روايات

رواية يوميات مراهقة الفصل التاسع 9 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة الفصل التاسع 9 بقلم نورهان ناصر

رواية يوميات مراهقة البارت التاسع

رواية يوميات مراهقة الجزء التاسع

يوميات مراهقة
يوميات مراهقة

رواية يوميات مراهقة الحلقة التاسعة

وعذرته لما تساقط دمعهُ ونسيت أيامًا بها أبكاني ، وأخذته في الحضن ، أهمس راجيًا جمرات دمعك أيقظت نيراني ، أتريد قتلي مرتين ألا كفى ، فامنع دموعك واحترم أحزاني لا صبر لي وأنا أراك مُحطمًا يا من يجرح دمعه أجفاني.
كريم العراقي رحمه الله
__________________________
كانت تجوب أرضية الغرفة ذهابًا وإيابًا من شدة التوتر ، بينما تنظر إلى أختها تارة وإلى سقف الغرفة تارة أخرى ، وضعت يدها أعلى شعرها تهتف بتوتر شديد:
_” ظهرت ولا لسه ؟”.
أجابتها وطن وهي تنظر إلى شاشة اللاب توب أمامها بتركيز :
_” يا بنتي أهدي بقى وترتيني أنا شخصيًا ، لسه يا هاله الموقع عليه ضغط اصبري “.
جلست هاله على طرف الفراش تكاد تبكي من شدة الخوف والتوتر ، وهي تهمس بحزن :
_” أهدى إزاي بس ده أنا هموت من التوتر يا وطن ؟ أوف أي ده ، مكنتش نتيجة تعمل فيك كدا يا هاله “.
ضحكت أختها على حديثها وهي تقول ببسمة لطيفة:
_” ياه رجعتيني لأربع سنين ورى لما كنت في سنك كدا وقتها كنت مرعوبة بردو رغم إني كنت أدبي ، يعني طبعًا مش بقلل من قسم اللي دخلته لأني دخلته باقتناع وأنا حاطه قدامي هدف معين والحمدلله وصلتله وأنتِ تعبتي بصراحه طول السنه فأكيد تعبك مش هيروح على الفاضي ربنا كريم وهيكرمك بإذن الله “.
_” يارب يا وطن كان نفسنا ندخل طب أوي “.
أنهت حديثها لتعتلي ملامحها علامات الحزن ، زفرت وطن الهواء ثم استدارت لها تقول بنبرة حانيه:
_” أنا لحد دلوقت مش مصدقه إن عدى أكتر من سنه ونص وانتوا ما بتتكلموش لو حد كان حكالي الحاجه دي قبل سنتين مكنتش هصدقه “.
غزت الدموع عينيها وهي تطالع أختها بحزن شديد:
_” ولا أنا كان يخطر على بالي أصلًا إن ده يحصل معانا ، بس عارفه واحشني كتير أنا مابنمش إلا لما أشوف صورته واخدها في حضني حتى إني اتعلمت الكتابه وعملت مذكرات وكل يوم بكلمها عنه ، نفسي أشوفه أوي من غير هروب بس وعدي لبابا معجزني “.
صمتت لثواني وهي تبتسم بدموع :
_” بس عارفه إن آخر مرة العيار كان تقيل أوي عليه وقولتله كلام جارح وهو طول السنه في تالته ثانوي وحتى في الإجازة بتاع تانيه ما سمحليش أشوفه حرمني حتى من إني المحه ، حول من مجموعتي في كل الدروس وحتى نرمين الحبوبه بتاعته حولت وراه ، بعد زي ما قولتله بس أنا قلبي واجعني أوي يا وطن وحشني جدا …”.
لم تكمل حديثها بسبب موجة البكاء التي اجتاحتها ، أخذت هاله تبكي بشده وهي تردد بهذيان :
_” وحشني صوته وضحكته وحشني أشوف ابتسامته ، وحشني كلامي معاه وحشني لما كان يقف وبجبلي كتب من عنده ، وحشني اهتمامه وسؤاله عليا ، أنا بموت من غيره كل يوم عدى عليا كنت بموت ، وعزائي الوحيد إنه كويس وعايش ، مش قادره الومه وأنا اللي عليا كل اللوم ، أنا اللي طردته من حياتي كان موجوع يومها ، شوفت الدموع واقفه في عينيه حزين مصدوم حاسس بالخذلان ده اللي شوفته في عيونه ونبرة صوته كلما بفتكرها بكره نفسي “.
نهضت وطن واتجهت نحو أختها ثم بدون أن تنبس بحرف ، كانت تحتضنها بصمت وهي تربت على ظهرها بيديها صعودًا ونزولًا ثم همست بجوار أذنها :
_” مروان قالي إن عمي رفض إنه يقدم في جامعه هناك في اسكندرية لأني سمعت طراطيش كلام كدا إنه عايز بعد المجموع لو جاتله كلية هنا في القاهرة إنه عايز يحول عند ابن خاله بس أبوه مصر إنه يرجع القاهرة ، ووقتها….”.
قاطعتها هاله تبتسم بألم وهي تقول :
_” وقتها إيه ؟ أقوله أهلا منذر ممكن تسامحني ؟ ونعتبر السنه اللي فاتت دي كأنها مش موجودة ، متوقعه إيه يا وطن؟ مش هيرضى حتى يبص في خلقتي ، كم مرة اتقابلنا صدفه في الدروس أو المدرسة كان بيدير وشه ويمشي في طريق غير اللي أنا فيه ، بدون ما يوجه لي أي كلمه او حتى نظره ، منذر كان بياجي يشوف أهله بالليل متأخر وبعد الفجر كان بيمشي طول فترة الاجازة ؛ علشان يضمن إني ماشُفهوش ، هو خلاص كرهني وعنده حق ، أنا أصلا معنديش عين أبص له أو أطلب منه أي حاجه ” .
بنبرة حانية همست وطن وهي تمسح دموع أختها :
_” هايسامحك ماتقلقيش أصلا تلاقي حالته ما تفرقش عنك “.
انفلتت ضحكة متألمة من شفاه هاله وهي تردف بحزن :
_” منذر خلاص تخطاني يا وطن ومن زمان ، أنا طلعت ما افرقش معاه ونسيني زي ما طلبت منه ، نسيني يا وطن ، وبعدين هو ما بيحبنيش أصلاً ، آه ممكن كان بيعزني أو متقبلني يعني مش بيكرهني إنما حب وكدا لأ ، عارفه أكتر حاجه بكرها الحب من طرف واحد بس شوفي سخرية القدر لما جيت أحب ، حبيت واحد مبيحبنيش ، حبيته من كل قلبي وماحبنيش “.
ضحكت هاله بسخرية ممزوجة بالحزن الشديد الذي يقطر من ثنايا كلماتها :
_” كان زمان يقولي حواء بتمثليها أنتِ يا هاله بس لقي حواء غيري وعشقها أنتِ لو كنتي شوفتي الخواطر اللي كاتبهالها وقصائد الشعر اللي مليانه كلها مشاعر وحب صادق هتعرفي قد إيه بيعشقها الست إم بتاعته “.
بتساؤل أردفت وطن وهي تضيق عينيها:
_” إم إيه ؟ بس ده مش حرف نرمين يا هاله “.
نظرت لها هاله بانتباه قائلة :
_” تصدقي عندك حق نرمين حرف الـ N طيب امال مين إم دي ؟”.
مطت وطن شفتيها وهي تحرك كتفيها بعدم معرفة ، ثم قالت :
_” بس مش أنتِ قولتي لي إنه بيحب نرمين يا هاله ؟”.
هزت هاله رأسها بايماءة بسيطة وهي تقول باستغراب :
_” أيوه هو قالي كدا هو آه مقالهاش صريحه لما واجهته بس أكد برأسه وقالي بس إنها جميلة “.
مالت وطن رأسها تفكر في حديث أختها ثم قالت ما توصل إليه عقلها :
_” مش عارفه الموضوع محير وفيه لغز …يعني نرمين طول عمرها قدامه وهو وقته كله معاكِ أنتِ فايمتى حب نرمين أصلًا ؟ أقصد كان عنده وقت أصلا وهو ليل ونهار معاكِ يا بتذاكروا يا بتتخانقوا “.
بصيص أمل انبعث بداخلها بعد سماعها لتحليل وطن لتقول هاله ببسمة سعيدة :
_” ايوه أنتِ صح ، معنى كدا إنه مش بيحبها أصلا ممكن كان بيهزر معايا ؟ “.
بحزن أردفت وطن وهي تطالع نظرات أختها والسعادة التي انبثقت على ملامحها والتي هي على وشك محوها ما إن تردف بكلماتها التاليه:
_” هاله مش عايزاك تحطي آمال على الفاضي ، مهو جه في فترة وبدأ يهتم بنرمين صح عادي ممكن كان بيحبها في السر مثلاً “.
اعتلت محياها علامات الإحباط لتزفر بحزن وهي تقول :
_” الله يسعده ده اللي أقدر اقولهوله ، المهم ركزي على الموقع ، بابا بقى مكلمني أكتر من خمسميت مرة وهو أصلا على الطريق ، يارب أكرمني يارب نفسي أحقق حلمي وحلمه “.
………………………………………………..
كانت تضع أطباق الطعام على الطاولة وهي تتنهد بحنين ، عندما رن جرس الشقة ، لتضع آخر طبق على الطاولة وتتجه نحو الباب ، لتفتحه وما إن وقعت عينيها عليه انفرجت شفتيها عن بسمة واسعه ، وبعيون لامعه فتحت نوال ذراعيها وهي تهتف بسعادة غامرة :
_” حبيب قلبي “.
أنزل منذر حقيبته من على كتفه ووضعها على الأرض ثم مال على رأس والدته يقبلها بشوقٍ شديد ، قبل أن يتركها ويلف ذراعيه حولها وهو يحتضنها بحب هامسًا :
_” قلب منذر من جوا واحشاني موت يا ست قلبي “.
أغرقت دموعها كتفه وهي تهتف بنبرة باكيه:
_” واحشني يا منذر جدا على فكره أنا هقطع علاقتي باخويا علشان ما يستقبلكش تاني “.
ابتعد منذر عنها وهو يضحك بخفوت قائلاً:
_” مش للدرجادي خلاص مش هاسافر تاني أصلًا بابا رفض إني أحول من الجامعة هنا ، المهم يا قلبي طمنيني عنك كدا انتوا عاملين إيه؟”.
أمسكت نوال بيده وقالت بينما تشير إلى الداخل :
_” تعالى بس ريح من الطريق ، احنا كويسين بشوفتك يا حبيبي “.
انحنى منذر يحمل حقيبته ودلف بخطوات بسيطة خلفها وضع حقيبته أرضًا وجلس على الكرسي وهو يقول :
_” ده أنا شكل حماتي بتحبني جيت في الوقت المناسب امال فين مروان ، بابا كلمته وقال إنه على الطريق “.
_” مروان راح عند خطيبته وزمانه جي أدخل احضرلك الحمام وتصحصح كدا معرفتش أخبار عن نتيجتك؟”.
التقط منذر إحدى قطع الفراولة الموضوعه أمامه ، وأجابها بهدوء :
_” بيقولوا انهارده بس أنا دخلت على الموقع اكتر من مرة وعليه ضغط وشكله قفل يمكن بكرا يا أمي ربنا يستر “.
ابتسمت نوال وهي تحضر بعض ملابسه من الخزانه ثم قالت قبل أن تتجه إلى المرحاض :
_” إن شاء الله على خير وهتكون من الأوائل وتفرحني وتفرح أبوك وتدخل طب بشري إن شاء الله “.
_” آمين يارب”.
…………………………………………………
_” هاله يا هاله تعالي بسرعه “.
خرجت هاله من الغرفة وهي تتنهد مردفة بضحك غلب عليه توترها :
_” إيه يا ماما ؟”.
مسحت والدتها يديها في المنشفة وهي تقول :
_” خدي صنية البسبوسه دي وديها لطنط نوال قالتلي عليها انهارده وأنا مش فاضيه هحضر لابوك العشا “.
نظرت هاله إلى صنية البسبوسه بعيون دامعة لتهتف بعفوية :
_” هو منذر رجع يا ماما ؟”.
قطبت والدتها حاجبيها باستغراب قائلة :
_” وأنا اش عرفني يا هاله تقريبًا هو لسه في بيت خاله شكله عجبته اسكندرية ، المهم بلاش كتر كلام حطي الحجاب على رأسك وروحي وديها بسرعه وتعالي “.
_” طيب دقيقه وجاية”.
أنهت حديثها وهي تتجه عائدة إلى غرفتها ، فتحت الباب لتقع عيناها على وطن الجالسة أمام شاشة اللاب توب ، لتسألها هاله بقلق :
_” لسه بردو ؟”.
ردت وطن دون أن تنظر إليها :
_” الموقع قفل ونزل منشور إنها هتظهر بكرا اتنفسي بقى براحه إن شاء الله خير “.
_” يارب ، أنا زهقت خلاص الواحد أعصابه باظت خالص “.
قالتها هاله وهي تضع الحجاب على رأسها ، ثم خرجت واتجهت إلى والدتها أخذت الصينية من يدها .
……………………………………………
طرقت على باب الشقة وقلبها تتسابق دقاته فيما بينها بقوة ، مرت ثواني وفُتح الباب ليظهر من وراءه ، آخر شخص توقعت هاله أن يفتح لها الباب وتقابله هكذا وجهًا لـ وجه ، عضت على شفتيها من الداخل وسارعت باخفاض بصرها ، صوب صينية الحلويات التي تحملها .
في حين كان منذر ينظر لها باشتياق وحنين يفيض من عينيه مستغلاً أنها لا تنظر إليه ، وبعد لحظة صمت فتحت هاله فمها لتردف بأي شيء ولكن لسانها لم يسعفها ، تحرك منذر من أمام الباب يفسح لها الطريق ثم بدون أن ينبس بحرف تحرك صوب غرفته .
تساقطت دموعها بقوة ، حرمها حتى من الكلمة من أن تسمع صوته ، لتبتلع لعابها الذي جف بحلقها وتدخل بخطوات بسيطة ، حينها قابلتها والدته السيدة نوال وهي تخرج من غرفة المطبخ تحمل بيدها بعض الأطباق ، وضعتها على الطاولة ثم اتجهت إليها تهتف ببسمة صغيرة:
_” هاتي عنك يا حبيبتي وقولي لماما تسلم ايدك “.
ناولتها هاله الصينية وهي ترسم بسمة مجبرة على شفتيها مردفة بنبرة مهمومه:
_” الله يسلمك ما عملناش حاجه “.
ابتسمت هاله لها ثم أعطتها ظهرها واتجهت نحو الباب مغادرة فاستوقفتها نوال بقولها في ود :
_” هاله ما تقوليلهم وتعالي اتعشي معانا زي زمان من زمان ما اتجمعناش كدا “.
بدون أن تلتفت لها قالت هاله ببحه ينبعث منها البكاء :
_” وجودي مش مرحب بيه عن إذنك “.
ما إن أنهت حديثها حتى خرجت مسرعه وهي تبكي بشدة ، تنهدت نوال بحزن ثم أدخلت الصينية المطبخ واتجهت إلى غرفة منذر طرقت الباب وانتظرت إذنه بالدخول وما إن سمعت صوته يأذن لها ، فتحت الباب مردفة بضيق :
_” أنت قولت إيه لهاله بكاها كدا وخلاها تديني الصينية وتمشي بالطريقه دي ” .
كان منذر مستلقيًا على فراشه وهو يعبث بهاتفه ثم ودون أن يحيد بنظره عن شاشه الهاتف أجابها بنبرة باردة :
_” ما قولتش حاجه أصلا ولا كلمتها “.
جعدت نوال جبينها بضيق ثم جلست بقربه على السرير ونزعت الهاتف من يده ثم أردفت بحزن :
_” امال عملت إيه؟”.
اعتدل منذر في جلسته مسندًا رأسه على الجدار خلفه :
_” ما عملتش يا أمي فتحتلها الباب ودخلت أوضتي بعدين مش دي كانت رغبتها وهي اللي طردتني من حياتها بتعيط ليه بقى وزعلانه من معاملتي ؟” .
حركت والدته عينيها عليه وهي تتفرس تعابير وجهه قبل أن تردف بضيق:
_” على فكره بقى أكيد ليها عذر والمفروض لو أنت بتحبها فعلا تحطلها عذر ولو ملقتش تقول اكيد عندها عذر مش تحكم عليها كدا وخلاص هاله بقت دبلانه من يوم ما انت مشيت لا بسمعها تضحك أو تتكلم زي الأول طول السنة دي وهي حابسه نفسها بتذاكر وبس لا بتقابل حد ولا بتخرج أصلا إلا على دروسها أو مدرستها لو فيه حاجه مهمه البت انطفت خالص يا حبة عيني”.
قطب منذر حاجبيها بضيق مغمغمًا ببرود :
_” وآخره يا أمي بتقولي لي ده كله ليه ؟ ماليش دعوه بيها هي حُره “.
نظرت له والدته بعيون ضيقه وهي تطالعه بشك أثناء قولها في مكر:
_” اممم افهم من كلامك إنك بطلت تحبها وخلاص طويت صفحتها بالسرعه دي يا منذر “.
باندفاع تمتم منذر :
_” لا طبعًا أنا لسه بحبها زي الأول و أكتر ومتعرفيش هي وحشاني قد إيه؟ وإنه كان صعب عليا اتجاهلها كدا وإنها تبقى قدامي ومعرفش اكلمها هاله بجرتي الحلوب مش عارف اكلمها أو اهزر معاها وإني اتهرب منها ، بس في أيدي إيه أعمله هي اللي رفضتني هي اللي جرحتني بكلامها وأنا بنفذ رغبتها أهو ، يا أمي أنتِ ليه عايزه تطلعيها بدور الضحية وأنا الظالم في الموضوع “.
رتبت والدته كلماتها في رأسها بعد أن استمعت إلى حديثه ورأت صدقه ، فطوال الفترة الماضية كان منذر يتصل بوالدته لتخبره عن أحوالها ، كما كان هو يراقبها من دون أن تعلم كم اشتاق لها حد الموت ، وكم من مرة أمسك نفسه حتى لا يذهب إليها ويسألها عن حالها ، كم مرات ظل يحدق في صورتها التي لا تفارق محفظته ، ثم بعد دقيقة أردفت والدته بنبرة هادئة:
_” انتوا الاتنين مظلومين يا ابني محدش فيكم ظالم بس أقصد لايمتى هتفضلوا على الوضع ده يعني ؟”.
زفر منذر أنفاسه في ضيق شديد وهو يمسح على شعره :
_” مش عارف أنا بقيت بكره كلمة لايمتى دي فلوسمحتي يا أمي متقوليهاش تاني “.
صمتت والدته لثواني قبل أن تقول بخبث :
_” طيب مش هقولها تاني ، بس بعد نتيجتك إن شاء الله كنت بفكر يعني أحجز لك بنت عمك إيهاب هما من زمان كانوا بيقولوا أصلا إن بنت عمك ليك و…..”.
قاطعها منذر وهو يحدق بها بذهول وهو يردف بضيق شديد:
_” أمي أنتِ عايزه تجننيني ، أنا بحب هاله ،تقولي لي احجزلك بنت عمك ” .
بغيظ شديد وهي تعقد حاجبيها قالت نوال ردًا على حديثه المتهكم :
_” وبعدين يعني آخرة الحب ده إيه ؟ هتفضل تحبها في السر وخلاص هو ده اللي أنت بتفكر فيه قولتلك اجس نبض أمها وأنت رفضت وهاله كل يوم بياجيلها كتير وأبوها إن كان رافض علشان الثانوية فهي خلاص داخله الجامعه يعني ممكن كمان سنتين مثلاً ولا حاجه يوافق إنها تتخطب خصوصًا إن فرح أختها بعد العيد الصغير “.
كرمش منذر ملامح وجهه بانزعاج واضح وهو من داخله يرفض ذلك بشدة ثم رفع رأسه ونظر إلى والدته وبنبرة كاذبه أردف :
_” قولتلك بردو أعمل إيه الله يسهلها بعيد عني “.
رفعت والدته حاجبها باستنكار قائلة بخبث :
_” من قلبك يا منذر “.
نهض منذر عن فراشه واتجه إلى المرآة أمسك بالفرشاة وأخذ يمشط شعره وهو يصطنع اللامبالاة ونيران الغيرة أكلته من الداخل :
_” من ورى قلبي يا أمي بس بردو قولتلك في أيدي إيه أعمله أبوها مش شايفني غير ابن ليه وبس ودلوقت هقولك سيبيها على الله لو ليا نصيب فيها هاخدها “.
ختم حديثه وهو يترك فرشاة الشعر من يده ثم خرج من الغرفة وقبل أن يخرج من المنزل قالت والدته :
_” استنى رايح فين ابوك على الطريق ومروان جي “.
……………………………………………..
_” كفاية عياط يا هاله وجعتي قلبي “.
خرجت تلك الكلمات من شفاه وطن وهي تطالع أختها المنزوية في آخر الفراش تدفن رأسها بين أرجلها منتحبة في بكاء حاد .
تقدمت منها وطن تمشي على ركبتيها ويديها حتى جلست بقربها ثم بكل حنان أمسكت بشعرها تبعده خلف ظهرها ، ومدت يدها ترفع رأسها لينفطر قلبها حزنًا على شقيقتها وهي تنظر إلى انتفاخ عينيها واحمرارهم من كثرة البكاء ، أدمعت عيونها تأثرًا لتحاول التخفيف عنها ولو ببضع كلمات :
_” طيب إيه اللي حصل معاكِ أنتِ شوفتيه هناك ؟ “.
بنبرات متقطعة وصوت خرج من أعماقها يعبر عن ألمها همست هاله :
_” شوفته ومعرفتش أنطق بحرف ولا هو اتكلم فتح لي الباب وسابني ومشي دخل أوضته ، عيونه كانت باردة يدوب لمحت نظرة عابرة كدا وهو بيوسع لي علشان أدخل ، أنا مبقتش قادره أتحمل يا وطن خلاص فاض بيا وقلبي تعبني ، أوقات بسأل نفسي ليه ما حبنيش زي ما حبيته أنا كنت قدامه قبل نرمين دي أنا اللي عشت معاه واتربينا سوا لينا ذكريات كتيرة مع بعض ، عارفه على قد خوفي وقلقي من النتيجه بس خوفي إنه خلاص تخطاني ونسيني هو اللي دبحـ.ني “.
ضغطت على شفتيها وهي تبتسم بسخرية وعينيها تدوران في أرجاء الغرفة قبل أن تعاود النظر إلى أختها مكملة حديثها بحزن ووجع يقطر من بين كلماتها:
_” علاقتنا ماتت ودمها على أيدي لوحدي أنا اللي عملت فينا كدا ، أنا كان لازم اسيطر على مشاعري أكتر من كدا كان لازم أحفظ قلبي يا وطن أنا ليه حبيته لدرجه بتوجعني أوي يا وطن أنا ليه حصل معايا كدا؟ هل أنا بعيده عن ربنا يا وطن علشان كدا ابتلاني بهوى القلب “.
داعبت وطن خديها وهي تمسح بأناملها دموعها :
_” لا يا حبيبتي ما تقوليش كدا ، المشاعر دي جميلة ونبيلة جدا وأنتِ حفظتي قلبك للانسان اللي يستحقه ومنذر يستحق إنك تحبيه سيبك من هرتلات المراهقه ياما وأنا في سنك كنت بعمل زيك كدا كان طبيعي ، أنا أعجبت بمدرسين ليا وبنيت أحلام وردية وأوقات دكاترة ليا في أول سنه جامعه دي حاجه مرتبطه بالنمو بتاعنا يا هاله حاجه جو تركيبتنا المشاعر والحب ، بس طبعًا مشاعر نبيلة عفيفه مش بناخد عليها ذنوب مثلاً زي ما أنتِ شايفه اللي بيعملوه الشباب والبنات تحت مسمى الحب واحدة تروح تقولك أصلي مرتبطه بمحمد ومحمد ده مين يعني خطيبك اتقدملك لا طبعًا مجرد واحد شقط واحده وعايز يتسلى دول بيسيئوا للحب و المشاعر الجميلة اللي بتتزرع في قلوبنا في ناس بتقفل على قلبها يعني بتكون كل تفكيرها في حاجه تانيه دراستها مثلا تشعل نفسها بهواية بأي حاجة أو مفيش حد لفت نظرها وبعدين دي أمور كلها جوه هنا “.
أشارت إلى قلبها مكملة ببسمة لطيفة:
_” الله وحده بيعلم بيها يعني أنا معرفش اللي جواكِ إيه ولا أنتِ تعرفي جوايا ايه ، جايز أظهر قدامك إني مش فارقه معايا ولا بحب ولا معجبه ولا أي حاجه وأنا من جوايا مثلا عندي حب بس محتفظه بيه بيني وبين نفسي وبدعي مثلا ربنا يجعله من نصيبي دول بقى فئة نادرة إنها آه عاشت المشاعر دي بس حافظت على دينها على تربيتها على أخلاقها إنها معملتش شيء تاخد ذنب عليه تحت مسمى الحب دول ربنا بيبارك في علاقتهم مثلا ووقتها ممكن يغير القدر علشانهم من شدة الحاحهم على الله بالدعاء فهماني يا حبيبتي “.
حركت هاله رأسها بهزة بسيطة وهي تستمع لها فأكملت وطن بهدوء وبسمة صافية :
_” في حالتك أنتِ بقى الحب الحقيقي اللي حستيه بجد كان لمنذر ومن زمان بس أنتِ انكرتيه من جواك ووهمتي نفسك بأنه أخ ليك وبس ، وكان كل ما حد يعجبك مثلا تقولي عليه لينا مخبتيش حاجه سواء عليا أو على صحباتك تقولي لي يا وطن الشاب ده انهارده عمل تصرف جميل وأعجبت بيه هنا أنت أعجبت بأخلاقه واحد تاني كان ذكي مثلا تقولي أنا أعجبت بيه وأنت قصدك على أنه ما شاء الله انسان نبيه وذكي إنما المشاعر الحقيقيه كانت لمنذر من البداية وبعدين الاعجاب ده بيدا على تفاعلنا مع المجتمع والناس طب ما انت ممكن تعجبي بواحده مثلا وتقولي البنت دي ما شاء الله عليها أخلاق و طيبه كدا “.
حركت هاله جسدها تستند برأسها على كتف أختها وهي تهمس بحزن :
_” شكلي هفضل أحبه بيني وبين نفسي وبس يا وطن “.
…………………………………………
|• عصر اليوم التالي•|
كان منذر يتحرك ذهابًا وإيابًا وهو ينقل بصره بين أخيه الجالس أمام جهاز الكمبيوتر وبين سقف الغرفة ، وفجأة نهض مروان وهو يردف بنبرة سعادة بدت واضحه جدا في حديثه :
_” مبروك يا وحش الكون نجحت وطالع من العشرة الأوائل”.
توقف منذر وهو يطالع وجه أخيه بملامح مبهمة قبل أن تفرج شفتيه عن ابتسامة واسعة وهو يقول:
_” احلف بالله”.
تبسم مروان وهو يمسك بوجهه بين يديه مرددًا :
_” والله العظيم ..تعالى شوف مركزك مكرر بس أعتقد مش مشكله بالنسبه ليك “.
تجاهل منذر حديثه واتجه يطالع شاشة الكمبيوتر بعينيه ، وحينها أخذ يضحك بقوة ، تحت تعجب مروان الذي رفع حاجبه بذهول ، ليهتف وهو يضع يده على شعر أخيه :
_” أنت كويس بتضحك على إيه ؟”.
لم يرد عليه منذر بل أخذ يركض خارج الشقه وتزامن فتحه للباب مع رؤيته لمعذبة قلبه تضحك بقوة هي الأخرى ودموعها تنهمر أمام وجهها ، تقطع المسافه بينهما لأول مرة وهي تصرخ بحماس كبير متناسية وعودها وكل شيء :
_” منذر أنا نجحت “.
ليتقدم منذر منها وهو يهتف من بين ضحكاته متجاهلا ما حدث طوال السنة الماضيه وكأن شيء لم يكن:
_” وانا نجحت يا هاله حتى في المركز لازقه ورايا ، بت أنتِ لزقه كدا ليه ؟”.
أدمعت عينيها وهي تهتف بنبرة ضاحكه رغم دموعها :
_” إذا كان عاجبك يا جحـ.ـش أنت ، أصلا أنت اللي جاي ورايا عدو النجاح “.
قطب منذر حاجبيه بضيق وهو يردف بتذمر:
_” كدابه أنتِ اسمك بعدي يبقى أنت اللي جايه ورايا أنا المركز الأول “.
قهقهت هاله ضاحكة مردفة بنبرة حانية :
_” مش مهم مين فينا الأول بس أنا مبسوطه إننا تقديرنا زي بعض ونفس المركز “.
بهمسٍ قال منذر ولم ينتبه إلى أفراد أسرتيهما الذين يطالعونهم ببسمة واسعه والفرحة ترسم خطوطها على ملامحهم :
_” وأنا كمان مبسوط جدا مبروك يا هاله الحلم هايبقى حقيقه “.
_” ومبروك ليك أنت كمان دلوقت العيال أكيد هيصدقوا الاشـ…..”.
قطعت باقي كلماتها عندما استوعبت ما كادت تتفوه به ، لتختفي البسمة من على شفاهه وهو يطالعها بذهول كأنه استوعب توا ما كان يجري ، تنحنح بحرجٍ عندما أبصرت عينيه أباها يقف خلفها تمامًا وبعيونه نظرة عتاب أم ماذا لا يدري ليسارع بخفض عينيه .
عندها تحدث محمد والد هاله بأعين مبهمة:
_” مبروك ليك يا منذر “.
فقط حين نطق والدها بتلك العبارة أفاقت هاله من فقاعتها ليكسو الحزن ملامح وجهها التي كانت قبل لحظات تدق بالحياة .
بادر منذر بالرد عليه ببسمة متوترة :
_” الله يبارك فيك يا عمي ، ومبروك لهاله “.
فجأة امتلئت الأجواء بالشحنات واضحى الجو متوترًا لذا هتفت وطن تستخرجهم من الصمت الذي حل عليهم وهي تهنىٔ منذر بنجاحه ، ليتحدث مروان ويشاركها بقوله في مرح :
_” وأخيراً حد في عيلتي هيدخل كلية تبع علمي فخور بيك يا منذر …لا من النهارده بقى اسمك الدكتور منذر ماجد عبد الكريم “.
ضمته والدته وهي تبتسم بود :
_” الدكتور منذر فخوره بيك يا حبيبي …وفخور بيك يا هاله يا قلبي”.
………………………………………….
تفرك في يديها بتوتر ملحوظ وهي تخفض بصرها أرضًا وبجوارها تجلس وطن ، في حين كان والدها يستقبل التهاني من العائلة ، همست لها وطن بخفوت :
_” مالك بلمتي كدا ليه ؟”.
نظرت هاله بطرف عينها إلى والدها المندمج في الرد على أقاربهم ثم نظرت لأختها التي تنتظر إجابتها لتأخذ نفسًا عميقًا وبهمس قالت :
_” حاسه إن بابا اضايق لما طلعت أقول لـ منذر قبل ما أعرفه هو بس أنا معرفش لقتني أول ما الموقع فتح وشوفت النتيجة مقدرتش أمسك نفسي ولقتني بجري عليه وأعرفه كمان أنا حافظه رقم جلوسه وأول ما لقيت كمان إن العشرة الأوائل منزلينهم على الصفحة الرسمية مقدرتش ما روحش عنده نسيت وعدي لبابا ونسيت أي زعل بينا ونسيت إنه ضربني بالقلم كل اللي افتكرته إن حلمي وحلمه اتحقق وبس “.
مدت وطن يدها تمسك بخاصتها وهي تربت على يداها بحنان بالغ أثناء همسها بمرح وبسمة صافية:
_” مش أنتِ بس اللي نسيتِ زعلك هو كمان ويظهر جاب نتيجتك بردو زي كل سنه كان هو اللي بيبشرك بس المره دي بشرتوا بعض بنفسكم وفي نفس اللحظة قد إيه كان شكلكم جميل “.
صمتت وطن لثواني وهي تراقب الوضع وعندما لاحظت والديها منشغلان بالهاتف ، ثم همست بحب :
_” عارفه أنا مش قادره اتخيل منذر مع حد تاني كل ما بشوفه بشوفك في عينيه عارفه إني كدا بصعبها عليك بس حقيقي مش متخيله منذر ينفع مع حد غيرك أنتِ وهدعي ربي يجمعكم في أقرب وقت لأنكم تستحقوا تبقوا مع بعض بالرغم من كل حاجه “.
لمعت عيني هاله بالدموع واكتفت بالصمت جوابًا وبداخلها دعاء صامت بأن يلبي ربها دعوة أختها ويبادلها منذر مشاعرها .
أفاقت من شرودها على صوت والدتها تهتف بنبرة مازحه :
_” يا راجل بشبش جيبك شوي هي حفله هنعملها هنا في البيت بنتك طالعه الأولى حاجه تشرف كدا ومش خسارة المصاريف، عايزه أصرخ واقول للدنيا كلها أنا أم الدكتورة وبنتي هاتبقى دكتورة “.
نظر لها محمد بسعادة لسعادتها وهو يقول:
_” وأنتٓ يا وليه تعرفي عني إني بعز حاجه على بناتي ولا إيه؟ أنا هعملها كل اللي هي تشاور عليه ، ولا إيه رأيك يا حبيبة بابا؟ “.
بابتسامه واسعة أردفت هاله بحب كبير :
_” أنا ميفرقش معايا كل الشكليات دي المهم عندي انتوا ، انتوا فخورين بيا ؟”.
فتح لها والديها ذراعيهما يدعوها للاقتراب ، نهضت هاله لتستقر بين كنفي والديها وسعادة العالم بأسره لا تسعها ، قبلت والدتها جبهتها ، وبادلها والدها بأخرى على وجنتها ثم تحدث بحنان :
_” أنا اكتر من فخور بيك بنتي رفعت رأسي ومشرفاني ، مبروك نجاحك وتفوقك يا هاله عقبال شهادة التخرج واشوفك دكتورة قد الدنيا “.
_” آمين يا رب ، تسلموا لي انتوا جزء كبير من نجاحي انتوا أكبر داعم ليا وأنا تعبي كله اتبخر بمجرد ما شوفت سعادتكم وفرحتكم بيا بحبكم جدا جدا جدا جدا ” .
هتفت وطن وهي تمسح دموعها بتأثر:
_” لا لا أنا بغير انتوا مفرحتوش كدا ليا وقتها هذه تفرقه عنصريه وأنا أعترض “.
فتح لها والدها ذراعه بدعوه لحضنه ، فأسرعت وطن باحتضان أسرتها وهي تبتسم بفرح لأختها وسمعت والدها يقول بمحبه لا يبخل عليهم بتقديمها :
_” أنتِ أول فرحتنا في كل حاجه وأنا فخور بيك يا حبيبتي ، ربنا يبارك لي فيكم انتوا الأتنين”.
قبلت وطن جبهة والدها تردف ببسمة واسعه :
_” ويديمك في حياتنا يا بابا …وعلى فكره أنا بهزر سعادتي من سعادة أختي حبيبتي وهتفشخر بقى على قفاها أخت الدكتورة راحت أخت الدكتورة جات “.
ضحكوا جميعًا على حديثها وضمتها هاله إلى حضنها بحب ثم نهضت واتجهت إلى المرحاض توضأت وبدأت تصلي ركعات لا عدد لها تشكر ربها وهي تبتهل إليه بالدموع تحمده على السعادة التي أنزلها على عائلتها وعلى حلم سهرت عليه ليالي طويلة تدعوه ليحققه لها منذ أن كانت بعمر الرابعة عشرة وها هو الحلم تحقق فشكرًا للإله.
………………………………………
مضت الأيام سريعًا وها هي تقف أمام الجامعة ، ظلت تنظر إليها بعيون دامعة وهي تحمد الله ألف مرة ، أن حقق حلمها ، فجأة وكما العادة يقتحم أريج عطره كيانها ، لتغمض هاله عينيها وقلبها يخفق بشدة ، فتحت عينيها ببطء ، ولم تجده أمامها رحل ببساطة دون أن يتفوه بحرف ، فمنذ ذلك اليوم الذي تحدثوا فيه وقت ظهور النتيجة وعادت الأمور كما هي لا يتحدثون وكلٌ منهم إذا رأى الآخر يمضي في طريقه وكأنه لا يعرفه ، سقطت دموعها وهي تطالع ظهره بحنين بينما يمشي باتجاه القسم الخاص به والذي يكون بدوره قسمها أيضًا حيث تخصصوا في الجراحة .
أفاقت من شرودها به عندما لكزتها سهام على كتفها قائلة:
_” من أولها سرحان كدا واقفه برا ليه على مدرجك يالا “.
ابتسمت هاله بحرج وهي تردف بضيق:
_” وأنتِ مش في مدرجك ليه بقى ؟”.
مطت سهام شفتيها متمتمة بهدوء :
_” عادي لسه مستنيه الأخت جنات ندخل سوا ، أنتِ خلاص سبتينا يا ستي ودخلتي طب بشري إحنا طب أسنان يالا دي منطقتنا انشكحي من هنا يا جزاره “.
قهقهت هاله ضاحكة بقوة وهي تطالع سهام بتعجب:
_” ايه يا بت الغل اللي أنتِ فيه ده ؟”.
تبسمت سهام بلطف وهي تردف بضيق مصطنع :
_” ده قر وحياتك يالا روحي بسرعه ورى حبيب القلب قبل ما مزة تعلقه كدا ولا كدا “.
كست ملامحها علامات الحزن وهي تردف بوجع:
_” سهام إحنا زي ما إحنا لا هو بيكلمني ولا أنا بكلمه وأول ما بيشوف وشي بيغير طريقه يالا أشوفك بعدين سلام ما تمشوش ابقوا اتصلوا عليا نمشي سوا “.
وافقت سهام ثم ودعتها هاله ودلفت إلى المدرج الذي كان مملوء على آخره ، جالت بعينيها عن مكان شاغر حتى عثرت عليه وضعت حقيبتها ثم جلست ، أتت بعض الفتيات وجلسن بقربها تبادلن التحية وابتسمن بلطف معرفين عن أنفسهن .
كانت عيني منذر عليها طوال الوقت مستغلاً جلوسه ورائها بالخلف استمع لضحكتها التي افتقدها منذ ذلك اليوم ، ثم تنهد بقوة وبدأ بالتركيز مع الدكتور الذي دخل .
……………………………………….
كان ينظر إليها وهي تروح و تجيء أمام ناظريه وتبدو متوترة من شيء ما ، ليضع الجريدة من يده وينادي عليها :
_” نجات في إيه خيلتيني رايحه جايه في إيه مالك ؟”.
أتت نجات وجلست بقربه ثم قالت بعد أن أخذت نفسًا عميقًا:
_” محمد أنت من فترة كدا سألتني إيه رأيك في منذر وأنا قولت المتوقع يعني ، بس في حاجه كدا مقولتهاش ليك وحاسه جه وقتها “.
استرعى حديثها على كامل انتباهه ليستدير صوبها وينظر نحوها بتركيز وهو يهتف بصوت هادئ:
_” إيه هي ؟”.
ابتلعت نجات ريقها مردفه بهدوء :
_” أنا عمري ما اتمنيت اجوز هاله بنتي إلا لمنذر حلم ونفسي يتحقق هو عارفها وفاهمها و ….”.
لم يدعها محمد تكمل وهو يردف بعينين ضيقه :
_” وإيه يا نجات ؟ أنتِ عايزه تجوزيها لمنذر ابن ماجد جارنا مش كدا ؟”.
أرجعت نجات رأسها للخلف وهي تطالعه بنظرات مستغربه :
_” ايوه هو بصراحه جدع وشهم ومحترم جدا واحنا عارفين أخلاقه كويس وبصراحه بقى كدا حكاية الاخوات اللي فرضتوها عليهم دي أنا من زمان وأنا مش بالعاها بس ما اتكلمتش علشانك أنت كان نفسك يكون عندك ولد بس الله ما أردش ، وبعدين بصراحه في حاجه استغربتها بردو يعني هاله بينها وبين منذر تقريبا خمس شهور لما هي اتولدت في الوقت ده ما دام اصريتوا يكونوا أخوات ليه رفضت أخلي نوال ترضعها ؟”.
أطلق محمد تنهيدة قوية وهو يرجع رأسه للخلف يستند على مؤخرة المقعد وهو يردف بشرود :
_” هتصدقيني لو قولتلك إن حلمك ده أنا بتمناه وأكتر منك كمان يمكن علشان كدا رفضت يرضعوا على بعض مش عارف بقى بس حاجه جوايا كانت رافضه ووقتها ده اللي حصل ربيناهم على أساس أخوات بس بنتك خلفت بده وحبته ده اللي مكنتش عامل حسابه مالك كدا ما اتفاجئتيش بكلامي؟ “.
ابتسمت نجات وهي تنظر إليه بغيظ مردفة :
_” ليه مش شايفه حالة بنتي ولا مش حاسه بيها ما اكونش أم لو غفلت عن حاجه تخص ولادي صحيح أنا وهي مش صحبه ودايما بتحكي لوطن بس أنا حاسه بيها وعارفه قد إيه بتحبه وساكته “.
_” أهو ده بقى اللي كدرني يا نجات لما شوفت في عيونها مشاعر ليه ، عرفت إن قراري إني مخلهمش أخوات حقيقي كان غلط وإن اختلاطهم ببعض كان غلط وكان لازم أخد تصرف علشان امحي الغلط ده”.
صمت لثواني قبل أن يردف بحزن وهو يعترف لها بما فعله في السنة الماضيه :
_”علشان كدا قطعت سبيل الوصل بينهم كنت عايز أحافظ على بنتي وخوفت من مشاعرها تجاهه تأثر على دراستها فأخدت عليها وعد تقطع علاقتها بيه وإنه ابن جيرانا وبس وقولتلها أنا عايز أرفع رأسي بيكِ متخذلنيش يا هاله واهي الحمد لله ما خذلتنيش”.
_” يا نهار يا محمد هو أنت اللي كنت ورى حالة بنتك دي هاله كل يوم بتنام ودمعتها على خدها بس كانت بتدوس على نفسها وتذاكر علشانك ، ده أنا بنتي طول السنه اللي فاتت وهي عايشه من غير روح وأنا أقول ما بتذاكرش مع منذر ليه ؟ وبطلت تروح عندهم هناك ليه؟ وليه الولد بردو كل يوم والتاني ينط عند بيت خاله واتريك يا محمد اللي مفرقهم كدا “.
طالعها محمد بنظرات متهكمه وهو يقول بحنق :
_” مفرق إيه يا وليه؟ بنقولك اختلاطهم غلط وما ينفعش هو لا أخوها ولا هي بتعتبره أخ ليها أصلا ، زائد أنا حافظت على مشاعر بنتي كانت هتتعذب كدا على الفاضي خصوصًا إنها قالت لي إن منذر بيحب واحده معاهم فكدا أفضل ليها الولد بيعتبر البنت أخته ومكمل في الدور اللي سلمتهوله حتى إني انهارده وصيته عليها يخلي عيونه عليها “.
_” تاني يا محمد هانعيده تاني منين بتقولها تتفرقوا ومنين يتطلب من منذر يخلي باله منها “.
مسح محمد على شعره وهو يقول :
_” يا الله يا ولي الصابرين …يا وليه افهمي أنا بس وصيته عليها من بعيد لبعيد حد ضايقها أو حاجه يتدخل بس وقفلي بقى على الموضوع ده “.
نهضت نجات مردفة بغيظ :
_” لعلمك بقى أول ما منذر يطلب أيدها أنا أول واحدة هوافق “.
انحنى محمد على الطاولة الصغيرة أمامه يلتقط الجريدة وهو يقول ببرود :
_” لما بقى ، بنتي هتفضل معايا ومش هجوزها “.
شهقت نجات بدهشه وهي تطالعه بنظرات مستنكرة :
_” قول كدا بقى الموضوع فيه غيره بتغير عليها من منذر صح ؟ ولا عايزها تفضل العمر كله جنبك ما هي مسيرها بعد جامعتها لبيتها بردو واللي هيكون بيت منذر بردو إن شاء الله “.
رفع محمد حاجبه بسخرية وهو يقول :
_” شوف الوليه ماشي يا نجات هانشوف بس لو واخده بالك دول سبع سنين ها؟”.
وبنفس البسمة الساخرة أردفت نجات:
_” إن شاء الله يكونوا عشرة حتى بردو مش هجوزها إلا لمنذر ارتاح أنت بقى وبعدين هما مع بعض يتخطبوا بعد سنة ولا حاجه ونبقى نجوزهم وتكمل الباقي في بيته “.
_” أنتِ بتتكلمي وكأنه اتقدم ومفاضلش غير الموافقه “.
_” هايتقدم ما تقلقش أنت “.
نظر لها محمد بشك :
_” حاسك مخبيه عني حاجه مش مرتحلك يا وليه “.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يوميات مراهقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *