روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثلاثون 30 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الثلاثون 30 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الثلاثون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الثلاثون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الثلاثون

– مني أنا ؟ حاجة إيه دي اللي عايزة تعرفيها مني؟
سالتها غادة باستفسار وتعجب، أجابتها الأخرى مباشرةً وكأنها ترمي ببالونة إختبار في البداية:
– إيه علاقة جاسر الريان ببنت خالك؟
أُجفلت غادة من السؤال المباغت حتى أنها تلجلجت في اضطراب فاضح أمام نظرات الأخرى المتربصة لتزيد بداخلها الشكوك .
– ااا انا مش فاهمة بصراحة السؤال، لو انتِ بتسألي على زهرة، فدي تبقى سكرتيرته، غير كدة هايكون فيه تاني مثلًا غير…. اللعمل؟
بابتسامة جانبية واثقة خاطبتها مرفت:
– لأ في أكتر من العمل ياغادة وانا متأكدة من كدة، عشان عارفة كويس جاسر الريان وعارفة عجرفته وجليطته مع كل الناس وخصوصًا الستات، ودي شخصيته المعروفة دايمًا على فكرة؛ واللي اتقلبت دلوقتي لمية وتمانين درجة من يوم ما اشتغلت عنده بنت خالك، دا بيعاملها بخصوصية مكانش بيعملها مع مراته .
ارتبكت غادة وارتسم التوتر على وجهها بنظرات عيناها الزائغة، وتململها في الجلسة بشكل يوحي برغبتها للهرب، تابعت مرفت بضغطها :
– هو انتِ ليه ما بتروديش على سؤالي ياغادة؟ لدرجادي مش واثقة فيا؟ طب اشمعنى انا عبرتلك عن اللي جوايا ناحيتك من أول مرة شوفتك فيها ورغبتي ف……
قطعت جملتها بقصد لتثير بداخل الأخرى الفضول فسألتها بلهفة:
– رغبتك في إيه؟ قولي .
رمقتها بنظرة غامضة وهي تتنهد بقنوط قبل أن تشيح بوجهها دون أن ترد لتحرق أعصابها ، فتابعت غادة بإلحاح:
– ما تقولي بقى يامرفت وماتسبنيش كدة على ناري .
عادت إليها برأسها بنبرة محبطة:
– خلاص بقى ياغادة، مافيش داعي للكلام وانتٍ أساسًا مش واثقة فيا.
هتفت غادة بارتياع
– مين بس اللي مش واثقة فيكِ؟ والله واثقة وربنا العالم باللي ف قلبي ناحيتك، بس انا مقدرش اتكلم لا اترفد من الشغل وتتق*طع لقمة عيشي.
التقطت مرفت جملتها الاَخيرة وكأنها وجدت طرف الخيط لتردف بالسؤال :
– اااَه، يعني في كلام اهو وانتِ عارفاه وبتخبي، طب انا مستعدة اديكِ وعد شرف إن ماحدش هايقربلك ولا يقرب من وظيفتك، عندك حجة تاني بقى؟
– برضوا مقدرش اقولك الا لو حلفتيلي انك مش هاتجيبي سيرة لحد عن الموضوع دا خالص، انا مش قد جاسر الريان ولا قد غضبه.
– أحلفلك؟!
هتفت بها بغضب قبل أن تكمل:
– انتِ ازاي تطلبي مني حاجة زي دي؟ بقى اناا مرفت، تطلبي مني احلفلك عشان تصدقيني؟ قومي ياغادة ، قومي انا مش عايزة منك حاجة.
سقط قلب غادة في صدرها من لهجة مرفت الصارمة وهيئتها الغاضبة، فقالت برجاء:
– والنبي ماتزعلي مني ولا تاخدي على خاطرك، انا والله عايزة اقولك بصفتك صاحبتي، بس عايزاكِ كمان تقدري وضعي، لو حصل وانكشف الموضوع وطلعت انا السبب قدام الكل، ساعتها محدش هايرحمني
صمتت مرفت وضيقت عيناها بتفكير ثم مالبثت ان ترد على الاخري بلهجة واثقة:
– تمام ياغادة وليك الأمان، بس انتِ اتكلمي
………………………………
لا يدري مالذي حدث له ليخونه لسانه ويعبر عما بقلبه ناحيتها بقوله في هذه الجملة البسيطة، يعلم أنه لو أعطى لنفسه العنان لأمطرها بكلمات الغزل، خصوصًا وهو يرى الاَن ارتباكها اللذيذ وهذة الحمرة التي زحفت على وجنتيها وكأنها طفلة في طور المراهقة، أما هي وبرغم ماتشعر بهِ الاَن بتصدع اسوارها مع دفع هذا الرجل بقوة لأقتحام قلعتها والتي كانت حصينة دائمًا طوال السنوات الماضية قبل لقاءها به، فحاولت تمالك نفسها والتهرب كالعادة من نظراته المتفحصة لها بجرأة، فقالت تدعي المزاح:
– ياسيدي.. بكرة تتعود، هي الاماكن دي بالذات حد بيثبت فيها؟
أومأ بشبه ابتسامة خاوية ليجاريها:
– على رأيك، الاماكن بتتغير ومافيش حاجة دايمة، المهم انتِ عاملة ايه النهاردة؟ حاسة بتحسن بقى ولا لسة فيه ألم؟
تنهدت براحة قبل أن تجيبه :
– الحمد لله طبعًا، النهاردة احسن بكتير، على الأقل قادرة اتعكز عليها، انما امبارح بقى…. مش عايزة افتكر، بس بصراحة، انا بجد عايزة اشكرك ياطارق على وقفتك معايا امبارح طول اليوم، مش عارفة من غيرك كنت هاعمل ايه ساعتها؟
تبسم داخله وهو يتذكر حمله لها بالأمس وشعوره بها بين يديه ورغم جزعه وخوفه وقتها فإنه عندما يتذكر الاَن، تتملكه المشاعر نحوها بقوة، رد بنبرة جعلها عادية:
– هارد عليكِ بنفس الرد بتاع امبارح على السيد الوالد، انا معملتش غير الواجب ياكاميليا.
اومأت برأسها بتفهم ، قبل أن تنتبه لدلوف شقيقها الصغير بصياحه كالعادة:
– ياعالم يابشر، جعان ونفسي في لقمة اتقاوت بيها، حد فيكم يايحن على العبد الغلبان ولا ادعي عليه من قلبي.
انشقت على ثغرها ابتسامة سعيدة وهي ملتفة برأسها في انتظاره حتى وصل إليهم ، ظهر على وجهه الحرج فور أن انتبهت عيناه للضيف الغريب، فقال التحية على استيحاء:
– مساء الخير، هو احنا عندنا ضيوف ياست كوكو لا إيه ؟
ابتسم له طارق بمودة قائلًا بمزاح:
– ولا يهمك ياباشا، اعتبرني مش موجود وخد راحتك، انت كنت بتقول ايه بقى؟
ازداد حرج الصغير وهي يطرق رأسه بابتسامة اظهرت غمازتيه، فقالت له شقيقته مرحبة بسعادة تفتح له ذراعيها :
– ياحبيب كوكو انت، قال يعني وش كسوف ، تعالى يابني هو انت لسة هاتفضل واقف في مكانك.
تقبل الدعوة بلهفة، ليركض على الفور نحوها يرتمي بأحضانها ويقبلها في وجنتيها بحب، وهي تضحك له بسعادة، جعلت الغيرة تدب في قلب الاَخر ليتمتم بداخله:
– ياريتني مكانك ياسي ميدو
خرج الصغير فجأة من أحضانها يقول بحماس :
– النهاردة عندي واجب كتير اوي، ومدرس الحساب طالب مننا حل مسائل كتير.
تجعد وجه كاميليا قائلة ببؤس:
– حساب تاني، هو المدرس بتاعكوا دا غاوي يذلني، احل معاك ولا افهمك ازاي بس وانا خيبة فيه.
زام ميدو بشفتيه عابسًا قبل أن ينتبه على نداء طارق :
– سيبك منها ياعم ميدو وتعالى افهمك انا ، حكم صاحبك بقى لهلوبة في الحساب .
هلل ميدو ليخرج كراسته من الحقيبة ويجلس بجوار طارق الذي تكفل بكل صبر ليساعده في حل المسائل بتفهم دون كلل أو ملل، وهي تتابع معهم بابتسامة جميلة مثلها
………………..
– مراته!
هتفت بها بعدم تصديق حتى انها لم تنتبه لنبرة صوتها التي عَلت مما اثار جزع الأخرى فهمست هادرة بتحذير:
– وطي صوتك لحد يسمعنا، الحيطان ليها ودان.
حاولت مرفت تمالك نفسها قليلًا تجاهد لخروج صوتها بنبرة متماسكة نسبيًا :
– انتِ متأكدة إن عقد جوازهم بمأذون شرعي مش بورقة عرفي ؟
اجابتها غادة بتأكيد:
– طبعًا امال ايه؟ دا عملها فرح ع الضيق فوق باخرة في قلب النيل، واحنا أهلها كلنا حضرناه، اصله كان عايز يفرحها، وحضر معانا الأستاذ طارق والأستاذ كارم مدير اعماله، والست عمته دي اللي اسمها علية .
– انتِ كمان وصلتي لعمته علية؟
هتفت بها مرفت بدهشة ثم عادت بظهرها للمقعد وهي تستوعب، هذا الأمر الجديد والذي لو انتشر أو عُرف ستكون بمثابة قنب*لة مدو*ية في وسطهم وضربة قاسمة لغريمها وحتى ميري المتعجرفة التافهة أيضا.
اقتربت منها غادة قائلة برجاء:
– اوعي والنبي الخبر دا يطلع، وحياة غلاوة الاستاذ ماهر عندك ياشيخة، انا مش قد الناس دي.
ابتسمت لها مرفت ترد بلهجة مطمئنة في ظاهرها:
– ماتقلقيش يا غادة، انتِ صاحبتي والكلام اللي مابينا دا سر ووقع في بير ياستي .
اومأت لها غادة برأسها وهي تشعر ببعض الراحة، أما الأخرى فبداخلها كانت تشعر بالإنتشاء والزهو، وقد وصلت بذكائها لسر جاسر الريان، وقد تغيرت كل خططها الاَن
…………………………
– افردي كفك وقربي أكثر من كدة، بلاش جبن بقى.
يأمرها متصنع الحزم وهو ممسك بلجام الفرس كي تطعمه وهي تضحك بهسترية غير قادرة على التوقف وذراعها تمتد لثانية وثم تعود على الفور بقطع السكر دون نتيجة، هتف عليها جاسر وهو يمسك بكفها الممتلئة بقطع السكر ويقربها عنوة من فم الفرس قائلًا:
– احنا بالشكل ده مش هانروح ولا لبعد أسبوع .
صاحت زهرة بصوت ضاحك تناديه لترك يدها:
– لأ ياجاسر والنبي، سيب ههه مش قادرة مش قادرة، حاسة بيه واكنه بيزغزغني في كفي ههههه.
لم يستمع لرجاءها، وكيف يفعل د؟ وقد دبت السعادة مرة أخرى بداخله وهو يستمع لضكاتها الصاخبة والتي تصبح رنانة دون قصد منها في بعض الأوقات النادرة، وقد تناست حزنها قليلًا مع جولتهم في هذه البقعة التي تبعث على الصفاء النفسي، واختلاطهم بهذه الكائنات الرائعة، وكلما على صوت ضحكتها تلفت يمينًا ويسارًا، بحثًا عن أحد ما من عمال المزرعة والذى أمر بابتعادهم لمسافة بعيدة عن مرمى ابصاره حتى يخلو لهو الجو مع محبوبته الرقيقة ذات الضحكة الرنانة النادرة، زفر الحصان من أنفه فجأة فانتفضت للخلف مجفلة حتى كادت أن تقع لولا أن ساندتها ذراعه القوية، لتضمها إليه ، فهتفت بصوت متهدج:
– شوفت، اهو الحصان كان هايوقعني .
شدد عليها يقربها أكثر منه قائلًا:
– تقعي فين ودراع حبيبك موجود، دا انا يبقى ماليش قيمة بقى.
تملمت وهي تحاول فك نفسها منه وعيناها تطوف حولها بقلق :
– حل إيدك عني شوية، ليشوفنا السايس ولا الراجل اللي شغال معاه يبقى منظرنا زبالة
توسعت عيناه وهو يقلد طريقتها:
– أو يكون بيصورنا بكاميرا ولا بيبص علينا بالميكرسكوب مثلًا .
شهقت لتلتفت رأسها بحدة وتنظر حولها لتسأله بجزع:
– يالهوي، ودا ممكن يحصل فعلآ؟
جلجلت ضحكة مرحة منه قبل ان يجيبها :
– يامجنونة انتِ، ياللي هاتجننيي معاكِ، مافيش حد يجرؤ يصور ولا حتى يطل براسه علينا، ثم التاني دا كمان مااسموش ميكرسكوب، اسمه نظارة معظمة، دوكها ليه وظايف تانية غير التج*سس على البشر.
زمت فمها لتقول بدلال:
– يعني اطمن بقى اني في حما جاسر الريان وماخفش.
مال برأسه يتطلع إليها بنظرة متفحصة مع ابتسامة مرحة، وشقاوتها الحديثة عليه تثير بقلبه البهجة بعنف، فقال:
– بقولك ايه ماتجي تركبي الحصان وتجربي .
شهقت رافضة وهي تحاول الإفلات من ذراعه:
– لا ياخويا انا مش عايزة اركب، اخاف والنعمة، ياجاسر سيب وبلاش غلاسة
جلجلت ضحكاته الرجولية الصاخبة مرة أخرى وهو يمنع عنها الافلات والهرب منه، مستمتعًا بمناكفتها.
…………………………
ولجت لداخل منزلها تتمايل بخطواتها بعدم اتزان من فرط فرحتها وحالة الانتشاء مازالت تتملكها ، دفعت بسلسلة مفاتيحها على اقرب طاولة وجدتها أمامها قبل أن تسقط على الاَريكة متكأة بجذعها، وابتسامة متسعة على وجهها، لقد حدثت المعجزة وجاءت الفرصة لكي ترد القلم القديم لجاسر الريان ، تقسم بعمرها انها لم تتوقع ولا حتى في الأحلام، هذا الرجل بكل جبروته وسطوته اخيرا وجدت نقطة ضعف له، اَخيرًا تنازل وسلم مفاتيح قلبه لمرأة، وياليتها كانت امرأة من وسطه وتليق بقامته، ام أنها تمثل إليه تحدي أو نزوة لا تعلم، المهم أنها وجدت فرصتها اَخيرًا ، احتدت عيناها وهي تعيد تذكر الليلة المشؤمة حينما طردها ليلًا من منزله وكأنها بائعة هوى، بعد أن أهان كرامتها وقلل من أنوثتها التي تتفاخر بها أمام الجميع، استفاقت من شرودها على صوت الهاتف بجوارها والذي كان يصدح بورود مكالمة، تطلعت للرقم واسم صاحبته بتأفف، لا تريد إجابتها أو الخوض معها في الاَحاديث التافهة التي لا تمل منها ، تمتمت بضيق وهو تتطلع للأسم :
– مش وقتك خالص دلوقتِ ياميري، بعد ما كارتك اتحرق بالجديد، واتعدى الموضوع كل تصوراتي.
فور انتهاء المكالمة، ضغطت على ارقام الهاتف بتطلب رقمًا اَخر فوصلتها الإجابة سريعًا من صاحبها:
– الوو… يااهلا وسهلا بمرفت هانم، توك مافتكرتي فينا؟
أجابت بلهجة بغنج:
– على الاقل انا بفتكر ياسيدي مش زيك ، المهم بقى انا هاقولك مابتفتكرش فيا خالص
رد عليها الرجل:
– طب ايه بس وشغل الجريدة واخد كل وقتي، ما انت عارفه صاحبك بيحب المغامرات والجري ورا كل خبر جديد .
– امممم
زامت بفمها ثم قالت بميوعة
– الله يقويك ياسيدي، على العموم أنا مقدرة وعارفة بأشغالك الكتير كمان، وعشان تصدقني، ليك عندي سبق صحفي هايرفعك لمدير ويشهرك كمان .
دبت الحماسة في صوت الرجل من الجهة الأخرى ليسألها:
– بتتكلمي جد، طب ماتقولي يابنتي على الخبر دا اللي هايرقيني ويشهرتي كمان.
ضحكت بصوت عالي وردت بمكر:
– هاقولك بس على شرط ابقى برا الصورة، ويظهر الموضوع واكنه اجتهاد شخصي منك، وانا ياسيدي هاقولك على التفاصيل اللي تمشي عليها عشان تتأكد بنفسك .
رد الرجل بمرح:
– حلو قوي يافوفة انتِ كدة شوقتني اعرف الموضوع.
…………………………..
في نهاية الجولة وبعد قضاء الوقت في مزرعة الخيل و وتناول طعامهم في الهواء الطلق وسط الخضرة التي اخذت مساحة واسعة لهذا المنزل الريفي، كان اللقاء مع الوارد الجديد في الحظيرة الداخلية، للفرسة بشرى، والتي لفت اسمها انتباه زهرة فسألت جاسر وهي تشاهد المهرة الصغيرة :
– اسمها حلو اوي، مين اللي سماها كدة ؟
أجابها جاسر وهو يتفحص المهرة عن قرب بالحجرة الخاصة بهم في الحظيرة:
– انا اللي سمتها كدة يازهرة، وانا اللي مسمي معظم الخيول هنا، اصل المزرعة دي في رعايتي من زمان، والدي ووالدتي بيجوا تقريبًا في السنة مرة أو مرتين .
وعلى فكرة انا برضوا اللي سميت الكتكوتة الصغيرة من وهي في بطن أمها.
سألته زهرة بفضول:
– وسمتها ايه بقى؟
ترك الصغيرة ليخرج إليها ويجيبها:
– سمتها زهرة .
فغرت فاهاها وظهر على وجهها عدم التصديق، فاقترب يداعبها على أنفها بسبابته قائلًا:
– مش مصدقة ليه؟ حد قالك اني بكدب يعني، ولا انت كنت تعرفيلها اسم تاني مثلًا وانا مش عارف؟
هتفت بابتسامة مستترة وهي تبتعد عن متناول يده :
– ياباي عليك بطل بقى غلاسة ياجاسر خلاني اتكلم.
– ماشي ياستي اتكلمي.
قالها وهو يكف على مناغشتها ويتكئ بجسده على الفاصل الخشبي بينهم وبين حجرة الفرسة بشرى ومهرتها.
هتفت زهرة:
– عشان طبعا مش معقولة، انا وانتِ من ساعة مااتجوزنا ماسيبناش بعض غير في اجتماعات الشغل الضروية، يبقى امتى جيت واخترت اسم البيبي اللي في بطن الفرسة؟
تنهد بعمق قبل أن يجيبها بصدق:
– انا اخترت إسمها في اليوم اللي انت رفضتي فيه، فاكرة ولا افكرك .
اطرقت برأسها تزم شفتيها بحرج فاستطرد هو:
– في اليوم دا انا كنت مضايق قوي، جيت هنا عشان اخرج بحصاني فاكتشفت حمل بشرى، ساعتها حلفت اني هاسمي البيبي اللي بطنها باسمك، معرفش ليه جالي الخاطر ده رغم اني كنت متغاظ منك في يومها اوي.
صمتت زهرة قليلا تنظر إليه بعشق ثم أهدته ابتسامة ممتنة وهي تقترب منه قائلة
– انا متشكرة اوي ياجاسر، واحد غيرك بعد اللي حصل كان نجى بنفسه من النسب اللي يعر، لكن انت لا بينت تأثرك ولا حتى بان على وشه، دا غير الخروجة اللي تجنن دي كمان….
قطع جملتها بوضع سبابته على فمها ثم اقترب ليقبلها من وجنتيها قائلا بصوت متحشرج:
– اوعي تفتكري اني بعمل كدة من زوقي ولا حسن اخلاقي، انا في سعادتك بلاقي سعادتك، وحزنك هو حزني، انا روحي فيكِ يازهرة، واللي يزعلك أو يأذيكِ، يبقى بيأذيني أنا.
أسعدتها الكلمات منه وهي تشعر بصدقها، وكأنه المطر الذي هطل فجأة ليعيد لأرضها الحياة ثم تنبت بزهور العشق والمودة لهذا الرجل،
تناولت كفه تعبر عن عشقها بقبلة رقيقة مثلها، ابتسم هو بمكر رافعًا حاجبًا خطرًا، قبل أن يعتدل بجسده لها ليُعيد إليها هديتها، لأضعاف ألأضعاف غير مبالي باعتراضها كالعادة
………………………..
في اليوم التالي .
وبداخل حجرة الإجتماعات في الشركة، كان يتوافد مسؤلي المجموعة وموظفيها الكبار للجلوس في أماكنهم المحددة قبل بدء الإجتماع، زهرة والتي كانت تجلس بمحلها بجوار مقعد رئيسها والذي لم يأتي الى الاَن، كانت تعمل على مراجعة الملفات المطلوب البت فيها داخل الإجتماع ، غافلة عن أعين متربصة لم ترفع انظارها عنها من وقت أن دلفت وجلست على مقعدها ، تتفحصها بدقة، و تتسائل بداخلها، عن السر بهذه الفتاة والذي جذب جاسر الريان بجلالة قدره ليلتفت إليها بل ويضحي ليتزوجها، غير عابئ بالفروق الهائلة بينهم ، إن كانت جميلة، فالعالم يمتلئ بالجميلات التي من وسطه ويناسبنه، أم انه رغب فيها واستعصت عليه فلجأ إلى الحلال كي ينالها، ولكن حتى لو كان هذا هو السبب فهي الاعلم بجاسر الريان ، انه لا يسلم اسمه لامرأة لسبب مثل هذا، ايكون اقتنع بالبرائة التي تحاوط بها نفسها ، ام أنها أحبها فعلًا ، تشعر بغرابة الكلمة مع رجل مثله، جلف، قاسي، لا يعبئ بمشاعر امرأة…..
قطعت تفكيرها فجأة لتنهض وتبتعد قليلًا قبل موعد الإجتماع، لا تريد الاستسلام للذكرى القميئة برأسها ، خرجت من الحجرة لتذهب نحو مرحاض النساء، لتخرج الهاتف وتتصل برقم الأمس ، فجاءها الرد سريعًا:
– الوو يافوفتي، لحقت أوحشك .
هتفت عليه بنزق:
– أوحشك دا إيه انت كمان، انا بتصل عشان أسألك ، عملت ايه في الموضوع اللي كلمتك عليه امبارح ؟
طقطق بفمه صوت عتاب ساخر ليقول:
– اخص عليكِ يافوفة، بقيتي صعبة قوي، لدرجادي مش طايقة العبد لله، قال وانا اللي قولت اننا هانعطف ونعيد الأيام القديمة……
– فاااضل،
هتفت بها مقاطعة بحدة، فتراجع الاخر عن مزاحه بيقول بصوتٍ جدي:
– رغم اني مضايق من زعيقك فيا، بس انا هاطمنك، واقولك اني شغال في موضوعك وبظبطه ع التمام ، بس المفاجأة بقى اللي اكتشفتها انا بقى وغفلت عنك انتِ.
سألته قاطبة باستفسار:
– معلومة ايه؟
اجابها على الفور بحماس:
– البنت اللي ادتيني عنوانها وسألت عنها في منطقتها، اتضح ان والدها مسجون في قض*ية مخد*رات ، يعني الخبر لو النشر والناس عرفت بنسب الباشا اللي بيهز البلد بمشروعاته، مش هايبقى خبر الموسم وبس، لا ياقلبي، دي هاتبقى فضيحة .
شهقت بفرحة لم تقدر على كبتها:
– يانهار أبيض، انت بتتكلم يافاضل؟ طيب مستني ايه؟ ماتنشر بقى وسمع الدنيا.
رد الرجل:
– ياقلبي انا مستعد انشر من امبارح مش من دلوقتِ، بس بقى نفسي في صورة، تظبط الحكاية كدة وتخلي الخبر ما يخرش المية.
صمتت قليلًا بتفكير قبل ترد:
– طب تمام يافاضل، انا هحاول اشوف الموضوع دا معاك، وأكيد هلاقي صرفة.
أنهت المكالمة وشعور الفرح يزلزل كيانها، هذه المرة الحظ يخدمها بشكلٍ غريب، لليعزز ضر*بتها لجاسر ويجعلها في مقت*ل، لا بل هذه ستكون ضر*بة مزدوجة للأثنان.
…………………………
وصلت مرفت قبل الإجتماع بدقائق، بنفس الوقت الذي وصل فيه جاسر ليأخذ مكانه على رأس الطاولة، بصحبة أحد العملاء الكبار للشركة، ومعهم طارق والذي استوقفه كارم في سط الحجرة ليرحب به ويصافحه ، ثم ينتهرهزها فرصة ليسأله :
– هي كاميليا مجاتش معاك ليه المرة دي؟
قسى وجه طارق وهو يحاول كبح جماح غضبه، والرد بلهجة تبدوا عادية:
– هي حرة ياكارم.
قالها مقتضبة قبل أن يتركه على الفور ويجلس محله، غير سامحًا لإعطاءه فرصة في الأخذ والرد والاستفسار عن سبب تغيبها، ومن ناحيته مط كارم بشفتيه، غير مستوعب لموقف طارق الغير مفهوم،
بعد انتهاء الإجتماع وخروج معظم الأفراد منه واحد تلو الاَخر ، فلم يتبقى سوى جاسر ومعه هذا العميل وطارق وزهرة تقوم بدورها كسكرتيرة، خرجت مرفت لتقف بأحد الزوايا وعقلها يدور في عدة اتجاهات، تريد لتنفيذ خطة ما لتحقيق مبتغاها، تنظر في الخواء حولها والشركة تكاد تكون خالية بعد انتهاء دوام العاملين وانصراف معظمهم ، وقعت عيناها على المصعد الخاص بالموظفين الصغار والذي تستقله باعتبارها منهم وهذه اليافطة المعلقة عليه منذ يومين لتخبر الموظفين انه مغلق للتصليح، فومض عقلها بفكرة شيطانية همت لتنفيذها ولكنها تذكرت كاميرات المراقبة، فعدلت من وجهتها ، وقد أصابها الإحباط، خصوصًا وهي ترى خروج جاسر الان بصحبة العميل في مصعده الخاص ، والأخرى تستقل مصعدها مع آحدى عاملات النظافة ، صكت فكها بغيظ ، وقد تأجل تنفيذ مخططها، ولكن لايهم فهي قد بدأت الطريق ولابد أنها ستجد الطريقة للتنفيذ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *