رواية قصة حنين الفصل الأول 1 بقلم صباح عبدالله
رواية قصة حنين الفصل الأول 1 بقلم صباح عبدالله
رواية قصة حنين البارت الأول
رواية قصة حنين الجزء الأول
رواية قصة حنين الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
في غرفة صغيرة في أحد المنازل الضخمة والرقيقة، تجلس فتاة تمسك بين يديها كتاباً خاصاً بالدراسة، ويجلس بجوارها رجل يظهر عليه في الخمسينات من عمره. يردف الرجل قائلاً، وهو ينظر الي الطعام امامها ولم تتناول منه شيئاً: “افطري بقى يا حنين، يا حبيبتي، علشان ما تنزليش من غير فطار.”
ترد حنين وهي تنظر إلى جدها بعينيها الرماديتين، وتتحرك شفاهها الحمراء الداكنة مع البشرة البيضاء الصافية مثل الحليب، وهي تبعد هذه الخصلة السوداء المتمردة عن وجهها، وتقول بصوت أنثوي رقيق: “حاضر يا جدو، هافطر. الأكل مش هايطير يعني.”
يرد الجد قائلاً بحنق: “يعني الكتاب اللي هايطير؟ افطري، خليني أروح أشوف شغلي.”
حنين: “حاضر يا جدو، هافطر، بس أنا خايفة أوي.”
الجد بذهول: “خايفة؟ خايفة من إيه يا حنين؟”
حنين بتوتر: “عادي يا جدو، ده أول يوم لي في الجامعة ومتوترة شوية. ودي مش أي جامعة، دي جامعة أمريكية، وأنا ما كنتش أحلم بيها أصلاً.”
الجد: “ما تخفيش يا حنين، يا حبيبتي، إن شاء الله ربنا هيوفقك. وربنا يكرم الأستاذ خالد، هو اللي قدم لك في الجامعة دي. والله ما كنت موفق تدخلي جامعة كبيرة كده.”
ترد حنين بحزن: “يا رب يا جدو، وإن شاء الله لما أتخرج من الجامعة وأشتغل شغل كويس، هرد كل قرش اللأستاذ خالد، اللي دفعوا وصرفوا علشان أكمل تعليمي.”
الجد: “ربنا يوفقك يا بنتي في حياتك، بس ماتقوليش كده. الراجل بيعزك وبيعتبرك زي بنته. هيتضايق منك لو سمعك بتقولي كده. ويلا كلي، عاوز أطلع أشوف شغلي قبل ما الناس تصحى. ماتلاقينيش.”
حنين بابتسامة: “حاضر يا جدو، روح أنت شوف شغلك، وأنا هافطر وأجهز، وبعدين أنزل الجامعة.”
الجد بتحذير: “طيب، هطلع أنا، وإنتِ افطري. والفلوس تحت المخدة، خدي اللي أنتي عاوزاه، وافطري. وحسّك عينيك تطلعي من غير فطار.”
حنين بضحك: “حاضر يا جدو.”
يرد الجد وهو يجهز للذهاب إلى العمل: “طيب، لم أشوف. يلا، السلام عليكم.”
حنين: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.”
—
**نتعرف على حنين:**
حنين بنت جميلة جداً، وهي فتاة محجبة، وليس أي حجاب بل الحجاب الشرعي وهو الخمار. ذات قلب أبيض وتحب الجميع. تعيش مع جدها العجوز في غرفة صغيرة في المنزل الذي يعمل فيه الجد، وليس لها غيره. لقد خسرت حنين والدتها منذ أن جاءت إلى هذا العالم، ومات والدها عندما كانت في العاشرة من عمرها. لم يتبقى لها غير هذا الرجل العجوز الذي يعمل خادماً عند أحد رجال الأعمال منذ وفاة ابنه الوحيد، من أجل أن يصرف على حفيدته منذ أن كان عمرها عشر سنوات، وهي الآن في العشرين من عمرها وأول سنة في كلية أمريكية. لقد قدم لها الرجل الذي يعمل عنده الجد، وهو رجل طيب جداً ويحب حنين جداً كابنته، ولا يفرق بينهما.
الجد محمد رجل طيب ويحب حنين جداً، ومستعد يعمل لها أي حاجة عشان تكون مبسوطة في حياتها، وهو في الخمسين من عمره.
صلوا على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
—
بعد وقت، كانت حنين قد أفطرت وجهزت نفسها للذهاب إلى الكلية. ارتدت حنين ملابس عبارة عن فستان طويل باللون البنفسجي وعليه خمار باللون الأبيض، ولم تضع أي شيء على وجهها، ومع ذلك كانت تخطف الأنفاس بجمالها. فحنين فتاة ملتزمة جداً.
خرجت حنين من الغرفة لتجد هذه الفتاة ذات الشعر الطويل الذي يتميز بلون النيران الذي يميزها عن الجميع، مع البشرة البيضاء الصافية مثل الحليب، والعينين الخضراوين مثل خضار أوراق الزهور. وكانت تضع كحل العين الذي أبرز جمال عينيها أكثر فأكثر، مع روج الشفاه باللون النبيتي الذي جعلها آية من آيات الجمال. كانت ترتدي بنطال من الجينز باللون الأسود وعليه كت باللون الأبيض، ويوجد عليه بعض الرسوم البراقة باللون الأسود. وكانت تضع حول يديها بعض الأساور السوداء، مع خاتم فضي وسلسلة طويلة فضية.
تردف حنين بابتسامة: “صباح الخير يا نوران، أي الجمال ده كله! هاتتحسدي النهاردة.”
تردد نوران بينما تنظر إلى حنين بكبرياء: “صباح الخير. أكيد هتحسدي، بس من عيون الغيرنين، مش أكتر.”
ترد حنين بحزن من رد نوران وهي تعلم أن الحديث موجه إليها: “ربنا يبعد عنك العين الوحشة يا حبيبتي.”
نوران بغرور: “بصي، إذا أنا وأنتِ هنكون في كلية واحدة، فلازم تعرفي إنك هتكوني مجرد خادمة لي في البيت وفي الكلية. وما تفكريش عشان بابا دخلك نفس الكلية اللي أنا دخلتها، هيكون مستواكي من مستواي. لا، يا شطورة. أنتِ خادمة وهتفضلي خادمة، وطبعاً ما دخلتيش كلية زي دي بمجهودك. دخلتيها من باب الشفقة أو الشحاتة، مش أكتر. صح كلامي، مش كده؟”
تريد نوران أن تذهب، لكن تنظر إلى حنين التي دمعت عيناها وتقول: “ها حاجة تانية، أنا اسمي ما يجيش على لسانك مرة تانية من غير لقب. وأنتِ طبعاً مش صغيرة علشان ما تعرفيش الخادم بيقول إيه لأسيدهم.”
ثم تذهب نوران وتترك هذه المسكينة التي انفجرت في البكاء. تسمع حنين صوت جدها بالقرب منها، فتسرع في مسح آثار بكائها كـ”البرق”. ثم تسمع صوت ذلك الرجل الذي يعمل جده لديه وهو يقول بحنان: “صباح الخير يا حنين، يا حبيبتي. أي الجمال ده كله! ربنا يحفظك يا بنتي.”
حنين بابتسامة، كما لو لم تكن تبكي منذ قليل: “صباح الخير يا أستاذ خالد، أي خبر صحتك يا فندم.”
خالد: “كام مرة قولت لكِ يا حنين، يا بنتي، بلاش رسميات وأنتِ بتتكلمي معي.”
حنين بحزن: “آسفة يا فندم، بس أنا خادمة في النهاية، مش علشان حضرتك كريم معي، أبقى أنسى أصلي.”
خالد بزعل: “ليه بتقولي كده يا حنين؟ أنا عمري، يا بنتي، ما شفتك خادمة ولا اعتبرت جدك راجل وشغال عندي. بالعكس، أنا بعتبره في مقام أبي، وأنتِ زي نوران بنتي بالضبط. ما تقوليليش كده تاني يا حنين، أصلي هزعل منك جامد والله.”
حنين بابتسامة: “حاضر، وأنا مش يهون عليّ زعل حضرتك والله. وربنا يعلم قد إيه أنا بعز حضرتك.”
خالد: “الله يعزك يا بنتي. يلا بقا علشان تفطري معي يا حبيبتي.”
حنين: “بالف هنا على قلبك، أنا الحمد لله فطرت من بدري ونزلها الكلية.”
خالد: “بالف هنا يا حبيبتي، استني اركبي مع نوران بدل ما تروحي مواصلات لوحدك.”
حنين بتوتر: “شكراً، بس هاروح مواصلات أحسن.”
خالد: “أنا بقول، هاتركبي مع نوران.”
يردف بصوت عالي قائلاً: “نوران، نوران!”
تأتي نوران وهي تقول بخوف، ظناً منها أن حنين اشتكت عليها إلى والدها: “نعم يا بابا، خير، في حاجة؟”
يرد خالد: “خير يا بنتي، خايفة ليه كده؟”
نوران وهي تنظر إلى حنين: “ها، خايفة؟ لا، مش خايفة، وهخاف من إيه يعني؟”
خالد: “ماشي، خدي حنين معكِ بالعربية للكلية، وما ترجعيش من غيرها. كلامي واضح.”
نوران وهي تلوي شفايفها بحنق: “حاضر.”
ينظر خالد إلى حنين قائلاً: “وإنتِ، حسك عينك تروحي أو ترجعي من غير ما تكوني مع نوران. والكلام لكما أنتما الاتنين: اللي هتروح أو ترجع من غير الثانية، حسابها هيكون عسير. كلامي واضح؟”
الفتيات بصوت واحد، وهما ينظران إلى بعضهما: “حاضر.”
خالد: “طيب، لم أشوف. يلا، ربنا معكم، روحوا للكلية بتاعتكم.”
حنين بابتسامة: “حاضر. يلا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”
خالد: “وعليكم السلام.”
وبالفعل، تذهب الفتيات إلى الكلية. يردف خالد قائلاً وهو يحدث نفسه: “والله نفسي لو بنتي نوران تكون زيك كده يا حنين. ربنا يحميكي يا بنتي.”
—
**نتعرف على نوران:**
نوران فتاة تحتوي على جميع الصفات السيئة؛ فتاة مغرورة وعنيدة ولا تحب أن يكون هناك أفضل منها. خسرت والدتها عندما كان عمرها خمس سنوات بسبب حادث، وهي في نفس عمر حنين الآن (عشرين عامًا). نوران فتاة جميلة إلى حد الجنون، وهذا أكثر ما يجعلها متكبرة ومغرورة.
خالد رجل أعمال ناجح يحب الخير للجميع، لكن من سوء حظه جاءت إليه نوران التي تختلف عنه كاختلاف السماء والأرض. ليس لديه أحد غير نوران وشقيقته سلوى، ولم يرغب في الزواج مرة ثانية بسبب حبه الشديد لزوجته الراحلة وهو في الخامس والأربعين من عمره.
سلوى لا تختلف كثيراً عن نوران، أو نوران هي التي لا تختلف شيئاً عن عمتها سلوى. سلوى امرأة ذات شخصية شريرة وجشعة جداً، لا تحب أحداً ولا تتمنى الخير لأحد. هي التي تحرض نوران على حنين، وهي غيورة من محبة خالد لهذه الفتاة المسكينة. سلوى في الاربعين من عمرها، وبسبب غرورها الشديد، لم يرغب أحد في الزواج منها، على الرغم من أنها تمتلك جمالاً يشبه جمال نوران كثيراً.
—–
**في الجامعة:**
تقف نوران بسيارتها أمام البوابة الرئيسية للجامعة وتقول بحنق: “انزلي يا هانم، ولا عاوزة الكل يشوف حضرت الخادمة نازلة من عربية أخرى موديل.”
حنين بحزن: “آسفة يا هانم، هنزل.”
وبالفعل، تنزل حنين من السيارة وتذهب نوران بالسيارة دون أن تنظر إلى حنين. بينما تنظر حنين إلى آثار نوران، تأتي سيارة من الخلف، وحنين لا تنتبه، وكانت السيارة على وشك أن تصدم حنين. لكن من حسن حظها، أمسك السائق فرامل السيارة في اللحظة الأخيرة، وينزل من السيارة شاب وهو يركض نحو حنين قائلاً: “أنتِ كويسة يا آنسة؟ حصل لكِ حاجة؟ أنا آسف والله، ما أخدتش بالي، كنت بتكلم على الموبايل، والله ما أخدت بالي.”
تنظر إليه حنين بعين دامعة وتقول: “حصل خير يا أستاذ، ولا يهمك.”
وتذهب حنين من أمام الشاب، وهي لا تعلم ما الذي حدث في ذلك الشاب عندما رأى جمال عينيها التي كانت تبرق بدموعها مع انعكاس ضوء الشمس، فأصبحت ذات منظر خلاب. ينظر الشاب إلى آثار حنين وهو يدمدم بالكلمات غير المفهومة: “هو لون عينيها ده حقيقي؟”
يضرب الشاب جبينه بخفة ويقول: “أي، يا حاج، نوي تطرد من الشغل قبل ما تشتغل.”
تذهب حنين إلى قاعة المحاضرات، وعندما تدخل، تنظر إلى الجميع بينما تبحث عن مقعد، لكن لا يوجد مقعد فارغاً غير مقدين واحد بجوار شاب والأخر بجوار نوران. تذهب تجاه المقعد الذي يوجد بجوار نوران وتريد أن تجلس عليه، لكن يحدث غير المتوقع. تدفعها نوران بقدمها أمام الجميع بينما تقول: “أنتِ اتجننتي، هاتقعدي جنبي؟”
تسقط حنين على الأرض بقوة، وأصدرت أصوات تكسير عظام جسدها. تأتي فتاة وتساعد حنين على النهوض، وتقول: “وفيها إيه يا آنسة، لم تقعدي جنبك؟”
ترد نوران بغرور وهي تنظر إلى حنين التي تبكي من شدة الخجل: “فيها كتير يا قمر، وما ينفعش خادمتي تقعد جنبي.”
الفتاة باستفهام: “خادمتك؟ خادمتك إزاي؟ مش فاهمة.”
نوران: “هفهمك. دي بتشتغل خادمة عندي في البيت، بس من طيبة قلب بابي قدم لها في جامعة زي دي.”
ترد فتاة أخرى قائلة: “طيب، أنا شكيت من شكل ونظام لبسها إنها شحاتة.”
فتاة أخرى: “هو إزاي جامعة محترمة تقبل ناس من الأشكال دي؟”
يرد أحد الشباب قائلاً وهو واقف على باب المحاضرة: “حتى لو خادمة، هي في النهاية إنسانة يا حضرات.”
ترد نوران بغيظ وهي تنظر إلى الشاب: “وحضرتك مين بقى يا أبو قلب حنين؟”
ترد فتاة بخوف وهي تهمس في أذن نوران: “يا خرابيتك، اسكتي. أنتِ ما تعرفيش مين ده، ده الأستاذ عاصي، ابن أكبر رجال الأعمال، وهو دكتور جديد في الجامعة؟”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية قصة حنين)