رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت التاسع والعشرون
رواية نعيمي وجحيمها الجزء التاسع والعشرون
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة التاسعة والعشرون
– بنت عمتي زهرة!
هتفت بالعبارة مندهشة قبل أن تجيبها مصححة:
– زهرة ماتبقاش بنت عمتي، دي تبقى بنت خالي، انا اللي ابقى بنت عمتها
لوت مرفت ثغرها بامتعاض قبل أن تتصنع الإبتسام لترد عليها :
– اه اه فهمت، المهم يعني ان انتوا قرايب ياغادة.
أومأت لها برأسها بتفهم، وتابعت الأخرى:
– مجاتش ليه بقى النهاردة؟ هي تعبانة ولا في حاجة منعتها؟
التفتت إليها غادة تجيبها باضطراب:
– ااا بصراحة مش عارفة، اصلها متجوزة في مكان بعيد عننا وانا نسيت اتصل واسألها.
رمقتها مرفت بنظرة متشككة، فالتوتر الذي بدا من كلماتها لايخفى على واحدة مثلها، أردفت غادة لتغير دفة الحديث للجهة التي تريدها:
– هو الأستاذ ماهر أخو حضرتك شغال إيه بالظبط؟
التفتت تجيبها مرفت كابحة حنقها :
– أخويا ماهر يبقى راجل أعمال زي جاسر بالظبط على فكرة بس هو شغله موزع بين مصر واروبا .
بدا على وجه غادة الإشراق فقالت مرفت :
– انا ارتحتلك أوي ياغادة وارتحت للكلام معاكِ ، اصل شكلك طيبة أوي وغلبانة.
شددت على كلماتها الاَخيرة والأخرى أصابها الفرح ببلاهة وهو تقول لها :
– وانا كمان والله، ارتحتلك اوي أوي .
ردت بابتسامتها الناعمة:
– خلاص بقى ناخد نمر بعض عشان نوطد صداقتنا اكتر من كدة .
شهقت غادة بلهفة وهي تخرج هاتفها على الفور تسألها :
– نمرتك كمام بقى؟
…………………………
عادت مساءًا إلى منزلها بخطواتٍ مثقلة، ونفس مكسورة حزينة ، وقد توسعت الهوة بينها وبينه كبعد السنوات الضوئيه بين المجرات، تود بداخلها العودة الى منزل جدتها وخالها، المكان الأنسب لها، تحمل هم لقاءها به وقد تجاهلت اتصالاته المتكررة بها طوال اليوم .
– زهرة .
سمعت ندائه خلفها بعد أن غفلت عن تحيته متعمدة وقد لمحت طيفه بمجرد ولوجها لداخل المنزل، تابع بندائه مرة أخرى بصوتٍ أوضح حتى توقفت محلها، وصل أليها بخطواته وهو يقول لها :
– ميت مرة اتصل بيكِ النهاردة وماتروديش….
توقفت كلماته حينما وجدها أمامه مطرقة رأسها بهيئة اَلمت قلبه، رفع ذقنه إليه لتواجه عيناه عيناها التي أسبلت أهدابها تتهرب بمقلتيها منه، شدد على ذقنها يأمرها بحزم:
– بتهربي بعيونك عن عيوني ليه؟ انا مش منبه عليكِ قبل كدة انك ترفعي راسك دايمًا وقصاد أي حد .
سالت دمعه حارقة من عيناها المكسورة وهي تواجه جحيم عيناه فقالت بضعف:
– الكلام سهل، لكن التنفيذ صعب، صعب قوي ياجاسر، خصوصًا لما يكون الحد دا هو انت!
حط بكفيه على كتفيها يمسكها بقوة تؤلمها وهو يقول لها بغضب:
– مافيش حاجة اسمها صعب، انتِ مراتي وانا ما يخصنيش أي حد في الدنيا دي كلها غيرك، يعني لايهمني انتِ بنت مين ولا أهلك يبقوا إيه؟
تطلعت في عيناه ثم قالت :
– حتى لو حصل واتسرب خبر جواز جاسر الريان من سكرتيرته اللي ابوها مسج*ون في قضية مخد*رات ؟
صعقه سؤالها المباغت فصمت يتطلع بها قليلًا لايدري بما يجيبها، وفعلة أباها قد دمرت كل خططه لكشف زواجه بها للعلن، حتى لو تحدى بها العالم، فمتى كان الفقر عيبًا بالنسبة إليه؟ اما الاَن فقد تصعبت الأمور ، فلو نفذ وتحدى الجميع كيف يواجه والدته واباه وهذا الأمر اصبح يخص سمعتهم أيضًا.
قطعت شروده قائلة بلهجة واثقة.
– سكت يعني، عشان عارف ان معايا حق.
زاد من ضغطه يهزهزها وكأنه يفيقها :
– لأ يازهرة مش هايحصل، انا هاعمل المستحيل واخرج ابوكي من ورطته، عشان لما يتسرب الخبر او اعلنه انا بنفسي، تبقي محسوبة انك مراتي، وابوكي راجل عادي ولا فقير مش مهم، المهم انك معايا ومحدش يجرؤ يجيب سيرتك ولا حد يقولك حاجة تجرحك، فاهمة ولا لأ .
اومأت برأسها تدعي التفهم والإستكانه ليتلقفها بأحضانه متأوهًا باسمها وكأنها الترياق لكل جروحه، أما هي فكان عقلها يسبح في القادم وماذا سيكون رد فعلها حينما يعود جاسر لعقله ويُطلقها؟
…………………………………….
عاد الى غرفتها بالمشفى يحمل بيده العصائر وبعض الشطائر الخفيفة للطعام يقدمهم لها، ورغم عنادها الدائم معه كالعادة ، استسلمت هذه المرة تحت الحاحه الحازم ، ليشعر بلذة الطعام في فمه وهو يشاركها لأول مرة تناول شيئا ما وحدهم ، كما أنه قضى معظم وقته معها، ورغم سوء الظرف ، لكن يكفيه هذا القرب منها ولو يوم واحد حتى، قبل أن تعود حياة الجفاء بينهم مرة أخرى، تلتهم عيناه تفاصيلها وهي تأكل بأناقة ككل يختص بها جميل وأنيق، تذكر فجأة ليسألها :
– على فكرة صح، انا نسيت اقولك لما جيتلك بالفون من العربية، كان في واحدة بتتصل عليكِ ساعتها .
سألته باهتمام :
– كان اسمها ايه؟ عشان انا بصراحة انشغلت مع الدكاترة ونسيت ابص في سجل المكالمات الواردة .
– هي!
– همم؟
اردفت بها عاقدة حاجبيها باستفسار فاستطرد هو قائلًا :
– النمرة اللي كانت بترن عليكِ متسجلة بأسم هي.
استدركت ما يرمي إليه فتغير لون وجهها فجأة لتتوقف اللقيمة بحلقها وتترك الشيطيرة من يدها ، وهي تومئ برأسها قائلة بنبرة تبدوت عادية:
– تمام تمام ، انا هابقى اشوفها بعدين؟
تابع يسألها بفضوله :
– هي مين دي بقى اللي مسجلاها بهي؟
احتدت عيناها وهي تقول له:
– بتسأل ليه طارق ؟ هو انا هاقولك كمان على اسماء اصحابي؟
انتبه على حدتها فأاكمل دون تراجع:
– لا طبعًا انا مقصدتش كدة، انا بس استغربت تسجيلك لواحدة بضمير الغائب .
جزت على أسنانها بغيظ تجاهد حتى لا تنفعل عليه ، فطارق هذا لا يردعه شئ لمعرفة ما يخصها، وبرد فعل غير متوقع وجدها تجيبه بابتسامة متلاعبة لتثير غيظه علّه يرتجع عنها وعن التدخل في شئونها الخاصة:
– وانت ايه اللي يخليك متأكد انها ست مش يمكن يكون راجل وانا كاتبة الضمير ده تمويه لأي حد فضولي يبص في الأسم اللي بيتصل بيا.
اعتدل في جلسته واشتعلت عيناه بالغيرة مما تفوهت به، يشعر بانهيار عالمه لو حدث فعلًا وصدقت كلماتها، فبرغم تأهله الدائم لهذه الفكرة التي تأتي دائمًا بخاطره، فإن الواقع شئ اَخر.
قطع شروده انفتاح الباب فجأة لتدلف منه عاصفة صغيرة متمثلة بصبي صغير بجسدٍ ممتلئ نسبيًا ، اندفع نحوها يمطرها بالقبلات وهي تضحك بمرح وصوت عالي ، دلف خلفه رجل يبدوا في العقد السادس من عمره ومعه شاب وسيم ذو جسد عضلي، اثار الريبة بداخله وهو يتخيل ان يكون هذا الشاب هو ماتقصده ، بيد أنه تذكر رؤيته سابقًا ولكن أين لا يعلم، حتى أجفل على شهقة من فتاة صغيرة وهي تدلف خلفهم:
– دا بجد صحيح بقى، قال وانا اللي كنت فاكرها أوشاعة في البلد .
تبسمت لها كاميليا قبل أن يحتضنها الرجل العجوز بخوف وقلق، غير مستجيب لمزاح الصغيرة. فقالت كاميليا لتقدمه لهم:
– ياجماعة سلموا على استاذ طارق رئيسي في الشغل .
التفت اليه الجميع يصافحنه بمودة حتى الفتى الصغير الذي خطف قلبه بغمازتيه، وقد اكتملت الصورة أمامه مع تذكره للصور التي راَها على مكتبها للرجل والشاب والفتاة أشقائها ، اقترب منه والدها يرحب به بدماثة وابتسامة ممتنة يصافحه:
– اهلا بيك يابني والف شكر على معروفك
رد طارق بابتسامة هو الاَخر:
– الله يخليك ياحج معروف ايه بس؟ دا شئ عادي وواجب عليا كمان بعد ماشوفت وقعتها بنفسي.
– حتى لو واجب يابني، برضوا لازم عليا اشكرك ، ماهي مش كل الناس بتعمل الواجب اللي عليها دلوقتِ.
قالها والدها بمغزى تفهمته كاميليا وانتبه عليه طارق بفطنته ليزيد بداخله الحيرة؛ ثم أندمج مع مزاح الشاب والفتاة وضحكات الصغير معهم، في جو أسري دافئ بالمحبة قبل يغادر الجميع وهي معهم لتعود لمنزلها، ويعود هو بسيارته ويشتعل عقله بالتفكير في كلماتها ، ليجد نفسه دون أن يشعر يضغط على هاتفه بالأرقام التي حفظها بمجرد النظر إليها ويتصل عليه :
– الووو….. مين معايا……. الووو.
اغلق المكالمة على الفور وقد ازدادت بداخله الحيرة بعد سماع الصوت الأنثوي في الرد على مكالمته! يتساءل بفضول حارق:
– مين دي؟ وايه دورها في حياتك ياكاميليا؟
…………………………….
بواجه واجم كان جالسًا في الشقة المتواضعة يستمع لشرح خطيبته الأستاذة نوال، لسمية البائسة وبناتها حقيقة وضع زوجها في القضي*ة التي مقبو*ض عليه بسببها الاَن، والمرأة تهزهز رأسها باستسلام وكأن هذا الشئ كانت تتوقعه قبل ذلك، سألتها نوال بتوجس من حالتها الغريبة :
– انتِ واخدة بالك من اللي بقوله ياست سمية ؟
بابتسامة شاحبة ردت المرأة:
– طبعًا يااستاذة امال ايه، هو انتِ فاكراني مابفمش يعني؟ بتقولي ان وضعه محروس صعب في القضي*ة صعب وانك بتحاولي تلاقيلوا مخرج انت وسي الأستاذ التاني اللي باعته جاسر بيه.
اومأت لها نوال باستغراب قبل أن تعتذر بحرج:
– معلش يا ست سمية، بس انا افتكرتك سرحانة ولا مش واخدة بالك من جمودك الغريب وعدم الاخد والرد معايا .
بابتسامة باهتة كسابقتها ردت سمية:
– ياست الأستاذة ماتستغربيش حالتي ولا رد فعلي، اصل مكدبش عليكِ يعني، انا واحدة جتتها نحست من كتر الضر*ب والمصايب اللي شافتها في حياتها، وان كان على موضوع جوزي ، فدا شئ انا عارفة انه هايحصل من زمان، ما هو بالعقل كدة ربنا ايه اَخرة الطريق الوحش ؟
مط خالد بشفتيه عن اقتناع بكلمات المرأة وهو يتبادل النظر مع نوال التي ظهر على وجهها الأسف، فقالت صفية:
– امي يامّا حظرته بس هو مابيسمعش غير نفسه وبس، لحد اما هي اطربقت فوق راس الكل، ربنا يسامحه بقى على سمعتنا اللي بقت لبانة على كل لسان بسببه.
تدخل خالد بحزم قائلًا لها:
– محدش يقدر يمس سمعتكم بكلمة ياصفية، ابوكي ومعروف خط سيره من زمان مش من دلوقتي ، اما انتِ واخواتك بقى يشهد على اخلاقكم الجيران وكل الناس اللي ، ماتحطيش الكلام دا في دماغك وخلي همك في مزاكرتك عشان تطلعي حاجة تشرفي بيها نفسك ووالدتك الست الطيبة دي .
اومأت صفية برأسهة بتفهم فخاطب خالد والدتها :
– انا نبهت على الواد عامري صبي محروس في الورشة ، هايخلص كل الشغل اللي في الورشة ويراعيها مع الصنايعية الجداد وانا هاتبعه عشان دا باب رزق ماينفعش يتقفل .
ردت سمية بامتنان :
– ربنا يبارك فيك يااستاذ خالد وييسرلك كل عسير ويتم جوزاتك مع الست الأستاذة ونفرح بيكم بقى .
تلون وجه نوال بالحمرة اما خالد فاستجاب بشبه ابتسامة يتمتم بإحباط يمتزج بالأمل:
– اللهم اَمين .
…………………………..
في اليوم التالي
استيقظ في موعده صباحًا، تحسس الفراش البارد بجواره فاستنتج استيقاظها قبله للحاق بعملها، فرك بكفيه على عيناه وهو يعتدل بجذعه ليلحق بها ويصطبح بوجهها الصبوح او ربما يقطف قبله من ورد وجنتيها، تفاجأ برؤيتها جالسة بمنامتها والمئزر الحريري فوقها أمام المراَة تتلاعب بأناملها على الخصلات الفحمية بشرود ، حتى أنها لم تشعر به حينما نهض واقترب منها ليطبع قبله فوق رأسها فجعلها تشهق مجفلة تقول:
– جاسر… هو انت صحيت امتى؟
باغتها بقبلة ثانية على جانب رأسها يجيبها بابتسامة رائعة وهو ينظر لانعكاس وجهه في المراَة:
– مش مهم امتى، المهم اني صحيت وفجأتك ، انتِ بقى كنتِ سرحانة في ايه بقى؟
اجابته باضطراب :
– عادي يعني ماتشغلش بالك انت، ااا تحب احضرلك الفطور معايا؟
قالت الاَخيرة وهي تنهض فجأة من أمامه ، فقال متسائلًا :
– وتحضري انتِ ليه وتعطلي نفسك ما البنت الخدامة موجودة؟ ثم انتِ يدوبك تلبسي وتحصلي الشغل أساسًا.
توقفت فجأة بوجه يرتسم عليه التفكير قبل أن تقول بتردد:
– لا ما انا بقول اغيب النهاردة كمان ، عشان حاسة نفسي مقريفة وو……
قاطعها بحزم قائلًا :
– لأ
– نعم .
تابع بلهجته المسيطرة حتى لا يعطيها فرصة للمجادلة :
– بقولك مافيش غياب تاني يازهرة، الشغل الكتير المتأجل ماينفعش يتأخر أكتر من كدة .
اومأت برأسها باستسلام فقال بلهجة أخف من سابقتها:
– حالتك دي تستوجب الشغل مش السرحان والتفكير يازهرة.
– تمام .
تمتمت بها وهمت للتحرك ولكنها توقفت فجأة تسأله :
– صحيح ياجاسر يعني انا كنت عايزة افكرك .
سالها باهتمام :
– تفكريني بإيه ؟
فركت بكفيها تجيبه بتوتر:
– بقول يعني، ان انا وانت دلوقتِ داخلين على الشهر مع بعض من ساعة جوازنا، ومراتك التانية بقى…. مش ليها حق عليك برضوا عشان تعدل مابيني وبينها في الأيام .
فاجئته بكلماتها حتى أنه عقد حاجبيه بشدة يتطلع إليها بدهشة ثم رد اَخيرًا :
– لأ يازهرة مالهاش حق عليا، عشان انا اساسًا مش معتبرها مراتي ، وانا كنت صادق معاكِ قبل الجواز لما قولتلك ان اللي بيني وما بينها مسألة وقت مش أكتر ، وهي نفسها عارفة كدة .
– بس ياجاسر انا مش عايزاك تظلمها……
قالتها في محاولة لإقناعه رغم صعوبة خروج الكلمات منها ، لتفاجأ بصيحته الهادرة في مقاطعتها بحدة
– كفاية يازهرة عشان ماتقلبش خناقة مابيني وما بينك كدة ع الصبح ، انا قولتلك الأمر منتهي ، يبقى خلاص بقى
هزت برأسها بجزع وقد أجفلتها صيحته وهذه النظرة النارية منه وتهديده لها بالشجار في سابقة أولى له منذ زواجهم ، اما هو فحاول تمالك نفسه قليلًا وهو يخاطبها ببعض اللين :
-معلش يازهرة لو اتعصبت عليكِ، بس انا بصراحة الموضوع دا بيخنقني وبرفض الجدال ولا الكلام فيه أصلاً ، فياريت يعني تنتبهي وبلاش تفاتحيني فيه من تاني .
تنهدت بقنوط وهي تبتعد متمتمة بالأعتذار لتجهيز نفسها للذهاب للعمل ، وتتركه بحالة من التخبط والغضب، فهيئتها الساكنة هذه وكلماتها الغريبة ، تصيبه بالقلق وعدم الإرتياح .
…………………………
في وقتٍ لاحق من اليوم
وهي تعمل بكل طاقتها حتى تصرف عقلها عن التفكير في أي شئ غيره، دلفت إليها غادة بوجه عابس، تصطنع الحزن في لهجتها :
– صباح الخير يا زهرة، عاملة ايه ياحبيبتي ؟
ردت إليها تحيتها بفتور :
– صباح النور ياغادة، انتِ بقى اللي عاملة إيه؟
انتبهت غادة على إجابتها الحادة فقالت :
– مش مهم انا المهم خالي، هو عامل إيه دلوقتِ؟
رفعت إليها عيناها تجيبها بحنق:
– بتسألي ليه؟ هو يهمك أوي يعني؟ ولا يهم الست والدتك حتى؟
استدركت غادة سبب الغضب لدى زهرة وما ترمي إليه بكلماتها، فشهقت تقول بمسكنة:
– ازاي بتقولي الكلام دا يازهرة؟ هو في واحدة في الدنيا كلها مش هايمها اخوها أو خالها يعني؟ ولا انت فاكرانا معندناش دم بقى اكمن امي ولا انا مجناش امبارح عندكم نسأل ، لكن اللي متعرفهوش بقى ياست يازهرة، امي كانت تعبانة والضغط علي عليها بعد الخبر المشؤم ده، وانا مقدرتش اسيبها واجي لوحدي ، ما انت عارفاني متعلقة بيها ازاي، ربنا مايحرم حد من امه.
عبارتها الاَخيرة قالتها بقصد وصل لزهرة وكأن سهمًا اصاب قلبها ، ألجم لسانها عن الرد وجعلها تتراجع في هجومها لتقول باضطراب تجاهد للتماسك :
– أكيد طبعًا ربنا مايحرمك منها، على العموم انا بعاتبك عتاب الحبايب ، وانتِ حرة تيجي أو متجيش مش فارقة ، في كل الحالات مجيتك لا هاتأخر ولا تقدم .
عادت لمسكنتها قائلة بموساة ممتزجة بفحيح:
– الله يكون في عونك يازهرة، بصراحة عملت خالي دي تقصر العمر وتكسفك قدام جوزك الكبارة اللي جوا ده، يا ترى كان رد فعله ايه معاكِ بعد الخبر ده ؟
لم تتحمل الضغط على جرحها اكثر من ذلك فضر*بت بكفها على سطح المكتب قائلة بغضب:
– وانتِ مالك برد فعله ولا زفت حتى، انتِ جاية دلوقتِ ليه اساسًا ؟ ماتروحي شوفي شغلك وسبيني انا في همي، امشي ياغادة عشان انا مش طايقة نفسي.
انتفضت عن جلستها ترد بغضب:
– وكمان حصلت بتمشيني من مكتبك عشان بسأل واطمن عليكِ، الله يسامحك يازهرة ، الله يسامحك .
ظلت تردد بها حتى خرجت من الغرفة، لتتخلى زهرة عن تماسكها وتذرف الدمعات التي حجبتها بصعوبة امام الأخرى .
وبداخل غرفته كان مراقبًا لها عبر الشاشة يزفر بألم عن عجزه في مواجهة ما يصيبها ويدخل الحزن بقلبها ، انتظر قليلًا حتى هدأت، ثم تناول هاتفه يتصل بها ، وصله ردها بعد لحظات تدعي التماسك:
– الووو….
– الوو يازهرة جهزي نفسك بعد نص ساعة بالكتير عشان خارجين .
تنحنحت بتوتر لتجيبه برسمية:
– ازاي يافندم والشغل ؟ انا مكملتس نص يوم في العمل .
وصلها صوته المسيطر:
– انا صاحب الشغل وبقولك خارجين، مقابلة عمل ياستي في مانع ؟
…………………………..
من النافذة الزجاجية التي شملت نص الحائط خلف مكتبها؛ كانت تنظر للأسفل وهي ترتشف من فنجانها الكبير مشروبها الساخن، تتطلع بأعين متربصة الى السيارة التي ضمته غريمها ورفيقته حتى ذهبت نحو وجهتها واختفت من أمامها ، فالتفت بفنجانها مضيقة عيناها بتفكير حتى هداها تفكيرها لتتصل برقمها ، وعلى حسن توقعها اتاها الرد سريعًا فقالت هي :
الووو، صباح الخير ياقمر……… انساه ازاي بس؟ دا انا حفظته من قبل مااسجله ……….. حبيبة قلبي………. طب انتِ فاضية دلوقتِ ولا عندك شغل ؟………. كدة طب حلو اوي ، اصل انا بصراخة زهقانة من الشغل ونفسي ارغي مع أي حد……….. ياريت ياحبيبتي بس ماتتأخريش ماشي ……….. تسلميلي ياقمر، انا في انتظارك .
نهت المكالمة لتعود للأرتشاف من فنجانها بتلذذ وقد عقدت العزم على معرفة ماتود معرفته اليوم .
……………………………
وبداخل غرفتها وهي مستلقية على تختها بضيق ، وقد أجبرتها الإصابة مع تعليمات الأطباء بالراحة التامة على الأقل لأسبوعين ، لتظل حبيسة المنزل حتى الشفاء، في ظاهرة لم تفعلها متذ سنوات، من وقت أن تخرجت والتحقت بالعمل كموظفة صغيرة بعقد مؤقت، ثم عقد كامل ثم التدرج في الترقيات حتى وصلت الى ما وصلت اليه، ومازالت تطمح بالمزيد، طموحها لا يوقفها شئ، تسير على خطى ثابتة رسمتها لنفسها منذ البداية، ورغم ذلك لم تجد الراحة حتى الاَن .
– كاميليا.
قطع شرودها دلوف شقيقتها والهتاف باسمها، وأردفت:
– عندك زيارة ياست كاميليا .
اعتدلت بجذعها لتسألها باهتمام :
– مين يا رباب؟
تبسمت شقيقتها تقول بحماس :
– الحليوة القمر اللي كان معاكِ في المستشفى، يخررب بيت جماله ، قاعد مستنيكِ في الصالة برة.
تمتمت باستدراك:
– طارق .
– ايييوة هو ده، ماتشوفيلي شغلانة معاكِ يااختي، ولا اقولك جوزهوني اسهل .
قالتها شقيقتها بشقاوة ومرح ، قابلته كاميليا بامتعاض، فنهضت لتتحامل على عكازها وهي ترد عليها :
– روحي اقري في كتابك الأول يافاشلة وبعدها دوري ع الجواز .
هتفت من خلفها شقيقتها :
– يابنتي ما انا ماعنديش مرارة للكتاب، يبقى جوزيني أحسن
………………………..
وفي صالة المنزل كان واقفًا امام الحائط الذي شمل العديد من الصورة العائلية الخاصة بهم ، بمراحل عمرية مختلفة ، حتى شقيقها الصغير، صوره معها منذ ان كان ابن عامين حتى الصورة الاَخيرة جمعتها معه وهو بملابس الدراسة ، غمغم بداخله باستدراك :
– صورته الست الوالدة برضوا مش موجودة، هي ايه الحكاية؟
انتبهت حواسه فجأة على رائحة عطرها المميزة ، فاستدار أليها بكامل جسده، ليتسمر امام هذه الهيئة الجديدة عليه، شعرها المعقوص للأعلى يظهر عُنقها الطويل ، بعض الخصلات الخفيفة تبعثرت على وجهها، لتعطيها مظهرًا محببًا بعيدًا رسميتها المعتادة، وهي ترتدي بيجامة رياضية تناسب القد الرشيق.
– اهلا طارق نورت البيت .
قالتها بترحيب وهي تقترب بخطواتها اليه ، ورد هو بابتسامة مشرقة وهو يساعدها للجلوس :
-البيت منور بأهله ياكاميليا، انتِ عاملة ايه بقى ؟
أجابته كاميليا بابتسامة ودودة:
– الحمد لله ، اديني بحاول اتأقلم على القعدة في البيت ، على ما ربنا ياذن ويشفيني .
رد هو الاَخر متناسيًا حكمته ومعاهداته الداخلية مع نفسه:
– انا بقى مش عارف اتأقلم، الشغل من غيرك ملوش معنى أساسًا
أجفلها برده المباغت فسهمت في كلماته وقد انعفد لسانها عن الرد
…………………………….
وعودة للشركة
طرقت غادة على باب غرفة المكتب مستئذنة، فرحبت مرفت بابتسامة تشير لها بالدخول وهي تتحدث مع أحدهم مكالمة بالفيديو :
– تعالي غادة اتفضلي .
دلفت بتردد وهي تستمع لمزاحها والضحك بمرح مع احدهم ، فقالت هامسة :
– حضرتك انا ممكن امشي واجيلك وقت تاني .
ردت مرفت بصوت عالي وهي تنهض عن مكتبها وبيدها الهاتف الذي تتحدث اليه :
– تسبيني ليه يابنتي؟ هو انتِ فاكراني بتكلم مع حد غريب، دا اخويا ماهر ، حتى شوفي .
كتمت شهقتها غادة وهي تجد هذا الشاب الوسيم وهو يحدثها عبر الهاتف :
– اهلًا يااَنسة غادة ، صاحبتك دي يافيفي .
ردت مرفت بضحكة مرحة مع مشاهدتها لرد فعل غادة التي كادت ان تسقط على الأرض من المفاجأة:
– ايوة طبعًا وهي يعني لو مش صاحبتي كنت هاخليك تكلمها؟ بس ايه رأيك فيها مش قمر برضوا.
ضحك الشاب بضحكة مجلجلة يرد عليها:
– هي قمر فعلًا .
هنا لم تقوى أقدام غادة على تحمل جسدها وسقطت على الكرسي خلفها ، غير قادرة على الحديث او مواصلة المكالمة التي انهتها سريعًا الأخرى لتجلس بجوارها على المقعد الاَخر قائلة:
– ايه يابنتي مكملتيش معانا المكالمة ليه؟ هو انتِ اتكسفتي .
اومأت برأسها التي كانت تدور بعنف ترد :
– اه بصراحة اتكسفت وقلبي وقف كمان ، هو انتِ ازاي تخليني اكلم اخوكي كدة بالشكل المفاجئ ده؟ مش تديني فكرة الأول .
ضحكت بصوت عالي قبل أن ترد عليها :
– ليه يعني؟ ماانتِ زي القمر اهو، ولا انتِ مسمعتيش رأيه فيكِ ؟
ردت غادة ويدها على موضع قلبها الذي يضرب بعنف وعدم تصديق:
– سمعت، ولحد دلوقتِ مش قادرة استوعب..
اطلقت مرفت ضحكاتها مرة أخرى لتردف بلهجة جدية بعدها :
– عشان تعرفي انا ارتحتلك قد ايه ياغادة ، ونفسي علاقتي انا وانتِ تتطور اكتر واكتر كمان .
ردت غادة بغبطة وهي تشعر وكأنها طائر يحلق في السماء وعلى وشك الوصول الى هدفه ، دون تعب أو تخطيط فاشل ككل المرات السابقة:
– وانا كمان وربنا، بقيت بحبك قوي.
اومأت برأسها كامليا تض*رب على الحديد وهو ساخن:
– انا مصدقاكي طبعًا ياغادة، بس بصراحة بقى نفسي تجاوبيني على حاجة محيراني هاموت واعرفها منك.
………………………..
وفي الناحية الأخرى
وبعد ان ولج بها داخل ساحة هذا المنزل الغريب ، يسحبها من كفها وهو يسير بها لخلف المنزل ، كانت لا تكف عن أسئلتها الملحة:
– ياجاسر رد عليا واخدني على فين؟ وبيت مين دا أساسًا؟
يلتف ناحيتها بابتسامة ساحرة دون رد فيزيد بداخلها الغيظ ، حتى فاض بها وتوقفت تهتف بحنق:
– طب انا مش متحركة ولا رايحة في اي حتة غير لما تجاوب على أسئلتي.
– ماتتحركيش .
قالها ثم باغتها بحملها فجأة وهي ترفس بأقدامها معترضة :
– نزلني ياجاسر ، بلاش غلاسة نزلني بقولك
ظلت ترددها وترفس بأقدامها حتى استمعت لصوت صهيل الخيول ، فارتفعت رأسها تنظر حولها ، لتلمح عيناها رأس حصان أبيض، سكنت حركتها فوجدته ينزل اقدامها على الأرض الممتلئة بحشائش النجيلة، في مكان شاسع وسور خشبي يحجز بداخلها عدة أخصنة صغيرة وكبيرة شديدة الجمال ، سألته بانبهار :
– الله ياجاسر ، اسطبل الخيل دا بتاع مين ؟
أسعده نظرة الأتبهار بوجهها فقال بسعادة لسعادتها :
– ردًا على مجموعة الأسئلة اللي سألتيها طول السكة ، البيت دا بيتنا والأسطبل دا بتاعنا ، واحنا جاين هنا مش في مقابلة عمل ، لا بالعكس ، احنا جايين نقضي اليوم انا وانتِ في البراح والخضرة اللي حواليكِ دي ، نركب خيل وتقضي وقت جميل، ايه رأيك بقى؟
انشق ثغرها بضحكة سعيدة تقول له:
– انت بتتكلم بجد ولا بتهزر ؟
اقترب يضمها من ظهرها وهو يتأمل بنظرتها المكان :
– والله ياقلب جاسر مابهزر، المكان دا انا بجيلوا لما بكون مضايق عشان انسى نفسي فيه، لكن معاكي انت بقى النهاردة، هاننسى العالم انا وانتِ فيه .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)