فامتدت يديه ترسم ملامحها بخفة. عيناها المغلقتان، أهدابها الطويلة، أنفها الدقيق، وجنتاها الناعمة وشفتيها، توقف لبرهة يكابح نفسه؛ حتى لا يطلق جيوشه الضارية لتنال من شفاهها المغوية التي زمتها حين ضغط بأنامله على ضفتيها الناعمتين التي استفزته بقوة… فلاحت ابتسامة صغيرة على شفتيه القاسيتين وأخذ يتذكر كم كانت ترافقه تلك الملامح طوال السنة ونصف المنصرمة… وكم كانت دافعًا قويًا له ليعود، لا يعلم السبب لذلك فهو لم يكن عاشقًا يومًا ولكنه رجح بأن السبب أنها كانت أكثر من يحتاجه.
أخرجه من بحر أفكاره شهقة قوية خرجت من جوفها حين فتحت عينيها وجدته بهذا القرب منها فهوى قلبها رعبًا ولم تتمالك نفسها إذ هبت من مكانها مذعورة فالتفت ذراعيه تعانق خصرها لمنعها من السقوط أرضًا وهو يقول بخشونة:
_ اهدأي إنه أنا، لمَ كل هذا الخوف؟!
أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تجيبه بشفاه مرتجفة وصدر يعلو ويهبط من فرط الصدمة:
_ لم أكن أعلم بوجودك في الغرفة لهذا ارتعبت حين شاهدتك.
_ها قد علمتِ، لمَ ترتجفين إذن؟!
هكذا تحدث بتهكم فأصابتها عينيه بجمود لحظي سرعان ما تجاوزته وقالت باندفاع:
_ إنه من تأثير الصدمة فقط.
رجفة جسدها بين يديه كان لها وقعًا قويًا عليه فهاجمته حزمة من المشاعر المختلطة لذا قال بهسيس خشن:
_ما رأيك أن أجعلك تهدئين؟!
_لا أشكرك، هلا تركتني حتى أستعد لموعد العشاء؟!
هكذا صاحت بلهفة من يريد الخلاص من وطأة هيمنته على الأوضاع وتخبطها وارتباكها بين يديه فرطبت بلسانها شفتيها التي جفت من فرط التوتر مما جعل نبضة قويه تتعثر بداخل بقلبه حين رآها، لم يكن الأمر رغبة فقط! إنما تجاوز ذلك بكثير فبداخله توجد نزاعات لمشاعر غريبة لم يختبرها مسبقًا وكيف لنظرة واحدة منها أن تجعل طبول الحرب تضرب بداخله؟
تفسير واحد اختاره ليبرر ما يحدث معه وهو اشتياق رجل لامرأته وما أن ينالها سيذهب كل ذلك أدراج الرياح؛ لذا لم يطِل صمته كثيرًا وأجابها بنبرة خشنة:
_أعتقد أنني تركتك أكثر من اللازم ألا توافقيني الرأي؟!
كرد فعل عفوي منها امتدت يدها تقف حائلًا بينها وبينه فلامست ساحة صدره العريض لتحترق بنيران لم تعهدها مسبقًا فالآن فقط فطنت لكونه عاري الصدر فتعلقت نظراتها به للحظات ولم تجبه فلم يسعفها عقلها برد مناسب ربما من فرط الخوف أو تأثرًا بقربه فقد بدا وسيمًا بطريقة مُهلكة لأي أنثى وأيضًا تلك الهيبة البدائية التي تحيط به لها تأثيرًا عظيمًا على ثباتها الذي أوشك على التلاشي لولا تدخل عقلها في تلك اللحظة لينبهها باقترابها من دائرة الخطر فذلك الرجل خائن.
_رجاءً لا تطلب مني أشياء لا أقدر على فعلها.
هكذا قالت بجفاء فقاطعها قائلًا بفظاظة:
_أطلب مرة واحدة فقط، بعد ذلك أخذ ما أريد بطريقتي.
لم يكن رجلًا يفرض نفسه على امرأة ولكنه أيضًا يعلم ما أن كانت المرأة التي أمامه ترغبه أم لا و قد رأى وميض الإعجاب بعينيها وشعر بتجاوبها معه ولكن هناك شيء جعلها تتراجع بتلك الطريقة.
_وهل ستأخذه قسرًا؟!
هكذا تحدثت بجفاء تحاول ردعه بأي طريقة قبل أن يقترب أكثر فعندها لن تستطيع مقاومته فيما كان وجهه غارقا في حلاوة عنقها البض يستمتع بمذاق بشرتها الرهيفة فجاءته كلماتها التي أشعلت فتيل غضبه فقال بهسيس مرعب:
_وهل فعلتها سابقًا؟!
لم يعطِها الفرصة للإجابة، إنما أردف محذرًا:
_ لا تثيري غضبي “نور” فأنا أتجاوز عن أشياء كثيرة حتى أحميكِ منه.
تشقق قناعها الثلجي الذي حاولت ارتدائه أمام هجومه الساحق بالرغم من ذلك حاولت الثبات إلى النهاية فقالت هامسة:
_أنا لست جاهزة بعد.
_ سأتأكد من ذلك.
هكذا تحدث بعد أن تخلى عنه ثباته أمام حُسنها وشوقه الضاري لها… فقام بجذبها بقوة توازي قوته وهو يفرض سطوته على روحها وسائر جسدها… الذي خضع أمام هجومه المباغت… فقد كان يشعر بالعطش إليها بطريقة لم يعهدها من قبل… فصار ينهل من عذوبتها ويتنعم بجنان فتنتها و يغدقها دلالًا حملها معه إلى عالم غريب عنها ولكنه رائع مليء بأحاسيس ومشاعر قوية لم تتذوقها سابقًا، وهكذا دام لقائهما لساعات لم تكن كافية لإشباع جوعه الشديد لها، الذي كان يجعله يقسو أحيانًا ثم يعود لـيغدقها دلالًا وحنانًا، لا يعلم من أي جهة تسرب إلى قلبه الذي كان يدق بسرعة توازي سرعة دقات قلبها التي تجاوزت مليون دقة في الثانية حتى وإن استحال الأمر علميًا إلا أنها كانت تشعر بذلك وأمام عنفوان تلك المشاعر الثائرة سقطت مرهقة تفترش صدره العريض مستسلمة لغفوة اختطفتها غافلة عن أعين لامعة تناظرها بافتتان وشغف تجاوز حدود استيعابه… فاقترب يضع قبلة قوية في هذا التجويف بمنتصف ذقنها… ثم استسلم لغفوة أنقذته من أسئلة تدور برأسه كالطواحين التي لا تهدأ أبدًا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *