رواية يناديها عائش الفصل السبعون 70 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل السبعون 70 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت السبعون
رواية يناديها عائش الجزء السبعون
رواية يناديها عائش الحلقة السبعون
اللهُمَّ اربِط على قلوبِ عبادكَ المُجاهدين، وثبِّت أقدامَهم، وقوِّ عزائمَهم، ووحِّد صفَّهم، وسدِّد رميَهم، وادفَع ودافِع عنهم، وانصُرهم نصرًا عزيزًا مؤزَّرًا على عدوِّكَ وعدوِّهم.
اللهُمَّ إنَّا نستودعكَ إيَّاهم فاحفظهم بحفظِك، واحمِهم بحمايتِك، وأمدِدهم بجُندِك، وكن معهم، وامكُر لهم، واجعل نار عدوّهم بردًا وسلامًا عليهم.
____________
إذا كان لديك الثقة فيمن تحب، تأكد بأن الحب بينكما كامل.
~~~~~~~~~~~~
فور أن رأت ” عائـشة” ” بـدر” يقف أمامها، و عيونه كالصقر تكاد تأكلها من تفحصها، اهتزت أوصالها و وقعت المنشفة منها تزامنًا مع ابتلاع آخر قطرة ريق في حلقها إثر جفافه بعد صدمتها..
تمنت في تلك اللحظة؛ أن تتشقق الأرض و تبتلعها خوفًا من أن يفقد صوابه و يجن جنونه عليها كالسابق؛ فتذهب علاقتهما للجحيم ثانيةً، بعد أن بدأت في الاستقرار.
تمتم فمها الذي يرتجف كارتجاف الأوتار عند العزف عليها بقسوة، ببعض الكلمات التي تعبر عن ندمها الشديد حول اخفائها أمر هذا الشاب عن
” بدر”.. مثل
“يا ريتني سمعت كلام تيته و مخبيتش عليه”
كاد الشاب أن يتحدث، و لكن بدر أوقفه بإشارة من يده دون النظر إليه، ليغلق الباب وراءه و يتقدم ناحية عائشة وعينيه تخترق عيناها بقوة، مما اضطرت لخفض بصرها من الخوف.. في ذلك الحين كانت جدتها تضع الطعام للطيور فلم تحضر المشهد، لربما كانت أنقذت الوضع الآن..
امتدت أنامل ” بـدر” لترفع ذقن عائشة؛ فتلاقت الأعين، كانت نظرات وجل منها، و نظرات غضب اختلطت بالحُب منه..
اهتزت الأحبال الصوتية الخاصة بعائشة، و خرجت الأحرف مهزوزة تقول بخفوت..
” كُنت.. كُنت هقول لك..
تحولت تعابير وجه بدر من القسوة المصطنعة للحنان قائلًا وهو ينحني ليضع قُبلة صغيرة على خدها
” أنا عارف.. ”
اتسعت عيناها بذهول تهتف
” عارف !! ”
أومأ بضحكة قمرية
” عارف إنك مستحيل تعملي حاجة تكسرني، عارف إن قلبك بقى مُتيم ببدر بجد، عارف إنك بقيتي تحطي ربنا قدام أي حاجة قبل ما تعمليها، عارف إن خوفك من ربنا أهم من خوفك مني، عارف إني بنتي و حبيبتي الصغيرة اللي ربيتها على إيدي اتغيرت و بقت أحسن مما أنا كنت متخيل..
صمت لوهلة يتأمل ملامحها التي عادت للاطمئنان، أردف بابتسامة جميلة
” حتى لو مكنتش أعرف إن ده أخوكي، مكنتش برضو هشك فيكِ لحظة واحدة.. أنا كُلي ثقة فيكِ يا عائش، لأن الحُب اللي بينا مش ممكن نهده بسوء الظن في لحظة غضب.. أنا بحبك و عشانك اتغيرت.. عشان أكمل معاكِ بقيت حياتي؛ اتعالجت.. عشان أوفرلك الأمان و تبقي مطمنة معايا؛ خدت عهد مع نفسي إن أمحي خوفك مني نهائي.. أنا آسف إني خليتك تخافي مني دلوقت، بس نظراتي ليكِ اللي كانت كلها غضب، مش عشان ده موجود.. لأ، عشان بصراحة عنده نفس عيون الغزلان اللي عندك و ده خلاني أغير.. نظراتي كانت نظرات غيرة منه مش عدم ثقة فيكِ.. بس هعمل إيه.. هيبقى خال عيالنا إن شاء الله ولازم أحبه..
قال آخر جملة، ثم التفت لأخيها يغمز له بضحك، فبادله الآخر الضحك، مما انفجرت فيه عائشة غيظًا
” أنت متفق معاه يا زين ؟! ”
أومأ ضاحكًا
” بصراحة يا عائـش..
أوقفه بدر سريعًا بنظرة غاضبة مصطنعة
” لأ.. عائش إيه.. النداء ده يخصني أنا بس.. أنا بس اللي أناديها عائش.. اتفقنا يا أبو نسب ؟
ضحك زين بلُطف ليقول
” و أنا والله ما كاسرلك كلمة يا زوج أختي يا أبو شعر جنان أنت.. هي تيته طابخة لينا إيه يا شوشو.. أنا موحوح من الجوع..
رد بدر باستغراب من لهجته
” موحوح ! ولا كأنك قضيت خمسة و عشرون سنة في السعودية.. طلعت هلس زي قُصي ابن عمي.. اتمنى ما تتجمعوش سوا عشان سمعة العائلة ما تتدمرش.. ”
هرب زين من أسئلة عائشة، ليركض باتجاه جدته يصرخ عليها طلبًا للطعام
” طيب زغطيني أنا بدل البط..
ردت جدته ضاحكة وهي تقوم بإطعام البط الذرة في منقاره رغمًا عنه
” يا خايب البط لما يسمن يبقى أكله مسكر.. ”
” أنا واجع دماغي ليه.. اقعدي كبري فيه و في الآخر أنا اللي هاكله ”
” عائشة بتعمل ايه ؟ ”
” مع زوجها برا، زمانهم بيتكلموا عليا دلوقت ”
التفتت له الجدة سريعًا بخوف قائلة
” عائشة كويسه ؟ ”
غمز لها زين ضاحكًا
” ايه يا تيته.. ما إحنا اللي عاملين الليلة كلها.. ”
” ماشي يابني بس بدر لسه بيتعالج و أنا خايفه يعمل حاجة في البت..
” هو بصراحة أول ما شفت نظراته ليها، قلت ده نسى و فضلت أنطق الشهادة في سري.. بس الحمدلله عدت و زمانهم بيتفقوا على اسم العيال دلوقت.. ”
“احترم نفسك وقوم امسك لي دكر البط اللي محيرني ده..”
قالتها، و هي تترك البطة من يدها و تشرع في امساك الثانية.. رد ” زين ” بخوف حقيقي بدا عليه
” مش هينفع..
” ليه إن شاء الله، شاطر تاكله بس ؟ ”
” مش هينفع أمسكه و أنا ماسك نفسي من الخوف.. شايفه بيبص لي ازاي لما حطيت ايدي على البطايه بتاعته.. ده تلاقيه كاتب عليها عرفي
صاحت به جدته بنفاذ صبر
” أنت بتقول إيه… قوم ياض من هنا… أنت جاي تعطلني.. ! ”
” أنا هقوم.. بس قبل ما أقوم هفيدك بخبرتي في دراسة الطب البيطري رغم إني مُهندس و عمري ما درست بيطري..
و من وجهة نظري و حسب خبرتي الفكرية و الأدبية، و العلمية في التعامل مع البط بجميع أنواعه، و معرفتي الواسعة من الناحية التكتيكية، و العصبية المبدئية منذ القدم، و بصفاتي المتمرس والخبير و الذكي الاستراتيجي، و بُحكم موهبتي الدبلوماسية في ضوء التطورات الراهنة؛ توصلت إلى نتيجة ملموسة و عميقة.. أنه ليس لدي شيء لأقوله و شُكرًا… ”
خلعت الجدة نعلها لتصيح بغضب وهي تلقيه عليه
” و أنا اللي بسمع لك و أنا مركزة، فاكرة إنك هتقول حاجة مفيدة..
آتاها الرد من ” بدر” سريعًا لينفذ صبر الجدة كُليًا
” مفيدة دي تبقى أمي..
” أمك لو عرفت اللي أنا فيه هتبلغ عنكم إنتم التلاته ”
” الله.. و أنا مالي بس يا تيته ”
قالتها عائشة ببراءة وهي تكتم ضحكتها، مما تساءلت جدتها بحسرة
” شفتي الرز اللي على البوتوجاز يا عين تيته ؟ ”
شهقت عائشة وهي تهرع ناحية المطبخ
“الرز.. نسيت الرز يا بدر..
” و أنا أقول لك شامم ريحة شياط.. تقوليلي لأ ده من عند الجيران..
قالها بدر ليضحك بعدها مُشاركًا زين الضحك، ليقول الأخير
” خد بالك.. مراتك هي اللي طبخت انهارده.. يعني لو الأكل طلع مش مظبوط و أنا متأكد من ده.. ليا أكله فخمة على حسابك..
” حتى لو مطلعش مظبوط.. أنت مجبر أنك تاكله و تقول عليه إن ده أحلى أكل كلته في حياتك..
” ده ليه إن شاء الله.. ؟
” عشان عائش متزعلش.. وهي لسه بتتعلم تطبخ و أنا مش عايز اكسر بخاطرها ولا هسمح لأي حد يزعلها.. ”
رد ” زين ” باستنكار
” يعني نموت في سبيل مراتك تنبسط ؟ ”
” وليك عندي عزومة حلوة بس اوعدني متقولش حاجة تزعلها على أكلها.. ”
فكر زين للحظات، ليقول بتكبر مصطنع
” تعزمني على مسمط و تطلب لي شوربة و لحمة راس و كوارع و كبدة و فشة و قلب و ممبار و كرشة.. ”
رمقه ” بدر” بذهول و بتعابير وجه مضحكة قال
” ناقص تقولي عايز أحلي بآيس كريم عزة !
هما في السعودية كانوا عاملين شارع على الضيق كده يخص المصريين بس ؟ ”
” أنا تقريبًا مكنش فيه غير اتنين تلاته سعوديين اللي كانوا في الشارع اللي كنت ساكن فيه، و الباقي كله مصريين و جنسيات تانيه.. يابا إحنا مسيطرين في كل حتة.. ”
ضرب ” بدر” كفًا على كف ضاحكًا بقلة حيلة وهو يتجه ناحية عائشة في المطبخ
” حاسس إن قُصي واقف معايا.. الحمدلله إنه مش موجود.. كان زمان جدتك حصل لها حاجة بسببك”
~~~~~~~~~~~~~
” يبدو أن الفراشات حينما رأت ملاحة وجهكِ، ظنت من فرط رقته؛ أنه وردةً ربيعيةً تنشر الحنان، فلجأت إليكِ طالبة الأمان، و أنا مثل الفراشات عند النظر لعينيكِ يسقطُ خوف العالم عني، و يرفع قلبي راية السلام تحالُفًا مع حَدَب شفتاكِ ”
لـ { نرمينـا راضي} .
~~~~~~~~~~~~~~
باقي من الزمن يومان؛ لاستعداد الكتيبة F e 17
و التي يرأسها ” قُصي ” و يساعده ” رحيم” و معهما مدرب الفنون القتالية و القناصة الماهر
” إياد الريحاني ” و اثنان من الضباط الآخرين، منهم ضابط ماهر في اختراق الأنظمة الأمنية، و الآخر مُساعد لهم، و سيتابعهم عن بُعد من مكان آخر ” كريم ” و اللواء ” عزمي ” و زميله مشرف على الكتيبة اللواء ” سامح “..
في الصالة الواسعة المخصصة للتدريب، يرفع
” قُصي ” قدمه اليُسرى بزاوية منفرجة ليصل لنقطة معينة وضعها له المدرب ” إياد” على الحائط، و إذا استطاع الوصل للنقطة يعني ذلك أنه اجتاز جميع التدريبات بنجاح..
يتنفس ” قُصي ” بهدوء و بتركيز يصوب عينيه على النُقطة، ليفتح حوضه أكثر بليونة، حتى استطاع الوصول لها و ظل على تلك الوضعية لثوان، و إياد أمامه يصفق له بفخر و تشجيع، ثُم أنزل قُصي قدمه و انحنى يقدم التحية بمزح واضعًا أحد كفيه على صدره قائلًا
” تشكرات.. تشكرات.. ”
جذبه إياد ليلامس بكتفه كتف قُصي يُعرب عن اعجابه بانجازه لكل التمارين بجداره، و بجسده الذي أصبح لينًا يستطيع التحكم فيه كيفما يشاء..
كان ” كريم ” يجلس في غرفته المعدة بكامل الأجهزة الأمنية التي يحتاجها، و على يسار يده كوب القهوة باللبن الذي يحبه، ارتشف القليل منه ثم وضعه وهو يركز على شيء في الحاسوب الذكي أمامه، ثوانِ و خرجت من القلادة التي تشبه قلادة “رُميساء” هزات طفيفة، و لكن خاصته في صدره، لتنقل له كيف يسير دقات قلبها و التي يستطيع من خلاله التوصل لإدرينالين المشاعر عندها و يعرف أسبابها، ظهر وميض الخطر عنده؛ ينبهه أن صاحب القلادة الأخرى خائف من شيء و ربما الخطر يحيط به..
في لحظات ظهر الشعاع الذي يظهر صورة
” رُميساء ” أمامه..
_______
قررت ” رُميساء ” مقابلة صاحب الرسالة المجهول، و الحزن يغلف قلبها من أن كريم يخونها.. كانت تشعر بالتيه و الضياع وهي ذاهبة لذلك العنوان الذي جاء في الرسالة، ليس خوفًا من أن يكون ذلك مجرد لعبة و أحد ما يتلاعب بها، و لكن الخوف كله، أن يكون ذلك الفديو حقيقي و ” كريم ” بالفعل يخونها؛ ستتحطم كُليًا إن كان ذلك صحيح، فهي لم يدق قلبها لأحد غيره، ولم تحب أحدًا مثلما أحبته..
فكرت مرارًا أن يكون المُرسل هي ” نداء” ابنة عمه لتنتقم منها و منه، و لكن آخر المعلومات عن نداء أنها سافرت ثانيةً لخارج البلاد، فكرت أيضًا أن يكون الفاعل والده
” اللواء المتقاعد رياض الكردي” و لكن مهما كان يمقتها و يبغض أهلها، لن يصل به الحال أن يفعل بابنه هكذا، هو أيضًا له سمعته و لا يحب أن يغامر بها في سبيل ابعادها عن ابنه البكري..
” إذًا من الفاعل ؟ ”
ظل ذلك السؤال يتردد في عقلها و بداخلها تتمنى أن يكون كل ذلك كذب..
خرجت من شرودها بعد أن انتبهت لوصولها للمكان المكتوب بالعنوان، لتجد فتاة ترتدي تنورة قصيرة يظهر من تحتها ساقيها الجميلتين و بلوزة تكشف عن نعومة ذراعيها، إنها تلك الفتاة التي رأتها
” رُميساء ” في الفديو مع زوجها، فتاة جميلة بحق ولكن نظرات الشر تتلألأ في عينيها الحادة..
ابتسمت لرُميساء تحثها على الجلوس، جلست الأخيرة و الدموع تملأ عينيها لتتساءل بصوت حزين
” هو بيحبك ؟ ”
ضحكت الفتاة لتخرج سيجارة تشعلها و تنفث دخانها باستمتاع قائلة
” لازم يحبني عشان ابنه ”
” ابنـه ؟؟ ”
_______
” يا بنت الـ*** ”
هتف بها كريم وهو يدفع بكوب القهوة تجاه الحائط بقوة.. قام في الحال بتفعيل زر الحماية لديه.. و تلك القلادة عندما تعمل بزر الحماية فإنها تأخذ من دم الحامي، بمعنى أنه إذا أراد كريم حماية ” رُميساء ” بشعاع عدم الاقتراب أو اللمس، عليه أن يمد القلادة بدمه ليعمل الشعاع، مثل الطبيب عندما يسحب الدم من المتبرع، و رغم أن كريم يعلم مدى خطورة الأمر، و أن القلادة إذا بدأت في سحب الدم منه لن يستطيع ايقافها إلا إذا أصبح الطرف الآخر في آمان، و ربما يستغرق الأمر الكثير من الوقت لتصبح دقات قلب رُميساء تعمل بطبيعتها عند شعورها بالأمان و الابتعاد عن الخطر، في مقابل أن يدخل كريم في غيبوبة قوية أو يفقد حياته إذا لم تتوقف القلادة عن سحب دمه..
أخذ نفسًا عميق وهو ينطق الشهادة و يردد
” بحبك يا رُميساء.. بحبك يا فراشتي و طول ما أنا عايش محدش هيقدر يمس شعرة منك.. ”
بدأت القلادة في سحب الدم لتفعيل وضع الحماية
_______
أحست رُميساء بشيء غريب يحدث في القلادة، فظنت أن كريم يريد الظهور و التبرير عن ذنبه، فتجاهلت الأمر، فأصبح الادرينالين لديها بدلا من أن يضخ الخوف ليحول الشعور بالخطر لقلادة كريم، أصبح يضخ الشعور بالغضب و التجاهل، و في تلك الحالة لا تستطيع القلادة تأمين الطرف الآخر لأنه لا يشعر بالخطر..
توقفت القلادة عن العمل مما تعصب كريم و هتف
” غبية.. لو كنتِ بتحبيني فعلًا مش هيكون عندك أي شك فيا.. ”
___
نظرت رُميساء بغضب من أسفل نقابها لتلك الفتاة الغريبة عنها متسائلة
” تقصدي إيه بإنه لازم يحبك عشان ابنه ؟ ”
ابتسمت الفتاة بسخرية
” تشربي ايه الأول ؟ ”
” إحنا مش جايين نتصاحب.. ايه اللي بينك و بين زوجي ؟ ”
” زوجك ؟ The bastard did it ”
ردت رُميساء بغيرة أنثى تريد الدفاع عن زوجها و كرامتها بأي ثمن
” There’s no other rude person here than you.. و انجزي عشان ورايا مشوار مش فاضية
اتسعت ابتسامة الفتاة باعجاب مصحوب بالخبث
” براڤو.. فكرتك أي كلام.. بس ده ميمنعش إنك في ورطة.. ”
زفرت رُميساء بضيق و يبدو أنها طفح بها الكيل من أنثى العقرب تلك
” ما تيجي سكة كده و فهميني ايه الدنيا ”
” كده تعجبيني.. بس مش أنا اللي هفهمك.. جد ابني هو اللي هيفهمك كل حاجة.. ”
في تلك اللحظة أقبل ” اللواء رياض” و حماه رُميساء عليهما ليجلس بأريحية ناظرًا بسخرية لزوجة ابنه قائلًا ببرود
” ازيك يا رُميساء.. تعرفي إنك حتى ما بقيتي مرات ابني و أنا لسه مش معترف بيكِ.. و لا هعترف.. الأحق بكريم هي أم ابنه.. ” رودينا هانم”
ابتسمت رودينا بخبث بينما التمعت الدموع بعين رُميساء، و نهضت لتذهب دون أن تنطق بشيء، و لكن رياض أوقفها بصرامة يهتف
” أنا لسه مخلصتش كلامي.. ”
جلست رُميساء و قد ظهر الخوف جليًا عليها منه، ليتابع بكراهية
” تطلبي من ابني الطلاق و تبعدي عنه أنتِ و أهلك نهائيًا يا إما هتزعلي على بيتك باللي فيه.. ”
خرجت رُميساء من صمتها لتنفعل فيهما باكية
” أنا عملت لحضرتك إيه لكل ده !.. يا عمو أنا اعتبرت حضرتك في مقام والدي و حبيتكم والله.. و كريم أنا بحبه فعلًا و مش عايزه غيره و هو كمان بيحبني.. ازاي حضرتك عاوز تبعدنا عن بعض.. أنا عملت ايه لكل ده ؟ كل ده عشان بحب ابنك ؟ ”
” لأ.. عشان مش من مقام ابني.. و أنتِ و أهلك يتخاف منكم و معنديش أي استعداد للمخاطرة بعائلتي و ابني البكري و اللي شايل اسم العائلة.. فهمتي ولا أفهمك بالطريقة التانيه ؟ ”
” حرام عليكم والله..
قالتها ثم بكت بشدة أمامهما، بينما على الاتجاه الآخر يكاد يجن جنون كريم يريد أن تعمل القلادة بأي شكل؛ حتى يستطيع الاطمئنان عليها..
يعلم جيدًا أنه إذا تضاربت مشاعر الشخص الآخر و اختلطت، تتوقف القلادة في الحال عن العمل ولا تعود إلا إذا استقر الطرف على شعور واحد..
صاح بها رياض ثانيةً
” بطلي عياط يابت أنتِ.. أنا قلت اللي عندي.. يا كريم يا أهلك
تدخلت رودينا لتقول بلا مبالاة
” أنا مش فاهمه ازاي ممكن واحدة تضحي بكرامتها و تفضل مع واحد باعها ؟ ”
رد رُميساء بغضب وهي لا زالت تبكي
” كريم مستحيل يعمل كده.. أنتِ كذابة.. ده ملعوب منكم أنتم الاتنين ”
صفعة قوية من رياض الجم بها لسانها على الفور، لتهتز مكانها في المقعد من قوة الصفعة، و لأنها مؤخرًا تفكر كثيرًا ولا تهتم بصحتها حتى أصبح جسدها ضعيفًا، أثرت الصفعة على وجهها فنزف أنفها بعض الدماء و شعرت بالدوار حتى بدت الرؤية ضبابية أمامها..
حاولت النهوض تتكئ على المقعد، لتنظر لهما بغضب قائلة بصوت تم قهر أنفاسه للتو
” كريم لو عرف اللي أنتم بتعملوه ده مش هيسيبكم..
ثم نظرت لوالد كريم متابعة
” أنت لا يمكن تكون أب سوي.. ”
تلك الجملة جعلت رياض ينهض على الفور و يسحبها من نقابها حتى نزعه في يده، فظهر وجهها الشاحب و الدماء تسيل من أنفها، و من سوء حظ رُميساء أن رياض طلب اغلاق المكان الذي تواجد فيه بصحبة رودينا و كان عبارة عن مطعم و كافيه؛ حتى لا يعلم أحد بالذي يحدث في الداخل، و قد رشى صاحب المكان ليغلق له المطعم..
في تلك اللحظة دب الرعب في جسد رُميساء عندما أدركت ما يحدث و اغلاق المكان عليهما.. !
على الناحية الأخرى، عادت القلادة في صدر كريم للعمل..
انبسطت أسارير وجهه، و لكن على الفور أيقن أن معنى ذلك حدوث مكروه لفراشته !
بدأت القلادة تسحب الدم من كريم، ليبدأ الشعاع في العمل عند رُميساء..
قبل أن يمد رياض يده و يجرها من باقي حجابها، ظهر شعاع قوي كاد أن يعمي عينيه و عين رودينا، تشكل الشعاع على هيئة دائرة من الكهرباء المشتعلة الكبيرة حول رُميساء وهي واقعة على الأرض تهتز بخوف لا حول لها ولا قوة، تذرف الدموع بغزارة و تمسك رأسها من الألم فقد أثرت الصفعة بها بشدة، لأول مرة يضربها أحد، و تلقت الضربة مِن مَن ! من الرجل الذي ظنت أنه سيعاملها مثل ابنته.. !
أصاب الذهول وجه رياض و رودينا مما رأته أعينهم، و حاول رياض الاقتراب يستكشف ما هذا الشيء الذي تراه عيناه لأول مرة في حياته و يقوم بحماية رُميساء، مد أطرف أصابعه فاحترقت في الحال مما أخذ يصرخ بجنون من قوة الألم، فأخذته رودينا في الحال و عينيها معلقة على ذلك الشعاع بدهشة و خوف، صرخت على صاحب المطعم ليفتح لهما الباب لتنقل رياض للمشفى، بينما على الجهة الثانية يشاهد كريم كل ما يحدث أمامه وهو بالكاد يستطيع فتح عينيه بصعوبة من شدة الدوار الذي يحدث له مع فقد الكثير من الدم..
نطق بصعوبة بعد أن اطمئن على رُميساء
” الضربة تيجي منك أنت يا بابا و مع مين !
عدوة بلدنا.. الـ**** اللي معاك اللي دمها صهيوني !
حق مراتي اللي اتهانت منكم هعرف أخده ازاي.. و حسابك معايا تقل أوي يا للي للأسف أبويا.. أما أنتِ يا رودينا هخليكِ تطلبي الموت كل ثانية من العذاب اللي هتشوفيه على إيدي.. ”
زال القلق و الخوف عن رُميساء، و تبدل مكانه شعورها بالتعب الشديد، مما توقفت القلادة عن سحب الدم تزامنًا مع فقد كريم لوعيه..
~~~~~~~~~~~
سوء الظن بِدوره يجرّ تبعاتٍ سلبية كثيرة؛ لذلك قال رب العالمين في كتابه..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ ).
جاء ديننا الحنيف واعظًا و ناصحًا، فلم يترك لنا طريق سوء إلا و حذرنا منه، و إذا لم يضبط ” بدر” أعصابه في هذا الموقف؛ لهاج و ماج و تمزقت علاقته مع ” عائشة ” بعد أن عاد مُوجها للسكون..
استطاع كظم غضبه و النيل من مرضه و السيطرة على جنون اضطراباته، بفضل التناوب على قراءة القرآن و الحفاظ على الصلاة في مواقيتها، و الانصياع لكلام و نصائح طبيبه النفسي، و الحرص على حضور كل الجلسات..
رغم أن جدة عائشة أخبرته بكل شيء؛ لكان جن جنونه و هدم البيت على رأس ساكنيه، و حتى لو لم يكن على علم بذلك؛ فقد تغير أسلوبه كُليًا و أصبح أكثر نضوجًا و تفهمًا و صبرًا عن ذي قبل.
و عندما استطاع التحكم بمشاعره فور رؤية ” زين” بصرف النظر عن مرضه الذي يجعله لا يفرق بين الصواب و الخطأ عند الغضب، بدا كأن الأمر سهل عليه حول التحكم بأعصابه وعدم جعل زمام الأمور تنفلت منه..
حسن ظنه ” بعائشة” وعدم الشك بها؛ جعل الأمان و المحبة تورث في قلوبهما أكثر..
وقد ورد حثُّ النبي صلى الله عليه وسلم على حُسن الظن من خلال قوله: (إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تَنافسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا).
رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة.
اتجه ” بـدر” يساعد عائشة في اعداد طعام العشاء، وقف خلفها وهو يطوق كتفيها بحنان مع قُبلة حنونة على شعرها عقبها بقوله
” أنا آسف إني جيت على غفلة.. موبايلي فصل في الطريق و عندي خبر حلو حبيت اشاركه معاكِ.. ”
استدارت لتصبح في مواجهته تتأمله بابتسامة عزباء كأنها لم تراه منذ مدة، لتقول وهي تضع كلتا يديها حول رقبته
” اممم.. مش هتقولي بقى قابلت زين فين ؟ ”
” مرور ابتسامتك على قلبي، كمرور الربيع على حقل وردٍ من شدة سعادته أزهرَ و ابتهج ”
قالها، وهو يتأملها بحُب هائمًا في لمعة عيناها.. ردت بحاجب مرفوع دلالة على الاصرار
” عرفت إن زين أخويا منين يا بدر ؟ ”
” طفي على الأكل و تعالي بس معايا على الأوضه كده عشان جايب لك حاجة حلوة.. و بعدين هو في حد يعمل رز و فراخ و ملوخية الساعة عشرة بالليل ؟ ”
” المفجوع زين هو اللي طلب ”
سحبها ” بدر” من يدها للغرفة، ثم أوصد الباب خلفه قائلًا بحماس
” غمضي عينك ”
امتثلت عائشة لطلبه، فاغمضت عيناها متسائلة بفضول
” مش قادرة.. افتح.. افتح.. بدر افتح عيني.. ها.. خلصت ولا افتح.. ! ”
صاح بها “بدر” بانزعاج ضاحكًا
” اصبري على رزقك.. خلاص فتحي ”
فتحت عيناها، فوجدته يجلس أمامها و يمسك كفيها يُقبلهما بحنان، ثم وضع العُلبة التي تحتوي على خاتم الفراشة فيهما قائلًا
” يا سُكر العُمر يا ربيع حياتي، جئتك كالهارب من أذى دنياه، فأصبحتِ أنتِ بدفء لمساتك دنياي و ما فيها.. أخبريني حُلوتي، ماذا عساي أفعل عندما تضحكين ؟ و الحُب الذي بيني و بينك؛ صوت ضحكاتك تبعثر اتزاني، فقولي لي لكم من السنوات سأعاني ؟ ألا يكفيكِ أن أهديك عُمري و روحي، أم أن جمال عينيكِ تريد احتلال كياني !
عشقتك في ازدحام أفكاري، و كُنتِ أنتِ الفكرة الوحيدة التي أعجز عن نسيانها، أنتِ المرأة الوحيدة التي جعلت قلبي يذوب فيها جنونًا و ولهًا، أنتِ الدائمة و الثابتة، أنتِ المالكة لقلبي، يا نور قلبي.. ”
وقعت كلماته على سمعها فأطربه، و على قلبها فجعله يرقص من شدة سعادته، و على كامل حواسها؛ فجعلتها كالمجنونة في حُبه تريد الابحار في نهر عشقه، و الارتواء من عذوبته للأبد..
ضحكت برقة فضحك معها وهو يتحسس خداها بلُطف أثر تحوله لزهرة وردية اللون زارها الربيع فجأة بعد أن كانت آيلة للزوال..
قالت وهي تريح وجهها على كفه
” عارفة إني فاشلة في التعبير عن مشاعري بالفصحى مع إنها أجمل لغة، بس أنا بحبك..
بحبك أوي يا بدري.. ربنا يبارك لي في عمرك و في حُبك ”
“و أنا كلمة بحبك منك بتحسسني إن كنت ميت و رجعت للحياة من جديد، و مش أي حياة.. لأ، دي حياة أنتِ موجودة فيها.. يعني حياة كلها رقة و جمال و أمان”
قالت وهي تهبط من الفراش لتجلس أمامه ثم تعانقه بعاطفة
” الأمان ده هو اللي أنا حسيت بيه من شوية، حسيت بكل أمان العالم لما فهمتني صح و احتوتني، العلاقة اللي بتتبني على أمان..
عمرها ما تفشل ”
” مش هتفتحي العلبة ؟ ”
قالها وهو يشير للعُلبة بشغف، هزت عائشة رأسها بسرور و شرعت في فتحها، لتنبهر عيناها بخاتم رغم بساطتها و سعره المعقول إلا أنه نال اعجابها كثيرًا برقته و أناقته..
ارتدته و أخذت تنظر لاصبعها ضاحكة برقة..
” حلو أوي يا بدر.. دايمًا ذوقك بيعجبني ”
” عقبال الدهب يا حبيبتي، لما استقر في الشغل الجديد بإذن الله هدلعك يا بت.. ”
نظرت له مستفهمة، فقال بسعادة
” ربنا كرمني بشغل كنت بحلم بيه في شركة معروفة و كويسة جدًا ”
حكي لها بدر ما حدث معه منذ أن رأي رجل الأعمال ” مرتضى العبد ” فاقد للوعي في سيارته، إلا أن أوصله للفيلا خاصته، و اصراره على مجيء بدر للعمل معه..
نال اعجاب عائشة ما حدث و شجعته على ذلك قائلة
” الله.. فرصة جميلة أوي يا بدر.. بس الأول صلي استخارة وشوف الشغل ماشي ازاي قبل ما تمضي العقد.. ”
” إن شاء الله يا حبيبتي ده اللي هيحصل، و بإذن الله تكون فاتحة خير علينا كلنا.. ”
” يارب يا بدر.. مش هتقولي بقى عرفت زين ازاي ؟ ”
صمت للحظات قبل أن يقول
“أنا كنت أعرف قبل ما أخوكِ يظهر أصلًا…
” تيته قالت لك ؟ ”
” لا.. عمي محمود الله يرحمه ”
اتسعت عين عائشة بدهشة متسائلة
” يعني بابا كان عارف ؟؟ ”
هز بدر رأسه بإيماء ليكمل..
” أبوكِ الله يرحمه كان عارف إن والدتك متزوجة من دكتور أسنان محترم اسمه عبد الهادي قبل ما تشتغل في الكباريه.. خلفت منه زين بس كانت ناويه تسقطه لما عرفت إنها حامل و دكتور عبد الهادي هددها إنها لو عملت كده هيسجنها.. والدتك انتظرت لحد ما خلفت زين و لما كمل شهرين هربت.. كانت عاوزه والد زين يشاركها في فتح كباريه لكنه لتدينه و أخلاقه العالية رفض و طلقها، هو للأسف كان بيحبها جدًا و كان عارف ميولها وقال بعد الزواج هتتغير، لكن والدتك أصرت على اللي في دماغها، كانت بتحب الشهرة و الفلوس و قالت له الكباريه هيجيب ليهم فلوس كتير و يبقوا أغنياء و ساعتها ممكن تبيعه و يسافروا برا يعملوا شركة خاصة بيهم، لكن دكتور عبد الهادي كان بيحب شغله جدًا و بيخاف ربنا، لما لقى مفيش فايدة مع والدتك فطلقها و خد زين و سافر السعودية بعد ما زين تم السنتين..
هو مكنش ناوي يسافر لكن لما عرف إنها على علاقة مع عمي الله يرحمه و قلبت بحب بينهم، خد زين و سافر عشان ينساها للأبد و يبعد ابنه عنها..
من أربع شهور توفي الدكتور عبد الهادي و كان واخد عهد و اتفاق مع زين إنه لو جرا ليه حاجة، ينزل يعيش مع أهل أمه و جدته عشان يبقى في أمان وسطهم.. و زين ميعرفش إن والدته تزوجت تاني بعد والده و خلفتك يا عائشة..
لما نزل مصر و وصل لجدتك و ده من العنوان اللي أبوه كاتبه ليه في الورقة قبل ما يموت، طبعًا جدتك كانت عارفه كل حاجة و رحبت بيه زي ما رحبت بيك.. و في اليوم ده كلمتني
كنتِ أنتِ روحتي مع هاجر و عمتك سارة تكشف، لما قولت لي نفسك تشوفي البيبي في السونار..
أنا اتقابلت مع جدتك و زين، جدتك خافت أجي على غفلة البيت الاقيه موجود فدماغي تروح لحاجة تانية، و طبعًا ده مش هيحصل عشان بثق فيكِ.. المهم نفس الكلام اللي عمي حكاه ليا جدتك حكيته، و اتعرفت على زين أخوكِ.. شاب لطيف و طيب و محترم و فيه شبه كبير منك بس مش لدرجة حلاوتك يا رشيد الميزاني أنت..
قال آخر جملة وهو يغمز لها بغزل، فضحكت قائلة
” ياه.. الدنيا دي غريبة أوي.. ”
صمتت لتتسائل.. ” بس أنت ايه اللي خلاك تتحول كده أول اما شفته رغم انك عارف كل حاجة ؟ ده أنا قلت إنك هتصور قتيل ! ”
” بصراحة يا عائش أنا لوهلة الأمور دخلت في بعضها و غيرت لما لقيتك طالعة بشعرك قدامه، بعدين استوعبت إنه أخوك و عادي.. بس غصب عني والله.. أنا بغير عليكِ بجنون.. ”
تنهدت بتفهم، ثم نهضت وهي تسحبه للخارج من يده..
” يلا عشان تدوق أكلي.. ”
وضعت عائشة الطعام على المنضدة، بمساعدة الجميع، كل شخص يساعد في أي شيء كالعائلة السعيدة.. ثم شرعوا جميعًا في تناول الطعام بعد أن رددوا اسم الله عليه، ليتذوق ” زين” الملوخية ببطء خوفًا من أن يكون مذاقها سيء، و ” بدر” ينظر لها بعين التحذير كيلا يقول شيء يجرح مشاعر زوجته، و لكن ” زين” اتسعت عيناه البنية باعجاب تلألأ فيهما ليقول باستمتاع
” ما شاء الله.. تحفه فنية ”
لم تضع عائشة الطعام في فمها و ظلت تراقبه حتى يتذوق الملوخية، ما إن قال ذلك شرعت في تذوقها، فدهشت من مذاقها اللذيذ، أما بدر ظن أن زين يتصنع ذلك كما أخبره، فبدأ هو الآخر بتذوقها و بالفعل أعجبته كثيرًا..
ترك الملعقة و سحب يد عائشة برفق يُقبلها، قائلا أمامهم جميعًا
“تسلم الايد اللي علمت و تسلم الايد اللي طبخت.. أنا كده أفتح لك مطعم بإسمك..
الشيف عائشة الشربيني..”
ضحكوا جميعًا، لتقول الجدة بفخر
” تعليمي يا سي بدر.. ”
” والله يا حجة أي حاجة من ايد عائش جنة ”
” جنة دي السمنة اللي أمك بتطبخ بيها ”
قالها زين بعفوية وهو يأكل باستمتاع، مما رمقته عائشة بتحذير، و نظر له بدر بوجوم، اما جدتهم حمحمت لينتبه ” زين ” لما قاله..
قال الأخير بخوف قليلًا بعد أن انتبه لنظرات بدر
” أنا مقصدش حاجة والله.. هي مش والدة حضرتك برضو بتستعمل سمنة جنة ؟
و لا روابي ! أنا بقول لحضرتك تنصحها بالسمنة الفلاحي.. بتدوب في الأكل ”
” أنا اللي هقوم ادوبك في طبق الشوربة اللي قدامك دلوقت لو مكلتش و أنت ساكت ”
وضع زين الملعقة في فمه و أخذ يتناول طعامه وهو يكتم الضحك، و عائشة تنظر له بين الحين و الآخر، حتى فلتت ضحكة منها على مظهره رغمًا عنها، فضحك معها بدر دون أن يعقب بشيء..
انتهوا من تناول الطعام، و أثناء تفريغ عائشة للأطباق كي تغسلها، رن جرس الباب فذهب ” بدر” ليفتح وهو يقول لزين، الذي انتهى من طعامه و اتجه لمشاهدة التلفاز نائمًا على بطنه مثل البجعة
” قوم ياض علق على الشاي ”
فتح بدر الباب ليتفاجأ بـ ” شاب في مقتبل العشرينات لا يقف باتزان، يقول ببرود
“أنت مين يا شبح ؟ ”
جاءت الجدة من خلف بدر قائلة بخوف
” عصام ! ”
رد عصام بثمالة
” ايوه عصام يا ستي يا بَرَكة..
دخل مُتابعًا، بعد أن دفع بدر في صدره بلا مبالاة
” عندكوا عشا ايه.. أنا شامم ريحة باميه..
نظر لـ” زين” بتعجب ليقول
“أنت مين يـاض، و واخد الريموت بتاع ستي ليه؟ و مين اللي شبه اللوح التاني ده ! ايه يا ستو.. مين الشباب دول، أنتِ فاكرة نفسك السندريلا ؟ ”
~~~~~~~~~~~
كان ” أُبَيِّ ” في شركته يعمل لوقت متأخر من الليل، فالعمل كان شاقًا عليه اليوم، و أنجز العديد من الصفقات وحده..
انتهى أخيرًا، و هبط على الدرج بتعب و النعاس في عينيه يتوق للنوم..
في الخارج عند سيارة أُبَيِّ يقف شخص مجهول الهوية يرتدي قناع أسود، ينتظره و في يده سكينًا حادًا، بعد أن قام بتعطيل كاميرات المراقبة..
عندما لمح خطوات أقدام تتجه ناحية السيارة، خرج في الحال من المخبأ الذي تخفى فيه، ليقوم بالهجوم على الضحية و ذبحها في الحال.. !
تناثرت الدماء على السيارة و على الأرض، قام الجاني بالاتصال على شخص ما..ليقول
” حصل يا راجي بيه ”
على الجهة الأخرى يبتسم راجي بأنياب الشر قائلًا
” اقطع رقبته و هاتها ”
” أمرك يا بيه ”
اخذ الجاني يقطع الرقبة من اوصالها بكامل قوته، حتى نجح في ذلك و أخذها و هرب تاركًا الجسد يسيل منه الدماء.. !
في ذلك الوقت تم نشر خبر بجميع الجرائد أن رجل الأعمال الصاعد و الشاب الوسيم “أُبَيِّ الخياط”
تم التهجم عليه أمام شركته و ذبحه !
انتشر الخبر على الانترنت بسرعة البرق، تزامنًا مع تفحص ” نورا “لأنواع أجهزة المطبخ الجيدة التي ستبتاعها في جهازها..
كانت البسمة تملأ وجهها وهي تتخيل تلك الأجهزة تحوي منزل أُبَيِّ الذي سيصبح منزلها عما قريب.. توقفت عيناها على خبر ذبح خطيبها و توقفت أنفاسها مع ذلك الخبر.. !
في تلك اللحظة، لم تكن عائلة أُبَيِّ علمت بشيء بعد، كان يجلس بحزن على مقعد في الحديقة الخاصة ببيته، يفكر في الهول الذي أقحم قُصي فيه.. قال بحسرة و ندم
” جه الوقت اللي أعرف أنت فين يا قُصي و مقدرش أمنعك، بوابة الماضي لو اتفتحت هنغرق كلنا.. يارب استرها “
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)